الخطابات

كلمته في لقائه مدراء الدولة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين وصحبه المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه: »بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرةً وأصيلاً، هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور، وكان بالمؤمنين رحيما، تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعدّ لهم أجراً كريماً«.إنها لفرصة مواتية، حيث يجتمع في هذه الجلسة الكبيرة المهمة - تقريباً - جميع من يحملون على عواتقهم الأعباء الجسيمة لإدارة البلد على المستويات الرئيسية. تحدث رئيس الجمهورية المحترم عن قضايا السياسة وشؤون البلد المختلفة، والحديث في هذه الشؤون واسع الأبعاد، وكثيراً ما يطرح ويثار، وهذا شيء ضروري بحد ذاته، لكنني وجدت من المناسب انتهاز هذه الفرصة لتبيين شيء متقدم الأهمية على استنتاجاتنا وشروحنا وقراراتنا السياسية، ألا وهو حديث القلوب وقضية الإيمان الخالص الذي بوسعه ممارسة دوره في كل أطوار هذه المسيرة كأنه الروح في البدن، أو النور في الظلمة، أو العامل الذي يبث الحياة في الأجساد الميتة. لذلك اخترت هذه الآيات لنراجعها بعض الشيء. أنا شخصياً أشعر دوماً بالحاجة لتكرار هذه الآية الشريفة »اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلاً« والتدبر فيها والعمل بها. لقد قستُ الأمر هنا على نفسي، وأخال أنكم أيضاً ونحن جميعاً نحتاج إلى هذا الشيء. يقول عزوجل: »يا أيها الذين آمنوا« ... هذا بعد أن تشكّل المجتمع الإيماني واجتاز اختبارات كبيرة. إنها آيات من سورة الأحزاب نزلت بعد السنة السادسة للهجرة، أي بعد معارك بدر وأحد وغيرها من المعارك كان أخيرها معركة الأحزاب. في مثل هذه الظروف يخاطب القرآن المسلمين قائلاً لهم: »اذكروا الله ذكراً كثيراً«. الذكر يقابل الغفلة والنسيان. الغرق في الأعراض والأحداث والتفاصيل المختلفة والغفلة عن الأمور الأصيلة.. هذه هي مشكلتنا الكبيرة نحن البشر. لا يريد الله لنا مثل هذه الحال. ثم إن هذا الذكر ليس مجرد التذكّر والاستحضار، فلقد طالبنا الله بالذكر الكثير.أنقل لكم هنا هذه الرواية: »عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه« لكل هذه الفرائض الإلهية حدود ومقادير تنتهي إذا وصلت إليها، وينتهي بذلك التكليف، »إلا الذكر فليس له حد ينتهي عنده« ليس للذكر حد ومقدار إذا بلغناه قلنا: هذا يكفي ولم نعد بحاجة للذكر. بعد ذلك يوضح الإمام ويقول: »فرض الله عزوجل الفرائض فمن أداهن فهو حدهن« من قام بالفرائض فقد بلغ بهن حدودهن المعينة لهن. »وشهر رمضان فمن صامه فهو حده« شهر رمضان على سبيل المثال إذا انتهى تكونوا قد بلغتم بهذه الفريضة حدها.. انتهت الفريضة ولم يعد ثمة شيء واجب عليكم. »والحج، فمن حج فهو حده«، من أدى الحج وأنهى كل أعماله فقد بلغ به حده النهائي. هذا إذا قرأنا العبارة في كلا الموضعين »فهو حدَّهُ«، وطبعاً يمكن قراءتها بطريقة أخرى والقول »فهو حدُّه«. ولكن »إلا الذكر«، الذكر فقط ليس كباقي الفرائض، ولم يذكر الإمام باقي الفرائض. إذا أعطيتم الزكاة بمقدارها المقرر لم تعد واجبةً عليكم. وكذلك الخمس، وكذا صلة الرحم. وكذلك بقية الفرائض والواجبات المقررة، إلا الذكر فإن الله عزوجل لن يرضى منه بالقليل ولم يجعل له حداً ينتهي إليه« لا يرضى الله بالذكر القليل ولم يجعل للذكر حداً يمكن بلوغه »ثم تلا: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً«. هذه هي أهمية الذكر.ويقول عزوجل بعد هذه الآية: »هو الذي يصلّي عليكم وملائكته«. يقول المرحوم العلامة الطباطبائي (رضوان الله عليه) في الميزان إن هذه الآية الشريفة »هو الذي يصلّي...)) في مقام تعليم الأمر »اذكروا الله ذكراً كثيراً«، أي إن هذا الذكر الكثير الذي طولبتم به إنما طولبتم به لأن الله يصلّي عليكم. »هو الذي يصلّي عليكم وملائكته« ليس الله تعالى فقط بل ملائكته أيضاً يصلون عليكم أيها المؤمنون. صلوات الخالق هي رحمته، وصلوات الملائكة استغفارهم للمؤمنين: »ويستغفرون للذين آمنوا« كما ورد في الآيات القرآنية.لماذا تمطركم الذات الإلهية المقدسة وملائكة الله بهذه الصلوات والاستغفار من عالم الغيب والملأ الأعلى؟ »ليخرجكم من الظلمات إلى النور« لينقذكم من الظلمات وينقلكم إلى النور. وحكاية هذه الظلمات والنور طويلة ومفصلة.. ظلمات أفكارنا.. ظلمات قلوبنا.. ظلمات أخلاقنا.. والنور في مقابل كل هذه الظلمات.العمل أيضاً يمكن أن يكون مظلماً حالكاً، ويمكن أن يكون نيراً. ذهنية الإنسان وأفكاره ومعتقداته يمكن أن تكون نيرة وقد تكون حالكة. أخلاق الإنسان وصفاته ربما كانت ظلامية وربما كانت نورانية. الحركة الاجتماعية لشعب من الشعوب قد تتجه نحو الظلمات والعتمة، وقد تتجه نحو النور.إذا هيمنت الشهوات على شعب، أو بلد، أو هيئة حاكمة، أو فرد، وإذا سيطر الحرص والعنف الناجم عن الحيوانية، وإذا تغلّب طلب الدنيا وحبها، لكانت كل هذه ظلمات.. ولكانت الحركة ظلاميةً، والاتجاه ظلامياً، والهدف ظلامياً أيضاً. وبالعكس، إذا غلبت المعنوية والدين والإنسانية والفضائل الأخلاقية وطلب الخير والصدق والحقيقة فسيكون النور هو النتيجة. هذا ما يدعونا له الإسلام والقرآن. والله تعالى وملائكته يسلحوننا ليخلصونا من الظلمات ويدخلونا أرض النور. أذكروا الله، وهذا هو السبب.لذكر الله مراحل وأطوار. نحن البشر لسنا في مرتبة واحدة، مراتبنا مختلفة. بعضنا في مراتب ودرجات عليا من الناحية الروحية، كالأولياء، والأنبياء، والصالحين، وأهل القلوب اليقظة. والبعض كأمثالي لا سبيل لهم إلى تلك المستويات. بعضنا لا يعلم أساساً ما تكنّه تلك المستويات العالية. لكن لنا جميعاً إذكارنا.. هناك أذكار لأولئك المتسامين، وثمة أذكار لنا. أذكارهم هي تلك التي ذكرها الإمام (عليه الصلاة والسلام) في حديثه حيث قال: »الذكر مجالسة المحبوب«. هذه حالة خاصة بالأولياء. لذة الذكر بالنسبة لهم لذة مجالسة. يقول الإمام علي سلام الله عليه في رواية أخرى: »الذكر لذة المحبين«.. الذكر لذة العشاق والمحبين، وهذا أمر خاص بهم.طوبى لكم إن كانت هناك قبسات وأنوار من هذه الحال تبرقُ بعض الأحيان في حياتكم آناء الليل وأطراف النهار، خصوصاً أحوال أولئك، أما من كانوا في مراتب أدنى فقد تبرق لديهم بعض الأنوار أيضاً، ويجب معرفة قدر هذه البوارق. هذه مرتبة من مراتب الذكر خاصة بالمحبين وذوي القلوب الرقيقة. لكن للذكر فوائده الجمة المذهلة حتى بالنسبة لنا نحن ممن لم نبلغ تلك المراتب، وسوف أذكر في هذا الباب ما سجلته هنا:»إقصاء الحوافز المادية والأهواء المضللة«.. الذكر أشبه بحارس يحمينا ويحمي قلوبنا من هجمات الأهواء. القلب عرضة سائغة لشتى الأخطار. قلوبنا وأرواحنا ضعيفة ومعرضة للخطر جداً. نتأثر ببعض الأشياء، وتنجذب قلوبنا لمختلف الأمور الشيقة. إذا شئنا للقلب - وهو منـزل الإله ومقره، وأرفع مرتبة في وجود الإنسان، أي إنه باطن الإنسان وحقيقته الوجودية - أن يبقى سليماً مطهراً فلابد له من حارس يدافع عنه. وهذا الحارس هو الذكر. الذكر لا يترك القلب عرضةً لهجمات الأهواء العنيفة التي تتلفه وتقضي عليه. الذكر يربط على القلب ويحفظه كي لا يغرق في المفاسد والرغبات المضللة. بهذا الخصوص اطلعت على رواية ذات مغزى جد عميق: »الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين«. نرى في ساحة المعركة جندياً يقاتل ويدافع ويصمد ويستخدم كل ما يتاح له لدحر العدو وصد هجماته. ولكن قد يكون هناك مقاتل آخر يفر وينفد صبره ويهرب أمام العدو. يقول: الذاكر بين الغافلين كذلك الجندي الصابر الصامد بين غيره من الجنود الفارين. لاحظوا أن هذا التشبيه إنما هو لهذا الغرض، فذلك المقاتل يقف ويثبت أمام هجوم الأجانب، والذكر يصمد أيضاً ويدافع عن الحدود.. إنه يدافع عن حدود قلوبكم. لذلك تقرأون في الآية القرآنية الشريفة وهي من آيات الجهاد: »إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله ذكراً كثيراً«. إذا وقفتم أمام هجوم الأعداء في سوح الجهاد فاثبتوا واصمدوا واذكروا الله ذكراً كثيراً. ذكر الله ينفع في ذلك الموطن أيضاً. »لعلكم تفلحون« .. إنها وسيلة لكي تبلغوا الفلاح والسؤدد. لماذا ذكر الله؟ لأن هذا الذكر يربط على القلب، وإذا ثبت القلب ثبتت الأقدام أيضاً. هكذا هي الحال في ساحة المعركة. في ساحة الحرب تهرب قلوبنا إلى الخطوط الخلفية قبل أن تهرب أرجلنا نحن الضعفاء. إنه قلبنا الذي يفرض على جسمنا الهرب، وإلا لو كان القلب صامداً لصمد الجسم.أذكروا الله في كل سوح القتال - في ساحة القتال العسكري، وساحة القتال السياسي، وساحة القتال الاقتصادي، وساحة الحرب الإعلامية - فذكر الله يورث الفلاح والسؤدد. ذكر الله رصيد لتثبيت الأقدام.إذن، من شأن الذكر أن يمكننا من سلوك الصراط المستقيم والتقدم إلى الأمام. نحن بحاجة إلى ذكر الله للمسير في هذه الجادة وصولاً إلى ذلك الهدف الذي رسمناه لأنفسنا كمؤمنين، وكمسلمين، وكأتباع مدرسة تقدمية، كأفراد نحمل هموم تشييد هذا الصرح الشامخ الواعد بازدهار الحضارة الإسلامية في القرون القادمة.أنا وأنتم أحوج من الآخرين إلى الذكر، السبب في قولي إنني اغتنمت فرصة هذه الجلسة هو إنكم تختلفون اختلافاً كبيراً عن الأشخاص العاديين، واختلافكم عنهم يرجع إلى إنكم تمسكون زمام منظومة كبيرة، وتصرفاتكم مؤثرة جداً في الحفاظ على هذه المنظومة. إذا أمسكتم الزمام بقوة أو أرخيتموه أو أفلتّموه أصلاً فسيختلف الوضع عمّا لو فعل ذلك أشخاص لا يمسكون بالأزمّة الرئيسية. وبالتالي، أنتم أحوج من غيركم للذكر. إذا ساد قلوبنا ذكر الله فسوف يترك تأثيره على سلوكنا دون أدنى شك. إنه مؤثر في أداء واجباتنا وتكاليفنا، واجتناب ما حُرِّم علينا وتحاشي الذنوب وما يجر علينا الأوزار والوبال والغضب الإلهي، ويساعدنا على الابتعاد عنها.حسناً، لنسأل الآن: وما هو الذكر؟ هناك رواية عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام، ورواية أخرى شدت انتباهي أكثر، لكنني سأقرأ الروايتين. الرواية الأولى عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام يقول فيها: »ثلاث من أشد ما عمل العباد«.. ثلاثة أشياء هي من التكاليف الصعبة جداً على العباد. أحدها »إنصاف المؤمن من نفسه«... أن يكون الإنسان منصفاً مع الآخرين، فحين يدور الأمر بين أن يسحق الحق من أجل نفسه، أو يسحق نفسه من أجل الحق، يختار الثانية. حين يكون الحق مع الطرف الآخر وليس معكم، يجب أن تعطوه الحق بكل إنصاف. إسحقوا أنفسكم إذا توجب الأمر أن تسحقوها وتحطّوا من شأنها. هذه عملية صعبة، لكنها مهمة جداً. يقول الإمام الباقر إن هذا الفعل من أهم الأفعال. لكنه شديد وصعب بالطبع. وما من عمل حسن وكبير إلا وكان صعباً.الثاني »ومواساة المرء أخاه« .. مواساة الأخ المؤمن. ثمة فرق بين المواساة والمساواة. إنها ليست مساواة. المواساة معناها الرفقة والمساعدة ومد يد العون للأخ المؤمن في كل الأمور. أن يعتبر الإنسان من واجبه تقديم المساعدة الفكرية، والمساعدة المالية، والمساعدة الجسمية، والمساعدة لحفظ ماء الوجه... هذه هي المواساة.والثالث »وذكر الله على كل حال«.. أن تذكروا الله تعالى في كل الأحوال.. هذا هو الذكر.يشرح الإمام الباقر في هذه الرواية معنى » ذكر الله على كل حال« فيقول: »وهو أن يذكر الله عزوجل عند المعصية يهمّ بها«. إذا همَّ بمعصية ذكر الله فمنعه ذكر الله عنها. والمقصود هنا مختلف أنواع المعاصي: التحدث خلاف الواقع، الكذب، الغيبة، كتمان الحق، عدم الإنصاف، إهانة الناس، الاستيلاء على أموال الناس أو أموال بيت المال، أو أموال الضعفاء، أو عدم الاهتمام لهذه الأموال، هذه مختلف الذنوب التي يجب على الإنسان التوجه فيها إلى الله وذكره للامتناع عن اقترافها.»فيحول ذكر الله بينه وبين تلك المعصية، وهو قول الله عزوجل إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا« يقول الإمام إن هذا هو تفسير الآية الكريمة: »إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان« حين يمسهم الشيطان أو يمسهم موج من أمواج الشيطان، أي قبل أن يستولي الشيطان على أرواحهم، »تذكروا«، تذكروا على الفور »فإذا هم مبصرون«. الذكر يفتّح عيونهم وبصائرهم. هذا هو معنى »ذكر الله على كل حال«.الرواية الثانية التي أثارت انتباهي، عباراتها تشبه تقريباً الرواية الأولى التي قرأتها لكم، وتذكر أيضاً تلك الأمور الثلاثة. في الرواية الأولى هناك عبارة »وذكر الله على كل حال«. وفي هذه الرواية عن الإمام أبي عبد الله نطالع عبارة »وذكر الله في كل المواطن«.. أنْ يذكر الإنسانُ اللهَ في كل مكان. لكن النقطة اللافتة هي قوله: »أما إني لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر«.. حين أقول: اذكروا الله في كل موطن، لا أقصد أن تقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فهذا هو الذكر اللفظي. »وإن كان هذا من ذاك«.. مع أن هذا أيضاً ذكر محبّذ وشريف وقيّم جداً، لكن مرادي ليس هذا فقط، »ولكن ذكره في كل موطن إذا هجمت على طاعته أو معصيته«. هجمت أو هممت. في النسخة التي رأيتها أنا: هجمت، وأحتمل أنها: هممت. حين تسير إلى طاعة الله أو إلى معصية الله، تذكر الله. »ذكر الله« هو المقصود. هذا هو ذكر الله. الأذكار الواردة في رواياتنا، وفي الأدعية، وفي الأوراد، وتسبيحات السيدة الزهراء، وباقي الأذكار.. هذه كلها وسائل وأدوات للذكر، وعلى الإنسان أن يلهج بها لسانُهُ متنبهاً إلى معانيها وحقائقها. إنها طبعاً أذكار ذات قيمة كبيرة جداً.والحقيقة أنه لا يمكن الانتهاء من هذه الأمور والأحوال، فلو تطرقنا ساعات متمادية لهذه القضايا المعنوية وما ينفع قلوبنا لما كان ذلك كثيراً. هذه هي الحقيقة. وأقولها لكم بصراحة: إننا متأخرون. لم نتقدم في مجال التربية الإسلامية بما يقتضيه النظام الإسلامي. البعض قد يقولون: كنا نستطيع التقدم أكثر في ميادين الإعمار، والتقنية، وكذا وكذا، لكننا لم نتقدم. لكن أهم ميدان كان ينبغي أن نتقدم فيه ولم نتقدم هو ميدان المعنويات وبناء الذات وتحلية الأفئدة بجواهر الأخلاق. نحن متأخرون حقاً في هذه الأصعدة.إذا أردتم التأشير إلى نموذج يليق بنا فانظروا إلى فترة الدفاع المقدس. أنظروا إلى أولئك الشباب الذين رابطوا في الجبهات، والآباء والأمهات الذين بعثوا أبناءهم الشباب للجبهات، تلك العوائل التي دعمت الجبهات بكل شوق وذوق ووجد، يا لها من مشاعر. تلك كانت نماذج جيدة، ولا أقول طبعاً نماذج عليا، لكنها نماذج جيدة جداً. علينا التحرك بنفس ذلك السياق وعلى نفس تلك الوتيرة، لكننا لم نفعل. وطبعاً، نكاد ننساهم أحياناً. بعضنا ينسى، وبعضنا للأسف ينكر! والأسوء أن البعض يخطّئ تلك الأحوال! يمكنكم رصد هذا في بعض التصريحات.. الأقوال الفارغة وغير المدروسة التي قد تسمع هنا وهناك وتصل إلى درجة تخطئة تلك الأحوال الجميلة المقدسة التي عاشها مقاتلونا وشبابنا في عهد الدفاع المقدس.طبعاً قد لا يكون لنا علم بتلك التفاصيل. حتى أنا الذي أتحدث، وحتى أولئك الذين خاضوا غمار الحرب - القادة - لا علم لهم بكل ما حدث. كانت سوحُ الصيرورةِ والتحول والتقدم نحو الصفات السامية والفضائل الإنسانية واسعةً وكثيرةً إلى درجة يمكن القول معها إنها كانت بعدد الأفراد الذين رابطوا هناك، وإحصاؤهم متعذر طبعاً.قرأت مؤخراً كتاباً يشرح أحداثاً استمرت بضعة أيام وأرتبطت بملابسات إحدى هجماتنا العسكرية. كتاب عن لسان الأفراد المتبقين عن إحدى المجاميع. لم يكن الأمر يتعلق بفيلق، أو لواء، أو كتيبة، أو فصيل. عدد من الأفراد تبقّوا عن إحدى المجموعات المقاتلة وقرروا تلك الأحداث. جاء باحث ذوّاق حقاً - ومثل هذه الأعمال قيمة جداً والحق يقال - فاقتنص تلك الأحداث والأحوال واحداً واحداً عن ألسنة أولئك الجنود، وأنتج منها كتاباً في ستمائة أو سبعمائة صفحة. نحن نسمع فقط بعمليات الفاو، والكثير من الإنجازات المهمة التي شهدتها هذه العمليات نعرفها حفظاً في الصدور: عبروا نهر أروند، أخذوا الفاو، فتحوا معمل الملح، وفعلوا كذا وكذا. نحن نعرف الكليات ولا نعرف ما الذي حدث في كل خطوة خطاها المقاتلون.وضعوا أمامنا لوحة منمنمات عظيمة أُنجزت بمنتهى الأستاذية والجمال، ووقفنا ننظر إليها من بعيد ونقول: يا سلام ما أجملها! لا نتقدم إلى اللوحة لنرى كم من الفنون تحتويها كل زاوية منها. البعض يفعلون هذا، وقد فعلوه. والنموذج الذي رأيتُهُ أنا أحد هذه الأعمال. أتمنى أن تستمر هذه الأعمال وتتواصل.كان ذلك تطوراً في الأخلاق. هناك يدرك الإنسان كيف تؤثر الفضائل الأخلاقية التي يجود بها الإسلام والله والإيمان بالغيب في حياة الإنسان. هناك يرى الإنسان هذه الحقيقة. وكان ينبغي لهذا الجانب أن يتطور، لكنه لم يتطور ولم ينمُ بالمقدار اللازم. علينا مراقبة أنفسنا أكثر من هذا بكثير. ما أروم قوله لكم بعد هذا هو: أيها المسؤولون الأعزاء، يا من تحملتم مسؤوليات مجلس الشورى، والحكومة، والسلطة القضائية، والقوات المسلحة أو بقية الأجهزة والمؤسسات، وحتى الذين تولوا قبلكم هذه المسؤوليات وأنجزوا بعض الأعمال، أنتم جميعاً المعنيون بخطابي هذا: لقد قمتم بعمل عظيم. أنتم مسؤولي النظام ومدراء مؤسسات الجمهورية الإسلامية منذ البداية وإلى اليوم رسمتم وسجلتم حقبة من التاريخ عظيمة، وأنجزتم مهمة كبيرة.لو نظرنا لتاريخ بلادنا منذ آلاف السنين وإلى اليوم - منذ أن كان لنا تاريخ مدون - لوجدنا حكوماتٍ فردية دكتاتورية مطلقة، حكومات عدد محدود من الناس برئاسة فرد واحد سادت على عامة الناس دون أن يكون لهم أي نصيب حرّ في إدارة البلاد. هذا هو تاريخنا. حكوماتنا الملكية كانت كلها من هذا القبيل. حتى الملوك الذين نحترمهم... الملوك الأقوياء من الغزنويين والسلاجقة إلى أن نصل للعهد الصفوي، والشاه عباس، والشاه اسماعيل، والشاه طهماسب، حتى أولئك كانوا على هذه الشاكلة. أولئك هم ملوكنا الصالحون، ولكن حتى أولئك الملوك الصالحين كيف أداروا البلاد؟ ما هو سجل وهوية هذا البلد من حيث إدارته الحكومية؟ إنها شخصٌ واحد في القمة يطيعه الكل. وهذه المنظومة هي التي تدير كل مصير البلاد، وليس لأبناء الشعب أي تأثير أو دور في ذلك، فالبلاد ملك لأولئك النفر.الملك كان يقول لوزرائه: يا خدامي! وكانوا خدامه فعلاً. هذا هو الواقع. ناصر الدين شاه، ومحمد شاه، وفتح علي شاه، وغيرهم، ومن تلاهم، كانوا يقولون حتى لوزرائهم ولصدرهم الأعظم: أنتم خدم جيدون! هكذا كانت الثقافة السياسية في البلاد. حين يكون رئيس الوزراء والوزير خدماً للشاه، يقول رئيس الدائرة الفلانية:»حين يكون البعير بثمن الوزّة، لن يكون للحمار ثمن حقيقي«.والجماهير لا شيء لها من الأمر وكأنها »هباء منبث«. البلد كان ملكاً لعدد محدود من الأفراد والواقع أنه كان ملكاً لشخص واحد فقط. هذا هو تاريخنا.أنتم مسؤولي هذا البلد استلمتم من هذا الشعب ومن هذه الثورة نظاماً تشكلت كل أركانه بأيدي الناس وانتخابهم: قيادته بانتخاب الجماهير، ورئاسة جمهوريته بانتخاب الجماهير، نواب مجلسه بانتخاب الجماهير. هذه المؤسسات التي يمكن أن تنتخب من قبل الناس بنحو منطقي معقول، هي ملك الجماهير. القوات المسلحة والجهاز القضائي طبعاً لا ينتخب من قبل الناس في أي مكان من العالم. لتلك الأجهزة حساباتها ومعاييرها الخاصة. إنها في أيدي من انتخبهم الشعب. لقد أوجدتم هنا مثل هذا النظام. منذ ثمانية وعشرين عاماً والانتخابات تجري في هذا البلد. طبعاً هناك كلام فارغ ضد الانتخابات في بلادنا. وأي حقيقة في العالم لا يصدر بحقها كلام فارغ؟ حتى الذات الربوبية المقدسة لم تسلم من الهذر والكلام الفارغ، ولا حتى أساس الدين. هل يمكن أن تكون هناك ديمقراطية أوضح وأنصع من هذه؟ على كل حال، هذا مقطع أساسي قياساً إلى تاريخنا الماضي.أنظروا الوضع في العالم، أنتم تعرضون على العالم حقيقة جديدة. النظام العالمي خصوصاً بعد ظهور الاستعمار، ولاسيما في القرنين الأخيرين، وعلى الأخص في عهد هيمنة الاستعمار التي أفضت إلى الحروب الكبرى في هذا القرن، قام كله على أساس الهيمنة والخضوع للهيمنة. عدد من البلدان والحكومات، ولأسباب معينة يمارسون الهيمنة، ويعتقدون أنهم يجب أن يمارسوا هذه الهيمنة! وعلى سائر الدول والشعوب أن تتقبل الهيمنة وتخضع لها. على حد تعبير عالم اجتماع غربي معروف وناقد للسياسات الغربية والأمريكية: الواقع أن الهيمنة هي هيمنة أثرياء البلدان المهيمنة وأغنيائها، وليست هيمنة كل البلدان. وأثرياء البلدان الخاضعة للهيمنة أيضاً يجب أن يعملوا في خدمة أولئك، وهم يعملون. وهذا صحيح طبعاً، إنه تحليل صائب.أتيتم أنتم ورفضتم هذا النظام العالمي المفروض المتكرّس الظالم ووقفتم بوجهه. هذا هو المهم: »إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا«، هذا هو المهم. الكلام الحسن، والشعارات الجيدة، وظاهرة الحكومة الجماهيرية، والثورة الشعبية أمور تكررت في كثير من أنحاء العالم. أما أن تستطيع هذه الظاهرة التماسك وتستطيع هذه الغرسة أن تتجذر، ويستطيع هذا الصرح أن يمنع نفسه حيال شتى الهجمات وتمضي على ولادته ثمان وعشرون سنة، وينجز مهاماً كبرى، ويتحدى معارضيه، وهم معارضون مستكبرون لم يكونوا على استعداد أبداً لمنازلة بلد من العالم الثالث كما يسمونه، ففي كل هذا دليل على أنكم بدأتم حقبة جديدة، فاعرفوا قدر ذلك... اعرفوا قدر هذه المسؤولية الكبيرة.ما هي نتيجة المعرفة بهذا الموقع والمكانة والمسؤولية؟ النتيجة هي أن تواصلوا العمل إلى النهاية. لا يحق لكم أن تتركوا هذه المهمة وأنتم في منتصف الطريق. يجب أن لا تتعبوا. ينبغي أن لا تسمحوا لمساعيكم وجهودكم بالتوقف مطلقاً. عليكم تشخيص عوامل الهزيمة والاستسلام وإقصائها عن أنفسكم. ثمة أمور تسبب الهزيمة للشعوب. إنها أمور يعرفها الجميع. وهي ليست بالشيء الجديد، نحن أيضاً نعرفها، منها اختلاف الكلمة، والسماح لمندسي الأعداء بالتغلغل إلى صفوفنا، واستصغار المهام والتهاون في أدائها، واليأس من بلوغ الأهداف المرسومة، وتجاهل العدو والاستهانة به وغض الطرف عنه، هذه كلها من عوامل الضعف والهزيمة، وكلها سلبية وخطيرة. عليكم إبعاد عوامل الضعف عنكم. الانشداد للرغبات الشخصية التافهة من عوامل الهزيمة، بمعنى أن المسؤول أو المدير رفيع المستوى قد يصادف فجأةً وهو في طريقه لأداء مهمة كبرى مغنماً ينفعه نفعاً شخصياً، والمثال الواضح لذلك دفع الرشوة واستلامها، وهناك أمثلة أخرى أدق من هذا المثال وليست بهذا الوضوح والنصاعة، لكنها كالرشوة في حقيقتها. يصل الإنسان إلى موقف يجد فيه أنه إذا أراد مواصلة طريقه فسيخسر هذا المغنم، أما إذا تهاون وتوقف وتزعزعت خطواته فسوف يكسب مغنماً كبيراً. هذا أيضاً من عوامل الضعف. هنا أيضاً يتوجب على الإنسان صرف النظر عن هذه الرغبات المنحطة قبال عظمة الشيء والمهمة التي يؤديها. ثمة الكثير من الأمور يمكن أن تطرح في هذا السياق.إعلموا أن نظامكم نظام كفوء ومميز. يحاول أعداؤكم أن يفهموكم ويقنعوكم بالقوة أن نظامكم هذا غير كفوء. لا، بل هو نظام كفوء جداً. أثبت هذا النظام كفاءته في ميادين متعددة. على صعيد الخدمات وتنمية الخدمات العامة للناس قارنوا إيران اليوم بإيران عهد الطاغوت؛ لا مجال للمقارنة أصلاً. هذا أحد مجالات الكفاءة، والأمثلة والنماذج كثيرة وأنتم تعرفون إحصائيات ذلك جيداً. من المناسب جداً أن تطرح هذه الحقائق على الجماهير وأن تذكروها أنتم لهم.صعيد آخر هو قضية الثقة الوطنية بالذات، والتي أفصحت ولا زالت عن نفسها في الحقول العلمية، والسياسية، والتقنية. في بلادنا هذه، لم يكن مهندسنا ليجرأ على التلفظ بعبارة: صناعة محطة طاقة، لم يكن يجرأ على ذكر أسم بناء السدود، لم يكن يجرأ على التفوه بكلمة بناء مطار. كل هذه المشاريع يجب أن يقوم بها الأجانب. أقصى ما كان يفعله المهندس الإيراني هو العضوية في جزء يسير ومعزول من المشروع الذي يتولاه مهندس أجنبي أو شركة أجنبية، إذا وافقوا هم على ذلك، وأحياناً لا يوافقون. تحدثت عند سد كرخه قبل ثلاث أو أربع سنوات وشرحت المسألة بالتفصيل وقارنت سد كارون 3 - وليس سد كرخه - بسد دز. شيّد سد دز في زمن الطاغوت، وبُني سد كارون 3 في عهد الجمهورية الإسلامية، والسدان متشابهان. سدان كونكريتيان باستيعاب متقارب من حيث حجم المياه والكهرباء. كم وجهوا من الإهانات للإيرانيين عند بناء سد دز؟! كم أذلوا المهندس الإيراني وصاحب رأس المال الإيراني، والمستثمر الإيراني وأهدروا سمعتهم وماء وجوههم؟! ولكن في بناء هذا السد نهض الشاب الإيراني والمهندس الإيراني نفسه بهذا العمل العظيم المعقد وهو أهم وأشد حساسيةً من سد دز من حيث الجهد التقني لبناء الكونكريت وربط القطع الكونكريتية بسفوح الجبال، وقد شرحوا لنا تفاصيل ذلك. الإيراني شيد بنفسه محطة الطاقة في هذا السد، وشيد السد بنفسه، ومد بنفسه الطريق تحت الماء الذي كان قد زال وتلاشى، وبنى الجسر المعلق الطويل بنفسه، وبفخر، وبعرق جبينه الذي أريق، لكنه رفع رأسه بعز وشموخ. هذا ليس بالشيء القليل. ولكم أن تعمِّموا هذه الحالة على جميع المجالات.المهندس الإيراني، الخريج الإيراني، الدكتور الإيراني، العسكري الإيراني، وحرس الثورة الإيراني، كل هؤلاء يرون اليوم بأنفسهم، ويصنعون، وينتجون، ويخلقون، ويستخدمون، ويبدون مهارات تفوق مهارات غيرهم. يومذاك لم يكونوا حتى ليفكروا في هذا، واليوم لا يمكن إحصاء الأمثلة والمصاديق. هذه كفاءة النظام. نظامكم هو الذي أنجز كل هذا.النظام هو الذي أحيى زراعة البلد الميتة، وحوّل الصناعة البسيطة البدائية في البلد إلى صناعة نووية حساسة ومعقدة. نظامنا الآن يسير ويعمل تقريباً بموازاة الصفوف الأولى في الصناعات الحديثة كالتي ذكرها السيد رئيس الجمهورية »نانوتكنولوجيا« وصناعات من هذا القبيل، وهي من الصناعات الحديثة في العالم. هذا هو معنى كفاءة النظام.وربما جاز القول إن الأهم والأرقى من كل هذا هو كفاءة النظام في تكريس الديمقراطية، فرغم كل ذلك الماضي القبيح المشؤوم في هذا البلد، استطاع هذا النظام تكريس الديمقراطية. لدينا حالياً انتخابات واحدة في كل عام تقريباً. وبالقرارات التي اتخذت مؤخراً قد يقل هذا المعدل بعض الشيء، لكن الوضع كان هكذا إلى الآن، فكانت لدينا ثمان وعشرون انتخابات تقريباً خلال ثمانية وعشرين عاماً. أجريت كل هذه الانتخابات بهدوء، وسلامة، ومن دون مشكلات كبيرة، ما يدل على أن الديمقراطية ترسخت في هذا البلد. من فعل هذا؟ هذا النظام هو الذي فعله، وهذه كفاءة على جانب كبير جداً من الأهمية.المنـزلة السياسية والعزة الدولية... من يستطيع إنكارهما؟ من بوسعه اليوم إنكار تأثير الجمهورية الإسلامية في سياسات المنطقة بل في سياسات ماوراء المنطقة؟ من يمكنه إنكار عزة الجمهورية الإسلامية بين الشعوب المسلمة؟ أي بلد بمقدوره الادعاء أن رئيسه ومسؤوليه رفيعي المستوى يزورن بلداً إسلامياً آخر فتجتمع جماهير ذلك البلد المسلم الآخر، حتى لو لم توافق حكومتهم، ويهتفون بالشعارات لصالحه، باستثناء الجمهورية الإسلامية؟ الجمهورية الإسلامية فقط لرؤسائها امتداد روحي وحقيقي وسياسي بين الشعوب الأخرى. أليست هذه كفاءة؟ أي مجال من مجالات الكفاءة أهم وأرقى من هذه؟إطلاق خطاب جديد على المستوى الدولي الإسلامي. خطاب الهوية الإسلامية والاستقلال وعدم الخضوع للهيمنة أوجده ونشره هذا النظام.. وهناك أيضاً العلاقات والجيران والكثير مما يقال غير ذلك.علينا مضاعفة هذه الكفاءة بالعلم، والعقل، والعزم، ثلاث »عيون«. أداؤنا يجب أن يكون علمياً، وعقلانياً، وعزمياً. يجب أن يصاحبه العزم، إذ لا يتسنى التقدم بالتماهي والارتخاء وعدم الوفاء. يجب أن نستخدم العلم والعقل ونجعل العزم كالمحرِّك الذي يدفعهما للأمام. بمستطاعنا مضاعفة هذه الكفاءة.إيران، وشعبها، وحكومة الجمهورية الإسلامية مظلومون طبعاً. لقد ظلمنا. نحن مظلومون لكننا لسنا ضعفاء. كالإمام علي (عليه الصلاة والسلام) كان مظلوماً لكنه أقوى جميع رجال زمانه. كان كجميع أهل الحق مظلوماً ومتنكراً عليه، لكنه لم يكن ضعيفاً. ونحن لسنا ضعفاء، لكننا مظلومون. ولن نسمح أن تستمر هذه المظلومية إلى نهاية المطاف، فنحن لن نصبر عليها، وعدم الصبر عليها يستدعي تعزيز علومنا وعقولنا وعزائمنا، وكل هذا يتأتّى بالذكر الإلهي الذي أشرت إليه في بداية الحديث. هم يهددون طبعاً، لكن التهديد ليست له أهمية. أقولها لكم بصراحة:أولاً: ليس التهديد بالشيء الجديد. تعرضنا دوماً للتهديد بالهجوم العسكري من بعد الحرب وإلى اليوم، أي منذ عام 67 ولحد الآن. لو عدتم لذاكرتكم، والذين كانوا في سياق الأحداث يعلمون ذلك، وأنا تقريباً أعرف بالتهديدات من غيري، لأن بعض الأمور تروى لي ولا تروى للآخرين. كنا عرضة للتهديد دوماً. لا نقول إن هذه التهديدات لن تتحقق على نحو القطع واليقين، فقد تتحقق، ولتتحقق. الأثر الذي ستتركه فينا أنها ستزيد من استعدادنا وجاهزيتنا.ثانياً: الذين يطلقون هذه التهديدات لابد أنهم قد فهموا، وليفهموا الآن أيضاً أن التهديد والاستهداف العسكري لإيران على نحو »الضربة يعقبها الفرار« لم يعد ممكناً. كل من يعتدي سينال مغبة اعتدائه بشدة.ثالثاً: الذين يهددون هدفهم زعزعة قلوب المسؤولين والجماهير. وأقولها بصراحة: لن يتزعزع قلب أحد بهذه الكلمات، لا المسؤولين ولا أبناء الشعب، لكنها ستؤثر بأن تدفع المسؤولين نحو مضاعفة الاستعداد والجهوزية، إذ من واجب المسؤولين أخذ حتى الاحتمالات الضعيفة بنظر الاعتبار. أنا أراجع الأعوام الماضية - سنة 75 مثلاً من السنين التي اكتسب فيها التهديد العسكري في زمن كلينتون طابعاً جاداً - وأرى أن التهديدات دفعت مسؤولينا في القطاعات التقنية والعسكرية المختلفة إلى النهوض بمشاريع جديدة، واكتساب جهوزية مضاعفة. كل مرة يهددون فيها تنبثق لديناجهوزية إضافية. ليس تأثير تلك التهديدات زعزعة قلوب جماهيرنا ومسؤولينا، لكن تأثيرها زيادة استعداد البلاد وقابلياتها. إذن، فهي لا تنتهي بما يضرنا.رابعاً: تدل هذه التهديدات أن الليبرالية الديمقراطية خالية الوفاض تماماً على صعيد المنطق. حين يواجهون صداماً يقولون إنه شن هجمات عسكرية، وهذا صحيح طبعاً، فقد هاجم إيران، وهاجم الكويت. لكن الجميع يعلمون أن الجمهورية الإسلامية لم تهاجم أحداً، وليس لديها المحفزات لمهاجمة أحد. هي ليست من أهل العدوان. ممارسات الجمهورية الإسلامية ممارسات منطقية وفكرية وذات دوافع معنوية. وأولئك خلو اليدين تماماً على هذا الصعيد. لا يمكنهم المجابهة. وفي هذا دليل على أن الجهاز الحكومي والسياسي المنبثق عن الليبرالية الديمقراطية والقائم على أساسها خالي الوفاض إلى درجة تجعله كالإنسان الأمي الذي لو أقنعه وحجّه إنسان فاضل، لم يعد أمامه من سبيل سوى استخدام عضلاته وقبضات يديه! واضح من هذا أنه لا يملك شيئاً. ليست لديه معلومات. هذا دليل فقرهم.طبعاً جهوزية الشعب الإيراني جيدة جداً بفضل الله. وعليكم مضاعفة هذه الجهوزية خصوصاً وأن قضية الانتخابات القادمة مطروحة هي الأخرى. الذي أرجوه دائماً وفي كل الفترات هو أن تجعلوا الانتخابات وسيلة للقوة الوطنية، وزيادة الاقتدار الوطني، وليس لتضعيف النظام وإهدار سمعة الشعب. الضجيج الذي يثار أحياناً حول الانتخابات من قبل بعض الأحزاب والجماعات والتيارات السياسية والفئات سيئة الخُلق تُضعّف البلاد والشعب والنظام. الفئات المختلفة، والتيارات المختلفة، والميول المتنوعة، يجب أن يعبّئوا كل طاقاتهم وأفرادهم بكل شوق ورغبة ووجد ويهتموا للانتخابات كهدف سامٍ ومحبّذ وطيب، ولا يجروها للشجارات والضجيج والإهانات والإساءة. إجعلوا الانتخابات وسيلة لقطع آمال الأعداء، وستكون هذه الانتخابات أيضاً كباقي الانتخابات مدعاة عزّ مضاعف للإسلام...وها قد انقضى الوقت، واستميحكم العذر.اللهم بمحمد وآل محمد اجعل ما قلناه وما سمعناه لأجلك وفي سبيلك.. اللهم تقبّله منا. إجعلنا ممن يتضاعف ذكرهم وفطنتهم لحقيقتك وحقيقة دينك يوماً بعد يوم. إجعلنا أكثر عزماً وجزماً في سبيل الأهداف السامية.ربنا احشر الأرواح المطهرة لشهدائنا الأعزاء والروح المطهرة لإمامنا (رضوان الله عليه) مع أوليائهم، واجعلنا من السائرين والسبّاقين في طريقهم. أرضِ عنا القلب المقدس لصاحب الزمان.والسلام عليكم ورحمة الله.  

100 يوم من الطوفان