أولئك الذين يرفضون مضمون الحج السياسي هم في الحقيقة يريدون إسلاماً بعيداً عن السياسة وديناً منفصلاً عن السياسة، شعار الفصل بين الدين والسياسة هو ما يريده أعداء سيادة الإسلام على المجتمعات الإسلامية، لقد طرحوا هذه القضية منذ عشرات السنين، ويقومون اليوم حيث أنّه قامت في إيران حكومة مبنية على أساس دين الإسلام المقدّس واجتاح شوق تأسيس حكومة إسلامية المتصاعد العالم الإسلامي بأسره بطرح ذاك الشعار بتهوّر وصلافة أكثر من أي وقت مضى، ويقومون أينما توفّرت أرضية تحقق هذا الهدف بالدخول في الميدان بصلافة وجديّة تامّة متى ما تسنّى لهم ذلك. سيادة الإسلام تنطوي على التصدّي لتدخلات المستكبرين في البلدان الإسلامية وتستدعي أيضاً الحدّ من نفوذ التابعين لهذه القوى وعبدة شيطان النّفس وشيطان الاستكبار في إدارة هذه البلاد. إذا من الطبيعي أن يغضب الاستكبار وأتباعه والشياطين وأنصارهم منها [الحكومة الإسلامية]. ويجب على المؤمنين بالله ويوم المعاد والمعتقدين بالإسلام بحقّ أن يرحّبوا بها لهذا الحدّ أيضاً ويجاهدوا في سبيلها. الآن حيث أنّه وُفّق العديد من السّعداء من أنحاء العالم لإدراك الأيام المعلومات وحجّ بيت الله الحرام فإنّني أسأل الله عزّوجل بتضرّع وابتهال أن يتقبّل حجهم ويؤجرهم عليه ويمتّعهم والأمّة الإسلامية قاطبة بمنافعه.

~الإمام الخامنئي 1994/5/15

 

الحجّ عبادةٌ زاخرةٌ بالأسرار والرموز، والبیت الشریف موضعٌ طافحٌ بالبرکات الإلهیة ومظهرٌ لآیات الحق تعالى وبیّناته. وللحجّ أن یرتقي بالعبد المؤمن الخاشع المتدبّر إلى الدرجات المعنویة، وأن یصنع منه إنساناً سامیاً نورانیاً، وأن يجعل منه عنصراً ذا بصیرة وشجاعة وإقدام ومجاهدة. کلا الجانبین: معنوياً وسیاسياً، أو فردياً واجتماعياً واضحان بارزان في هذه الفریضة المنقطعة النظیر، والمجتمع الاسلامي الیوم بأمسّ الحاجة لکلا الجانبین.

من جهة یعملُ سحرُ النزعة المادیة علی الإفساد والإغراء باستخدامه الوسائلَ المتطورة، ومن جهة ثانیة تنشط سیاسات نظام الهیمنة لاختلاق الفتن وتأجیج نیران النزاعات بین المسلمین وتحویل البلدان الإسلامیة إلی جحیم من الخلافات وانعدام الأمن. للحجّ أن یکون دواءً شافیاً لکلا هذین الابتلائین العظیمین الذَین تعاني منهما الأمة الإسلامیة، فهو یطهّر القلوب من الأدران، وینوّرها بنور التقوى والمعرفة، ویفتح کذلك العیون على واقعیات العالم الإسلامي المُرّة، ویُرسّخ العزائم لمواجهتها، ویُعزّز الخطوات، ویجعل الأیدي والأذهان مجنّدة للعمل.

~الإمام الخامنئي 2017/8/31

 

بالإضافة إلى كل الجوانب المتنوعة الموجودة في الحج - هذه الفريضة الكبرى – فإنَّ الحج يتميز بخصوصية أنه مظهر امتزاج المعنوية بالسياسة، و[امتزاج] المعنوية بالجانب المادي، و[كذلك امتزاج] الدنيا بالآخرة. «وَمِنهُم مَن يقولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّار» (2). الذين يدعون الله هكذا في الحج ويسألونه تعالى حسنة دنيوية وحسنة أخروية هؤلاء ممدوحون ومقبولون في القرآن؛ بمعنى أنَّ الدنيا والآخرة مجتمعتان في الحج. الحج مظهر مثل هذا الشيء. حاول أشخاص طوال سنوات مديدة ويحاولون اليوم أيضاً أن يفصلوا في الإسلام بين المعنوية وبين شؤون الحياة وقضايا إدارة المجتمع، وهذا معناه «فصل الدين عن السياسة». على مدى سنين طويلة ـ ربما أمكن القول عشرات السنين، أو مائة سنة أو أكثر ـ عمل أعداء الإسلام والجهلاء الذين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، عملوا على هذه القضية، وعندما ظهرت الجمهورية الإسلامية وقامت الثورة الإسلامية بطلت كلُّ هذه الأقاويل وتبيَّن أنَّ الإسلام قادر على إدارة ساحة السياسة وساحة الحياة وساحة إدارة البلاد وساحة تعبئة الجماهير بكل قدراتهم وطاقاتهم، على أفضل وجه، فهو أكثر توفيقاً ونجاحاً في هذه المجالات من الشعارات التي كان الشيوعيون يطلقونها وصولاً إلى شعارات الليبراليين والشعارات التي يطلقها الغربيون. إذن، بطلت تلك المساعي التي كانوا يبذلونها لفترات طويلة، لكنهم استأنفوا عملهم مرة أخرى، بدأ [بعض] الأشخاص العمل من أجل صرف الأجيال الصاعدة عن امتزاج الدين بالسياسة والدين بالحياة والدين بالعلم والدنيا بالآخرة والمعنوية بالماديات، وهذه كلها موجودة في الإسلام؛ أي إنهم يريدون صرف الأذهان عن هذا الامتزاج، والحج ساحة عملية للدلالة على هذا الامتزاج. الحج ساحةٌ عمليةٌ للدلالة على امتزاج الدين بالسياسة والحياة والعلم وامتزاج الدنيا بالآخرة والمعنوية بالماديات.

كيف ذلك؟ لديكم في الحج التضرع والدعاء والتوسل والبكاء والطواف والسعي والصلاة وأيضاً اجتماع الناس، وهذا مهم جداً. ليفكروا إذا كان الله تعالى في دعوته الناس إلى الحج كان يقصد فقط أن يأتي الناس إلى هناك ويقضوا أياماً في رحاب المعنويات لما كان من اللازم أن يحدد زمناً معيناً، بل كان يمكن لكل شخص أن يذهب في أي وقت أراد، ولكن لا، للحج زمانه المعين المحدد. في هذا الزمن المحدد يجب أن يأتي الناس من كل العالم الإسلامي، وليس لسنة واحدة، أو لسنتين، بل على طول التاريخ، على مدى أيام معينة يجتمع الذين يستطيعون في مكان واحد من كل العالم الإسلامي، فما معنى هذا؟ هذا معناه أن نفس هذا الاجتماع بين المسلمين هو ما يقصده الله تعالى، هذا ما يريده الله تعالى. وهذا معناه تشكيل الأمة الإسلامية، وهذه هي النظرة لاجتماع المسلمين وتجمعهم، والحج مظهر هذا الشيء. 

~الإمام الخامنئي 2018/7/16