وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء:

بسم الله الرحمن الرحيم(1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.

مرحباً بكم أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات المسؤولين المحترمين. هذه الجلسة هي واحدة من الجلسات المباركة التي نقيمها سنوياً. المسؤولون المحترمون حاضرون من مختلف القطاعات ويسمعون تقارير جيدة؛ كما أن السيد رئيس الجمهورية قدَّم اليوم تقريراً جيداً. ومن المعتاد أن يُقدِّم رؤساء الجمهورية في هذه الجلسة تقارير عن نشاطاتهم الإيجابية. وبذلك تتعرف الأذهان والأفكار على معلومات وأخبار وحقائق؛ فهي جلسة مباركة من هذه الناحية أيضاً والحمد لله.

لكن ما أروم طرحه في بداية كلمتي هذه يتعلق بشهر رمضان المبارك، وقد قضينا حتى الآن أكثر من نصف هذه الفرصة الذهبية، وبقي أقل من نصفها الآخر. على الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، المسؤولين المحترمين ونحن خصوصاً أن نغتنم هذه الفرصة أكبر اغتنام. إنها فرصة الإنابة والعودة إلى الله تعالى، وفرصة تنوير القلب وتليينه، وفرصة التضرع، فلنتضرع لله تعالى. لا شكَّ أن كل واحد منكم في أي قطاع كان عمله، لديه مشكلات ونواقص ويحتاج إلى عناصر وعوامل؛ يجب أن نطلب هذه الأمور من الله. دعاؤكم وتضرعكم حالة ضرورية بالتأكيد إلى جانب مساعيكم؛ يجب علينا أن لا ننسى هذا التضرع.

ورد في عدة أدعية ومنها دعاء أبي حمزة الثمالي الشريف: «ولا ينجّي مِنك إلَّا التَّضَرُّعُ إلَيك» (2). سبيل نجاتنا هو التضرع إلى الله ربنا المتعالي. حسناً، التضرع إلى الله تعالى الذي هو سبب نجاتنا - نقول «لا ينجّي مِنك إلَّا التَّضَرُّعُ إلَيك» - فكيف يمكن أن يكون هذا التضرع وسيلة نجاة؟ الأفراد الضعفاء أيضاً قد يتضرعون أحياناً لأناس آخرين، فما الفرق بين هذين؟ ما هو الفرق والتفاوت بين التضرع لله والتضرع لـ«عباد الله»؟ المهم أن نلتفت إلى هذه النقطة. التضرع إلى عباد الله هو من أجل أن تليّنوا قلب ذلك الشخص الذي تتضرعون إليه، أما التضرع إلى الله فهو من أجل أن نُليّن قلوبنا، ونُنقذ قلوبنا من القسوة، هذا هو سبب النجاة؛ إذا خرج القلب من حالة القسوة ولان فسوف يكتسب النورانية، ونورانية القلب هذه هي التي تفتح الطرق أمام الإنسان وتمنحه الأمل وتجعله يُجِّدُّ ويجتهد ويعمل، وتهديه السبل الصحيحة الصائبة. إذا كانت التقوى فسيمُنّ الله تعالى بهدايته على الإنسان. هذه التقوى ناجمة عن لين الفؤاد ولطافة القلب ونورانيته. هذا هو أصل القضية.

جاء في سورة الزمر المباركة: «فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» (3)، هكذا هي القلوب القاسية، القلوب المبتلاة بالقسوة. تذكر هذه الآية لهم الضلال المبين. ويقول عزَّ وجلَّ في سورة المائدة المباركة عن بني إسرائيل: «فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم لَعَنّـٰهُم وجَعَلنا قُلُوبَهُم قاسِية» (4)، مظهر اللعنة الإلهية هو قسوة قلوبهم الناتجة عن أعمالهم «فَبِما نَقضِهِم ميثاقَهُم». نسوا عهدهم مع الله تعالى ونقضوه. هذه أمور ينبغي الالتفات لها في مجتمعنا المؤمن، وخصوصاً بالنسبة لنا نحن المسؤولين الذين يتحمل كل واحد منا عبئاً في قطاع من القطاعات. وفي سورة البقرة المباركة يقول تعالى عن بني إسرائيل أيضاً: «ثُمَّ قَسَت قُلوبُكم مِن بَعدِ ذٰلِك فَهِي كالحِجارَةِ اَو أشَدَّ قَسوَةً وإنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَما يتَفَجَّرُ مِنهُ الأنهار» (5)، أصبحت قلوبهم أشد قسوة من الحجر؛ هذا ما يقوله النبي الأكرم نقلاً عن الله سبحانه وتعالى وهو يجادل ويحاجج يهود المدينة ويذكرهم بماضيهم. كل هذا وسائلُ دروسٍ ووعي وعبر وموعظة لنا، فيجب أن نسعى. ورد في رواية في الكافي الشريف: «والقاسِي القَلبِ مِنّي بَعيد» (6). البُعد عن الله تعالى أسوء الآفات بالنسبة للإنسان، أنْ يبتعد اللهُ تعالى عن الإنسان، ولقسوة القلب مثل هذه الخصوصية إنها تُبعد الإنسان عن الله. أو في رواية أخرى: «ما ضُرِبَ‌ عَبدٌ بِعُقوبَةٍ أعظَمَ مِن قَسوَةِ القَلب» (7).

حسناً، ينبغي الاستفادة من هذه الأيام، فشهر رمضان المبارك فرصة جيدة؛ يمكن الاستفادة من الأدعية في هذا الشهر - سواء الأدعية الخاصة بالأسحار أو تلك الخاصة بالأيام والليالي - وهي أدعية تُليّن مضامينها قلوبنا، ويمكن الاستفادة من الصيام نفسه والاهتمام بالواجب؛ نحن نحتاج لهذا. إذا غفل مجتمعنا الإسلامي الثوري عن ذكر الله والخشوع والتضرع له فسوف يتلقى الضربات بلا شك، سوف يتلقى الصفعات، وسوف يكون الإخفاق نصيبه. لن نصل إلى تلك الأهداف السامية وتلك المطالب المنشودة إلّا إذا استطعنا مواصلة مساعينا الإيمانية الصادقة، وهذا غير ممكن إلّا عبر التوجه إلى الله تعالى وزيادة نورانية القلوب واتصال القلوب بالله تعالى. هذا هو كلامنا حول اغتنام فرصة شهر رمضان وهو برأيي أهم من كل ما سنقوله. هذا هو أساس كلامنا: أنْ نراقب ونكون حذرين. وأنا طبعاً أول المخاطبين بهذا الكلام، فأنا أتحمل مسؤولية أكثر منكم، وعلى عاتقي عبء أثقل من أعبائكم، وأنا نفسي أحوج إلى هذا الكلام، ومن اللازم عليّ وعليكم أن نتنبه ونستفيد من هذا الشهر ومن هذه الفرصة، وليالي القدر أمامنا.

حسناً، هذه الجلسة فرصة للتطرق إلى بعض المسائل العامة والمهمة والكلية في البلاد، حتى تطرح هنا بعض القضايا التي قد تكون أحياناً موضع حوار ونقاش وبحث واختلاف في وجهات النظر، وتبحث. وأن يجري التذكير ببعض القضايا التي قد نغفل عنها. هذه الجلسة جلسة مفيدة جداً من هذه الناحية، لأن المسؤولين موجودون وأصحاب الرأي والخبرة حاضرون.

ولحسن الحظ فقد شهدنا هذه السنة ظاهرة الانتخابات؛ لقد كانت الانتخابات عملاً كبيراً؛ عظمة الانتخابات أفصحت عن قوة الثورة واقتدار النظام الإسلامي؛ يجب أن لا نغفل عن هذه الحقيقة. في الإعلام العالمي وفي الكلام الذي يُقال حول انتخاباتنا في الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية - وتلاحظون أنهم يتكلمون دائماً عن الانتخابات في إيران - لا يشيرون لهذه النقطة ولا يتطرقون لها على الإطلاق، وهي أن هذه الانتخابات مؤشرٌ على اقتدار النظام، ودليل على قدرات وعمق نفوذ النظام في القلوب. عادة ما لا يقولون هذا الشيء لكنه واقع موجود قائم. الناس الذين حضروا وأدلوا يوم الجمعة بآرائهم في صناديق الاقتراع، مهما كان الشخص الذي انتخبوه، فإنهم جميعاً قد أنجزوا عملاً مشتركاً واحداً؛ وهذا العمل المشترك له قيمة كبيرة جداً. ينبغي مشاهدة هذا العمل المشترك وعرضه على العالم، وهذا العمل المشترك هو الثقة بالنظام الإسلامي. نعم، منح البعض أصواتهم لزيد، ومنح البعض أصواتهم لعمرو، ومنح البعض أصواتهم لبكر، ومنح البعض أصواتهم لخالد، لكن هؤلاء جميعاً قاموا بعمل مشترك واحد. وذلك العمل المشترك الواحد هو أنهم وثقوا بهذا الصندوق الذي وضعه نظام الجمهورية الإسلامية هناك، ووثقوا بهذه الحركة العظيمة المقررة في دستور الجمهورية الإسلامية، ونزلوا إلى الساحة لانتخاب المسؤول التنفيذي في البلاد. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية.

الناس (عندما شاركوا في الانتخابات) وثقوا بالصندوق الذي وضعه نظام الجمهورية الإسلامية، ووثقوا بهذه الحركة العظيمة المقررة في دستور الجمهورية الإسلامية

علينا أن لا نخرّب هذا العمل المشترك. أن لا نستخرج من ثنايا هذا العمل المشترك كلاماً وملاحظات بالشكل الذي نخرّب به أصل هذه الحركة المشتركة ونهدرها، فهذا العمل المشترك مهم جداً. أما أن نأتي ونقسم الشعب الإيراني ونقول «إن البعض صوّتوا بنعم لهذا الموضوع وبعضهم بلا»، فلا، جاء الشعب لتعيين الأشخاص فقط. فلماذا نقسم الأفراد؟ لنحذر من أن نستخرج هذه التقسيمات والمساجلات من صميم عملية كبيرة ومشتركة قام بها الشعب الإيراني. كل الشعب الإيراني يعارض أعداء هذا الشعب وأعداء تقدم هذا الشعب. نعم، قد يكون هناك أفراد خونة؛ لقد كان هناك أفراد خونة في كل البلدان وفي كل الشعوب وفي كل الأزمنة، لكن غالبية الشعب الإيراني يعارضون العدو الذي فرض الصعوبات على الشعب، وفرض عليه الحظر، وفرض عليه الحرب، وفرض عليه انعدام الأمن. هكذا هو كل الشعب.

واليوم أيضاً نشاهد أنه بعد انتخاباتنا بادر الأمريكيون بكل وقاحة إلى زيادة الحظر وإلى قرع طبول المعارضة والتحدي والعناد أكثر. هكذا هو الحال. في ضوء حالات العداء، وفي ضوء هذا الواقع، وفي ضوء الاحتياجات، وفي ضوء الأهداف السامية التي أمامنا، ينبغي إيجاد أجواء جديدة. والكل لهم نصيبهم وأسهمهم في إيجاد هذه الأجواء الجديدة - أجواء التعاون، أجواء العمل والسعي لتحقيق الهدف المشترك الذي هو تقدم البلاد ورفعة نظام الجمهورية الإسلامية - الكل مساهمون وشركاء. يجب أن نستطيع إيصال أنفسنا إلى مقاصد نظام الجمهورية الإسلامية المقدس خطوة خطوة. هذه أهداف كانت مطروحة في شعارات الجمهورية الإسلامية منذ البداية، وهي موجودة اليوم أيضاً؛ يجب أن نقرّب أنفسنا منها. وهذا الهدف يستدعي مساعي الجميع وجهودهم. إذا سعينا كلنا فسنستطيع الوقوف والصمود والاستقامة ونستطيع تركيع أعدائنا. إذا كنا جميعاً مع بعضنا البعض، وهذه هي وصيتنا الدائمة. واليوم أيضاً أوصي مجدداً بأنه على الجميع مساعدة مسؤولي البلاد والتعاون معهم ليستطيعوا أن يعملوا. وعلى المسؤولين بدورهم أن يرعوا الناس والشعب بالمعنى الحقيقي للكلمة. وعلى مسؤولي القطاعات المختلفة أن يتعاونوا فيما بينهم. ودأبي هو أن أدعم كل الحكومات التي تتولى الأمور، وهكذا هو الحال اليوم أيضاً، وبعد الآن أيضاً سيبقى هذا هو الحال إن شاء الله ما بقينا أحياء.

في نظرة عامة لشؤون البلاد، إذا أردتم أنتم المسؤولون، بدءاً من مسؤولي الدرجة الأولى إلى مدراء القطاعات المختلفة، إذا أردتم إدارة البلاد بصورة صحيحة، وإذا أردتم إدارة الفرص والتهديدات بالمعنى الحقيقي للكلمة، فثمة فرص وثمة تهديدات، ويجب إدارة هذه الفرص والتهديدات بشكل صحيح، إذا أردتم توظيف الأرصدة الوطنية هذه بنحو صحيح، وإذا أردتم تفعيل إمكانيات البلاد وطاقاتها - والكثير من هذه الطاقات لا تزال مجهولة- والاستفادة منها، وإذا أردنا تشخيص الطريق الصحيح من الطريق الخطأ -فالإنسان ومسؤولو البلاد والحكومات والقطاعات المختلفة يشاهدون أمامهم أحياناً طرقاً بعضها ليست طرقاً صحيحة بل طرقاً خاطئة لا توصلنا إلى مقاصدنا- إذا أردنا إنجاز هذه الأعمال الكبرى فنحن بحاجة أولاً إلى تشخيص معايير اتخاذ القرار واختيارها بصورة صحيحة، وثانياً نحتاج إلى الاستفادة من تجاربنا. هذا هو ما أريد قوله اليوم. علينا أن نستطيع اختيار معايير اتخاذنا للقرارات بصورة صحيحة. غالباً ما تكون هنا مزالق، وهذه حالة مشهودة على مرّ الزمن وفي مختلف الفترات وليس اليوم فقط؛ وسوف أبيّن ذلك.

حسناً، ما هو معيار اتخاذ القرار؟ بالطبع الشيء الكلي الذي يُطرح هنا هو المصالح الوطنية، بمعنى أن تأمين المصالح الوطنية هو معيار اتخاذ الحكومات لقراراتها. سواء المصالح القصيرة الأمد أو المصالح الطويلة الأمد. والقضية تكمن في كيفية معرفة المصالح الوطنية وكيفية تشخيصها، وما الشيء الذي نعتبره من المصالح الوطنية حقاً وما الشيء الذي لا نعتبره من المصالح الوطنية. النقطة الأساسية التي أعنيها وأريد أن أطرحها هي أن المصالح الوطنية لا تكون مصالح وطنية إلّا عندما لا تتعارض مع هوية الشعب الإيراني الوطنية والثورية. المصالح لا تكون مصالح وطنية حقيقية إلّا إذا كانت لا تتعارض مع هوية الشعب. وإلّا فعندما نطرح شيئاً باعتباره مصلحة وطنية لكنه يسحق هويتنا الوطنية فسنكون على خطأ بالتأكيد. ليست هذه مصالح وطنية. وللأسف هذه هي الحالة التي كانت دائماً ترسم مصير بلادنا منذ زمن الثورة الدستورية وإلى ما قبل الثورة الإسلامية، حيث سحقوا هويتنا الوطنية بالأقدام. وبالطبع فقد بدأت هذه الحالة قبل العهد البهلوي ومنذ أواخر العهد القاجاري. سُحقت الهوية الوطنية دائماً من أجل أمور بدت للمدراء وأصحاب القرار وصنّاع القرار مصالح للشعب الإيراني، فراحوا ينفذونها. هذا معناه عكس العلاقة وقلبها. المصالح الوطنية يجب أن تتطابق مع الهوية الوطنية لا أن تكون الهوية الوطنية تابعة للمصالح الوطنية، والتي ستكون بالتأكيد مصالح وهمية. أن يأتي شخص ويقول «يجب أن نكون كالأجانب من قمة رؤوسنا إلى أخمص أقدامنا لكي نستطيع أن نتقدم» فهذا سحقٌ للهوية الوطنية. بمعنى أن يقولوا لشعب ذي سابقة تاريخية وثقافة غنية وقوية وبكل هذه المعتقدات وبكل هذه الأرصدة المعنوية المتنوعة «تعالوا واتركوا كل أشيائكم وانبذوها وكونوا غربيين من قمة رؤوسكم إلى أخمص أقدامكم لتستطيعوا أن تتقدموا». كانوا يُصوِّرون ويرسمون للشعب مصالح تستدعي الانفصال عن الهوية الوطنية. وهذا هو سلخٌ للشعب عن هويته وعن وجوده والذي وصل في العهد البهلوي إلى أقصى درجاته. وبالطبع قلتُ إنه بدأ منذ نهايات العهد القاجاري. وجاءت الثورة فغيّرت هذه النظرة.

المصالح الوطنية يجب أن تتطابق مع الهوية الوطنية لا أن تكون الهوية الوطنية تابعة للمصالح الوطنية

 

من الإنجازات والأعمال الكبرى للثورة الإسلامية أنها طرحت هوية للشعب وأصرت عليها، واستخرجت المصالح الوطنية على أساسها واستنبطتها ورسمتها وصدقتها وتابعتها. وحقاً لم نكن لنصل إلى المصالح الوطنية في إطار ذلك الشكل السابق. ولكم أن تلاحظوا أن بلدنا وبسبب فقدانه لهويته لم يحقق أي تقدم يناسب مكانته ويناسب تلك الأمواج والسيول التي عمّت العالم، منذ زمن الثورة الدستورية وإلى ما قبل الثورة الإسلامية، على الرغم من كل تلك الأرصدة ومن كل تلك الطاقات والإمكانيات التي يمتلكها. في العالم المتقدم والنشيط والحيوي كانت المسيرة نحو الأمام من النواحي العلمية والتقنية وفي مختلف قطاعات الحياة قد سارت بشكل آخر، لكنها لم تكن كذلك في بلادنا، بل ساد التوقف والركود. ولكن منذ الثورة الإسلامية فلاحقاً تغير الوضع بتغيير هذه النظرة. نشعر من بعد الثورة الإسلامية أنَّ لنا تقدمنا وأننا نسير إلى الأمام. وبالطبع فإن حالات التأخر كثيرة، لكن التقدم في الوقت ذاته ملحوظ.

في كلمتي في بداية السنة أشرت باختصار إلى قائمة من انجازات البلاد على مختلف الصعد، على صعيد البنى التحتية، وعلى صعيد الطاقات البشرية وفي شتى المجالات. البعض غير مستعدين للاعتراف بهذه الإنجازات، وحتى بعض المسؤولين أنفسهم يغفلون عن مكتسبات الثورة. أن يستطيع البلد تحقيق هذه المكتسبات والإنجازات على الرغم من كل هذه القضايا والمشكلات التي اعترضت طريقه وعلى الرغم من الحرب المفروضة وعلى الرغم من فرض الحظر والعداء الصريح والواضح الذي مارسته القوى المتسلطة في العالم، فما هذا إلّا لأن البلد شعر بهويته. لقد أدرك الشعب الإيراني هويته وعرفها وشعر بوجوده، وسار بقوة واقتدار. الشعور بالهوية هذا يمنح الإنسان مثل هذه الحالة، يمنح الإنسان الثقة بذاته.

حسناً، نقول هوية الشعب الإيراني، فما هي هذه الهوية؟ كيف تُعَرَّف وتُطرَح هويتنا الوطنية؟ نحن شعب مسلم، وله جذوره في التاريخ، وشعب ثوري. هذه هي هويتنا. إسلامنا وانتماؤنا للإسلام، وعمقنا التاريخي، وثوريتنا، ثلاثة عناصر أساسية تكوّن هويتنا الوطنية. ينبغي أن لا ننسى هذه العناصر الثلاثة.

إسلامنا، وعمقنا التاريخي، وثوريتنا، ثلاثة عناصر أساسية تكوّن هويتنا الوطنية

انتماؤنا للإسلام بمعنى أن القيم والأصول الإسلامية تشكل هويتنا. وجذورنا التاريخية أي أن كوادرنا الإنسانية على مرّ التاريخ كان لهم أفكارهم السامية العليا - في مختلف المجالات، في الفلسفة وفي العلم وفي التقنية - وقد أنجزوا أعمالاً كبرى طوال التاريخ حسب الظرف الزمني، وعملوا على تحريك البشرية ودفع عجلتها إلى الأمام. لاحظوا هذه النقطة. ليس من الصحيح أن نتصور أن التقنية والإبداع والابتكار كانوا من صنع الغرب وأوربا ومن إنجازهم منذ البداية، فهذا تصور خاطئ غير صحيح. لقد كنا رواداً وسباقين في التقنية خلال فترات معينة، التقنية بما يتناسب وتلك العصور. وبالطبع فإن من طبيعة العلم والتقنية أنها كلما تقدمت إلى الأمام كلما ازدادت سرعتها، وقد ضربنا الأمثلة مراراً ولا نروم التكرار. كلما تم التقدم إلى الأمام أكثر كلما تضاعفت سرعة التقدم أكثر. وهذا هو السبب في أن البلدان المتقدمة علمياً تزداد المسافة الفاصلة بينها وبين البلدان المتأخرة باستمرار. حالات التقدم العلمي تزيد من سرعة التقدم العلمي. وقد كنا في تلك الأزمنة رواداً في الشؤون التقنية بما يتناسب وتلك العصور. وليس نحن كإيرانيين بل الكثير من البلدان الشرقية عاشت مثل هذه الحالة، بما في ذلك نحن الإيرانيون. إذن، هناك الإنتماء للإسلام والتجذر التاريخي ومن ثم الثورة. الثورة جزء مهم من هويتنا. الثورة معناها تلك الحركة التحولية العميقة التي استطاعت بالاستناد إلى الإسلام تغيير وضع البلاد، ومن أهم حالات التغيير هذه أنها أخرجت الشعب عن التهميش ووضعته في صلب إدارة البلاد.

قبل الثورة لم يكن للشعب أي دور. لقد بقي الشعب الإيراني على هامش الحكومات طوال قرون من الزمان، ولم يكن له دور في إيجاد الحكومات والدول. نعم، عندما كان يريد ملك ما دخول حرب كان يأخذ عدداً من أبناء الشعب ويسلحه ويسيّره إلى الحرب. هذا كان دور الشعب. أما أن يستطيع الشعب أن يكون له دور في تعيين سياسة ما وتعيين مسؤول ما، ناهيك عن مسؤولي الدرجة الأولى، فلم يكن هناك مثل هذا الشيء. كان الشعب يجلس وينتظر لتزول هذه السلالة الحاكمة وتأتي تلك السلالة التي بعدها، وكما كانت تلك السلالة تحكم فسوف تحكم هذه السلالة، وقد كانت السابقة تعتمد منطق القوة والعسف وتأتي اللاحقة فتعتمد منطق القوة والعسف أيضاً. أما الشعب الإيراني فلم يكن له من دور. للمرة الأولى طوال تاريخنا، تاريخنا الممتد لقرون من الزمن، وتاريخنا منذ العهود القديمة وإلى هذا العصر، استطاع الشعب الإيراني بعد الثورة الإسلامية أن يمارس دوره وأن يكون له إسهامه وأن ينتقل من الهامش إلى المتن وأن يكون حاسماً ويرسم مصيره. كما هو معلوم فإن مسؤولي البلاد، من أعلى مسؤول فيها أي القيادة إلى رئاسة الجمهورية والمسؤولين الآخرين، إنما يتولون مسؤولياتهم وأعمالهم بانتخاب من الشعب، ويجب أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الشعب؛ يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم أمام الشعب. كان هذا من أهم الأحداث والتغييرات والتحولات التي أوجدتها الثورة. إذن، بعد الثورة تغيرت المصالح الوطنية. أي إن المعايير التي تُشخص المصالح الوطنية قد تغيرت طبعاً.

بعد انتصار الثورة كما قلنا تحولت الدكتاتوريات إلى سيادة شعب، وتبدلت التبعيات إلى استقلال سياسي، وتبدلت حالات التأخر إلى حالات تقدم ملحوظة. تحققت حالات تطور في البنى التحتية وفي الطاقات الإنسانية وفي صناعات مهمة مثل النانو وتقنيات الأحياء والصناعات الكبرى التي نُسجل فيها حالياً درجات ومراتب عالية في العالم من بين أكثر من مئتي بلد، وكذا الحال في العلوم والتعليم العالي وغير ذلك. حسناً، كانت هذه أحداث أوجدتها هويتنا الثورية.

إذن، النتيجة هي أنه كل ما يتعارض مع هذه الهوية ليس من المصالح الوطنية حتى لو تصورنا أن فيه فائدة ومنفعة وربحاً للشعب. لا، كل ما يتعارض مع إسلامنا ومع ثورتنا ومع ماضينا وسابقتنا التاريخية القديمة فهو ليس من ضمن المصالح الوطنية.

طبعاً يجب أن لا يُقرأ هذا الكلام قراءة خاطئة، هذا الكلام لا يعني أن نحرم أنفسنا من حالات التقدم العلمية في العالم ومن حالات التطور البشري المتنوعة، لا، وقد صار من الدارج هذه الأيام أنه ما إن يتكلم مسؤول بكلمة تخرج من فمه حتى يذهبون في تفسيرها وتأويلها على مستوى واسع - من الإذاعة البريطانية إلى الموقع الإلكتروني الفلاني - كلهم يفسرون ويؤولون بشكل مستمر حسب ميولهم. فلا يُؤولوا هذا الكلام بأنه: لإننا قلنا إننا صنعنا ثورة ولأننا مسلمون ولأن لنا سابقتنا التاريخية لذلك يجب إغلاق باب الانتفاع من حالات التقدم البشرية على أنفسنا! لا، حالات التقدم البشرية ملك للجميع، وليست ملكاً لشخص بعينه، ومن حق الإنسانية كلها أن تنتفع من هذا التقدم. وكل من يكون أعقل وأذكى وأمهر فسينتفع أكثر. ونحن نرغب أن نكون أعقل وأمهر، وسوف ننتفع من حالات التقدم أكثر إن شاء الله. معنى هذا الكلام أن مصالحنا الوطنية يجب أن لا تسير تبعاً لتلقينات السياسات الخارجية. ينبغي أن نُعرّف نحن بأنفسنا المصالح الوطنية. يجب أن لا يكون هناك فرض وإكراه.

طبعاً القوى الاستكبارية لا يهدأ لها بال ولا تقعد هادئة. ولديها أساليبها المختلفة لفرض إراداتها. يجتمعون ويطرحون بعض الأشياء باعتبارها قيماً دولية. في الوقت الحاضر مثلاً تطرح أمريكا شيئاً بوصفه قيمة دولية، ولنفترض مثلاً «ينبغي مراعاة المصالح الأمريكية في كل أنحاء العالم»، تطرح هذا كقيمة دولية. وإذا اصطدمت مصالح أحد في المنطقة الفلانية البعيدة من العالم - والتي تبعد عن أمريكا آلاف الكيلومترات أو الفراسخ - مع مصالح أمريكا وكانت متعارضة معها، وأراد تأمين مصالحه فسيقولون إنه يعمل بخلاف القيم الدولية. في البداية يطرحون شيئاً كقيمة، ثم يتهمون الشعوب والدول والحكومات على أساس ذلك بأنها ضد القيم ومنتهكة للقيم عندما تصطدم بالقيمة التي يطرحونها هم! هذا خطأ، وهو ما يفعلونه في الوقت الراهن.

على سبيل المثال راح الأمريكيون في الآونة الأخيرة يوجهون إلينا تهمة "زعزعة استقرار المنطقة" يجعلون من هذا عنواناً: زعزعة استقرار المنطقة! أولاً ما شأنكم بهذه المنطقة؟ ثانياً أنتم من يزعزع استقرار هذه المنطقة، أمريكا وعملاء أمريكا هم الذين يزعزعون استقرار هذه المنطقة، شمال أفريقيا بشكل، ومنطقة غرب آسيا بشكل، وسورية بشكل، والعراق بشكل. أن يؤسسوا الجماعة الفلانية ويمدوها بالمال والسلاح ويضعوا لها خططاً وبرامج عسكرية ويساندوها ويعالجوا جرحاها في المستشفيات، فهذا زعزعة لاستقرار المنطقة. من الذي أوجد داعش؟ ومن الذي قوّى وعضّد داعش؟ وحتى ما يدّعونه اليوم من «تحالف لمحاربة داعش» فهو كذب، حتى هذا كذب. نعم، إنهم يعارضون انفلات داعش وعدم السيطرة عليها، لكنهم يريدون داعش المسيطر عليها والتي تكون في أيديهم، وإذا أراد طرف القضاء عليها ومحوها فسوف يقفون ضده بكل جدّ. تلاحظون أن الطائرات الأمريكية تأتي في الوقت الحاضر وتقصف القوات العسكرية السورية التي تحارب داعش أو أشباه داعش. ونفس هذه الحالة حدثت في العراق. كانت داعش تبيع نفط العراق؛ وقال لي هنا مسؤول حكومي ضيف - كان ضيفنا هنا وهو شخصية دولية معروفة – قال لي إن صور شاحنات داعش التي كانت تسرق نفط العراق من المصادر العراقية وتذهب به لتبيعه للبلد الفلاني، كانت تحت أنظار الأمريكان، لكن الأمريكان لم يقصفوها أبداً حتى بقنبلة واحدة، لم يمنعوهم من ذلك في أي وقت من الأوقات! كانت هذه العملية تحدث أمام أنظارهم، وهم يزعمون أنهم يعارضون داعش، والحال أنهم لو كانوا يعارضون طرفاً لعارضوا دعمه بهذه الصورة، لكن هؤلاء لم يمتنعوا عن المعارضة وحسب، بل كانوا يساعدونهم! إذن، هؤلاء هم الذين يزعزعون الاستقرار في هذه المنطقة. إيران لا تقوم بزعزعة استقرار المنطقة؛ الأمر الذي يُسَوِّقونه عن إيران.

والكلام الذي قاله الرئيس الأمريكي (8) مؤخراً هو أيضاً من هذا القبيل، حيث يتهمون - بمناسبة الأحداث الإرهابية الأخيرة - إيران بدعم الإرهاب، والحال أن جذور الإرهاب في هذه المنطقة أمريكية. وكذا الحال بالنسبة لقضية حقوق الإنسان. راح الأمريكيون يطرحون قضية حقوق الإنسان مجدداً، وهذا شيء مضحك ويبعث على الاستغراب حقاً! فالذين يذهبون إلى هناك ويجتمعون مع حكام النظام السعودي القبلي العائد للقرون الوسطى - وهذه فعلاً فضيحة وأعتقد أن وصمة العار هذه لن تمحى من جبين الأمريكيين أبداً، وستبقى كوصمة ودمغة حامية على جباههم - ويتحدثون عن حقوق الإنسان، والطريف أن حديثهم ضد بلد مثل الجمهورية الإسلامية! في بلد لم يشم رائحة الديمقراطية والانتخابات وما شاكل، يذهبون ويجتمعون ويهمزون ويلمزون ويتهمون بلداً مثل إيران هو مركز السيادة الشعبية ومظهر سيادة الشعب، ويتحدثون ضده! هذه أمور سوف تبقى، وقد لا تبدو اليوم كبيرة في غمرة الضجّات السياسية المتعددة، لكنها ستبقى بلا شك في التاريخ.

(الأمريكيون) يتهمون إيران بدعم الإرهاب، والحال أن جذور الإرهاب في هذه المنطقة أمريكية

 

إذن، كلامنا الأساسي حول قضية اتخاذ القرارات وصناعة القرارات هو أن المصالح الوطنية معيار صحة القرارات، والمصلحة الوطنية هي ما لا يتعارض أي تعارض مع هوية الشعب الإيراني، ولا يكون بمعزل عنه، بمعنى أن يكون نابعاً منها. هذه ستكون مصلحة لشعب إيران. هذا ما ينبغي أن يأخذه مسؤولو البلاد والحكومة المحترمة والسلطة القضائية والسلطة التشريعية والذين يتخذون القرارات الكبرى في البلاد، ما ينبغي أن يأخذوه دائماً بعين الاعتبار، فكل شيء تحوم حوله شبهات معارضة الإسلام أو الغربة عن الإسلام، أو معارضة الثورة أو الغربة عن الثورة، ومعارضة الجذور التاريخية للشعب الإيراني أو الغربة عنها، أو أي شيء من هذا القبيل، فهو ليس من المصالح الوطنية، ولا يمكن أن يكون هو القرار (المناسب).

وأما التجارب؛ فقلنا إنه يجب الاستفادة من التجارب، ولأذكر بعض النماذج هنا. من القضايا المهمة قضية تأثير الانسجام والاتحاد الوطني في النجاح. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. وقد كانت هناك إشارة حوله في كلام السيد رئيس الجمهورية. إنني أؤيد أنه ينبغي الحفاظ على الانسجام الوطني، ويجب صيانة الاتحاد الوطني. ينبغي أخذ المشتركات بعين الاعتبار دوماً. وهذا لا يتنافى مع أن يبدي معترض اعتراضه في قطاع معين إذا كان لديه اعتراضه على السياسة الفلانية أو البرنامج الفلاني. لا يتنافى أبداً. ولكن ينبغي أن لا يكون هذا بمعنى وجود توتر ولغط وسجال حول القضايا الكبرى والأساسية في البلاد.

لقد جرّبنا هذا الانسجام والاتحاد وتأثيراته طوال ما يقارب الأربعين سنة. في الحرب أيضاً كان هناك بعض المخالفين. في الوقت الذي كنا فيه مبتلين بالحرب المفروضة كان هناك البعض في هذه الشوارع وفي تقاطعات طهران - ومن المفترض أن الكثيرين منكم يتذكرون ذلك - يقفون وينشرون البيانات والإعلانات ضد الحرب. قد تكون هناك مخالفة، لكن غالبية الشعب كانت كلمته واحدة وقد صمد وقاوم وثبت على كلمته. وهذا هو الشيء الذي ننشده وهو الانسجام والاتحاد الوطني. ينبغي أن لا نجعل في البلاد استقطاباً ثنائياً، ويجب عدم تقسيم الشعب إلى فئتين. تلك الحالة التي وقعت في سنة 59 [1980 م] للأسف من قبل رئيس الجمهورية آنذاك حيث قسّموا الشعب إلى فئتين موافقة ومعارضة، وهو شيء خطير.

نقطة أخرى من اللازم أن أذكرها حول هذا الانسجام الوطني والاتحاد الوطني هي أن هذا الاتحاد يظهر ويبرز عندما تكون هناك حدود ومسافات فاصلة واضحة بيننا وبين العدو. من الأمور التي تضع علامة استفهام على اتحاد الشعب وتخلق الشبهات والخلافات، وإذا كان هناك اختلاف فسوف تظهره إلى العلن، هو عدم وضع مسافة وحدود فاصلة مع العدو. يجب الحذر من هذا. ليس العدو في خارج البلاد فقط، فأحياناً ينفذ العدو إلى داخل البلاد. وقد لاحظتم ما حدث في سنة 88 [2009 م]. ظهرت في بعض شوارع طهران جماعات - ولم تكن أعدادهم كثيرة طبعاً، بل كانوا قلائل - تحدثوا ضد النظام بصراحة. المشكلة الأساسية التي حصلت كانت نابعة من عدم وضع مسافة فاصلة بين جماعة ما وهؤلاء. كان يجب أن يعلنوا عن انفصالهم ورفضهم لهم ولم يفعلوا، لذلك حدثت المشكلات اللاحقة. عندما تجدون جماعة تعارض أساس نظامكم، وأساس ثورتكم، وأساس معتقدكم ودينكم وتعاديه وتؤذيه وتعرقل مساعيه، فيجب أن تحددوا حدودكم الفاصلة عنهم وتعلنوا أن هناك مسافة تفصلكم عن هؤلاء. هذا شيء لازم. وخصوصاً نحن المسؤولون يجب أن نكون في هذا الخصوص جادين ومثابرين للغاية. فإذا كان هذا فسيكون للاتحاد والانسجام الوطني معناه وسيتحقق.

النقطة الثانية التي هي من ضمن التجارب تتمثل في منح الأولوية للطاقات الداخلية. وهذا هو الشيء الذي أعلنا عنه لهذه السنة تحت شعار الإنتاج الوطني وفرص العمل. الإنتاج الوطني من المجالات ذات العلاقة بالإمكانيات؛ والمقصود هنا الإنتاج الصناعي والزراعي. وبالطبع فإن إنتاج البرمجيات وإنتاج العلم والفكر أيضاً جزء من الإنتاج الداخلي بالتأكيد وله أهميته، ولكن لأن الحديث عن الشؤون الاقتصادية لذلك فقصدنا هو الإنتاج الصناعي والزراعي وما شاكل. ينبغي الاهتمام بالإنتاج الداخلي والإمكانيات والطاقات الداخلية. أعتقد أن طاقات كوادرنا البشرية الشابة طاقات جيدة جداً. قبل أيام من الآن اجتمع عدد من الشباب من الطلبة الجامعيين في نفس هذه الحسينية (9) وتحدث بعضهم هنا وألقوا كلماتهم. وقلتُ لبعض المسؤولين المحترمين أن مستوى فهم وإدراك وتصورات هؤلاء الطلبة الجامعيين لقضايا البلاد مستوى عال ومتقدم جداً والحق يقال. ويجب الانتفاع من هذه الآراء. هذه هي طاقاتنا الإنسانية المتطورة، الأفراد الذين يمكنهم أن يمارسوا دوراً في تقدم البلاد وقفزتها نحو الأمام. لقد استفدنا الكثير من هذه الطاقات والإمكانيات الداخلية في المجالات العلمية. في مجال الطاقة النووية جاءوا إلى هنا قبل سنوات - في نفس هذه الحسينية - ليعرضوا علينا تقريراً على شكل معرض (10)، وكانت هناك أجنحة متعددة زرتها، وقد كان الموجودون في جميع هذه الأجنحة تقريباً من الشباب، من الشباب قليلي الأعمار، وكان المسؤولون المحترمون يُعرّفونهم. هؤلاء هم أشخاص طوّروا الأقسام المختلفة للطاقة النووية واستطاعوا إنجاز تلك الأعمال الكبيرة وتطوير هذه الصناعة والتقدم بها إلى الأمام. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. لشبابنا مثل هذه القابليات والقدرات. هذه أيضاً قضية.

وموضوع آخر يعدّ هو أيضاً من تجاربنا الأساسية وينبغي عليكم في إدارة البلاد - في أي قطاع كنتم - أن تتنبهوا إليه هو قضية عدم الوثوق بالعدو وبوعود العدو. هذا الكلام جدي وهذه القضية جدية. لقد وثقنا في بعض المواطن بالعدو فأصبنا بخسارة وضرر، مع أنه كان يمكننا أن لا نثق. ومع أننا لم نكن نتصور أننا سنثق لكننا وثقنا. هذه الثقة بالعدو وبوعود العدو تسبب لنا الضرر والخسارة. أنْ نستبعد ونقول من البعيد أن لا يعملوا بهذا الذي قالوه، فهذا غير صحيح. عندما يتعلق الأمر بالعمل مع الأجانب فيجب التشديد بمنتهى الدقة على التفاصيل وملاحظة الدقائق والتمحيص والاحتياط. ينبغي عدم الثقة بهؤلاء، يجب أن لا نثق بهم لا في العمل ولا في طريقة البيان والكلام. وأقول أيضاً إن بعضكم أيها السادة المحترمون الحاضرون هنا، ما عدا المسؤولين من الدرجة الأولى في البلاد، أي رؤساء السلطات وما شاكل، هناك أفراد متنوعون آخرون هم من أهل الخطابات والمنابر - وأنا أستخدم كلمة المنبر بدل المنصة - لهم منابرهم ويستطيعون التحدث وكلامهم مسموع، وينبغي أن لا يستشعر من لهجة كلامهم أي ثقة بالعدو. فهذا ما يترك تأثيراته في ذهنية الداخل، وله تأثيره في انعكاسه على معارضينا وأعدائنا في الخارج. حصل أحياناً في بعض الفترات أننا تنازلنا في قضية ما بهدف سلب الذريعة من يد الأمريكيين أو من يد العدو في القضية الفلانية، لكن الذريعة لم تسلب، وخسرنا نحن الشيء الذي تنازلنا عنه! ينبغي عدم الثقة. وكذا الحال في قضايا متنوعة.

لقد قلتُ مراراً إننا كنا ولا زلنا نثق بالمسؤولين الذين ذهبوا وتابعوا قضية الاتفاق النووي، ونعتبرهم أفراداً من الأصدقاء والمحبين والمتدينين، ولكن في نفس قضية الاتفاق النووي هذه غضضنا الطرف في حالات كثيرة عن أشياء بسبب الثقة بكلام الطرف المقابل، المفاوض في الطرف المقابل، غضضنا الطرف عن شيء ولم نهتم له وبقيت ثغرة، وراح العدو الآن يستفيد من تلك الثغرة. هذه قضايا مهمة فعلاً. وزير خارجيتنا المحترم السيد الدكتور ظريف يكتب رسالة معبرة للمسؤولين الأوربيين - وقد كتب عدة مرات - ذكر فيها حالات نقض روح الاتفاق النووي وجسمه. يقولون أحياناً إن روح الاتفاف النووي قد نقضت، وهو يقول إنه ليست روح الاتفاق النووي فقط قد نقضت بل لقد نُقض الاتفاق النووي نفسه في بعض المواطن، أي جسد هذا الاتفاق أيضاً قد نقض من قبل الأمريكيين. وقد سجّل هذه الانتهاكات على شكل لائحة وبعثها لهم. أي إن هذا الشخص ليس ممن يقال عنهم إنه من معارضي هذه المفاوضات ويقول هذا الكلام، لا، إنه نفس وزير الخارجية المحترم، لأنه إنسان متدين وله ضميره وإنسان صاحب شعور بالمسؤولية، فإنه هو نفسه راح يسجل هذه الاعتراضات. والسبب هو أنه حصل هناك تسامح من قبلنا، ولو لم يحصل هذا التسامح، ولو لم تحصل ثقة بالعدو، لأغُلق الطريق على العدو ولما استطاع القيام بهذا العمل. والآن أيضاً لا نريد إثارة موضوع الاتفاق النووي، ولكن الجماعة المعينة للإشراف عليه - وفيهم رئيس الجمهورية المحترم، ورئيس مجلس الشورى المحترم، ووزير الخارجية المحترم، وعدة أشخاص آخرين – يجب أن يدققوا حقاً في هذه القضية، يجب أن يدققوا ويراقبوا ليروا ما الذي يحصل. نحن أشرنا إلى نقاط، وقد ذكرتُ لدى الموافقة على الاتفاق النووي شروطاً بشكل صريح، وقد دوّنتها وكتبتها - ولم تكن باللسان، بل بعثتها مكتوبة - ويجب مراعاة هذه الأمور، يجب مراعاتها بدقة. عندما يأتي الطرف المقابل ويقف ويقول شيئاً بوقاحة، فإننا مهما تنازلنا في هذا المجال سيعتبر ذلك منا ضعفاً ويُحمل على محمل أننا مضطرون ولا حلّ بأيدينا. الشعور بالاضطرار فينا يُشجِّع العدو على مضاعفة ضغوطه الباطلة. هذه نقطة.

لقد قلتُ مراراً إننا كنا ولا زلنا نثق بالمسؤولين الذين ذهبوا وتابعوا قضية الاتفاق النووي، ونعتبرهم أفراداً من الأصدقاء والمحبين والمتدينين

 

ونقطة أخرى تعتبر أيضاً من تجاربنا ويجب أن تأخذوها بعين الاعتبار في إدارة البلاد وإدارة المصالح والمضار والفرص والتهديدات، هي قضية الاقتدار العسكري والأمني للبلاد. هذه قضية مهمة جداً، وهي من القضايا التي ينبغي الاهتمام بها بالتأكيد. بعض مسؤولينا مسؤولون عسكريون وأمنيون مباشرون، وتقع على عاتقهم الواجبات الضرورية التي ينبغي عليهم مراعاتها، وهناك أعمال جيدة تُنجز. وجزء كبير من مسؤولي البلاد أشخاص لا علاقة مباشرة لهم بالشؤون الأمنية والعسكرية، لكنهم يستطيعون أن يؤثروا بشكل غير مباشر، وينبغي على هؤلاء بالتأكيد أن يتفطنوا لهذه النقطة، أي ينبغي الحفاظ على عوامل اقتدار البلاد حقاً، عوامل اقتدار البلاد، القوات المسلحة، الحرس الثوري، والتعبئة، والعناصر المتدينة المؤمنة والحزب اللهية. وأقولها لكم إن الذي يواجه العدو مباشرة ويقف بوجهه في المجالات المختلفة ويصبر على الظروف العسيرة هم العناصر المؤمنة المتدينة الثورية والتي تسمى الحزب اللهيين. هؤلاء هم الذين يقفون ويصمدون، فينبغي الحفاظ على هؤلاء. المسؤولون في القطاعات المختلفة، سواء في الجامعات، أو في القطاعات الصناعية، أو في القطاعات العلمية، أو في القطاعات الخدمية، ليراعوا هؤلاء العناصر. أنْ يكره العدو الحرس الثوري، فهذا شيء واضح، وهل تريدون أن تُعجب أمريكا بقوات القدس؟ هل تتوقعون مثلاً أن ترتاح أمريكا للقيادي الفلاني الناشط في هذا المجال؟ واضح أنها تستاء منه، وواضح أنها تضع شروطاً في مجالات مختلفة، لأنها تريد سلبنا عوامل الاقتدار. هذا يشبه بالضبط أن يُقال لكم إن فريق مصارعتكم يشارك في مسابقات بطولة العالم بشرط أن تستبعدوا من فريقكم الوطني ذلكم المصارعين أو الثلاثة الأقوياء جداً، فما معنى هذا؟ معناه تعالوا وشاركوا من أجل الخسارة والهزيمة! نُشرِككم في المنافسات الدولية فشاركوا فيها من أجل أن تهزموا، هذا هو معناها. أن يقولوا إن شرط هذه العملية أن لا يكون الحرس الثوري مثلاً على هذا الشكل، أو أن لا تتدخل التعبئة، أو أن لا تشاركوا في القضية الفلانية - في قضايا المنطقة مثلاً - ولا تتدخلوا، فهذا ما معناها "يجب أن لا تشركوا عوامل اقتداركم هذه في الساحة". ويجب علينا أن نعمل بعكس ذلك، يجب علينا أن نهتم بالاقتدار العسكري والأمني ونزيد من قوّته ومتانته يوماً بعد يوم.

والقضية التالية التي تعتبر هي الأخرى من القضايا المهمة جداً قضية اقتصاد البلاد، وقد بحثنا وناقشنا هذه القضية كثيراً، وقد تطرق السيد رئيس الجمهورية في كلمته بالتفصيل لقضايا الاقتصاد والأعمال التي ينبغي أن تتم. هو طبعاً ذكر أموراً وقال «ينبغي أن يتم هذا العمل وينبغي أن يتم ذاك العمل»، فمن المخاطب بكلمات ينبغي هذه؟ هو نفسه، أي إن المخاطب بهذه العبارات ليس سوى نفس السيد الدكتور روحاني وفريق عمله في الحكومة الثانية عشرة. أي إن غالبية هذه الأعمال، وقد يكون جزء منها ذا صلة بمجلس الشورى الإسلامي أو بالسلطة القضائية وبعضها الآخر بمؤسسات أخرى، لكن غالبيتها أعمال المسؤولين الحكوميين أنفسهم. هم أنفسهم من يجب أن يعملوا بعبارات ينبغي هذه. هذا واقع. قضية الاقتصاد على جانب كبير من الأهمية. 

في الجانب الاقتصادي هناك قضية الإنتاج الداخلي على درجة كبيرة من الأهمية! ما قاله بشأن الاستثمار، صحيح، ونحن بدورنا نوافقه. وبالطبع فقد أشرتُ لقضية الحاجة للاستثمارات الداخلية والخارجية قبل خمسة أو ستة أعوام في هذه الجلسة التي عقدناها هنا في هذا الطابق العلوي. وقد حضرها عدد كبير منكم أنتم الحاضرون الآن هنا، وكان فيها آنذاك عدد من الخبراء الاقتصاديين. قلتُ هناك إننا نحتاج إلى هذا المقدار من الاستثمار فقط لقطاع النفط وقطاعات البلاد المختلفة مثلاً، هذه احتياجات قائمة ويجب تأمينها، ولكن توجد هنا نقطة دقيقة. أحياناً يعمل المسؤولون الاقتصاديون الحكوميون الأعزاء، سواء في هذه الحكومة أو في الحكومة السابقة - والذين كانت لهم لقاءاتهم معنا أحياناً - بطريقة يشترطون فيها شروطاً صعبة جداً لتوفير فرص العمل! من أجل إيجاد فرصة عمل واحدة يقال أحياناً إنه لا بدّ من مائة مليون؛ نعم، هناك بعض المشاغل والأعمال تحتاج إلى استثمار قدره مائة مليون من أجل توفير فرصة عمل واحدة، ولكن توجد الكثير من المشاغل ليست على هذا النحو. في قرانا وأريافنا، وفي مدننا الصغيرة، وفي مناطق مختلفة من البلاد، يمكننا توفير فرص عمل بمبالغ أقل بكثير. تلاحظون بعض الأفراد، شخصٌ يظهر في التلفاز - وقد اطلعتُ على تقريره بشكل عابر - استطاع توفير فرص عمل لعشرين شخصاً بإبداعه وبشوقه وذوقه في القطاع الفلاني والصناعة الفلانية، وكل استثماره - من أوله إلى آخره - لا يشكل مائة مليون، لكنه استطاع أن يتقدم بالعمل قليلاً قليلاً قليلاً إلى أن شغّل عشرين شخصاً مثلاً، وشغّلهم في عمل إنتاجي.

إذا استطعنا خدمة قضية القرى والأرياف - وقد سجّلت هنا قضية الأرياف - لو استطعنا خدمتها بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإذا استطعنا معالجة موضوع الأرياف، وجزء كبير من معالجة قضايا الأرياف يكمن في توفير صناعات ريفية، لاستطعنا تقليل المشكلات. تحتاج الأرياف إلى صناعات تتناسب مع أوضاع الحياة الريفية؛ ونحن مقصرون في هذا الجانب. ينبغي الاهتمام بالصناعات القروية وتوفير الإمكانيات اللازمة للقرى. وقد أشاروا إلى الإنترنت، نعم، الإنترنت بدوره شيء، ولكن الأوجب من الإنترنت الطرق على سبيل المثال وإمكانات التنقل والمواصلات والنقل السهل للمحاصيل. لا يكون الأمر بحيث لا يستطيع القروي أن يحصل في  قريته على أكثر من عُشر سعر المحصول الذي يباع في المدن الكبرى بآلاف التومانات، لا يكون الأمر على هذا النحو. عندما نستطيع تنظيم المواصلات وتأمينها وعندما يتم تسهيل وتضمين التنقل والتعامل القروي فستبقى القرى منتجة طبعاً وستقل الكثير من المشكلات. هذه الضواحي المحيطة بالمدن سببها الوضع غير المنظم للقرى والأرياف، لذلك يأتون إلى المدن، وقد أصبحت هذه الضواحي المحيطة بالمدن اليوم واحدة من مشكلات البلاد، بما في ذلك من المفاسد التي تترتب على الضواحي والآفات الاجتماعية التي تنجم عنها.

ومن القضايا المهمة أيضاً قضية الاستيراد، وطبعاً بالنسبة لبعض البضائع المستوردة تعالج الرسومُ المشكلة، أما بالنسبة لبعضها الآخر فلا يمكن حتى للرسوم أن تعالج المشكلة. ينبغي الحيلولة دون الاستيراد في بعض المجالات. وبالطبع فقد تشجعون الاستيراد والواردات في بعض المجالات، لا إشكال في ذلك. هذا يعود إلى الاحتياجات والإمكانيات داخل البلاد. حينما يكون هناك إنتاج داخلي وتسبب الواردات ضرراً لهذا الإنتاج فيجب هنا الحيلولة دون الاستيراد بكل شدة. يلاحظ المرء أحياناً بعض الشكاوى - يكتبون لنا بعض الأحيان ويسمعها المرء أحياناً في بعض التقارير العامة - بأن المنتج الداخلي عاتبٌ ويقول إننا ننتج هذه البضاعة بكل هذا التعب والجهد، ثم تستورد نفس هذه البضاعة بكميات كبيرة. والمستهلك الداخلي، وهو على سبيل المثال الجهاز الحكومي أو شبه الحكومي الفلاني، لا يشتري بضاعتنا بذريعة أنها ليست بجودة تلك البضاعة الخارجية. لكن سعرها أزهد، فاستهلكها واستفد منها وساعد الإنتاج الداخلي، وستكون تجارب المنتج اللاحقة أفضل. هذا شيء طبيعي وواضح، وإلّا إذا أردنا استهلاك البضائع الفخمة الراقية باستمرار فلن يمكن للإنتاج الداخلي أن يصل إلى محطاته المرجوة في أي وقت من الأوقات.

وهناك قضية تهريب البضائع. من المسائل المهمة مسألة التهريب. ينبغي التصدي لحالة التهريب بكل جدّ.

سجلت هنا أن معظم الوزارات تستطيع ممارسة دور في تمتين الاقتصاد الوطني. وهذا هو الواقع فعلاً. الكثير من الوزارات ليس لها حسب الظاهر صلة بالشؤون الاقتصادية - ولنأخذ على سبيل المثال وزارة العلوم والتعليم العالي ليست وزارة اقتصادية - لكنها تستطيع أن تمارس دوراً في تعزيز الاقتصاد الوطني. من قبيل أن يوجّهوا أطروحات الدكتوراه والماجستير وما شاكل لتصب في خدمة الاقتصاد الوطني مثلاً وتعالج القضايا الداخلة والمشكلات الداخلية للبلاد. وشبابنا مستعدون. هذا أحد الأعمال المهمة. ونفس التواصل بين الصناعة والجامعة الذي نؤكد عليه باستمرار منذ سنين، من الأمور المهمة. وكذا الحال بالنسبة لباقي الوزارات.

التنفيذ الصحيح للمادة 44 والتي لم تنفذ بشكل لائق ومناسب لا في هذه الحكومة ولا في الحكومة التي سبقتها. لم تطبق بشكل صحيح لا في هذه الحكومة ولا في الحكومة السابقة. ينبغي تلافي حالات التأخر من خلال تنفيذ هذه المادة 44 التي تفيد تحويل المسؤوليات الاقتصادية للقطاع الخاص بالشروط والظروف الخاصة التي حددت وأعلن عن سياساتها ووضعت لها القوانين. وهذا سيساعد الاقتصاد الداخلي تماماً.

وبالطبع فإن قضية أمن الاستثمار هي الأخرى على جانب كبير من الأهمية. جانب من أمن الاستثمار يتعلق بالسلطة التنفيذية، وجوانب أخرى منه تتعلق بأجهزة أخرى مثل السلطة القضائية والأجهزة المختلفة الأخرى. هذه أيضاً قضية.

طبعاً نحن نقول الكثير فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية. طوال هذه الأعوام قلنا الكثير، أنا أو المسؤولون الحكوميون أو في مجلس الشورى أو غيرهم، ولكن ينبغي النزول إلى ساحة العمل، وينبغي أن تكون هناك خطة عمل واضحة. يجب أن تكون هناك خارطة طريق واضحة. من أول الأعمال التي ينبغي أن تحصل في هذه الحكومة إن شاء الله إعداد خارطة طريق واضحة وكاملة وجامعة لتستطيع القطاعات المختلفة القيام بكل هذه الأعمال المرتبطة بها.

من الأمور الأخرى المؤثرة في إدارة البلاد وتساعدكم لتستطيعوا إدارة البلاد هي قضية الفضاء الافتراضي؛ والفضاء الافتراضي مهم كل الأهمية. وما هو أهم من كل شيء في قضية الفضاء الافتراضي الشبكة الوطنية للمعلومات. هنالك تقصير في هذا الجانب للأسف، ولم يحصل الشيء الذي يجب أن يحصل. لا يمكن العمل بهذه الطريقة. أنْ نقصّر في هذه المجالات بسبب أنه يجب عدم الحيلولة دون الفضاء الافتراضي فهذا لا يعالج المشكلة وليس منطقاً صحيحاً. الفضاء الافتراضي اليوم ليس شيئاً خاصاً بنا والعالم كله مرتبط بالفضاء الافتراضي، والبلدان التي أوجدت شبكة معلومات وطنية وسيطرت على الفضاء الافتراضي لصالحها ولصالح قيمها ليست بلداً أو بلدين. أفضل البلدان وأقوى البلدان لديها في هذه المجالات خطوطها الحمراء ولا تسمح ببعض الأشياء. لا يسمحون بوفود الكثير من أجزاء ومعطيات الفضاء الافتراضي الموفدة من قبل أمريكا والأجهزة التي تقف خلف أستار هذه القضية، بل يسيطرون على الأمور. نحن أيضاً يجب أن نسيطر. وهذه السيطرة لا تعني أن نحرم الشعب من الفضاء الافتراضي، لا، ليس هذا معناها. في الوقت الحاضر تنهال كمية هائلة من المواد الصحيحة وغير الصحيحة على رؤوس مستخدمي الإنترنت، معلومات خاطئة وغير صحيحة وضارة وشبه معلومات - بعض الأشياء ليست معلومات حقيقية بل هي شبه معلومات - هذه المواد تنهال كالانجرافات الثلجية فلماذا نسمح بحدوث مثل هذا الشيء؟ لماذا يجب أن نسمح بانتشار الأشياء المتعارضة مع قيمنا والمخالفة لمبادئنا الأكيدة والتي هي بخلاف العناصر والأجزاء الأصلية لهويتنا الوطنية، لماذا نسمح لها بالانتشار في داخل البلاد من قبل خصومنا ومن يريدون بنا السوء؟ لا، اعملوا ما من شأنه أن ينتفع الجميع من منافع وأرباح وفوائد الفضاء الافتراضي، وزيدوا من سرعة الإنترنت - لتحصل الأمور التي يجب أن تحصل - ولكن ليحصل هذا بالنسبة للأمور التي ليس فيها ضرر على بلادكم، وليس فيها ضرر على شبابكم، وليس فيها ضرر على الرأي العام عندكم؛ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية، ويجب أن يحصل. إذن، قضية الشبكة الوطنية للمعلومات مهمة بدرجة كبيرة.

والقضية الأخيرة التي أطرحها هي قضية أمريكا. الكثير من قضايانا مع أمريكا لا تقبل الحلّ أساساً، والسبب أنّ مشكلة أمريكا معنا هي نحن أنفسنا - أي الجمهورية الإسلامية نفسها - هذه هي المشكلة. ليست الطاقة النووية هي المشكلة، ولا حقوق الإنسان هي المشكلة، مشكلة أمريكا مع نفس الجمهورية الإسلامية. أن تكون هناك حكومة ونظام ودولة، وفي مكان مهم مثل إيران، وعلى أرض ثرية مثل إيران، أنْ تأتي دولة وحكومة على رأس السلطة لا تأبه للـ «نعم و لا» التي تصدرها قوة مثل أمريكا، وتقول هي نفسها «نعم أو لا» في الشؤون المختلفة، فهذا مما لا تطيقه أمريكا، وهم يعارضون هذا الشيء ويخالفونه. فكيف تريدون حل هذا التعارض؟ إذن، مشكلاتنا مع أمريكا لا تقبل الحل، فمشكلتهم هي مع أساس النظام الإسلامي. وأقولها لكم إنه حتى بغض النظر عن النظام، فإن لهم مشكلتهم مع استقلال البلاد. بمعنى أنه حتى لو كان على رأس السلطة نظام غير نظام الجمهورية الإسلامية، وأراد أن يكون مستقلاً، فستكون لهم مشكلتهم معه. وتجربة النهضة الوطنية نصب أعيننا وأنظارنا. في النهضة الوطنية أحسن الدكتور مصدق الظن بالأمريكان، بل كان يودهم، لكنه لم يكن يرغب في التوكّؤ والاستناد عليهم - وقد كان بالطبع خصماً للبريطانيين - بل كان يرغب في الاستقلال. والذي كان سبب الانقلاب ضد الدكتور مصدق لم يكن بريطانياً بل كان أمريكياً، وقد كان الجهاز الذي يقف وراءه هو السي   آي أي الأمريكي أكثر من الإنتلجنت البريطاني. هكذا هي أمريكا. أي إنهم لم يستطيعوا الانسجام حتى مع نظام وحكومة ليست دينية أبداً ولا هي حكومة ثورية - والنهضة الوطنية لم تكن حكومة ثورية، إنما أرادت فقط استقلال البلاد من تحت نير البريطانيين، وتصورت أن الأمريكان سيساعدونها – لم يستطيعوا تحمل هذا لأنهم يعارضون استقلال البلاد. فهذا البلد بلد جذاب ومهم، اعلموا هذا، وكلكم يعلمه بالطبع، ولكن اعلموه أكثر. نحن بلد جذاب، فمكاننا مهم، ومنطقتنا مهمة، وقضايانا الإقليمية مهمة، ومصادرنا الجوفية مهمة. ذات مرة قلتُ في هذه الجلسة إننا نشكل واحد بالمائة من سكان العالم، ونمتلك أكثر من واحد بالمائة من الطاقات الأساسية والمعادن الأصلية في العالم في بلادنا. والنفط والغاز في مكانهما، وما عداهما هناك ثروة هائلة تغفو هنا. أضف إلى ذلك الطاقات البشرية الخارقة في إيران. هذا البلد بلد جذاب. والقوى التي تمتهن التطاول على هذا المكان وذاك المكان غير مستعدة لغض الطرف بسهولة عن مثل هذه اللقمة الدسمة الكبيرة؛ إلّا إذا منعناها من ابتلاع هذه اللقمة، ونحن نمنعها. طبعاً الثورة الإسلامية هي التي تمنعها. وعليه، فهذه الأمور ذرائع، حقوق الإنسان ذريعة، وزعزعة استقرار المنطقة - الذي يتحدث الأمريكان مؤخراً عنه في شعاراتهم ضدنا - ذريعة، والإرهاب ذريعة، وكذا الحال بالنسبة لباقي الكلام الذي يطلقونه. إنهم هم الإرهابيون ومنتجو الإرهابيين ومربّوهم، وهم حماة كيان مثل الكيان الصهيوني الذي هو عقل الإرهاب وأمّ الإرهاب، وقد نشأ منذ البداية بالإرهاب وبالقتل والظلم، هم حماته. إذن، هذه كلها ذرائع، فهم لا ينسجمون مع النظام الإسلامي، ولا يمكن الانسجام والتفاهم مع أمريكا. وينبغي عدم إطلاق كلام غامض ذي وجهين في هذه المجالات يمكن أن يسيئ البعض استغلاله. ينبغي طرح الأمور بشكل صريح وواضح.

أمريكا هي حامي كيان مثل الكيان الصهيوني الذي هو عقل الإرهاب وأمّ الإرهاب، وقد نشأ منذ البداية بالإرهاب وبالقتل والظلم

 

وليعلم الأمريكيون أنفسهم أن الجمهورية الإسلامية لن تتنازل عن مواقفها الأصلية. إننا لن نتخلى عن مقارعة الظلم، ولن نتخلى عن الدفاع عن فلسطين، ولن نتنازل عن الكفاح من أجل إحقاق حقوقنا. نحن شعب حيّ، والثورة حيّة وشابة لحسن الحظ. كانوا ينتظرون أن تشيخ الثورة، نحن نشيخ لكن الثورة لا تشيخ. الثورة والحمد لله في ذروة نشاطها وشبابها وقدرتها وفاعليتها وتوالدها وإنتاجها. عندما تنظرون إلى هؤلاء الشباب الثوريين تقتنعون أن الثورة لا تزال تنتج وتتوالد، وهناك نماء مستمر فيها. وهذا ما يبشر بمستقبل مشرق لشعبنا إن شاء الله. ونتمنى أن يتحسن وضع شعبنا يوماً بعد يوم إن شاء الله، وأن يستطيع البلد أن يرد التهديدات على أفضل وجه إن شاء الله.

اللهم بمحمد وآل محمد، اجعلنا ممن يعرف قدر الثورة الإسلامية. اللهم بمحمد وآل محمد، اجعلنا ممن يعرف قدر الدماء الطاهرة التي أريقت على الأرض في سبيل تكريس هذا النظام. عرّفنا بواجباتنا واجعلنا من العاملين بها. اللهم انظر لنا نظرة لطف ورحمة في هذه الأيام الباقية من شهر رمضان وخصوصاً في ليالي وأيام القدر. اللهم بمحمد وآل محمد، انصر الشعب الإيراني في كل الميادين والمجالات. ربنا انصرنا في الميادين المعنوية والمادية واكتب لنا الموفقية والنجاح. ربنا أرض عنا الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الجليل واجعلها مسرورة بنا، وأرض عنا أرواح الشهداء الطيبة، وأرض عنا وسرّ بنا القلب المقدس لسيدنا الإمام المهدي المنتظر.

والسّلام عليكم ورحمة ‌الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 - ألقى حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية كلمة في بداية هذا اللقاء.

2 - من لا يحضره الفقيه، ج 1 ، ص 490 (دعاء أبي حمزة الثمالي).

3 - سورة الزمر، شطر من الآية 22 .

4 - سورة المائدة، شطر من الآية 13 .

5 - سورة البقرة، شطر من الآية 74 .

6 - الكافي، ج 2 ، ص 329 .

7 - تحف العقول، ص 296 .

8 - دونالد ترامب.

9 - كلمة الإمام الخامنئي في حشود الطلبة الجامعيين من مختلف أنحاء البلاد وممثلي التنظيمات الطلابية في الجامعات بتاريخ 07/06/2017 م.

10 - زيارته لمعرض التقنيات النووية بتاريخ 15/06/2006 م .