وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية في مراسم تصديق رئاسة الجمهورية الإسلامية في دورتها الحادية عشرة:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

جلسة رائعة جداً ومهمة ويوم مبارك جداً إن شاء الله. إنها لظاهرة قيمة ومهمة جداً أن يتم تداول السلطة التنفيذية في النظام المقدس للجمهورية الإسلامية بثبات وهدوء وصفاء وأجواء حميمة بين خادمي هذا النظام. هذه الظاهرة ناتجة عن سيادة الشعب الدينية، التي أقامها إمامنا الخميني العظيم بدرايته وحكمته، وجعلها أساساً للأمر في نظام الجمهورية الإسلامية. فالأمر بيد الناس والإختيار لهم، والإسلام العزيز محور الأعمال ومدارها، و سيادة الشعب الإسلامية.
شعبنا لم يتذوق طعم السيادة الشعبية قبل انتصار الثورة الإسلامية. منذ إعلان الحركة الدستورية في إيران إلى سنة انتصار الثورة، مضت مدة خمسة وسبعين عاماً، كان منها مدة خمسة وخمسين عاماً لعهد ديكتاتورية العائلة البهلوية، كانت ديكتاتورية عنيفة وتابعة للقوى العالمية، أي لبريطانيا أولاً ومن ثم أمريكا. وقد كانت زمام الأمور في البلاد طوال هذه الأعوام الخمسة والخمسين، ودون أدنى اهتمام بإرادة الناس، بيد أناس لا يكترثون لمصير هذا الشعب ولا لمصالحه ولا لعظمة وجلال وعزة هذا البلد، ولا يُفكرون إلّا بمصالحهم الشخصية ومصالح القوى التي تدعمهم. العشرون عاماً التي سبقت ذلك العهد عاش فيها البلد حالة من الفوضى والهرج والمرج. أي أنه منذ بداية العهد الدستوري حتى انتصار الثورة الإسلامية، باستثناء فرصة محدودة لمدة عامين تشكلت فيها حكومة وطنية ضعيفة (وقد سقطت نتيجة مؤامرة بريطانية وأمريكية مشتركة) إنقضت كل هذه المدة (75 سنة) تحت ظل الإستبداد والدكتاتورية.

لقد تذوق الشعب طعم السيادة الشعبية في عهد الجمهورية الإسلامية. منذ بداية انتصار الثورة وإلى اليوم، في كل الأمور والشؤون المهمة والمسؤوليات الأساسية في البلاد كان الشعب هو الذي يمارس الدور الاساسي. إحدى عشرة دورة من إنتخابات رئاسة الجمهورية وتسع دورات من انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، وعدة دورات من انتخابات مجلس خبراء القيادة والمجالس البلدية، أي أنه في هذه الأعوام الأربعة والثلاثين جرت انتخابات واحدة في كل سنة تقريباً. يشعر الناس أنهم هم أصحاب القرار والإشراف والعمل في مجال تقرير مصيرهم وإدارة بلدهم والتخطيط لشؤونه، هذه هي السيادة الدينية للشعب.
 

الشعب تذوق طعم السيادة الشعبية في عهد الجمهورية الإسلامية في كل الأمور والشؤون المهمة والمسؤوليات الأساسية في البلاد كان الشعب هو الذي يمارس الدور الأساسي

من خصوصيات هذه السيادة الشعبية أنَّ العلاقة بين الناس والمسؤولين لا تقتصر على مجرد العلاقة القانونية، فبالإضافة إلى ذلك، يوجد علاقةً عاطفية وإيمانية، ناجمة عن معتقدات الناس وبصيرتهم الدينية والتزامهم بأسس الثورة وأصولها. الامر الذي لا نعرف له نظيراً في عالمنا، أنْ تكون العلاقة بين الشعب والمسؤولين مثل هذه العلاقة المتينة العاطفية والإيمانية والدالة على الالتزام بالمبادئ والأصول، وهذا هو ما يهدي المسؤولين. فليلتفت رئيس الجمهورية المحترم، والذي تولى اليوم رسمياً المسؤولية الثقيلة والمشرِّفة لرئاسة الجمهورية، إلى هذه النقطة وهي أن الناس يعتبرون أن بلدنا العزيزإيران بلد إسلامي وقائم على الأصول والتعاليم الإسلامية، ولهذا فإنهم يقفون بثبات وصمود.

لاحظوا، البارحة كان يوم القدس في هذا البلد. من الذي أجبر الناس على الخروج إلى الشوارع، في هذا الجوّ الحار وهم صائمون، في طهران، وفي المدن، وفي الجو الحار لمناطق مثل خوزستان، ليطلقوا الشعارات على أساس عقيدة يحملونها، ويشهروا صمودهم في وجه العالم كله، ويعلنوا موقفهم من قضية فلسطين والكيان الصهيوني الغاصب؟ ما هي تحليلات المحللين؟ كيف يحللون هذا الحدث العظيم؟ إنه الحدث الذي يقع كل سنة في يوم القدس وفي يوم الثاني والعشرين من شهر بهمن (11 شباط ) ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، يخرج الشعب بشوق وحماس، من كل الفئات، شيباً وشباباً ونساء ورجالاً وفي أقصى مناطق البلاد ويهتفون بمواقفهم تجاه قضايا البلاد الأساسية. هذا هو الإيمان وهذه هي العلاقة الإيمانية. ما من أوامر أو تعميمات أو تشجيعات مادية بوسعها دفع الشعب إلى للنزول الى الساحة بهذه الصورة. وكذلك الحال أيضا بالنسبة للمشاركة في الانتخابات. لقد شاهدتم الانتخابات الحماسية لرئاسة الجمهورية هذه السنة، وكذلك نظائرها في الدورات السابقة. الشعب هو من قام بهذا الإنجاز، لأنه يشعر بالإلتزام والتكليف والمسؤولية، فالالتزام الإيماني هو الذي يدفع الشعب للنزول الى ساحات المشاركة السياسية والاجتماعية. هذه هي ميزة السيادة الدينية للشعب. إمامنا الخميني العظيم هو من فتح هذا الطريق أمام الشعب، وقد واصل الشعب بكل وفاء هذا الطريق حتى يومنا الحالي، وسيواصله في المستقبل أيضاً إن شاء الله.
 

الالتزام الإيماني هو الذي يدفع الشعب للنزول الى ساحات المشاركة السياسية والاجتماعية وهذه هي ميزة السيادة الدينية للشعب.
 

 

إن واجبات المسؤولين هي واجبات ثقيلة. فتحمُّل المسؤولية في نظام الجمهورية الإسلامية، لا يعني الاستمتاع بالسلطة، وإنما يعني التصدي لخدمة الناس. هذا هو معنى تقبل الجهود، وهو معنى المسؤولية في نظام الجمهورية الإسلامية. يحاول المسؤولون ويعملون ويبذلون الجهود ويقدمون قدراتهم في الميادين المختلفة ليخففوا من مشكلات الناس وليصلوا بالبلاد إلى أهدافها. ولحسن الحظ فإن إمكانات البلاد كبيرة جداً، والجهود المتراكمة التي بذلها السابقون هي أيضاً جزء من إمكانيات هذا البلد، ويجب على المسؤولين المحترمين الاستفادة من هذه الإمكانات.

وبالطبع أنا أوصي الناس بالصبر وكذلك أوصي المسؤولين المحترمين بالصبر وسعة الصدر. لاينبغي لنا أن نتوقع زوال المشكلات التي تعترض معيشة الناس(سواء على الصعد الاقتصادية أو على الصعد الأخرى) خلال مدة قصيرة. بالطبع ينبغي الطلب من الله تعالى أن يوفق المسؤولين لإنجاز الأمور والأعمال بأسرع ما يمكنهم، لكن من طبيعة الأعمال الكبرى في البلاد أنها تستغرق وقتاً.
 

تحمُّل المسؤولية في نظام الجمهورية الإسلامية، لا يعني الاستمتاع بالسلطة، وإنما يعني التصدي لخدمة الناس.

وأوصي رئيس الجمهورية المحترم وكذلك أعضاء الحكومة التي إن شاء الله ستنال بتوفيق من الله الثقة في المستقبل القريب من مجلس الشورى الإسلامي، بإنجاز الأعمال بصبر ودون تسرّع. تقدموا بخُطواتٍ ثابتةٌ ومطمأنة. ثمة مجال للعمل في كل الميادين، وثمة أهداف سامية أيضاً، والبشائر والإشارات الإيجابية في بلادنا ليست بقليلة. وبالتأكيد فإن جبهة الاعداء تتعامل معنا بعدوانية. وقد أشار رئيس الجمهورية المحترم إلى العقوبات والضغوط التي يمارسها أعداء الشعب الإيراني (وبالطبع على رأسهم أمريكا) على البلاد. وأريد أن أقول: صحيح أن ضغوط الأعداء تخلق مشكلات للشعب، لكنها توفر في الوقت نفسه تجارب قيمة للمسؤولين والشعب. الدرس الكبير الذي تعلمناه من هذه الضغوط الاقتصادية هو أن نعمل كل ما نستطيع لتمتين البنية الداخلية لاقتدار البلاد، ونفعل كا ما يمكننا لنكون مقتدرين في الداخل، ولا نعقد الآمال على الخارج. الذين يعقدون الآمال على خارج إمكانات الشعب الإيراني، حين يواجهون مثل هذه المشكلات فسوف ينزع سلاحهم. إمكانات الشعب الإيراني كبيرة جداً. يجب أن نعكف على تمتين البنية الداخلية للاقتدار الوطني، وقد أشرت، منذ عدة ايام، لمسؤولي البلاد أنَّ القضايا الأهم والتي تصنف ضمن الدرجة الأولى في البلاد هي القضايا الاقتصادية والعلمية، ويجب متابعتها بكل جدّ.
 

القضايا الأهم والتي تصنف ضمن الدرجة الأولى في البلاد هي القضايا الاقتصادية والعلمية

القضايا السياسية أيضاً قضايا مهمة. إنني أؤيد الرأي الذي ذكره رئيس الجمهورية المحترم بخصوص التعامل الحكيم في مختلف القضايا الدولية والمسائل السياسية وقضايا العلاقات الدولية وما إلى ذلك. لا ريب في أن التعامل يجب أن يكون حكيماً وعقلانياً. وبالطبع يوجد لنا أعداء لا يفهمون كثيراً اللغة العقلانية، ولكن واجبنا أن نقف بقوة وبتوجه لأهداف الجمهورية الإسلامية السامية، ونعلم ما نفعله ونقوم به، ونعرف أهدافنا ونضعها نصب أعيننا ونتابعها بجدّ واجتهاد.

نعم، كما قال (الشيخ روحاني) فإن "الأمة الوسط" هي من خصائص المجتمع الإسلامي "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (1). الطريق الوسط هو طريق الإسلام، فلننظر ونرى ما الذي يقوله لنا الإسلام وما الذي يريده منا. سبيل النجاح هو السعى لرضا الله وأداء التكاليف الإلهية. وقد حدَّد الله تعالى لنا السبل، وإذا سلكنا هذه السبل وسرنا فيها فسنحصل على النجاح والتوفيق الإلهي. ولا ننسى أنه منذ اليوم الأول الذي انتصرت فيه هذه الثورة كان هناك أعداء أعلنوا عن عدائهم بصراحة وقالوا إنهم يريدون القضاءعلى هذه الثورة وإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. منذ ذلك اليوم وإلى اليوم حيث مضت أربع وثلاثون سنة، تقدّم فيها الشعب الإيراني أكثر على الرغم من إرادة الأعداء. لم يعجزوا فقط عن إضعاف النظام الإسلامي فحسب، بل لم يستطيعوا حتى الحيلولة دون نمو هذا النظام وازدهاره. لقد تقدمنا اليوم في مجالات لم نكن حتى لنتصورها في بدايات الثورة، هذا الأمر تحقق بفضل الألطاف والمعونات الإلهية والحضور القويّ للشعب وجهود المسؤولين الذين عملوا طوال هذه المدة بشكل دؤوب. طريق نجاح هذا البلد وهذا الشعب هو طريق الإسلام، والالتزام بمباني الإسلام وبالقيم الإسلامية وبما تركه لنا إمامنا الخميني العظيم كإرث من الإرشادات والتوجيهات والخطوط الواضحة والمنيرة الموجودة بين أيدينا.

 

طريق نجاح هذا البلد وهذا الشعب هو طريق الإسلام، والالتزام بمباني الإسلام وبالقيم الإسلامية وبما تركه لنا إمامنا الخميني العظيم من إرشادات وتوجيهات

إنني أوصي كل المسؤولين المحترمين بأن يضاعفوا من تعاونهم إن شاء الله في مجال رفع مشكلات البلاد، لتتعاون السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى أقصى حدود التعاون. الوضع العام للعالم الإسلامي وفي المنطقة وفي كل العالم يواجه مشكلات، بمعنى أن هناك وضعاً غير مستقر يسود كل أطراف العالم في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية. وفي منطقتنا ترون أن المشكلات كبيرة إلى ما شاء الله. من جهة هناك المشاكل التي تعانيها بعض البلدان الإسلامية، ومن جهة أخرى هناك الوجود الظالم للكيان الصهيوني حيث يعمل هذا الكيان منذ خمسة وستين عاماً على ظلم الناس والإجرام ضد أهل فلسطين الأصليين. هذه المشاكل لا تتعلق بخمسة وستين عاماً مضت، بل هي مستمرة إلى اليوم، فهم يهدمون بيوت الناس، ويقتلون الأطفال في أحضان آبائهم، ويعتقلون الفتيان من بيوتهم، ويلقونهم في السجون، يحتجزون الناس من دون محاكمة أو لمدد أكثر من التي حكموا بها، ويضغطون يومياً على الناس، هؤلاء الناس هم أصحاب الأرض الأصليين. أليست هذه جرائم؟ أليس هذا ظلماً؟ هذه من الخصوصيات التي نشاهدها في المنطقة، ونشاهد أيضاً وللأسف مساعدات ودعم بعض القوى العالمية لهذا الكيان الظالم في المنطقة. هذه هي الأوضاع التي تسود في المنطقة.

إنَّ على الجمهورية الإسلامية، ومن خلال مواقفها الواضحة وإمكانياتها الكبيرة ومستقبلها الذي يحمل الكثير من البشائر، أن تقوم بأعمال كبيرة، فيما يتعلق بالمشكلات الداخلية بالدرجة الأولى. لقد بذلوا الكثير من الجهود. وأرى من اللازم علي أن أشكر حكومة السيد أحمدي نجاد التي قدمت الكثير من الخدمات وأنجزت أعمالاً مهمة. ثمة أعمال كثيرة يجب على المسؤولين من الآن فصاعداً أن ينجزوها إن شاء الله. إن تيار تقدّم البلاد وتقدّم الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية تيارٌ لا يقبل التوقف. سوف تتقدم الاعمال إلى الأمام إن شاء الله وبتوفيق من الله تعالى.
 

إن تيار تقدّم البلاد وتقدّم الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية تيارٌ لا يقبل التوقف

الشيخ روحاني (وكما أشارهو) من العناصر الخدومة القديمة للنظام الإسلامي في مختلف القطاعات. إنه شخص مجرَّب وذو خبرة في نظام الجمهورية الإسلامية، سواء في فترة الدفاع المقدس، أو في مجلس الشورى الإسلامي، أو في المجلس الأعلى للأمن القومي، أُلقيت على عاتقه الكثير من الأعباء والأعمال، وقدّم خدمات جليلة، واليوم أيضاً، بوصفه رئيساً للجمهورية يفخر بأن أصوات الشعب قد اختارته لهذا المنصب. نأمل أن يُعينه الله سبحانه وتعالى ويهديه ويأخذ بيده.

وعلى الجميع أن يسعوا لمدّ يد العون. إنني أطلب من كل التيارات السياسية على اختلافها، بل وأصرّ عليها، وأطلب كذلك من كل الشخصيات المؤثرة والنافذة الكلمة والتي لها مجال للتأثير في أوساط الشعب، أطلب منهم أن يساعدوا المسؤولين والحكومة ورئيس الجمهورية ليستطيعوا إن شاء الله إنجاز الواجبات الجسيمة التي يحملونها على عاتقهم بشكلٍ جيد، ويلبّوا التوقعات والآمال التي يحملها الناس على أحسن وجه إن شاء الله.

أسأل الله تعالى التوفيق لكل الحضور المحترمين ولكل أبناء الشعب الإيراني ولكل الإخوة المسلمين في كل أرجاء العالم، وآمل أن تشمل البركات الإلهية في أيام شهر رمضان المبارك كل الناس إن شاء الله، وأن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الخميني العظيم وأرواح الشهداء الطيبة راضية عنا.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

  1. سورة البقرة، الآية 143.