إن قصّة فلسطين المکتظة بالغصص والحزن الممضّ لمظلومية هذا الشعب الصابر المثابر المقاوم، لتؤلم بحقٍ، أيّ إنسان تائق إلى الحرية والحق والعدالة، وتملأ قلبه بالأسى الکبير. إن تاريخ فلسطين زاخر بالمنعطفات والأحداث في ظل احتلالها الظالم وتشريد الملايين من أبنائها و المقاومة الباسلة التي سطرها هذا الشعب البطل. وإن بحثاً واعياً في التاريخ یبیّن أنه لم یواجه شعب من شعوب العالم في أيّ فترة من فترات التاريخ مثل هذه المحنة والمعاناة والممارسات الظالمة، بأن یتعرض بلد بأکمله للاحتلال بفعل مؤامرة تتجاوز حدود المنطقة، و یشرَّد شعب من دياره وأرضه، لتحِلّ محله جماعة أخرى تأتي من مناطق شتی من العالم، مما یشکل تجاهلا لوجود حقيقي مع إحلال وجود زائف محله. بيد أن هذه تمثل صفحة ملوثة من صفحات التاريخ التي ستطوى کغيرها من الصفحات الملوثة بإذن الله تعالى وعونه، فقد قال تعالی: «إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» وقال: «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ».

~الإمام الخامنئي ٢٠١٧/٢/٢١

 

ينبغي أن لا يُغفل على الإطلاق عن قضية فلسطين حتى للحظة واحدة، فهي قضية على جانب كبير جداً من الأهمية. اعتقادي هو أنّ ما شهدته فلسطين طوال هذه الأعوام السبعين أو الثمانين الأخيرة غير مسبوق على مدى التاريخ. ضمن حدود علمنا لا يوجد نظير له في أي مكان، لا في زماننا ولا في الأزمنة القريبة منا، ولا في أية حقبة من حقب التاريخ، لا أعرف أنَّ ما يشبه هذا الحدث قد وقع. 

فما هي هذه القضية؟ القضية هي أنهم صنعوا ثلاث أحداث (مصائب) لشعب ما (الشعب الفلسطيني). بداية اغتصبوا أرضه وبلاده، واحتلوها. في أماكن أخرى من العالم تم احتلال أراضي وبلدان من قبل الأجانب، وليس هذا أمراً غير مسبوق، ولكن إلى جانب هذا الاحتلال قاموا بتهجيرٍ جماعي؛ أي أن الملايين من (أبناء) الشعب الفلسطيني مُبعدون ومنفيون اليوم عن ديارهم وعن بيوتهم ومدنهم ومشردون وبعيدون ولا يُسمح لهم بالذهاب إليها. هذه هي (الحادثة) الثانية أي التهجير والتشريد المليوني الجماعي. و(الحادثة) الثالثة هي أن كلا هاتين الحادثتين ترافقتا مع قتل ومذابح جماعية، فقد قتلوا عدداً كبيراً من النساء والرجال والأطفال في المدن والقرى في بداية الأمر، قتلوهم بشكل جماعي وارتكبت في حقهم جريمة إنسانية عظمى. هذه هي القضية الفلسطينية. إنها حادثة احتلالٍ ونفيٍ وقتلٍ لشعب، ولا تستهدف إنساناً واحداً أو جماعة محدودة من الناس، بل تستهدف شعباً بأكمله. إنها قضيةٌ لا سابقة لها في التاريخ. نعم، حصلت حالات تهجير، وفي بعض الأحيان نقلوا جماعة من الناس من منطقة إلى منطقة أخرى في بعض البلدان، ولكن في ديارهم وفي بلادهم. أمَّا أن يقوموا بإخراج شعبٍ من بلده -منذ عشرات السنين والمجاميع الفلسطينية إمَّا هم أو آباؤهم طردوا من فلسطين ويعيشون في مخيمات- فما معنى هذا؟ مثل هذا الشيء لم يحصل في أي مكان من العالم. هذه القضية قضية استثنائية وظلم تاريخي لا نظير له. إنه بلا شك جور تاريخي لا نظير له، ومن واجبنا، أي إنه في الإسلام باجماع كل المذاهب الإسلامية، يجب في مثل هذه الحالات النزول إلى الساحة والدفاع، يجب أن يدافعوا بأي شكل متاح لهم. يجب بالتالي أن يتم هذا الشيء. 

وأعتقد أن هذه المجاهدة ضد الكيان الصهيوني سوف تؤتي نتيجتها، هذا ما نعتقده. أن نتصور أنه لم تعد هناك فائدة وأن الأمر قد فات فلا، ليس الأمر كذلك، حتى لو انقضت عشرات السنين، فسوف تتحقق النتيجة حتماً إن شاء الله وبإذن الله، كما أنَّ المقاومة تطورت لحد اليوم، المقاومة تطورت وتقدمت. لاحظوا أنَّ الصهاينة رفعوا ذات يوم شعار من النيل إلى الفرات، واليوم يبنون حول أنفسهم سوراً ليستطيعوا حماية أنفسهم هناك في أرض مغصوبة. إذن لقد تقدمت هذه المقاومة إلى الأمام، وسوف تتقدم بعد الآن أيضاً، وفلسطين مجموعةٌ واحدةٌ وبلدٌ واحدٌ وتاريخٌ واحدٌ، وفلسطين كما قيل مراراً من النهر إلى البحر، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، هذه هي فلسطين، والقدس هي عاصمة فلسطين هذه بلا شك، ولا يمكن المساس إطلاقاً بهذه الفكرة الأساسية وهذه الحقيقة.

~الإمام الخامنئي ٢٠١٨/١/١٦