جاءت كلمة الإمام الخامنئي خلال هذا المراسم كما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين.

إنني مسرور جداً وأشكر الله على أن منَّ بتوفيقه مرة أخرى للحضور بين هذه الجماعة النورانية الباعثة على الأمل وفي هذا المركز الحساس والمهم جداً. هذا الساحة وهذا الجيل وهذه الجماعة الشابة أحد تجليات ومظاهر حيوية وحياة بلادنا العزيزة. إنَّ حياة أي شعب وحيويته ونشاطه منوط أساساً بأن يُعزز في داخله مكونات وعناصر القدرة، وأن ينتفع ويستفيد منها في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. ما يُشاهَد في هذه الساحة اليوم نموذج لهذا المبدأ العام.

يجب أن أقدم إيضاحاً في هذا الخصوص، ولكن قبل هذا الإيضاح أشير إلى آية قرآنية لكم أيها الشباب الأعزاء. وهذه الآية الشريفة في سورة آل عمران، وهي واحدة من الآيات المختصة بالأعداء المعاندين للإسلام وللمجتمع الإسلامي. هناك عدة آيات حول الأعداء المعاندين الطافحين بالبغضاء والأحقاد ضد الإسلام والمسلمين والرسول. «قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أفواهِهِم وَما تُخفي صُدورُهُم أكبَرُ» (2). بعد أن يذكر هذه الصفات لهؤلاء الأعداء ـ صفات هؤلاء الأعداء تنطبق على صفات الأعداء الذين يعادونكم اليوم ويعادون الشعب الإيراني المسلم ويعادون إيران الإسلامية، وهم حقاً «قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أفواهِهِم وَما تُخفي صُدورُهُم أكبَرُ» أو «إن تُصِبك حَسَنَةٌ تَسُؤهُم» (3). إذا أحرزتم مفخرة ونجاحاً فإنهم ينزعجون بشدة ـ وبعد هذه الآيات يقول القرآن في النهاية ما يلي «وَإن تَصبِروا وَ تَتَّقوا لا يضُرُّكم كيدُهُم شَيئًا» (4). هذا قانون، إنه قانون الخِلقة. الصبر والتقوى يجعلان هذا العدو المعاند [الأشبه] بأسطوانة قبيحة من الحقد والبغضاء، على الرغم من كل قدراته التي وفرها لنفسه، يجعلانه لا يستطيع ارتكاب أية حماقة في مواجهتكم. «لَا يضُرُّكم كيدُهُم شَيئًا»؛ أي لا يستطيعون إصابتكم بأي ضرر، ولكن بأي شرط؟ بشرط الصبر والتقوى. هذا ما أريد أن أقوله لكم اليوم في هذا الساحة الزاخرة بالمعاني والدلالات؛ لكم أيها الشباب الأعزاء وأنتم بحق نور عيون هذا الشعب. وهذا الدرس ليس لكم وحدكم، بل هو درسٌ لكل الشعب، ولكل الحرس الثوري، ولكل القوات المسلحة، ولكل أبناء المجتمع، وخصوصاً للمسؤولين ومدراء المجتمع الإسلامي، الصبر والتقوى.

الصبر والتقوى يجعلان هذا العدو المعاند -وعلى الرغم من كل قدراته- لا يستطيع ارتكاب أية حماقة في مواجهتكم.

ما معنى الصبر؟ الصبر معناه البقاء في الساحة وعدم الخروج منها. البعض يهربون من الساحة، والبعض لا يخرجون لكنهم يعتزلون الساحة تدريجياً، وهذا بخلاف الصبر. الصبر يعني المقاومة والبقاء في الميدان والاستقامة. الصبر يعني التطلُّع إلى الأهداف والآفاق البعيدة. التطلُّع نحو الأهداف البعيدة. أحياناً يفرح الإنسان ويبتهج بنجاح عاجل، وأحياناً يصاب بالغرور، والأمر الخطير هو أن يقنع [بهذا المقدار]. هذا شيء خطير. فهو يؤدي إلى عدم بقاء الإنسان في الساحة. لا، انظروا إلى الأهداف البعيدة، وانظروا إلى القمة، ولاحظوا ما هي الرسالة الحقيقية للثورة وللنظام الإسلامي، وإلى أيِّ الأهداف يريد الأخذ بيد الشعب الإيراني والأمة الإسلامية والمجتمع البشري للوصول إليها. انظروا إلى هناك. مسيرة الثورة الإسلامية تحتاج إلى مثل هذا الصبر. لاحظوا أنهم في زمن صدر الإسلام وفي تلك العقود الأولى حيث كان الوضع صعباً جداً ـ وخصوصاً في زمن الرسول الأعظم ـ صبروا وثبتوا وقاوموا فكانت النتيجة أنه على الرغم من النواقص والسلبيات التي حصلت بخلاف الأمر الحقيقي للإسلام، إلا أنَّ ذروة الحضارة الإنسانية كانت في القرنين الثالث والرابع للهجرة من نصيب الأمة المسلمة والبلدان الإسلامية. هكذا هو الأمر. إذا صبرنا فستكون الآفاق البعيدة لنا. وإذا صمدتم اليوم فسوف ترتقي الأجيال القادمة لتلك القمة. إنهم سوف يرتقون إلى القمة لكن الفضل يعود لكم والجهد جهدكم. وبالطبع فإني أتمنى بتوفيق من الله أن تشاهدوا أنتم الشباب اليوم أيضاً وهذا الجيل الحالي أيضاً ذلك اليوم، سوف تشاهدونه بتوفيق الله. الثورة متجذرة ولها مستقبلها وتحتاج إلى الاستمرار. هذا عن الصبر.

والتقوى. طُرحت التقوى في هذه الآية الشريفة بمعناها الواسع؛ أي بالمعنى العام للتقوى أي مراقبة الذات من أجل عدم الانحراف عن جادة الشريعة الإسلامية المستقيمة ـ وهو ما جاء في مواضع كثيرة ـ وأيضاً بمعنى الورع ومراقبة الذات مقابل العدو، وذلك بقرينة الآيات السابقة لهذه الآية والتي هي حول الأعداء. كونوا حذرين متنبهين يقظين مقابل العدو. يعيش الإنسان في ساحة الحرب بشكل مختلف، ويعيش بشكل آخر عندما لا تكون هناك حرب. الإنسان في الخندق يجلس ويستريح وينام بشكل، وفي غرفته المريحة داخل بيته ينام ويعيش بشكل آخر [مختلف تماماً]. اعلموا أنكم تقفون [اليوم] مقابل الأعداء -علينا جميعاً أن نعلم ذلك- التقوى بهذا المعنى: مراقبة الذات عند مواجهة العدو، وتجنب الثقة بالعدو ـ لا تثقوا بالعدو ـ هذا هو معنى التقوى، بمعنى الحذر والحيطة من حيل العدو ومكره. لا تكتفوا بعدم الثقة به بل أدركوا حيله وأحابيله وخططه واعلموا ما الذي يفعله، وما هي حيلته، وكونوا مستعدين يقظين، وحيل العدو ليست حيلاً عسكرية فقط. وكذلك التقوى بمعنى مراعاة التدبير؛ أي تجنب الأعمال غير المنضبطة والمخالفة للقواعد والمخالفة للعقلانية وتجنب التراخي والتساهل. هذا هو معنى الآية الشريفة. إذا عملتم أنتم الشباب الأعزاء ومسؤولي الشؤون العسكرية والأمنية والاقتصادية والآخرين بالدرجة الأولى، إذا عملتم بذلك الصبر وهذه التقوى، وإذا عمل بها عموم الشعب بالدرجة الثانية «لا ‌يضُرُّكم كيدُهُم شَيئًا» (5)، فلن يستطيعوا إلحاق أية ضربات أو أضرار بكم. وهذا ما سيكون بتوفيق من الله.

حسنٌ، لنعود لمكونات القوة وعناصرها. لاحظوا يا أعزائي، حكمت بريطانيا ومن ثم أمريكا هذا البلد بالمعنى الواقعي للكلمة طوال 57 سنة خلال العهد البهلوي. بأي معنى؟ بمعنى أنهم هم الذين جاؤوا بالشاه وهم الذين عزلوه ثم جاؤوا بشاه آخر، وكانت الحكومات في هذا البلد تتألف طبقاً لآرائهم. والسياسات المهمة والأساسية للبلاد كانت ترسم في هذا البلد طبقاً لآراء بريطانيا وأمريكا. هكذا أدير البلد لمدة 57 سنة. وقبل ذلك أي في أواخر العهد القاجاري كان الوضع مؤسفاً بشكل آخر، وبتأثير من عوامل أخرى باعثة على التعاسة. أي إنَّ الشعب لم يكن له من أمره شيئاً طوال هذه المدة، وكان متفرجاً، وأحياناً لم يكونوا حتى متفرجين! أي لو سألنا شخصاً من أبناء الشعب من هو نائب مدينتكم لما علم ذلك، لأنه لم ينتخبه، ومن باب أولى لو سألنا من هو المسؤول عن الوزارة الفلانية لما كان سيعلم. وفي أحيان كثيرة لم يكونوا يعرفون حتى رئيس الوزراء. لم يكن للشعب من أمره شيئاً، كانوا معزولين.

الإيمان جوهرة ثمينة؛ الإيمان هو الذي أحيى فينا روح الأمل وروح الإيثار والتضحية.

وحين وقعت الثورة ـ وعوامل الثورة لها تحليلها وتفسيرها الطويل ـ زالت هذه الأغلال من أيدي الشعب وأرجله، وتحطَّم هذا القيد. كان الشعب أسيراً وعديم الحرية والاختيار وكان الآخرون مسلطين عليه، فزالت هذه الهيمنة عن الشعب وذاق الشعب الإيراني طعم الاستقلال والحرية. وبتواجد الشعب الإيراني في ساحات الثورة وانتصار هذه الثورة تولدت لديه ثقة وطنية بالذات، وأدرك أبناء الشعب الإيراني أنهم مؤثرون ويستطيعون التأثير في أوضاع بلادهم - تأثير بحجم هذا التأثير- وأن يستأصل جذور الملكية التي كان عمرها على حد تعبيرهم 2500 سنة من أعماق الأرض، ويلقي بها في المزبلة. هذا ما شعر به الشعب الإيراني وهو ما منحه ثقة بالذات. وكانت هذه الثقة بالذات الوطنية مصحوبة بقوة الإيمان. لم نكن مثل بعض البلدان الأخرى التي قامت بثورة، لم نكن بلا إله ولا توكل ولا روح معنوية، حتى نتوقف في وسط الطريق. إنما كان الإيمان هو الذي صاننا وحفظنا وهدانا وتقدَّم بنا إلى الأمام. هذا الإيمان جوهرة ثمينة، وكان روحاً في جسد هذه الحركة العامة. الإيمان هو الذي أحيى فينا روح الأمل وروح الإيثار والتضحية. أن تبعث أم أبناءها الشباب الثلاثة الذين ربَّتهم كالورود في أحضانها إلى ساحة الحرب وتعرِّض أرواحهم للخطر ثم تفتخر بأنها فعلت ذلك، فهذا ما لا يمكن حدوثه إلا بالإيمان. ذلك الشاب الذي يقف أمام قادته ويغضُّ الطرف عن حياته المريحة الوادعة بكل إصرار وتوسل وبكاء ليأخذوه إلى ساحة الحرب، حالة لم تكن ممكنة إلا بالإيمان. لقد أثار الإيمان الأمل والإيثار والإقدام عند الشعب، وتحرَّك الشباب، وتأسس الحرس الثوري، وتأسس جهاد البناء، وتأسست التعبئة، وتكونت الحركات العامة، واكتسبت القوات المسلحة روحاً جديدةً واستطاعت التعبير عن تواجدها ومشاركتها الحقيقية في الميدان، وتكونت المجاميع الخدمية ومجاميع البناء والمجاميع العلمية وانطلقت الحركة العلمية في البلاد، وذاق الشعب والنُخب والعناصر الناشطة الدؤوبة طعم استقلالهم وشموخهم ورفعتهم. هذه هي مكونات الاقتدار الوطني، وهذا هو معنى الاقتدار الوطني.

ليس معنى الاقتدار الوطني أن يعطي الإنسان أموال البلد لبلد أجنبي فيشتري أسلحته الحديثة ويخزنها في المخازن ولا يكون هو نفسه قادراً حتى على استخدامها بشكل صحيح. هذه حماقة وليس اقتداراً. ليس الاقتدار الوطني أن يأتي بلد من ذلك الطرف من العالم للدفاع عن إحدى الحكومات أو الدول فيتواجد في تلك الدولة ويقيم قاعدة عسكرية فيها ويمتص دماء شعبها ويفعل كل ما يحلو له من حماقات في ذلك البلد من أجل الحفاظ على تلك العائلة المشؤومة [الحاكمة هناك] مثلاً. هذا ليس اقتداراً بل هو ذلة. الاقتدار هو أن تتدفق طاقات البلد من الداخل، وأن يكسب لنفسه العلم والقدرة العسكرية والبناء والتقدُّم والعزة الدولية. هذه هي مكونات اقتدار الشعب الإيراني. وهو ما تمتلكونه اليوم، وتمتلكون بتوفيق الله النوع الجيد والنوع الكامل منه. ينبغي الاستفادة من عناصر القدرة هذه في المكان المناسب والوقت المناسب.

الحرس الثوري أحد مكونات الاقتدار. وينبغي أن يحقق الحرس الثوري الرفعة والجودة أكثر يوماً بعد يوم. إنني أشاهد تقارير الإخوة واطلع عليها. هناك أعمال جيدة يتم إنجازها لكنَّ الحرس الثوري لا يزال ينطوي على طاقات وإمكانيات كبيرة للتقدم. من الذي ينبغي أن يفعل هذا؟ أنتم الشباب، فهذا على عاتقكم، فأعدوا أنفسكم للتقدم بالحرس الثوري من أجل أن تستطيعوا التقدُّم بهذا المكون من مكونات الاقتدار إلى الأمام.

الاقتدار هو أن تتدفق طاقات البلد من الداخل، وأن يكسب لنفسه العلم والقدرة العسكرية والبناء والتقدُّم والعزة الدولية.

يقول لنا البعض: «يا سيدي، إنكم تبالغون في توصيف اقتدار الشعب الإيراني وشرحه». وأقول في الجواب إننا لا نبالغ بل نذكر الواقع. وأكبر دليل على اقتدار الشعب الإيراني وقوته أنَّ واحدة من أكثر قوى العالم سفكاً للدماء وأكثرها قسوة وخساسة؛ أي أمريكا، تعمل منذ أربعين عاماً ضدَّ الشعب الإيراني وتمارس عراقيلها وشرورها ولم تستطع الإضرار بهذا الشعب ولم تستطع ارتكاب أيَّة حماقة، وقد سار الشعب الإيراني في طريقه وتقدَّم إلى الأمام وازداد قوة. هذا دليل على قوة الشعب الإيراني. لو لم يكن الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية قويين مقتدرين لكان بوسع عُشر ما يقوم به الأعداء [ضدَّ الجمهورية الإسلامية] الانتصار على هذا الشعب وسلبه نظامه المحبوب. النظام واقف بوجه هؤلاء وقد ازداد قوة يوماً بعد يوم.

ولم يكونوا هم وحدهم، كذلك كان الأمر في داخل البلاد أيضاً. وأقولها لكم: ظهرت منذ اليوم الأول للثورة ثلاثة تيارات معارضة للثورة الإسلامية ولحركة إمامنا الخميني الجليل: أحد هذه التيارات كان التيار المسمى التيار الليبرالي الميَّال للغرب وأمريكا والواله بأمريكا والغرب. والتيار الآخر كان الشيوعيون الذين كانوا يحملون السلاح والذين لم يكن يردعهم رادع ولم يكونوا يتورعون عن أي شيء. وأحد هذه التيارات كان المنافقون ذوو الظاهر الإسلامي وباطن الخبث والكفر وانعدام الهوية والذين كانوا على استعداد للذهاب والوقوف [الانضمام] تحت لواء صدام سيئ الصيت لينتفعوا منه. كانت هذه ثلاثة تيارات أساسية في هذا البلد، وقد هُزمت كلُّ هذه التيارات الثلاثة على يد الثورة الإسلامية، وراحت الآن تتملق للقوى [العالمية] وتقدِّم خدمات تجسسية واستخباراتية لحكومات مثل فرنسا وبريطانيا وأمريكا وما شاكل، وانضوت تحت رايتها لتستفيد منها. وأحد التيارات [المعارضة للثورة الإسلامية] طبعاً هو تيار التحجُّر والرجعية الداخلية والذي كان يقف هو الآخر بوجه الثورة ومسيرتها بشكلٍ آخر ويخلق المتاعب، وهؤلاء طبعاً ليسوا جديرين بالذكر والاهتمام كثيراً، وقد تجاوزهم الشعب، تجاوز تيار الرجعية والتحجُّر والتشدق الديني. استطاعت الجمهورية الإسلامية بمساعدة الشعب وبإبداعات وقدرات شباب هذا الشعب فرض التراجع على أولئك الأعداء الخارجيين وهؤلاء الأعداء الداخليين، بحيث لم يستطيعوا الإضرار بالجمهورية الإسلامية ولم يستطيعوا الحؤول دون تقدُّمها أيضاً.

أعزائي، شبابي، إنكم اليوم أمام جمهورية إسلامية تختلف كالاختلاف فيما بين السماء والأرض عن اليوم الذي ولدتم فيه في هذه الجمهورية. فالحراك والإمكانيات والقدرات والتجارب والأداء، كلُّ ذلك شهد تقدماً ورقياً بدرجات وأضعاف كبيرة، وسوف تتقدم المعنوية أيضاً بين شبابنا إن شاء الله على النحو نفسه، ولا شكَّ أنَّ هذه المعنوية موجودة لدى فئة مهمة وجديرة بالاهتمام.

وأحد الأدلة على قوة الجمهورية الإسلامية هذه التحالفات التي تقيمها أمريكا في المنطقة. لو كانت أمريكا قادرة على القيام بما تريده مقابل الجمهورية الإسلامية لما احتاجت إلى هذه البلدان المخزية سيئة السمعة والرجعية في المنطقة لتشكيل تحالف معها، وطلب مساعدتها لإيجاد اضطرابات وتوترات وزعزعة الأمن [داخل الجمهورية الإسلامية]. هذا دليل على قوة الجمهورية الإسلامية. وبالطبع فإنَّ عداواتهم وعداوات أمريكا ازدادت يوماً بعد يوم، وكذلك ازدادت كراهية الشعب الإيراني لأمريكا يوماً بعد يوم.

لو كانت أمريكا قادرة على الانتصار على الجمهورية الإسلامية لما احتاجت إلى هذه البلدان المخزية سيئة السمعة والرجعية في المنطقة لتشكيل تحالف معها.

وأقولها لكم إنَّ خطة العدو اليوم بعد يأسه من كلِّ أعماله الأخرى هي خلق هوَّة بين نظام الجمهورية الإسلامية وشعب إيران العزيز. هذه هي حماقتهم. لا يعلمون أنَّ نظام الجمهورية الإسلامية ليس شيئاً سوى الشعب الإيراني. وهذان [شيئان] لا يمكن الفصل بينهما. ليس النظام الإسلامي نظاماً بيروقراطياً جالساً في القصور ومنفصلاً عن الشعب. إنه نظام متكون من الشعب نفسه ومعتمد على أبناء الشعب وعلى إيمان الشعب وعلى محبة الشعب وعواطفه. هذا هو النظام الإسلامي. فكيف يريدون فصل هذا النظام عن الشعب؟ طبعاً كان هناك ستة رؤساء أمريكيين قبل هذا الشخص (6) حاولوا هم أيضاً وخرجوا كلهم من الساحة ولم يستطيعوا القيام بعملهم الشيطاني هذا. وضغوطهم الاقتصادية هذه - حيث يضغطون غالباً على الشعب - هدفها أنّه لربما يستطيعون [من خلالها] إنفاد صبر الناس وإتعابهم. وإننا بحول الله وقوته سوف نزيد ونقوي من أواصرنا مع الشعب يوماً بعد يوم. إننا نحافظ على انسجامنا المحطم للعدو. إننا نقوي الشباب المؤمن المتحفز والمقدام كل يوم أكثر من الماضي بحول الله وقوته. ليعلم الجيل الشاب الغيور المتحفز في البلاد أنَّ العدو يعادي استقلاله ويعادي عزته ويعادي تقدمه ويعادي تواجده في ساحات العلم والسياسة. عدو الشعب الإيراني يعني عدو عزة الشعب واستقلاله وتقدمه ورقيه. لن يترك العدو ممارساته الإيذائية مهما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولكن يجب التيقن من أنه لن يحصل على نتيجة من إيذائه هذا، شرط أن يواصل الشعب الإيراني هذا الدرب الذي عرفه بتوفيق الله وهدايته باقتدار وعزيمة، هذا الدرب الذي هو درب الصمود والصبر والتقوى المصحوبة باليقظة والتدبير والانسجام الوطني.

البعض يوصون بوصفات أخرى ويقولون استسلموا حتى لا يمارس العدو إيذاءه ضدنا. هؤلاء لا يعلمون أنَّ تكلفة الاستسلام أكبر بكثير من تكلفة المقاومة والثبات. نعم، الصمود قد تكون له تكلفة، لكنَّ له نتائج كبيرة جداً لها قيمتها بالنسبة للشعوب أكثر بمئات المرات من تلك التكلفة. بينما الاستسلام مقابل العدو المعاند والمخاصم والخبيث لن يكون له من أثر سوى الانسحاق والذلة وانعدام الهوية. هذا ما يجب أن يعلمه الجميع. هذا قانون إلهي لا يتخلَّف حيث قال: «فَلا تَهِنوا وَتَدعوا إلى السَّلمِ وَأنتُمُ الأعلَونَ وَاللهُ مَعَكم وَلَن يتِرَكم أعمالَكم» (7). لا تتراخوا ولا تدعو إلى الاستسلام مقابل العدو فقد جعلكم الله تعالى عالين متفوقين «وَلَن يتِرَكم» أي «لَن يُنقُصَكم». الله تعالى لن يترككم ولن يقصِّر معكم مقابل الجهاد الذي قمتم به وسوف يوفيكم أجر هذا الجهاد بشكل كامل.

ونقطة أخرى أقولها في خاتمة كلامي. ذكرنا إجمالاً ما يجب أن نعلمه عن العدو، ولكن نحن أنفسنا يجب أن نراقب أعمالنا أيضاً، جميعنا، من صغير وكبير، من شباب وشيب، من أفراد عاديين إلى المسؤولين. وخصوصاً المسؤولين يجب أن يحذروا من الغفلة والتهاون والكسل والنزعة الارستقراطية والتكبر على أفراد الشعب والاعتماد على مواقع الرئاسة التي لن تستمر إلا لأيام. إذا كان هذا فإنَّ الله تعالى سوف يمنُّ بتوفيقه بعد الآن أيضاً كما منَّ به لحد الآن عليكم أيها الشعب الإيراني. ولن يكون بعيداً إن شاء الله اليوم الذي يستطيع فيه الشعب الإيراني أن يقف في الموقع الذي لا يتجرأ معه الأعداء حتى أن يفكروا في مخيلاتهم بالهجوم العسكري والاقتصادي والأمني والسياسي، وسوف تشهدون أنتم الشباب الأعزاء إن شاء الله ذلك اليوم بتوفيق من الله.

والسّلام عليكم ورحمة ‌الله و‌بركاته.

 

الهوامش:

  1. في بداية هذه المراسم التي أقيمت في جامعة الإمام الحسين (ع) العسكرية، تحدَّث كل من اللواء محمد علي جعفري (القائد العام لحرس الثورة الإسلامية) والعميد علي فضلي قائد جامعة الإمام الحسين (ع).
  2. سورة آل عمران، شطر من الآية 118.
  3. سورة التوبة، شطر من الآية 50.
  4. سورة آل عمران، شطر من الآية 120.
  5. سورة آل عمران، شطر من الآية 120.
  6. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
  7. سورة محمد، الآية 35.