بداية المسيرة:

ولد المطران هيلاريون كابوتشي في مدينة حلب السورية، في عام 1965م عُيِّن مطراناً لكنيسة الروم الكاثوليك في مدينة القدس المحتلة، عمل جاهداً على دعم المقاومة الفلسطينية بكل ما أوتي من قوة، اعتقلته سلطات الإحتلال الإسرائيلي في شهر آب عام 1974م أثناء محاولته تهريب أسلحة للمقاومة، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن لمدة 12 عاماً قضى منها أربع سنوات حيث تم الإفراج عنه وإبعاده إلى روما بعد تدخل الفاتيكان. ومنذ ذاك الوقت لم تفارق ملامح القدس عيني المطران وظلَّ يحلم بالعودة إليها في يوم من الأيام وهو الذي يقول: "أُبعِدتُ عن قدسي الحبيبة، إنما أنا عن قدسي بعيدٌ جسماً، إنما قلباً فكراً ودعاءً أنا دائماً هناك في قدسي، وسأعود إلى قدسي سأعود إلى قدسي سأعود إلى قدسي... نحن بقوة الله إلى قدسنا عائدون منتصرون وعلى الله الإتكال."

ضيف الجمهورية الإسلامية الرسمي الأول:

سجَّلت صفحات التاريخ أن المطران كابوتشي كان الضيف الرسمي الأول الذي زار الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتقى بمؤسسها الإمام الخميني رحمه الله. ففي تاريخ 24 شباط 1982 حطت طائرة المطران كابوتشي في مطار مهر أباد في طهران؛ ليكون الضيف الأجنبي الرسمي الأول الذي يزور طهران ويلتقي بالإمام الخميني وسائر مسؤولي الجمهورية الإسلامية، يقول المطران كابوتشي في وصف ذاك اليوم: "كان هناك الآلاف من الأخوة في المطار جاؤوا لاستقبالي، تحركنا سوية إلى منزل الإمام (رحمه الله). احتضني سماحته وقبَّلني وأمسك بيدي وخاطب الصحفيين قائلاً: الجميع شاهد استقبال المطران كابوتشي... دين الإسلام الذي هو شعارنا في هذه البلاد، هو دين المحبة، العفاف، سعة الرؤية والحياة، لقد دعوت المطران كابوتشي إلى إيران لكي أكشف زيف المغرضين، إنه ليس مسيحياً فحسب بل إنه راعي ومسؤول كنيسة أيضاً"

سجَّلت صفحات التاريخ أن المطران كابوتشي كان الضيف الرسمي الأول الذي زار الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتقى بمؤسسها الإمام الخميني رحمه الله

وفي موضع آخر يصف المطران كابوتشي الأيام التي قضاها في العاصمة الإيرانية: "كانت تلك زيارتي الأولى لطهران. قضيت أياماً جميلةً في طهران، كان رئيس ومسؤول الثورة إلى جانب بقية الأخوة كانوا أشبه بالأسرة الواحدة التي تقف في وجه الأعداء. لقد قضيت أياماً مفعمة بالسعادة إلى جانب أسرة الإمام الخميني الكبيرة؛ (الشهيد) بهشتي، (آية الله) الخامنئي و(آية الله) هاشمي رفسنجاني"

 

فلسطين كل فلسطين:

تتطابق نظرة المطران الفقيد هيلاريون كابوتشي حول فلسطين مع نظرة كل عاشق لفلسطين؛ يرى في فلسطين أرض الطهارة والقداسة، ويرى فيها حقاً مسلوباً أُخذ بقوة السلاح ودُفع لمجموعة من شذاذ الآفاق، فالمطران كابوتشي كان ينادي بحرية فلسطين كل فلسطين من بحرها إلى نهرها وهو نفسه كان يقول: "أنا لمَّا عرفت القضية الفلسطينية وقمت بالدفاع عنها، كنت أدافع عن كل شبر اُحتُل في فلسطين سنة الـ 48" وهو كلام ينطبق مع ما نادت به الجمهورية الإسلامية على لسان مؤسسها الإمام الخميني (رحمه الله)

تتطابق نظرة المطران الفقيد هيلاريون كابوتشي حول فلسطين مع نظرة كل عاشق لفلسطين؛ يرى في فلسطين أرض الطهارة والقداسة

وقائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي حيث يقول السيد الخامنئي: "فلسطين، هي فلسطين من النهر إلى البحر، وليس شبراً أقل" ويقول أيضاً "لقد أعلن إمامنا الخميني (قدس) أن تحرير الأراضي الفلسطينية وإزالة هذه الغدة السرطانية المسماة إسرائيل واحدٌ من أهداف هذه الثورة." وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدلُّ على الرؤية الواحدة التي يتشاركها عشاق فلسطين وعشاق القدس، ويردُّ على كل من يحاول تفكيك هذه القضية بجعلها قضية عربيةً تارة وإسلامية تارة أخرى؛ ليقول أن فلسطين قضية إنسانية، تتجاوز في أبعادها حدود كل الأديان والقوميات؛ فها هو الإمام الخميني والإمام الخامنئي يشاركان المطران كابوتشي محبته وشوقه لفلسطين واستعداده لبذل الغالي والنفيس من أجل تحرير فلسطين وإعادة هذا الحق المسلوب إلى أصحابه الشرعيين.

ويستمر النضال..

كان المطران كابوتشي من أوائل المشاركين في حملات كسر الحصار عن غزة حيث شارك في أسطول الحرية عام 2009 وكذلك في سفينة مرمرة عام 2010 والتي هاجمتها البحرية الإسرائيلية وقتلت عدداً من ركابها، وفي كلتا الحالتين اعتقلت القوات الإسرائيلية المطران كابوتشي ومنعته من الوصول إلى غزة. وفي المرتين عاود المطران كابوتشي تأكيده أنه لن يتوانى عن القيام بأي عمل من شأنه تخفيف آلام الشعب الفلسطيني وجمعه بأبنائه أبناء الشعب الفلسطيني ويقولها بكل قوة وفخر"نحن لن نركع لن نستسلم ولن نهادن مهما طال الزمن وبهظ الثمن."

ستفتقد فلسطين وستفتقد القدس ابناً باراً وعاشقاً ملهماً، وسوف تسجل الأيام أنه ثمة أرواحٌ تتجاوز الحدود والأديان والمذاهب لتذوب في قضية إنسانية ومظلومية تاريخية اسمها فلسطين.