بسم الله الرحمن الرحيم

و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطاهرين (2)
أبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء الحاضرون في هذه الجلسة، و لسفراء البلدان الإسلامية المحترمون الحاضرين، و لشعب إيران الجدير حقاً أن يبارك الإنسانُ عيدَ الفطر السعيد من أعماق وجوده و بكل قلبه لهذا الشعب الكبير المؤمن الوفي الشجاع المضحّي. كما نبارك هذا العيد للأمة الإسلامية الكبرى «اَلَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمينَ عيداً» (3)، فلقد جعل الله تعالى هذا اليوم عيداً للأمة الإسلامية.
لقد دعي الناس في هذا العيد إلى ركنين أساسيين: التوحيد و الوحدة. التوحيد موجود في هذا الذكر العميق الزاخر بالمعاني في صلاة العيد، و الذي تأتي بعده الزكاة، فهو صلاة و متممها الزكاة، هذا رمز التوحيد في هذا اليوم. و الوحدة تنبع في الواقع من هذا التوحيد، و هي تعاطف المسلمين، فالأجسام في الصلاة و في اجتماعات العيد إلى جانب بعضها، و القلوب تتوجّه نحو قطب واحد، قطب العظمة الإلهية، قطب القدرة و الرحمة الإلهية، هكذا هو هذا اليوم.
طبعاً العالم الإسلامي محروم اليوم من الوحدة للأسف، و يعاني من مشكلات و نزاعات. عندما تحل الاضطرابات و الاشتباكات بين المسلمين، فستنخفض الروح المعنوية. المعنوية و الإيمان طبقاً للمنطق القرآني يحتاجان إلى السكينة و الهدوء بدرجة كبيرة: «هُوَ الَّذي اَنزَلَ السَّكينَةَ في قُلوبِ المُؤمِنينَ لِيزدادوا إيمانًا مَعَ إيمانِهم» (4)، عندما تتوفر السكينة و الاستقرار و الهدوء و الأمن يأتي الدور لأن يزيد الناس من إيمانهم بالعمل الصالح و التوجّه إلى الله و ذكره. في البلد الإسلامي و في المجموعة الإسلامية عندما لا يأمن الناس على أرواحهم و أموالهم و أمنهم فلن تتوفر السكينة، و إذا لم تتوفر السكينة، فلن يتحقق ازدياد الإيمان، و المسلمون اليوم يعانون من هذا الوضع.
قلتُ للناس في خطبة الصلاة إن بغداد اليوم في مأتم، و الكثير من البلدان الإسلامية الأخرى في مأتم بسبب الحروب و سفك الدماء، سورية في مأتم، و اليمن في مأتم، و ليبيا في مأتم، و البحرين في مأتم. الأمة الإسلامية لا تستحق كل هذه المشكلات.
من أين تنبع هذه المشكلات؟ من أي مصدر خبيث لامبارك تصدر هذه المشكلات؟ من الذي يروج لنطفة الإرهاب غير الطاهرة هذه في العالم الإسلامي؟ باللسان، يتبرّأ الجميع من الإرهاب، و أحياناً يتظاهرون بعض التظاهر العملي ضد الإرهاب - و على حد تعبير رئيس الجمهورية المحترم يشكلون تحالفاً ظاهرياً كاذباً زائفاً ضد الإرهاب - لكن الباطن ليس هذا، فهم يروّجون للإرهاب في الباطن. إننا لا ننسى بدايات الأحداث في سورية حيث قام سفير أمريكا و حضر بين المعارضين ليشدّ على قلوبهم و يحرّضهم على تبديل نزاع سياسي إلى حرب داخلية. هل هذا بالعمل القليل؟ الكثير من البلدان تشهد نزاعات داخلية، فلمَ يجب أن يبدلوا نزاعاً سياسياً إلى حرب؟ و هي حرب داخل الشعب نفسه، أي إنها اقتتال بين الإخوة. ثم يجمعون الشباب بالأموال و العائدات النفطية الحرام من كل مكان و يوجّهونهم إلى هناك، في سورية بشكل، و في العراق بشكل. و قد اتسعت الدائرة الآن، في بنغلادش و في تركيا و أماكن أخرى. هذا ما يجرّ التعاسة على العالم الإسلامي و يزعزع الأمن فيه. لماذا لا نعرف عدونا؟
البعض يتصورون أن تشديدنا على عداء أمريكا لنا ناجم عن عصبية، لا، إنه ناجم عن معرفة و تجربة. إننا نجرب هذا العداء ضدنا منذ 37 عاماً. لقد شمّروا عن سواعد معاداة إمامنا الخميني الجليل و حركته العظيمة منذ بدايات الثورة. بدأوا مؤامراتهم مع بداية الثورة، و لا زالوا يتآمرون: حاولوا إثارة القوميات الإيرانية ضد الجمهورية الإسلامية فلم ينجحوا، و حاولوا إثارة العناصر العميلة ضد الشعب، و استطاعوا ذلك إلى حدّ ما لكن الشعب انتصر عليهم. و لا زالوا إلى اليوم يحاولون، لكن الشعب يقظ و الحكومة يقظة و المسؤولون جاهزون.
لقد تحققت هذه الخطة للأسف في مناطق و بلدان أخرى. هناك أفراد يذهبون لمساعدة الإرهابيين بالمال و الاتصالات و السلاح الحديث. من أين يأتي الإرهابيون بكلّ هذا السلاح الحديث؟ بأية أموال يشترونه؟ هذا ما يفشل العالم الإسلامي و الأمة الأسلامية و يقعدها، و يجب فهم هذه الأشياء و معرفتها.
و نشاهد اليوم أنهم يفعلون الشيء نفسه في مناطق أخرى. إننا لم نتدخل أبداً في قضية البحرين و لن نتدخل، لكننا ننصحهم، فالقضية هناك أيضاً قضية نزاع سياسي، و هم يفعلون ما يحوّل هذا النزاع السياسي إلى حرب داخلية، فإذا كان لديهم وعي و معرفة و إذا كان العقل السياسي يسودهم فلا يفعلوا هذه الأفعال. الخلافات و النزاعات السياسية قد تحصل في أي بلد، فلماذا يفعلون ما يدفع الشعوب إلى العنف و إلى أن يقف الناس بوجه الناس؟ هذه أخطاء يشاهدها الإنسان للأسف في بعض البلدان الإسلامية الأخرى.
الاستكبار العالمي و على رأسه أمريكا يريد أن يشغل هذه المنطقة بنفسها ليتنفس الكيان الصهيوني الصعداء. يريدون لقضية فلسطين أن تنسى، يريدون إنكار وجود جغرافيا و شعب. ليست فلسطين بلداً زائفاً حديث الظهور، ففلسطين لها تاريخ يمتد لآلآف السنين، و الشعب الفلسطيني شعب واحد، و صاحب أرض واحدة، و صاحب منطقة جغرافية، و الاستكبار يروم إنكار كل هذا و إنكار شعب فلسطين. هذه الضغوط التي يمارس حالياً الوحوش الصهاينة على شعب فلسطين سوف تعود سهامها إلى نحورهم، ليعلموا ذلك. القضية الفلسطينية قضية العالم الإسلامي المحورية، إنها قضية يجب أن لا ينساها أي بلد. أي بلد إسلامي، و حتى البلدان التي تتحلى بالضمير الإنساني، يجب أن لا تنسى أن هذه قضية أصلية و أساسية. شعب مظلوم محاصر يتعرض دائماً و طوال سبعين عاماً الأخيرة للظلم و الجور، هذا ما يجب أن لا ينسوه. القضايا الأخرى في العالم الإسلامي هي في الغالب حسب ظننا لإنساء قضية فلسطين هذه، لذلك يخلقون الفجائع.
لاحظوا أحداث اليمن. ما يحدث في اليمن فاجعة، إنه فاجعة. سنة و عدة أشهر و هذا الشعب يتعرض لسبب واهٍ لهجمات و قصف من قبل بلد آخر يسمى إسلامياً، لا أن جبهات القتال هي التي تقصف، إنما المستشفيات هي التي تقصف، و بيوت الناس هي التي تقصف، و المساجد هي التي تقصف، و البنى التحتية للبلد هي التي تدمّر، هذا وضع لا يقبل الدوام و الاستمرار، و يجب على المعتدي أن يكفّ عن عدوانه، و على العالم الإسلامي أن يعاقب المعتدي حتى لا يفكر الآخرون في الاعتداء.
الشعب الإيراني صامد، و لقد أثبت خلال هذه الأعوام الـ 37 أنه صامد. و قد أثبت كذلك أن الصمود هو طريق التقدم. لو كان الشعب الإيراني قد استسلم و أبدى الضعف و الخضوع مقابل طلاب الهيمنة و المتكبرين في العالم، لما حقق هذا التقدم، سبيل التقدم هو الصمود و الاستقامة و تقوية البنية الداخلية و تعزيز العزيمة و الإرادة الوطنية، و تقوية الارتباط بالله.
أعزائي، اعرفوا قدر هذه المناجاة في شهر رمضان، و اعرفوا قدر هذه الأدعية، و اعرفوا قدر إحياء الليالي المبارك، و ذرف الدموع الطاهرة الجارية على الوجوه في ليالي القدر و في مجالس الدعاء و المناجاة و الاستغاثة و التضرع، فهي ذات قيمة و أهمية كبيرة. إنها تقوّي قلب الإنسان المؤمن و تزيد من توكله على الله. عندما تتوكلون على الله فلن تخافوا من غير الله، و عندما لا تخافون من غير الله، ستسيرون بخطى راسخة نحو أهدافكم العليا.
اللهم احشر الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل الذي دلنا على هذا الطريق و وضع أقدامنا عليه، و أرواح الشهداء الأبرار المطهرة الذين ضحّوا بأرواحهم في هذا الطريق، مع الرسول و آل الرسول.
و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 -
في بداية هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة عيد الفطر السعيد، ألقى حجة الإسلام و المسلمين الشيخ حسن روحاني رئيس جمهورية إيران الإسلامية كلمة بالمناسبة.
2 -
صلوات الحضور.
3 -
مصباح، ج 2 ، ص 604 (دعاء قنوت صلاة العيد).
4 -
سورة الفتح، شطر من الآية 4 .