وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي وجّهها سماحة الإمام الخامنئي بمناسبة عيد النيروز:

بسم الله الرحمن الرحيم
يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال.
اللهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها.
اللهم كن لوليّك الحجّة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليّاً وحافظًاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً.
اللهم عجّل لوليّك الفرج واجعلنا من أعوانه وأنصاره وشيعته.

بمناسبة حلول العام الجديد أتقدم بالمباركة لكلّ أبناء وطننا الأعزّاء ولكلّ الإيرانيّين في أرجاء البلاد، وفي أيّ مكان يعيشون في هذا العالم. وبشكلٍ خاص أبارك لعوائل الشهداء الكريمة، ولجرحى الحرب وزوجاتهم، ولكلّ الذين جاهدوا ويجاهدون، وتحمّلوا ويتحمّلون أعباءً وجهوداً في سبيل الإسلام وإيران. كما أبارك لكلّ الشعوب التي تحيي النيروز وتحتفي وتحتفل به بهذه المناسبة.
لقد تصادف حلول السنة الجديدة في هذا العام مع مناسبتين فاطميّتين ومراسم ذكرى استشهاد سيّدة العالم الإسلامي العظمى الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء) سلام الله عليها). وهذا الاقتران يستدعي إن شاء الله، أن يتمكّن شعبنا من أن ينهل من بركات الأنوار الفاطميّة وأن يضع نفسه في معرض تعاليم هذه السيّدة العظيمة، ويتنوّر بأنوار الهداية الإلهيّة التي أُهديت لكلّ شعوب العالم بواسطة السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ينبغي أن يكون مرور الأعوام وتعاقب السنين المختلفة مدعاةً لنا للتجربة والبصيرة. وينبغي أن نستلهم الدروس من الماضي وننظر إلى المستقبل بعيون مفتّحة وقلوب واعية، ونتّخذ قراراتنا للمستقبل.
أسأل الله تعالى أن يمُنّ على كل الإيرانيّين الأعزّاء في هذا العام الجديد بالسلامة في أجسامهم، والبهجة في أرواحهم، والأمن في نفوسهم، والسكينة الروحيّة، والتقدّم، والرقيّ، والسعادة. وأتمنّى أن يجود الله سبحانه وتعالى على شبابنا بالنشاط والحيويّة، وعلى رجالنا ونسائنا بالهمّة والإرادة والعزيمة الراسخة والصائبة للسير في طرق المجد، وعلى أطفالنا بالسرور والصحّة، وعلى عوائلنا بالأمن والمحبّة والألفة. 
ما يترتب علينا هو النظر إلى الماضي لاستلهام العبر، والنظر إلى المستقبل من أجل التخطيط واتّخاذ القرارات. 

ينبغي أن نستلهم الدروس من الماضي وننظر إلى المستقبل بعيون مفتّحة وقلوب واعية، ونتّخذ قراراتنا للمستقبل.

العام الماضي، تم الإعلان على أنّه عام" الملحمة السياسيّة والملحمة الاقتصاديّة". وقد تحقّقت الملحمة السياسيّة والحمد لله على أحسن وجه في مختلف الميادين، سواء في الانتخابات، أو في المسيرات الكبرى، أو في مشاركة الشعب في الميادين المختلفة والأنشطة والجهود التي بذلها المسؤولون وأبناء الشعب على مدى أيام السنة. ولقد كانت السنة الماضية سنة تبادل الحكومات وتداول السلطة، وقد تمّ هذا الشيء بهدوء وبمنتهى الأمن في البلاد، وظهرت والحمد لله حلقة جديدة في السلسلة الطويلة لإدارة البلاد.
وفي مسألة الملحمة الاقتصاديّة لم يحدث الشيء الذي كان يجب أن يحدث والذي كان من المُرتجى حدوثه. بُذلت جهود مشكورة، لكنّ العمل الكبير الذي كان يجب أن يقع في مضمار الملحمة الاقتصاديّة لا يزال أمامنا، ومن واجبنا أن نصنع هذه الملحمة. الاقتصاد قضيّة أساسيّة ومهمّة لبلادنا ولشعبنا، وفي نهاية عام 1392 هـ.ش، تكوّنت والحمد لله بنية تحتيّة فكريّة ونظريّة للملحمة الاقتصاديّة. وأعلنت سياسات الاقتصاد المقاوم، والأرضيّة مهيّأة لبذل الجهود اللازمة في هذا المجال إن شاء الله.

في العام الماضي، تحقّقت الملحمة السياسيّة على أحسن وجه، أما الملحمة الاقتصاديّة فلم يحدث الشيء الذي كان يجب أن يحدث ولكن بُذلت جهود مشكورة.

أمّا بالنسبة للعام 1393 هـ.ش (2014- 2015 م)، فهناك قضيّتان يبدو لي أنّهما أهم من غيرهما. القضيّة الأولى هي الاقتصاد، والقضيّة الثانية هي الثقافة. ومن المتوقّع في كلا المجالين وفي كلا الساحتين بذل جهود مشتركة بين مسؤولي البلاد وجميع أبناء الشعب، لأن بناء الحياة والمستقبل لا يمكن تحقيقه من دون مشاركة الشعب. وبناء على ذلك، إضافةً إلى الإدارة التي يجب أن يقوم بها المسؤولون، فإنّ حضور الشعب ومشاركته في المجالين أمر ضروري ولازم سواء في المجال الاقتصادي أو في المجال الثقافي. فمن دون مشاركة الشعب لن تتقدّم الأمور إلى الأمام ولن يتحقّق المقصود. يمكن للناس بمختلف فئاتهم وتشكّلاتهم الشعبيّة، وبما لهم من إرادة وعزيمة وطنية راسخة، أن يقوموا بدورٍ خلاّق؛ كما أن المسؤولين يحتاجون أيضًا إلى دعم الشعب لكي يتقدّموا بالأمور إلى الأمام بصورة صحيحة، ويجب عليهم أيضًا بالتوكّل على الله تعالى، واستمداد التوفيق والتأييد الإلهيّ، وبمساعدة الناس، أن يردوا ساحة العمل بشكل جهادي، سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد الثقافي، وإن شاء لله سوف أقوم بتوضيح كلّ هذه الأمور في كلمتي التي سأوجهها للشعب الإيراني يوم الجمعة.

إنّ حضور الشعب ومشاركته في المجال الاقتصادي والثقافي، أمرٌ ضروري ولازم فمن دون ذلك لن تتقدّم الأمور إلى الأمام ولن يتحقّق المقصود.

من هنا أعتقد أنّ ما هو أمامنا في هذه السنة الجديدة هو اقتصادٌ يُراد له أن يزدهر بمساعدة المسؤولين والشعب، وثقافةٌ تستطيع بهمة المسؤولين والشعب تحديد اتّجاه المسيرة الكبيرة لبلادنا وشعبنا. لذلك فقد أطلقت على هذه السنة شعار واسم "الاقتصاد والثقافة بعزيمةٍ وطنيّة وإدارةٍ جهادية".
نتمنّى أن يمدّ الله تعالى يد عونه لكلّ واحد من أبناء الشعب والمسؤولين المحترمين ليستطيعوا النهوض بواجباتهم على هذا الصعيد، وأن يُرضي عنّا القلب المقدّس لولي العصر (أرواحنا فداه) ويُرضيَ عنّا الروح الطاهرة للإمام الخميني الجليل وأرواح الشهداء الأبرار.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.