الخطابات

كلمته في كوكبة من الشباب النخبة

بسم الله الرحمن الرحيم استفدت واستمتعت كثيراً من هذه الجلسة. الاستماع لهذه الأمور والقضايا عن ألسنتكم أيها الشباب الأعزاء - وأنتم بمثابة أبنائي الأودّاء فعلاً - شيء ممتع وطيب حقاً. أشكر الله لأني أرى هذا الوعي الذاتي يتنامى يوماً بعد يوم ليشمل نسبة كبيرة من شباب البلاد. كل واحدة من القضايا التي طرحتموها هنا - سواء ما يتعلق بالعلوم الإنسانية، أو التعليم والتربية الأخلاقية، أو الصلة بين العلم والصناعة، أو ما يتصل بإفساح المجال للمواهب والنخب - هي من الآمال القديمة التي أحملها في نفسي وقد ذكرتها طوال سنوات متوالية وطالبت بها وأرى اليوم أنها قد تحولت إلى مطلب عام.أشكركم وأشكر العاملين على إقامة هذا الملتقى الوطني، وأوافق جل ما طرحتموه الآن من أفكار... إنها أفكار أؤمن بها، وكما ذكر السيد الدكتور واعظ زاده فقد تم تسجيلها وسائر الأفكار المطروحة في الملتقى، وينبغي أن تولى كل واحدة منها العناية والاهتمام اللازم،وتنتقل إلى حيز التنفيذ، وستنتقل إن شاء الله.عقبات شتى قد تأخر قليلاً من وصولنا إلى هذه الطموحات. ولكن اعلموا أن هذه الحركة العلمية، وهذا التدفق والازدهار والحيوية والخصب مما لا يمكن إيقافه، بل سيتقدم بتوفيق من الله، وهو مما لا يرتبط بشخص معين. إنها حركة انطلقت في البلاد، وحصل هذا الوعي الذاتي الذي سيبلغ أهدافه إن شاء الله.جلستنا اليوم ترمي في رأيي إلى غايتين: الأولى غاية رمزية على المستوى الوطني العام، وهي أننا نروم أن يعمَّ في بلادنا - على مستوى الرأي العام للبلد - الإيمان بأن النهضة العلمية أمر جدي، وأن مسؤولي البلاد يطمحون إلى مثل هذه النهضة ويتابعون شؤونها بكل جد ويعيرون قيمة للعلم وطالب العلم والنخب العلمية. هذا هو معنى خطوتنا الرمزية واجتماعنا الرمزي في جلسة هذا اليوم.والغاية الثانية هي تذكير المسؤولين - مسؤولي الحكومة ومسؤولي القطاعات المختلفة - ثانيةً بضرورة متابعتهم لهذه المطاليب. التقدم العلمي للبلاد يجب أن يكون خطة أكيدة وحتمية في السياسات التنفيذية العامة. وستتحقق هاتان الغايتان إن شاء الله.أريد الإشارة إلى بضع نقاط فقط، وقد أشرتم بأنفسكم لكثير من الأمور المهمة، إحدى النقاط وهي ليست جديدة أن الحركة العلمية تعد ضرورة مضاعفة لبلادنا. إنها حاجة مضاعفة وأكيدة. لماذا هي حاجة؟ لأن العلم هو سبب عزة الأمة واقتدارها وأمنها، وهذا ما سأسلط عليه الضوء باختصار. ولماذا هي حاجة مضاعفة وأكيدة؟ لأنها واجب لم يُنهض به على مدى مائة عام من أفضل الأزمنة في تاريخ بلادنا. منذ أواسط العهد القاجاري حين بلغت النهضة العلمية والصناعية في العالم ذروتها وازدهارها - أواسط النصف الثاني من القرن التاسع عشر - وأفصح العلم عن نفسه في هيئة الاستعمار، عكف الغرب على استعمار العالم بواسطة أدوات العلم والمعرفة. منذ ذلك الحين أي قبل مائة عام أو أكثر، وهو أوان يقظتنا ووعينا، تعطل هذا الواجب الكبير لأسباب مختلفة، واجب ترشيد الحركة العلمية في البلاد. والسبب الرئيس هو حكومة الاستبداد والطواغيت والسلاطين العملاء الضعفاء الجبناء. نحن ورثة هذا التخلف، لذلك ينبغي لجهودنا أن تتضاعف. إذن الحركة العلمية في بلادنا حاجة، وهي حاجة مضاعفة وملحّة.في إطار أن العلم حاجة، تعلمون جيداً ولكن لا بأس أن أنوّه مجدداً إلى أن البلد المفتقر للعلم لا يمكنه توقع العزة والاستقلال والهوية والشخصية والأمن والرفاه لنفسه. هذه هي طبيعة الحياة البشرية وطبيعة المسار الحياتي للإنسان. العلم يورث العزة. في نهج البلاغة عبارة ذات مغزى عميق جداً. يقول عليه السلام »العلم سلطان« العلم من شأنه توفير القوة والاقتدار. »السلطان« بمعنى الاقتدار. »العلم سلطان من وجده صال ومن لم يجده صيل عليه«. العلم قوة. كل من حاز هذه القوة استطاع أن يتحكم ويغلب، وكل من لم يحزها »صيل عليه«، وغُلب. الآخرون سيغلبونه ويقهرونه ويتحكمون فيه. لقد شعر الشعب الإيراني بهذه الحقيقة ولمسها لفترة طويلة بكل كيانه وجلده ولحمه وعظمه. لقد تحكموا فينا وعاملونا بمنطق القوة، وأمسكوا مصادرنا الطبيعية في قبضتهم وحرموا شعبنا من الرفاه. عاشت بلادنا تاريخاً مريراً غاصاً بالمحن خلال هذه المائة عام، ونحن نذوق نتائجها الآن. مع أننا بدأنا الحركة وقد غيرت الثورة الأوضاع وقلبت صفحة جديدة، وبلدنا حالياً بلد نادر النظير في العالم على مستوى العزة السياسية والدولية، وهذا ما يعترف به حتى أعداؤنا، فقد صحا الشعب واستعاد شجاعته وهويته وشخصيته، لكننا مع ذلك لا نـزال نعيش نتائج تلك الحالة. بمعنى أن الذين أحرزوا العلم قبلنا بمائة عام أو مائتي عام وتقدموا علينا مراحل في هذا الطريق وقطفوا خيرات العلم وثماره، لا يزالون يفرضون منطق القوة لحد الآن. من نماذج ذلك قضية الطاقة النووية والقدرات العلمية والتقنية الذرية. يقولون »يجب أن لا تمتلكوا ذلك لأننا لا نثق بكم« هذا منطق قوة. من هم الذين يقولون: نحن لا نثق بكم؟! أولئك الذين اختلقوا في ظرف عشرين عاماً حربين عالميتين وأحرقوا العالم كله في نيرانهما: الأوربيون.الذين يقولون لنا: إننا لا نثق بكم هم من أنزلوا قواتهم المسلحة في أية منطقة تمكّنوا منها. والنموذج الجلي الحالي هو العراق. والنموذج الأسبق والأكثر مرارةً هو فلسطين. النموذج الآخر أفغانستان، والنموذج الآخر كوسوفا. وهناك نماذج أخرى في مناطق شتى من العالم.ومن النماذج أيضاً هيروشيما.الذين ارتكبوا أكبر الشرور في العالم خلال الحقبة الصناعية، يقولون للشعب الإيراني الذي لم تصدر عنه طوال هذه الأعوام المتمادية - بما في ذلك فترة ما بعد الثورة - أي اعتداء على بلد جار أو غير جار... نحن نناقش حالة الجمهورية الإسلامية ولا شأن لنا بالسابقين. في عهد الجمهورية الإسلامية لم تطلق حتى رصاصة واحدة من بلادنا ابتداءً على أحد جيراننا، وهذا ما يقرّ به الجميع... يقولون لنا: نحن لا نثق بكم! هذا معناه منطق القوة. قد يكون هناك بلد كالبلد الفلاني في شمال أفريقيا ما إن يقطّبوا له الحاجبين حتى يرتبك ويلملم كافة تجهيزاته ومعداته ويضعها في سفن ويقول لهم خذوها!الشعب الإيراني صامد وسيصمد. لا في هذه القضية وحسب، فلقد صمدنا هكذا في عشرات القضايا المماثلة. لكن هذه القضية اتخذت طابعاً عاماً شائعاً. منذ بداية الثورة ولحد الآن صمدنا في عشرات القضايا أمام منطق القوة والعجرفة والتهديد واستعراض العضلات. وقد أدركوا أننا لا نخنع بالتهديدات، بيد أن منطق القوة هذا لا يزال متواصلاً. ما هو سبب منطق القوة؟ السبب هو أن الطرف الآخر متسلح بالعلم. لاحظوا هذا الأمر فهو زاخر بعبر تنفعكم أيها الشباب.حكومة عارية من الأخلاق، وعارية من الروح المعنوية، وغير مكترثة للحقوق الدولية، كالحكومة الأمريكية، لأنها تمتلك العلم وتستطيع تحويله إلى تقنية واستخدامه في حياتها، تسمح لنفسها باستخدام منطق القوة بهذا النحو السافر على المستوى الدولي. »من وجده صال«. كل من توفر على العلم يستطيع التحكم في الآخرين. »ومن لم يجده صيل عليه«، وإن لم تتوفروا عليه تحكموا فيكم. لاحظوا، هنا مكمن الضرورة.كل إنسان يهمّه شخصه وهويته وعائلته وأبناؤه ومستقبله وجيله وأمته وبلده وهويته الوطنية والدينية، ولا يسوّغ له ضميره عدم الاكتراث لهذه القضية. هذا ما يجعلني أصر منذ سنوات على قضية النهضة العلمية وأشدد عليها وأتابعها.العلم والتطور العلمي هو الحاجة الأولى للبلد. وأقصد بالعلم كافة العلوم وليس العلوم التجريبية فقط. جميع العلوم يجب أن تُتابع في مواضعها الخاصة، وبلادنا تستطيع ذلك. إذن، نتيجة النقطة الأولى هي أنكم بوصفكم نموذج مصغر لكيان النخبة الهائل في البلاد تستطيعون التأثير في خلق الاقتدار الوطني وبناء البلد وضمان مستقبله.النقطة الثانية هي أن بلادنا تمتاز بمستوى فوق المتوسط من حيث تخريج النخب والتوفر على ذوي الكفاءات. هذا أمر ينبغي أن يلاحظ في الحسابات. ذات مرة قلتُ لمسؤولي البلاد في هذه الحسينية - قبل عدة سنوات - إن المساحة الجغرافية لبلادنا تشكل تقريباً واحد بالمائة من المساحات المعمورة في العالم، وعدد السكان عندنا سبعون مليون نسمة أي واحد بالمائة تقريباً من سكان العالم. إذن سيكون متوسط نصيبنا من المصادر الجوفية في العالم واحد بالمائة، لكننا نمتلك أكثر من واحد بالمائة من أهم المصادر الجوفية. المعادن المهمة، والفولاذ، والنحاس، والرصاص والكثير من المعادن الأخرى تتوفر في بلادنا بنسب ثلاثة بالمائة، واثنين بالمائة، وأربعة بالمائة من مجمل الاحتياطي العالمي. والنفط مقاديره معلومة ونحن ثاني أكبر مالك للنفط في منطقة الخليج الفارسي والشرق الأوسط الزاخرة بالنفط. ونحن ثاني مالك للغاز في العالم. انظروا كم يتفوق شعبنا وبلدنا في تمتعه بالمصادر الطبيعية قياساً إلى متوسط الفرد الواحد عالمياً.أريد أن أقول إن هذا التفوق مشهود أيضاً فيما يخص الطاقات الإنسانية. بمعنى أن بلدنا لا يمتلك واحداً بالمائة من الطاقات الإنسانية في العالم، وإنما يمتلك أكثر من هذا. لا أستطيع تقديم إحصاءات في هذه الفرصة لأن ذلك مما لم يحص. النسبة المئوية للمصادرالطبيعية التي أشرت إليها نسبة تم إحصاؤها وحسابها، لكن هذا مما لم نحصه. أتمنى أن نتمكن من ذلك مستقبلاً إن شاء الله، لكن القرائن تشير إلى ذلك. الأمور التي سمعناها عن شخصيات عارفة بالظروف العالمية ومطلعة على جامعات العالم، تؤيد كلها هذه الفكرة. سمعت من أفراد كثر أن عدد النخبة الإيرانيين في أفضل جامعات العالم - حين يكون فيها إيرانيون - أكثر من سائر البلدان بضعفين أو ثلاثة أضعاف. المرحوم الدكتور جمران كان نفسه نخبةً علمية بحق - وقد غطّت شخصيته العسكرية والجهادية وتضحياته وشهادته على شخصيته العلمية - وقد درس في أرقى وأفضل الجامعات الأمريكية، قال لي إنه كان هناك نخب من البلدان الأخرى في تلك الجامعة، إلا أن الإيرانيين كانوا أكثر عدداً وتميزاً في معظم أقسام الجامعة والجامعات الأخرى. طبعاً كان الدكتور جمران أحد الرواة فقط، وقد سمعت ذلك من عدة أشخاص ولدي تقارير عديدة في هذا المجال. طيب، إذن لن تواجهنا مشكلة من حيث الطاقات البشرية في المستقبل.ماضينا أيضاً يدل على هذا المعنى. نحن منقطعون حتى عن الماضي للأسف. شبابنا غير مطلعين على تاريخنا العلمي. هذه إحدى نقاط ضعفنا، وقد تم التأكيد والتوصية طبعاً على ردم الفجوة في هذا المجال، مجال الاطلاع على التاريخ العلمي الإيراني، وهناك من يشتغل على ذلك حالياً وقد أنجزت أعمال مهمة وستزداد بعد ذلك إن شاء الله.في جميع هذه القرون كان لدينا علماء كبار قلَّ عددهم في القرون الأخيرة طبعاً، إذ لم يسمح الملوك غير الكفوئين والحروب الداخلية بذلك، وإلا كنّا نخرِّج النخب على امتداد أعصار التاريخ وفي شتى حقول العلوم الدارجة آنذاك.في القرنين الرابع والخامس للهجرة - أي القرنين العاشر والحادي عشر للميلاد وفترة القرون الوسطى الأوربية وعصور الجهل المطبق - كان لنا ابن سينا، ومحمد بن زكريا الرازي. حينما ينظر الأوربيون إلى الماضي يخالون أن العالم كله كان غارقاً في القرون الوسطى! وهم من كتب التاريخ! وللأسف فإن تواريخهم ترجمت وانتشرت في بلادنا. عصر القرون الوسطى في أوربا، أي عصر منتهى الظلام والعتمة والجهل، عصر كان لنا فيه الفارابي، وابن سينا، والخوارزمي. أنظروا كم هو الفرق!ذات مرة تحدثت للشباب عن أمور حول تقدم المسلمين في تلك الحقب من »تاريخ العلم« لجورج سارتن أو تواريخ علم أخرى لا أتذكر أسماء مؤلفيها الآن وكلهم أجانب، ولا أريد تكرار أسمائهم.عليه، نحن لا نعاني من مشكلة على مستوى الكوادر والنخبة، لا في حاضرنا الراهن ولا في المستقبل إن شاء الله. ويجب أن تزداد أعداد النخب يوماً بعد يوم، وأن يجري تشخيصهم واكتشافهم.النقطة الثالثة هي أننا يا أعزائي نروم جعل بلدنا بلداً علمياً. بيد أن الهدف من جعله علمياً ليس أن نجعله غربياً. ينبغي أن لا نقع في خطأ. الغربيون يتوفرون على العلم، لكن لهم إلى جانب العلم أموراً أخرى ممتزجةً بالعلم نهرب نحن منها. لا نريد أن نكون غربيين، نريد أن نكون علماء. العلم الذي يمتلكه العالَم الذي يعد اليوم عالماً علمياً علمٌ خطير جداً على البشرية. لقد وظّفوا العلم لخدمة الحروب، والعنف، والفحشاء والجنس، والمخدرات، والاعتداء على الشعوب، والاستعمار، وسفك الدماء. إننا لا نرنو إلى مثل هذا العلم، ولا نريد أن نكون هكذا علماء. نريد أن يوظّف العلم لصالح الإنسانية ولخدمة العدالة، ولخدمة السلام والأمن. نروم مثل هذا العلم. لقد أوصانا الإسلام بمثل هذا العلم.يوم كانت البلدان الإسلامية ولا سيما بلدنا الإسلامي إيران متفوقة علمياً لم نستعمر أي بلد، ولم نمتهن أي شعب، ولم نتعامل بالقوة مع أية أمة من الأمم. الإسلام يريد العلم بمعية الإيمان، والكتاب والسنة، والتهذيب الأخلاقي، والنـزعة المعنوية. كم استمتعتُ بهذه العبارة من المناجاة الشعبانية الشريفة التي ذكرتها ابنتنا الفاضلة في كلمتها: »إلهي هب لي قلباً يدنيه منك شوقه ولساناً يُرفع إليك ذكرُهُ« أو »صدقُةُ ونظراً يقرّبه منك حقّه«. هذا ما يرومه العالم المسلم... القرب إلى الله، والمعنوية، والإخلاص، والصفاء. وعندها يُستخدم العلم هذا الذخر العظيم وهذا السلاح الفاعل لخدمة الدفاع عن الإنسانية ولصالح أمن البشر، وتحقيق العدالة بين الناس، وتكريس السلام والصفاء في المجتمعات الإنسانية. هذا ما نطمح إليه. إجعلوا هذا هدفكم.لاحظوا لهجة المتربعين على عروش سياسية أركانها رأس المال والعلم المنحرف (الرأسمالية)، هكذا هي الحكومات الغربية الآن. وأمريكا على رأس هذه القوى الغربية. كرسي السلطة يرتكز إلى أركان الكارتلات والطبقات الرأسمالية وأدواته هي العلم. يستخدمون أسلحتهم عن طريق العلم، ويمارسون التجسس وسرقة المعلومات بواسطة العلم، ويعقدون الصفقات في شتى أنحاء العالم بواسطة العلم. لاحظوا ما هي لهجة رؤساء هذه البلدان الذين حرّفوا العلم هكذا؟ سمعتم كلمة رئيس جمهورية أمريكا قبل أيام كم كانت كريهة ومتكبرة ونازعةً إلى العنف. هذا الغرور والتكبر نفسه يغرقهم في الدوامة أكثر فأكثر كل يوم. إعلموا أنتم - أقولها لكم الآن وسترون ذلك اليوم، أما نحن فلن نكون حينها، لكنكم أيها الشباب سترون ذلك اليوم - أنَّ هذه الحضارة المبنية على أسس خاطئة تغرق الآن في الدوامة. إنها تغوص لحظة بعد أخرى في المستنقع وسوف تسقط. بلا شك. هذا الغرور وهذا التكبر الأبله الأحمق أحد عوامل ذلك السقوط الذي ينتظرهم. هؤلاء سوف يسقطون. يعربدون اليوم قليلاً لكنهم يتحركون في منحدر وهم لا يشعرون. وعاتهم يشعرون بذلك طبعاً، وهم يصرخون ويحذرون ويقرعون أجراس الخطر منذ سنوات، ولكن من ذا يصغي لهم. إنهم سكارى... سكارى.سكران سكرُ هوى وسكر مدامةٍ أنّى يفيق فتى به سكرانِفيهم سكران اثنان، سكر أهوائهم التي يعبدونها، وسكر السلطة والاقتدار. إنْ كان في الإنسان سكر واحد لما أمكن إدخال شيء في دماغه وتفهيمه له، فكيف لو كان به سكران!؟ كأن يشرب من تلك السموم والزقّوم، ويتعاطى أقراص التوهم النفسي. لقد تعاطى هؤلاء كلا المادتين! وسيف العلم في أيديهم. ينبغي التعامل معهم بذكاء وبأساليب عقلائية لإسقاطهم أرضاً، وسنسقطهم أرضاً إن شاء الله. تنبهوا إلى أننا لا نتحرى هذا الشكل من أشكال العلم. نحن ننشد علماً يقربنا إلى المعنوية، والإنسانية، والله، والجنة. وأنتم الشباب قلوبكم طاهرة. إنني أقول هذا الكلام، لكن القلوب المستعدة للتأثر بهذا الكلام أكثر هي قلوبكم. أنتم الذين تستطيعون قطع هذه المسيرة بقلوبكم الشابة ونفسياتكم الطرية الفاعلة.النقطة الرابعة هي أن هناك فيما يتعلق بالنخبة واجباً على عاتق الحكومة وواجباً على عاتق النخب أنفسهم. واجبات الحكومة هذه الأمور التي ذكرها الدكتور المحترم السيد واعظ زاده معاون رئيس جمهوريتنا العزيز. هذه واجبات الحكومة ويجب أن تنفذ وتأخذ مجراها العملي، وأنا أشدد عليها وأتابعها إن شاء الله. وهذا هو توجه الحكومة لحسن الحظ فهي تطمح إلى بلوغ نتائج ملحوظة في هذا المضمار. ما ذكرتموه أنتم من أن النخبة يجب أن يتواجدوا في مؤسسة النخبة وغيرها من المراكز، أمرٌ يجب أن يتحقق بكل تأكيد. وأريد القول إن الأمر كذلك الآن. السادة الذين يديرون مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية حالياً هم من شبابنا النخبة. ليسوا مختلفين عنكم كثيراً في أعمارهم، وهم من النخبة الذين تولوا مسؤولياتهم والحمد لله واستطاعوا الإرتقاء إلى مستوى معاونية رئيس الجمهورية وتشكيل معاونية علمية ومؤسسة النخبة. فهذه الأعمال العظيمة إنما تقومون بها أنتم الشباب النخبة في واقع الأمر. وآمل أن تجري الأمور على نفس هذا السياق بعد الآن أيضاً.وأما النخبة أنفسهم... أقول هذا لكم هنا لكنه خطاب موجّه لكافة النخبة في البلاد، فلستم جميع النخبة في بلادنا. ثمة الآلاف، مئات الآلاف، وربما آلاف الآلاف من النخبة والمواهب في هذا البلد ينبغي طبعاً تشخيصهم ومعرفتهم.كلمتي الأولى لكم هي أن تحذروا من الغرور. وقد كان هذا ملحوظاً في كلام الشباب الأعزاء الذين تحدثوا هنا. الغرور، وتضخيم الذات، والتوقعات الفارعة أمور غير صحيحة وضارة بالنسبة لكم. أنتم أبناء هذا البيت. أبناء هذه التربة والماء. آباؤكم وأمهاتكم في هذا البلد أناس بذلوا شبابهم من أجل تشييد هذا الصرح حتى تستطيعوا العيش فيه بهناء. إن لهؤلاء حقاً. حاذروا من التحكّم في الرواد والسابقين أو إهانتهم أو تهميشهم. لا تكونوا كالدائنين للبلاد والشعب. وقد ذكرتُ طبعاً أن واجبات الحكومة والعاملين في القطاعات غير الحكومية معلومة. وظائفهم معروفة، ولكن عليكم من جانبكم ملاحظة هذه النقطة.نصيحتي الثانية لكم أيها الأعزاء هو أن ترسموا لأنفسكم دوراً تاريخياً ووطنياً، وليس دوراً شخصياً. حينما يرسم الإنسان - الإنسان صاحب الموهبة - لنفسه دوراً شخصياً، سيكون هدفه أن ينال الثروة والشهرة ويعرفه الجميع ويحترموه. سيكون هذا هدفه. فإذا نال هذه الغاية لم تعد لديه محفزات ودوافع. أما حين يرسم لنفسه دوراً وطنياً وتاريخياً فستختلف المسألة. عليكم أخذ مستقبل البلاد وتاريخها بنظر الاعتبار، وأن تنظروا إلى أين يجب أن يصل هذا الشعب وأين تقفون أنتم اليوم من هذه العجلة ومن هذا الطريق الكبير. ما هو الدور الذي يجب أن تمارسوه اليوم حتى يستطيع الشعب أن يصل لتلك الغاية في حينها. قرروا لأنفسكم مثل هذا الدور ولتكن أهدافكم سامية كبيرة.نصيحتي الثالثة هي أن ترفعوا من هممكم. لقد ذكرت هذا عدة مرات لحد الآن أمام الشباب والنخبة. لا تكن هممكم أننا متمكّنون الآن من التقنية الفلانية التي كانت لدى الآخرين وكنا نستوردها ونشتريها منهم دائماً. هذا ليس بالشيء الكبير. هو شيء له أهميته طبعاً لكنه لا يمثل طموحنا. اجعلوا هدفكم أن يتكمن شعبكم وبلدكم خلال فترة معينة من أن يكون مرجعاً علمياً وتقنياً لكل العالم. قلت ذات مرة أمام كوكبة من الشباب النخبة: إعملوا بطريقة تصلون فيها خلال مدة معينة - قد تطول خمسين أو أربعين عاماً - إلى موقع يضطر فيه أي عالم يريد الاطلاع على آخر الإنجازات العلمية ان يتعلم اللغة الفارسية التي كتبتم بها أعمالكم. كما أنكم الآن مضطرون لتعلم اللغة الفلانية كي تستطيعوا قراءة الكتب والمصادر اللازمة للتوفر على هذا العلم وذاك. إعملوا ما من شأنه أن تصبح بلادكم هكذا في المستقبل. وأنتم قادرون على ذلك، فلقد كان الوضع هكذا في يوم من الأيام. كانوا يترجمون كتب العلماء الإيرانيين إلى لغاتهم أو يتعلمون تلك اللغة ليستطيعوا أن يفهموا. ولا بأس أن تعلموا أن كتاب »القانون« لابن سينا في الطب لم يترجم إلى الفارسية إلا قبل عشرة أو خمس عشرة سنة في زمن رئاستي للجمهورية! أنا تابعت الأمر وكلّفت بعض الأشخاص وسمعت بعد ذلك أن مترجماً كردياً قديراً وصاحب ذوق ترجم هذا الكتاب للفارسية وترجمته ا لفارسية متوفرة الآن. بقي كتاب القانون بالعربية حتى ذلك الحين - كتبه ابن سينا بالعربية - ولم يكن قد ترجم إلى الفارسية، في حين ترجم إلى الفرنسية قبل قرون! أي إنهم كانوا بحاجة لهذا الكتاب لذلك ترجموه. لاحظوا، هذه هي المرجعية العلمية. يضطرون لترجمة كتابكم أو تعلم لغتكم. إجعلوا هذا هدفكم وهمتكم. إجعلوا همكم التقدم في حقول العلم وتحطيم حدوده، ولدي في هذا المجال نقاط أخرى أردت ذكرها لكن الوقت انتهى وأجدني مضطراً لذكر النقطة الأخيرة.علينا رسم الخارطة العلمية الشاملة للبلاد. هذا ما ذكرته لهذه الثلة العلمية في العام الماضي أيضاً. وهذه العملية تجري حالياً في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لكن ينبغي أن تتابع بجد أكبر. علينا أن نعرف ما هي الخارطة العلمية الشاملة للبلاد. أي علم، وما مقداره، وما موقعه في هذه الخارطة. يجب أن لا نكون كرياضي يتمرن على عضديه فقط فتنمو عضلات عضديه بينما تبقى رجلاه وصدره وكتفاه كأي إنسان نحيل. لا فائدة من ذلك. أو كرياضي يتمرن على الصدر فقط وتبقى سائر أعضائه ضعيفة. لا فائدة من ذلك. يجب أن يجري العمل بصورة متناسبة. بعض هؤلاء الشباب الأعزاء تحدثوا عن العلوم الإنسانية. نحن في بعض حقول العلوم الإنسانية متقدمون على العالم قروناً من الزمان. متقدمون كثيراً على الذين يعدون اليوم متفوقين عالمياً في هذه الحقول. لماذا لا نتابع هذه الأمور؟ لدينا ماضينا العريق في شتى العلوم الإنسانية كالأدب، والفلسفة، والتاريخ، والفن. هناك علوم إنسانية أخرى مع أنها وفدت من الغرب، ولكن لو دققنا ملياً لوجدنا خاماتها الأولى وهي النـزعات العقلانية والتجريبية مستقاة من الأفكار والروح الإيرانية - الإسلامية. أوربا الخرافية ما كانت قادرة على إنتاج علم الأحياء، والاقتصاد، والإدارة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع بهذا الشكل. كانت هذه هدية التفكير العلمي والتجريبي الشرقي والإيراني الإسلامي غالباً، الذي هاجر إلى هناك وانتهى إلى هذه التحولات. على كل حال، يجب علينا التقدم في الحقول التي نعاني فيها من التأخر، وينبغي لنا أن نبدع فيها ولا نترجم. نـزعة الترجمة فيها أضرار كثيرة لنا.إذن، الخارطة العلمية الشاملة أمر ضروري. يجب أن يتضح موقع كل واحد من العلوم المختلفة، وعدد الطلبة الجامعيين وأنواعهم، وجنسهم - بنات وبنين - والمناطق المختلفة، ولابد أن نعرف ما الذي نروم القيام به. هذه أعمال قد شُرع فيها طبعاً، ولكن ينبغي أن تجدّوا وتعكفوا لمتابعتها.قضية الإستفادة التطبيقية من البحوث والاختراعات - التي أشار إليها بعض الشباب - من الأمور التي أؤكد عليها بشدة. قد نجترح بعض البحوث ويصل باحثونا لنتائج جيدة في مشروع دعائي معين، ولكن قد لا يكون لهذا الإنجاز فائدة في تقدم البلاد وتنميتها، أي لا يمكنه التحول إلى ثروة وطنية. يجب أن نستطيع تحويل علمنا إلى ثروة وطنية. وهذا ما يستدعي الجد والعمل والبرمجة. وثمة إلى جانب ذلك نقطة أخرى لها موقعها في الخارطة العلمية الشاملة، وهي إننا يجب أن نستكمل سلسلة العلم والتقنية حيث توجد لدينا انقطاعات في بعض أنحاء هذه السلسلة، وذلك لأجل التوفر على خط إنتاج حقيقي وليتمكن العلم من بلوغ أهدافه على كافة المستويات.واللبنة الأساسية لكل هذه الأمور هي تشوقكم وهممكم ورغبتكم ومساعي المسؤولين التي نسأل الله أن يمدها بعونه. ستبذلون هذه الجهود إن شاء الله، وبالمقدور ملاحظة أن الأمور تسير وتتقدم والحمد لله. المسيرة العلمية تتقدم وستبلغ النتائج إن شاء الله.أنا سعيد جداً للقاء اليوم وأرجو أن يساعد هذا اللقاء إن شاء الله على نيل الأهداف العليا التي يطمح إليها بلدنا وشعبنا.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحدث عناوين الموقع
100 يوم من الطوفان
الأكثر قراءة