وفي مايلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذه المراسم:

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

اللقاء بكم أيها الشباب الأعزاء في هذه المراسم لقاء محبب وباعث على الأمل. وقد كان هكذا دائماً، وهناك شعور بأن الطلبة الجامعيين المنتسبين لجامعات الضباط في قوات الجيش يحققون عاماً بعد عام تقدماً معنوياً ومادياً أكثر. وهذا مبعث ارتياح كبير لنا بل هو بشرى بالمعنى الحقيقي للكلمة.قلنا مراراً إن الثروة الحقيقية للبلاد هي أنتم الشباب. إنكم أينما كنتم ذخرٌ لعزة البلاد وبقائها واستقلالها وتقدمها. وبالطبع فإن لبعض القطاعات أهمية أكبر، ومنها قطاع الحفاظ على أمن البلاد، وهو ما يقع على عاتقكم. أنتم شباب القوات المسلحة تتحملون على عاتقكم واحدة من أهم وأكبر مسؤوليات البلاد. الذين حصلوا اليوم على رتبهم العسكرية بدأوا في الواقع خطوات كبيرة في طريق هو حقاً طريق مفعم بالمفاخر والأمجاد، طريق الحفاظ على أمن البلاد وعزتها. حين نقول إن الأمن من أهم القطاعات فلأن أيّ تقدم آخر يتوقف على توفر الأمن. إذا لم يكن هناك أمن فلن يكون هناك تقدم علمي ولا تقدم صناعي ولا تقدم اقتصادي. إذا لم يكن هناك أمن فلن يكون هناك استقرار وطمأنينة وسكينة روحية لدى الناس. في أجواء انعدام الأمن تُنسى الآمالُ الكبيرة والمطامح المتألقة في الأذهان، ولا يفكر الجميع إلّا بالحفاظ على أرواحهم. وعندما يتوفر الأمن في بلد فسيُمَثل ذلك أرضيةً ومهداً لنموّ كل عوامل نموّ البلد وتقدمه. وأنتم تتحملون مثل هذه المسؤولية.

إذا لم يكن هناك أمن فلن يكون هناك تقدم علمي ولا تقدم صناعي ولا تقدم اقتصادي

 

الأمن مهم في مختلف المجالات. وبمناسبة أن قضية الاقتصاد ومعيشة الناس من القضايا الأساسية في البلاد اليوم، أشير إلى أن الاقتصاد أيضاً يحتاج إلى الأمن، فالبناء الاقتصادي للبلاد أيضاً يجب أن يُقام على أساس من الأمن. مشكلتنا، مشكلتنا التاريخية، مشكلتنا المتبقية عن العهود الطاغوتية، هي تبعيتنا الاقتصادية للنفط. وقد أدّت هذه الحالة إلى أن نشعر شعوراً قوياً في القضايا الاقتصادية بهموم الأمن خلال كل الفترات والعهود: تنخفض أسعار النفط، ترتفع أسعار النفط، يُمنع بيع النفط، يتعرقل نقل النفط، الزبون الفلاني لم يسدد أثمان النفط. عندما يدور كل شيء حول محور النفط في الاقتصاد فسيغدو الاقتصاد غير آمن. الاقتصاد أيضاً يجب أن يكون آمناً. قلتُ هذا، مع أن الأجواء هنا عسكرية وليست اقتصادية، ولكن قلته لتتبين أهمية الأمن لكل القطاعات، حتى بالنسبة لقضية الاقتصاد التي يبدو حسب الظاهر أنْ لا صلة لها بأجواء الجندية والجيش والحرس.

أيها الشباب الأعزاء، اعرفوا قدر أنفسكم، واعرفوا قدر بلادكم، واعرفوا قدر أمنكم، واعرفوا قدر نظام الجمهورية الإسلامية الذي منح لهذا البلد هذه العزة وهذا الاستقرار والهدوء وهذا الشموخ. هذا البلد نفسه، وهذه الجغرافيا نفسها، وإيران العزيزة هذه نفسها ـ وقد ردّدتم وكرّرتم بحق هذا النشيد الجميل عن إيران ـ بهذا الماضي التاريخي نفسه، وبهذه العناصر من المواهب اللامتناهية، كانت تعاني ذات يوم من الإذلال تحت أقدام المستشارين الأمريكيين والصهاينة والبريطانيين وأمثالهم. كان الحكام التابعون الضعفاء الأذلاء قد فرضوا الإذلال على هذا الشعب وهذا البلد وهذا التاريخ المشرق وهذه المواهب المتدفقة الفياضة. وجاء الإسلام فأنقذ البلد، وجاءت الجمهورية الإسلامية فأعزت إيران وجعلتها مقتدرة.

ما يعد من منظارنا عنصر اقتدار وطني يعتبره أعداؤنا من زاويتهم عامل مضايقة، ويحاربونه

أعزائي، يا شباب بلادنا الأذكياء الموهوبين، إن معركة الاستكبار ضدنا اليوم حول: لماذا عمّت قدرتُكم المنطقة. هذا هو اقتدار الجمهورية الإسلامية. ما يعد من منظارنا عنصر اقتدار وطني يعتبره أعداؤنا من زاويتهم عامل مضايقة، ويحاربونه. إنهم يعارضون تنمية اقتدار الجمهورية الإسلامية بين الشعوب في المنطقة وخارج المنطقة، لأنها عامل اقتدار، ولأنها العمق الاستراتيجي للبلاد. إنهم يعارضون القدرات الدفاعية للبلاد والقدرات العسكرية للبلاد. أعداؤنا يعارضون كل ما يعتبر وسيلة اقتدار وطني لنا.

فما هو سبيل المواجهة؟ فكّروا أيها الشباب. سبيل مواجهة العدو هو أن نشدد على عناصر اقتدارنا بخلاف وبعكس ما يريده العدو. لقد أعلنا ونعلن مرة أخرى أن الإمكانيات والقدرات الدفاعية للبلاد غير قابلة للتفاوض والمساومات. يأتون ليتساوموا معنا: لماذا تمتلكون الوسيلة الدفاعية الفلانية؟ لماذا تمتلكون النوع الفلاني منها؟ ولماذا تنتجونها؟ ولماذا تجرون بحوثاً علمية؟ إننا لا نتساوم ولا نتفاوض إطلاقاً مع العدو حول الأشياء التي تزيد من اقتدارنا الوطني أو تؤمِّنه أو تدعمه. إننا نسير في طريق اقتدار البلاد، وهذا يقع على كاهلكم.

إننا لا نتساوم ولا نتفاوض إطلاقاً مع العدو حول الأشياء التي تزيد من اقتدارنا الوطني أو تؤمِّنه أو تدعمه

أيها الشباب الأعزاء، غد هذه البلاد لكم. لقد نهض شباب الأمس بواجباتهم. قبل نحو ثلاثين أو خمسة وثلاثين عاماً في هذه الجامعة نفسها ـ وقد عبّروا عنها (2) بفيضية الجيش؛ وهذا صحيح؛ فهنا مثل فيضية الجيش، هنا موقع خرّج الكثير من الشهداء من أساتذة وطلبة جامعيين وقادة ومدراء ـ خلال فترة الدفاع المقدس أصرّ طلبة هذه الجامعة بشكل طوعي وخلال فترة دراستهم الجامعية على أن يتوجّهوا إلى ساحات الدفاع المقدس ليقاتلوا. ولم يكن الجيش يأتي بهم للجبهات، لأنّ ذلك كان بخلاف ضوابط الجيش، لكن عدداً من شباب هذه الجامعة كانوا يتوجّهون للجبهات متطوعين، ويقاتلون في الجانب الذي كان يسمّى الحروب غير النظامية. تقام هذه المراسم هنا منذ سنين طويلة، منذ عشرات السنين، أشخاص مثلكم نالوا هنا ذات يوم رتبهم العسكرية ووصلوا والحمد لله إلى مراتب عالية في الجيش. هذه من مفاخر هذه الجامعة. أعدوا أنفسكم، فالبلد بلدكم، ويجب أن تصلوا به إلى ذروة العزة تحت ظلال الإسلام وباستلهام من الثورة الإسلامية العظيمة، والجمهورية الإسلامية تتكفل وتتولى مثل هذا الواجب المهم، وأنتم تعملون والحمد لله في نظام الجمهورية الإسلامية. أسأل الله تعالى لكم التوفيق المطرد، وأتقدم بالشكر لقادتكم وأساتذتكم الذين يبذلون مساعيهم وجهودهم ويعملون. وأشكر أيضاً الذين أعدوا الاصطفاف الجميل والكبير المعاني في هذه الساحة.

والسّلام عليكم ورحمة‌ الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 ـ أقيمت هذه المراسم في جامعة الإمام علي (ع) للضباط التابعة للقوّة البريّة في جيش الجمهورية الإسلامية في إيران، بمناسبة تخرّج عدد من طلبة جامعات الضباط التابعة لجيش الجمهورية الإسلامية ونيل الطلبة الجامعيين الجدد رتبهم في هذه الجامعات، وقد تحدث في بداية المراسم كلٌّ من اللواء عبد الرحيم موسوي (القائد العام للجيش) والعميد محمد رضا فولادي (قائد الجامعة).

2 ـ يقصد سماحته قائد جامعة الإمام علي (ع) للضباط الذي شبّه هذه الجامعة بالمدرسة الفيضية في قم، وهي من أشهر حوزات العلوم الدينية.