وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية في حضور مختلف شرائح الشعب من محافظات مازندران، جيلان، جلستان وكهكيلويه وبوير أحمد:

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء،الجماهير المؤمنة، الشباب المتحمّس، العلماء الأعلام، بالخصوص عوائل الشهداء الكرام، الذين أتوا من مناطق بعيدة، وأضافوا اليوم على جمعنا وعلى حسينيّتنا نورانيّةً وصفاءً. أسأل الله المتعال أن يشمل فضله ورحمته وعنايته الخاصّة في هذا الشهر الشريف عباده المؤمنين والمخلصين، ويشملكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الاعزّاء، وعموم أهالي المحافظات الذين تكبدوا عناء السفر من محافظاتهم إلى هنا، وعموم أفراد الشعب الإيراني.

أوّلاً: أرى من اللازم أن ألفت نظر الإخوة والأخوات الأعزّاء، خصوصاً الشباب إلى أهمّيّة شهر رجب. لا يمكن تجاوز هذه المناسبات وهذه الخصوصيّات المرتبطة بالأيّام والشهور بسهولة. يعتبر العلماء وأهل المعنى وأهل السلوك أنّ شهر رجب هو مقدّمة لشهر رمضان. فشهرا رجب وشعبان، هما محطة من أجل أن يتمكّن الإنسان من الدخول مستعدّاً إلى شهر رمضان الذي هو شهر ضيافة الله. لماذا الاستعداد؟ في الدرجة الأولى، الاستعداد لتوجّه القلب وحضوره، أن يعتبر نفسه في محضر العلم الالهي، في محضر الله "سبحان من أحصى كلّ شيء علمه1)") أن يعتبر كل أحواله، حركاته، نيّاته، خواطره القلبيّة في معرض العلم الإلهي ومحضره، هذا مهمّ في الدرجة الأولى، وإذا ما حصل هذا، عندها سيزداد التفاتنا إلى أعمالنا، أحاديثنا، مخالطاتنا ومعاشراتنا، سكوتنا، كلامنا، سنلتفت إلى ما نقول، أين نسير، على ماذا نُقدم، ضدّ من نتكلّم، لمصلحة من نتكلّم. عندما يعتبر الإنسان نفسه في محضر الله، سيلتفت أكثر إلى أعماله وحركاته وتصرّفاته. إنّ أساس مشاكلنا هي بسبب غفلتنا عن تصرّفاتنا وأفعالنا. عندما يخرج الإنسان من حالة الغفلة، يلتفت إلى أنّه يُرى، يُحاسَب "إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (2)جميع تحرّكاته، أعماله في محضر الله، سيراعي ذلك حتماً. بهذه الحالة، بهذه الطهارة والنزاهة والإخلاص، يَرد الإنسان شهر رمضان عندها سيستفيد الاستفادة القصوى في محضر الضيافة الالهيّة. انظروا إلى شهر رجب بهذه النظرة.

عندما ينظر الإنسان في أدعية شهر رجب المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام، يرى أنّ أكثر مضامين هذه الأدعية تتعلق بالمسائل التوحيديّة، التوجّه للعظمة الإلهية، للصفات الإلهية، أن يرى الإنسان نفسه أمام هذه العظمة الالهيّة، معرفة الطريق الواضح إلى الله، المعرفة به وايجاد الميل والرغبة فيه. إحدى خصوصيّات أدعية شهر رجب هي: الالتفات إلى التوحيد، الالتفات إلى الله، إلى الأسماء والصفات الالهيّة. علينا أن نعرف قدْر هذا الشهر. أوّل هذا الشهر مبارك بولادة الإمام الباقر عليه السلام، وآخره مبارك بأعظم حدث في التاريخ، أي بعثة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم. في منتصف هذا الشهر، سنّة الاعتكاف، دخول المسجد، الصيام وهي السنّة الحسنة التي أشاعها شباب بلادنا لسنوات. في الواقع، كم هو جميل رؤية هذا المشهد الجميل والعذب، حيث الجموع الكثيرة من شبابنا، وعلى عكس السيرة المتعارفة لشباب العالم الغارق في الشهوات والأهواء النفسيّة، يصومون أيّاماً، يقصدون المساجد، يعتكفون، ويجعلون أيّامهم ولياليهم محلاً للذكر والفكر، والاستماع إلى المعارف الإلهيّة والأحكام ومذاكرة العلم الحقيقي الذي هو علم التوحيد، هذا شيء غاية في الأهميّة. وهذا من بركة الثورة. قبل انتصار الثورة، لم نكن نرى، أو قلّما كنّا نرى أشخاصاً يمارسون الاعتكاف في منتصف شهر رجب. وكنا جميعاً، وجميع الناس غالباً، غافلين عن نافذة الرحمة الالهيّة هذه. أنا أساساً لم أرَ في مشهد مثل ذلك، في قم رأيت أفراداً معدودين، بعض الطلبة الذين كانوا يذهبون إلى مسجد الإمام الحسن العسكري، ويعتكفون في الأيّام البيض من شهر رجب. انظروا اليوم، ليس فقط في المساجد الرئيسية، وليس فقط في المساجد الكبرى، وليس فقط في مدينة ومدينتين، بل في جميع أنحاء البلاد، في جميع المدن، في جميع المساجد، شبابنا، رجالنا، نساءنا، بناتنا، أبناءنا، يذهبون ويقفون في الصفّ، يسجّلون أسماءهم لتُتاح لهم فرصة التواجد في هذا المسجد أو ذاك، فيصومون ثلاثة أيّام ويعتكفون، هذا الامر له قيمة كبيرة بالنسبة للأمة، وهذا مهمّ جدّاً. هؤلاء موجودون الآن. هذا هو شهر رجب، فاستفيدوا من هذه الفرصة. أيّها الشباب، أنتم عليكم الاستفادة أكثر من غيركم. فقلوبكم الطاهرة، ونفوسكم الصافية والنورانيّة مهيّأة لتلألؤات الرحمة الالهيّة وأنوارها، والتوجّهات الالهيّة، فلتقدّروا هذا الأمر.

ما يحصّله الشعب من هذا الطريق ومن الطرق المعنويّة، يصبح رصيداً، وذخيرةً، تمكّنه من التقدّم بإرادة ثابتة وعزم راسخ في مواجهة المشاكل في جميع ميادين الحياة، وفتح الطرق المسدودة، وإنجاز الأعمال الكبرى. إنّ رصيد كلّ هذه الأمور هو هذه المعنويّة. إنّ شخصاً مثل إمامنا الراحل العظيم، الذي ورد الميدان وحيداً، واستطاع بفضل العزم والإرادة الراسخة، والإيمان والتوكّل، أن يعبئ عموم أفراد الشعب، وأن يطلق هذه الحركة العظيمة، كان مستنداً قبل أيّ شيء إلى ذلك الغليان القلبي، والمعنوي، والروحي، والتوكّل، والمعرفة، والعبادة. كان هذا العظيم إلى آخر عمره، على الرغم من الشيخوخة والضعف، والهرم، يقوم في منتصف الليل، يذرف الدموع. نحن نعلم من أقربائه الذين كانوا مطّلعين على جميع تفاصيل حياته، وسمعنا، وأُخبرنا، أنّه كان يقوم في منتصف الليالي، ويستمدّ العون من الله "رهبانٌ في الليل"(3) هذه حالته في الليل، فيما كان نهاراً كأسد مزمجر في الساحات، يهزم القوى، يزيل ضعف الشعب، يقوّي إراداتنا جميعاً نحن الشعب ويسيّرها، ببركة ذلك الرصيد المعنويّ.

إنّ كلّ فرد منكم أيّها الشعب العزيز خاصّة الشباب يمكنه الاتّصال بذلك المصدر والمنبع عظيم القدرة، من خلال التوكّل، والإرادة، ويمكنه الاستفادة، والاستفاضة، والاستنارة، ولعب الدور. إنّ الرهبانيّة في الإسلام حيث جاء رهبان الليل تختلف عن الرهبانيّة التي ابتدعها النصارى "وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ"(4) لقد كانت رهبانيّة النصارى والأديان الأخرى بمعنى الانزواء، والانعزال، والانقطاع عن الدنيا، رهبانيّة الإسلام كانت بمعنى الحضور في جميع ميادين الحياة "سياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله5)") فجميع حركاتها، سكناتها هي في سبيل الله: مسالمتها، سلامها، حركاتها، سكوتها، سكونها، أفعالها، جميعها في سبيل الله. عندها يتحقّق من كان لله كان الله له، "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ"(6) "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُه" (7). عندما تتحرّك في سبيل الله، سوف تكون مصحوباً باللطف الإلهي، بالمدد الالهي، بالتسديد الالهي. أعزّائي، هذا هو سرّ تقدّم الشعب الإيراني. ما تشاهدونه اليوم، وهو أنّ شعباً على الرغم من كلّ هذه العداوات، وكلّ هذا المكر والرذالة اللذين يحيكهما الأعداء له، على المستويات المختلفة، في الميادين المختلفة، من الجوانب المختلفة، مع ذلك لم يستطيعوا إيقاف هذا الشعب، وقد أجبر الشعب الإيراني بعزمه وتقدّمه، وحركته المستمرّة والجهادية، كلّ هؤلاء على التراجع، هذا بسبب هذه الخصوصيات، بسبب هذا الدعم الالهي، وهذا سيستمرّ، وسوف يستمرّ الشعب الإيراني في طريقه بعون الله تعالى.

لقد كان البعض يأمل بسلخ شبابنا عن الدين، كانوا يطمعون في إلهاء شبابنا بالشهوات الحياتيّة، الماديّة وأمثالها، لقد أخطأوا. إنّ المجال الشبابي اليوم، وشريحة الشباب في بلدنا من حيث الكميّة والنوعيّة تساوي المسنّين، إن لم تفوقهم. وشبابنا المؤمن اليوم، والأشخاص الذين انعقدت قلوبهم على الثورة، الذين لم يروا الامام، ولم يدركوا الثورة، ولم يشهدوا مرحلة الدفاع المقدّس، إن لم تكن دوافعهم، وهممهم أكبر من دوافع شباب مرحلة الدفاع المقدّس وهممهم، فهي لا تقلّ عنها، أقول هذا من موقع العلم والاطّلاع، هذا ليس تحليلاً، ولا تخميناً. إنّ الانجازات الكبرى التي يقوم بها شبابنا اليوم، على المستوى الوطني وفي الأقسام المختلفة، قد تفوق أحياناً الأعمال التي اُنجزت في مرحلة الدفاع المقدّس، أو التي كان ينبغي القيام بها، من حيث الجهد والضغط، وحتّى الخطر. ينبغي المحافظة على هذه الروحيّة.

الأمر الذي يحوز على أهمية بالدرجة الأولى حالياً بين قضايا البلاد السياسيّة، هو مسألة الانتخابات. إنّ الانتخابات حدث يقع ويتمّ في يوم واحد، لكنّها من الأحداث التي يكون تأثيرها طويل المدى. إنّكم تقومون بانتخابات رئاسة الجمهوريّة في ظرف يوم واحد. لكنّ أوّلاً، تُحكّمون هذا الشخص أو الأشخاص لمدّة أربع سنوات في مصير البلد والأحداث المصيريّة في البلاد، وثانياً، إنّ نطاق تأثيرهم لا ينحصر بهذه السنوات الأربعة. أحياناً، تقوم الحكومة بأفعال، تبقى تأثيراتها لسنوات، سواءً الأعمال الجيّدة، أو لا سمح الله الأعمال غير الجيّدة، تأثيرها لن ينحصر بتلك السنوات الأربعة، إنّما تبقى كتيّار. إذن، إنّكم تقومون في يوم واحد بحركة، بانتخابات، بعمل، قد يدوم تأثيره لمدّة قصيرة، أربع سنوات، أو لمدّة طويلة، أحياناً أربعين سنة، الانتخابات مهمّة بهذا الحجم.

للانتخابات، هذا العام أهمّيّة مضاعفة. أقول لكم أيّها الإخوة الأعزاء، الأخوات العزيزات، يا عموم أفراد الشعب الإيراني، لقد تحوّلت انتخاباتكم اليوم التي ستُجرى بعد حوالي الشهر من الآن إلى موضوع عالميّ مهمّ، فلتعلموا هذا. فأجهزة الأعداء الفكريّة على حدّ قولهم، الغرف الفكريّة ترصد مقدّمات هذه الانتخابات، هذه الحادثة الكبرى، إنّهم يراقبون، لهم خطّتهم أيضاً، ولديهم أهدافهم. هدف جبهة أعدائكم هو النقطة المقابلة لهدفكم. أنتم إذ تشاركون في الانتخابات، تسعون وراء الفرد الأصلح الذي يستطيع أن يتقدّم ببلدكم بالسرعة نفسها، بل بأسرع منها، سواءً على المستوى المادّي أو على المستوى المعنويّ. أنتم تسعون وراء الانتخابات، من أجل أن يتمكّن شخص أو أشخاص، حكومة، رئيس جمهوريّة، أن يُعلي شأنكم وعزّتكم، أن يرسّخ إستقلالكم، أن يحسّن وضع حياتكم الاجتماعيّة ويجعلها أكثر رفاهيّة، يَحلّ العقد، يوجد الأمل والحماس والحيوية في البلاد، لكنّ عدوّكم على العكس من ذلك، يرغب بإجراء إنتخابات حيث من المقرّر الآن أن تُجرى، بالطبع، لو كانوا يستطيعون القيام بعمل تُلغى فيه الانتخابات، لفعلوه، لكنّهم الآن، ولانه لا مفرّ من إجراء الانتخابات خالية من هذه المحسّنات التي هي من أجل مستقبل البلاد،هدف هؤلاء هو أخذ البلاد نحو الارتباط بالأجنبي، نحو الضعف، نحو التراجع والتخلّف في الميادين المختلفة، جرّ البلاد نحو التخلّف، سوقها إلى الخلف. إذاً، هناك هدفان يقفان في مقابل بعضهما: هدف الشعب الإيراني، وهدف جبهة الأعداء.

كيف يمكن لهدف الشعب الإيراني أن يتحقّق؟ يتحقّق هذا الهدف من خلال عاملين:

العامل الأوّل هو أن تكون هذه الانتخابات، انتخابات حامية ومفعمة بالحماس، أن يشارك فيها أفراد كثيرون، أن يشارك فيها الشعب بحماس ورغبة، ويقترع.

العامل الثاني هو أن تنتهي هذه الانتخابات بانتخاب إنسان جدير غير مرتهن، ذي عزم، مؤمن، ثوريّ، ذي همّة جهاديّة. من خلال هذين الأمرين يتحقّق هدف الشعب الإيراني.

كيف يتحقّق هدف الأعداء؟ يتحقّق أوّلاً من خلال إجراء انتخابات باردة، بأن يكون الشعب غير متحمّس، بأن يشارك عدد قليل فيها، أن يقول البعض: لِمَ نشارك؟ وما الفائدة من مشاركتنا؟ لا نريد المشاركة. هؤلاء يُسرّون قلوب الأعداء. ثانياً أن تكون النتيجة المتأتّية عن صناديق الاقتراع، نتيجة تجعل الدولة تابعة لدولة أخرى، والشعب مرتبطاً بالخارج أكثر فأكثر، متوجّهاً نحو التبعيّة، نحو التموضع في سياسات الأعداء، هذا ما يريده الأعداء.

انظروا، فالمشهد واضح، ما تريدونه واضح، وما يريده الأعداء واضح. والآن نأتي إلى المطلب الثاني وهو كيف نجد الأصلح، وما هي صفات الإنسان الذي يكون أصلح من الآخرين؟ توجد في هذا المجال أمور، سوف أتطرّق إليها، إن شاء الله وإن مدّ الله في عمري، لاحقاً قبل إجراء الانتخابات.

ما أريد أن أقوله اليوم، هو أنّ المسألة الأولى أي الحماس والرغبة في الانتخابات، والتوجّه العامّ نحو الانتخابات هو أوّل الأعمال المهمّة التي يمكن للشعب القيام بها، ولا يريد العدوّ لها أن تتمّ. فماذا سيفعلون من أجل الحدّ من حماس الشعب ومعنويّاته وحركته ونشاطه؟ يسعون لتيئيس الشعب من المشاركة في الانتخابات: يا سيدي، ما فائدة المشاركة؟ وما الذي سيحدث إن ذهبنا الآن واقترعنا؟ يريدون أن يثيروا هذا الجوّ بين الناس. لهذا، إنّكم إن استمعتم اليوم إلى الإذاعات الغربيّة والمراسلين الصهاينة تلاحظون أن  جميع أخبار العالم اليوم توجّهها في الواقع، شبكة صهيونيّة كبرى، بحسب تعبيرهم تفلترها وتنشر الأخبار التي يحلو لها، ترون أنّهم يسعون لإظهار الوضع في البلاد متأزّماً.

 حسنٌ، توجد مشاكل في البلاد، وأيّ بلد خالٍ من المشاكل؟ الغلاء موجود، البطالة موجودة، وأيّ بلد في العالم اليوم غير مبتلى بهذه المشاكل؟ اليوم، نفس تلك الدول الأوروبيّة المروّجة للدعايات ضدّ الجمهوريّة الاسلاميّة، غارقة في المشاكل إلى حنجرتها. فالشعب في واحدة أو عدد من هذه الدول ينزل كل عدّة أيّام إلى الساحات، ويصرخون من الفقر والاضطرار، ويُهاجمون من قبل القوى الأمنيّة في بلدانهم. هؤلاء طبعاً يخفون هذه المشاكل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

لدينا أيضاً مشاكلنا. ينبغي أن نقارن المشاكل بالنقاط الإيجابيّة الموجودة فينا الآن. أيّ بلد كبلدنا يملك شعباً منسجماً ومتّحداً مثل شعبنا؟ إنّ عشائر البلاد، وأديانها، ومدنها، ومناطقها المختلفة، جميعاً تحيا وتسير في اتّجاه واحد، نحو هدف واحد، بعواطف وأحاسيس واحدة، وعلى أمل واحد. أيّ بلد يملك كلّ هؤلاء الشباب المفعمين بالأمل والنشيطين؟ إن شبابنا اليوم يفتحون الميادين العلميّة العظيمة، ينالون الدرجات العليا في المباريات العالميّة المختلفة، أهذا شيء قليل؟ أيّ شعب مثل شعبنا، استطاع على الرغم من كلّ هذه العداوات أن يحقّق هذه العظمة، وهذه الأهمّيّة، وهذا التأثير في القضايا العالميّة وفي قضايا المنطقة؟ إنّ بعض أعدائنا، بعض المأجورين لأعدائنا، يعرقلون قدر الإمكان، لكنّ الشعب الإيراني يتابع مسيره وسط الميدان، عزيزاً، شامخ الرأس، بوجه بشوش، مفعم بالأمل، ومن دون ضغينة لهذا وذاك. وهذا تعلمونه جيّداً، إنّ الشعوب المطّلعين منهم حتماً، والحكماء، والأشخاص الملمّين بالقضايا المختلفة يشيرون إليكم بأصابعهم، يقولون انظروا إلى الشعب الإيراني في أيّ المجالات تقدّم، ولا زلنا نحن نراوح أمكنتنا. هكذا هي حركة الشعب الإيراني.

يسعى الأعداء في دعاياتهم الاعلاميّة إلى إشاعة جوّ من اليأس والإحباط والأزمات على حوادث البلاد، يضخّمون المشاكل الصغيرة عدّة أضعاف، ويتّهمون الشعب والبلد عمداً بمشاكل لا وجود لها، يظهرون المستقبل مظلماً، يعملون على تيئيس الشعب، هذا هو هدف الأعداء. إنّ هذا التيئيس بنظرهم هو مقدّمة لإفقاد الانتخابات رونقها. عليكم العمل خلاف ما يريدون. أيّها الأعزّاء، الشباب، المسؤولون، المبلّغون، والأشخاص المتاح لهم مجال الخطابة في الناس، عليكم أن تعملوا بخلاف ما يريدون، أن تبثّوا روح الأمل في الناس، ليس الأمل الواهي، إنّما الأمل الواقعي.

على عموم أفراد الشعب أن يلتفتوا، ويعلموا أنّ المشاركة الحماسيّة والحيويّة في الانتخابات تحفظ البلاد، وتقلّل طمع الأعداء في الاعتداء على هذا البلد والتعرّض والعداوة له والمكر به، لمشاركة الشعب كلّ هذه التأثيرات. وهم يسعون لأن لا يحدث هذا. أنا أؤكّد لكم، كما جرّبنا شعبنا، وكما شهدنا اللطف والفضل الإلهي مراراً، سوف يوجّه الشعب هذه المرّة، وكالمرّات السابقة، صفعةً قويّة إلى وجه العدوّ. إنّ الشعب بتوفيق الله سبحانه، سيجسّد في هذه الانتخابات امتحاناً عزيزاً آخر في الميدان، ويضيفه إلى لائحة افتخاراته. هذا لطف إلهي، وسوف يتحقّق بإذن الله تعالى.

ما هو مهمّ في هذه المرحلة وفي هذا الوقت، إضافةً إلى سعى الناس للمشاركة في الانتخابات، العمل على انتخاب الافضل. كما قلنا، إنّ الانتخاب الجيّد، الانتخاب الصحيح، لا يكون تأثيره فقط على مدى أربع سنوات، أحياناً قد تبقى تأثيراته في البلاد لعشرات السنين. من أجل الوصول إلى انتخابات صحيحة علينا التفكير جيّداً، علينا معرفة المعايير. سأتطرّق في المستقبل إن شاء الله إلى بعض المطالب، لكنّ المعيار الأساسيّ إجمالاً، هو أن تكون همّة الأشخاص المنتخبين في حفظ عزّة البلد وحركته باتّجاه أهداف الثورة. ما نلناه من خيرات وبركات على امتداد هذه السنوات الطويلة، كان ببركة أهداف الثورة، وأينما قصّرنا، تراجعنا، انهزمنا، فقد كان بسبب غفلتنا عن أهداف الثورة الاسلاميّة والأهداف الاسلاميّة. أن يكون الأشخاص المنتخبون مصداقاً للآية الكريمة "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا" (8)، أن يكونوا أهل استقامة، أهل صمود، أن يلبسوا درعاً فولاذيّاً من ذكر الله والتوكّل عليه، ويردوا الميدان. راقبوا الشعارات، وانظروا في الشعارات التي يطلقونها، ما نوعها؟ قد يطلق البعض أحياناً وهم مخطئون بالطبع ومن أجل جلب الأصوات، شعارات خارجة عن حدود قدراتهم وصلاحيّاتهم، وهؤلاء يمكن لشعبنا الواعي أن يعرفهم، يراقبهم، ويميّزهم. فلنفتّش في شعاراتهم عمّا هو ضروري للشعب، عمّا له أولوية أكثر، عمّا يتناسب وواقعيّات البلاد وإمكانيّاتها، عمّا يؤدّي إلى زيادة القوّة الذاتيّة للشعب، هذا واحد من المعايير.

لقد ترشّح أشخاص كثيرون. وإن شاء الله سيقوم مجلس صيانة الدستور طبقاً لوظائفه القانونيّة بتحديد الأشخاص الذين يتحلّون بالصلاحية ليقدمهم للناس.على الجميع الالتزام بالقانون. أينما يحدث إشكال، فبسبب مخالفة القانون. الإشكالات التي حدثت في العام 1388، والتي كلّفت البلد خسائر، ولم تسمح للبلد والشعب أن يستلذّا بطعم أصوات أربعين مليون، كانت بسبب مخالفة القانون. لقد خالف البعض القانون إمّا من أجل أغراض نفسيّة، أو من أجل الخلاف السياسي، (أيّ كان لا أريد الآن أن أحكم في ذلك المجال) ارتكبوا الأخطاء، ودخلوا من الطريق غير القانوني، فوجّهوا صفعةً إلى أنفسهم، وإلى الشعب، والبلد أيضاً. الطريق الصحيح هو طريق القانون.على الجميع الالتزام بالقانون والتسليم له. قد يكون قانونٌ ما غير صحيح مئة في المئة، لكنّه أفضل من عدم وجود قانون. أحياناً قد يصدر خطأ من منفّذ القانون في قسم ما، وتعلمون أنتم أنّه ارتكب هذا الخطأ في تطبيق القانون، لكن إن لم نستطع إصلاحه بالطرق القانونيّة، يكون تحمّله أفضل من مخالفة القانون مجدّداً، وأن نصلح ما نراه خطأً من خلال مخالفة القانون. القانون معيار ممتاز، هو وسيلة لراحة البلد، وهدوئه، وصون الشعب ووحدته، ومواصلة الطريق العامّ.

إنّ الإخوة في مجلس صيانة الدستور هم أناس ورعون، أتقياء ومطّلعون، يشخّصون طبقاً للقانون، ويعرّفون البعض كأشخاص صالحين، أنا وأنتم علينا أن ننظر ونرى من هو الأصلح من بين هؤلاء الصالحين، أيّهم ينفع الناس أكثر، أيّهم يمكنه أخذ هذه المسؤوليّة الثقيلة على عاتقه أكثر، ومتابعة هذا الطريق والمسير فيه بأمانه تامّة، هذا ما ينبغي أن ننظر فيه ونراه ونعرفه. أن نطلب العون والمساعدة ممّن يمكنهم إرشادنا، أن نصل بالنهاية إلى الحجّة الشرعيّة. إذا عمل الإنسان على أساس الحجّة الشرعيّة، فإنّه سيكون مرفوع الرأس، حتّى ولو ظهر خطأه فيما بعد، وسيقول أنا أدّيت تكليفي، أمّا لو لم نعمل على أساس الحجّة الشرعيّة، وظهر الخطأ فيما بعد، سوف نلوم أنفسنا، ولن يكون لدينا عذر، ولا حجّة.

أنا بالطبع، متفائل. أملنا بالله تعالى كبير جدّاً. نشكر الله سبحانه الذي لم يغلق نوافذ الأمل في قلوبنا. عندما ينظر المرء في أوضاع البلاد، يتعاظم أمله يوماً فيوماً، في هذا النهج، بمستقبل هذا الشعب، ومستقبل هذا البلد. هذا الشعب المؤمن، هذا الشعب النشيط، هؤلاء الشباب المفعمون بالحيويّة والنشاط، في الميادين المختلفة، هذه كلّها تزيد من أمل الإنسان بالمستقبل.

نسأل الله سبحانه أن يشملنا، إن شاء الله، بفضله العميم، وأن يشملكم جميعاً، أيّها الشعب العزيز بدعاء بقيّة الله في أرضه أرواحنا له الفداء، وخاصّة في هذا الامتحان المهمّ القادم، نسأل الله سبحانه أن يجلب دعاء هذا الإنسان العظيم الهداية الالهيّة لقلوبنا جميعاً، وأن يتحقّق على أيديكم أيّها الشعب العزيز، ما فيه الخير والصلاح لهذا البلد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش:

مصباح المتهجّد، ج1، ص 305
سورة الجاثية، الآية 29  
وسائل الشيعة، ج15، ص188، إنّ من أخلاق المؤمنين... رهبان الليل أسد بالنهار.
سورة الحديد، الآية  27
مستدرك الوسائل، ج11، ص  14
سورة محمد، الآية  7
سورة الحجّ، الآية 40
سورة فصّلت، الآية 30