كتب عبد الغني الخنجر*:

"لقد كان الشيخ عيسى قاسم إلى اليوم وإلى حين ما كان يستطيع التحدث مع الناس، كان شخصاً يحول دون التحركات العنيفة والمسلحة للناس ويمنعها. لا يفهمون مع أي شخص اشتبكوا، ولا يدركون أن الإعتداء على الشيخ عيسى قاسم يعني رفع المانع من أمام الشباب البحريني المتحمس المتحفز الذين لو هجموا على النظام الحاكم لما أمكن إسكاتهم عبر أي طريق آخر."  فقرة من خطاب قائد الثورة الإسلامية في حديث له بعد قيام النظام الخليفي في البحرين بإسقاط جنسية سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم.

هذه الفقرة لها مدلولاتٌ كبيرةٌ جداً، كما أنها تحمل كثيراً من النصح والتحذير للسلطات في البحرين من مغبة القيام بالمزيد من الحماقات، وخصوصاً فيما يتعلق بإستهداف قامة علمية فاضلة ورمز وطني عريق وشخصية دينية بارزة على مستوى المنطقة والعالم العربي كالشيخ عيسى أحمد قاسم.

يحاول هذا المقال أن يسلط الضوء على مستجدات الثورة البحرانية، الثورة العصية على الكسر، الثورة العصية على الإحتواء، الثورة المزعجة لقوى الإستكبار العالمي، الثورة التي جسدت بحق صحوة إسلامية خالصة، و جسدت بحق غضباً شعبياً عارماً، هي ثورة الشعب البحراني المظلوم ثورة عمدتها وأرست قواعدها قوافل الشهداء وآلاف المعتقليين والمهجرين.

الصحوات الإسلامية في المنطقة ومآلات التذويب والإحتواء عبر الثورات المضادة:

بنظرة سريعة إلى المشهد الإقليمي في منطقة الخليج الفارسي وشمال افريقيا، نستطيع أن نجزم بعد ست سنوات من انطلاق ثورات الصحوة الإسلامية أن كل تلك الثورات ما عدا ثورة الشعب البحراني قد فشلت أو تم احتواؤها وتذويبها وتحويل بعضها لدمار لتلك البلدان، من ثورة تونس وبعدها مصر، ومنذ سقوط زين العابدين بن علي ليتبعه حسني مبارك لمقتل معمر القذافي، دخلت المنطقة في صراعات واستقطابات سياسية وطائفية، وفئوية، وتدخلت في حسمها قوى عالمية وإقليمية، فتشكلت قوى الثورة المضادة، التي نجحت في استغلال هَبَّات الشعوب وتوقها للحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، لتستغلها تلك القوى لمحاولة تعزيز موقعها وهيمنتها، وإعادة الإستفادة مما أطلقوا عليه الفوضى الخلاقة، وهو مصطلح أريد به أن تُخلق بيئة من الفوضى التي تفضي لنتائج تصبح في مصلحة قوى الإستكبار العالمي، ولذا ودون أدنى شك فدول الإستكبار العالمي واجهزتها الإستخبارية وبعثاتها الدبلوماسية كان لها نصيبٌ وافرٌ من التخطيط والمساهمة في احباط وإنهاء طموحات شعوب المنطقة المتعطشة للتخلص من الطغاة والهيمنة الصهيوأمريكية عبر أنظمة متخلفة وعوائلية قبلية حكمت العديد من دول وممالك المنطقة دون أن تمتلك أدنى شرعية، سوى شرعية القتل والقمع والإرتماء في أحضان الصهاينة، وفتح أبواب السجون، وخنق الحريات العامة، وقتل القيم الدينية والمعنوية، والمقامرة بثروات الشعوب واستقلالها لصالح الأجنبي، وتأجيج الصراعات الإثنية والطائفية وغيرها.

ثورة البحرين: السفارة الأمريكية توزع حلوى (الدونات) على المتظاهرين:

عندما انطلقت ثورة الشعب البحراني المظلوم كانت الأضخم من حيث المقارنة نسبةً بتعداد السكان، فشعب البحرين خرج للشوارع بكل ألوانه السياسية وفئاته وشرائحه المجتمعية ، آنذاك بدت الحيرة من قوى الإستكبار في التعامل مع نصاعة الثورة، ونقاء أهدافها، وسلميتها المبهرة، يومها وبعد أيام من اندلاع الثورة، تجمعت حشود من النشطاء والمواطنين البحرانيين أمام مبنى السفارة الأمريكية، كخطة احتجاج ودعم للمعتصمين في دوار اللؤلؤة حيث مقر الإعتصام التاريخي في قلب العاصمة المنامة، كان لافتاً أن تبادر السفارة الأمريكية لمحاولة احتواء الغضب الشعبي وتجنيب البعثة الأمريكية أية تداعيات تربك الموقف الأمريكي، وتشل من فاعلية السفارة الأمريكية ودورها الإستخباراتي في تقديم الدعم للنظام الخليفي،

ليس مستغرباً أن يكون دخول قوات درع الجزيرة للبحرين ومعظمها من قوات الجيش السعودي لحظة مغادرة (فلتمان) للمنامة على متن الطائرة وقبل وصوله لواشنطن.

يومها قام موظفو السفارة الأمريكة بتوزيع حلوى (الدونات) الشهي على المتجمهرين خارج أسوارها الإسمنتية العالية، لم يكن الأمريكان ليقبلوا بسقوط حليفهم الخليفي، ولم يكونوا ليقبلوا أن يتعرض مصير أسطولهم الخامس حيث يعيش أكثر من أربعة آلاف أمريكي للمجهول، في ذات الوقت كان الغضب الشعبي والحضور الجماهيري الحاشد مصدر قلق وإربكاك لهم، في كيفية التعامل مع الثورة وحجمها الهائل، والتي لم تكن في الحسبان، في الأثناء كان (جيفري فلتمان) مساعد وزير الخارجية الأمريكي يجري مباحثاته مع النظام للقضاء على التحرك الشعبي وتطويقه، وكان أفراد السفارة الأمريكية يجرون لقاءات واتصالات مكثفة لإحتواء الموقف، وانتظار لحظة الحسم التي سوف تعطي الضوء الأخضر للعسكر السعودي لسحق الثورة وسحق الجماهير.

ليس مستغرباً أن يكون دخول قوات درع الجزيرة للبحرين ومعظمها من قوات الجيش السعودي لحظة مغادرة (فلتمان) للمنامة على متن الطائرة وقبل وصوله لواشنطن.

نفذ قرار السحق للثورة البحرانية، بضوء أخضر غربي، وظنت قوى الإستكبار أن الثورة قد انتهت وأن شعب البحرين سوف يعود للمربع الأول حيث سيطرة القبضة الحديدة والعنف المنظم، وصمت المجتمع الدولي وهيئات حقوق الإنسان، على الجرائم التي ارتكبت بدخول الجيش السعودي، وقوات إماراتية، إلا أنه وبعد ست سنوات من القمع والقتل والسجون والتعذيب لازال شعب البحرين يواصل حراكه ويُصرُّ على مطالبه العادلة، ويجاهد من أجل تقرير المصير.

تحولت حلوى (الدونات) الأمريكية لصفقات سلاح مع النظام الخليفي، وتحولت إلى دعم سياسي ولوجستي استخباراتي، كما أطلقت اليد للمخابرات البريطانية وعناصر الشرطة البريطانية (سكوتلاند يارد) للتحقيق مع المعتقلين البحرانيين، وتزويد النظام الخليفي بمعدات التعذيب والتجسس والخبرات الأمنية، وكل ذلك لتحطيم صمود أبناء البحرين، وقهر قياداتهم الوطنية والدينية والسياسية، وتحول الدعم الغربي للخليفيين من تحت الطاولة لفوق الطاولة، وساهمت القوى التي تدعي  الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في كل ما يجري على شعب البحرين من ويلات وقمع واضطهاد، ولم يعد ما يسمى بمجلس حقوق الإنسان الدولي قادر على فعل شيء تجاه الجرائم المستمرة لهذا اليوم من تعذيب ممنهج وقتل خارج القانون وتجنيس سياسي فاقع، وتجريد أبناء البحرين من جنسياتهم ونفيهم لخارج الحدود.

لم يعد ما يسمى بمجلس حقوق الإنسان الدولي قادر على فعل شيء تجاه الجرائم المستمرة لهذا اليوم من تعذيب ممنهج وقتل خارج القانون وتجنيس سياسي فاقع، وتجريد أبناء البحرين من جنسياتهم ونفيهم لخارج الحدود.

حكومة المملكة المتحدة البريطانية، عقدت مع النظام الخليفي صفقات جدية، وافتتحت أكبر قاعدة لبريطانيا في المنطقة في المنامة وبأموال وثروات منهوبة من الشعب البحراني ومقدراته.

كل ذلك، لم يَفُت في عضد الشعب البحراني ولم يوهن إرادته في المضي قدماً ومواصلة نضاله، ولم يثنِ قادته عن المضي قدماً نحو الحرية والكرامة والإستقلال الحقيقي، إيماناً من الشعب البحراني ورموزه وقادته وعلى رأسهم آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بحتمية النصر وتحقيق المطالب العادلة مهما عظمة التضحيات ومهما اشتدت المحنة.

الثورة الوطنية الخالصة والإستقطاب الإقليمي:

حاولوا عبثاً وصم ثورة الشعب البحراني بالطائفية تارة، وتارة أخرى بالتبعية للخارج، وحاولوا إشعال الحقد بين السنة والشيعة، إلا أن الثورة تثبت كل يوم بأنها ثورة وطنية خالصة، وثورة شعبية عارمة، وثورة من أجل الوطن، بكل تلاوينه السياسية والطائفية والمذهبية، ثورة البحرين، أسقطت رهانات أن تتحول الى حرب أهلية طائفية، رغم كل النزق الرسمي للنظام، ورغم كل فبركات إعلامه المضلل، وإعلام الدول المناصرة له، رغم هدم المساجد والحسينيات، ورغم القتل على الهوية التي اعتمدتها مليشيات الأجهزة الأمنية، ورغم تدخل الجيش السعودي الوهابي العقيدة،

ثورة البحرين، أسقطت رهانات أن تتحول الى حرب أهلية طائفية، رغم كل النزق الرسمي للنظام، ورغم كل فبركات إعلامه المضلل، وإعلام الدول المناصرة له

كل تلك المحاولات باءت بالفشل، وحتى محاولات وصم الثورة بالتبعية للخارج أصبحت باهتة وفقدت بريقها، وعلى الرغم من أنه ومنذ هيمنت الرياض على القرار في داخل البحرين فقد أصبح القرار في البحرين سعودي بإمتياز ولا يخرج عن دائرة ما يحصل في المنطقة من صراعات تؤججها قوى الإستكبار، إلا أن ثورة الشعب البحراني حافظت على مقاومتها المدنية وأصالتها، وقد حظيت ثورة الشعب البحراني بتأييد كل أحرار العالم وكثير من الشخصيات السياسية والصحافية والنشطاء الحقوقيين في المنطقة وفي الدول الغربية.

وبدا واضحاً أن الإتهامات المعلبة والمسرحيات الأمنية بتدخلات الخارج وخصوصاً تكرار الإتهامات للجمهورية الإسلامية بالتدخل، بدا واضحاً أنها ليست إلا محاولات للهروب للأمام وتصدير المشكلات الداخلية وعدم الشرعية التي يعاني منها النظام الخليفي للخارج ومحاولات خلق حالة استجداء الدعم والتأييد وتحويل القضية السياسية في البحرين لقضية طائفية وتدخل خارجي وتحديات أمنية.

200 يوم من الصمود:

في خضم استمرار الثورة الشعبية في البحرين، وفي ظل صمود وعزيمة أبناء البحرين، يواصل النظام الخليفي تطويق منطقة الدراز وحصارها، 200 يوم من الحصار الجائر والهدف، هو إخضاع سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، وقبل بضعة أسابيع قام النظام الخليفي الخليفي باقتحام منطقة الدراز حيث منزل آية الله قاسم مستخدماً الغازات الخانقة والسامة والرصاص الإنشطاري، في محاولة يائسة منه لإرهاب أهالي المنطقة واعتقال آية الله قاسم، وقد أظهر شعب البحرين وخصوصاً أهالي منطقة الدراز صموداً وثباتاً، متحدين آلة القمع الخليفية مرتزقة النظام الخليفي، دفاعاً عن الفقية الرباني والرمز الوطني الكبير، سماحة آية الله قاسم.

كان مشهد الحواجز الإسمنتية والأسلاك الشائكة والسيارات والمدرعات التابعة لقوات النظام التي تحصار الدراز يشبه ما يحصل في فلسطين المحتلة، على أيدي قوات الإحتلال الصهيونية.

ومع اكتمال الـ 200 يوم من الحصار عمد النظام الخليفي لسد المزيد من المنافذ لمنطقة الدراز، وكان مشهد الحواجز الإسمنتية والأسلاك الشائكة والسيارات والمدرعات التابعة لقوات النظام التي تحصار الدراز يشبه ما يحصل في فلسطين المحتلة، على أيدي قوات الإحتلال الصهيونية.

لابد للنظام الخليفي وحلفائه وأسياده في المنطقة من استيعاب تغيرات المنطقة، ولابد لهم من إدراك حتمية انتصار الحق على الباطل، وكما فشلوا في كل مخططاتهم سابقاً في المنطقة رغم خبثها وشراسة منفذيها إلا أنها تهاوت أمام صمود قوى الممانعة التي تشكل عصب الشعوب المستضعفة وتحبط كل مؤامرات الإستكبار العالمي وعملائه.

 

*عبد الغني الخنجر: ممثل حركة حق البحرانية في الخارج، ناشط سياسي وحقوقي بحراني ومعتقل سابق وأحد مؤسسي حركة حق البحرانية والتي يتزعمها الأستاذ حسن مشيمع المحكوم بالسجن المؤبد.

 

  • إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع ARABIC.KHAMENEI.IR