وفي مايلي الترجمة العربية الكاملة للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.

مرحباً بكم كثيراً أيها الناشئة الأعزاء، أبناء هذا الشعب السالمين الأذكياء اليوم، ورجال البلاد ومدراءها في المستقبل إن شاء الله. أبارك لكم أيها الأبناء والناشئة الأعزاء دخولكم مجال التكليف الإلهي واحتفالكم بهذا التكليف.

احتفال التكليف معناه أن الناشئ أو الحدث قد وصل إلى مرحلة اكتسب فيها القابلية على أن يتحدث معه الله تعالى

أول شيء ينبغي أن نتفطن له هو: ما معنى احتفال التكليف؟ احتفال التكليف معناه أن الناشئ أو الحدث قد وصل إلى مرحلة اكتسب فيها القابلية على أن يتحدث معه الله تعالى. التكليف معناه مأمورية يأمركم الله تعالى بها، وإذا قمتم بهذه المأمورية على أحسن وجه تكونوا قد قربتم حياتكم الشخصية وحياة عوائلكم والحياة الاجتماعية من السعادة، هذا هو معنى التكليف. التكليف معناه المأمورية الإلهية. ما لم يصل الإنسان إلى مرحلة التكليف لن تكون لديه القابلية للتحدث مع الله تعالى أو أن يتحدث الله معه ويكلفه بمأمورية ما. عندما تصلون إلى سن التكليف فمعنى ذلك أنكم اكتسبتم اللياقة والقابلية والشخصية لأن يخاطبكم الله الكبير خالق العالم والإنسان، ويكلفكم بمأمورية، ويكرمكم ويحترمكم. احتفال التكليف هو في الواقع احتفال تشرّف إنسان شاب يافع ناشئ بدخول ساحة اللطف والتوجّه الإلهي. فاعرفوا قدر ذلك.

فترة حياة الإنسان فترة أحداث متعددة. وسوف تعيشون في هذه الدنيا لعشرات السنين إن شاء الله، وسترون أحداثاً ووقائع وأموراً كثيرة وستمرّون بتجاربها، فإذا كانت بنيتكم المعنوية قوية فسوف تتعاملون مع هذه الأحداث بشجاعة وشموخ وفخر، وستنالون الفخر الدنيوي وكذلك الفخر المعنوي والعزة الإلهية، وهذا ما يبدأ من لحظة التكليف هذه. لحظة تكليفكم وفترة بلوغكم المعنوي فترة على جانب كبير من الأهمية.

أعزائي وأبنائي، إنني أوصي من الآن ومن هذه الأيام والأشهر التي تتشرفون فيها بالتكليف بأن تقوّوا علاقتكم بالله تعالى. العيب الكبير الذي يعاني منه العالم المادي الغربي هو قطع الإنسان علاقته بالله، ولهذا يصابون بكثير من حالات الانحطاط المعنوي والمزالق الأخلاقية. ولهذا السبب أيضاً يصابون باليأس والقنوط ويعاني شبابهم من التيه والضياع. ولهذا السبب أيضاً تؤول الحضارة الغربية يوماً بعد آخر نحو الأفول، لأنهم قطعوا علاقتهم بالله. السرّ في تقدم الإنسان على الصعيد الشخصي والفردي، وفي تقدم المجتمع على الصعيد الاجتماعي، هو أن يستطيع الحفاظ على علاقته بالله. حافظوا على علاقتكم بالله.

خير السبل للتواصل مع الله والارتباط به هو بالدرجة الأولى هذه الصلاة التي تؤدّونها. حاولوا من الآن ومن فترة بداية التكليف هذه أن تؤدّوا الصلاة بتوجّه وحضور قلب. ما معنى التوجّه؟ معناه أن تشعروا أثناء الصلاة أنكم تتكلمون مع مخاطب عظيم وأنكم تتحدثون مع الله. أوجدوا هذا الشعور في أنفسكم. عندما يتحدث الإنسان مع الله تعالى فإنه يعتمد ويتوكّل عليه، ويسأله ويطلب منه، وهذا الاعتماد والتوكّل على الله يمنح الإنسان الشجاعة. عليكم أن تتحركوا في حياتكم بشجاعة وبثقة بالنفس، فهذه الشجاعة والثقة بالذات تتحقق عن طريق الارتباط بالله. حاولوا أن تؤدوا الصلاة في أول أوقاتها وبتوجّه وحضور قلب.

إقرؤوا كل يوم مقداراً من القرآن ولو كان بضع آيات، وركزوا على معاني القرآن. القرآن يهدي الإنسان

أعزائي، ليكن لكم أنسكم بالقرآن الكريم، ليكن لكم أنسكم بالقرآن الكريم. إقرؤوا كل يوم مقداراً من القرآن ولو كان بضع آيات، وركزوا على معاني القرآن. القرآن يهدي الإنسان: «اِنَّ هذَا القُرءانَ يهدي لِلَّتي هِي اَقوَم» (1). إنه يهدي الإنسان للطريق المستقيم.

اجعلوا تواجدكم في بيئة المدرسة وبيئة البيت تواجداً مؤثراً باعتباركم شباباً يافعين مبتهجين نشطين عمليين إيجابيين. حاولوا التأثير فيمن حولكم، سواء في المدرسة أو في بيئة المنزل، أو في بيئة اللعب، حاولوا التأثير على من هم في سنّكم وعلى الآخرين، ويمكنكم أن تكونوا مؤثرين.

أعزائي، إن لشعبنا وبلادنا في الوقت الحاضر أعداء. أعداء يحاولون استغلال كل السبل للتغلغل في هذا البلد والسيطرة على هذا الشعب. السيطرة الاقتصادية، والسيطرة السياسية، والسيطرة الثقافية. ومن السبل التي يعتمدونها وينتهجونها التغلغل والنفوذ بين شبابنا وأحداثنا وناشئتنا، فاحذروا هذا النفوذ وتنبّهوا له. حاولوا أن تصونوا أنفسكم وتوفروا لها المناعة اللازمة، وليس لأنفسكم فحسب بل لمن حولكم أيضاً - من قبيل زملائكم في الصفوف الدراسية ومن يدرسون معكم ومن يلعبون معكم - حاولوا أن توفروا الصيانة والمناعة من الأعداء.

يجب أن يتمتع شبابنا في الوقت الراهن بالسلامة الجسمية، والسلامة المعنوية، والسلامة الفكرية

سلّحوا أنفسكم بالعلم. إنني أوصيكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء أن تأخذوا الدراسة مأخذ الجد. وتوصيتي الأخرى هي أن تهتموا اهتماماً جاداً بالرياضة والسلامة الجسمانية. يجب أن يتمتع شبابنا في الوقت الراهن بالسلامة الجسمية، والسلامة المعنوية، والسلامة الفكرية، وأن يحافظوا على هذه الأنماط من السلامة. حافظوا على السلامة الجسمية بالرياضة والتغذية المناسبة، وحافظوا على السلامة المعنوية والقلبية بالتوجّه إلى الله والصلاة والدعاء والتوسل وبإحياء ذكرى الشهداء. وحافظوا على سلامتكم الفكرية بقراءة الكتب. إقرؤوا الكتب الجيدة الهادية المناسبة التي ألفها لنا مفكرونا وكتّابنا الصالحون. هذا من شأنه أن يجعل جيل ناشئتنا يتمتع بالسلامة الجسمية والسلامة المعنوية والروحية وكذلك بالسلامة الفكرية والعقلانية. وعندئذ ستؤمِّن هذه الحالةُ مستقبلَ البلاد.

أعزائي، لقد خرجتم اليوم من مرحلة الطفولة ومن كونكم أطفالاً صغاراً، فأنتم اليوم أحداث وناشئة وفي بداية شبابكم، وأنتم في حالة ازدهار وتفتح، ومواهبكم في هذا العمر كثيرة جداً للتعلم ولبناء الذات، فاغتنموا هذه الفرصة، وابنوا أنفسكم، وليكن بناء الذات عندكم بناء الذات الجسمانية، وبناء الذات المعنوية والروحية، وبناء الذات الفكرية، بنفس ذلك الترتيب الذي ذكرتُه. بعد أن تسيروا، أنتم الأحداث الأعزاء، في هذه الساحة العظيمة وفي هذا الربيع اليانع من الشباب سيراً صحيحاً، عندها يمكن للإنسان أن يثق بأن غد هذه البلاد سيكون أفضل من يومها. أنتم رجال الغد ومدراء الغد وناشطو الغد وشخصيات المستقبل. مستقبل هذه البلاد لكم أيها الناشئة وأنتم من سيدير هذا البلد وهذا الشعب وهذه المسيرة وهذا التاريخ، فأعدوا أنفسكم لذلك اليوم.

أعزائي لا تغفلوا عن التوسل والدعاء إلى الله، لا تغفلوا عن ذكرى الشهداء وذكرهم

أعزائي، لا تغفلوا عن التوسل والدعاء إلى الله. أعزائي، لا تغفلوا عن ذكرى الشهداء وذكرهم. لقد كان شهداؤنا الأبرار أفراداً أبدوا استعدادهم رغم شبابهم بل على الرغم من حداثة سنّهم أحياناً، للتضحية بأرواحهم من أجل خير البلاد ومصالحها وصيانة استقلالها وصدّ أعدائها، وهذا شيء له قيمة عالية جداً. أثمن ما يملكه الإنسان هو عمره وروحه، ولا بدّ من همّة عالية جداً وشجاعة عالية جداً لكي يقدم الإنسان أثمن ما لديه في سبيل الله. أوصي بأن تقرؤوا هذه الكتب التي كتبت عن الشهداء وعن المضحّين خلال فترة الدفاع المقدس وعن شخصياتهم، فهي كتب لطيفة وحلوة وجذابة وتعرّف أذهانكم كذلك على الكثير من الأمور والقضايا.

أبنائي الأعزاء، أيها الأحداث الأودّاء، إنكم باقة ورد من روضة هذا البلد الكبيرة. هناك الملايين من الأحداث مثلكم في كل أرجاء البلاد. إنكم نموذج منهم تحضرون ها هنا اليوم. أتمنى أن ينظر الله تعالى لكم ولكل الأحداث الأعزاء في جميع أرجاء بلادنا نظرة لطف وفضل دائمة، وأن تستطيعوا إن شاء الله تحقيق حياة طيبة لأنفسكم ولآبائكم وأمهاتكم ولمستقبل بلادكم. وبمناسبة ذكر اسم الآباء والأمهات أوصيكم أيها الأحداث بأن تعرفوا قدر آبائكم وأمهاتكم، وتحافظوا على احترامهم، وتعوّضوا محبتهم ومودّتهم لكم، فهم يحبونكم ويودونكم، فعوضوا هذه المحبة وجازوها.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 - سورة الإسراء، جانب من الآية 9 .