الخطابات

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

الخطبة الأولىبسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونؤمن به ونستغفره ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه وحافظ سره ومبلّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته، سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما بقية الله في الأرضين.أوصي كافة الإخوة والأخوات المصلين الأعزاء ونفسي بتقوى الله وهي أطيب ثمار هذا الشهر الكريم. ها قد حل شهر رمضان المبارك مرة أخرى بكل بركاته وجماله المعنوي. من قبل الدخول في هذا الشهر الفضيل كان رسول الإسلام العظيم يُعد الناس للدخول في هذا الوادي الخطير الزاخر بالرفعة والبركات »قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة«. هكذا قال في خطبة آخر جمعة من شهر شعبان على إحدى الروايات، وأخبر الناس ونبّههم إلى قرب حلول شهر رمضان. لو أردنا تعريف شهر رمضان في جملة واحدة، لقلنا إنه شهر الفرص، حيث تنتصب فرص جمة أمامنا في هذا الشهر. إذا استطعنا الانتفاع من هذه الفرص بشكل سليم لتوفرت لدينا ذخيرة جد عظيمة وقيمة. أود أن أُدلي ببعض الإيضاحات عن هذه النقطة وستكون الخطبة الأولى حول هذه القضايا ذات الصلة بشهر رمضان وفرصه النادرة.يقول الرسول الكريم في خطبته التي أشرنا إليها: »شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله«. هذه العبارة بحد ذاتها جديرة بكل تأمل وتدبر. دعوة إلى ضيافة إلهية. ليس ثمة إجبار على أن ينتفع الجميع من هذه الضيافة، لا، إنها فريضة قررت ومُنحنا الخيرة في أن نغترف من هذه الضيافة أو لا نغترف. البعض لا يجدون أية فرصة للتنبه إلى الدعوة الموجهة لهم للمشاركة في هذه الضيافة العظيمة. غفلتهم وانهماكهم في الأمور المادية والدنيوية بدرجة لا تجعلهم يتفطنون لمجيئ شهر رمضان وانقضائه.كما لو يُدعى شخص لضيافة فخمة جداً وعامرة بالخير والبركات ولا يجد الفرصة لتلبيتها، بل قد يغفل حتى عن النظر إلى بطاقة الدعوة. هؤلاء يعودون بأيدٍ خالية تماماً. والبعض يعلمون بالضيافة لكنهم لا يلبّونها. هؤلاء هم الذين لم يتلطف عليهم الله تعالى ولم يوفقهم لصيام هذا الشهر - من دون أن يكون لهم عذرهم في ذلك - أو لتلاوة القرآن والأدعية الخاصة به. هؤلاء لا يدخلون الضيافة ولا يقصدونها. وحالهم معلوم طبعاً. الكثير من المسلمين ونحن منهم ندخل هذه الضيافة، بيد أن انتفاعنا منها لن يكون بدرجة واحدة. البعض ينتفع من هذه الفرصة أقصى درجات الانتفاع.الرياضة التي تكتنفها ضيافة هذا الشهر - رياضة الصيام وتحمل الجوع - ربما كانت أعظم مكتسبات هذه الضيافة الإلهية. البركات والخيرات التي يحققها الصيام للإنسان هائلةٌ وجمة من الناحية المعنوية ومن حيث تفجير الأنوار في قلب الإنسان إلى حد يتاح القول معه إن الصيام هو أعظم خيرات هذا الشهر. البعض يصومون شهر رمضان فهم إذن يشاركون في الضيافة وينالون منها أوطارهم. ولكن فضلاً عن الصيام وهي الرياضة المعنوية في هذا الشهر المبارك، فإنهم ينالون تعليمهم من القرآن الكريم إلى أقصى الحدود. تلاوة القرآن بتدبر. لتلاوة القرآن والأُنس به والإصغاء لكلام الله وتلقّيه في آناء الليل وأطراف النهار طعمٌ ومعنى آخر بالنسبة للإنسان الصائم وروحه المتنورة بأنوار الصيام. الشيء الذي يتعلمه الإنسان من مثل هذه التلاوة للقرآن الكريم لا يحصل عليه في حالات التلاوة العادية. البعض ينال نصيبه من هذا الشيء أيضاً. أضف إلى ذلك أنهم ينتهلون زلال التحدث إلى الله تعالى ومخاطبته ومناجاته وإبداء أسرار قلوبهم له عز وجل، وذلك ما يتجلى في قراءة الأدعية. دعاء أبي حمزة الثمالي، وأدعية النهار، وأدعية الليالي والأسحار، هذه كلها كلامٌ مع الله وطلب منه، وتقريب للفؤاد من حريم العزة الإلهية. إنهم ينتهلون وينتفعون من هذا أيضاً، وبالتالي فهم يغترفون من كل خيرات وبركات هذه الضيافة.وقبل كل هذا، وربما فوق كل هذه العبادات هنالك تركُ المعاصي، فهم لا يرتكبون المعاصي في هذا الشهر. في رواية الخطبة التي ألقاها الرسول الأعظم، يسأل الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) من الرسول: أي الأمور أفضل في هذا الشهر؟ فيقول (ص) في جوابه: »الورع عن محارم الله«. اجتناب الذنوب والمحرمات الإلهية مقدّم على الأعمال الإيجابية. إنه الحؤول دون تلوث الروح والفؤاد. هؤلاء الأفراد - يجتنبون المعاصي أيضاً. إذن فهو شهر الصيام وتلاوة القرآن والدعاء وذكر الله والعزوف عن المعاصي. هذه المنظومة تقرب الإنسان أخلاقياً وسلوكياً مما يطمح إليه الإسلام. إذا تم أداء هذه المنظومة من الأعمال تطهّر فؤاد الإنسان من الأضغان وانبعثت فيه روح الإيثار والتضحية، وصار من السهل عليه مساعدة المحرومين والمعوزين وتجاوز الذات والماديات لصالح الآخرين. لذلك تلاحظون أن الجرائم والمخالفات تنحسر في شهر رمضان، وتزداد أعمال الخير، وتتعزز المحبة بين أفراد المجتمع أكثر من سائر الأوقات. وكل هذا إنما هو ببركة هذه الضيافة الإلهية.البعض ينتفع من شهر رمضان بهذه الصورة التامة الكاملة، والبعض ينتفعون من شيء ويحرمون أنفسهم من شيء آخر. ينبغي أن ينصبّ جهد المسلم في هذا الشهر على إصابة أكبر قدر من المنفعة من هذه الضيافة، وعلى نيل الرحمة والمغفرة الإلهية. وأريد أن أؤكد هنا على الاستغفار، الاستغفارمن الذنوب، الاستغفار من الخطايا، الاستغفار من الزلات، سواء الذنوب الصغيرة أو الكبيرة. من المهم جداً أن نطهر قلوبنا وأنفسنا في هذا الشهر من الأدران، ونصفّيها من الشوائب ونغسلها من الأقذار. وهذا ما يتحقق بالاستغفار. لذا ورد في الروايات أن الاستغفار هو خير الأدعية أو أنه على رأس الأدعية. طلب الاستغفار من الرب. ثمة استغفار للجميع. حتى النبي الأكرم - هذا الإنسان المتسامي - كان يستغفر. استغفار أمثالنا استغفار من نوع معين من الذنوب هي هذه الذنوب الدارجة والمعروفة والميول الحيوانية في نفوسنا، والذنوب التي نقول عنها إنها وقحة، الذنوب البيّنة الواضحة. لكن استغفار البعض ليس من مثل هذه الذنوب. إنه استغفار من ترك الأولى. البعض لا يصدر عنهم حتى ترك الأولى لكنهم مع ذلك يستغفرون. استغفارهم هو من القصور الذاتي والطبيعي للإنسان »الممكن« حيال عظمة الذات الربوبية المقدسة. إنه استغفار من عدم المعرفة الكاملة، وهو استغفار خاص بالأولياء والعظماء.علينا نحن أن نستغفر من ذنوبنا. الفائدة الكبرى للاستغفار هي أنه يوقظنا من غفلتنا عن أنفسنا. أحياناً قد نخطئ بشأن أنفسنا، وحين نفكر بالاستغفار تتجلى أمامنا ذنوبنا وخطايانا وغفلتنا واتباعنا لأهواء النفس وتجاوزنا للحدود، وظلمنا لأنفسنا وللآخرين، فنتذكر ماذا فعلنا. وعندها لن يعترينا الغرور والعجرفة والغفلة. هذه هي أولى فوائد الاستغفار. ثم إن الله تعالى وعد الإنسان الذي يستغفر أي الذي يدعو الله تعالى دعاءً حقيقياً طالباً إليه الغفران والتجاوز عن خطاياه، وعده بقوله »لوجدوا الله تواباً رحيماً«. الله تعالى يقبل التوبة من عباده. الاستغفار هذا عودة إلى الخالق وإعراض عن الخطايا والذنوب، والله يقبل استغفار الإنسان إذا كان حقيقياً.تنبهوا إلى أنه لا فائدة ترتجى من أن يقول الإنسان بلسانه: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، لكن باله يسرح به هنا وهناك. ليس هذا استغفاراً. الاستغفار دعاء وطلب. يجب أن يطلب الإنسان من الله فعلاً ويسأله مغفرته وتجاوزه: ارتكبت هذا الذنب فارحمني يا رب... تجاوز عن خطيئتي هذه... مثل هذا الاستغفار عن كل واحد من الذنوب يستتبع الغفران الإلهي دون شك. لقد تفضل الله تعالى وفتح لنا هذا الباب.طبعاً، الاعتراف بالذنب أمام الآخرين ممنوع في الدين الإسلامي. الظاهرة المشهودة في بعض الأديان من إنهم يقصدون دور العبادة ويجلسون أمام رجل الدين أو القس ويعترفون بذنوبهم، هذه الظاهرة غير موجودة في الإسلام، بل ممنوعة. ليس من الجائز أن يهتك الإنسان ستره ويفشي أسراره الخاصة وذنوبه للآخرين. وليس في ذلك أية فائدة. ما يذكر في تلك الأديان الخيالية والوهمية والمحرفة من أن القس يغفر الذنب أمر غير صائب، كلا، غافر الذنب في الدين الإسلامي هو الله فقط. حتى الرسول لا يستطيع أن يغفر الذنب. يقول عزوجل في الآية الكريمة: »ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً«. أي إن الرسول يطلب لهم الغفران ولا يستطيع أن يغفر الذنب بنفسه. الذنب لا يغفره إلا الله تعالى. هذا هو الاستغفار، ولهذا الاستغفار مكانة عظيمة حقاً. لا تغفلوا عن الاستغفار في هذا الشهر، خصوصاً في الأسحار والليالي. إقرأوا أدعية شهر رمضان وركزوا على معانيها.الحمد لله مجتمعنا ذو نـزعة معنوية. الدعاء والتوجه إلى الله والتوسل به والابتهال إليه ظواهر مشهودة ومحبوبة لدى جماهيرنا. القلوب النيرة الطاهرة لشبابنا ميّالة لذكر الله. هذه كلها فرص وقد مَنَّ الله بشهر رمضان كفرصة إلهية، فلابد أن تغتنموها فهي فرصة عظيمة جداً. قرّبوا القلوب إلى الله وعرّفوها خالقها. طهروا القلوب والأرواح بالاستغفار. إطرحوا مطاليبكم على الله تعالى. لقد أنجز الترابط المعنوي لشعبنا مع الله تعالى أعمالاً كبرى، وشهر رمضان فرصة فريدة لهذا الشأن، لذا يجب أن تغتنم.نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعاً لنستطيع في شهر رمضان هذا تغليب الجانب الملائكي على الجانب الحيواني في وجودنا. لدينا جانب ملائكي وجانب مادي حيواني. أهواء النفس تغلِّب الجانب المادي على الجانب الملائكي. عسى أن نستطيع في شهر رمضان تغليب النـزعة الروحانية والنورانية على الجانب المادي فنحتفظ بهذا كذخر ونستفيد من شهر رمضان كتمرين ينفعنا على طول السنة إن شاء الله. الخطبة الثانية بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما على أمير المؤمنين وسيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والخلف القائم المهدي حججك على عبادك وأمنائك في بلادك وصلّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين واستغفر الله لي ولكم.أول ما أقوله في هذه الخطبة هو التنويه بالذكرى العطرة للمرحوم آية الله طالقاني (رضوان الله تعالى عليه)، الرجل الذي أقيمت أول صلاة جمعة حافلة في طهران بإمامته وبأمر من إمامنا الجليل. كان المرحوم طالقاني عالماً مجاهداً صابراً تقياً طاهراً. وقد اجتاز امتحاناته بنجاح، سواء في عهد الكفاح أو بعد انتصار الثورة، فخرج مرفوع الرأس من المعادلات المعقدة والشديدة الصعوبة التي طرأت بعد الثورة على المستويات السياسية والأمنية. وقد أضحت صلاة الجمعة مؤسسة طافحة بالبركات، سواء في طهران أو في سائر مدن البلاد. شيئاً فشيئاً تحولت صلاة الجمعة في المدن الصغيرة والأصغر في كافة أنحاء البلد الإسلامي إلى مراكز للمعنوية والمقاومة. وهذا هو معنى الصلاة العبادية - السياسية، التعبير الذي يبدو أن إمامنا الكبير هو الذي أطلقه على صلاة الجمعة حينذاك. إنها مركز للعبادة ومركز للوعي الروحي والسياسي أيضاً.. الوعي الذي يعصم شعبنا من الزلل والانحراف والخنوع. معظم الهزائم التي تلاحظون شعوب العالم تمنى بها في الساحة السياسية ناجمة عن انعدام الوعي الذي يوجِّه ضرباته في مواضع مختلفة. الوعي يحصّن الشعب من هذه الضربات ويجعله مستعداً للمقاومة. إذن، صلاة الجمعة مقر للمعنوية وللمقاومة في نفس الوقت. ليعلم شعبنا كله قدر هذه الصلاة ولا سيما شبابنا الأعزاء، وكذلك السادة أئمة الجمعة المحترمون في كافة أرجاء البلاد، ليعرفوا هم أيضاً قدر هذه الصلاة. إنه منبر لا نظير له. ليعملوا ما من شأنه اجتذاب الشباب والقلوب النقية التائقة إلى صلاة الجمعة وتعزيز هذه الشعيرة باضطراد.المسألة الأخرى التي أود ذكرها لتكون مقدمة للقضية الرئيسية التي أريد التطرق لها هي مسألة اسبوع الدفاع المقدس الذي نستقبله على الأبواب. الحرب التي شنت سنة 1359(1) ضد الجمهورية الإسلامية مع أنها شنت من قبل صدام البائس المفضوح، ولكن كان من ورائها مشروع استكباري دولي لتركيع النهضة الإسلامية والثورة الإسلامية. لقد حلل المحللون الغربيون وأدركوا وكان فهمهم صائباً أن هذه الثورة ليست مجرد إسقاطٍ لنظام عميل في إيران وإخراج لهذا البلد العظيم المفعم بالخيرات من سيطرة الاستكبار. إنما هي حركة ستُلهم الآخرين، وتهز العالم الإسلامي، وتدعو الشعوب إلى التفكير. وقد حصل هذا بالفعل.. فكرت فلسطين، فكرت بلدان شمال أفريقيا، انطلقت في العالم الإسلامي كله حركة استعادة الهوية الإسلامية التي ما تزال تتصاعد وتتنامى إلى يومنا هذا. أدركوا أن هذا البلد سيكون مركز إلهام للعالم الإسلامي، لذلك قرروا القضاء على الجمهورية الإسلامية بأية طريقة من الطرق. فنـزلوا إلى الساحة مع أن المنطقة خطيرة جداً، فهي منطقة نفطية والغربيون تهمهم قضية النفط والخليج الفارسي إلى أقصى حد، وأمن هذه المنطقة حيوي بالنسبة لهم، نزلوا إلى الساحة وزادوا قوة صدام، بل شجعوه على الشروع بهذه الحرب، ولأنه كان جاهلاً عنيداً متعطشاً للاقتدار وساذجاً، توهم أنه سينهي الموضوع في بضعة أيام أو بضعة أسابيع ويعود لمكانه بكل قوة واقتدار. لذلك دخلوا هذه الحرب ووجّهت عن طريقها ضغوط شاملة من قبل جميع القوى الكبرى في العالم ضد إيران الإسلامية طيلة ثماني سنوات وصبرت إيران على هذه الضغوط وكان هذا مهماً جداً. الاتحاد السوفيتي السابق ضغط على إيران عن هذا الطريق، وضغطت أمريكا أيضاً، حلف الناتو - أي الأوربيون - ضغطوا، والرجعيون في المنطقة ضغطوا بشتى الصنوف والأشكال على الجمهورية الإسلامية عن هذا الطريق. واحد فقط من هذه الضغوط كان يمكن أن يُركِّع أية ثورة أو حكومة ويسقطها، إلا أن هذه الضغوط مجتمعةً لم تعجز عن تركيع الجمهورية الإسلامية وحسب، بل ضاعفت من قوة الشعب الإيراني ووعيه ورسّخت عزمه وإرادته أكثر، ودفعت الجمهورية الإسلامية يوماً بعد يوماً صوب التوفر على القوة الإسلامية والإلهية. هذا هو الأثر الذي تركه الثبات في سوح الدفاع.وقد تلقت الجبهة المقابلة ضربات عديدة. أي إن صداماً والنظام البعثي تلقّى الضربة الرئيسية هناك. وفكرت أمريكا بأنها تستطيع تطويقه، إذ وجدوه نظاماً أجوف لا يستند إلى جماهيره. أدركوا هذا، وكانت الضربة القاصمة قد وجهها الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية لهذا المعتدي الذي انتهى أخيراً إلى حيث ترون. أما الجمهورية الإسلامية فازدادت قوةً يوماً بعد يوم. تسمعونهم اليوم يتحدثون عن الحظر والحصار وما شاكل. في زمن الحرب فرضوا حظراً وحصاراً أسوء كثيراً مما يتحدثون عنه الآن. في خضمّ هذا الحظر ارتفعنا بقواتنا المسلحة من الصفر إلى المستوى الذي نراه اليوم، حتى غدت الجمهورية الإسلامية من حيث القدرات العسكرية في طليعة القوى العسكرية في المنطقة. الإمكانات التي استطاعت الجمهورية الإسلامية إنتاجها بقدراتها وابتكارها وإبداعاتها وتفجير طاقاتها الذاتية أذهلت الأنظار حقاً. والتقدم الذي أحرزته في الصعد العلمية والتقنية المختلفة معروف ومشهود له أيضاً، وأحد نماذجه الطاقة النووية. حصل هذا كله للشعب الإيراني في عهد الحظر والضغوط، أي إن الحظر لم يعدم التأثير وحسب، بل كانت تأثيراته عكسية، حيث دفع القوى الداخلية للتفكير والعمل.القضية الرئيسية التي أريد التحدث عنها اليوم باختصار هي أن قمع الثورة وإسقاطها - وهو مشروع استكباري - مشروع مهزوم في هذه المنطقة. بل على العكس، سيمنى مهاجمو الثورة حتى لو كانوا في حجم دولة كبرى ومقتدرة مثل أمريكا بالخيبة والاقتراب إلى الهزيمة يوماً بعد يوم. نستطيع حالياً أن نشاهد مؤشرات واضحة لهزيمة السياسات الأمريكية في المنطقة. هذه منعطفات مهمة لشعبنا وشبابنا ومحللينا يجب أن يتدبروها بكل دقة. فقضية المواجهة بين القوى الشعبية المتوكئة على الروح المعنوية والقوى المادية المعتمدة على القوة والتهديد، قضية مهمة جداً وجديدة ينبغي مناقشتها في العلوم الاجتماعية وعلم نفس الشعوب وعلم النفس الاجتماعي. وهي الآن قضية منسية تماماً. شعب مثل شعبنا ليس له قنابل ذرية، ولم يُسمح له طوال مائة عام بالتحرك إلى جانب رواد الحركة العلمية في العالم فبقي متخلفاً بدرجات كبيرة، ولا هو في مستوى تلك البلدان الغنية من حيث الثروة، ومع ذلك يستطيع هذا الشعب وهذا البلد أن يفرض على منظومة البلدان القوية المالكة للسلاح والتقنية والثروة المادية والإعلامية التراجع والهزيمة في أهم الميادين. ما سبب ذلك؟ إنه شيء قمين بالتأمل والتدقيق. على علماء السياسة والاجتماع تحليل هذه الظاهرة. أنظروا كيف يفصح دور المعنويات عن نفسه في إيران اليوم. من هنا كان النظر إلى هذا المشهد نظراً لاستلهام العبر والدروس. الساحة ساحة اندحار القوة الأمريكية المستكبرة. لا نريد أن ندعي ادعاءً واهياً، لا، فهذه أمور جلية اعترفوا هم أنفسهم بها.تذرع أمريكيون بحادثة العشرين من شهريور أي الحادي عشر من سبتمبر التي وقعت قبل أربعة أو خمسة أعوام ليؤمِّنوا مصالحهم في الشرق الأوسط. هدفهم الرئيس هو أن يختلقوا شرقاً أوسط يدور حول محور المصالح الإسرائيلية. وعلى حد التعبير الذي أطلقناه حينها يريدون شرقاً أوسط عاصمته إسرائيل. هذا ما كانوا يقصدونه. احتلال العراق والهجوم عليه كان جزءاً من خطط هذا المشروع. العراق أحد أثرى بلدان المنطقة والبلدان العربية. بلد يعيش أهله اليوم للأسف هذه الحال من الفقر والفاقة والآلام. أراد الأمريكيون الإمساك بهذا البلد في قبضتهم - ولم يكن صدام كافياً لعدم إمكانية التكهن به - وتوليةَ حكومة هناك تكون ذات ظاهر شعبي وديمقراطي وتبقى أسيرة في قبضتهم. كانت هذه من الخطوات المهمة لصناعة الشرق الأوسط الجديد الذي ينبغي إيجاده على أساس المصالح الإسرائيلية. وعندئذ بوسع مثل هذا الشرق الأوسط أن يحاصر إيران الإسلامية. هذا كان هدفهم. ولكم أن تلاحظوا الآن أجزاء هذه الخطة جزءاً جزءاً. إنها خطة فشلت في فلسطين، فلسطين التي كانت ركناً أصلياً ومحورياً أخفقت فيها هذه الخطة. لماذا؟ لأن حماس وهي أكبر وأهم خطوط المقاومة ضد إسرائيل شكلت في فلسطين حكومة تعتمد على أصوات الجماهير وتولت السلطة هناك. هل هناك صفعة أقوى من هذه توجّه لأمريكا وإسرائيل؟ ومنذ أن تولت هذه الحكومة زمام الأمور بدأوا اختلاق العراقيل لها ليقصوها عن الساحة، لكنهم لم يستطيعوا لحد الآن. وللأسف فإنهم استعانوا ببعض الفلسطينيين أنفسهم من أجل تركيع الحكومة الشعبية في فلسطين، إلا أنهم لم يفلحوا إلى اليوم ولله الحمد، ونتمنى أن لا يفلحوا بعد اليوم أيضاً. هذا ما يتعلق بفلسطين.الكيان الصهيوني نفسه - الذي كان الهدف تقويته وتعزيزه - تلقى ضربة، وتلقى الأمريكيون أيضاً ضربة قوية. كيف تلقوا هذه الضربة؟ في الصيف الماضي دخلت القوات المسلحة الإسرائيلية التي يثار حولها كل هذا الضجيج- الجيش الإسرائيلي الذي يُزعم أنه أقوى جيوش المنطقة - حرباً ضد لبنان بكل ما لتلك القوات من تجهيزات وإمكانات وعدة. ولم تدخل الحرب ضد بلد، أو ضد حكومة، إنما ضد قوات منظمة تتألف من عدة آلاف من جنود حزب الله والمقاومة الإسلامية. استمرت هذه الحرب ثلاثة وثلاثين يوماً وهذا ما لا سابقة له في المنطقة. عدة حروب خاضتها إسرائيل ضد العرب لم يتجاوز أي منها عدة أيام أو أسبوعاً وأسبوعين على الأكثر. استمرت هذه الحرب ثلاثة وثلاثين يوماً وانتهت بهزيمة تامة ومفضوحة للجيش الإسرائيلي. من كان يتصور هذا؟ لم يكن الأمريكيون يتصورونه إطلاقاً، لكنه حدث. كانت هذه أيضاً صفعة لهم. كانوا ينوون نـزع سلاح حزب الله في لبنان، لكن سلاح حزب الله لم ينـزع أبداً، وليس هذا وحسب بل لقد قوي وتعزز بحيث استطاع دحر الجيش الإسرائيلي الذي قيل إنه أسطورة لا تقبل الهزيمة.إذن، هم أخفقوا بخصوص الحكومة الفلسطينية، وبخصوص الحكومة الصهيونية المختلقة، وانهزموا كذلك بخصوص قطع أيدي الشباب اللبناني الرشيد عن أن تمتد لمساعدة فلسطين. وقد هزموا في العراق أيضاً. جاءوا أولاً واحتلوا العراق عسكرياً. كانت هذه الخطوة الأولى والجزء السهل من العملية. تمضي اليوم أكثر من أربعة أعوام على احتلال العراق من قبل الأمريكيين وحلفائهم. الكل في العالم يرى أن أمريكا أخفقت في العراق. جميع المحللين في العالم يعلمون أن أمريكا تبحث اليوم مذعورةً لتخرج من العراق خروجاً يحفظ لها ماء وجهها. الكل يدرون أن أمريكا وصلت لطريق مسدود في العراق. كان هدف الأمريكان أن ينصّبوا حكومة عميلة لهم، لكن الحكومة التي جاء بها الشعب العراقي بعيدة جداً عن الأهداف الأمريكية. حكومة تقف بوجه الأمريكيين وليست عميلة أو مستسلمة لهم. بذل الأمريكان قصارى جهدهم من أجل أن يسقطوا الحكومة الشعبية ويُحلوا حكومتهم محلها لكنهم لم يستطيعوا لحد الآن. وإذا حافظ الشعب العراقي على وعيه ويقظته إن شاء الله فلن يستطيعوا بعد ذلك أيضاً.وحول تضعيف الجمهورية الإسلامية ومحاصرتها أيضاً جاءت النتائج عكسية، إذا استطاع هذا الشعب بهمته العالية وبتوفيق من الله وبحول منه وقوة أن يرتقي سلّم العلاء والشموخ درجة بعد أخرى ومرتبة بعد مرتبة. من حيث المكانة السياسية نقف اليوم في مرتبة أرقى مما كنا عليه قبل أربعة أو خمسة أعوام حينما بدأ الأمريكيون العمل لبلوغ هدفهم. نحن اليوم في موقع أكثر تقدماً من الناحية العلمية. وكذلك الحال على صعيد المصادر المالية. وشعبنا اليوم في مرتبة أرقى من حيث الحيوية والاستعداد النفسي. وهو في موقع متقدم أكثر من حيث سيادة القيم الثورية ومبادئ الإمام العظيم. كلما بذلوه من جهود طوال هذه الأعوام الأربعة أو الخمسة جاءت نتائجه عكسية وازداد الشعب الإيراني حيوية ويقظة وفاعلية وحضوراً في الساحة، وما من صعيد يلاحظ الإنسان أن الشعب الإيراني يبدي فيه عدم إكتراث ولا أبالية إذا كان صعيداً لتواجده وإسهامه. هذه هي الحصيلة الأمريكية.. هزيمة كاملة في الوصول للأهداف. أضف إلى ذلك أن الأمريكيين مدانون اليوم من قبل الأمة الإسلامية. أمريكا اليوم مدانة في الرأي العام الإسلامي. تسمعون بهذه الاستبيانات والاستطلاعات المختلفة التي تُجرى في أنحاء العالم الإسلامي وتشير كلها إلى كره المسلمين لأمريكا وإدانتهم لها.أنا اعتقد اعتقاداً راسخاً أنه سيأتي اليوم الذي يحاكم فيه رئيس جمهورية أمريكا الحالي والمسؤولون الأمريكيون في محكمة دولية عادلة للفجائع التي ارتكبوها في العراق. ينبغي أن يجيب الأمريكان عن السؤال: لماذا لا ينهون احتلالهم للعراق؟ يجب أن يجيبوا: لماذا تعم العراق أمواج انعدام الأمن وطوفانات الإرهاب هكذا؟ الأمريكان جاءوا بالإرهاب إلى العراق وفرضوه عليه. يجب أن يجيبوا لم تعم البطالة خمسين بالمائة من الناس في بلد ثري كالعراق؟ ولم تنعدم الخدمات العامة في هذا البلد؟ الناس هناك يعانون مشكلات الكهرباء والوقود والمياه الصالحة للشرب، مدارسهم مهدمة، جامعاتهم مهدمة، لم تُبن مدرسة واحدة، ومستشفياتهم خارجة عن حيّز الفائدة. الناس بحاجة للمستشفيات. أي مستشفى بناه الأمريكان؟ أي مستشفى جهزه الأمريكان؟ أية جامعة بنوها أو عمروها؟ أي طريق مدوه؟ أي أنابيب مدوها؟ أية مياه صالحة للشرب أسالوها؟ هذه أسئلة بحاجة إلى جواب وعلى الأمريكيين الإجابة عنها. لا يمكنهم التنصل من هذه المسؤولية. قد لا يبالون لهذه الأمور الآن بضعة أيام، لكن الحال لن تبقى هكذا. سوف يطالهم الحساب كما طال الكثيرين غيرهم. ليسوا قلائل أولئك العتاة الذين طالهم الحساب. طال الحساب هتلر يوماً ما، وطال الحساب صداماً يوماً ما. طال الحساب بعض الزعماء الأوربيين. الشعوب تعارض هذا الأسلوب، الشعب الأمريكي أيضاً يعارضه. الشعب الإنجليزي أيضاً منـزعج لوجود جنوده في العراق ما اضطر الإنجليز إلى الخروج من البصرة. والشعوب في إسبانيا وإيطاليا التي ساعدت حكوماتهم أمريكا في حربها في العراق أسقطوا تلك الحكومات، وحلت حكومات جديدة في كلا البلدين. شعوب العالم تبغض هذا الوضع، وما سيأخذ مجراه هو إرادة الشعوب والجماهير. استعراض العتاة لعضلاتهم لن يستمر طويلاً. لقد هزمت أمريكا. في تحركهم هذا الذي بدأوه قبل سنوات في هذه المنطقة وكان هدفهم الشرق الأوسط - ونعتقد أن هدفهم النهائي والغائي هو الجمهورية الإسلامية - لم يستطيعوا الاستيلاء على الشرق الأوسط، ولا أن يضعّفوا الجمهورية الإسلامية. وهذا هو واقعهم في العراق.الأمريكان يعانون من مشكلة، وليس من المهم إحالاتهم ومطالباتهم الإعلامية. ما من قيمة لاتهاماتهم التي يوجهونها لإيران أو بلد آخر. لكن تقاريرهم نفسها تدل بوضوح على ضعفهم وتورطهم ووقوعهم في الفخ. الممثلون السياسيون والعسكريون الأمريكيون في العراق حين رفعوا تقريرهم للكونغرس الأمريكي عن حرب العراق لم يستطيعوا أن يذكروا مكسباً حققوه سوى أن العراق التحق بسوق السلاح الأمريكية. تباً لكم! احتلوا بلداً وسحقوا الناس هكذا وأهدروا مصالحهم، وكذبوا على شعبهم في أننا نذهب إلى هناك بهذه النية، ونريد فعل كذا وكذا، والنتيجة الآن هي أن السلاح الأمريكي ممكن التسويق في العراق! هذا دليل على منتهى الضعف والتخلف والإخفاق.إيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أيها الشعب الإيراني الكبير، إعرفوا قدر أنفسكم، إعرفوا قدر هذا الطريق، إعرفوا قدر هذا الصراط المستقيم الذي جعلكم أقوياء أعزاء وجعل عدوكم صغيراً تافهاً أمامكم. إنه طريق الله ودعوة أنبيائه. إنه طريق سيادة الإسلام.لدينا العديد من القضايا الداخلية في بلادنا يمكننا مناقشتها ولكن ليس ثمة متسع من الوقت. الشيء الوحيد الذي يجب أن أقوله هو أن يكون شعبنا يقظاً واعياً. لقد أنجزتم الكثير بفضل هذه اليقظة والوعي. تقدمتم في سوح كثيرة وحققتم نجاحات كبيرة. وبفضل هذه اليقظة والوعي أيضاً ستستطيعون فتح القمم والخروج عن دوائر الخطر والمكروه. إفعلوا ما من شأنه أن لا يتجرأ أحد على تهديد الشعب الإيراني.هناك في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوم القدس العالمي الذي قد يتقدم أسبوعاً هذه السنة حتى تستطيع البلدان الإسلامية كلها المشاركة فيه. وتقع مسؤولية ذلك على المدراء الذين يتولون تدبير هذه الأمور. تذكروا جمعة يوم القدس ولا تنسوها. عسى أن نستطيع جميعاً استثمار فرص هذا الشهر إلى أقصى حد. بسم الله الرحمن الرحيمإذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً.  

100 يوم من الطوفان