جاء النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي على الشكل التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه الكريم: «هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» (2).

استحضار حالات العظمة والرفعة والعروج المعنوي للشخصيات الكبرى يبعث في القلوب السكينة والطمأنينة والثقة بالنفس. تَعتبر الآية الشريفة السكينة والطمأنينة في قلوب المسلمين ناجمةً عن الفتح والنصرة الإلهية، وترى أن الاستقرار والطمأنينة والسكينة القلبية سببٌ لتعزيز الإيمان وازدياده، والعدو يريد عكس وخلاف هذا [الشيء] للأمة الإسلامية ولمجتمعنا المؤمن المتوثب المتحرك.

إننا منذ ثلاثين عاماً نتحدث في مثل هذا اليوم عن الإمام الخميني الجليل، والإمام الخميني [قمةٌ] من القمم الشامخة، وسوف يبقى شعبنا وأمتنا على الدوام يتحدثون عنه رحمه الله، وهذا هو الجدير والمناسب؛ لأنَّ الإمام الخميني هو رمز الثورة ولن يصل هذا البلد إلى أهدافه وآماله الكبرى من دون المحرك القوي للثورة.

هذا التزامن بين ذكرى رحيل الإمام الخميني وأيام استشهاد الإمام أمير المؤمنين في هذه السنة يُعيد إلى الذهن حالات شبهٍ بين هذا التابع الصادق الحقيقي لأمير المؤمنين وذلك القائد الكبير السامي. ثمة مواطن شبه هي مبعث فخر الشعب الإيراني والأمة الإسلامية. والالتفات إلى مواطن الشبه هذه [أمرٌ] مهم ومفيد لتحديد الدرب الصحيح وكذلك للتعرف أكثر على إمامنا الخميني الجليل. لقد أعددت ثلاثة عناوين كلية لمواطن الشبه هذه سوف أقوم بطرحها.

جمع الإمام أمير المؤمنين (ع) في شخصيته بين خصوصيتين متضادتين في ظاهرهما إحداهما الصلابة والصمود والشدة والثانية اللطافة والنقاء والرقة.

أحد هذه العناوين هو أنَّ الإمام أمير المؤمنين جمع بين خصوصيتين متضادتين في ظاهرهما إحداهما الصلابة والصمود والشدة والثانية اللطافة والنقاء والرقة. لقد كانت هاتان الصفتان موجودتين في الإمام أمير المؤمنين بدرجاتهما القصوى وبمستوى الذروة والكمال. الصلابة والشدة مقابل أي فعل مناهض للحق؛ مقابل الظلم ومقابل الظالم ومقابل الانحراف عن طريق الله ومقابل الطغيان ومقابل الإغراءات والإغواء؛ في مقابل هذه الأمور يقف الإمام أمير المؤمنين بمنتهى الصلابة والقوة بما لم يُشَاهد له نظير لحد اليوم. وفي مقام ذكر الله ومناجاته من ناحية وفي تعامله مع المظلومين والمحرومين والضعفاء والمستضعفين من ناحية أخرى، كان يتصرف ويتعامل بمنتهى اللطف والرقة. [على سبيل المثال] تعامل الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) مقابل معاوية بتلك الصلابة، وقد أشاروا على الإمام أمير المؤمنين أن ينتظر لمدة من الزمن ولا يعزل معاوية عن ولاية الشام لكنه رفض. [وكذلك] صلابة الإمام أمير المؤمنين مقابل ذانك الصحابيين القديمين المحترمين وذوي السمعة الحسنة جداً عندما كان لهما بعض التوقعات وأرادا أشياء لم يكن لها وجه حقٍ في نظر الإمام أمير المؤمنين؛ حيث لم يرضخ لتوقعاتهم ومطالبهم وقاوم بكل صلابة وثبات. وفي مقابل الخوارج الذين كانوا يدَّعون الإسلام ووقفوا بوجه الإمام أمير المؤمنين الذي كان ميزاناً ومعياراً حقيقياً للإسلام، وقف الإمام أمير المؤمنين بوجههم وبوجه انحرافهم وانحراف فهمهم بمنتهى الصلابة والقوة. من ناحية يشاهد المرء مثل هذه الصلابة من قِبل هذا الإنسان السامي والولي الكبير من أولياء الله.

ولكن من ناحية أخرى نرى منه في مقابل الضعفاء والمستضعفين لطفاً ونقاءً وصفاءً يتحيَّر الإنسان منه. قصة ذهابه إلى بيت زوجة الشهيد ذات الأيتام ـ بشكل مجهول ومن دون أن تعرفه ـ وذهابه إلى التنور وإعداده الخبز لهم وتسليته للأطفال؛ قصةٌ معروفة وقد سمعتم بها، والإنسان ليحتار حقاً من كل هذا اللطف والرقة! أو في حادثة الهجوم على محافظة الأنبار في العراق حيث هجم أشرار جيش الشام وقتلوا والي أمير المؤمنين [على هذه المحافظة] وهجموا على بيوت الناس وقتلوا الأطفال وهددوا النساء، فقال الإمام أمير المؤمنين «فَلَو أنَّ امرَأً مُسلِماً ماتَ مِن بَعدِ هٰذا أسَفاً ما كانَ بِهِ مَلوماً» (3). لو مات الإنسان المسلم حين يسمع أن الأجانب هجموا على بيوت الناس الضعفاء العُزَّل وانتزعوا حلي ومجوهرات النساء، لو مات من ذلك أسفاً وحزناً لما كان بذلك ملوماً بل كان جديراً أن يموت كمداً. لاحظوا، يلاحِظُ المرء على أمير المؤمنين مثل هذه المشاعر العجيب المدهشة فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق الضعفاء! هاتان خصوصيتان متضادتان في الإمام أمير المؤمنين.

وتلاحظ هاتان الخصوصيتان بالضبط في إمامنا الخميني الراحل؛ فهناك من ناحية الصلابة والقوة والثبات والصمود مقابل الظالمين وبوجه المساوئ والسلبيات. حيث وقف كالصخرة الصلبة بوجه النظام البهلوي المنحط الطاغوتي الفاسد، ووقف مقابل أمريكا كالجبل، ومقابل التهديدات، ومقابل صدام المعتدي في الحرب المفروضة والدفاع الذي استمر ثمانية أعوام، وبوجه الفتن الداخلية، وحتى مقابل تلميذه وصاحبه القديم لأنه وجد أن سلوكه بخلاف الحق، وقف بلا أيَّة اعتبارات أو مجاملات، هذه هي صلابة الإمام.

من ناحية أخرى يلاحظ الإنسان رقة الإمام الخميني الجليل ولطافته. تصله رسالة من والدة شهيد، وقد نقلت له تلك الرسالة بنفسي عن والدة شهيد فامتلأت عيون ذلك الرجل الصلب بالدموع! إنه التأثر والرقة مقابل رسالة ولاء وتضحية وفداء من والدة شهيد، ودفاعه عن المستضعفين والحفاة وهو كثير في كلمات الإمام الخميني الجليل. هذا عنوان كلي من عناوين الشبه العجيب بين الإمام الخميني الجليل ومولى المتقين.

أما العنوان الثاني فقد كانت هناك حالة مدهشة في الإمام أمير المؤمنين، حيث اجتمعت فيه ثلاث خصوصيات غير متلائمة فيما بينها حسب الظاهر. فقد كان الإمام أمير المؤمنين إنساناً قوياً ومقتدراً وفي الوقت نفسه كان إنساناً مظلوماً، وكان مع ذلك المنتصر النهائي في الأحداث المختلفة. هذه الخصوصيات الثلاث مشهودة في الإمام أمير المؤمنين وفي أحوال الإمام الخميني الجليل.

إذا أردنا فهم قوة أمير المؤمنين واقتداره بصورة صحيحة فيجب أن ننظر للمساحة الواسعة للمنطقة التي كان يحكمها أمير المؤمنين، وذلك البلد العظيم الكبير الذي كان تحت إدارة أمير المؤمنين، من أقصى شرق أفغانستان الحالية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ومصر ـ كلُّ هذه المنطقة الواسعة ـ كانت تدار من قِبَل أمير المؤمنين، بمنتهى القدرة والمتانة. إرادته الفولاذية وشجاعته وفنونه العسكرية ولسانه القوي ومنطقه الجذاب ـ حيث كلمات أمير المؤمنين وخطبه الحماسية الطافحة بالحكمة لا تزال إلى اليوم دروساً نورانية لقلوب كل الناس ـ كلها علامات اقتدار. ذراعه القوية وفكره القوي وإرادته القوية وإدارته القوية ولسانه القوي، كلها مكونات إنسان قوي مقتدر.

ومع ذلك فإنَّ هذا الإنسان القوي إنسانٌ مظلوم. ويتسنى ملاحظة علامات هذه المظلومية في سلوك أعدائه، وفي سلوك حُسَّاده، وفي التهم الدنيئة التي وجهها له عملاء أعدائه في زمن حياته، وفي الخواص الطامعين في الدنيا حيث انفصل عنه بعض المقربين إليه والخواص بسبب طمعهم في الدنيا. هذه علامات ومؤشرات مظلومية هذا الإنسان العظيم. هذه الضغوط التي مورست من جهات مختلفة على هذا الإنسان الكبير كانت إلى درجة أن هذا الإنسان الصبور القوي الواسع الصدر ذا القلب الكبير بكِبر البحار، كما هو معروف، كان يبثُّ همومه لبئر الماء ويتحدث معه. هذا دليل مظلومية الإمام علي بن أبي طالب. وبعد رحيله واستشهاده وإلى سنين طويلة بقي أعداؤه المتربعون على عرش السلطة والحكم، بقوا يهينونه على المنابر في كل أنحاء البلد الإسلامي الواسع، ويسيئون القول له وهو الذي كان مثالاً للتقوى والعدل والإنصاف.

ومع ذلك عندما ينظر المرء إلى مُجمل هذه الأمور والأحداث يرى أنَّ المنتصر النهائي في هذه المعركة الطويلة هو أمير المؤمنين. لاحظوا أنتم اليوم اسم أمير المؤمنين وشخصيته أين هي في آفاق الإنسانية العظيمة وفي التاريخ البشري؟ إنها في الذروة ولا ذِكر لأعدائه. كتابه نهج البلاغة درسٌ للناس العظماء. سيرته أبرز وأبهى سيرة إنسانٍ بعد نبي الإسلام المكرم، وعدالته وعبادته وشخصيته العظيمة بارزة مشرقة في العالم اليوم. سبيله انتصر على سبيل أعدائه، وكان هو المنتصر النهائي.

كان الإمام الخميني الجليل إنساناً قوياً مقتدراً، إنساناً استطاع إسقاط الحكم الطاغوتي الدكتاتوري الوراثي بعد ألفي سنة في بلد كبير واسع كإيران.

وهذه الخصوصيات الثلاث نفسها اجتمعت أيضاً في إمامنا الخميني الجليل الراحل. كان الإمام الخميني الجليل إنساناً قوياً مقتدراً، إنساناً استطاع إسقاط الحكم الطاغوتي الدكتاتوري الوراثي بعد ألفي سنة في بلد كبير واسع [كإيران]. وهذا شيء يستدعي الكثير من القدرة والقوة، فهو دليل على القوة الاستثنائية للإمام الخميني الكبير. كما أنه استطاع دحر وهزيمة أمريكا التي كان لها مصالح حيوية هنا وأن يفرض عليها التراجع، وأن يحبط المؤامرات، وأن يفرض الفشل والإخفاق على المخططين للحرب المفروضة. الذين خططوا للحرب المفروضة كان غرضهم القضاء على الثورة واستئصال النظام الإسلامي، فصنع الإمام الخميني الجليل من هذا التهديد فرصة، وهذه دلائل على قوته واقتداره وقدرته.

ومع ذلك فقد كان الإمام الخميني الكبير مظلوماً بسبب الدعايات والإعلام الواسع الذي بثَّه الأعداء ضده، فقد كان هناك إعلام مستمر يبثُّ الإهانات ضده في زمن حياته، واستمر لفترات طويلة بعد رحيله. كما صدرت سلوكيات عن أشخاص لم يكن المتوقع منهم صدور هذه السلوكيات عنهم تجاه الإمام الخميني الجليل مما شكَّل مظلومية للإمام الخميني، ويمكن للمرء أن يلاحظ آلام الإمام الخميني ولوعته في ثنايات كلامه الصلب المتين في مجمل كلماته وخطبه مما يدلُّ على أن هذا الرجل الكبير كان يعيش كثيراً من الهموم. هكذا كانت مظلوميته.

والنقطة التالية هي الانتصار النهائي للإمام الخميني الكبير، ذلك الاقتدار، وتلك المظلومية، وذلك الانتصار. لقد انتصر الإمام الخميني الجليل في نهاية المطاف كما انتصر أمير المؤمنين. وقد كان انتصاره ماثلاً في قوة ورصانة النظام الإسلامي وبقائه ورشده وتنميته وتقدمه. لقد تحققت الكثير من آمال الإمام الخميني بعد رحيله، فالثقة بالذات في البلاد، والاكتفاء الذاتي للبلاد، والتقدم العلمي والتقني للبلاد، والتقدم السياسي للبلاد، واتساع رقعة نفوذ الجمهورية الإسلامية في منطقة واسعة من غرب آسيا وشمال إفريقيا، هذه كلها دلائل ومؤشرات حدثت ووقعت ومثَّلت انتصاراً لخطاب الإمام الخميني ودربه ومنهجه. لقد تحققت الكثير من هذه الآمال وسوف تتحقق الكثير من الآمال والأهداف الأخرى للإمام الخميني بإذن الله، وسوف تزداد الجمهورية الإسلامية التي أسسها إمامنا الخميني العظيم علواً ورفعة وعظمة يوماً بعد يوم، وهذا ما يجعل الأعداء غاضبين متخبطين. أعزائي، أيها الشباب الأعزاء، أيها الشعب الإيراني الكبير، التحركات التي تشاهدونها من العدو [اليوم] مؤشرٌ على تخبطه وحيرته واضطرابه وانهيار أعصابه وليست دليلاً على اقتداره. ما يصدر عن العدو ضد الجمهورية الإسلامية اليوم لا يعود لاقتداره وقوته بل لأنه غاضب منفعل متخبط من عظمة الجمهورية الإسلامية و من صمود الشعب الإيراني. هذه التحركات ناجمة عن هذا الشيء.

أما العنوان الثالث فهو علامات وصفات أعداء الإمام أمير المؤمنين، وهذا بدوره شيء فيه دروس وعِبَر. لاحظوا الجبهة المقابلة لأمير المؤمنين والمعروفة في التاريخ: القاسطين، والناكثين، والمارقين. القاسطون هم الأعداء الأساسيون لحكومة أمير المؤمنين. والناكثون هم رفاقه ضعفاء ورديئو المعدن الذين نكثوا بيعتهم له طمعاً في زخارف الدنيا وجرياً وراء أهوائهم النفسية والأدران الدنيوية. والمارقون هم ذوو الفهم المعوج والجهلاء الذين تصوروا أنهم يتَّبعون الإسلام والقرآن فوقفوا بوجه القرآن المجسَّم [القرآن الناطق] أي الإمام علي بن أبي طالب. هذه هي الجبهة التي كانت مقابل أمير المؤمنين. القاسطون هم الأعداء الأساسيون الذين عارضوا أساس حكومة أمير المؤمنين، وقد أثبت التاريخ بعد ذلك ما البديل الذي يمكن أن يُقدِّموه لحكومة أمير المؤمنين: أمثال الحجاج بن يوسف، وعبيد الله بن زياد، ويوسف بن عمر الثقفي، والذين كانوا أشخاصاً نصَّبهم القاسطون – أولئك الأعداء الأساسيون - كبديلٍ لحكومة العدل العلوية. وكان المطالبون بالحِصص واللاهثون وراء الدنيا قد عارضوه بشكل وأصحاب المفاهيم والأفكار المنحرفة بشكلٍ آخر. طبعاً كان الفهم المنحرف ميِّزة المارقين، ومن المحتمل أنَّ رؤساءهم كانوا من المتآمرين والمتواطئين مع الأعداء، وهذا ما يقوله التاريخ ويدّعيه حول الخوارج.

وقد كانت هذه الجبهات الثلاث موجودة مقابل الإمام الخميني الكبير أيضاً؛ أي أنَّ جبهة معارضي الإمام الراحل تشكَّلت هي الأخرى من هذه المكونات الثلاثة. أمريكا والكيان الصهيوني والتابعون لهما في الداخل هم القاسطون الذين وقفوا بوجه الإمام الخميني الجليل. هؤلاء كانوا أطرافاً تعارض أصل حكومة الجمهورية الإسلامية والنظام الإسلامي وسيادة إنسان مثل الإمام الخميني الجليل. هؤلاء أيضاً كانوا ولا زالوا يبحثون عن بديل لهذه الحكومة. وبدائلهم هم أمثال الحجاج بن يوسف المعاصرون. هؤلاء أيضاً واضح أيُّ أناسٍ هم ومن هم. وثمة في جبهة معارضي الإمام الخميني ناكثون لبيعتهم وهم الرفاق المتزلزون غير المتحزمين بقوة. الويل من الرفاق ضعاف النفوس الذين لم يستطيعوا المقاومة أمام الرغائب الدنيوية! بدَّلوا مضمار التسابق إلى الخيرات إلى ساحة حرب من أجل السلطة وللحصول على حطام الدنيا! وقد كان بين هؤلاء كل صنوف الأشخاص. وفي زمن أمير المؤمنين كان بينهم أمثال طلحة والزبير وشخصيات صغيرة في جموع الناكثين. وفي زمن الإمام الخميني أيضاً كانت هذه هي الحال حيث وقف رحمه الله في مواجهة هذه الجبهة الواسعة المتنوعة. والمارقون ـ الجهلاء غير الواعين ـ هم الذين وقفوا بوجه إمامنا الخميني الجليل ولم يدركوا ظروف البلاد وأوضاع الثورة وموقع الشعب الإيراني ووضعه وحاله، ولم يدركوا اصطفافات الأعداء وجبهاتهم ولم يدركوا أساليب الأعداء في ممارستهم لعدائهم، وانشغلوا بأشياء صغيرة ولم يستطيعوا تشخيص عظمة مسيرة الإمام الخميني. وإذا أردنا ملاحظة نماذج لذلك في زماننا هذا لكانوا جماعات من أمثال داعش وما شاكل، وفي بداية الثورة كانت هناك جماعات من قبيل المنافقين الذين كان رؤساؤهم خونة والتابعون لهم ـ الطبقات الدنيا ـ جهلاء ومخدوعين.

وهذه الفئات الثلاث وعداؤها ليس مختصاً بزمن الإمام الخميني، إنما استمرت واستمر عداؤها بعد الإمام أيضاً. واليوم أيضاً تصطف هذه الفئات الثلاث مقابل النظام الإسلامي و[مقابل] التراث الضخم للإمام الخميني وهو الجمهورية الإسلامية، والذي يمنع تطاولهم هو كفاح الجمهورية الإسلامية ومقاومتها وثباتها ضدهم. وبالطبع فإن هذه الجبهة المتنوعة المختلطة تحاول بكل قواها ممارسة الإخلال والعرقلة ضد الجمهورية الإسلامية وتخلق مشكلات وتزيد من صعوبة حركة الشعب الإيراني وتبطئ مسيرته لكنها لا تستطيع الحؤول دون تقدم الشعب الإيراني.

نشكر الله على أننا نعيش في عهد شهدنا فيه إنساناً عظيماً له مواطن الشبه هذه مع مولى المتقين وقائد الأحرار في التاريخ أمير المؤمنين، واستطاع أن يترك حصيلة عظمته هذه للشعب الإيراني.

حسنٌ، القلوب الآن جاهزة والأذهان مستعدة، فكيف واجه الإمام الخميني (رضوان الله عليه) هذا الوضع؟ كيف كان نموذج الإمام [العملي]؟ أشير إلى هذا الجانب باختصار شديد، فهي دروس لنا. أذكر عدة خصوصيات [من خصائص] النموذج العملي [لتعامل] الإمام الخميني الجليل مع هذا الوضع.

أولاً: كان للإمام الخميني في مواجهته لهؤلاء الأعداء وحالات عدائهم هذه تعامله الشجاع والفعَّال، ولم يكن يتعامل بطريقة ضعيفة ومنفعلة. لم ينفعل الإمام الخميني إطلاقاً ولم يشعر بالضعف ولم يبد ضعفاً، ووقف مقتدراً نشطاً فعَّالاً أمام الأعداء.

ثانياً: كان الإمام الخميني يجتنب الهياج، فلم يكن يُصب بالهياج مقابل الأحداث ولم يكن يعتمد على المشاعر الخالية من العقلانية. قرارات الإمام الخميني كانت قرارات شجاعة مرفقة بالمشاعر القوية لكنها قائمة على حسابات عقلانية.

كان الإمام الخميني يعتبر الشعب الإيراني شعباً كبيراً واعياً قديراً، وكان يثق به ويعتمد عليه ويحسن الظن به، وخصوصاً بالشباب.

ثالثاً: كان الإمام الخميني يراعي الأولويات ويركِّز عليها. خذوا مثلاً في مرحلة الكفاح والنضال كانت أولوية الإمام الخميني مواجهة النظام الملكي فلم يكن يشرك الأمور الهامشية في ساحة العمل. وخلال فترة الحرب المفروضة كانت الحرب هي أولوية الإمام الخميني، وقد قال مراراً إنَّ الحرب والدفاع المقدس على رأس الأمور (4)، وقد كان هذا هو الواقع. كان يُركِّز على قضية تتمتع بالأولوية ولا يسمح للأمور الهامشية والجانبية بالدخول إلى ساحة اهتماماته. في بداية الثورة ـ في الأيام الأولى والأسابيع الأولى بعد انتصار الثورة ـ كان المرء يلاحظ بدهشة أنَّ سلوك الإمام الخميني كان مُنصبَّاً على دستور البلاد وتأسيس النظام والترتيبات القانونية وما شابه. أي إنه كان يركز على هذه النقطة.

رابعاً: الاعتماد على قدرات الشعب، فقد كان الإمام الخميني يعتبر الشعب الإيراني شعباً كبيراً واعياً قديراً، وكان يثق به ويعتمد عليه ويحسن الظن به، وخصوصاً بالشباب. لاحظوا كم هناك حسن ظن بالشعب في كلمات الإمام الخميني، وكم هناك حسن ظن بالشباب.

خامساً: عدم الثقة بالعدو، فلم يثق حتى للحظة واحدة بالعدو طوال عشرة أعوام من تواجده المبارك على رأس النظام الإسلامي. كان سيئ الظن باقتراحات العدو، وكان عديم الاكتراث لما يتظاهر به الأعداء. كان يعتقد أنَّ العدو عدوٌ بالمعنى الواقعي للكلمة ولم يكن يثق به.

سادساً: الاهتمام بتلاحم الشعب واتحاده، وهذه أيضاً من خصوصيات النموذج العملي للإمام الخميني مقابل حالات العداء. أيُّ شيء يقسِّم الشعب إلى فئتين وقطبين كان مرفوضاً في نظر الإمام الخميني.

سابعاً: الإيمان والاعتقاد الراسخ بالنصرة الإلهية وبالوعد الإلهي، وهذه أيضاً من النقاط الأساسية. كان اعتماد الإمام الخميني [منعقداً] على النصر الإلهي. كان يبذل كل سعيه ويحضر في الساحة بكل وجوده وكيانه وطاقاته، لكن أمله منعقدٌ على النصرة الإلهية والقدرة الإلهية واعتماده على القوة الإلهية. كان الإمام الخميني يعتقد اعتقاداً حقيقياً بإحدى الحسنيين ـ ما لنا إلا إحدى الحسنيين ـ (5) وكان يؤمن أننا إذا كنا ننجز العمل لله فإنَّ أبواب الضرر والخسران مغلقة. إذا كان العمل في سبيل الله ومن أجل الله فلن يعود على الإنسان أيُّ ضرر، فإمَّا أن نتقدم وننجح وحتى لو لم نتقدم نكون قد أدينا الواجب الملقى على عاتقنا ونكون بذلك مرفوعي الرأس أمام الله.

وأقولها لكم أيها الإخوة الأعزاء وأيتها الأخوات العزيزات ويا شعب إيران العظيم! لقد تابعنا بعد الإمام الخميني طريق الإمام نفسه بمنتهى الدقة، وسوف نتابعه بعد الآن أيضاً إن شاء الله: فلن نرضح للانفعال والضعف وسنقف بحول الله وقوته أمام جشع الأجانب والأعداء وتعسفهم، ولا نتخذ قراراتنا بهياج وعواطف، ولا نهتم للهوامش التي يخلقونها لنا بدل الاهتمام بالأمور الأصلية ولا ندخل ولا ننشغل بأمور جانبية، ونشخِّص بتوفيق وهداية من الله أولوياتنا، ونعتمد بعون الله على شعبنا وقدراته وعلى شبابنا الأعزاء، ولا نعتمد على العدو ولا نثق به مطلقاً، ونحذِّر شعبنا العزيز من الانقسام والقطبية، ونحن واثقون من النصرة الإلهية. ليس لدينا شكٌّ في أنَّ الشعب الإيراني بهذه الدوافع والمحفزات وبهذه المشاعر التي يسير بها اليوم وبهذا الإيمان والأمل سوف ينتصر قطعاً بتوفيق من الله وبحول منه وقوة.

كما أننا نعرف خطة العدو، نعلم تماماً ما هي خطة العدو ونكشف للشعب هذه الخطة، وبالطبع فإنَّ شعبنا العزيز يعلم بنفسه الكثير من الأمور ويفهمها ويشعر بها. إن خطة العدو اليوم تتكون من هذه الأمور الثلاثة: الضغوط الاقتصادية، والضغوط النفسية، والضغوط العملية. والهدف من أنواع الضغوط الثلاثة التي يمارسها العدو هو السيطرة على بلدنا العزيز إيران، كما يسيطرون ويتسلطون على بعض البلدان التعيسة المخزية في المنطقة.

الهدف من الضغوط الاقتصادية والنفسية والعملية التي يمارسها العدو هو السيطرة على إيران كما يسيطرون على بعض البلدان التعيسة والمخزية في المنطقة.

الضغط الاقتصادي هو الحظر والحيلولة دون تعاون البلدان معنا في المجالات الاقتصادية، لذلك يمارسون هذه الضغوط. والنتيجة التي يريدون الوصول إليها من هذه الضغوط الاقتصادية، وتنبهوا إلى هذه النقطة جيداً، الغاية التي يريدونها من الضغوط الاقتصادية والحظر ليست مجرد الضغط على جهاز الدولة والحكومة، بل يريدون لصبر الشعب الإيراني أن ينفد حسب أوهامهم. يقولون لنجعل الشعب الإيراني يجزع ويمل ليضطر النظام الإسلامي للاستسلام لتعسفاتنا. هذا هو هدفهم. لم يعرفوا الشعب ولا النظام. الضغط الاقتصادي يصبٌّ في هذا الهدف، وسوف يبقى هذا الهدف مخفقاً بالكامل إن شاء الله؛ بتوفيقٍ من الله وبفضلٍ منه وبسعي المسؤولين وهمم الشعب.

وأما الضغوط النفسية، وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. إنهم يستهدفون نقاط قوة الجمهورية الإسلامية ونقاط القوة التي تعدُّ للبلاد وللشعب مبعث اقتدار وقوة، فيطرحونها في إعلامهم وتعاملاتهم كنقاط تحد، من أجل أن يثبطوا معنويات الشعب الإيراني اتجاهها.

لنفترض التقدم في المجال النووي. التقدم النووي كان ولا يزال فخر التقنية في البلاد. التقدم النووي مبعث فخر التقنية والعلوم التقنية في البلاد، وهو الذي دلّ على مواهب وقدرات شبابنا؛ إنه ليس بالشيء القليل. ربما تتذكرون اليوم الذي كنا فيه بحاجة لليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمائة لعلاج الأمراض. وكان مخزوننا من العشرين بالمائة في طريقه للنفاد ويجب أن نحصل عليه، فمن أين نحصل عليه؟ يجب أن نحصل عليه من البلدان الأجنبية مثل أمريكا وأوروبا التي وضعت أنواع وأشكال العقبات والإشكالات في طريقنا ووضعت شتى صنوف الشروط والموانع في طريقنا لأنهم علموا أننا بحاجة إلى هذا الشيء. عندما يحتاج الشعب إلى شيء ما حاجة حيوية فهو مضطر لقبول شروط البائع وما يفرضه. وأرادوا أن ينتهزوا هذه الفرصة فراحوا يضعون الشروط لنا تلو الشروط. لمدة أشهر وربما لمدة سنة كاملة كانت هناك حوارات وذهاب وإياب وكلام مستمر، ولم يكونوا يتراجعون بل يكررون توقعاتهم. لكن الجمهورية الإسلامية وثقت بشبابها وطلبت منهم هذا الشيء. فعكف شبابنا وشمَّروا عن سواعدهم واستطاعوا - مقابل أنظارهم [الغرب] المذهولة - إنتاج اليورانيوم المخصَّب بنسبة عشرين بالمائة في الداخل، ومن دون أن يكون أمامهم نموذج يحتذونه من الخارج! مما أصابهم [الدول الغربية] بالحيرة والدهشة. هكذا هي القضية. قدرة العمل والحراك العلمي والتقني لدى متخصصينا وعلمائنا وشبابنا ـ ولا يزال هؤلاء العلماء والشباب موجودين في البلاد ـ أدت إلى غضب العدو وتحطيم أعصابه. هذه نقطة قوة كبيرة جداً للبلاد، فهي مبعث سمعة واعتبار وهي من الناحية العملية سبب تقدم للبلاد. هذه النقطة التي هي نقطة قوة وطنية عمدوا في إعلامهم المكثف المتراكم إلى تبديلها في أذهان البعض إلى نقطة تحدِّ ونقطة ضعف، فقالوا إن قضية البلاد النووية تقف خلف ما يمارسه الأعداء من توتر وتحد وضغوط [علينا]، فما هي فائدتها لنا؟ بدَّلوا نقطة القوة إلى نقطة تحد من أجل أن يسلبوا نقطة القوة هذه. هذه إحدى ممارساتهم النفسية. إنها عملية نفسية جذرية ومهمة جداً أن يجعلوا شعباً سيئ الظن بمنجزاته الكبرى.

صناعة الصواريخ المتنوعة والاقتدار الصاروخي من شأنه توفير الأمن للبلاد.

ومثال آخر نسوقه من قضية الصواريخ. صناعة الصواريخ المتنوعة والاقتدار الصاروخي من شأنه توفير الأمن للبلاد. شبابنا لا يتذكرون، لكن طهران هذه كانت تحترق تحت نيران صواريخ العدو التي يطلقها ليلاً ونهاراً! كانت البيوت تتهدم والناس يقتلون في مدينة طهران! فضلاً عن المدن القريبة من الجبهة مثل دزفول والأهواز وشوش وباقي المدن. لقد كانت صواريخ العدو تصل للمدن البعيدة حتى! ولم يكن لدينا صواريخ ولم تكن لدينا وسيلة دفاعية وكنا مضطرين أن نضع يداً على يد ونتفرج! وقد استطاع شبابنا اليوم أن يصيروا القوة الصاروخية الأولى في المنطقة. والعدو يعلم أنه إذا ضرب واحدة فسيتلقى عشرة. إذن، فالصواريخ سبب أمن ونقطة قوة. لاحظوا، العدو يركز على قضية الصواريخ، وثمة أشخاص في الداخل للأسف يضمون أصواتهم لصوت العدو فيقولون: «وما فائدة ذلك يا سيدي؟»

من نقاط قوتنا الأخرى قضية مطالبة الجمهورية الإسلامية بالعدالة الدولية. وهذه الحالة مبعث سمعة حسنة للجمهورية الإسلامية. أن تناصر الجمهورية الإسلامية الشعوب المظلومة فهذا سبب سمعة حسنة لها. وأن تناصر الشعب الفلسطيني فهذا مبعث ماء وجه لها. لقد عززت الجمهورية الإسلامية قوى المقاومة مقابل الكيان الصهيوني في المنطقة. لقد أوجدوا عوامل مضرة ومضايقة ـ باسم داعش وجبهة النصرة وما شاكل ـ في العراق وسوريا، فدعمت الجمهورية الإسلامية قوى المقاومة في المنطقة وساندتها؛ وهذا الأمر مطالبة بالعدالة وهو دفاع عن الشعب الفلسطيني وهو دفاع عن استقلال بلدان المنطقة ودفاع عن وحدة أراضي البلدان. هذه نقطة قوة. ويحاولون أن يطرحوا نقطة القوة هذه كتدخل من قِبَل الجمهورية الإسلامية ويحولونها إلى قضية تحد ويشددون عليها. هذا هو وضعنا مع العدو اليوم. وعملاؤهم في الداخل يعملون أيضاً للأسف، وذات يوم رفعوا في شوارع طهران بمناسبة يوم القدس الذي هو يوم الدفاع عن فلسطين، شعار «لا غزة، لا لبنان». الذين يساعدون العدو في الداخل على حربه النفسية موجودات سيئة وحقيرة، وهذا مبعث خزي.

واليوم يحاول البعض أن يفرضوا على البلاد شكلاً معيباً من الاتفاق النووي. تسعى الحكومات الأجنبية والبعض في الداخل يبلغون ويروجون بأنه إذا لم يحصل هذا فستنشب حرب، لا يا سيدي، هذا كذب، هذه الدعاية لصالح العدو. هدف العدو معلوم. يريد العدو أن نغضَّ الطرف عن نقاط قوتنا وعن عناصر اقتدارنا الوطني ليستطيع بسهولة أكبر التسلط على بلادنا وشعبنا ومصيرنا ومستقبلنا. إنهم يفكرون بمثل هذا الشيء والشعب صامد مقابل هذه التحركات. هذا ضغط نفسي.

وأما الضغوط العملية فأقول عن هذا الجانب شيئاً واحداً فقط لكل شعبنا العزيز في كل أنحاء البلاد. ضغوطهم العملية عبارة عن إشعال اضطرابات في البلاد. هذه هي خطتهم القطعية وبالطبع فإن رؤوسهم ستصطدم بصخرة الواقع، كما اصطدمت لحد الآن. خطة العدو أن يسيئوا استغلال المطالبات الشعبية. قد تكون للبعض مطالب معينة في مدينة أو في منطقة من البلاد فيتجمعون ويتابعون مطالبهم، كأن يكونوا عمالاً مثلاً لهم مطالبهم العمالية أو أهالي مدينة من المدن لهم مطالبهم. في مثل هذه الحالات يرسم العدو خططه فيدخل عملاءه المندسين وفي الواقع يدخل أشراراً وأناساً خبثاء بعدد محدود في هذه التجمعات ليبدِّل تجمعات الناس الهادئة إلى تحركات مناهضة للأمن وأعمال شغب وتوتر ليسيئ بهذه الطريقة إلى سمعة البلاد والشعب ونظام الجمهورية الإسلامية. ليتنبه الشعب في كل أنحاء البلاد إلى هذه النقطة. هذه هي خطة العدو ونحن على علم بها. اجتمعوا وخططوا لهذه العملية، وطبعاً باعتقادي بل باعتقادي الراسخ أن سهمهم سيطيش [سيخطئ هدفه] وأن شعبنا العزيز سيقف بكل قوة وشهامة ووعي بوجه مخططاتهم. وأنا أوصي أن يحافظ شعبنا العزيز على وعيه ويقظته كما حافظ عليها لحد الآن.

تواجد الشعب في الساحة مهم جداً. ويوم القدس قريب. يوم الجمعة يوم القدس. وسوف يرى العالم تواجد الشعب في يوم القدس. بتوفيق من الله سوف يقام يوم القدس هذا العام مع أن الناس صيام والجو حار بشكل أقوى وأكثر حماساً من أيام القدس في السنين الماضية وسيحضر الناس وهم صيام مثل كل أيام القدس الأخرى.

الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية لن يتحملوا أن يكون الحظر قائماً وتكون القيود النووية والحبس النووي قائماً أيضاً، هذا ما لن يكون.

ذكرت اسم الاتفاق النووي، ولأذكر نقطة قصيرة حول هذا الاتفاق. يبدو من بعض كلام بعض الحكومات الأوروبية أنهم يتوقعون أن يتحمل الشعب الإيراني الحظر ويكابد الحظر ويتخلى مع ذلك عن أنشطته النووية التي هي حاجة أكيدة لمستقبل البلاد، ويواصلوا هذه القيود التي فرضوها عليه. وأنا أقول لهذه الحكومات ليعلموا أن أضغاث الأحلام هذه لن تتحقق، والشعب الإيراني والحكومة الإيرانية لن يتحملوا أن يكون الحظر قائماً وتكون القيود النووية والحبس النووي قائماً أيضاً، هذا ما لن يكون. من واجب منظمة الطاقة النووية أن تعد بسرعة المقدمات والاستعدادات اللازمة للوصول إلى 190 ألف سو (6) في إطار الاتفاق النووي الحالي وأن يبدأوا من الغد بعض المقدمات الأخرى التي أصدر أمرها رئيس الجمهورية المحترم. وأريد أن أخاطب الشباب العرب ببضع جملات في حضوركم:

 وأحبّ أن أخاطب الشّباب الغيارى العرب في خاتمة حديثي هذا؛ و أقول لهم: إنّ شعوبكم اليوم تعقد الأمل عليكم، أنتم أيها الشّباب! أعدّوا أنفسكم لغدٍ تنعم فيه بلدانكم بالحرّية والتّقدّم والاستقلال. الخضوع للهيمنة الأمريكية، عدم اتّخاذ موقف حازم وحاسم من العدوّ الصّهيونيّ الغاصب، المواقف العدائية من الإخوة، والتّزلّف للأعداء، كلّ ذلك قد جعل من بعض الحكومات العربية عدوّة لشعوبها. وأنتم أيها الشّباب تتحمّلون مسؤولية إلغاء هذه المعادلة الباطلة.

 أدعوكم أيها الأعزّة إلى أن تكونوا مفعمين بالأمل والابتكار والعمل وبناء شخصياتكم. اهتمّوا ببناء شخصياتكم. المستقبل يكون لكم إن كنتم أنتم الّذين يبنونه اليوم. إن بنيتم المستقبل فتنعّمه سيعود عليكم. لا تهابوا هيمنة عالم الكفر، وثقوا بوعد الله عزّ وجلّ وهذا قوله سبحانه وتعالى يقرّر بكلّ صراحة ووضوح: «أم يريدونَ كيدًا فَالَّذينَ كفَروا هُمُ المَكيدون» (7). يوم الجمعة هو يوم القدس، والدّفاع فيه عن الشّعب الفلسطينيّ المقاوم والمجاهد والمضحّي خطوة رحبة على هذا الطّريق. ادعو الله تعالى لكم ولتوفيقكم ولبقاء صمودكم في هذا الطّريق الواضح.

والسّلام عليكم و رحمة ‌الله وبركاته.

 

الهوامش:

  1. أقيمت هذه المراسم في يوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك إلى جوار المرقد الطاهر للإمام الخميني (رحمه الله).
  2. سورة الفتح، الآية 4.
  3. نهج البلاغة، الخطبة رقم 27.
  4. من ذلك كلمة الإمام الخميني في أعضاء مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 24/01/1983 م، صحيفة الإمام، ج 17، ص 254.
  5. اقتباساً من القرآن الكريم، سورة التوبة، الآية 52.
  6. واحدة لقياس الطاقة النووية.
  7. سورة الطور، الآية 42.