وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كما جرت العادة، فإن اللقاء بكم أيها الشباب الأعزاء جميل جداً ومُلهم جداً بالنسبةِ لي، وفي الغالب يكون أرضية لخطواتٍ عملية في السياسات والخطط والبرامج. الأمور التي ذكرها الأعزاء في كلماتهم كانت في الغالب غنية وجديرة بالاهتمام. لم أسجّل اليوم شيئاً، لأنني قررت أن آخذ الكلمات المكتوبة كلها. وإن شاء الله سوف يَجمعون في مكتبنا المقترحات ويفرزونها (الأصدقاء يسمعون مني الآن ما أقوله)، فبعضها ضروري لنا وينبغي الاهتمام به، وسوف يجري الاهتمام به إن شاء الله، وبعضها مما يجب التذكير به للمؤسسات والأجهزة المختلفة أو تبليغهُ لها أو اقتراحهُ عليها. ذكر الأعزاء بعض النقاط التي تحتاج إلى إيضاحات، أي أن المراد منها لم يتضح بالنسبة لي. أشار أحد الأعزاء مثلاً إلى ضرورة إعداد خارطة للعلم2) )، ولم أفهم هل المقصود شيء آخر غير الخارطة العلمية الشاملة؟ (التي جرى العمل فيها لفترات طويلة وتم إعدادها كوثيقة وتم تبليغها) وإذا كان المراد شيءٌ آخر، فيجب إيضاحه. قد يكون من الضروري للأعزاء أن يوضّحوا بعض النقاط، وقد تطرح عليهم الأسئلة من مكتبنا ويدونون إجاباتهم.

أنتم أيها النخبةُ الأعزاء سواء منكم الحاضرون هنا أو النخبة الكُثُر الموجودون والحمد لله في كل أنحاء البلاد، والذين لم يحضروا لهذه الجلسة لأسباب متعددة، في أي مجالٍ علمي تدرسون وتعملون وتبحثون (سواء العلوم الإنسانية أو العلوم التقنية أو العلوم الأساسية أو العلوم الطبية والعلوم ذات الصلة بالصحة والسلامة، وفي أي مجال آخر تعملون) كلكم في الواقع مهندسو التقدم المستقبلي للبلاد. أنتم الذين تخططون وتصممون مستقبل بلادكم ومستقبل بلدكم العزيزة، وإذا تابعتم هذه المهمة إن شاء الله بعزيمةٍ راسخة وهمّةٍ عالية وعمل دؤوب فسوف تصلون إلى النتائج المنشودة وستصنعون إيران المستقبل.

أنتم (أيها الشباب النخبة) الذين تخططون مستقبل بلادكم وإذا تابعتم هذه المهمة بعزيمةٍ راسخة وهمّةٍ عالية ستصنعون إيران المستقبل

النقطة التي أود ذكرها لكم هي أن تعلموا أن سياسة "التقدم العلمي ذو السرعة العالية" سياسة أساسية للنظام. لقد توصّلت مجموعة العقول المفكّرة في البلاد إلى نتيجةٍ هي أن اجتياز الصعاب والمخاطر والانزلاقات في إيران الإسلامية، إذا كان بحاجة إلى اثنين أو ثلاثة أركان ومقدمات فإن أحد هذه الأركان هو التقدم العلمي. هذه سياسة أساسية تُتابع منذ نحو عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً. وقد عملت الحكومات المختلفة والمسؤولون والجهات المعنيّة والشباب والنخب أنفسهم في هذا المضمار وبذلوا الجهود، والحمد لله حين يشاهد المرء حصيلة العمل في الوقت الراهن ينبعث في نفسه الأمل والتفاؤل. لقد قلت لكم أيها الشباب مراراً وقلتها للمسؤولين أيضاً وأقولها لكم اليوم أيضاً: لا ريب أن الطاقات الشابة في بلادنا والقدرات الإنسانية في إيران والنخب الإيرانية، قادرون على إيصال بلادهم وشعبهم إلى قمم التقدم الشامل. هذه المقدرة والطاقة والإمكانية موجودة فيكم. هذا ما كُنا نقوله في السابق (من الآخرين وحسب تجاربهم)، وأصبح تدريجياً تجربة بالنسبة لنا أيضاً. وقد قلت مراراً: اليوم كل عمل علمي وتقني تتوفر بنيته التحتية في البلاد، يمكن للإيرانيين والشباب الإيراني والنخب الإيرانية تنفيذه وإنجازه، ولا يوجد شيء يمكن أن نقول بشأنه أن المواهب الإيرانية وشباب النخبة الإيرانيين غير قادرين على إنتاجه وصناعته، إلّا إذا كانت بنيته التحتية غير متوفرة في البلاد، وهنا يجب طبعاً توفير هذه البنى التحتية وإيجادها. هذا هو وضع المواهب والطاقات في بلادنا ومستواها. فالتقدم الحقيقي للبلاد غير متاح من دون التقدم العلمي. وهذا هو السبب في تأكيدنا على أن هذا هو الخطاب الأساسي والسياسة الأساسية في إيران. فالتقدم الحقيقي لن يتحقق من دون تقدم العلم.

بعض البلدان قد تنقل ثرواتها الجوفية ونفطها إلى أصحاب الثروة والعلم في العالم ويشترون بضائعهم ومنتجاتهم فتتوفر لديهم مظاهر التقدم، لكن هذا ليس تقدماً. التقدم لا يكون تقدماً إلّا إذا كان "ذاتياً" ومعتمداً على الطاقات الداخلية للشعب. فوزن البلدان والحكومات والشعوب واعتبارها تابع لهذا المنشأ الداخلي. إذا حصلت تحركات وقَفزات وتنمية من الداخل فهذا ما يمنح الوزن والاعتبار والافتخار والقيمة لبلدٍ ما أو لشعبٍ ما. أما إذا لم يكن التقدم ذاتياً وكان من فعل الآخرين) فلن يحقق الاعتبار والقيمة). في زمن النظام الطاغوتي كان الأجانب والغربيون مستعدون للقيام ببعض الأعمال المتعلقة بالتقنية النووية في إيران، وكانوا مستعدين لإبرام عقود واتفاقيات. لنفترض الآن أن محطة بوشهر التي حصلنا عليها بعد كل هذه الأعوام من الجهد، كان من المقرر أن يبنيها الألمان (وقد استلموا الأموال ونهبوها ولم يتحملوا مسؤولية تعهداتهم تلك بعد الثورة( ولنفترض أن البلد الغربي الفلاني كان يريد أن يأتي إلى إيران وينشئ محطة طاقة نووية ويديرها وننتفع نحن من الكهرباء التي تنتجها هذه المحطة. هذا لا يعدّ وزناً واعتباراً للشعب. الاعتبار والقيمة تحصل للبلاد عندما تصل بنفسها إلى قدرات معينة. إذا تحققت هذه القدرات لديكم عندئذ تستطيعون في ظروف متكافئة الانتفاع من قدرات الآخرين، كما سينتفعون هم أيضاً من قدراتكم. ولقد صدق أحد الأصدقاء القول (3)، من البديهي أن أي بلد من البلدان لا يستطيع لوحده توفير كل الجوانب والمستويات اللازمة من العلوم والتقنيات، وعليه أن يأخذ بعض الأشياء من الآخرين، لكن هذا الأخذ من الآخرين لا يكون بشكل مدّ الأيدي للآخرين، إنما بشكل معاملات متكافئة ومتوازية، تعطون علماً وتأخذون علماً، وتعطون تقنية وتأخذون تقنية، وتبقون محترمين في العالم. هذه أمر ضروري.

التقدم لا يكون تقدماً إلّا إذا كان "ذاتياً" ومعتمداً على الطاقات الداخلية للشعب

وأقولها لكم أيها الشباب الأعزاء، وأنتم من أبناء الثورة وأبناء النظام الإسلامي: إن الجبهة التي تصطف اليوم مقابل إيران الإسلامية وتمارس عداءها ضد إيران إنما تركّز هجماتها على هذه النقطة، وهي اقتدار إيران. إنهم لا يريدون حصول هذا الشيء. يجب أن تنظروا هذه النظرة العامة دائماً لجميع الأحداث والقضايا (القضايا السياسية والاقتصادية والدولية والإقليمية المتنوعة ذات الصلة ببلادكم)، ولا تنسوها. ثمة جبهةٌ سياسية قوية في العالم اليوم لا تريد أن تتحوّل إيران الإسلامية إلى بلدٍ مقتدر وشعبٌ قوي، وقد كانوا على هذه الشاكلة منذ بداية الثورة. وسأنقل لكم هذا: في سنة57  هـ ش (1979 م) حين قامت الثورة الإسلامية وأحدثت تلك الضجة الهائلة في العالم، كتب بعض النخب السياسيين الكبار في الغرب (مثل كيسنجر، وهنتنجتون، وجوزيف ناي، وأمثالهم من الوجوه البارزة للنخبة السياسية في أمريكا وأوروبا (كتبوا مقالات في بداية الثورة وعلى مدى فترة من الزمن، كان مضمونها تحذيرات للأجهزة السياسية الغربية (والنظام السياسي الغربي والحكومات الغربية (من أن هذه الثورة التي وقعت في إيران لا تعني تغيير هيئة حاكمة وحلول هيئة حاكمة محل أخرى، إنما تعني ظهور قوة جديدة في المنطقة التي يسمّونها الشرق الأوسط (وأنا لا أحبّ هذه التسمية أبداً) والتي نسمّيها منطقة غرب آسيا. ثمة قوةٌ جديدة آخذة بالظهور قد لا تضاهي القوى الغربية من الناحية التقنية والعلم، لكنها تفوقهم أو هي في مستواهم من حيث النفوذ السياسي والمقدرة على التأثير في الأجواء المحيطة بها، وستخلق لهم التحديات. هذا ما أعلنوه يومها، وقرعوا أجراس الخطر.

وهذا يعني أن ظهور مثل هذه القوة من وجهة نظرهم معناه أن بساط نفوذ الغرب في هذه المنطقة الحساسة والغنية والاستراتيجية جداً، و نقطة الوصل بين ثلاث قارات، ومركز النفط والثروة والمعادن المهمة التي يحتاجها البشر، والتي كان الغرب مصرّاً على بقاء هيمنته فيها )هيمنته السياسية والاقتصادية، وهيمنته الثقافية طبعاً (سيَخرج من تحت الهيمنة الغربية أو على الأقل ستتزلزل هذه الهيمنة. هذا ما خمّنوه في ذلك اليوم وكان تخمينهم صحيحاً بالطبع. واليوم بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود تحوّل ذلك الكابوس الذي شاهدوه إلى واقع، بمعنى أن قوة وطنية كبيرة في المنطقة ظهرت ولم تستطيع شتى أنواع الضغوط الاقتصادية والأمنية والسياسية والنفسية والإعلامية أن تسقطها، بل على العكس، استطاعت هذه القوة التأثير على شعوب المنطقة وتكريس الثقافة الإسلامية العامة ونشرها، وإشعار شعوب المنطقة بهويتهم.
 

إن الثورة التي وقعت في إيران لا تعني تغيير هيئة حاكمة وحلول هيئة حاكمة محل أخرى، إنما تعني ظهور قوة جديدة في المنطقة

هذه الأحداث التي وقعت في المنطقة منذ نحو سنتين، أحداث مهمة جداً، وترون ما هي ردود أفعال الغربيين تجاهها. إن أحداث مصر، وأحداث منطقة شمال إفريقيا، وأحداث هذه الجهة، تمثل تطورات مهمة جداً. كما أن صحوة الشعوب وهي خالية الأيدي، ووقوفها بوجه الإهانات التي فرضها الغرب عليها وخصوصاً أمريكا عن طريق عملائهم، حدثٌ كبير جداً، وهو بالطبع حدث لم ينته بعد، وهم يتصورون أنهم قمعوه وكبتوه، لكننا نعتقد أنه لم يقمع، وقد كان منعطفاً تاريخياً تجتازه المنطقة في الوقت الحاضر، ولم يتحدد مصيره على نحو نهائي إلى الآن. وهذا ما يعلمه الغربيون أنفسهم، وهو ما يظهر بشكل أو بآخر في تحليلاتهم، فهم لا زالوا قلقين ولا يدرون ما الذي يحدث في المنطقة. وهذا كان بفضل نهضة الشعب الإيراني وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وبفضل الثورة الإسلامية التي بشّرت بظهور قوة وطنية عميقة ومؤمنة وصامدة ومتنامية، وسائرة نحو التألق (مثل هكذا قوة).

حسنٌ، وأنتم (مجموعة النخب في كل أرجاء البلاد، في أي مجال من مجالات العلم والتكنولوجيا وقبل ذلك البحث العلمي، في الحقيقة تشكّلون مجموعةً قيَّمةً من أفراد هذه المنظومة الهائلة التي تنهض بهذه الرسالة التاريخية( اليوم عندما جاء دوركم تحملتم أعباء مثل هذا الحدث العظيم. المهم أن لا تتوقف مسيرتكم وأن لا تصاب بالاختلال والتوقف في وسط الطريق. وهكذا هو الحال في كل الحركات الاجتماعية والسياسية والعسكرية المهمة، فعندما تبدأ حركة ما، وعندما يبدأ عمل كبير وعظيم، طويل الأمد، يجب عدم السماح بأن يتوقف. وهذا ما شاهدناه بأعيننا في فترة الدفاع المقدس وفي ساحات الحرب والاشتباكات العسكرية. عندما تنطلق حركة ما، إذا لم تتوقف، سوف تنتصر، أما إذا ضعفت العزائم في وسط الطريق، وأصابها التردّد، والكسل، وتوقف العمل، فسيكون عاقبة ذلك الفشل. يجب أن لا تسمحوا بتوقف هذه الحركة العلمية المتسارعة.

طبعاً المعنيُّ بكلامي هم كل أطراف القضية. بما في ذلك أنتم أيها الشباب الأعزاء الذين تعملون وتطلبون العلم وتبحثون وتحققون وتربّون أنفسكم من الداخل، وتنجزون في بعض الأحيان أعمالاً مميزة ولافتة (هذا الكلام الذي قلتموه هنا هو من هذه الأعمال، وهو ليس بالعمل الفيزيائي الحركي، بل هو عرض أفكار وطرح آراء وسعي للوصول إلى أفكار ونظريات أفضل، وهذا من أهم الأعمال، شرط أن لا يبقى في حدود الأفكار الذهنية) أنتم معنيّون بهذا الكلام وكذلك الأجهزة والمؤسسات المختلفة من قبيل وزارة التعليم العالي، ووزارة الصحّة والإدارة العلمية.

الإدارة العلمية لرئيس الجمهورية هي قسم مهم جداً وهي عمل حساس للغاية (وقد تأسّست هذه الإدارة بإصراري ومتابعتي منذ عدة سنوات) وهناك أيضاً مؤسّسة النخبة. وقد قدم الذين عملوا هناك خدمات حقيقية، مثل السيدة سلطان خواه، والسيد واعظ زاده، واليوم السيد ستاري (وهو من أبناء الشهداء) (4) الذي يتولى مسؤولية هذه الإدارة المهمة وهذه المؤسسة المهمة. توصيتي للمسؤولين في الإدارة العلمية ومؤسسة النخبة هي أن يتابعوا الأعمال ولا يبدأوا بها من الصفر. لقد أنجزت أعمال ممتازة، ليعملوا على أساس تلك الأعمال السابقة، وليحاولوا ردم الثغرات وملأ النواقص وإزالة نقاط الضعف بعد تشخيصها ومعرفتها، وعدم خسارة نقاط القوة.
 

توصيتي للمسؤولين في الإدارة العلمية ومؤسسة النخبة هي أن يتابعوا الأعمال ولا يبدأوا بها من الصفر

وأرى أن أهم عمل يمكن لهاتين الوزارتين وهذه الإدارة أن يقوموا به هو أن يركزوا همّهم على تمهيد الأرضية للإبداع العلمي، فالإبداع مهم. ويجب عدم توقف تيار الإبداع هذا، كل خطوة يجب أن تمهّد الأرضية لخطوة تالية تأتي بعدها. ومن أجل أن نستطيع الحفاظ على تيار الإبداع في البلاد، يجب أن يكون هناك مراقبة دائمة. ويجب على هؤلاء المسؤولين المحترمين في الإدارة العلمية أن يكونوا حاضرون بشكل دائم، ليراقبوا التيار العلمي في البلاد، وينظروا أين هي مواطن العُقد والعرقلة وأين هي المشكلات وحالات عدم التنسيق فيحلّوها.

المجلس الأعلى للثورة الثقافية الذي يخوض في هذه القضايا ضمن حدود واجباته ومسؤولياته يقوم بدورٍ مهم، والإدارة العلمية أيضاً هي مؤسسة تنظيمية للتنسيق بين المؤسسات والأجهزة، وهناك المؤسسات العلمية في البلاد أي الوزارتين المذكورتين، ومراكز البحث والتحقيق ومختلف مراكز ومؤسسات العلم والتكنولوجيا الذين يقومون بالأعمال... هؤلاء يجب أن يعملوا كلهم بطريقة منسجمة، ويجب إزالة حالات عدم التنسيق.

بالطبع إن نموّنا العلمي في الوقت الحاضر على المستوى الإقليمي وعلى المستوى العالمي جيد جداً. العدد المطلق (العام) لنموّنا جيد، وسرعة نموّنا جيدة جداً، بمعنى أن سرعة التقدم العلمي عالية جداً، لكن هذا ليس ملاكاً، بمعنى أن هذه السرعة يجب أن تبقى وأن يُحافظ عليها. حقيقة سرعة النمو العلمي لا تعني أننا وصلنا إلى الهدف أو حتى أننا اقتربنا من الهدف، ذلك لأننا كنا متأخّرين جداً. والعالم لا ينتظر لكي نتقدم نحن فيبقى يتفرّج علينا، إنما العالم أيضاً يتقدم باستمرار، وطبعاً سرعتنا أكبر وعلينا الحفاظ على هذه السرعة. إذا جرى الحفاظ على هذه السرعة في النمو العلمي فسيكون هناك أمل أن نصل إلى القمم وإلى الخطوط الأمامية، وتكون بلادنا ومراكزنا العلمية كما قلت مراراً مراجع علمية للعالم. هذا شيء يجب أن يحصل وسوف يحصل إن شاء الله. وطبعاً لا أتصور أنه سيحصل خلال خمسة أعوام أو عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً، لا، لقد ذكرت قبل سنوات أن لكم أن تتصوروا المستقبل ما بعد خمسين عاماً أو أربعين عاماً قادمة، حيث سيضطر كل شخص في العالم يريد أن يطلع على المنجزات العلمية الجديدة إلى تعلم اللغة الفارسية. اعقدوا عزائمكم وهممكم على هذا. اعملوا على ما من شأنه أن يجعل الآخرين في العالم يحتاجون إلى علومكم فيضطرون لإتقان لغتكم ليطلعوا على علومكم. وهذا شيء ممكن ومتاح.
 

اعملوا على ما من شأنه أن يجعل الآخرين في العالم يحتاجون إلى علومكم فيضطرون لإتقان لغتكم ليطلعوا على علومكم

كان المرحوم الدكتور شمران (الشهيد شمران) نخبة علمية، وقد اشتهر بالحرب والشهادة والبنادق وما إلى ذلك، لكنه كان نخبة علمية بارزة، وكان يدرس في واحدة من الجامعات الأمريكية المعروفة، ثم ترك الدراسة وانتقل إلى لبنان ثم عمل مجاهداً في بلاده. وكان يقول لي: أن المتميزين من الدرجة الأولى في الجامعات الأمريكية) وخصوصاً تلك الجامعة التي كان يدرس فيها (معدودون، لكن الإيرانيين هم الأكثر عدداً بينهم. الإيرانيون أعلى مستوى من متوسط المواهب العالمية، وهذا ما سمعناه مراراً من أشخاص آخرين، وكما قلت فإن التجارب بدأت تثبت لنا ذلك.

النقطة التي شدّدتُ عليها منذ البداية، ولم تتحقق بشكل كامل إلى الآن هي قضية الارتباط والتكامل بين العلم والصناعة، وبين الجامعات والمصانع، وبين مراكز البحث العلمي والصناعة. وأرى منذ سنوات أن هذه القضية تُطرح على ألسن الطلبة الجامعيين والنخبة والمسؤولين. وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. لدينا هنا مجموعة علمية، وهناك مجموعة صناعية، والصناعيون متعطشون للحصول على التطورات العلمية وبحوث الجامعات والمراكز والمؤسسات العلمية؛ وهذه المراكز العلمية تحتاج من أجل أن تواصل تدفقها العلمي إلى أسواقٍ لاستهلاك علومها. ولا يوجد حالياً بين هذين القطاعين علاقة منطقية تكاملية. إذا استطعنا مدّ الجسور والعلاقات بين الصناعة والجامعة، وبين الصناعة ومراكز البحث العلمي، أو بمعنى أعم بين الصناعة والعلم بشكل كامل فستكون النتيجة نمو مراكزنا الصناعية (سوف يراجعون الجامعات لمعالجة مشكلاتهم وسوف يعالجون مشكلاتهم وينتفعون من التطورات العلمية في عملهم الصناعي) وتقدم جامعاتنا أيضاً، فهي كالسد الذي تم بناؤه لكنه يفتقر إلى شبكات الري، مثل هذا السدّ سيكون طبعاً بدون فائدة. فنصف عمل السدّ هو أن نقيم جداراً تتجمع المياه خلفه، والنصف الثاني المهم هو أن نوجد شبكات مياه وري لنتمكن من إيصال مياه هذا السد إلى المناطق التي تحتاج للمياه وإلى الأراضي العطشة. هذا ما يجب أن يحصل ويتم. طبعاً يجب على الشركات والمصانع أن ترجع إلى المراكز العلمية أكثر من السابق، ويجب على المراكز العلمية أن تستعد أكثر من السابق. كل عام يجب أن نكون شاهدين على مئات المشاريع البحثية التي تم طلبها (بالطبع طلبات الداخلية ) في الجامعات والمراكز العلمية. واليوم النقطة التي تعدّ في رأيي من نقاط الضعف المهمة) كثيراً ما يشير لها الشباب والأساتذة وغيرهم) هي الأعمال العلمية بطلبات أجنبية، فهي أعمال لا يحتاجها البلد. لا أريد أن أمنع هذا الشيء على نحو العموم، ولكن أن تعملوا هنا عملاً علمياً بحثياً من أجل سدّ حاجة تلك المؤسسة العلمية أو التقنية في العالم، ويشترون حصيلة عملكم بأثمان زهيدة، فهذه ليست ميزة. يجب أن تنظروا ما هي الاحتياجات الداخلية. عملكم البحثي هذا )خصوصاً في مرحلة الدكتوراه وما فوق ذلك) أيُّ المواقع الداخلية للدولة تحتاجه؟ وما هي الثغرات التي يردمها بحثكم وتحقيقكم داخل البلد.
 

إذا استطعنا مدّ الجسور والعلاقات بين الصناعة والجامعة، وبين الصناعة ومراكز البحث العلمي، فستكون النتيجة نمو مراكزنا الصناعية وتقدم جامعاتنا أيضاً

بناءً على ذلك، يجب إقامة مسابقة جدية، كبيرة في الإبداع) مباراة بالمعنى الحقيقي للكلمة سواء في العلوم أو في التكنولوجيا). من الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار في الرسائل (الأطروحات) الجامعية (وخصوصاً في مرحلة الدكتوراه (وبشكل حتمي، قضية الإبداع. يجب الإشارة إلى موضع الإبداع هنا، ويكون هذا هو الملاك في التقييم ومنح الامتيازات والدرجات. على المؤسسة الوطنية للنخبة أن تعمل بجد لتوفير بيئة للتميز العلمي، فإذا حصل هذا؛ سيُشجع المتخصّص الإيراني في الخارج للعودة، ويتشجع الشاب الإيراني الموهوب للبقاء في وطنه ودياره والعمل لخدمة بلاده.

وثمة نقطة أساسية ومهمة هنا وهذه النقطة هي التقوى والورع. فقدرات المجتمع النخبوي في البلاد (سواء من الفتيات أو الفتيان والشباب عموماً وأساتذتهم) ستتضاعف في ظل التقوى والورع والعفة والتوجّه إلى الله، وسيسهل تقدمهم. من أكبر الامتيازات التي تمتلكونها هو نقاء الشباب. وهذا شيء لا يبقى مع الإنسان دوماً. في فترة الشباب ثمة نقاء ونور يسهّل استنزال الرحمة الإلهية على الإنسان، وإذا سهّل الله تعالى الطريق على الإنسان "فسنيسّره لليسرى "(5)، أي إذا سهّل العمل ومهد الأسباب للإنسان ووفر له المقدمات فسيصل الإنسان إلى أهدافه بسهولة كبيرة. اعرفوا قدر التقوى والعفة والإيمان والنقاء والنورانية التي تتحلون بها (وهي الأرضية المعنوية) واطلبوا من الله تعالى أن يُعينكم ويُعين بلدكم، لنستطيع إن شاء الله الوصول إلى المحطات التي نتمناها لبلدنا وشعبنا. وأنا بدوري سأدعو لكم الله دوماً إن شاء الله، كما دعوت لكم إلى الآن.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

  1. أقيم هذ المؤتمر من 16 إلى 18 من شهر مهر من العام الجاري (من 8 إلى 10 من شهر تشرين الأول عام 2013 م).
  2. اقتراح السيد محمد حسين نورانيان (من جامعة نصير ( بخصوص إنشاء برنامج ضخم لخارطة العلم.
  3. اقتراح السيد على رجب بور (عضو الهيئة العلمية في جامعة الإمام الخميني"رحمه الله" بقزوين): الانتباه إلى أن بلد واحد في العالم لا يستطيع اليوم أن يكون متفوقاً في كل المجالات العلمية، ويجب علينا في ضوء مزايانا الفعلية والكامنة وبالنظر لظروف وفرص الأسواق العالمية، تشخيص المجالات المهمة التي نستطيع الاستثمار فيها، لنكون متفوقين فيها خلال الأعوام القادمة، وهذه الأفكار مشروحة بشكل جيد في الخارطة العلمية الشاملة للبلاد، وعلى المسؤولين التنفيذيين الاهتمام بالسير على هذا الطريق.
  4. الدكتور سورنا ستاري نجل الشهيد اللواء الطيار منصور ستاري.
  5. سورة الليل، الآية 7.