الخطابات

كلمته في عددمن مخرجي السينما

بسم ‏اللَّه ‏الرّحمن ‏الرّحيم‏كان هذا اللقاء مفيداً ومثمراً جداً بالنسبة لي، استفدت فيه كثيراً من كلام الأصدقاء وحديثهم، وتمكّنت من تدوين بعض المقاطع المهمة من كلامهم.وهذا الحديث يحتاج حتماً الى جمع وتنظيم سيتكفّل به الإخوة؛ حتى نتمكن ـ إضافة الى زيادة معلوماتنا في مجال السينما ـ من تحديد الخطوات المناسبة للنهوض بالواقع السينمائي في البلاد، ورفع بعض الموانع والصعوبات التي تواجهه.كما استفدت من الاختلاف في وجهات النظر حول الواقع السينمائي، الذي لا اعتبره دليلاً على مظلومية السينما ـ كما أشار السيد رئيسيان ـ بل أراه علامة على اختلاف في الرؤى قد يصل أحياناً الى 180 درجة، لكن في الوقت ذاته يعتبر الجميع نفسه مسؤولاً وحريصاً على السينما ويطالب بحقوقها، وهو من وجهة نظري أمر مطلوب وجيد.وبالطبع كنت أعلم ـ وسمعت ذلك قبل عدة سنوات ـ عن وجود مثل هذا الاختلاف في وجهات النظر حول النهج والأسلوب المتّبع في مجال السينما، وكما هو واضح في كلام الأصدقاء، لكن ما يتفق عليه الجميع في كلامهم وما أعتقد به أيضاً، هو ضرورة الارتقاء بالواقع السينمائي في البلاد.منذ بداية الإعداد لهذا اللقاء، كنت أسعى لتحقيق هدفين:الأول: تجليل السينمائيين وتكريمهم، أو في الواقع تكريم الفن السينمائي في البلاد، إذ إنّي أرى في هذا اللقاء وما يمكن أن يمثله في الخارج تكريماً لفن السينما وفنّانيها، وأودّ أن يشيع هذا الشعور في البلاد وأن يدرك الجميع ضرورة السينما وأهميتها.فلكل شخص هدف محدد ونهج خاص وتوقّع معيّن، لكن الجميع يتفق على ضرورة هذا الفن المعقد والمتميز جداً وعلى أهميته للبلاد.أما الهدف الثاني: فكنت أودّ الاستماع الى آرائكم وقد تم هذا الأمر ولله الحمد، وفي الواقع كنت أفضل الاستمرار بالاستماع الى كلامكم ووجهات نظركم في الوقت المتبقي من اللقاء.اليوم قبل هذا اللقاء، سنحت لي قبل الظهر فرصة ساعتين أو ثلاث ساعات تمكّنت خلالها من الاطلاع على بعض التقارير التي أعدّها المسؤولون وبعض الأخوة الحضور أمثال السيد مجيدي وغيره من الأصدقاء، ودوّنت منها بعض المعلومات المفصلة، التي اتمنى إن شاء الله الاستفادة منها بشكل جيد.على كل حال اطّلعت على آراء الأصدقاء.النقطة الأولى التي أود طرحها: هي قلق كثير من الأصدقاء من عدم الإحساس بالأمن، أو القلق من عدم الأمن، أو توهّم عدم الأمن في عملهم، حتى إنّي أشعر بوجود هذا القلق عند كثير من الحضور.وفي الواقع أنا لا أرى سبباً لهذا القلق، إذ من الممكن أن أشاهد فلماً وأستحسنه، لكن قد أعترض على فِلم معيّن سواء كان فِلماً تلفزيونياً أو سينمائياً ـ من خلال الأفلام التي يجلبها لنا أحياناً الأخوة لمشاهدتها ـ لكننا في هذا الاعتراض لا نتّهم المخرج ولا نحمّله سبب ذلك؛ لأن حدوث الخطأ في أهداف الفلم يعود لأسباب عديدة، قد يكون أحدها دور المخرج، الذي سأتطرق إليه أكثر لاحقاً؛ فنحن إذا ما شعرنا أنّ المخرج لا يتمكن من إيصال معرفة عميقة وصحيحة في فِلمه، علينا أن نعرف كيفية إلقاء هذه المعرفة في قلب هذا المخرج؛ حتى يتمكن من عكس مكنوناته القلبية في الفِلم.إذ إنّ الفنان لا يمكنه أن يعبّر عن شيء في فنّه ما لم يفهمه ويدركه ويشعر به؛ لأن الفن ليس شيئاً صناعياً حتى يمكن إضافة شيء له، وهكذا الحال بالنسبة لإنتاج الفِلم، فمنتج الفِلم والمخرج خاصة يعكس في فِلمه معرفته الداخلية؛ مما يفرض علينا معرفة كيفية إلقاء هذه المعرفة الداخلية ـ بالشكل الذي يستحسنه المشاهد ـ في قلب المخرج، ولماذا يحصل هذا؟أتذكر قبل الثورة أنّ بعض الشعراء دُعوا للاشتراك في مراسم شعرية، وكان من بين المدعوّين شاعراً شابّاً ذو قابلية شعرية ممتازة، لكنه لم يكن يعرف شيئاً عن الموضوع الذي ينبغي أن يكتب عنه، فقام أحد الأصدقاء بشرح هذا الموضوع له لمدة خمس أو ست ساعات، تمكّن بعدها هذا الشاعر بقابليته الشعرية الممتازة كتابة قصيدة طويلة وبليغة جداً حول الموضوع. فهل حاولنا مساعدة هؤلاء المنتجين والمخرجين وحتى الممثلين في فَهْم المعارف والقيم الإسلامية ـ التي أعتقد أنّ السينما عندنا تفتقر إليها ـ لكي يعبّر عنها في عمله، ولم يفعل؟ عندما أعيد النظر في عملي وعمل حوزاتنا العلمية ومؤسساتنا الثقافية، أجد أننا لم نقم بواجبنا جيداً في هذا المجال، وكما قال الشاعر:هر بلايى كزآسمان آيد گرچه برديگرى قضاباشدبه زمين نارسيده من گويند خانه آنورى كجا باشد وعليه من الخطأ لوم المخرج ومحاسبته لماذا فعلت هذا الأمر؟ لذا فإنّي أوجّه خطابي الى وزارة الثقافة، ومؤسسة التبليغ الإسلامي، والحوزة العلمية، والمفكرين في المعارف الإسلامية، والمعارف العرفانية، والحكمة المتعالية وغيرها، وأسأل: ماذا فعلتم حتى الآن لنشر هذه المعارف والقيم بين هؤلاء الفنانين المتميزين؟ فإن لم تفعلوا شيئاً في هذا المجال، فلا يمكن أن أتوقّع الكثير من المخرج، ولا من هذا الفنان المتميز أن يقدّم فنّاً متميزاً يعبّر عن هذه القيم الإسلامية بالمقدار الذي أطمح إليه؛ لهذا فإنّي أرفض تحميل مخرجينا سبب هذا القلق وعدم الاطمئنان، وإذا وجد حقاً فهو باطل وظالم وفي غير محله.أيها الأصدقاء، أيها الأخوة والأخوات، أودّ كرجل دين أن أطرح عليكم بعض النقاط المهمة، وبالطبع لا أعتقد أنكم تتوقّعون منّي ـ ولن أقع في مثل هذا الاشتباه ـ أن أتحدث معكم كخبير في مجال السينما؛ لأن أقصى ما يمكن لأمثالي هو التحدّث كمشاهد أو مستمع جيد، وأترك الحديث على مستوى الخبراء اليكم والى المسؤولين في مؤسساتنا الثقافية.لكني أستطيع على الأقل كرجل دين أن أطرح عليكم بعض النقاط المهمة في نظري.إنّ السينما ـ كما قلتم ـ من الفنون السامية والمتميزة، وهو فن روائي جيد ـ حتى إننا لم نجد فنّاً روائياً تمكّن من عرض الحقائق بالواقعية التي تعرضها السينما ـ وفن معقد ومتطور وراقي.لذا ينبغي عليكم الاستفادة من نافذة السينما وما تبثّه من نور يخترق الجدران؛ لترويج المعارف والقيم.إنّ أهمية هذا الفن سترفع من مسؤولياتكم أيضاً. وهنا أودّ أن أطرح هذه النقطة: إنّ مسؤوليتكم بلا شك ـ وكما قال الأصدقاء ـ مسؤولية كبيرة جداً، لكن لم يجبركم أحد على ولوج هذا الفن وتصبحوا مخرجين أو سينمائيين؛ بل هي رغبتكم واستعدادكم الذي دفعكم لولوج هذا المجال، وعليه يجب عليكم تحمّل هذه المسؤولية الكبيرة، وتتركوا الأثر المناسب عند المشاهدين. فأنا عندما أتكلم مع رجل دين أو خطيب أو كاتب في المسائل الدينية ـ الذي يعتبر أيضاً مُبلّغاً للحقائق والمعارف الدينية ـ وأطلب منه أن يهتمّ بكلامه وينتبه لاصطلاحاته ومواضيعه التي يطرحها لتتناسب مع المكان والزمان، أو أقول له: قلت كلاماً هنا لا ينبغي قوله، أو لم تقل كلاماً كان عليك قوله، فإنّي أحمّله المسؤولية أمام الله تعالى إذا كان كلامه سبباً في فقدان أحد الشباب لإيمانه، أو كان سبباً في سوء فهمه لإحدى الحقائق الدينية.فما أريد قوله: إنكم أيها الأخوة تملكون فنّاً متميزاً ومؤثراً جداً، مما يفرض عليكم مسؤولية كبيرة جداً، ومضاعفة قد تصل الى عشرات المرات أو أكثر؛ لأنكم تدركون الفارق الكبير بين التأثير الذي يتركه الفِلم الجيد على المشاهد وبين ما يطرحه الخطباء على المنبر.أيها الأخوة يمكنكم أن تكونوا مروّجين للأخلاق، ويمكن العكس أيضاً. ويمكنكم أن تبثّوا في روح شبابنا الصبر، والأمل، والرغبة، والدافع، والسلامة، والأخلاق وكل ما يحتاجه المجتمع للتقدم.كما يمكنكم أن تبثّوا في روح الشباب اليأس بدلاً عن الأمل، والكسل بدلاً عن الرغبة والنشاط.أما بالنسبة للنقد الذي تطرّق إليه الأصدقاء، وعبّر عنه بعضهم باصطلاح(النقنقة)، فأقول: إنّ النقد ليس نقنقة بل هو ـ ولا أريد الولوج في تعريفه اللغوي ـ كشف العيوب وتحديد مَواطِن الضعف، لكن يوجد نوعان لكشف العيوب: فمثلاً عندما نجلس مع بعضنا البعض، يمكن لأي منّا وبمنتهى الحرية أن يكشف للآخَر عيوبه، وهذا الكشف عن العيوب يمكن أن يكون أحياناً بقصد التحقير والإهانة والانتقام وتشويه سمعة الشخص أمام الآخرين، وهذا العمل قبيح وغير ممدوح في جميع الأعراف والأديان.وفي بعض الأحيان يكون الكشف عن العيوب بدافع العطف والتكميل والإصلاح ورفع مَواطِن الضعف من الشخص أو النظام أو المدير أو من الناس، وهو أمر ممدوح ومطلوب. لكن يمكن أن يوجد من لا يستسيغ هذا النوع أيضاً، ولا إشكال في ذلك. والآن أقول لكم: لا إشكال في النقد حتى على النظام، وإذا كان لديكم شك في ذلك، فإنّي أؤكد لكم بصدق لا إشكال في هذا النقد من وجهة نظري على الأقل. لكن عليكم أن تعلموا أنّ الغرض والهدف من النقد معلوم، إذ لا ينبغي أن نتوقّع أن ننقد النظام بالنوع الأول، ثم يتصوّره الناس بقصد العطف والإصلاح؛ لأن الجمهور والمخاطبين ـ كما ذكر بعض الأصدقاء ـ أذكياء وسيفهمون القصد من النقد.أما بالنسبة لما نشاهده من بعض الأفلام الناقدة، فرغم أنّي أتألّم منها كثيراً ـ لأنّي أشعر بالمسؤولية تجاه هذا النظام، وكل ما يسيء الى أي ركن من أركانه، كأنه يوجّه لي ضربة مؤلمة ـ لكني أشعر بالرضا أيضاً؛ لأنّي لا أتألّم من النقد نفسه إذا كان بنّاءاً، وما أشعر به أنّ هذا الاحساس هو الموجود في هذه المؤسسة، رغم وجود بعض الزيادة أو النقصان فيها.إذاً لا إشكال في النقد ـ الذي طرحه بعض الأصدقاء ـ ما دام بدافع الشعور بالمسؤولية.إنّ الواقع الذي يعيشه مجتمعنا اليوم ـ بعيداً عن الدعاية والشعارات وغيرها من أنواع المبالغة ـ هو أنّ بلدنا أصبح دولة متميزة ـ ولا أقول أكثرها تميزاً ـ نتيجة لإيمانه بعقائد الشعب والشجاعة التي أبداها في كافة المجالات والتي لا يمكن لأحد إنكارها.إذ ما نشاهده في بلادنا اليوم، لا يمكن مقارنته بما كان في عهد النظام السابق، فعندما ندقق في المكانة التي اكتسبتها إيران في العالم، وبين الشعوب، وبين الدول، وفي المحافل السياسية، وفي العلاقات الدولية، وفي الموازين بين القوى الدولية، نجد أنّ الجميع أصبح يتعامل مع هذا الشعب وهذه الحكومة بجِدّية ومن موضع الاحترام والتقدير.كما شهدت البلاد تطوراً وتقدّماً ملحوظاً لا يمكن مقارنته أبداً ـ وبدون إغراق أو مبالغة ـ بما كانت عليه قبل الثورة، فقد ازداد اعتقادنا بقدراتنا وقابلياتنا الذاتية، وتمكّنا من تبديل معظم هذه القابليات والطاقات من القوة الى الفعل في كافة المجالات كالعلم والصناعة والمسائل الاجتماعية وغيرها من المسائل العامة.فلا يمكن المقارنة بين نظامين متضادّين، أحدهما: نظام عميل لا يحظى بأي احترام في العلاقات الدولية، لا يؤمن بقدراته، ويحتقر شعبه ـ إذ كان رؤساء البلاد يعتبرون الدولة ملكاً لهم، فالكثير منّا يتذكر النظام الطاغوتي وحكومته التي كانت تعتبر البلاد ملكاً لها ولا تعير احتراماً للشعب إلاّ إذا كانت مجبرة عليه ـ والنظام الآخر: الحكومة فيه تعتبر نفسها خادمة للشعب وليست مالكة للبلاد والشعب، وهو الشعور الحقيقي للمسؤولين، وتقوم فلسفة وجودهم على خدمة الشعب بل إنّ التقابل بين هذين النظامين، والتفاضل بينهما، لا يقبل المقارنة بوزن أو مال أو دخل شهري لشخص معيّن؛ وإنما هو تقابل بين الوجود والعدم، والفاصلة بينهما هي فاصلة الوجود والعدم، وهذا ما يريده الإسلام منّا وما يمنحه لنا، ولا أريد الدخول في بحث موضوع القيم الإسلامية، الذي يعتبر من المواضيع القيّمة والجذابة جداً إذا ما أراد أحد البحث والتحقيق فيها.والآن البلاد في ظل هذه الظروف تسعى لتحقيق التقدم والتطور في كافة المجالات، وما تسمعونه عن التقدم في مجال الطاقة النووية ما هو إلاّ جزء يسير من أشياء كثيرة حدثت في البلاد.كما إننا ولله الحمد نمتلك الشباب المستعد والطاقات الكبيرة التي تحتاج الى الأمل، والرغبة، والعمل، والثقة بالنفس، وتقليل الاعتماد على الأجانب ـ في ثقافتهم وسلوكهم وقوانينهم الفكرية والثقافية ـ ونحتاج الى استخراج الطاقات الكامنة، والاستفادة من تراثنا الثقافي الغني.فهذا الشاب يحتاج الى مساعدتكم والى حضوركم في الساحة حتى يمكن تربيته على هذه الصفات؛ ولذا فإنّي أؤكد أنّ مفتاح الحل والنجاح وتقدم البلاد، يعتمد الى حدّ كبير على دوركم أيها الأخوة؛ لأنّي أدرك أهمية السينما ودورها، إذ يمكنكم أن تجعلوا من هذا الجيل جيلاً ساعياً للتقدم، مفعماً بروح الأمل، مفعماً بالرغبة، واثقاً من نفسه، مؤمناً بقيمه الإسلامية والوطنية، أو على العكس يمكن أن تجعلوا منه جيلاً خجلاً من نفسه، نادماً، مشككاً بإنجازاته الوطنية ومشككاً بانجازات ثورته وبدفاعه المقدس عن وطنه.لقد قلت هذا الكلام سابقاً أمام عدد من الفنانين ـ من سينمائيين ورسّامين ونحّاتين ـ بأن عملكم كفنانين يحتّم عليكم البحث عن دقائق الجمال وأسراره الخفية في عالم الوجود؛ حتى تتمكنوا من إظهارها وإبرازها الى جمهوركم.فعمل الفنان يعني إظهار الجمال، ودقائق الأشياء، والحقائق الخفية عن العين المجردة وإبرازها الى المخاطبين بفنّه وإبداعه الفني.وعندما أقول الجمال فهذا لا يعني عدم قدرته على إبراز القبائح أيضاً، إذ هو نوع من الإبداع أيضاً.وقلت لأولئك الفنانين: بما أنكم تبحثون عن الجمال، فكيف يمكن أن تغضّوا النظر عن الروائع التي رسمها هذا الشعب الأعزل في دفاعه عن وطنه وشعبه ونظامه لمدة ثماني سنوات وفي تلك الظروف الصعبة.وقد بدأت منذ عدة سنوات حركة في الوسط الثقافي لإصدار بعض الكتب التي تحكي قصصاً وروايات عن القادة العسكريين الذين شاركوا في الحرب، وأصبحتُ من المقتنين لهذه الكتب ومِنْ قُرّائها.ورغم معرفتي الشخصية لبعض هؤلاء القادة، كانت معظم هذه القصص والروايات صادقة ـ إذ يمكن للمرء الآن أن يميز الى حدّ ما بين المبالغة والصدق ـ ومؤثرة جداً. فالمرء كان يشاهد هذه الشخصيات المتميزة تشارك في الحرب حتى بلباس العمل، وقد كتبوا قصة الأسطة عبد الحسين البُرنسي البنّاء المشهدي ـ الذي كنت أعرفه قبل الثورة ـ في كتاب بليغ وجذاب عنوانه (خاكهاى نرم كوشك) .وأوصيكم بقراءة هذه الكتاب؛ لأنّي أخشى أن لا تصلكم مثل هذه الكتب.لقد دخل هذا الإنسان الحرب في بدايتها ولم أكن على علم بذلك، لكن بعد استشهاده حدّثني عنه أحد الأصدقاء ـ من الذين شاركوا في الحرب ضمن فصائل الجامعيين وفصائل التعبئة الشعبية ـ فقال: التقيت بهذا الشاب الأمّي ـ بمعناه الاصطلاحي، وإلاّ فإنه قد درس المقدمات في الحوزة العلمية لمدة ثلاث أو أربع سنوات ـ في الجبهة، وكان يجذب إليه الأفئدة عندما يتحدث مع المقاتلين، ولهذا قلت أنه يعكس معرفته القلبية أو إحساسه الصادق أو فهمه عن عالم الوجود، ثم استشهد بعدما أبدى شجاعة عظيمة في المعركة.وبعيداً عن هذه التفاصيل أتساءل أين يمكن أن تجدوا مثل هذه الروائع مثلما تجدونها في حياة مثل هذا الإنسان أو في حياة الشهيد همت والشهيد خرازي أو في حياة الموجودين منهم حتى الآن؟تجدونها في السينما الهادفة؛ وإنّي أتساءل أي معنى أجمل وألطف وأعمق من هذا الشعور بالتضحية والفداء والإيثار الذي نجده عند شاب في الثامنة أو التاسعة عشر من عمره، يترك لذائذ العيش والحياة المرفّهة وعطف الوالدين، ثم يشترك في الحرب بكامل قواه العقلية ودون نقص أو عقدة، ليقدّم أسمى معاني الشجاعة والتضحية بما يثير الحيرة والتعجب في النفوس، وقد تأثر كثير من هؤلاء الشباب بكلام أمثالي وتشجيعهم، لكني أعجز الآن عن وصفهم أو الوصول الى مكانتهم، وهذه الصور من الروائع التي يمكنكم تصويرها وإظهارها لجمهوركم.السيد حاتمي كيا، يقول: لا أعلم ماذا أقول عن الحرب، أقول: لديكم الكثير لتتحدثوا عنه، فباعتباركم سينمائيوا الحرب ماذا صوّرتم حتى الآن عما جرى خلف كواليس الحرب؟ أو عن سبب نشوبها، وأي فِلم سياسي عسكري عالمي، يمكنه تصوير شيء أجمل وأكثر تأثيراً مما يمكن أن تصوّروه عن أسباب جرأة صدام حسين وقيامه بشن هذه الحرب بهدف السيطرة على إيران، خاصة مع وجود الكثير من المستندات والأدلة؟فهو لم يكن يحلم باحتلال جميع إيران، بل كان يسعى بلا شك الى احتلال خوزستان وبعض المدن حولها، ثم يفرض بعد ذلك سيطرته على الحكومة المركزية في البلاد سواء كانت جمهورية إسلامية أم غيرها. أي لولا هذا الدفاع المستميت للشعب الإيراني الذي منع صدام من احتلال خوزستان، فهل كان بإمكان أية حكومة مركزية أن تعارض أوامر تلك القوة المسيطرة على هذا الجزء من البلاد؟ وعليكم أن تبحثوا عن الأسباب التي دفعتهم لتشجيع صدام على شنّ هذه الحرب؟ وكيف قدّموا له المساعدات؟ وأي المصانع زوّدته بالأسلحة الكيماوية؟ ومن هم الذين اجتمعوا لحمايته؟ وأي الدول زوّدته بتلك الطائرات المتطورة؟ ومن هم أولئك السياسيين والعسكريين الكبار من مختلف الدول ـ ومنها أمريكا ـ الذين قَدِموا الى بغداد، والتقوا صدام وأعوانه؟ فإنكم لم تتطرقوا في أفلامكم لهذه الأمور؛ بل لم تتعرّضوا لشخصية صدام، فهي من المواضيع المهمة التي تصلح لكتابة القصة.أما بالنسبة لمسألة كتابة القصة، فأنا أتفق مع بعض الأصدقاء الذين أشاروا الى هذه المسألة، بأننا مازلنا ضعفاء في هذا المجال، رغم غناء التراث الإيراني بالقصص الملحمية التي نجدها في أعمال فردوسي ومولوي.أما القصص الدرامية فإن تراثنا يفتقر لمثل هذا النوع بالشكل الذي ظهر في أوروبا خاصة في القرن التاسع عشر، الذي شهد كتابة العديد من القصص المشهورة، لكننا نمتلك الاستعداد الكافي لكتابة مثل هذه القصص. ورغم شهرتنا وقدراتنا الواسعة في الشعر، لكنها لم تصل الى الأسلوب المتّبع في القصص الدرامية، لكني أعتقد أنّ بالإمكان تقديم أعمال ناجحة إذا ما تظافرت الجهود خاصة من قِبَل وزارة الثقافة؛ لتشجيع العمل والكتابة في هذا المجال. وقد تحدّث بعض الأصدقاء عن ضرورة تشجيع كتابة القصص السينمائية، لكني حقاً لا أعلم ـ أنتم أعلم بهذا أكثر منّي ـ هل توجد ضرورة لمثل هذا العلم؟ إذ معظم الأعمال السينمائية المشهورة اليوم قد أخذت عن القصص والأعمال الكلاسيكية القديمة، رغم أننا لا نعلم أنها كتبت خصيصاً لهذا الغرض، وحتى لو كانت كذلك، فإني أعتقد أنّ من الأفضل أولاً إحراز تقدّم ملحوظ في كتابة القصص، والدراما والقصص الملحمية، ثم نعمل على تحويلها الى أعمال سينمائية؛ مما يساعد على نجاحها بالشكل المطلوب.كما أنّي أعتقد أننا لا نزال بحاجة الى تقديم الكثير من الأعمال السينمائية حول الحرب.الآن أودّ أن أتحدّث إليكم حول نقطة أخرى: وهي إنني عندما أحمّلكم المسؤولية ـ وأنتم جميعاً تتحمّلون هذه المسؤولية لِمَا لأعمالكم من أثر كبير على الناس ـ فإنها تستتبع الأجر والثواب من الله تعالى أيضاً، أي ينبغي أن تقترن أعمالكم بنيّة التقرّب الى الله.ولا إشكال في ما قالته السيدة: بكونها تعمل بما تمليه عليها أحاسيسها ومشاعرها، لكن اجعلي عملك مقترناً بنيّة التقرّب الى الله وكسب رضاه، فما دمتي تقدّمي عملاً كبيراً ومُهمّاً، فلماذا تحرمي نفسك من الأجر والثواب؟ وطلب الثواب، لا يقتصر فقط على إنتاج أفلام عن الصلاة والصوم؛ بل يمكن كسب الثواب أيضاً من انتاج أفلام تروّج بين جيل الشباب الأخلاق الحسنة، والسلوك الاجتماعي، والتنظيم الاجتماعي، والجِدّ في العمل، والإيمان القوي والإحساس بالمسؤولية. فأمير المؤمنين (ع) عندما يوصي الحسن والحسين(ع) بقوله : (اعملا للأجر) لا يعني به أجر الدينار والدرهم، إذ لا تعني المليارات عند أمير المؤمنين (ع) أكثر من قيمة ذرة تراب، لكنه يعني الأجر والثواب الإلهي.ونحن جميعاً بحاجة لمثل هذا الأجر، هذه الحاجة التي ستزداد ـ شئنا أم أبينا ـ ما أن تعبر هذه الحياة الدنيا الى الآخرة، فما دمتم تعملون في هذا المجال اجعلوا عملكم مقترناً بنيّة كسب رضا الله وأجره. وبالطبع يمكنكم كسب أجر إنساني وأخلاقي أيضاً، من خلال عملكم الجِدّي في هذا المجال وإحساسكم بالمسؤولية الذي تفرضه عليكم مكانتكم المرموقة في المجتمع باعتباركم تمثلون النخب والفنانين ومن يملك الرؤية النافذة في المجتمع والبلاد والناس.على كل حال استفدت كثيراً من كلام الأصدقاء، ودوّنتُ الكثير من النقاط المهمة من تقاريرهم وتحليلاتهم، لكني أعتقد أنّ أهم نتائج هذا اللقاء كانت أولاً: اتفاق الجميع على أهمية السينما؛ نتيجة لمكانتها المرموقة وقدرتها على التأثير والمسؤولية المترتبة على العاملين في مجال السينما كلٌ حسب درجته، وقد أتحمّل جزءاً من المسؤولية أيضاً باعتباري مسؤولاً في النظام، في حين يتحمّل السيد الوزير بالطبع جزءاً من هذه المسؤولية، وهذا يعني إحساس الجميع بالمسؤولية واتفاقهم على أهمية السينما.وثانياً: لابد أن يكون هدف السينما السعي لإصلاح البلاد والمجتمع، وبالتالي يجب أن يركّز النقد في هذا المجال على تحقيق هذا الهدف، مما سيقلل من الاختلال حول ضرورة هذا النقد وجدواه، أو حول اسمه، هل هو تشويه لصورة العمل أو نقنقة أو لا؟ لأن نيّة العمل إذا كانت لأجل الإصلاح والتطور، فإنها ستترك حتماً تأثيرها على العمل، مما سيقلل من هذه الفاصلة والاختلاف بين الآراء.السيد حاتمي كيا، يقول: امنحونا درجة، أقول: من أكون حتى أمنحكم مثل هذه الدرجة، الله منحكم هذه الدرجة، فهي درجة إلهية منحكم الله إيّاها بما وهبكم من ذوق رفيع وقابلية فنية ممتازة، وإذا ما أردنا تقييمها مادياً بهذه الدرجات فإننا سنفقدها قيمتها الواقعية، مع ذلك سنكرمكم حتماً على أعمالكم، لكن في المقابل ـ وأقولها بلا مجاملة ـ انتظر منكم أيها المخرجون كرجل دين، أن تعملوا على تقوية القيم الإسلامية والوطنية في المجتمع.وعندما أقول القيم الوطنية، فلا يتبادر بسرعة الى الذهن مراسم يوم الأربعاء (آخر أربعاء من أيام الشتاء)، بل أقصد الإحساس باستقلال الشعب والاستقلال الثقافي.وعليكم تقوية اعتماد الشعب على ثقافته الأصيلة، بعيداً عن هجوم الثقافة الغربية منذ قرنين من الزمن، وهذا الأمر يمكن تقويته أحياناً بالمشاركة في المهرجانات الدولية، لكن يمكن أن يتحقق أيضاً بعدم المشاركة فيها؛ لذا عليكم أن تجعلوا مشاركتكم أو عدمها بهذه النيّة وحسب ما تقتضيه المصلحة الإسلامية والوطنية.أما وقد دافع السيد عياري عن مهرجان (كان)، بأنهم قالوا له: لا نتمكن من عرض فلمك في المهرجان؛ بسبب رؤيتك القاتمة فيه، ولا أعلم ماذا فعل السيد عياري في فلمه حتى تعاطف هؤلاء مع الشعب الإيراني. ولا أريد هنا أن اعترض على دفاعكم عنهم، لكني أقول بصراحة ـ وأنتم تعلمون أنّ مصادر معلوماتنا أوسع بكثير من المصادر التي تنتقون منها معلوماتكم ـ إنّي على اطلاع تام أنّ هذه المهرجانات الدولية ومنها مهرجان (كان) ـ الذي ذكرتموه ـ تسعى لتحقيق أهداف معيّنة، فَهُم يرغبون بمشاركة الفنانين الإيرانيين المشهورين لتحقيق بعض المكاسب السياسية، ولا أعلم مدى تقييمهم لفِلم السيد مجيدي، وكم سيعرضونه أمام الناس في دور العرض، فَهُم قد يقدّرون الفِلم ويحترمونه في المهرجان، لكني لن أصدق هذا التقدير والاحترام إلاّ إذا أقدموا على ترويج الفِلم وعرضه أمام الناس في دور عرضهم وعلى قنواتهم التلفزيونية، وهذا ما لا يفعلونه أو نادراً ما يفعلونه.فنحن لا يمكن أن نصدق حسن نيّاتهم إذا اقتصر تقديرهم للفلم داخل المهرجان وفي صالة توزيع الجوائز فقط؛ بل نعتقد بوجود أهداف سياسية وراء ذلك، ولا عجب فيه؛ لأننا أيضاً في بعض المسائل الثقافية الدولية نسعى لتحقيق أهداف سياسية ولا نخفي ذلك، وكذلك بالنسبة لعلاقاتنا الثقافية مع كثير من دول العالم، وهكذا تعمل هذه الدول معنا أيضاً؛ لذا ينبغي علينا الحذر والوعي في المسائل الثقافية.وقد أخبرني المرحوم السيد أحمد الخميني، أنه كان مستعداً لدفع مبلغ ثمانين ألف دولار لنشر بيان الإمام الراحل في موسم الحج ولو بصورة إعلان في إحدى الصحف المشهورة في أمريكا، لكنهم رفضوا نشر هذا البيان.كذلك السيدة ابتكار معاون رئيس الجمهورية السابق، ألّفت كتاباً تتحدث فيه عن عملية السيطرة على السفارة الأمريكية في طهران، حيث كانت ضمن الطلاب المشاركين في العملية. وكانت السيدة قد قضت فترة طفولتها في أمريكا، حيث كان والدها المرحوم الدكتور ابتكار ـ وكان أحد أصدقائي ـ يعيش في أمريكا لعدة سنوات، وهي تتكلم الإنجليزية جيداً؛ وقد كتبت كتابها باللغة الإنجليزية وقام آخر بترجمته الى الفارسية.وقد نقلت لي أنّ جميع دور النشر الأمريكية رفضت نشر هذا الكتاب، وأنهم مازالوا يصرّون على عدم التئام الجرح الذي سببه هذا العمل، ويكررونه دائماً.حتى إنّي أتذكر عندما كنت رئيساً للجمهورية، وأثناء سفري الى أمريكا للاشتراك في اجتماع منظمة الأمم المتحدة، أجرى أحد الصحفيين الأمريكيين المعروفين حديثاً معي، كان له صدى واسع في كافة وسائل الإعلام، والقنوات الخبرية، وكان أول ما سألني عنه، لماذا قمتم باحتلال السفارة الأمريكية؟ فأجبته، لقد حضرت الى منظمة الأمم المتحدة، وتجري معي حديثاً، وتطرح أول سؤال عليّ هذا السؤال؟ إنهم مازالوا يصرّون على تكرار هذا الأمر ويعتبرونه عملاً إرهابياً وهمجياً. على كل حال، رفضوا نشر هذا الكتاب الذي يشرح هذه القضية بالتفصيل، رغم صدوره من قِبَل سيدة جامعية مثقفة، لم تكن متخلّفة عقلياً ولا رجعية، ولا أميّة، ولم تكن لها سوابق إرهابية، وكانت موجودة في تلك الحادثة؛ لأنهم يهتمّون برعاية مصالحهم السياسية.أما ما يروّجونه في أمريكا من عدم التدخّل في المسائل الثقافية، وعدم وجود رقابة عليها، إنما يقتصر على الأعمال التي لا تتعارض مع الأصول والعقائد الأمريكية، أما ما يتعارض مع الأصول والسياسة الأمريكية ـ كما حدث في حرب الخليج في عهد حكومة بوش الأب ـ فإنه يتعرض للرقابة والتحريف بشكل كامل وعلني ورسمي.فهم يهتمّون برعاية مصالحهم الثقافية، لذا علينا نحن أيضاً الاهتمام برعاية مصالحنا الثقافية؛ لأننا لا نتوقّع منهم الاهتمام بمصالحنا بل من المفروض أن نقوم نحن بهذا الأمر.وعليه، إذا ما أردتم المشاركة في المهرجانات الدولية، عليكم الاهتمام برعاية مصالحكم الثقافية، وإذا ما لاحظتم أنهم يريدون رعاية مصالحهم على حساب مصالح بلدكم، فمن الواضح، أنّ الأفضل عدم المشاركة في مثل هذا المهرجان.الكلام كثير، والوقت سيطول إذا ما أردت الحديث عن جميع ما دوّنته، خاصة وقد مضى على هذا اللقاء ثلاث ساعات وخمس دقائق.أنا سعيد لإقامة هذا اللقاء، وأشكر جميع الأخوة المشاركين فيه، خاصة السيد مجيدي لحسن إدارته هذا اللقاء، كما أشكر جميع الأصدقاء الذين عبّروا عن آرائهم بوضوح، وكذلك السادة المسؤولون المحترمون في وزارة الثقافة الذين تبنّوا توجيه الدعوة وإقامة اللقاء.ولو لم يداهمنا وقت الآذان لبقيت معكم فترة أطول، لكني مضطر للمغادرة فقد حان وقت الصلاة.والسّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته‏  

100 يوم من الطوفان