الخطابات

كلمته في مدراء الجمهورية الإسلامية

بسم الله الرحمن الرحيموالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين والسلام على جميع أنبياء الله المرسلين. قال الله الحكيم { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .في البداية أرحّب بالسادة المسؤولين وأشكر حضورهم هذا الاجتماع، خاصة الأعزاء الذين تجشّموا عناء الحضور رغم مشاغلهم الكثيرة وبُعد المسافة.إنّ الهدف من هذا الاجتماع ـ كما جرت العادة في السنوات الماضية ـ هو التذكير والنصيحة والمراقبة، فعندما أراجع نفسي أجدها بحاجة مستمرة إلى التذكير والنصيحة، وهكذا الحال بالنسبة لجميع المسؤولين بمختلف درجاتهم الوظيفية نحتاج باستمرار إلى مراجعة النفس والاستماع إلى النصيحة والتذكير والانتقاد؛ لعلّها تقرّبنا إلى الله تعالى فيمنحنا فرصة الإصلاح.إذاً، يجب على الجميع مراجعة النفس ومراقبة القلب؛ لحاجته الماسة إلى المراقبة أكثر من حاجة الجسم والبدن، ولأنها الوسيلة الوحيدة التي تنير القلب وتجعله مهبطاً لنزول الرحمة والهداية الإلهية.وإذا ما تركنا القلب يتعرّض إلى التأثيرات والرغبات المادية، فسنصاب بصفات خطيرة كالعجب والغرور والغفلة.الآية الكريمة: { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} جاءت في سورتين من القرآن الكريم هما الزمر والقصص، وتبيّن أنّ الإنسان عندما يمنحه الله تعالى نعمة، يغفل عن الله ويتصور أنه السبب في حصوله على هذه النعمة وهذه الفرصة. وتكررت هذه العبارة أيضاً بحق قارون، عندما اعترضوا عليه قائلين:إعلم أنّ هذه النعمة من الله تعالى، فابتغي ما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الحياة الدنيا، فأجاب قائلاً: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} ، أي أنا الذي حصلت على هذه النعمة بقدرتي وإمكاناتي الذاتية، وهذا عين الغرور بالنفس، وهو خطأ كبير يمكن أن نتعرّض له جميعاً.أما الآية الشريفة: { فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} ، فهي تتحدث عن صفة شبيهة بالغرور بالنفس هي الغرور بالله تعالى، فيجب تجنّب هذه الصفة أيضاً. إذ جاء في أدعية الصحيفة السجادية: (فالويل الدائم لمن اغتر بك)، (ما أطول تردّده في عقابك)،(ما أبعده عن الفرج) ، فالغرور بالله تعالى يعني: سوء الظن بالله، وتوقّع الأجر دون القيام بعمل صالح يستحق الأجر، كقول الإنسان: إنّي عبد صالح وسأحظى حتماً برحمة الله ولطفه، وكاستغلال الإنسان لحلم الله للاستمرار بارتكاب المعاصي والذنوب.إنّ قول الإمام السجاد(ع): (فالويل الدائم لمن اغتر بك) يبيّن الغرور بالله تعالى، وهو عين ما ابتلى به بنو إسرائيل بعدما اختارهم الله على الأمم الأخرى، لكنهم ونتيجة لغرورهم بالله تعالى وتركهم واجباتهم التي كلّفهم الله بها، قال تعالى بحقهم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} .وهؤلاء هم نفس الذين وصفهم الله تعالى في آيات أخرى من القرآن الكريم أنهم شعب الله المختار بقوله: { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، لكن وبعد ارتكابهم المعاصي، غضب الله تعالى عليهم ، فقال{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ}، فكانت هذه نتيجة الغرور بالله تعالى.إذاً ينبغي علينا مراجعة النفس ومراقبة القلب وتطهيرهما من الذنوب؛ حتى نلتفت إلى مسؤولياتنا الجسام وعدم الغفلة عنها. وهناك أبواب واسعة لتحقيق هذا الأمر كالصلوات الخمس، والدعاء، وأداء النوافل، وصلاة الليل، إذ يمكن أن تصبح ـ إذا لم يتقاعس الإنسان عن أدائها ـ سبباً لسمو الإنسان وصفاء قلبه والبركة في عمله.أعزائي، نحن المسؤولون بحاجة إلى الالتزام بهذه المسائل أكثر من عامة الناس، وأعتقد أنّ مسألة الشكر من أهم الواجبات المعنوية التي يجب علينا الالتزام بها؛ لهذا رأيت أن أتحدث قليلاً عن هذه المسألة:إنّ الآية الكريمة من سورة إبراهيم: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} من الآيات المهمة جداً، وتتضمّن الترغيب والترهيب. فهي تشير إلى أنّ الشكر يوجب ازدياد النِعَم والبركات الإلهية، في حين يجلب الكفر العذاب الإلهي، ولا نجد في التاريخ استثناءاً واحداً لهذه السُنّة الإلهية. ويخطأ من يتصور وجود مثل هذا الاستثناء بقوله: إنّ الله تعالى لم يظهر شدة عذابه في المكان الفلاني، وهذا ناشئ من قصور في التحليل، إذ لو رجعنا إلى التحليل الصحيح لأدركنا عدم وجود استثناء لهذه السُنّة الإلهية.وإذا ما أردنا أن نحلل مسألة الشكر، فنقول أنه يرتكز على عدة أسس: الأول: معرفة النعمة والاهتمام بها؛ لأن عدم المبالاة بالنِعَم الإلهية يعدّ من أشدّ الآفات في حياتنا، فنحن لا نشعر بنعمة السلامة إلاّ بعد الابتلاء بالمرض وفقدان أحد الأعضاء، ولا نشعر بنعمة الشباب إلاّ بعد الابتلاء بالشيخوخة، ولا نشعر بنعمة الأمان إلاّ بعد الاحساس بالخطر، ويعود السبب في ذلك إلى قصورنا في تشخيص العمل الصحيح.فالكوفيّون لم يدركوا نعمة وجود أمير المؤمنين بينهم إلاّ بعد تسلّط الحجاج على رقابهم، وأهل المدينة لم يدركوا نعمة وجود أمير المؤمنين والإمام الحسن (ع) إلاّ بعد تسلّط مسلم بن عقبة عليهم، فأخذ بقتلهم واستحياء نسائهم، وإجبارهم على البيعة ليزيد والإقرار بالعبودية له، وقتل كل من يرفض إطاعة هذا الأمر، وحينها أدرك الناس نعمة حكومة أمير المؤمنين ونعمة حكومة الأمن والأمان، وحكومة احترام الناس وتقديرهم التي كانوا يعيشونها في زمن أمير المؤمنين(ع).الثاني: الاعتقاد بأن النِعَم لا تصدر إلاّ من الله تعالىالثالث: شكر الله تعالى على هذه النِعَم، من خلال الاحساس بالفقر والحاجة إلى هذه النِعَم الإلهية، لا الاعتقاد بوجوبها على الله تعالى.الرابع: الاستفادة من هذه النِعَم تدريجياً كارتقاء السلّم درجة بعد أخرى، أي إذا منحكم الله نعمة فهي بمثابة وضع قَدَمكم على الدرجة الأولى من السلّم، بانتظار ارتقاء الدرجة الثانية فإذا ما سنحت لكم فرصة ارتقاء هذه الدرجة أيضاً فهي نعمة أخرى، يجب الاستفادة منها والصعود إلى درجة أخرى من السلّم وهكذا..أما من تسنح له فرصة ارتقاء السلّم ولا يستفيد منها فقد جحد بالنعمة ولم يشكر الله عليها، كما أنَّ الشكر بهذه الأسس هو بحدّ ذاته نعمة إلهية عظيمة، وهذا ما يُبيّنه الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة:(... فأيُّ نِعَمِكَ يا إلهي أحصى عدداً وذكراً أم أيُّ عطاياك أقومُ بها شكراً وهي يا ربِّ أكثر من أن يحصيها العادون... أن لو حاولتُ واجتهدت مدى الأعصارِ والأحقابِ لو عُمِرّتُها أن أُؤدي شُكرُ واحدةٍ من أنعمك ما استطعت ذلك إلاّ بمنّك الموجب عَلَيَّ به شُكرُكَ أبداً جديداً..).أي أنّ شكر النعمة أيضاً نعمة أخرى تستحق الشكر وهكذا يستلسل الشكر إلى الأبد.إذاً الشكر نعمة أيضاً؛ لأنه أولاً: يؤدي إلى ذكر الله والتقرّب إليه، ويجعل الإنسان من الذاكرين. وثانياً: يمنحنا الصبر والثبات وهما من خواص الشكر، لهذا نقرأ في الدعاء المأثور: (اللهم إنّي أسألك صبر الشاكرين لك)، أي عندما تشكرون النعمة ستعرفون قيمتها وستدركون الهبة والقدرة التي منحها الله لكم، فتبث فيكم روح الأمل التي ستزيد الثبات والاستقامة عندكم.وهذا يعني أنّ من خواص الشكر ولوازمه الصبر، والقدرة على الثبات والمقاومة في الميادين الصعبة، وعدم الغرور. كما أنّ الله تعالى وعد الشاكرين بزيادة النِعَم، فقال: {لأزيدنكم} والله لا يخلف الميعاد. إذاً الشكر يزيد النِعَم، ويمثل الدرجة الأولى في السلّم الذي يوصل الإنسان إلى كماله النهائي، وهو واجب علينا جميعاً.أما الصفة المقابلة للشكر فهي كفران النعمة، إذ إنّ عدم الاهتمام بالنعمة والغفلة عن أصلها هو أحد الابتلاءات التي نتعرّض لها جميعاً، ومن كفران النعمة: إنكار النعمة، أو عدم الاعتقاد بصدورها عن الله تعالى، أو الغرور بالنعمة التي يهبها الله لنا؛ لأن الغرور يلازم السقوط، وعندما يصاب الإنسان بالغرور فسينتهي به الأمر إلى السقوط حتماً. ولهذا قال الله تعالى: { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} .فالمجتمع الذي يتمتع بالنِعَم المعنوية والمادية الإلهية ثم يكفر بها، يذقه الله لباس الجوع والخوف؛ بسبب كفره بهذه النِعَم.أولاً، ما الذي يوجب الشكر علينا؟ لا يمكن إحصاء ذلك، إذ يقول الله تعالى: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} . عندما أصيبت يَدِي بالشلل، انتبهت إلى بعض الخصائص المرتبطة بها: فمثلاً أنّ حركة الأصبع هذه والتي تبدوا سهلة بسيطة ويمكنها أن تدير حولها ـ بسهولة ـ مسبحة أو شيئاً معيّناً، تبيّن حسب ما أخبرني به الأطباء أنها ناتجة عن سلسلة من الحركات والقابليات المتوالية في الإنسان، لكننا للأسف نغفل عن هذه النِعَم. فالإنسان يغفل عن هذه النِعَم العظيمة ولا يشعر بقيمتها إلاّ بعد فقدانه هذه النعمة التي يتصورها بسيطة عديمة الأهمية. ومن النعم التي تستحق الشكر: قدرتكم أنتم المسؤولون ـ بمختلف درجاتكم الوظيفية ـ على اتخاذ القرارات المناسبة على ضوء إيمانكم ورؤيتكم الإسلامية، واستقلالكم أمام السياسات الخارجية المختلفة، وارتباطكم الوثيق بالشعب، وحصولكم على فرصة تبوّءكم مناصب المسؤولية؛ لتتمكّنوا من خدمة الشعب، وزهدكم عن التطاول على الأموال العامة، وابتعادكم عن اقتراف الذنوب وتجنّبكم من الوقوع فيها، وهكذا يمكن أن نعدّ كثيراً من النِعَم الإلهية، لكنها لا تعدو سوى قليل من آلاف النِعَم التي منحها الله لنا، ولكننا نغفل عنها ولا نبالي بها.أما اليوم فأعتقد أنّ عزّتنا واستقلالنا الوطني هي أول النِعَم التي يجب أن نشكر الله عليها، فقد كانت بلادنا ومسؤوليها تأنّ تحت سيطرة سفراء انجلترا وأمريكا في اتخاذ القرارات المهمة؛ بل إنّ رؤساء الدول الثلاث المتحالفة في الحرب العالمية الثانية قاموا بتعيين رئيس للبلاد في ذلك الوقت؛ فَهُم ينصّبون أميني ويقيلون اقبال، ويأتون بفلان ويزيحوا فلان، يضعون الشخص الفلاني في الوزارة الفلانية أو يقيلونه منها.لقد كان الأجانب يسيطرون على مصير الشعب، فَهُم من يقرر بيع النفط للدولة الفلانية أم لا، أو دخول البلاد في المعاهدة الدولية أو الإقليمية أم لا، وبهذا الشكل سلبوا العزة والافتخار الوطني من المسؤولين في البلاد.ولهذا نعتقد أنّ عزّتنا واستقلالنا الوطني هي أول النِعَم الإلهية العظمى علينا، اذ لا يمكن لأي دولة في العالم أن تدّعي اليوم قدرتها على التأثير في نظامنا السياسي، أو أنها تستطيع بالتهديد والترهيب أن تؤثر في قراراتنا السياسية المهمة.النعمة الإلهية الأخرى في بلادنا: هي وجود هذه القابليات والاستعدادات الشبابية العظيمة، فما شاهدته من قابليات وتقدّم في مجال الطاقة النووية خلال المعرض الذي أقامه شبابنا المتعلّم في هذه الحسينية قبل عدة أيام، يثير فينا الفخر والاعتزاز حقاً، لكن أشد ما أثار اعتزازي وفخري هو وجود نفس هؤلاء الشباب المتعلّم المتديّن، إذ كان السيد آقازاده يُعرّفهم لي فيقول: هذا الشاب رئيس مجموعة، وهذا الشاب مسؤول عن مشروع عظيم في الطاقة النووية، وهكذا بشكل يثير الفخر والاعتزاز، فأين كان هؤلاء الشباب؟ نحن لم نستوردهم من الخارج؛ بل هم ثمرة هذه الأرض الخصبة بالفطرة الإنسانية، نموا وتربّوا في ظل مبادئ الثورة الإسلامية، وهناك المئات أمثالهم شاهدتهم بنفسي في مختلف مدن البلاد، مازالوا ينتظرون الفرصة المناسبة للتعبير عن قابلياتهم واستعدادهم، وعندما تسنح لهم مثل هذه الفرصة في بلدهم سوف لا يحتاجون بعدها إلى ترك البلاد.لذا فإنّي أعجب لأولئك الذين يجلسون يتباكون حول فرار الأدمغة وهجرة العقول؛ لأنّي لا أعتبرها مشكلة كبيرة؛ بل علينا أن نسمح للشباب بمواصلة دراستهم أينما شاؤوا؛ لأن أغلبهم سيعودون لا محالة إلى بلادهم؛ إذا ما وفّرنا لهم الإمكانات الجيدة وفرص العمل المناسبة لاستثمار طاقاتهم وقابلياتهم العلمية في بلدهم.پرى روتاب مستورى ندارد چو در بندى سراز روزن برآرد عندما توفّرون ملعباً مناسباً لكرة القدم أمام الشباب المستعد القوي، فإنهم سيمارسون هذه اللعبة وسيبدعون بها حتماً، لكن إذا لم توفّروا مثل هذا الملعب، فإنه سيفقد مهاراته في هذا المجال، أو يبحث عن ملعب آخر لممارسة كرة القدم؛ لهذا يجب علينا فسح المجال المناسب أمام الشباب المستعد للتعبير عن طاقاتهم وقابلياتهم، وبالفعل فقد فسح مثل هذا المجال، لكن مازالت أمامنا واجبات كثيرة سأتطرق لها لاحقاً.إذاً تعتبر هذه الإمكانات والقابليات من النِعَم الكبرى التي منَّ الله بها علينا، والتي يمكن مشاهدتها في بلدنا في كافة المجالات العلمية والإدارية وفي قواتنا المسلحة أيضاً.ومن النِعَم الإلهية الأخرى: روح الأمل والثقة بالنفس التي تسود كافة أفراد الشعب، إذ إنّ اليأس وفقدان الأمل عند أفراد الشعب سيؤدي إلى الجزع وانعدام الرؤية الصحيحة للمستقبل، وعدم تحمّل المشاق، والكسل في العمل؛ بل ويكون مانعاً من العمل أيضاً.في حين يتمكن الشعب الذي تسوده روح الأمل تحقيق التقدم، من خلال الطاقة التي يبثّها في المسؤولين؛ مما يدفعهم لتحقيق الأفضل والأكمل، وهذا ما يحصل اليوم في بلدنا حيث نرى بوضوح روح الأمل سائدة بين أفراد شعبنا، وهي نعمة إلهية كبرى تستحق الشكر والامتنان.ومن النعم الإلهية الأخرى نذكر: البيئة، والموارد الطبيعية، والفرصة التي اتيحت لكم لخدمة الشعب وإعمار البلاد، وسيادة الجو الديني والمعنوي في البلاد.فنحن لا ننسى بعض الأفراد ممن كان في السابق يعارض جميع الحركات الدينية بمختلف الوسائل والأساليب، وكانوا رغم اعتراض المسؤولين الكبار في الدولة، ورغم مخالفة رؤساء الحكومات السابقة، ورغم عقائد الشعب وإيمانه، يسعون إلى إيجاد جو وهمي كاذب يعارض الدين ويتناغم مع الثقافة الغربية.لكن الشعب تمكّن اليوم من المحافظة على هويته الفكرية والمعنوية والإيمانية في ثقافة البلاد، وهي من النِعَم الإلهية العظمى أيضاً.ومن النِعَم الإلهية العظيمة جداً: هي تشكيل هذه الحكومة التي تمكّنت بواسطة شعاراتها الأصولية من الوصول إلى السلطة في البلاد. وكذلك سيطرة الأحزاب التي ترفع الشعارات الأصولية على أغلب مقاعد المجلس، وهي نعمة أخرى تستحق الشكر أيضاً.وإذا ما حاولت رسم صورة عامة إجمالية عن الوضع الراهن في البلاد، بعيداً عن الإفراط في التفاؤل أو الإفراط في التشاؤم الذي يُبعّدنا عن الرؤية الصحيحة، أقول: نحن نمتلك نقاط إيجابية كثيرة، لكن في الوقت ذاته توجد لدينا نقاط سلبية كثيرة أيضاً، لذلك نحتاج إلى دراسة كل النقاط؛ حتى نتمكن من انتخاب الصحيح منها.إحدى نقاطنا الإيجابية: هي تراكم النجاحات والانجازات المتوالية التي حدثت في البلاد على يد الحكومات السابقة والحكومة الحالية أيضاً، وأنتجت هذه المجموعة من النجاحات إنجازاً عظيماً تفتخر به الجمهورية الإسلامية في كافة المجالات العلمية، والسياسة الخارجية.ونذكر من النقاط الإيجابية الأخرى: روح الأمل التي تسود بين أفراد الشعب وتبعث فيهم القوة والنشاط، ووجود الحكومة القوية القادرة على تقديم الخدمات، إضافة إلى المكانة الدولية المرموقة التي اكتسبتها الجمهورية الإسلامية، كما تشير إليها الأحداث والوقائع الحالية والتقارير التي تبثّها وسائل الإعلام المختلفة في العالم، ومن أبرز هذه الدلائل ما حدث في الزيارات الأخيرة التي قام بها رئيس الجمهورية إلى بعض دول العالم، وما حققته من نجاحات كبيرة أشادت بها مختلف وسائل الإعلام الدولية.ومن النقاط الإيجابية الأخرى: التقدم العلمي الحاصل في البلاد في كافة المجالات، لذا أسأل الله تعالى أن يمدّ شبابنا ومسؤولينا العاملين في هذه المجالات بالقوة والعلم؛ حتى يتمكّنوا من تحقيق الانجازات العلمية المهمة، وتقديم خدماتها للشعب؛ حتى يشعروا بمزيد من العز والافتخار.نذكر من النقاط الايجابية أيضاً: التقدم العلمي وتطوير أسس التنمية في البلاد والذي حصل نتيجة للجهود الحثيثة التي بذلتها الحكومات السابقة. فاليوم تشهد البلاد مشاريع كبيرة لتطوير البنى التحتية في مختلف المجالات واستثماراً جيداً محسوساً لرؤوس الأموال في مجالات الاتصالات والحمل والنقل وغيرها.كما أنّ الاستقرار السياسي في البلاد يعتبر إحدى النقاط الايجابية أيضاً، إذ ساعد على إفشال كافة المؤامرات الخفية التي سعت إلى إشعال الفتنة الطائفية أو الفتنة القومية أو حتى الفتنة الطبقية بين أفراد الشعب، مما يدل على الاستقرار والهدوء الذي يسود هذا البحر العميق، بحيث أفشل كافة المخططات والمؤامرات الخفية والعلنية التي سعت إلى تهييج أمواجه وتلاطمها.ومن النقاط الايجابية المهمة نذكر: الانسجام بين السلطات الثلاث، إذ تشهد البلاد اليوم انسجاماً وحُسن ظن كبيرين بين السلطات الثلاث في البلاد المجلس والحكومة والسلطة القضائية؛ مما يؤثر إيجابياً على الوضع السياسي في البلاد، على عكس ما يمكن أن يحدث من وضع سيّئ لو كان المجلس يُسيء الظن بالحكومة، والحكومة لا تتعاون مع المجلس، والسلطة القضائية تشتكي منهما.لكن ولله الحمد، نشهد اليوم اتحاداً وانسجاماً واتفاقاً في الرؤى والسياسات بين الاتجاهات السياسية المختلفة، ونشهد تعاوناً ملحوظاً بين أجهزة الدولة المختلفة.في المقابل توجد لدينا نقاط سلبية ومشاكل أيضاً مثل، عدم توفير بعض احتياجاتنا الضرورية المهمة، إذ تعاني البلاد من مشاكل خطيرة تحتاج إلى حلول سريعة منها: مسألة البطالة وتوفير فرص العمل، وهي من المسائل المهمة التي طالما أكّدتُ عليها وقدّمتُ المساعدات الكبيرة للحكومات السابقة في هذا المجال، ولا تزال هذه المشكلة قائمة حتى الآن؛ إضافة إلى مشاكل أخرى لا يمكن إهمالها كالتضخّم والمناطق المحرومة، ومحاربة الفساد. فالفساد ينخر في جسد الاقتصاد كالشقوق الصغيرة في حوض الماء، فإنكم مهما حاولتم مدّ الأنابيب الكبيرة لملء هذا الحوض بالماء، فإنه لن يمتلئ بسبب التسرّب الحاصل من هذه الشقوق، وبدلاً من جمع الماء في الحوض حتى يمكن ايصاله للمكان المطلوب، فإنه يتسرّب ويذهب هدراً.نحتاج أيضاً توفير الحماية الكاملة إلى المستثمرين ورؤوس الأموال؛ حتى يمكن جذب الاستثمارات الكبيرة إلى البلاد، وتشجيع الأفراد على استثمار أموالهم في المشاريع المختلفة؛ لتساهم في تحقيق التقدم والنمو الاقتصادي في البلاد.المسألة الأخرى: تثبيت مكانة البلاد الدولية وتقويتها، إذ لا يمكن أن نضمن بقاء هذه المكانة المرموقة على حالها مهما تصرّفنا أو عملنا؛ بل نحتاج إلى تدبير وحكمة ورؤية دقيقة وسعي متواصل لتقوية هذه المكانة المرموقة وتثبيتها.من المسائل المهمة الأخرى التي ينبغي الاهتمام بها: هي تحسين صورة البلاد الثقافية، إذ يجب أن تتميز بنورانيتها وصيغتها الإسلامية التي تتطابق مع الأخلاق الإسلامية الفاضلة.وبالطبع، يمكن للحكومة والمجلس بشعاراتهما الأصولية، وشُكرهم للنِعَم الإلهية التي ذكرناها، وعملهم المتواصل، أن يزيدوا حجم هذه النجاحات ويقللوا تدريجياً حجم المشاكل التي تواجهنا.قلت سابقاً والجميع يؤكد هذا أيضاً: إنّ الدولة بسلطاتها الثلاث مجلس الشورى الإسلامي، والحكومة والسلطة القضائية، تدار اليوم طبقاً للفكر الأصولي الإسلامي، وهذا من النِعَم الإلهية العظيمة، لكن نريد أن نعرف ماذا يعني هذا الفكر الأصولي؟ وهو أمر مهم جداً.ولا أريد الآن تدوين هذه الأصول، لكني سأتطرق إلى أبرز ما نلتزم به منها.فالأصولية: لا تعني الفكر المقابل للاتجاهات السياسية الرائجة في البلاد، ومن الخطأ تقسيم السياسيين إلى أصوليين وإصلاحيين؛ لأن الأصولية ترتبط بجميع الأفراد المؤمنين بمبادئ الثورة والملتزمين بها، بغض النظر عن الاسم الذي يطلق عليهم.الآن نسأل ما هي هذه الأصول؟الأصل الأول: الإيمان والهوية الإسلامية والثورية والالتزام بها.إنّ تطبيق هذا الأصل يعتبر من أهم واجبات الحكومة، إذ لا يمكن القبول بعدم تدخّل الحكومة بإيمان الناس، كما يروّج البعض لهذا الفكر، فكيف يمكن لوزارة الصحة محاربة ظاهرة بيع الأدوية المزيّفة في السوق السوداء، في حين نمنع وزارة الثقافة من محاربة الفساد الثقافي والمروّجين لهذه الظاهرة في البلاد؟إنّ هذه المهمة تقع على عاتق أجهزة الدولة المختلفة كالإذاعة والتلفزيون، ووزارة الثقافة وغيرها، إذ على الجميع العمل على تقوية أسس الإيمان الصحيح والثابت في فكر شبابنا وأجيالنا القادمة، ونشر الإيمان البعيد عن الخرافة والعقائد الضعيفة، الإيمان الصحيح، الإيمان بالدين، الإيمان بالنظام الإسلامي، الإيمان بالشعب، الإيمان بالمستقبل، الإيمان بالذات، الإيمان باستقلال البلاد، والإيمان بالوحدة الوطنية، والإيمان الذي لا يثير التعصب الطائفي في مختلف المجالات.لقد أكدت كثيراً وأقول للجميع مرة أخرى: إنّ من الخطأ التحدّث عن الإيمان بالإسلام والإيمان بالمذهب، في حين نعمل في الوقت ذاته على إثارة الفتنة الطائفية والصراع الطائفي بين أفراد الشعب؛ بل على الجميع التمسّك بإيمانهم وعقائدهم مع فتح باب الحوار والنقاش والاستدلال والمنطق القوي لإثبات ما تعتقدون به دون تعصب أو إجبار: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فهذا منطق القرآن، لكني لا أعلم لماذا لا يفهم البعض هذا المنطق؟.ومن الواجبات المهمة الأخرى التي تقع على عاتق الحكومة والنظام الإسلامي في هذا المجال: العمل على نشر الهوية الإسلامية بصورة شفافة ومتميزة في العالم الإسلامي، لنرسم نموذجاً متميزاً أمام الشعوب الإسلامية يحفّزها على نشر التديّن البعيد عن الخرافة، وتشجيع روح البحث والتجديد في المصادر الإسلامية.فالبعض يظن بعدم إمكانية التجديد في الدين، على رغم ما تزخر به مصادرنا الإسلامية من علوم عظيمة، لم ننهل منها حتى الآن إلاّ القليل؛ مما يتطلب منّا السعي لطرح أفكار وبحوث جديدة في مختلف المجالات، وبذل الجهود العظيمة لدراسة القرآن الكريم هذا البحر العظيم الممتلئ بحقائق وأسرار هذا العالم، والتي نعجز ـ حتى الآن ـ عن فهمها وإدراكها، وتشجيع الفكر، واستنباط الحقائق القرآنية، وتجديد الفكر وطرح الأفكار الحديثة وعرضها أمام العلماء والمفكرين الإسلاميين.وبالطبع، يجب أن تطرح هذه المسائل من قِبَل المتخصصين بأسلوبها ومنطقها الخاص، إذ لا يمكن نشر أي فكر بعيداً عن أسلوبه الخاص وبعيداً عن المتخصصين بهذا الفكر أو الفن، فكيف يمكن توقّع التجديد من غير المتخصصين لهذا الفن كأن تطلب من شخص لا يفهم الموسيقى أن يُعِدَ لنا قطعة موسيقية جديدة؟إذاً يجب أن يتولّى هذه المهمة العلماء والمفكرون العارفون بالكتاب والسنّة. وعلينا أيها الإخوة أن نحمل راية الأخوة الإسلامية إلى جميع الشعوب الإسلامية، ونعمل على نشر الفضائل والأخلاق الإسلامية وتقويتها في المجتمع مثل: التعاون، التسامح، المساعدة، الصبر، والحلم. وهذا يمثل الأصل الأول، أي الإيمان والهوية الإسلامية والثورية.عندما نتحدث عن الإسلام والإيمان، يتصور البعض أننا نروّج لفكر متحجّر يرفض التعامل مع الآخرين، ويُخطّئ كل فكر أو منطق آخَر، كالفكر الذي تروّج له المجاميع المتطرفة في أفغانستان أو المجاميع الإرهابية في العراق، التي لا تعترف إلاّ بأفكارها وعقائدها وتكفّر جميع المسلمين في العالم، وتشيع فكر القتل والسبي والتشريد. كلا، إنّ هذا الفكر لا يمثل الفكر أو المنطق أو الأسلوب الذي تروّج له الجمهورية الإسلامية في إيران؛ بل نحن نقدّم للعالم رسالة خاصة مِلء سطورها بالأفكار المتجددة والحديثة مفكرون مجددون أمثال الإمام الراحل(قدس سره) في كافة المجالات حتى الفقهية منها، حتى إنكم تشعرون بعمق تأثير هذه الرسالة على الشعوب الإسلامية عندما يتصفّحونها ويتذوّقونها كالشهد، والسبب يعود إلى الاستعداد والذوق والفهم والحكمة الإيرانية التي تعطي ثمارها بهذا الشكل إذا ما اجتمعت لتفسير الدين وبيان عقائده.الأصل الثاني: العدالة، التي تمثل الأساس الذي تقوم عليه فلسفتنا الوجودية، إذ من الخطأ التفكير لسنوات طويلة بتحقيق النمو الاقتصادي في البلاد، ثم نعود للتفكير بتحقيق العدالة؛ بل يجب أن يتزامن التخطيط لتحقيق النمو الاقتصادي مع التخطيط لتحقيق العدالة في المجتمع.لكن نسأل ما هي العدالة؟ بالطبع يمكن أن يختلف الأفراد أو التيارات الفكرية في تعيين معنى العدالة، لكنهم سيتفقون حتماً على بعض مصاديقها ومنها: تقليل الفوارق الطبقية، تكافؤ الفرص، تشجيع المصلحين ومحاسبة المتجاوزين على الثروة الوطنية، تطبيق العدالة في إدارة مرافق الدولة كالعزل والنصب، وإصدار الأحكام، وإبداء الرأي ، والاهتمام المتساوي بجميع مدن البلاد الفقيرة منها أو الغنية، التوزيع العادل للثروة الوطنية، الاعتراف بالثروة الوطنية ملكاً لجميع أفراد الشعب.إذاً العدالة أحد الأصول وتحتاج إلى بعض الشروط المهمة، منها: أولاً: الحزم، وثانياً: تقوية الارتباط مع الشعب وثالثاً: زهد العيش وبساط التعامل مع الناس ورابعاً والأهم: تربية النفس وتهذيبها، إذ يجب علينا أولاً تربية النفس وإصلاحها؛ حتى نتمكن من تطبيق العدالة في المجتمع. ومن واجباتها الأخرى، محاربة الفساد والمفسدين في المجتمع.الأصل الثالث: المحافظة على استقلالنا السياسي، وهو من الأصول المهمة، وأحد الأهداف الأساسية والاقتصادية والثقافية، كما يجب علينا السعي لتحرير أنفسنا من أسر الأخطبوط الثقافي الغربي الذي أخذ يثقل كاهلنا. وعلى هذا الأساس جميع الحركات والاتجاهات والشعارات والبرامج التي لا تدعوا إلى استقلال البلاد، لا يمكن اعتبارها ضمن التيارات أو الشعارات الأصولية.الأصل الرابع: تقوية الثقة بالنفس والعزة الوطنية، وهذه الثقة بالنفس يجب أن تسود في جميع المجالات، فمثلاً في العلوم التطبيقية شاهدنا نماذج مهمة منها: التقدم الحاصل في مجال الطاقة النووية، وإنتاج الخلايا الحية، بالإضافة إلى إنجاز الكثير من المشاريع الجيدة في المجالات العلمية الأخرى ـ ولا أريد التصريح بها الآن قبل موعدها ـ وهي من المشاريع التي تخدم التقدم العلمي البشري.ولا يقتصر عامل الثقة بالنفس والعزة الوطنية على هذه الأمور كأن نتمكن من إنشاء سد أو بناء محطة كهربائية أو نقوم بإنجاز بعض المشاريع الكبرى بإمكاناتنا الذاتية دون الاستفادة من المساعدات الخارجية بل يجب أن يشمل مجالات أخرى كالسياسة، والفلسفة، والإبداعات الشعبية، والقيم الأخلاقية.فمثلاً في بعض الدول يقوم البعض بأداء حركات بلهاء عند ممارسته لمصارعة الثيران في الشوارع، وتزهق فيها عدد من الأرواح أيضاً، لكنهم لا يخجلون من هذه الأعمال؛ لأنهم يعتبرونها عرفاً وطنياً! فبرغم خطأ عملهم، لكن ثقتهم بنفسهم واعتزازهم بتقاليدهم الوطنية يستحق التقدير.الآن لو افترضنا وجود سنّة إسلامية أثبتنا صحّتها بالمنطق والأدلة الصحيحة، فلا يجب علينا أن نخجل من القيام بها، ولا أريد هنا ذكر بعض الأمثلة على هذا الموضوع، لكن توجد بعض الموارد ليس من المصالح ذكرها في هذا المقام؛ فمن الممكن أن نجد بعض الجزئيات في بعض المسائل، لكن يمكن أن نجد أمثلة كثيرة على هذا الموضوع.في القيم الأخلاقية: الصراع الثقافي المستمر مع الفشل المزمن المفروض على هذه البلاد منذ عدة عقود، فقد كان السياسيون الكبار والمسؤولون عن الثقافة في البلاد في حقبة تاريخية معيّنة، يصرّحون بوقاحة تامة وبصوت واحد: إنّ الحل الوحيد لإنقاذ إيران من الجهل والتخلّف يتمّ بنشر الثقافة الغربية فيها. هذا ما كان يصرّح به السياسيون الأوائل ودعاة التجديد الفكري في فترة الحكم القاجاري والبهلوي، أما البعض فَلَم يصرّحوا بهذا الأمر، لكنهم نفّذوه عملياً، وبالتالي تحوّل هذا الأمر تدريجياً إلى مرض مزمن في المجتمع. لذا يجب علينا التصدّي لهذا المرض ومحاربته.الأصل الخامس: الجهاد العلمي، وهو أحد المبادئ الأساسية في الحركة الأصولية.وقد أكدت منذ عدة سنوات على ضرورة فسح المجال أمام الابتكار العلمي في البلاد. وعندما التقي بالجامعيين والشباب ـ كانوا غالبا ما يتحدثون وأنا استمع لهم ـ كنت أشعر بالسعادة عندما أسمعهم يؤكّدون على مسألة الابتكار العلمي وارتباط العلم بالصناعة، ويطلبون دعم الحكومة في مجال الابتكار والإبداع العلمي. أنا سعيد بهذا الكلام الذي أصبح عرفاً في الجامعات؛ لأنه يعبّر عن رأينا في هذا الموضوع، لكنه غير كاف؛ إذ يجب علينا السعي المتواصل لإنجاز المشاريع الكبرى. فمثلاً يمكنكم بالاعتماد على قدراتكم الذاتية ودون مساعدة الآخَرين أن تصنعوا داخل البلاد طائرة اخترعها الآخَرون قبلكم وقاموا بتصنيعها، هذا عمل كبير جداً؛ لأنه أفضل من شراء طائرة مصنوعة، لكن الأفضل منه أن تسعوا إلى ابتكار شيء جديد يضاف إلى مجال صناعة الطائرات في البلاد، فهذا ما نحتاجه الآن، ابتكار شيء جديد يضاف إلى ثروة البشر العلمية، وهو ليس بالأمر المستحيل، إذ لم يكن البشر يعرفون شيئاً عن علم الجزئيات، لكنهم الآن يعرفون الكثير عنه.اليوم أيضاً توجد مئات المجالات التي لم يكتشفها البشر حتى الآن، يمكن الغور فيها واكتشاف أسرارها، وبالطبع يحتاج هذا الأمر إلى مقدمات خاصة، يمكن توفيرها بالعمل الدؤوب.لقد قلت ذات مرة أمام بعض الشباب والجامعيين: إنّي لا أتوقّع الكثير عندما أطلب من المتصدّين للواقع العلمي في البلاد أن يجعلوا بلدنا في مصاف الدول المتقدمة علمياً، فهل هذا توقّع كبير من شعب يمتلك كل هذه الإمكانات والطاقات؟ لكن إذا ما أردنا تحقيق هذا الهدف، فعلينا أن نبدأ من الآن بالعمل الجِدّي والسعي المتواصل وعدم الغفلة وعدم الوحشة من صعوبة الطريق، وفسح المجال أمام الطاقات والاستعدادات، وتربية النخب العلمية والمبدعين.فنحن لا نختلف كثيراً عن الدول المتقدمة في كثير من المجالات العلمية ومنها المجالات التي ذكرتها، مما يتطلب منّا مضاعفة السعي لتقليل الفاصلة بيننا وبين الدول المتقدمة في هذه المجالات. وهذه المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لتفسح المجال أمام الشباب المتعطّشين للعلم والعمل والإبداع، وتوفّر الامكانات اللازمة لهم لتحقيق التقدم العلمي.ولله الحمد، وبعد أن كانت البلاد قبل الثورة الإسلامية تعاني من شحّة الأساتذة، لدينا اليوم الكثير من الأساتذة المبدعين تربّى معظمهم وتعلّموا في وطنهم وبين أفراد شعبهم.الأصل السادس: إشاعة أجواء الحرية وحرية الفكر وتقويتها في البلاد.إنّ الحرية ومنها حرية الفكر تُعدّ من أعظم النِعَم الإلهية، إذ لا يمكن بدونهما تحقيق النمو الاجتماعي والتقدم العلمي والفكري والفلسفي في البلاد؛ لذا لا ينبغي علينا تعريف الحرية بمعناها الخاطئ والسيّئ.إنّي اعتقد أنّ من أكبر الأخطاء التي تواجهنا اليوم، ما نشاهده في الحوزات العلمية والجامعات والتجمّعات الثقافية من استهزاء وسخرية على كل من يطرح أفكاراً أو مقترحات جديدة، إذ من المفروض أن نسمح لجميع الأفراد للتفكير بحرية.وبالطبع فإنّي لا أؤيّد المعنى الخاطئ للحرية ولا أؤيّد فسح المجال أمام الأعداء حتى يتمكّنوا من بثّ سمومهم في الوسط الثقافي والسياسي في البلاد، وأرفض ما يطلقون عليه الانقلاب الأبيض الذي صرّح به الأمريكيون أنفسهم وبعض عملائهم في الداخل قبل بعض سنوات، لكن هذا الأمر لا علاقة له بمسألة توفير أجواء الحرية وفسح المجال أمام تبادل وطرح الأفكار الجديدة، وتوفير الأجواء المناسبة لتحقيق التقدم العلمي؛ مما يتطلب منّا التميّيز الصحيح والشفاف بين هذين الأمرين وتعيين الحد الفاصل بينهما.إذاً الحرية وحرية الفكر تعتبر أحد المبادئ الأساسية للحركة الأصولية.الأصل السابع: إصلاح المناهج والأساليب وتصحيحها: وهو أحد مبادئ الحركة الأصولية أيضاً.في السنة الماضية وأثناء سفري لمدينة كرمان، التقيت ببعض الشباب والجامعيين فقلت: إنّ الاصلاحات الأصولية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأصولية الإصلاحية. فالإصلاحات التي يدعوا البعض إلى تطبيقها في البلاد وتنسجم مع المعايير الأمريكية، تشبه الاصلاحات التي كان رضا خان يدعو إلى تطبيقها وكانت أبرز شعاراته طيلة فترة حكمه، فارتكب في ظلها أبشع الجرائم في البلاد، كما تشير إليها المستندات التي عثر عليها من تلك الفترة، حتى إنّ الحكومة كانت تعزل الأفراد من مناصبهم بتهمة معارضتهم للإصلاحات، وتنصّب آخَرين في مناصب رفيعة؛ بسبب تأييدهم لهذه الاصلاحات.إنّ هذه الإصلاحات التي تنسجم مع معايير رضا خان والمعايير الأمريكية، لا يمكن قبولها ولا تعتبر إصلاحات بل هي مفسدات.لقد أكّدت قبل ثلاث أو أربع سنوات في خطبة صلاة الجمعة وغيرها من المناسبات، على ضرورة تنظيم الإصلاحات وتطبيقها؛ لتنسجم مع القيم والمعايير الإسلامية والوطنية، وأهم هذه المعايير هو مطابقتها للدستور. وعلى هذا الأساس نحن بحاجة إلى تطبيق الإصلاحات، وتصحيح المناهج والأساليب، وتصحيح الأهداف بما يتناسب ومقتضيات المرحلة، وتصحيح الأحكام والقرارات، وعدم الإصرار على القرارات الخاطئة. وهذا يختلف عن معارضة الدستور، ومعاداة الإسلام والعمل ضد استقلال البلاد.الأصل الأخير ـ وهو ليس الأخير في القائمة التي أعددتها ـ الازدهار الاقتصادي، والاهتمام برفع المستوى المعيشي للناس، وتحسين اقتصاد البلاد؛ وهذا يتطلب توفير الحماية للاستثمارات ورؤوس الأموال، وتشجيع الإبداع في العمل، وترويج الصناعة المحلية، ومحاربة عمليات التهريب والفساد، والاهتمام بمشكلة البطالة وتوفير فرص العمل، والعمل على تثبيت القوانين والسياسات في المجال الاقتصادي والمحافظة على شفافيتها وانسجامها، إذ لا فائدة من تغيير القوانين الاقتصادية باستمرار؛ بل يجب أن تتميز بالثبات والاستقرار؛ حتى يتمكن المواطنون من تنظيم أمورهم على ضوئها، وبالانسجام فيما بينها وشفافيتها ووضوحها. ومن الوظائف الأخرى المهمة لتحقيق الازدهار الاقتصادي الوطني: هي التسويق العالمي للبضائع المحلية والصادرات الوطنية، وتقديم المعلومات الكاملة عن المشاريع والبرامج الاقتصادية في البلاد، وبالطبع يجب أن لا نغفل عن الاهتمام بالبرامج الأساسية الإستراتيجية للبلاد والتي ستزداد حاجة البلاد إليها في السنوات القادمة مثل: توفير المخزون المالي الجيد من العملة الصعبة؛ لنتمكّن من مواجهة الصدمات الاقتصادية والمالية، وإيجاد مصادر الانتاج والاستثمار، ووضع البرامج الاستراتيجية لتوفير المياه والطاقة وتوزيعهما في البلاد. كما يجب الاهتمام بمسائل أخرى تعتبر جزءاً من برنامج الازدهار الاقتصادي في البلاد ومنها: الاهتمام بالتعاون الإقليمي كما يحصل اليوم ضمن منظمات اكو وشانغهاي، والاستفادة الصحيحة من النفط إذ يقول الخبراء الاقتصاديون في هذا المجال ـ حسب الأرقام والإحصائيات التي طرحوها ـ: إنّ الخمسين أو الستين مليارد دولار الحاصلة من بيع النفط، توفّر حوالي تسعمئة مليار دولار من الصادرات والمعاملات والعقود التجارية، وهو أمر مهم جداً إذ من الخطأ أن يقتصر صرفنا لإيرادات النفط على متطلبات حياتنا اليومية فقط؛ لأن هذا يعتبر هدراً للثروة النفطية.وللأسف فإن اقتصادنا الوطني قام على هذا النهج الخاطئ لعقود طويلة؛ لذا من الصعب تغييره بين عشيّة وضحاها. قبل عشر أو اثني عشر سنة قلت للمسؤولين: إنّ المواطن لن يشعر بالرضا بشأن النفط إلاّ إذ تمكّنت الحكومة يوماً ما أن تتعامل مع هذه القضية بما يتناسب مع مصالحها الوطنية، كأن تعمل على تقليل انتاج النفط إلى مستوى مُعيّن، أو تعمل على غلق بعض آبار النفط، أو تعمل على تقليل صادرات النفط للاستفادة منها في مجالات أخرى غير الوقود ـ الذي يعتبر أسوأ أنواع الاستفادة من النفط ـ لأن العالم بدأ يكتشف مجالات كثيرة للاستفادة من النفط أفضل من استخدامه كوقود.تواجهنا أيضاً تحدّيات كبيرة مفروضة علينا، بعضها داخلي ظهرت نتيجة ضعفنا، وبعضها خارجي. وبعيداً عن المجاملات، فإننا نعتقد وبدون تردد أنّ أمريكا هي السبب الرئيسي في كثير من التحدّيات والأزمات الخارجية التي تواجهنا اليوم.فقد خططت أمريكا والغرب منذ القرن التاسع عشر ووضعت البرامج طويلة الأمد؛ للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، لكونها منطقة مهمة تفصل بين البحر الأبيض المتوسط المحاذي للدول الاستعمارية الغربية، وبين منطقة المحيط الهندي المحاذي لمستعمراتها، ولهذا السبب تعرّضت إيران في القرن التاسع عشر إلى ضغوط شديدة من قِبَل بريطانيا وأصبحت كبش فداء لحماية الهند التي كانت آنذاك جزءاً من بريطانيا، ثم عمّمت أمريكا هذه السياسة على جميع منطقة الشرق الأوسط.ومما زاد من تشديد هذه السياسة الغربية في المنطقة أسباب كثيرة منها: ظهور إسرائيل، واكتشاف النفط، وتقسيم ممتلكات ومستعمرات الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وظهور الاتحاد السوفياتي. وفي خضم هذه الأوضاع المعقّدة في المنطقة، وفي ظل المخططات والبرامج التي وضعتها أمريكا للسيطرة على هذه المنطقة الحساسة والإستراتيجية جغرافياً وسياسياً، إضافة إلى وجود النفط فيها، ظهرت فجأة دولة تحت شعار الجمهورية الإسلامية وتحمل أهدافاً أصولية تعارض الأهداف والسياسات الأمريكية الظالمة، مما زاد من حساسية أمريكا وعصبيتها.يقول البعض: لماذا تتزمّتون في مواقفكم مع أمريكا؟ أقول: الشعب هو الذي يتزمّت في مواقفه، وأنتم من يتزمّت في مواقفه؛ لأنكم أسستم الجمهورية الإسلامية، فماذا نفعل حيال ذلك؟ إنّ أمريكا هي من بدأ العداء مع الجهورية الإسلامية، إذ قامت في السنوات العشرة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية بتدبير المؤامرات ووضع الخطط المعادية لإسقاط الثورة من خلال الحرب المفروضة والحصار الاقتصادي، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها المشؤومة؛ لأن كلاهما أفاد الشعب الإيراني من جهة معيّنة، فالحرب المفروضة جعلت الشعب أكثر تصميماً وقوة، إذ تحوّلت الغيوم السوداء التي غطّت سماء البلاد أيام الحرب إلى أمطار نافعة، والحصار الاقتصادي دفعنا للتفكير بالاعتماد على أنفسنا؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات كثيرة، فجلب إلينا الكثير من الخير والبركة..وبعد ذلك سعت أمريكا إلى القيام بالانقلاب الأبيض أي الغزو الثقافي؛ لكنها فشلت أيضاً، وبالتالي وبعد سنوات طويلة أصبحت إيران دولة قوية تحمل شعارات أصولية لم تفلح معها جميع المؤامرات حتى الغزو الثقافي، لكن ما زلنا نتوقّع مؤامرات أخرى جديدة، يجب التصدّي لها وحماية أنفسنا منها، من خلال الاتحاد والإيمان والتسلّح بالعلم والعقل.وإنّي أؤكد مرّة أخرى أنّ النجاح والتقدم وحل جميع المشاكل وتجاوز الصعوبات وفتح قمم المجد، لا يتحقق إلاّ بالمثابرة والوعي واتحاد الكلمة واستثمار جميع الفرص السانحة.لقد دوّنتُ بعض التوصيات في مجال الإدارة وحول المسؤوليات الملقاة على عاتق المسؤولين والمدراء، أردت طرحها في هذا اللقاء، لكن الوقت لم يسمح لنا بذلك، لذا سأوكل التطرّق إليها إلى فرصة أخرى إن شاء الله.أما بالنسبة لقضايا الساعة فقد تحدّث الدكتور أحمدي نجاد عن الطاقة النووية والعلاقات الأوروبية، وهي المسائل التي تطرق إليها السادة الحاضرون أيضاً.اللهم اجعل كل ما قلناه وما سمعناه ابتغاءً لمرضاتك، واقبله منّا بكرمك.اللهم ارض عنّا واقبل منّا سلوكنا وأعمالنا.اللهم ونجنا من هول يوم القيامة، ووفقنا للإجابة عما سنسأل عنه يوم البرزخ.اللهم وأنر قلوبنا بنور معرفتك وهدايتك، اللهم وقرّبنا منك أكثر فأكثر، وقوّ أواصر المحبة والوئام بيننا وبين شعبنا أكثر فأكثر..والسّلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته‏ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  

100 يوم من الطوفان