قبل أن تلامس عقارب الساعة العاشرة وصلت سيارة قائد الثورة الإسلامية إلى منطقة سربل ذهاب. انطلقت الشاحنة التي تقلّ الصحفيين وانطلقت خلفها سيارة الإمام الخامنئي. قفز شابٌّ إلى الأمام وبدأ يضرب زجاج السيارة بيده، في نفس الجهة حيث كان يجلس الإمام الخامنئي، كان يتحدّث بصوتٍ عالٍ ويقول أشياء لم نستطع فهمها. بدأ المرافق الذي كان يجلس معنا في الشاحنة يشعر بالقلق، إلا أنّ الشاب توقّف عن ضرب زجاج السيارة واقترب منه ثمّ طبع قبلة عليه.

كان بعض النّاس واقفاً على تلّة من الرّدم والرّكام. كان المرافقون يحاولون بين فينة وأخرى السيطرة على أولئك الواقفين فوق التلّ ويقومون بالتقاط مقاطع الفيديو والصّور، لكن كيف يمكن الصعود فوق تلّة الرّكام تلك؟! زجاجٌ وترابٌ وحديدٌ وإسمنت.. لم يكن متاحاً للسائق والمرافقين إبقاء السيارة التي تقلّ الإمام الخامنئي واقفةً في مكان معيّن إلا في حال كانت هذه هي إرادة سماحته. سنحت الفرصة للنّاس واستطاعوا التجمهر. اختلطت الشعارات والهتافات ببعضها؛ كان أحدهم يهتف روحي فداءٌ للقائد، آخرهم يقول أنا خادمك، وآخرون كانوا قد بدؤوا يُغيّرون الشعارات من شدّة صدمتهم فصاروا يقولون "صلّ على محمّد، ها قد أقدم نصيرُ القائد!" استغرق الأمر بعض الوقت لتتوحّد شعارات الحشد: أنت باقة وردٍ محمّديّة، مرحباً بك في مدينتنا.. فُتح باب سيارة الإمام الخامنئي، كان سماحته قد ربط حزام الأمان، فكَّ حزامه بهدوء وترجّل من السيّارة. كان النّاس يلوّحون له بأيديهم ليلقوا التّحية والسّلام. كان الإمام الخامنئي يسير مبتسماً. كان اكتظاظ الحشود يُصعّب سير الإمام الخامنئي في خطّ مستقيم. رويداً رويداً استعاد المرافقون تنظيمهم واتّخذوا وضعيّة جديدة. أحد الشباب كان يحاول جاهداً الوصول بنفسه إلى الإمام الخامنئي، منعه أحد المرافقين. وقف الإمام الخامنئي وسط تلك الجموع الغفيرة وأشار إليه؛ أُجبر المرافقون على جلبه. تقدّم الشّاب وتحدّث لبضع ثوان ومن ثمّ واصلوا السّير. كثيرون كانوا يُسلّمون بصوتٍ عالٍ، أحد الشّباب قال بصوتٍ عالٍ: بارك الله بك. وكانت امرأة تهتف بصوت مختلف عن أصوات الحشود: روحي فداءٌ للقائد. كان الإمام الخامنئي يمسك عصاه وعباءته بيد ويلوّح للنّاس باليد الأخرى. كانت الرّمال تتطايرُ في الهواء من شدّة ازدحام النّاس. استمرّت الأوضاع وسط هذا الازدحام على هذا النحو بضعة دقائق إلى أن جاء المرافقون بالسيّارة وركبها سماحته.

لم يكن متاحاً للسائق والمرافقين إبقاء السيارة التي تقلّ الإمام الخامنئي واقفةً في مكان معيّن إلا في حال كانت هذه هي إرادة سماحته.

 

سارت السيّارة مرّة أخرى في حيّ فولادي واتجهت نحو المكان الذي وضعت فيه المنصّة. ترجّلنا جميعاً فور وصولنا إلى الجهة الخلفيّة للمنصّة وصعد الإمام الخامنئي الأدراج وارتفعت هتافات النّاس.

كان النّاس أسفل المنصّة يتمايلون يميناً وشمالاً كالأمواج. كنتُ قد تأخّرت عن الكتابة. البعض كان واقفاً فوق تلّ الرّكام. وآخرون استخدموا صناديق المساعدات الشعبية وصناديق الهلال الأحمر وكتبوا على أوراقها المقوّاة شعارات ورفعوها بأيديهم.

سلّم الإمام الخامنئي وردّ النّاس سلامه بأصوات عالية. بدأ سماحته خطابه بهذا النّحو: "كنا نرغب رغبة شديدة بأن نأتي إلى مدينتكم حينما تكون قلوبكم مبتهجة وحياتكم سعيدة، ولم نكن نودُّ أن نأتي إلى هذه المدينة العزيزة و(نتواجد) بينكم أيها الأهالي الطيبون الأوفياء في ظروف تعانون فيها من الأحزان والحوادث والبلاء والمصيبة، فهذا شيءٌ مرٌّ جداً بالنسبة لنا. إننا نواسي قلوبكم الملتاعة ونشارككم أحزانكم، سواء في هذه المدينة أو في المدن الأخرى أو في القرى التي تضررت في كل أرجاء هذه المحافظة، فقلوبنا وأذهاننا طافحة بالحزن."

كما أثنى الإمام الخامنئي على ثبات وبطولة أهالي هذه الدّيار أيام الحرب المفروضة وأوصاهم بالاستقامة بعد الحادثة التي تعرّضوا لها، أيضاً شكر سماحته حركة الناس والمسؤولين التعاطفيّة في مواجهة زلزال كرمانشاه.

وبينما كان قائد الثورة الإسلامية يلقي خطابه إذ به فجأة يوجّه الكلام للمصوّر الذي كان يعزل عنه رؤية النّاس قائلاً:" قفوا جانباً لتتسنّى لي رؤية الجموع."  تفاعل البعض مع هذا الكلام ورُفعت الصلاة على محمّد وآل محمّد. وبدأ الأشخاص الذين وقعوا في معرض رؤية الإمام الخامنئي بالتلويح لسماحته.

مع نزول الإمام الخامنئي الأدراج تقدّم شخصٌ كان من الواضح أنّه من كبار علماء أهل السنّة؛ كان مألوفاً بشدّة بالنّسبة إلي. سألت أحد الأشخاص الواقفين إلى جانبي عنه فأجابني: الملّا قادر القادري. تذكّرته؛ الملّا قادر من أهالي باوه. لقد التقى بالإمام الخامنئي أيّام الحصار في باوه؛ وكنت قد رأيته خلال سفر الإمام الخامنئي إلى كردستان. علمت فيما بعد أنّه كان قد قدِم منذ البداية بعد الزلزال من أجل تقديم العون والمساعدة؛ عانقه الإمام الخامنئي بقوّة وبحرارة.

على بعد خطوات، تقدمت طفلة ترتدي حجاباً أخضراً وقالت شيئاً ثم شرعت بالبكاء. مسح الإمام الخامنئي بيده على رأس الطفلة وخبّأت الطفلة رأسها داخل عباءته. لقد جُرح والدا الطفلة وفقدت أقرباءها في الزلزال. كانت ملتاعة وما إن رأيتها حتّى تذكّرت الأطفال الذين لم يمضِ على يُتمهم سوى أيّام قليلة وها هم يلجؤون اليوم إلى حضن قائدهم: (("ألم يجدك يتيماً فآوى؟)) توقّف الإمام الخامنئي ولم يتحرّك إلى أن أخرجت الطفلة رأسها من داخل عباءته.

خرجنا من المدينة قاصدين الريف. كنا متجهين نحو القرى. بعد قطعنا لعدة كيلو مترات انعطفنا لندخل إحدى قرى كوييك الأربعة؛ قرية كوييك مجيد. توقفت سيارة الإمام الخامنئي في أحد الأماكن. اجتاز سماحته جدار أحد المنازل المدمرة ودخل المنزل. توجه نحو الخيام المنصوبة في وسط باحة المنزل وسأل ساكنيها عن أحوالهم؛ لم يدخل سماحته الخيام لأنه لم يكن ثمة رجل داخلها. اجتمع أهل القرية وراحوا يرشدون بعضهم البعض عن مكان الإمام الخامنئي غير مصدقين ما يحدث. وقف أحد الشباب على أحد الجدران المدمرة بشكل جزئي وراح يصور بجهازه الخلوي ما يحدث. أحضروا مكبر صوتٍ محمول. بعض الأشخاص قالوا اجلسوا اجلسوا. بعضهم جلس وبعضهم لم يجلس، تحدث الإمام الخامنئي ببضع كلمات.

بعد كلام الإمام الخامنئي تركنا المكان قاصدين قرية كوييك حسن؛ في القرية الثانية كان الناس أكثر استعداداً. كان من الواضح أنهم علموا بقدوم قائد الثورة إليهم من خلال أجهزتهم الخلوية. في هذه القرية ركض رجل شائب الشعر باتجاه السيارة وقال: توقف يا قائدي العزيز! طبعاً لم يكن من السهل التوقف. توقفت السيارة في ساحة أوسع. كان الكثير من المنازل قد تدمّرت. قام الناس بنصب الخيام في وسط باحات منازلهم. تجاوز الإمام الخامنئي جموع الناس الذين تجمعوا متجهاً نحو أحد الخيام؛ أمام تلك الخيمة قال سماحته للمرأة التي كانت هناك: "أين هو زوجك؟"  أجابت المرأة: في المستشفى. دفعتني جموع الناس إلى الخلف ولم أستطع سماع بقية الحديث. بعد ذلك دخل سماحته الخيمة التي تلتها ولا بُدَّ أنَّ سماحته سألهم عن أحوالهم. اقترب رجلٌ إلى الأمام وقال: أسألكم بالله أن تنتبهوا، جميع حاجياتنا وأدواتنا داخل الخيمة، انتبهوا أن لا تدمروا حياتنا. قام بعض الشباب المتطوعين للإغاثة من الحرس الثوري والذين كانوا قد تجمعوا لرؤية الإمام الخامنئي بصنع حلقة حول خيمة الرجل وضبط جموع الناس؛ لكي لا يتلف أثاث وحاجيات هذه الخيمة تحت أقدام الناس المتجمعين. كان أحد هؤلاء الشباب المتطوعين يبكي؛ أدار ظهره للناس وراح يصيح: حيّاك الله يا سيدي، حيّاك الله.

أظن أننا كنا في كوييك الثالثة حينما شاهدت شاباً يرتدي معطفاً أحمر اللون دفع جموع الناس وحاول جاهداً الاقتراب من قائد الثورة الإسلامية حتى تمكَّن من الإمساك بيد سماحته. كان يريد التكلم عندما أشار له الإمام الخامنئي بأن يصبر حتى تتكلم السيدة المتقدمة في السن أولاً.

 

انتبه الإمام الخامنئي إلى أن عناصر المرافقة يُبعدون صاحب المعطف الأحمر، فأشار سماحته إلى الشاب وقال: أحضروا ذاك الشاب صاحب المعطف الأحمر لأرى ماذا يريد القول

انتبه الإمام الخامنئي إلى أن عناصر المرافقة يُبعدون صاحب المعطف الأحمر، فأشار سماحته إلى الشاب وقال: "أحضروا ذاك الشاب صاحب المعطف الأحمر لأرى ماذا يريد القول." اقترب الشاب وبمجرد وصوله قال لسماحته: تعرضنا للحرب لعدة سنوات، لكن بعد هذا الزلزال قسماً بعزة الله أن وضعنا أسوء مما كان عليه أيام الحرب، أملنا بالله أولاً وبسماحتكم ثانياً. قال الإمام الخامنئي: "هل تتذكر أيام الحرب؟" فأجاب الشاب: لا ولكني سمعت شيئاً عنها. قال الإمام الخامنئي:" لقد كنت في أيام الحرب تلك هنا أيضاً." أكمل الشاب كلامه: إنه لفخرٌ لقريتنا أن تتشرف بزيارتكم لها، كنا نسأل الله أن تتفضلوا بالمجيء إلى هذه القرية في وقت غير هذا الوقت لكي نُقدِّم الأضاحي احتفالاً بمجيئكم.

تحدَّث الإمام الخامنئي بكلمة مقتضبة وبذلك أتمَّ سماحته تفقُّد قرية كوييك الثالثة كما فعل مع القرى التي سبقتها، بعدها توجهنا نحو قرية قلعة بهادري. في الطريق ارتفع صوت لاسلكي المسؤول عن الحافلة؛ كان مرافق الإمام الخامنئي يتحدث عبر اللاسلكي قائلاً: في القرية السابقة دخل بعض المصورين خيام الناس منتعلين أحذيتهم، نبّه الصحفيين أن يراعوا هذا الأمر، فقام مسؤول الشاحنة برواية ما حدث بصوتٍ عالٍ. بعدها أعاد مرافق الإمام الخامنئي القول عبر جهاز اللاسلكي: إنه تأكيد سماحة الإمام الخامنئي.

دخلنا قرية قلعة بهادري. توقفنا أمام أحد المنازل. دخل الإمام الخامنئي باحة المنزل، لم يكن الناس قد تجمعوا عندما دخل سماحته باحة ذاك المنزل. خرجت امرأة مسنة بِفعل الأصوات القادمة من الخارج. وبمجرد رؤيتها لسماحته فتحت يديها واتجهت نحو سماحته وكأنها تريد احتضانه! جمع سماحته نفسه قليلاً؛ فأدركت المرأة أنَّ عليها ضبط انفعالها، عندما وصلت على بعد قدم من سماحته خففت من تأثرها وقامت بتقبيل عباءته.

كان ثمة رجلٌ في أحد الخيام؛ استأذنتُ، وخلعتُ حذائي ودخلت الخيمة. كان هناك سيدتان شابتان وسيدة ثالثة مسنة. كانوا هم من قاموا بنصب تلك الخيمة مستخدمين القصب والبلاستيك. وقف الإمام أمام تلك الخيمة. قلتُ لكيومرث (1): تقدّم وادعو الإمام للدخول. أسرع كيومرث وأعطى الطفل الذي كان يحمله لإحدى السيدتين الشابتين وذهب باتجاه باب الخيمة. مدَّ كيومرث يده إلى الأمام محاولاً مصافحة الإمام الخامنئي، فقام سماحته بالإمساك بيده ودخل الخيمة وقال السلام عليكم. قال كيومرث: نوَّرتم. قام سماحته بسؤال الجميع عن أحوالهم ثم أشار إلى القصب والخيمة وسأل: "هل قمتم أنتم بصناعة هذه؟" فأجابت النساء بالإيجاب. فدعا الإمام الخامنئي لهنّ؛ تقدّم سماحته خطوة نحو الأمام وأمسك بأطراف أصابعه وجنة الطفل الذي كان في حضن إحدى السيدات ثم قام سماحته بتقبيل أصابع الطفل الصغير.

خاطب سماحته أهالي هذه القرية عبر مكبر الصوت المحمول: .. "أسأله تعالى أن يشملكم بلطفه بدلاً عن هذه المصيبة التي حلت بكم.. كما أسأله تعالى أن يوفقنا جميعاً للقيام بواجباتنا على أفضل نحو ممكن."

القرية الأخيرة التي قمنا بزيارتها كان اسمها سراب ذهاب. كانت البيوت قد سُوَّت بالأرض. توقفت سيارة سماحته وسط القرية تماماً. ترجّل سماحته ووقف بين جموع الناس. صافح أولئك الذين مدّوا أيديهم نحوه. وعندما وصل مكبر الصوت المحمول إلى سماحته تحدث إليهم بقوله: "إخوتي وأخواتي الأعزاء السلام عليكم. نسأله تعالى ونتضرع إليه أن يشمل برحمته وفضله حالكم... أتمنى أن أشارككم أفراحكم في يوم من الأيام.."

دعا سماحته للناس ومن ثمَّ تابعنا طريقنا. أدركت أننا في طريقنا نحو معسكر شهداء بازي دراز. في مصلى معسكر شهداء بازي دراز جلس الإمام الخامنئي على أحد الكراسي الموجودة في إحدى زوايا المصلى. فيما جلس الجميع في صفوف الصلاة منتظرين رفع الأذان.

خاطب سماحته الملا قادر قادري الذي كان يجلس في الصف الأول قائلاً: كانت أيّاماً جميلة عندما كنّا نقيم الصلاة في مسجدكم عام 60 (1980م).

ثم سأل سماحته الملا قادر عن الأضرار والخسائر التي لحقت بحيِّهم. ثم حلَّ الصمت مرة ثانية، هذه المرة كان الصمت أطول، كان صمت الإمام الخامنئي عجيباً، كان صمتاً يشوبه الحزن والغم. هزَّ سماحته برأسه، وأخذ نفساً عميقاً وقال بصوت هادئ: "تحتاج الكثير من العمل، هذه القرى تحتاج الكثير من العمل.. لقد سُوّت بالأرض."

 

سأل سماحته الملا قادر عن الأضرار والخسائر التي لحقت بحيِّهم. ثم حلَّ الصمت مرة ثانية، هذه المرة كان الصمت أطول، كان صمت الإمام الخامنئي عجيباً، كان صمتاً يشوبه الحزن والغم.

بعد الصلاة بدأ سماحته كلمته: "الزلزال من الآيات الإلهية. هذا الزلزال وزلازل العالم التي نشعر حيالها بالعجز والضعف، ليست بشيء مقابل زلزلة يوم القيامة. هذا الزلزال يجب أن يُذكِّرنا بذلك الزلزال. إذا أردنا الخلاص من هول يوم القيامة والدهشة التي تعتري كل البشر في مشهد القيامة بسبب الأحداث العجيبة في ذلك اليوم، فمن السبل إلى ذلك أن نرحم عباد الله هنا في هذه الدار.. لأننا غير مبتلين لا نفهم الابتلاء.. الشخص الذي كان يعيش في بيته ومع عائلته وبينهم وبسكينة وراحة بال في أجواء معينة، إذا به الآن يجتمع كل ما عنده في خيمة!.. هذه ليست بحياة. كان لي تواجدي ومشاركتي الطويلة في فِرق إغاثة المتضررين بالزلازل والسيول؛ نحتاج إلى شيئين: الأول الإنقاذ والثاني الإغاثة والإمداد... ينبغي على لجنة الأزمات أن تكون حاضرة جاهزة بشكل دائم. الكوارث الطبيعية لا تُخبر بوقوعها مسبقاً. ينبغي على لجنة الأزمات أن تكون حاضرة جاهزة مثل حرس الحدود. الآن وقد انتهت عمليات الإنقاذ اعلموا أن عمليات الإمداد والإغاثة ليست بالعملية الفورية التي تنتهي.. الأهم من كل هذا هو السكن، وإزالة الأنقاض والمواد الإنشائية المهدمة. يجب القيام بهذا العمل بسرعة.

في إحدى هذه الخيام سألتُ سيدةً: هل أعطوكم الأغطية البلاستيكية التي توضع فوق الخيام، فقالت: نعم أعطونا الأغطية البلاستيكية. ثم شعرت أنا نفسي بالخجل من هذا السؤال، فحتى لو أعطوهم الأغطية البلاستيكية، وهل ستصنع هذه الأغطية البلاستيكية معجزة؟ في برد الجو، وفي هذا الفصل، وفي الليل، كيف يجب تأمين التدفئة اللازمة؟ .. ينبغي أن تكون هناك مركزية، كما أنه يجب أن تكون هناك مركزية في توزيع الإمكانيات والمساعدات على المنكوبين بالزلزال. . يجب أن تُدار كل الأعمال من موقع واحد.. تأمين السكن وإعادة البناء، يحتاجان لإدارة واحدة وإنجازات أساسية وسرعة في الأداء والإنجاز، وعلى الحكومة أن تقدم كل الدعم والإسناد اللازم في هذا المجال ، وعلى الأجهزة المتعددة ـ سواء الأجهزة العسكرية أو غير العسكرية ـ أن يتحملوا المسؤولية كلٌّ على قدر استطاعته، وأن ينهضوا بهذه المسؤوليات ويؤدوها... ينبغي متابعة الأعمال بطريقة جهادية. ينبغي أن يكون هذا العمل الجهادي من سمات الجمهورية الإسلامية."

جلس الإمام الخامنئي على المائدة في غرفة كبيرة بجانب المُصلَّى؛ وجلس بقية الحضور أيضاً. كما في جميع مناسبات الغداء والعشاء، كان الآخرون يأتون إلى الإمام الخامنئي ويسألون سماحته بعض الأسئلة. تركتُ طعامي ولم أكن قد انهيته بعد وزحفت بهدوء باتجاه كرسي الإمام الخامنئي لكي أشاهد ماذا يجري هناك وعن ماذا يتحدثون مع سماحته.

كان أحدهم يقول: إزالة الأنقاض وترحيلها أمرٌ بالغ الصعوبة؛ لا يمكن القيام به بهذه السرعة ولكننا سوف نعمد إلى إزالة هذه الأنقاض بحيث يصبح بإمكاننا وضع بيت مسبق الصنع في باحة كل منزل.

وضع سماحته ملعقته جانباً وقال:" أخبرني متى يتم القيام بإزالة الأنقاض بشكل يتسع للبيت مسبق الصنع؟"

لم يجب أحد. قال أحدهم: تم إبرام عقد بناء البيوت مسبقة الصنع مع المعمل. سأل سماحته: "أي معمل؟" أجاب الرجل: معامل مختلفة. قال اللواء جعفري (2): لدي ألفا منزلٍ مسبق الصنع جاهزة. سوف أخبرهم بأن يحضروها. قال أحدهم: كل واحد من هذه المنازل مسبقة الصنع يحتاج إلى شاحنة لنقله؛ جلب ألفي منزل يحتاج إلى الكثير من الوقت، ولكن بالإمكان جلب 5 منازل مسبقة الصنع عبر شاحنة تستطيع حمل وزن 10 أطنان. ويمكن تركيبها بسرعة أيضاً. قال قائد الجيش: يمكن القيام بهذا الأمر فيما يتعلق بالمنازل العادية والقروية ولكن لا يمكن القيام بهذا الأمر فيما يتعلق بالشقق السكنية. سوف نقوم بتسوية وتمهيد الأراضي من أجل الشقق السكنية وسوف نعطي كل واحد من أهالي جميع الأحياء منزلاً مسبق الصنع يتم تركيبه في باحة منزله.

اقترب الملا قادر قادري من الإمام الخامنئي.. وقال: سيدي جُعلت فداك، أنا ليس لدي رتبة عسكرية فوق كتفي كهؤلاء الأعزاء ولكن أتمنى أن تعتبروننا جنداً من جنودكم.

أعاد الإمام الخامنئي الذي كان يستمع إلى كلامهم السؤال:" لم تخبروني متى سوف يتم تسليم الأهالي المنازلَ مسبقة الصنع هذه؟"

خاطر أحدهم وقال: يستغرق الأمر شهرين.

 فقال سماحته بهدوء:" شهرين!"

في هذه الأثناء اقترب الملا قادر قادري من الإمام الخامنئي ووضع يديه فوق رُتب اثنين من العسكريين الذين كانوا قد جلسوا بالقرب من الإمام الخامنئي وقال: سيدي جُعلت فداك، أنا ليس لدي رتبة عسكرية فوق كتفي كهؤلاء الأعزاء ولكن أتمنى أن تعتبروننا جنداً من جنودكم.

ابتسم سماحته ونهض من مكانه وقبّل الملا قادر. وبعدها جاء عالمٌ آخر من علماء أهل السنة لكي يُودِّع سماحته. كان اجتماعاً شبيهاً باجتماعات أيام الحرب، كما شاهدت في الصور والفيديوهات التي تم توثيقها؛ جلس الجميع بشكل حلقة وعاد النقاش حول كيفية حل مسألة إسكان المتضررين إلى حرارته السابقة. خرج سماحته من الغرفة وانتهت الأحداث التي جمعتنا بسماحته خلال تفقده لمحافظة كرمانشاه.

 

الهوامش:

1.       اسم الرجل الذي كان في الخيمة برفقة النساء.

2.       قائد حرس الثورة الإسلامية.