وفي مايلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين.

أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة الأعزاء الذين خطرت ببالهم فكرة إحياء ذكرى هذا الإنسان العزيز وتكريمها وتوصيف سمات وسجايا شخصية هذا الرجل الكبير الفذ. وفي هذه الخطوة احترام للإمام الخميني واحترام لشخصية السيد مصطفى الخميني نفسه.

لقد تألق المرحوم الحاج السيد مصطفى الخميني (رضوان الله تعالى عليه) تألقاً حقيقياً في موضعين. الموضع الأول في بداية النهضة أي في الخامس عشر من خرداد [5 حزيران 1963 م]، والموضع الثاني في مطلع الحركة الشعبية العامة. هناك قام وذهب إلى الصحن الطاهر للسيدة المعصومة واستطاع بفعله هذا توجيه وهداية هذه الحركة العظيمة. وهنا [في سنة 1978م] حرّك بوفاته وفقدانه عواطف ومشاعر هذا المحيط الهائل. في تلك القضية الأولى، ولم أكن وقتها في قم طبعاً بل كنتُ في السجن، ولكن الحاج السيد مصطفى (رضوان الله عليه) أثبت هناك أنه من حيث سنخ ومعدن الشخصية نسخة ثانية من الإمام الخميني نفسه. هذا ما أثبته حقاً. في تلك الحادثة العجيبة في هجوم المأمورين وأحداث طهران وقم، قام وذهب وجلس في الصحن في قم. وقام بعض المجاهدين والشجعان من شباب قم مثل المرحوم الحاج ميرزا أبي القاسم وكيلي وتجمعوا حوله ـ كما وصلتنا الأخبار بعد ذلك ـ ووجهوا الجماهير وقادوهم، في ذلك اليوم الذي اعتقلوا في ليلته الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، بعد عاشوراء. حسنٌ، لقد كان عملاً عظيماً ومهماً للغاية. ثم اعتقلوه وأخذوه وكان سجيناً لفترة من الوقت في سجن قزل قلعه. وفي الحادثة الأخيرة حيث قضى السيد الحاج مصطفى الخميني نحبه بشكل غامض تسببت وفاته بحيرة وبُهت الأصدقاء والمحبين من أمثالنا في مشهد. فعندما سمعنا بذلك كنا حقاً كالأشخاص المصعوقين. أصابتنا مثل هذه الحالة، بسبب فقدانه هو نفسه وقد كان حقاً شخصية عزيزة نادرة، وأيضاً بسبب ما يمكن أن يُحدثه فقدانه للإمام الخميني بعد فقده لهذا الشاب والرجل. ولكن لم يكن هناك تصور بأن هذه الحادثة التي ثقلت على الأصدقاء إلى هذه الدرجة سوف تستطيع إيجاد مثل هذا التلاطم والأمواج، لكنها أوجدتها. وهذا ما قال عنه الإمام الخميني إنها كانت من الألطاف الإلهية الخفية (2)، فقد كانت هكذا حقاً. وأية عظمة يتطلبها أن يكون للأب مقابل مثل هذا الفقدان مثل هذه النظرة للقضية، وليس من زاوية المصيبة ولا من زاوية الجانب الشخصي.

كان السيد مصطفى الخميني من الناحية الذهنية والموهبة العلمية في عداد النوادر والقلائل النظير

لقد كان المرحوم الحاج مصطفى الخميني إنساناً مميزاً. ولم أره طبعاً في السنوات الأخيرة حين توجّه أولاً إلى تركيا ومن ثم إلى النجف. وكنت أطلع من بعيد على بعض أحواله، لكنه عندما كان في قم وكنا نحن أيضاً في قم كنت أعرفه عن قرب بشكل كامل. أولاً كان من الناحية الذهنية والموهبة العلمية في عداد النوادر والقلائل النظير. أي إنه كان يحمل فعلاً موهبة متفوّقة وذهناً وقاداً كما عبَّر الشيخ رشاد، وهذا صحيحٌ تماماً. وقد درس بشكل جيد على الرغم من أنه كان من أهل الجلسات والعِشرة والعلاقات الاجتماعية ـ  نحن لم نكن نشاهد (ذلك) ولكنهم يقولون إنه كان يجلس مجالسه في الصحن (صحن حرم السيدة فاطمة المعصومة (ع) ) حتى بعد ساعتين من الليل أحياناً ـ لكنه عندما كان يذهب بعدها للمنزل ويعكف على الدراسة كان أفضل من كل أقرانه، وكان أكثر فضلاً وفهماً منهم جميعاً. إذن، كان مثلَ هذا الإنسان البارز من النواحي العلمية والذهنية.

وكان كذلك أيضاً من حيث الجرأة العلمية، أي أنه كان إنساناً جرئياً. ولا أنسى إشكالاته ومؤاخذاته في دروس الإمام الخميني، فقد كان يُشكِلُ في درس الأصول للإمام الخميني، وكان يجلس في آخر المجلس ويرفع صوته، وقد كان التعامل بين هذا الأب والابن (مشهداً) جديراً بالمشاهدة! كان يُشكِلُ على الإمام الخميني، وعندما كان يريد أن يُشكِلَ كان (يُعدّل) جلسته ويرفع جسمه قليلاً، كان يجلس بطريقة تُظهرُ وجهه إلى حدٍ ما، أي يرتفع ويبرز، وكان يصرخ ويرفع صوته. وكان الإمام الخميني يصرخ أثناء الدروس، كان يصرخ ويرفع صوته في كثير من الأحيان، وخصوصاً مع الذين يشكلون ويتابعون المواضيع، كان الإمام الخميني يتحدث معهم أحياناً بصوت عال وصراخ. وكان الإمام الخميني مع ابنه أيضاً على هذا النحو يتناقش ويبحث بصوتٍ عال. وهذه المشاهد مشاهد جميلة جداً والحق يُقال. عندما ينظر الإنسان في الحوزات العلمية، وعندما تقع هذه الموروثات الحوزوية بيد أناس جديرين وبارزين، تخرج بهذا الشكل. وقد كان الإمام الخميني نفسه في علم الأصول إنساناً محطِماً لأسس وصانعاً لأسس، بمعنى أنه لم يكن يدور بالضرورة في فلك آراء الآخرين. كان الإمام الخميني نفسه يؤسس لأسس، وقد كان من جملة الفقهاء والأصوليين أصحاب المباني الجمعية الجامعة، نظير آخرين من العظماء مثل المرحوم الآخوند (3) والمرحوم النائيني وما شاكل. أي إنه كان مثل هذه الشخصية. لم يكن رجل دين له درسه في الأصول ويمكن لأيٍّ كان أن يُشكِل عليه، لكن هذا الشاب كان يُشكِل. وفي تلك الفترة التي أتحدث عنها أي في سنوات 38 و 39 و 40 [1959 و 1960 و 1961 م] لم يكن عمر الحاج السيد مصطفى الخميني يتجاوز الثلاثين أو الحادية والثلاثين أو الثانية والثلاثين سنة، لكنه كان هكذا على كل حال. كانت جرأته العلمية عالية، وهذا واضحٌ تمام الوضوح في الكتب التي كتبها، الكتب التي تحمّل السيد سجادي (4) العناء وجمع كثيراً منها.

المرحوم السيد مصطفى الخميني كان موهوباً ودارساَ ومتعلماً وله أيضاً جرأته العلمية

للإمام الخميني مبنى أصولي مهم اسمه (الخطابات القانونية)، فهو يعتبر الخطابات الشرعية من قبيل الخطابات القانونية. وهو مبنى مهم جداً ويؤثر في عدة مسائل أصولية مهمة. وقد فكّر الإمام الخميني في هذا المبنى وعمل وبيّنه بمقدمات كثيرة في علم الأصول. وقد عرضه وبيّنه في عدة مواضع، منها في الموضع الأصلي بمقدمات كثيرة ـ ربما ست مقدمات أو سبع ـ ويتطرق الحاج السيد مصطفى الخميني لهذا المبنى. في البداية يُعرّف المبنى وهذا شيء مناسب، فهو مبنى له تعريفه حقاً. يعرض تعريفاً مفصلاً لهذا المبنى وكيف هو، وأنه شيء استثنائي ـ وهو على حق فهي فكرة ممتازة طرحها الإمام الخميني ـ ثم يبدأ بمناقشته، ويشير إلى كل واحدة من المقدمات التي ذكرها الإمام الخميني ويقول إن هذه المقدمة لم يكن لها ضرورة، بل لا علاقة لها بالموضوع وما شاكل ويرفضها، وكذلك المقدمة التي بعدها والتي بعدها! ثم يُكرّس هو نفسه المبنى ولا يرفضه ـ وهو فعلاً غير قابلٍ للرفض والدحض هذا المبنى الذي (قدَّمه) الإمام الخميني، هذا المبنى الأصولي لا يمكن الرد عليه رغم أن له معارضين كثر ـ القصد هو أن المرحوم السيد مصطفى الخميني كان على هذا النحو من الناحية العلمية، فقد كان موهوباً ودارساَ ومتعلماً وله أيضاً جرأته العلمية. شاهدت كتابة له ـ ولا أتذكر أين كانت، فالأمر يعود إلى ما قبل سنوات من الآن ـ تتضمن إشكالاته على كل واحد من علماء وأساتذة النجف المعروفين الذين كان يحضر دروسهم في مسألة مهمة. كل هذا تحمّل السادة جهداً وجمعوه. كان مثل هذا الإنسان. هذا عن الجانب العلمي والفكري وما شاكل.

من الناحية العلمية كان الحاج السيد مصطفى الخميني إنساناً ممتازاً والحق يُقال، وهذا شيء مهم. كان ابن شخص مثل الإمام الخميني ـ وقد كان الإمام الخميني معروفاً بالتالي في قم، سواء قبل المرجعية أو خلال فترة المرجعية ـ ولكن لم تكن هناك حتى ذرة من علامات أبناء الذوات (أبناء الأعيان وكبار القوم) في الحاج السيد مصطفى الخميني. كان للإمام الخميني في الأيام الفاطمية تعزيته لعدة أيام، وحتى في منزل الإمام وفي تعزية الإمام لم يكن الإنسان ليرى الحاج السيد مصطفى الخميني يأتي ويلتصق بالإمام ويحاول الظهور عن هذا الطريق، مع أنه كان يعشق الإمام الخميني ـ وسوف أشير لاحقاً إلى أنه كان حقاً من أولئك الأبناء الذين يعشقون آبائهم، أي إنه كان يعشق الإمام الخميني حقاً ـ لكنه لم يكن يتصرف أبداً بحيث يحوم حول الإمام بطريقة أبناء الذوات وما شاكل. وبعد ذلك عندما بدأ الكفاح في سنة 41 [1962 م] كان هناك كثير من الناس يترددون على بيت الإمام الخميني في أوقات العصر والليل، وكنا نرى دائماً وفي كل يوم الحاج السيد مصطفى يجلس عند الباب، هذا الإنسان الذي قلما كان يُشاهد هناك، كان المرحوم الحاج السيد مصطفى منذ بدأ الكفاحُ في سنة 41 في قضية الجمعيات، كان يحضر هناك ويجلس، أي إن طبعه كان طبعاً كفاحياً نضالياً.  

ومن حيث بساطة المعيشة كان المرحوم الحاج السيد مصطفى الخميني زاهداً بالمعنى الحقيقي للكلمة، من حيث الملابس، ومن حيث السلوك والتعامل، ومن حيث الطعام، ومن حيث رعايته لعائلته، كان حقاً إنساناً زاهداً معرضاً عن الدنيا، حسب ما رأيناه في الفترة الأخيرة التي شاهدناه فيها، أما فترة النجف فليست لي معلومات كثيرة عنها. إلى ما قبل فترة الكفاح كان قد اكتسب أيضاً منحى سلوكياً عرفانياً جيداً، وكانت له توجهاته وكان من أهل الذكر والحضور وما شاكل. هذا أيضاً جانب آخر من شخصيته.

لقد كان المرحوم الحاج السيد مصطفى الخميني محباً للإمام الخميني بشدة. وهذا ما شاهدته بنفسي في قم، وهو ما كان في النجف أيضاً

والجانب الآخر من شخصية الحاج السيد مصطفى الخميني شجاعته، فقد كان فعلاً كما قال عنه الإمام الخميني أمل مستقبل الإسلام. وقد كان هذا بسبب جامعية هذا الإنسان وشموله، سواء من الناحية العلمية، أو من حيث تهذيب النفس ومراقبتها، أو من حيث الشجاعة، المرجع الذي يريد أن يكون مرجعاً لأمور الناس وقضاياهم يجب أن يكون شجاعاً، ويجب أن يستطيع فهم قضايا المجتمع، ويبادر ويعمل في الوقت اللازم. وللإنصاف فإن الحاج السيد مصطفى الخميني (رضوان الله تعالى عليه) كان هكذا. على كل حال كان شخصية مبرزة.

حسن جداً ما فعلتم بأن ركزتم العمل على أعماله وأفكاره. طبعاً الكثير من الأعمال التي قام بها بقيت ناقصة غير مكتملة، من قبيل هذا التفسير، كلها متفرقات وأنصاف غير مكتملة. وربما كان أهمها وأكثرها تفصيلاً كتابه في الأصول (5)، وإلّا فله بحوث فقهية وتفسيرية وحتى في العلوم الغريبة ـ حتى أن لديه في تفسيره (6) شيء من العلوم الغريبة وما شاكل ـ لديه في كل هذه المجالات أفكاره وطروحاته. اعتقد أن العمل على جامعيته العلمية مشروع جيد جداً. نظرتُ في اللائحة التي أعددتموها لتدور الدراسات حولها، وراجعتها، وقد كانت لائحة مفصلة. ومن الجيد جداً حقاً أن تستطيعوا إعداد دراسة توثيقية أو أكثر لكل واحد من المحاور. أي إنها مناسبة ولها قيمتها. وقد جعل الله تعالى هذا الرجل وسيلة لإبراز جانب من شخصية الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، فلقد أبدى الإمام الخميني عن نفسه، سواء في تربية هذا الشاب الذي استطاع تربيته بهذا الشكل، أو في الصبر والاحتساب الذي أبداه في مصيبته، أبدى حقاً هويةً عن نفسه لم تكن معروفة من قبل عنه وعن عظمته. نتمنى أن يرفع الله من درجاته إن شاء الله.

لقد كان المرحوم الحاج السيد مصطفى الخميني محباً للإمام الخميني بشدة. وهذا ما شاهدته بنفسي في قم، وهو ما كان في النجف أيضاً وقد نقلوا لي ذلك. لقد كان حساساً جداً بخصوص صيانة حرمة الإمام الخميني بحيث لو تطاول شخصٌ بأقل تعرض أو مساس بشخصية الإمام الخميني، كان الحاج السيد مصطفى الخميني يهب وينتفض لمواجهته والتصدي له ويبدي ردود فعل حادة وشديدة، وقلتُ إنني شاهدتُ بنفسي نموذجاً لذلك في قم واطلعتُ عليه عن قرب، وهناك نموذجٌ آخر في النجف نقلوه لنا.

على كل حال أعلى الله من درجاته إن شاء الله، وأعلى من درجات الإمام الخميني الجليل، ونسأله أن يوفقنا لنستطيع إن شاء الله معرفة هذه الشخصيات العظيمة أكثر، وأن يوفقكم لتستطيعوا إن شاء الله متابعة هذا العمل على أحسن نحو.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‌

 

الهوامش:

1 ـ أقيم مؤتمر تكريم منزلة آية الله الشهيد السيد مصطفى الخميني وخدماته العلمية من قبل مركز أبحاث الثقافة والفكر الإسلامي خلال يومي الأول والثاني من آبان 1396 هـ ش [23 و 24 من تشرين الأول 2017 م] في طهران وقم. في بداية هذا اللقاء تحدث حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي أكبر رشاد (رئيس مركز أبحاث الثقافة والفكر الإسلامي).

2 ـ صحيفة الإمام الخميني، ج 3، ص 234 .

3 ـ الملا محمد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند الخراساني.

4 ـ حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد سجادي (مدير مؤسسة الشهيد مصطفى الخميني للأبحاث).

5 ـ التحريرات في الأصول.

6 ـ تفسير القرآن الكريم.