وفيما يلي النص الكامل للمقابلة الحصرية التي أجراها موقع Khamenei.ir مع أحد قادة المقاومة في العراق سماحة السيد هاشم الحيدري:

 

* في السنوات الأخيرة كما يبدو، طرأت تحوّلات وتطوّرات واسعة على صعيد العالم ولاسيما في منطقة غرب آسيا. ما هي أهم هذه التطوّرات من وجهة نظركم؟

بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رحمة الله عليه)، بدأ أفول القطبية الأمريكية والسوفيتية. حيث سقط الاتحاد السوفيتي، ونحن في مرحلة أفول وانخفاض بل بدايات سقوط القطبية الأمريكية الاستكبارية. والسبب بكل صراحة هو الجمهورية الإسلامية. فالإمام الخميني (رحمة الله عليه) رسم لتغيير خارطة العالم السياسية. وهو ينظر من منظار القرآن، لا من منظار السياسة الكاذبة أو المتغيرة. والقرآن يقول: ﴿وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّه وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ﴾.

أنا أعتقد أن الإمام الخميني (رحمة الله عليه) والثورة الإسلامية هي صاحبة المفتاح؛ أي أنّ شرارة وبداية هذا التغيير بدأ على يد الإمام والثورة الإسلامية، وتصاعد هذا التغيير أو محاولة التغيير والسعي لهذا التغيير على يد الإمام الخامنئي. فإنه بعد أن أصبح قائداً وبعد انتهاء الحرب المفروضة والدفاع المقدس، انفتحت الجمهورية الإسلامية بنظرة جديدة إلى العالم تتناسب مع المرحلة. والإمام الخامنئي جاء بمرحلة جديدة وبنظرة جديدة وباستراتيجية جديدة مكمّلة لاستراتيجية الإمام الخميني (رحمة الله عليه).

العالم اليوم بدأ يتغير. وأمريكا تفقد تماماً السيطرة على كثير من مواقعها. فاليوم إذا نظرنا في منطقتنا، لا نجد موقعاً أمريكا فيه منتصرة، فقد فشلت في فلسطين، وإسرائيل اليوم متزلزلة، وبدأت في فلسطين الانتفاضة الثالثة.

وباعتقادي نحن كمسلمين وكخطّ ولائيّ مقاوم، ينبغي أن نمتلك الجرأة في التفكير أولاً، والجرأة في الحديث ثانياً، والجرأة في التطبيق ثالثاً. 

هذه أوروبا يوجد فيها أكثر من ثلاثين لغة، ولكن مع ذلك أقاموا لهم الاتحاد الأوروبي. ورغم اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وأديانهم وحتى مواقعهم الجغرافية المتباعدة، يفكرون سوية ويقرّرون سوية ويستخدمون عملة واحدة، وقد ارتقوا من الاتحاد الأوروبي إلى الناتو مع أمريكا.

ونحن مع وجود الجمهورية الإسلامية، ومع وجود حركات المقاومة فی المنطقة، نستطيع أن نفكّر في اتحادٍّ إسلامي، ونستطيع أن نتحرك لخلق وجود إسلامي واقعي أكثر من الموجود حالياً.

نحن الآن نعيش في أفضل حالات خط الإمام الخميني (رحمة الله عليه) وخط ولاية الفقيه في المنطقة. وبالطبع فإن هذا الخط، كما هو ديدن الإمام الخميني وسيرة وفكر الإمام الخامنئي، هو خطٌّ يُوحّد الصفوف، ولا ينفرد، وهو خطّ شرعي أصيل، ولكنه يوحّد بين السنة والشيعة، ويعمل على الجذب إلى أكثر ما يمكن على حدّ تعبير الإمام القائد، ويقارب بين العلماء والمراجع والحوزات، ويقوّي كل الحوزات. خطّ الولاية يريد الإسلام، ويريد لكل المسلمين سنة وشيعة الوحدة والقوة. فليقوى السني أمام أمريكا، وهذا لا إشكال فيه من منظار الولاية. فإن فلسطين ليست شيعية، ولكن الجهة الشرعية الوحيدة - وليست إحدى الجهات - التي دعمت فلسطين هي ولاية الفقيه، منذ تأسيس الثورة الإسلامية وإلى اليوم.

نستطيع أن نفكّر في اتحادٍّ إسلامي، ونستطيع أن نتحرك لخلق وجود إسلامي واقعي أكثر من الموجود حالياً.

 

 

* ما هو مخطط الولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي ومحور المقاومة؟

تستفيد أمريكا من أسلوبين وطريقتين. الأسلوب الأول هو الحرب الناعمة الذي ينتهي إلى النفوذ في البلدان، بما في ذلك النفوذ الإعلامي والثقافي والسياسي والاجتماعي وحتى الفكري والديني، أي أن بإمكان العدو الاختراق في الدين. وقد ضرب سماحة الإمام الخامنئي في العام الماضي مثالاً حول ذلك العالم الذي كان يعيش في النجف، وكان يخدمه شخص بريطاني، جاء وتعلّم اللغة العربية ونفذ إلى النجف. فإن البريطانيين منذ ذلك الوقت، وقبل احتلالهم للعراق، نفذوا بهذه الطريقة.. هذا أسلوبٌ.

والأسلوب الثاني هو الحرب الصلبة؛ أي الحرب العسكرية. فإن الأمريكان صنعوا تنظيم طالبان أولاً ثم القاعدة، واستفادوا من ذلك الجوّ لصناعة مؤامرة جديدة من أجل تشويه الإسلام والسيطرة على العالم الإسلامي. ثم انتقلوا إلى مرحلة داعش، وهي مرحلة تكفيرية وتشويهية للإسلام بشكل فجيع ومقزّز جداً. وداعش هي كالكلب المسعور وكالأسد المفترس الذي أطلقوه على المنطقة بسلاح قويّ وإمكانات قوية، في سوريا وفي العراق وفي اليمن. وهذا في الواقع هو أسلوب أمريكا التي استفادت من آل سعود بثرواتهم ونفطهم ومكانتهم في المنطقة. وبالتالي فإنّ داعش هو مشروع تكفيري، حيث حشّدوا إعلامياً في مدارس دينية وحوزات في باكستان وأفغانستان والشيشان ومناطق أخرى لتحشيد انتحاريين ومقاتلين بهذا الفكر التكفيري.

ولذلك نجد الآن أن مركز داعش والجماعات التكفيرية، هو منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا؛ من ليبيا إلى سيناء في مصر، إلى الجولان التي هي بيد جبهة النصرة والتي هي محميّة من قِبَل إسرائيل، إلى سوريا، وإلى العراق في مختلف مناطقه كالموصل والرمادي ومناطق غرب العراق التي انتشرت فيها داعش. والهدف الأساس من ذلك باعتقادي هو إحاطة الجمهورية الإسلامية من كل الجهات. وكانوا قد بدأوا بأفغانستان لأنها مجاورة لإيران الإسلام، مع وجود صدام في هذا الطرف آنذاك، ولكنهم لم يفلحوا في هذا الأمر.

مع هذا فإني أعتقد أن داعش لا توجد لديها الآن فرصة كبيرة؛ لا عسكرياً ولا حاضنة. ولهذا السبب بدأ الأمريكان يفكّرون في النفوذ، وهنا يأتي تحذير الإمام الخامنئي. فإن مرحلة النفوذ أشدّ خطراً من مرحلة الاحتلال العسكري. والقواعد العسكرية والتواجد الأمريكي اليوم في المنطقة ودول الخليج، وفي بحر عدن وفي البحر المتوسط لا قيمة له. فلو أصيبت الجمهورية الإسلامية بطلقة واحدة، ستزول كل هذه القواعد ضمن نصف ساعة أو ساعة. ولذلك لم يبق لأمريكا سبيل سوى النفوذ؛ النفوذ في الجمهورية الإسلامية والإخلال في مسيرة الثورة الإسلامية عن طريق الإعلام وبعض النخب والمثقفين العرب والإسلاميين الذين يعتقدون بأمريكا.

إن مرحلة النفوذ أشدّ خطراً من مرحلة الاحتلال العسكري. والقواعد العسكرية والتواجد الأمريكي اليوم في المنطقة ودول الخليج، وفي بحر عدن وفي البحر المتوسط لا قيمة له.

إنهم يريدون في الحقيقة الحيلولة دون نفوذ إيران في المنطقة. علماً بأنهم يتصوّرون أن نفوذ إيران هو نفوذ عسكري، وأنا أقول بصراحة إن النفوذ الإسلامي والمقاوم لإيران، ليس نفوذاً عسكرياً، فإن الجمهورية الإسلامية ليس لها تواجد عسكري في المنطقة، ولكن لها نفوذ عاطفي، ونفوذ بصيرة، ونفوذ وعي، ونفوذ قناعة لدى الكثير من شباب العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين. فلا وجود للإيرانيين في اليمن، ولا في البحرين، ولا حتى في العراق وفي فلسطين، ولكن هناك قناعة كبيرة بولاية وقيادة الإمام الخامنئي، وقناعة بالجمهورية الإسلامية.

 

* لقد حصل في السنوات الأخيرة بين إيران والعراق تقارب من الناحية السياسية والثقافية أكثر مما مضى، فما هو السبب في ذلك؟

إن قلوب الناس في العراق، منذ انتصار الثورة، كانت بشكل عام مع ثورة الإمام الخميني (رحمة الله عليه). ولكن الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية التي كانت مدعومة وبتحريك من الغرب والاستكبار العالمي، لا شك في أنها أثّرت على الوضع بين الشعبين. ولكن بعد سقوط النظام الصدامي، وانفتاح الحدود والزيارات بين البلدين - سواء الزوار العراقيون إلى الجمهورية الإسلامية أو الزوار الإيرانيون إلى العتبات المقدسة في العراق - بدأت تعود المحبة ويعود الترابط بين الشعبين.

وبعد دخول داعش إلى الموصل واقتحامها واحتلالها للأراضي في العراق، أنا ذكرتُ منذ الأيام الأولى ولازلت إلى الآن أقول بأن البلد الوحيد الذي دعم فتوى آية الله العظمى السيد السيستاني في الجهاد بعد دخول داعش هي الجمهورية الإسلامية. وكل البلدان الأخرى، من أمريكا إلى السعودية تكذب. والأيام بعد الأيام ستُثبت أنهم يريدون بقاء وديمومة داعش لتحقيق مصالحهم الاستكبارية. والبلد الوحيد الذي دعم حقاً هو الجمهورية الإسلامية. وأول شخصية إسلامية وقيادة دعمت هذه الفتوى لسماحة المرجع في النجف الأشرف، هو سماحة الإمام الخامنئي.

البلد الوحيد الذي دعم العراق حقاً هو الجمهورية الإسلامية. وأول شخصية إسلامية وقيادة دعمت هذه الفتوى لسماحة المرجع في النجف الأشرف، هو سماحة الإمام الخامنئي.

عندما جاءت الفتوى، جاء التجاوب والدعم والحضور للولي الفقيه وللجمهورية الإسلامية سياسياً؛ على مستوى الاستشارة والسلاح والمال. نعم، الكل يعرف بأن الجمهورية الإسلامية لم تأتِ بجيش، وإنما جاءت بمجموعة من المستشارين، للتجربة التي يمتلكها رجال الحرس الثوري في الساحات الأخرى. وكان هذا بإذن وبطلب من الحكومة العراقية، وكان بعلمٍ من المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وبالاستشارات مع شخصيات كبيرة، والجميع كان يريد ذلك. ولم تكن في ذلك الوقت لا أمريكا ولا السعودية ولا أيّ دولة أخرى حاضرة في العراق. وهنا تبرز العلاقة بين البلدين، وكذلك العلاقة بين سماحة الإمام القائد وبين المرجعية في النجف الأشرف، وهي باعتقادي علاقة قوية جداً. وبكل صراحة أقول بأن سماحة الإمام القائد منذ اليوم الأول من سقوط صدام، كان همّه تأييد المرجعية في النجف الأشرف، المتمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله.

وكنّا كثيراً ما نسمع من السياسيين العراقيين أنهم عندما يلتقون بسماحة الإمام القائد، يوصيهم بسماحة السيد السيستاني والاهتمام بمطاليبه ووجهات نظره. وهذا نابع من نُبل الإمام القائد وحكمته، وخصوصاً في أجواء العراق التي كانت الولاية فيها مشوَّهة، نتيجة التشويه البعثي والصدامي والأمريكي، ولازال التشويه مستمراً من قِبَل الأعداء ضدّ ولاية الفقيه في العراق.

وهناك أيضاً تنسيق كبير بين المرجعية في النجف الأشرف وبين الأركان المختلفة في نظام الجمهورية الإسلامية. وحتى زيارة الكثير من المسؤولين الإيرانيين عبر هذه السنوات الثلاثة عشرة، من رؤساء الجمهورية إلى وزراء الخارجية وإلى سائر الوزراء في الجمهورية الإسلامية، وكذلك زيارة الكثير من المجتهدين والعلماء في حوزة قم المقدسة إلى النجف الأشرف، ولقاؤهم بسماحة السيد السيستاني وبقية المراجع. وفي المقابل أيضاً، زيارة السياسيين العراقيين والعلماء، ولقاؤهم بسماحة السيد القائد والعلماء والمراجع في قم. وبالأساس هناك بين الشعبين ثقافة مشتركة ومصير مشترك ودين مشترك وحدود مشتركة، بل وحتى هناك مصالح سياسية ودينية مشتركة، وهناك عمق تأريخي مشترك، بغض النظر عن الحكومات التي حكمت إيران أو العراق، وبالتالي هناك بين البلدين وبين الشعبين مشتركات كثيرة.

 

* يبدو أن ظاهرة المسيرة الأربعينية أيضاً تعتبر من مقوّمات التقارب المتزايد بين البلدين والشعبين. كيف تقيّمون هذه الظاهرة؟

لا شك أن حضور الزوار الإيرانيين، أو فلنقل أوسع من ذلك حضور الزوار في هذا العام من جميع أقطار العالم أكثر. وقد أشار سماحة الإمام القائد إلى أهمية هذا الموضوع. أي أنّ هنالك فرصة للاتحاد أكثر، ولتقارب الثقافات والأفكار، وازدياد المحبة بين الشعوب التي تؤمن بخط الحسين وخط الولاية بشكل عام. 

في العام الماضي، أكّد سماحة الإمام القائد على الأربعين ورفع منسوب العاطفة بين الشعبين. وخصوصاً في السنة الماضية حيث كان الأربعين الأول بعد هجوم داعش وبعد حضور الحاج قاسم سليماني الذي انتشرت صوره إلى جانب المستشارين والمجاهدين معه، فجاء الأربعين كمحطة أولى بعد هذه القضية، وتجلّت المحبة فيه أكثر. ولربما لأول مرة تكون الضيافة العراقية أكثر وضوحاً لخصوص الإيرانيين، وكأنها شكر للحضور الإيراني الولائي الإسلامي بشكل عام. فإن سامراء والنجف وكربلاء والكاظمية تعتبر مقدسات لكل المسلمين، كما أنّ مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) مقدس لكل المسلمين، وكما أنّ الحج أيضاً هو لكل المسلمين، وهذا أمرٌ ينطبق على الجميع. حتى أنّ في العام الماضي، ذهب الكثير من الإيرانيين إلى بغداد، واستضافتهم الكثير من البيوت في الكاظمية وفي المناطق المحيطة بها، رغم أنّ موسم الأربعين قد انتهى. وبرأيي كلما زاد حضور الإيرانيين كان أفضل.

في موضوع الأربعين باعتقادي حريّ بنا أن نرتفع بالوضع الثقافي في السنوات المقبلة، يعني أن لا نكتفي بالخدمة الغذائية وما شاكلها، رغم أن هذا أمر مهم جداً. لأن هناك مثلاً ثلاث ملايين من الإيرانيين ومليوني أجنبي، إضافة إلى ملايين العراقيين الذين يذهبون لزيارة الأربعين، ولا توجد دولة تستطيع خلال أسبوعين أو عشرة أيام أن تضيّف هؤلاء من طعام ثلاث وجبات ومنام، ولذلك يقوم أصحاب المواكب بعمل عظيم في هذه الضيافة. وقد أشار سماحة الإمام الخامنئي إلى هذه الضيافة وهذا الكرم.

أكثر من 25 مليون شخص، يعبرون خلال أسبوعين من منطقة واحدة، وهذه فرصة رائعة للتواصي بالحق والتواصي بشؤون المنطقة. وفي تصوري، كما في الحج، يجب أن تقام في الأربعين أيضاً مراسم البراءة من المشركين ومن الاستكبار، وأن يتم في هذا الزمان التقارب والتباحث وتشخيص يزيد الزمان. وكم هو مهم لو يُعقد مؤتمر في أيام الأربعين، يجمع مجموعة من العلماء والمجتهدين من قم والنجف وكربلاء وعدداً من المثقفين، للتقارب بين حوزتي قم والنجف فقهياً وفكرياً وعاطفياً، ويُخطّط لما بعد الأربعين أيضاً.

يجب أن تقام في الأربعين أيضاً مراسم البراءة من المشركين ومن الاستكبار، وأن يتم في هذا الزمان التقارب والتباحث وتشخيص يزيد الزمان.

 

 

* مواقف آل سعود والحكومة السعودية في السنوات الأخيرة، تقف بالضبط على الضدّ مما تقتضيه مصلحة العالم الإسلامي. فما هو السبب في ذلك؟

من الواضح أن النظام السعودي نظامٌ مرتبط بالغرب. وهناك من يقول أنّ أساس تأسيس نظام آل سعود منذ سنوات أو عقود هو لضرب الإسلام. والآن بدأ يتضح هذا الأمر. إنّ إحدى علامات زوال هذا النظام باعتقادي هو تخبّط هذا النظام. فالنظام يتخبّط حالياً؛ يعني في قضية ما يُجنّ جنونه، وفي مسألة ما يُصرّح بطفولية وعبثية. وهم على حدّ تعبير سماحة الإمام القائد، أطفالٌ صغارٌ لا يفهمون في السياسة ولا يمتلكون حكمة. فإنك قد تتعامل مع عدوّ يكرهك ويحاربك، ولكنه يمتلك نوعاً من الحكمة على أقل تقدير. والآن دخل آل سعود في هذه المرحلة وهي أنهم فقدوا حتى هذه الحكمة.

علماً بأن من معالم النظام السعودي هو الانقياد إلى الاستكبار العالمي وإلى أمريكا بالخصوص، وهو عميلٌ واضح لأمريكا. فإن آل سعود هم الذين دعموا الإرهاب في سوريا، وتسبّبوا في قتل وتشريد وجرح مئات الآلاف وتفاقم الأوضاع فيها. وكذا الحال في لبنان وما يجري فيها من أحداث. بل وحتى التآمر لتعطيل رئاسة الجمهورية في لبنان خلال السنوات الماضية، يعود مرّده إلى آل سعود أيضاً وهذا معروف. وكذلك المجازر التي تُرتكب لأكثر من سنة في اليمن.

والملفت أن هذا النظام يعترض على سوريا، ولكن لو قارنّا بين الوضع في اليمن والوضع في سوريا، نجد أنّ هنالك مفارقات وازدواجيات وعدم وجود ملاك وميزان صحيح في تعامل السعودية مع اليمن وتعاملها مع سوريا. وهذا بالطبع هو حال كل الدول الرجعية المرتبطة بأمريكا. فعلى سبيل المثال تصرّح السعودية دائما في قنواتها على الفضائيات أنه لا توجد ديمقراطية في إيران، وهذا ما يُضحك الثكلى! السعودية تعترض على الجمهورية الإسلامية بأنه لا يوجد فيها انتخابات ولا ديمقراطية، والحال أن السعودية نظام لا يمنح للمرأة الحق بأن تقود السيارة، ولا يوجد فيه انتخابات ولا حرية ولا حقوق إنسان؛ نظام وراثيّ لا يوجد فيه أيّ متنفّس، ويُحكم على كل معترض وصاحب صوت انتقادي بالسجن أو الإعدام، ومع هذا يعترض على الجمهورية الإسلامية أنها نظام مستبدّ ليس فيه انتخابات وأمثال ذلك!

النظام السعودي نظامٌ مرتبط بالغرب. وهناك من يقول أنّ أساس تأسيس نظام آل سعود منذ سنوات أو عقود هو لضرب الإسلام.

وفي البحرين أكثر من يقف أمام تحقيق حقوق الشعب البحريني هو النظام السعودي. والذي يقف بكل وقاحة أمام بعض المسؤولين في البحرين إن أرادوا التنازل قليلاً. وهو السبب أيضاً في ما يجري حتى في بعض دول الخليج والمنطقة وفي ليبيا ومصر. كما أنّ الإعلام المهرّج على الجمهورية الإسلامية، والطائفي والممزّق لأوصال هذه الأمة، ينطلق من السعودية بالدرجة الأولى، أو يشجَّع من قبل النظام السعودي إذا كان ينطلق من بلدان أخرى.

 

* بعث الإمام القائد في السنوات الأخيرة برسالتين إلى شباب الغرب. برأيكم ما هو سبب هذه المبادرة؟

لا شكّ أن الرسالتين الصادرتين من سماحة الإمام الخامنئي تنبئان عن نظرته ومعرفته بالعمل الثقافي والفكري الذي يحدث في العالم المعاصر ضدّ الإسلام. إن الهجوم الغربي والغزو الثقافي يتّجه باتجاهين. الاتجاه الأول ضدّ المسلمين، وهو يهدف إلى عدة أمور منها: تضعيف المسلمين، وتمزيق الأمة الإسلامية، وبثّ اليأس وفقدان الأمل بين المسلمين، وسوق الشباب إلى الجنس والفساد والموضة وأمثال ذلك.

وهناك هجوم وغزو ثقافي آخر يستهدف الشعوب الغربية. فلو قمنا بمطالعة بعض استطلاعات الرأي واستبيانات الرأي في الغرب وخصوصاً في أوروبا، نجد أن الكثير من الأوروبيين يتجهون إلى الإسلام؛ إما يعتنقون الإسلام عن طوع ورغبة، أو يقتنعون بالإسلام. والمراد بالإسلام، هو الإسلام المحمدي الأصيل الذي تجلى في الجمهورية الإسلامية. وقد شعر الغرب بخطورة الثورة الإسلامية وصوت الإمام الخميني (رحمة الله عليه) وصوت الإسلام الأصيل. حيث يقال عن بعض الدول الأوروبية أنه في السنة الفلانية سوف يصل عدد المسلمين إلى النصف، وهذا ما سيتحقق مثلاً بعد عشرين أو خمسة وعشرين سنة. ولذلك أنا أعطي الحق لهم كأعداء بأن يعملوا على تشويه هذا الإسلام. لقد شعر الغرب بالخطر، ولذلك ذهب إلى تشويه الإسلام من خلال داعش والجماعات التكفيرية. وأنا أعتقد أن في تفجيرات باريس، ارتفع منسوب تشويه الإسلام بشكل كبير جداً.

ولذلك شخّص سماحة الإمام القائد أنّ هناك مشروع أكبر، فكتب الرسالة الثانية التي لا شك أنها مكمّلة للرسالة الأولى. ولكنها كانت تبهر العقول في روعتها ومنطقها ودقتها. ولم يتحدث بآية ورواية، وإنما تحدث بالعقل والسياسة والمنطق والفطرة.

هذه الرسالة تخاطب الشباب. وسماحة الإمام الخامنئي كلّم عقول وفطرة ووجدان الشباب، ولا شك أنها سوف تترك تأثيرها، ولكن بشرط أن نكون نحن كشباب ونخب ومثقفين وعلماء وطلبة علوم دينية وسياسيين، نؤمن بالمشروع الإسلامي الأصيل ونشعر بهمّ الإسلام بشكل حقيقي. ويجب أن نعمل لدعم الرسالة، وأن نترجمها ونوضّحها، وأن نتواصل مع شباب أوروبا في أسبانيا وفي أمريكا الشمالية والجنوبية وفي كندا وفي اليونان وفي كل مكان.

في أوروبا، نجد أن الكثير من الأوروبيين يتجهون إلى الإسلام؛ إما يعتنقون الإسلام عن طوع ورغبة، أو يقتنعون بالإسلام. والمراد بالإسلام، هو الإسلام المحمدي الأصيل الذي تجلى في الجمهورية الإسلامية

ورغم أنّ هذه الرسالة موجّهة للغرب، ولكن يجب باعتقادي أن يطلّع عليها الشباب العربي البعيد أيضاً. فلنعمل على إيصال هذه الرسالة إلى الشباب الغربي والعربي وشباب المسلمين كذلك. لأن الكثير من الشباب لم يسمع عن الإسلام الأصيل، ونافذتهم إلى الإسلام هي الفضائية الفلانية التابعة للسعودية أو الفضائية الفلانية التابعة لهذا البلد أو ذاك. إذن فالرسالة مهمة جداً، وهي مكمّلة للرسالة الأولى، وتفوقها أهمية وعمقاً ومنطقاً لحساسية وخطورة الوقت. وهي فرصة لنا بأن ننقل هذا التهديد الذي بدأه الغرب إلى فرصة.

 

* إن سماحتكم ممن له تواصل مستمر مع سماحة السيد حسن نصر الله، كيف تقيّمون علاقته بسماحة الإمام الخامنئي؟

إن سرّ نجاح حزب الله هو الطاعة. وأساس الفلاح هو معرفة الولي أولاً وطاعته ثانياً. 

ذات مرة قال لي سماحة السيد حسن نصر الله: أنا في كل يوم - ثم قال من باب الاحتياط: تقريباً في كل يوم، فربما في بعض الأيام أنسى - أدعو الله سبحانه وتعالى أن يأخذ من عمري وعمر زوجتي وأولادي وأحفادي، ويزيد من عمر الإمام الخامنئي.

يقول السيد حسن نصر الله بأن ولاية الفقيه ليست قضية طاعة فقط، فإن هذا من المسلّمات ومن البديهيات. ولاية الفقيه أن تفرح لفرحه وتحزن لحزنه. وهو يتعامل مع الولي هكذا في جميع حالاته. وأقول بصراحة: أنا لم أشاهد شخصاً يعشق القائد في كل مكان، سواء كان قريباً من القائد أم بعيداً، مثل السيد حسن نصر الله. وهو معتقد بذلك، فإنه لا يعشق سماحة الإمام القائد بعاطفة بعيدة عن العقيدة، بل يعتقد عقلياً وشرعياً بذلك. وكل من يلتقي بالسيد نصر الله يجد عنده هذا الحب.