بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفي محمد، و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، عوائل الشهداء المبجّلة، التي يعود بقاء الثورة و أمن البلاد و تقدمها من كل النواحي، و من دون مبالغة، إلى صبرها و استقامتها، و إلى دماء أبنائها الشهداء الأبرار. و الأيام هذه أيام مناسبة جداً، فهي أيام شهادة مولى المتقين، و هذا الإنسان العظيم هو أكبر شهيد في تاريخ الإسلام، بل أكبر شهيد في تاريخ الإنسانية. كما يستخدم تعبير «ثار الله» لسيدنا الإمام أبي عبد الله الحسين سيد الشهداء (عليه السلام)، أي الشخص الذي يعدّ الله ثاره - هذا هو معنى ثار الله، فعظمة ثاره بالمستوى الذي لا يمكن أن يكون سوى الله تعالى نفسه ثار هؤلاء الأجلاء - نفس هذا التعبير بالضبط يصدق على الإمام أمير المؤمنين، فأنتم تقولون: «يا ثارَ اللهِ وَ ابنَ ثارِه» (2)، و «وَ ابنَ ثارِه» أي إن الإمام أمير المؤمين علي بن أبي طالب هو في نفس هذه المرتبة من عظمة الثأر. تتجلى من هذه التعابير بكل وضوح عظمة هذا الشهيد الكبير، الشهيد في المحراب، شهيد درب الحق، شهيد القاطعية و الحسم، شهيد الاستقامة.
و هذه الأيام أيام دعاء و تضرع و توسّل و ما شابه. من أدوات التوسل و التقرب لله التوجّه بأرواح الشهداء الطاهرة. أي إننا في هذه الليالي - سواء ليالي القدر أو كل ليالي شهر رمضان و كل واحدة منها لها قصة و حكاية طويلة - إذا أردنا التوسل و التضرع و الدعاء المستجاب، فيجب أن نستشفع بالأرواح المتعالية، و من هذه الأرواح المتعالية أرواح شهدائنا الأعزاء. و عوائل الشهداء أمامها هذه الفرصة - سواء آباء الشهداء أو أماتهم أو أبناؤهم أو زوجاتهم أو بقية ذويهم - بأن يستمدوا من أرواح شهدائهم الأعزاء المعلقة قلوبهم بهم، للتقرب إلى الله.
عوائل الشهداء عزيزة جداً. قلتُ دوماً إن شهداءنا يقفون في الخندق الأمامي للدفاع عن القيم و الثورة و الإسلام و القرآن، و يليهم مباشرة عوائلهم، آباؤهم و أمهاتهم و زوجاتهم و أبناؤهم، و هذا شيء ينبغي معرفة قدره. ليست قليلة تأثيرات هذه الشهادات على الإسلام و المسلمين. اليوم و بعد مضيّ 35 عاماً على حادثة السابع من تير و شهادة أولئك الأعزاء، لا تزال تلك الحادثة ملهمة. بمعنى أن جماعة إرهابية خبيثة لا ترحم في داخل البلاد هاجمت مجموعة من الشخصيات الكبيرة و الأصلية و أركان البلاد و اغتالتها و حرمت البلاد من وجودهم، ثم هربت و ذهبت إلى أحضان تلك البلدان التي ملأت العالم بأصوات معاداتها للإرهاب، لكنها استقبلت هذه الجماعة الإرهابية بالأحضان المفتوحة. الحكومات الأوربية - و هذه الحكومات الآسيوية و ما شابهها من رجعيي المنطقة لا يستحقون الذكر - التي تنادي بأعلى الأصوات بمعاداة الإرهاب و مناصرة حقوق الإنسان و ما شابه من كلام، و يعتبرون أنفسهم أصحاب القضية، لا يزال هذا السؤال المطروح عليهم دون جواب أنْ لماذا فتحتم أذرعكم و احتضنتم قتلة هذا الشعب؟ لماذا منحتموهم المأوى و الملجأ؟ لماذا لم يسلموهم لحكومة الجمهورية الإسلامية لتنفذ فيهم الحكم الإلهي؟ لماذا؟ هذه الفضيحة الكبرى للحكومات الغربية و الحكومات الأوربية و الأمريكية في هذه القضية تعتبر حدثاً تاريخياً، و هذا شيء مهم جداً، و لا يمكن المرور به مرور الكرام، و التاريخ لن يترك هذه الحادثة. هذا جانب من القضية، و الجانب الآخر من القضية هو هؤلاء الإرهابيون أنفسهم. هؤلاء أشخاص دخلوا سياق الكفاح تحت عنوان الدفاع عن الشعب، و بعضهم تحت عنوان الدفاع عن الإسلام، و سجّلوا هذه الفضيحة و هذه الفاجعة في ملفهم، ثم ذهبوا و لجأوا عند شخص مثل صدام. نفس هؤلاء الذين كانوا يزعمون مناهضة أمريكا لجأوا إلى صدام، و يعيشون اليوم في ظل دعم أمريكا، سواء في العراق أو في أجزاء من أوربا حيث نقلوهم إلى هناك. لقد كانت حادثة عجيبة قضية السابع من تير هذه في سنة 60 [28 حزيران 1981 م]. في هذا الحدث الكبير عبر و دروس.
نحن طبعاً قليلو العمل و النشاط. قال السيد شهيدي الآن إننا في مؤسسة الشهداء نعمل، لكن العمل ليس فقط أن نبدي الاحترام لعوائل الشهداء و نكرّمهم و نبجّلهم، لا، ينبغي أن تحيوا الحادثة و تبقوها حية. إن الشعب و الروح الثورية للشعب نفسه هي التي أبقت هذه الأحداث حية إلى الآن، و إلّا فإننا لا نمتلك حتى فيلماً واحداً حول هذه الحادثة الكبيرة، و لا نمتلك أثراً فنياً حول حادثة السابع من تير يبين الحقائق و يتضح من خلاله من كان هؤلاء؟ و كيف كانوا؟ من كان هؤلاء الذين استشهدوا؟ و من كان الشهيد بهشتي؟ و من كان أولئك الوزراء المخلصون المؤمنون المضحّون الذين نزلوا إلى الساحة بكل وجودهم، و كنا قد عشنا معهم، و عملنا معهم، و عرفناهم عن كثب؟ و كيف كانوا؟ ليس لدينا لحد الآن أثر فني واحد، أو فيلم سينمائي واحد، أو مسرحية مجسدة واحدة، أو رواية جيدة. هذه أعمال لم نقم بها و يجب أن نقوم بها. هذا ما يتعلق بتلك المجموعة.
و حول شهداء فترة الدفاع المقدس أنجزت بعض الأعمال، و لكن مهما أنجز من الأعمال يبقى قليلاً. آلاف الشهداء في أحوال مختلفة من مدن متعددة و بمستويات متنوعة، من اليافع ذي الأربع عشرة أو خمس عشرة سنة إلى الشيخ ذي الستين أو سبعين سنة، ساروا إلى هذا الميدان و جعلوا الحرب شعبية و أخرجوها من حيّز القوات الرسمية. أي عمل ينشط فيه الشعب وراء القوات الرسمية و إلى جانبها و يعمل فيه بتحفز و اندفاع، مثل هذا العمل سوف يتقدم إلى الأمام. و اليوم أيضاً هذه هي توصيتنا للمسؤولين الحكوميين في كل المجالات، في المجالات الاقتصادية و غيرها. لقد حدث هذا في الحرب، حيث سار الناس و عرّضوا أنفسهم لهذا الامتحان العجيب، و ليس هذا بالهزل، فنحن نسمع شيئاً عن الحرب. إقرأوا هذه الكتب التي سجّلت تفاصيل العمليات العسكرية، من المستويات العليا و المقرات الأصلية لساحة الحرب التي هي للجيش و الحرس الثوري إلى المستويات الأدنى و إلى مستوى الأفواج و السرايا و الفصائل. سير كل واحد من هؤلاء الشباب فيها دروس لنا. كل واحد من هؤلاء الشباب الذين استشهدوا و سلوكهم و أقوالهم و تحركاتهم نافذة مطلة على عالم من المعرفة، فهي توقظ الإنسان و توعّيه.
تطرح اليوم قضية الشهداء المدافعين عن مراقد أهل البيت، و هي من الأحداث العجيبة في التاريخ. كنا في زمن الحرب نشجّع الشباب للذهاب إلى ساحة الحرب و كانوا يستجيبون و يذهبون. كان الإمام الخميني يلقي خطاباً فتهبّ جموع الشباب و تلتحق، أما اليوم فنحن لا نقوم بمثل هذا التشجيع، و مع ذلك فإن الدوافع و المحفزات قوية و هذا الإيمان شفاف إلى درجة أن هؤلاء الشباب يهبون من إيران و أفغانستان و بلدان أخرى و يتركون زوجاتهم الشابات و أطفالهم الصغار و حياتهم المريحة و يتوجّهون إلى بلد غريب و تراب غريب فيجاهدون في سبيل الله و يستشهدون، هل هذا بالشيء الصغير؟ لقد شهدت كل فترات تاريخ الثورة الإسلامية أمثال هذه الأحداث المذهلة الصانعة للتاريخ، هذه أحداث مبهرة.
و أريد أن أقول إن لهذا الأمر ثلاثة جوانب: أحد الجوانب جانب الصبر الذي يبديه نفس هذا الشهيد، و التحفز و الإيمان لدى هذا الشهيد. و جانب آخر هو صبر عوائل الشهداء و مقاومتها، فهذه المرأة الشابة كان يمكن أن تفعل ما من شأنه أن تمنع زوجها من الذهاب، و هذان الوالدان كانا يستطيعان منع ابنهما الشاب من الالتحاق. هؤلاء صبروا، صبروا على ذهابه، و صبروا عندما عادت جنازته الطاهرة، و صبروا بعد ذلك أيضاً. و الجانب الثالث هو الحادثة نفسها التي تؤرخ للثورة الإسلامية، هذه هي ثورتنا و هذا هو النظام الإسلامي. هذه المحفزات و هذا الإيمان و هذه القدرات الروحية و هذه العزائم و الإرادات هي التي أوجدت الجمهورية الإسلامية، فهل يمكن الاستهانة بالجمهورية الإسلامية؟ ما الذي يظنه الأعداء حول نظام الجمهورية الإسلامية؟ جسد عظيم هائل تشكل هذه الأمور كل اقتداره و كل قوى الجمهورية الإسلامية.
نعم، توجد نقطة الضعف الفلانية في الجانب الفلاني، و يوجد الشخص الفلاني الخائر الهمّة و الضعيف الإرادة الذي يبتلى بالإدمان و يمنى بالفساد و يعاني شتى صنوف الإشكالات. هذه حالة موجودة في أي مجتمع. المهم هو أن يتمتع المجتمع بتلك الأركان الصائنة الحافظة التي تستطيع أن تمضي به إلى الأمام و تحفظه و تصونه عند الحوادث، و تحميه كالصخرة. شهداؤنا هم هؤلاء الأعمدة الصخرية، و هم عوائل الشهداء، و هم المضحّون و الفدائيون. و لهذا السبب فإن الجمهورية الإسلامية غالباً ما تنتصر على التحديات عند وقوعها.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، ربما قلتُ هذا الكلام عشرات المرات تزيد أو تنقص، و أكرره مرة أخرى: أين ما اعتمدنا على الثورة و على الروح الثورية تقدمنا إلى الأمام، و أين ما تنازلنا عن القيم و تجاهلنا الثورة و انتقصنا من هذا الجانب منها و من ذاك الجانب، و أوّلناها و برّرناها، و كتمنا آراءنا و مواقفنا إرضاءً للعناصر الاستكبارية الذين هم الأعداء الأصليون للإسلام و لهذا النظام، متى ما فعلنا هذا تأخرنا. هكذا هو الواقع. طريق تقدم إيران الإسلامية هو إحياء الروح الثورية و إحياء الروح الجهادية.
للجهاد ساحات كثيرة. و بالطبع فإن كل ساحات الجهاد فيها أخطار. لاحظوا شهداء الطاقة النووية، لقد عملوا في ميدان العلم لكنهم تعرضوا لتطاول الأعداء. هذا جهاد، «فَضَّلَ اللهُ المُجاهِدينَ على القاعِدينَ اَجرًا عَظيمًا» (3). أن يقرر الله تعالى للمجاهدين فضلاً و رتبة فهذا هو السبب. كم يمكن أن نعمّر في هذه الدنيا؟ بقيت هذه الدنيا قبلنا و ستبقى بعدنا مليارات السنين، و نصيبنا أنا و أنتم من هذه المليارات من السنين خمسون سنة أو ستون سنة أو سبعون سنة. يجب أن نستفيد من الفرصة في هذه المدة و نعدّ أنفسنا للحياة الواقعية التي هي «اِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِي الحَيوان» (4). خلال هذه الفترة يجاهد بعض الناس، و يرفعهم هذا الجهاد إلى مراتب عليا، فلا يعمّرون آخرتهم فقط بل يعمرون دنيا الآخرين أيضاً و يقوّونها و يوجدونها. هذا من فعل الجهاد و الشهداء: «وَ لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ اَمواتًا»، هؤلاء ليسوا موتى، «بَل اَحيآءٌ عِندَ رَبِّهِم يرزَقون فَرِحينَ بِمآ ءاتاهُمُ اللهُ مِن فَضلِه‌ وَ يستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يلحَقوا بِهِم اَلّا خَوفٌ عَلَيهِم وَ لا هُم يحزَنون» (5). هكذا هو الحال. هذا كلام الله و بشرى الله التي تقول إن هؤلاء أحياء و هم عند الله يلطف بهم و يرزقهم و هم فرحون مبتهجون، و يبعثون لنا أنا و أنتم الرسائل يقولون فيها: اعلموا إنكم إذا سرتم في هذا الدرب فإنه درب لا حزن فيه و لا قلق و لا خوف «اَلّا خَوفٌ عَلَيهِم». هذا هو الدرب. ساروا على الدرب بصورة صحيحة و تحركوا بطريقة صائبة.
طبعاً أنتم عوائل الشهداء تحمّلتم الصعاب و الغصص، و معكم حق، فقدان شبابكم - سواء كان هؤلاء الشباب أزواجكم، أو أبناءكم، أو أصهاركم، أو إخوانكم - صعب جداً. إنه صعب و عسير جداً على الأقرباء، و لكن اعلموا إنهم فرحون و مرتاحون جداً، و يعيشون في ظلال النعمة الإلهية.
ينبغي التصرف بهذه الطريقة مقابل الأعداء المستكبرين. الأعداء المستكبرون غير مطلعين على هذه الحقيقة، و لا يستطيعون فهمها في حساباتهم. لقد سمعتم أشياء حول الحرب غير المتكافئة. معنى الحرب غير المتكافئة هو أن أحد جانبي النزاع له قدرات ليست متوفرة لدى الجانب الآخر. نوعيتهم و أساليبهم و قدراتهم و إمكانياتهم، بل و مصادر القدرة أحياناً في كل طرف غير معروفة بالنسبة للطرف الآخر. هذه هي الحرب غير المتكافئة. إنهم لا يعلمون أية قدرة تكمن في الإيمان بالله و في الاعتقاد بالجهاد. يرون آثار ذلك لكنهم لا يستطيعون تحليلها بصورة صحيحة، لذلك يبادرون لأعمال جنونية. قضية داعش و الإرهابيين التكفيريين و ما إلى ذلك كلها من هذا القبيل. لقد أطلقوا هذه الجماعات من أجل أن يهزموا الجمهورية الإسلامية، و قد كان العراق مقدمة، و كانت الشام مقدمة، كانتا مقدمتين من أجل أن يستطيعوا التأثير هنا، لكن القوة هنا أدت إلى تعثرهم هناك، و إلّا فقد كان هذا هو هدفهم. الشخص الذي ينهض من هنا و يذهب إلى العراق أو إلى سورية ليدافع عن مراقد و حرمات أهل البيت (ع) و يقف بوجه التكفيريين، إنما يدافع في الواقع عن مدنه. و نيّتهم طبعاً هي الله، لكن هذا هو واقع القضية، إنه دفاع عن إيران، و دفاع عن المجتمع الإسلامي. و الأمر لا يختص بالشيعة، فأولئك التكفيريون لا يعرفون شيعة و سنة، فهم يعتدون على السنة أيضاً. كم لدينا في داخل بلادنا من علماء أهل السنة - المرحوم شيخ الإسلام (6) في سنندج، و المرحوم حسين بر (7) في بلوشستان، و علماء آخرون - اغتالهم هؤلاء التكفيريون و أراقوا دماءهم على الأرض مظلومين. إنهم لا يعرفون سنة و شيعة. إنهم يعتدون على كل من يناصر الثورة و كل من يواجه الاستكبار و كل من يعادي أمريكا، و يسمّون ذلك حرباً بين الشيعة و السنة.
لاحظوا ما يجري في البحرين اليوم، ليست قضية البحرين قضية حرب بين شيعة و سنة، بل هي قضية حكومة جائرة بلهاء لأقلية مستكبرة أنانية على أكثرية واسعة. أقلية صغيرة تحكم سبعين بالمائة أو ثمانين بالمائة من شعب البحرين. و قد تطاولوا الآن على هذا العالم المجاهد الشيخ عيسى قاسم، و هذا يدل على حماقتهم، و يدل على بلاهتهم. لقد كان الشيخ عيسى قاسم إلى اليوم و إلى حين ما كان يستطيع التحدث مع الناس، كان شخصاً يحول دون التحركات العنيفة و المسلحة للناس و يمنعها. لا يفهمون مع أي شخص اشتبكوا، و لا يدركون أن الاعتداء على الشيخ عيسى قاسم يعني رفع المانع من أمام الشباب البحريني المتحمس المتحفز الذين لو هجموا على النظام الحاكم لما أمكن إسكاتهم عن أي طريق آخر. حين نقول إن حساباتهم خاطئة فهذا أحد النماذج: حسابات خاطئة نتيجة عدم فهم وضع المجتمع و وضع الشعب و إيمان الشعب و عدم معرفة الشعب.
الطريق طريق الإسلام، و الدرب درب التوكل على الله، و السبيل سبيل التوسل بعتبة العزة الإلهية. الطريق طريق الإيمان، و هذا هو الطريق الصحيح. يستطيع الشعب بالإيمان و بالجهاد و بالعزيمة الراسخة أن يرفع كل هذه الموانع و العقبات من أمام طريقه. و الحمد لله على أن المؤمنين المجاهدين الناشطين ليسوا قلائل بيننا اليوم، سواء في بلادنا، أو في البلدان الأخرى، و تلاحظون أنهم اليوم يقفون من بلدان مختلفة ضد هجمات مرتزقة أمريكا و إسرائيل، و راحوا يقاومون، مع أنهم ليسوا في بلادهم بل بعيدون عن بلادهم.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، اعرفوا قدر هذه الليالي، و اعرفوا قدر هذه الساعات، ادعوا الله و و اطلبوا من الله بتوجه و تضرع، ادعوا الله و اطلبوا منه أن يستجيب أدعية باقي الناس. في هذه الليالي - مثل الليلة البارحة، و مثل ليلة غد و مثل ليلة الثالث و العشرين - حيث ترتفع الأصوات بالتضرع في أطراف العالم الإسلامي و أكنافه، في أيّ مكان يشهد اعتقاداً و إيماناً بهذا المعنى: «اِلَيك عَجَّتِ الاَصواتُ بِصُنوفِ اللُّغات» (8)، الأصوات مرتفعة، و البكاء، و الاستغاثات، يدعون لأنفسهم و للآخرين، فليكن أحد أدعيتكم أن يستجيب الله تعالى أدعية المؤمنين الذين يدعون في هذه الليالي، اطلبوا هذا من الله.
يجب قراءة الدعاء بحضور قلب. أقول هنا إن بعض هذه التجمّعات التي تقرأ فيها الأدعية هي للحق و الإنصاف تجمعات طيبة جداً، بمعنى أن قارئ الدعاء لا يقرأ الدعاء للمستمع فقط، إنما يقرؤه لنفسه أيضاً. هكذا هم البعض، فهو أيضاً يتأثر بالدعاء. عندما يقرأ القارئ الدعاء و كأنه يتحدث مع الله و يرى نفسه واقفاً بين يدي الله رب العالمين - عندما يكون الأمر هكذا - و حين يندمج في أجواء الدعاء ستنتقل هذه الأحاسيس و الأجواء إلى المستمع أيضاً. و يشاهد المرء بعض الحالات النادرة طبعاً يكون فيها قارئ الدعاء خارج عالم الدعاء أساساً. أحياناً يشاهد الإنسان بعض هؤلاء في التلفاز حيث يقرأ القارئ الدعاء شيئاً بلحن معين، فلا هو يتوجّه و لا يعيش حالة الدعاء و مشاعره، و حين لا يعيش هو حالة الدعاء فلن يعيش مستمعه أيضاً حالة الدعاء. لا دموعه تجري و لا يستطيع استذراف دموع المستمع. لا يستطيع تقليب قلب المستمع لأن قلبه هو نفسه لم يتقلب. ينبغي أن لا يقرأ الدعاء بهذه الصورة.
الدعاء تكلم مع الله، و على حد تعبير إمامنا الخميني الجليل «الدعاء قرآن صاعد» (9)، و هو تكلم و تحدث مع الله. تارة تقرأون القرآن فيكون الله هو الذي يتحدث معكم، و تارة تقرأون الدعاء، فهنا أنتم تتحدثون مع الله. عندما تقرأون القرآن فهذا هو القرآن النازل، أي إن الله تعالى يتحدث معكم، و يجلي لكم الحقائق، إنه ينزل من الأعلى. و عندما تقرأون الدعاء فأنتم الذين تتحدثون مع الله، و صوتكم هو الذي يصعد إلى الأعلى. و طبعاً فالدعاء إذا قرئ بشكل جيد فإنه دعاء يسمع: «وَ اسمَع دُعائي اِذا دَعَوتُك وَ اسمَع نِدائي اِذا نادَيتُك» (10)، و هذا ما نقرؤه في المناجاة الشعبانية. ربي اسمع دعائي. هناك نوع من قراءة الدعاء لا يسمعه الله. نقرأ في الدعاء: «اَعوذُ بِك مِن نَفسٍ لا تَشبَع وَ مِن قَلبٍ لا يخشَع وَ مِن دُعاءٍ لا يسمَع» و «وَ مِن صَلٰاةٍ لا تَنفَع» (11). «اَلصَّلوةُ قُربانُ كلِّ تَقي» (12) الصلاة يجب أن تقربنا إلى الله، فهي مقربة، و إذا لم يقربنا فهي غير ذات فائدة. طبعاً عدم الفائدة لا يعني أن لا نصليها و نقول طالما كانت عديمة الفائدة إذن لا نصليها، لا، يجب أن تصلوها و تأدّوا الواجب، و لكن اعملوا ما يجعلها صلاة نافعة فيها فائدة و بتوجّه و حضور قلب.
فرصة الصيام هذه فرصة قيمة جداً بالنسبة لكم، يمكنها أن ترقق قلوبكم كثيراً و تقرّبها إلى الخشوع لتستطيعوا التحدث مع الله. يجب قراءة الدعاء بهذه الصورة. الأدعية الواردة في أسحار هذه الليالي، و في الليالي، و الأدعية الخاصة بليالي القدر، أو غير المختصة بليالي القدر بل هي لكل الليالي، هذه الأدعية قيمة جداً. ما عدا المعارف المدرجة في هذه الأدعية فإن الشعور بالتضرع و الخشوع نفسه و الذي يكتسبه الإنسان من هذه الأدعية شيء قيم جداً.
نتمنى إن شاء الله أن يحشر الله تعالى شهداءنا الأبرار، سواء شهداء السابع من تير، أو شهداء الطاقة النووية، أو شهداء الدفاع المقدس، أو الشهداء المدافعون عن مراقد أهل البيت، أو شهداء الثورة الإسلامية من أوّلهم إلى آخرهم، أو الشهداء الذين استشهدوا في سبيل أداء الواجب، أن يحشر الله جميع هؤلاء الشهداء مع الرسول الأكرم (ص)، و أن يمنّ عليكم أنتم عوائل الشهداء و على عوائل الشهداء كلها في كل أرجاء البلاد بالأجر و الثواب الوافي، و ينزل على قلوبكم الصبر و السكينة و الطمأنينة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
الهوامش:
1 - في بداية هذا اللقاء تحدث حجة الإسلام و المسلمين السيد محمد علي شهيدي محلاتي (ممثل الولي الفقيه و رئيس مؤسسة الشهداء و المضحين).
2 - الكافي، ج 4 ، ص 575 .
3 - سورة النساء، شطر من الآية 95 .
4 - سورة العنكبوت، شطر من الآية 64 .
5 - سورة آل عمران، الآيتان 169 و 170 .
6 - ماموستا محمد شيخ الإسلام (عضو مجلس خبراء القيادة) الذي اغتيل مقابل مسجد السيد محمد قطب في كردستان.
7 - المولوي فيض محمد حسين بر (من علماء سيستان و بلوشستان البارزين) اغتيل في منزله سنة 1981 م.
8 - إقبال الأعمال، ج 1 ، ص 346 .
9 - من ذلك صحيفة الإمام الخميني، ج 21 ، ص 396 ، الوصية السياسية - الإلهية.
10 - إقبال الأعمال، ج 2 ، ص 685 .
11 - الكافي، ج 2 ، ص 586 .
12 - الكافي، ج 3 ، ص 265 .