الخطابات

كلمته في الشباب النخبة

بسم‏ اللَّه‏ الرّحمن ‏الرّحيم‏إنَّ أحد الأسباب التي تدعوني الى عقد مثل هذه اللقاءات مع الطلبة، هو ما يتمتع به الشباب من شعور بالحرية، والشجاعة في بيان أفكارهم، وهذا، يُعد من أروع المسائل؛ ولهذا فإنني أشكر الأخ العزيز الذي تطرّق الى بعض المقترحات من خلال كلامه . طبعاً، إنَّ إدارة هذا الاجتماع لم تكن عملية ـ إلى حدٍ ما ـ بما يتناسب مع وضعي، وبالشكل الذي وصفتموه، ولو عاد الأمر إليّ وأردت أن أتخذ قراراً في هذا الشأن، لانتخبتُ طريقة أخرى؛ أي بعد قيام الأشخاص للتحدّث، يُترك لهم تعيين الوقت بأنفسهم؛ ليحصلوا على فرصة واسعة للكلام، إلا أن ذلك يحتاج الى وقت أوسع، و هو لا يتناسب مع وقتي المحدود أيضاً.إنني أقوم بالإطلاع على آراء الشباب والجامعيين والتلامذة والنخب ـ عن طريق الذين يقومون بعقد هذه الاجتماعات وأمثالها ـ من خلال التقارير المتعددة التي تصدر من أماكن مختلفة، فإنني لم أكن بعيداً عن الحقائق.بالطبع، إنَّ الاستماع منكم مباشرة يعتبر توفيقاً إضافياً، إلا أنَّه ولضيق الوقت لا يمكنني الاستماع إلا بالمقدار الذي يسمح به الوقت.وعلى كل حال، فإنني أكتفي بالمقدار الذي أتمكّن منه للاستماع إليكم.في البدء، أرحّب بكم جميعاً، كما أشكر جميع الشباب الذين قاموا بطرح بعض المسائل في هذا الاجتماع، وإنَّ كل ما قالوه قد دوّن أيضاً، وإنَّ البعض منها هي من المسائل التي تعتبر مورداً لاهتمام المسؤولين المحترمين الحاضرين في هذا الاجتماع ـ الوزراء والمعاونين المحترمين، ورئيس الجمهورية وبقية المسؤولين الذين رأيتهم يدوّنون هذه المسائل أيضاً ـ حيث عليهم متابعتها والاهتمام بها، فالبعض منها قابل للتحقق، والبعض الآخر يمكن أن يرد عليه بعض الإشكالات، وعلى كل حال، لابد من أن تُبحث هذه المسائل وتُولى أهمية.إنَّ بعض ما قلتموه يعتبر من الأمور الصحيحة، التي لابد أن تكون مورداً للاهتمام من الآن، فمثلاً بالنسبة لمؤسسة النخب ـ التي تحدّث عنها بعض الإخوة ـ فإننا ـ ولحسن الحظ ـ نجد أنَّها قد أصبحت تتحرك بشكل أفضل في الأيام الأخيرة، بالإضافة الى أنَّ الأشخاص الذين اُنتخبوا للتصدّي للمسؤولية فيها ـ في السابق أو في الوقت الراهن ـ هم من ضمن النخب أيضاً، إلا أنَّهم من نخب الدورات السابقة على دورتكم. إنَّ من الخطأ أن تعطى مسؤولية عمل النخب الى أشخاص لا يعرفون معنى النخبة، وليس لديهم مؤهّلات تجعلهم يكونوا نخباً؛ وهذا ما سيكون في المستقبل، بل سوف يكون الأمر أفضل من ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ إنني أكَّدت على ذلك، وسوف أأكد عليه مستقبلاً؛ لأنَّه أمر بالغ الأهمية.أو ـ مثلاً ـ تلك المسألة التي ذُكرت فيما يتعلّق بمركز البحوث البتروكيمائية، التي ينبغي لجناب الأخ الدكتور داوودي أن يقوم بمتابعتها؛ لأنَّ وزير النفط المحترم ليس حاضراً، فهي من المسائل المهمّة جداً، فهي تمثّل ذلك الأمر الذي أريد الاستناد إليه، وهو: ، حيث إنّ عليهم أن يأخذوا هذين الأمرين مع بعضهما بنظر الاعتبار، ويقومون بالاستفادة منهما معاً.فكما يتمكّن هؤلاء من جعل العلم والبحث يصبّ في فائدة مراكز العمل، فإنَّ مراكز العمل أيضاً تكون في معرض الاستفادة من مراكز العلم والبحث، وإن شاء الله سوف يتابع جناب الدكتور ذلك بالتأكيد.لقد استفدت من بعض المسائل التي تطرّق لها الأخوة في أحاديثهم، ولا بأس من ذكرها لكم.عليكم أن تلتفتوا الى أنَّ جميع أنواع الرغبة للهجرة الى خارج القطر لا تعتبر سيئة، ولقد ذكرت مراراً: أنَّ ذلك لا يعني الهروب والفرار من ساحة الحرب.إنَّ الفرار من ساحة الحرب أمر سيّئ.إنَّ بلدكم في حالة حركة ونهضة عظيمة، ومشروع كبير من أجل الانطلاق والمضي نحو الأمام، فهو كساحة الحرب، وإنَّ الهروب من هذه الساحة هو أمر سيّئ، إلا أنّ الانزواء من أجل التعلّم والاستعداد أكثر من أجل خدمة البلد، لا يُعد أمراً سيئاً.إنني لا أرفض جميع موارد الذهاب الى الخارج، ولقد ذكرت لكم ولبقية الشباب هذا الأمر مرَّات عديدة، فأي إشكال في أن يذهب البعض الى الخارج؟ حسناً، فليذهبوا.إنَّ العقل يدين الأشخاص الذين ينسون بلدهم، ويرمون مصالح بلدهم وشعبهم ـ أي اُسرهم ـ خلف ظهورهم، ويعملون من أجل ملء جيوبهم فقط، لا يدانون من قِبَل القضاء ـ فليس هناك قانوناً يُدين هذا العمل ـ إلا أنَّ الضمير والعقل البشري والوجدان الوطني يُدين مثل هذا العمل.إنَّ هؤلاء لم يكونوا جميعهم من النخب، كلا، فمن الممكن أن يكون بينهم أربعة من النخب، وأربعون ليسوا من النخب، فلا يُتصوّر أنَّ هؤلاء الذين يهمّوا بأنفسهم فيذهبوا للخارج، كلّهم من نخبنا الذين يذهبون للخارج بين الحين والآخر، كلا، بل إنَّ الذين يكون جُلّ اهتمامهم هو الذهاب الى الخارج، فإنَّهم يُبتلون بالمشاكل هناك ـ عليكم أن تلتفتوا الى أنَّنا على علم تام في هذا المجال ـ كما أنَّهم لم يلاقوا استقبالاً وتقديراً جيداً في الغالب.وإذا كانوا حقيقةً من النخب، فسوف تقوم المراكز الخارجية بالضغط عليهم بالمقدار الذي يكون فيه استغلالهم، ثم نبذهم بعيداً، دون أن يتعهّدوا لهم بأي ضمان؛ ولهذا يجب أن يكون الهدف من وجود الإنسان، فائدة بلده وشعبه وعائلته وأرضه التي ضمّته، وربّته، وأعدَّته، وكذلك فائدة الجيل الصاعد والأجيال الآتية، فهكذا يجب أن يكون هدف الإنسان، ولا إشكال في أنَّ يتحقق هذا الهدف على أي نحو.مسألة أخرى في مجال قضية الاستقلال الثقافي التي أشار إليها بعض الأخوة، حيث شُرع بالعمل من أجل ذلك في البلد.لقد برزت بين أظهرنا في أواسط العهد القاجاري ظاهرة التعلّق والافتتان بالأجانب، وبالطبع كانت هناك عوامل طبيعية ساعدت على ذلك، وأخذت هذه العوامل بالاشتداد يوماً بعد آخر، ووصلت في عهد حكومة الشاه البهلوي الى أوجها، وعلى أساس ذلك، قاموا بتأسيس قواعد ثقافية خطرة جداً في البلد مثل: أنَّ الإيراني غير قادر، وليس له قابلية للحضور في ميادين العلم والثقافة، والنظرة السلبية الى ما نمتلك من ماضي ثقافي وميراث تاريخي علمي القيّم، وهذا ما كان قد حدثت في البلد.إنَّكم لم تشاهدوا ذلك العهد، وبما أننا ترعرعنا فيه، وحيث إنني أختلف مع أكثركم من ناحية العمر في ما يقرب النصف قرن، فقد أدركت تلك العهود، وشاهدت ما حدث فيها.ـ حقَّاً ـ إنَّ الثقافة التي كانت ترّوج فيها، كانت ثقافة إننا غير قادرون، فقد كانت الثقافة ترجّح ترجيحاً مطلقاً أي شيء غربي على أي شيء إيراني، هكذا كان الأمر.فلقد كان يلجأ البعض في مجال تراثنا الإيراني، على أمور يستفاد منها الغرب لأهداف ـ استعمارية وتسلطية ـ من التي يقوم برسمها مخططو السياسية الغربيون، حيث يقومون بتعظيم بعض المسائل في بلدنا، من أجل أن تكون مثاراً لانتباه أجهزة الدولة في البلد لا غير، وقد كان الوضع على هذه الحالة لعهود متمادية.إنَّ الثورة هزّت كل ضمائر هذا الشعب، وبعثت فينا روح اليقظة، وجعلتنا نعتّز بهويتنا، وأبرزت لنا قدراتنا، وجعلتنا نحمل شعار: .ونحن بدورنا، قُمنا باقتحام الميدان وخضنا التجربة، فوجدنا في أنفسنا القدرة؛ ولهذا فإنَّ الاستقلال الثقافي في هذا البلد يمضي نحو التقدّم يوماً بعد آخر، وتزداد الثقة بقدراتنا الثقافية.إنَّ ما نمتلكه من إصرار أيضاً، يُعرب عن قدرتنا على تحقيق هذا الأمر، وعليكم أنتم ـ أيَّها الشباب ـ أن تتوجّهوا الى ذلك، وإذا لمستم أيّ مورد للتعارض مع روحية الاكتفاء والاستقلال الثقافي، فعليكم أن تنظروا إليه بريبة، واعلموا أنَّ ذلك مخطط له مسبقاً من قِبَل الأعداء.المسألة الأخرى ترتبط بأسلوب التطوّر العلمي في البلد، حيث قال بعض الأخوة: إنَّ هذا الأسلوب بطيء.إنني أريد أن أقول: كلا، فمن حسن الصدف، إنَّ أسلوب التطوّر في بلدنا ـ من جانب السرعة ـ هو من أسرع أساليب التطوّر العلمي على مستوى العالم.وهذا ما يمكن معرفته من خلال الحسابات العلمية؛ أي أنّ بلدنا يمتلك أسرع أسلوب من أساليب التطوّر والتقدّم العلمي والتقني على مستوى العالم، إلا أنَّه بسبب وجود البعد الشاسع بيننا وبين بلوغ الهدف، فإنَّ هذه السرعة لا تظهر نتائجها في الوقت الحاضر.وإذا ما استطعنا ـ بتوفيق الله ـ أن نحافظ على هذه السرعة والهمّة في الحركة الى عشرة أو خمسة عشر سنة، ونمضي للأمام، فعند ذلك سيتّضح الأمر بصورة كاملة.إنني ـ بالطبع ـ أمتلك الكثير من الأمثلة على ذلك، البعض منها من المحتمل أن لا تتمكنوا من تصوره؛ لأنَّه من الإحصاءات التي قد أقوم بذكرها، إلا أنَّكم لم تكونوا اطلعتم عليها؛ ولهذا فسوف لا تكون ملموسة لديكم.أما ما هو ملموس في الوقت الحالي ونستطيع مشاهدتها، فيتمثل بما تحقق من بحوث تتعلق بالطاقة النووية، والتي حصلنا عليها عندما شرعنا من تلك النقطة التي قمنا فيها بالحركة في هذا المجال، وقد كانت الفترة التي تمَّ فيها ذلك فترة مدهشة، ومع ذلك فقد تمَّ إنجازه.ولقد تمَّ في هذا المجال أيضاً تحقيق منجزات مختلفة، كالبحث في مسائل علم الأحياء، ومسألة زرع الخلايا الحيّة، وفي مسألة الصناعات العسكرية، وهو ما ذكرته مسبقاً.وبما أنَّه ليس بحوزتكم معلومات وافية عمَّا حدث؛ باعتبار أنَّ ذلك لم يكن من ضمن المعلومات والأخبار العامة؛ ولهذا السبب وضوحه لم يكن محسوساً لكم.لقد ذكرت مراراً: عندما كانت تعطل قطعة من قطعات الطائرات المقاتلة التي كانت تُشترى من أمريكا بصورة رئيسية ـ في بلدنا قبل الثورة، وتحتاج الى التصليح، أو ينتهي مفعولها ـ ولعله كان يمكن الاستفادة من عملها لمدّة معينة، إلا أنَّهم كانوا يحددون لها زمان، لابد من استبدالها فيه ـ كانوا لا يسمحون لنا يفتح هذه القطعة المركبة ـ قطعة تتركب من عشرين أو ثلاثين أو خمسين جزء ـ وتفكيك أجزائها.أي أنّ حرفيينا ومبدعينا وضبّاطنا الفنيين الذين كانوا يعملون في القوَّة الجوية، لم يكن يسمح لهم بالإطلاع على ذلك.فلو قام الفنّي أو الضابط المعني بذلك بهذا العمل مرَّة أو مرّتين، فسوف يحاكم من قبل المحكمة العسكرية للنظام، فيقال له: من سمح لك بالقيام بفتح هذه القطعة من قطعات الطائرة ـ مثلاً ـ أو ؟ حيث كان من المفروض أن يحوّلوا تلك القطعة وهي مغلقة ومقفلة الى المستشار الأمريكي، فيقوم بحملها على متن طائرة ويذهب بها الى أمريكا، ثمَّ يأتي بقطعة بدلها؛ أي أنَّهم كانوا لا يسمحون حتى للإطلاع على معرفة من كم جزء تتركب هذه القطعة، وما هو سبب عطلها.ولقد وصلنا اليوم من تلك المرحلة الى هذه المرحلة، التي أخذت فيها الطائرات المقاتلة الإيرانية بالتحليق في سماء الوطن! وهذا ما رأيتموه بأجمعكم من على شاشة التلفزيون، وبالطبع،فإنّ ذلك قد مرّ بعدّة مراحل.لقد كانت صناعة أول طائرة مقاتلة في إيران، قبل ما يقرب ثمان أو تسع سنوات، حيث حلّقت في الجو من ـ خلال مناورات عسكرية، كنت أشاهدها وأراقبها بنفسي ـ ثمَّ قمنا بتطويرها وإحكامها أكثر من ذي قبل، وهذا ما حصل الآن؛ وهذا يعني أنَّ لنا القدرة على إنتاج كميات كبيرة من ذلك؛ أي أنَّه عندما ينتعش البلد من الناحية الاقتصادية، فسوف يؤدي ذلك الى زيادة الإنتاج في هذا المجال.إنَّ المدّة التي تحقق فيها ذلك، هي مدَّة مثيرة للدهشة؛ أي أننا قد قطعنا شوطاً كبيراً للغاية في هذا المجال؛ ببركة المتابعة والجهود الكبيرة التي بُذلت من أجل ذلك.بناءً على ذلك، فإنَّ السرعة كانت جيدة، إلا أنَّ الأهم من ذلك هو المحافظة على هذه السرعة، وهذا ما يجب عليكم ـ أيَّها الشباب العارف المفكّر الواعي ـ معرفته، ويجب على المسؤولين أيضاً الاهتمام بهذه المسألة، التي كان من المفترض أن تتابع. وإذا ما كان هناك عيب في جانب من الجوانب التي تؤثّر على كيفية تقدّم العمل، فإنَّها عيوب جزئية وسوف يتمّ إزالتها.إننا لا ننكر وجود العيوب، بل ننكر أن تؤدي هذه العيوب الى حالة اليأس، الذي علينا أن لا ندعه يسري الى قلوبنا؛ أي علينا ـ أنا والمسؤولون في هذه الأقسام ـ محاربة اليأس بكل ما أوتينا من قوّة؛ لأنَّ الأمور التي تمنع تقدَّم الفرد أو المجتمع،هو اليأس ورؤية الآفاق الضيّقة، كلا، فالآفاق مضيئة، ويمكننا التطلّع لتحقيق أهدافنا.لقد ذكرت بعض المسائل قبل أن تشرعوا بحديثكم، وبالطبع هناك مسائل أخرى قمت بتدوين بعضها أيضاً، إلا أنَّه ليس هناك وقتاً متّسعاً لإيضاحها، وسوف أقوم بالإشارة الى واحدة منها الآن.إنَّ إحدى الفتيات من بناتنا أخذت تعاتب وتقول: إنَّ مكانة المتخرجين من العلوم الإنسانية، ليست بالمكانة المرموقة!إنَّ الأمر ليس كذلك، فإنني أقول لكم: إذا أصبحتم ـ إن شاء الله ـ من الروّاد، وتقدّمتم في مجال العلوم الإنسانية ـ مثلاً ـ أو التاريخ أو علم الاجتماع، أو علم النفس الذي ذكرتموه، إعلموا ـ حقيقةً ـ أنَّ مكانتكم في المجتمع وعلى مستوى العالم، سوف لا تكون أقل من مكانة طبيباً متقدّماً، بل أكثر من ذلك أيضاً.أنظروا الآن، لتعلموا كم هو عدد الأطباء ممن يوجد بين الشخصيات العلمية المعروفة في العالم، وكم هو عدد علماء الاجتماع أو المؤرخين المعروفين، سوف تجدون أنَّ عدد وشهرة علماء القسم الثاني أكثر من غيره، إلا أنَّ عليكم أن تعملوا لتتقدّموا.عليكم أن لا تقنعوا أبداً بالمقدار الذي وصلتم له الآن، ولا تقنعوا أيضاً بحصولكم على وسام النخبة والقابلية المتألّقة.فإنَّكم قد وضعتم أقدامكم الآن على الطريق من خلال انتخابكم بعنوان نخبة، سواء كان ذلك ـ مثلاً ـ عن طريق النجاح في أحدى الامتحانات، أو الحصول على وسام في إحدى المسابقات، أو المؤتمرات.إنَّ حقيقة الأمر هي أنَّكم وضعتم أقدامكم على الطريق.فإذا توقّفتم عن الحركة، فسوف تبقون في أول الطريق، وكأنكم لم تكونوا قد دخلتم الميدان.إنَّ أهمية عملكم تتضح من خلال طيّكم الطريق بأقصى سرعة ممكنة، بحيث تتقدّمون الى الأمام دون أن ينتابكم الشعور بالكسل؛ لكي تصلوا ـ إن شاء الله تعالى ـ الى المكانة المرموقة التي تليق بكم.إنني أرغب الآن بالتعرّض الى مسألة المسائل وهي، أولاً: إنَّ الهدف من هذا الاجتماع ليس هو حلّ المشاكل، وإن كان لابدّ من إيجاد الحلول لهذه المشاكل، وهو مما لاشكّ فيه، إلا أن لاجتماعنا هذا هدف أسمى، وهذا ما كرّرته مراراً.إنَّ هذا الاجتماع هو بالأساس اجتماع رمزي، فهو يقوم أولاً: بإبراز التكريم الذي يوليه نظام الجمهورية الإسلامية للعلم، وثانياً: لطلب العلم، وثالثاً، لأهمية العلم في تطوّر البلد، هذا هو ما يرمز إليه.إنَّ الأعمال الرمزية لا تتنافى مع التحرّك، فهي في حقيقتها تعتبر أيضاً حركةً داخلة في ضمن هذا الوجود، إلا أنَّ الاعتماد الأكبر يتوقف على الرمزية، كالشعائر الإسلامية، فالشعائر الإسلامية تمتلك جانباً رمزياً، فهي وإن كانت تمثّل حركة من الحركات، إلا أن أكثر التأثير الذي يؤدي الى جلب الانتباه، هو العمل الرمزي، فمثلاً: «إن الصّفا و المروة من شعائر اللَّه»، فالصفا والمروة توجدان في الحج، وإنَّ أكثر أعمال الحج من هذا القبيل، فهي من الأعمال الرمزية للحج؛ حيث خصصت منطقتان بينهما مسافة، وأصبح من الواجب على المكلف أن يقطع هذه المسافة في حركة مستمرة ـ على أن تكون هذه الحركة بصورة هرولة، في بعض أقسام هذه المسافة ـ وهذه هي الرمزية، فالرمزية هي أحدى الممارسات التي يقوم بها المسلمون في أغلب الأحيان، وكذلك في الطواف ـ مثلاً ـ حول أحد المحاور، الذي يمثّل حركة مستمرة، فالطواف هو حركة لا تنتهي؛ لأنَّه عندما يتمّ طوافكم، يأتي شخص آخر ليبدأ بذلك؛ ولهذا لا يمكن أن تشاهدوا الكعبة وهي خالية من هذه الحركة الدائرية للنَّاس أبداً، فهذه هي شعائر الله؛ أي أنَّ لها جهة رمزية.إنَّ هذا يعطي المجتمع الإنساني درساً، عن أهمية الأعمال الرمزية.إننا لدينا الرغبة، أن يُعلم في هذا البلد أنَّ طلب العلم، والعلم نفسه، وتأثيره على مستقبل البلد، هو أحد النقاط المهمَّة والأساسية لنظام الجمهورية الإسلامي.في الحقيقة، هذه من المسائل الأساسية والبارزة في ذهن الشعب الإيراني.إننا قد صُدِمنا من هذه الناحية، وتضررنا نتيجة للتخلّف في العلم. فقد ظهرت في يوم من الأيام نهضة علمية في العالم ـ إن النهضات العلمية في العالم دائماً تخضع لظروف متشابهة، ويرتبط بعضها بالبعض الآخر، وإنَّ شعبنا ومجتمعنا ينتفع بعضه من البعض الآخر في مسألة العلم ـ حيث كان الإسلام يوماً ما مركزاً لنشر العلم في العالم، بدون أن يتّجه العالم الإسلامي ـ من خلال سلاح العلم ـ نحو استعمار أوربا ـ مثلاً ـ أو أفريقيا أو أي نقطة أخرى من نقاط العالم.بل إنَّ هذا العلم أخذ بالانتشار بصورة سلمية، فوصل الى جميع الأرجاء، واستفاد منه الجميع وانتفعوا به.أما عندما أصبح العلم بأيدي أولائك، جعلوه أداة للتسلّط على البلدان، ثمَّ أخذ الاستعمار بالظهور شيئاً فشيئاً، حيث سُحق الشرق ـ أي أغلب مناطق آسيا وأوربا ـ تحت أقدام الاستعمار لمدّة مئتين أو ثلاث مئة عام، فلم يكن الغربيون قد استفادوا من العلم للتسلّط السياسي والاستعماري، الذي كانوا يستخدمونه من أجل الضغط على الشعوب والسيطرة على عصارة جهودهم وإمكاناتهم وثرواتهم وحسب، بل استفادوا من ذلك في فرض ثقافتهم على الشعوب المتخلّفة، وهذا الأخير ـ أي فرض الثقافة ـ يؤدّي الى عدم حصول هذه الشعوب على أي حظّ من التقدّم العلمي مطلقاً، ولا يسمح لهم بذلك، ولا يقدّموا لهم أي نوع من أنواع التشجيع، بل يقومون بوضع العراقيل أمامهم، هذا ما حدث بالفعل.حسناً، علينا إذاً أن نقوم بالتعويض عن هذا التخلّف التاريخي؛ لأنَّ الضرر الذي لحق بنا كان جرّاء الجهل، فإذا كان العالم الإسلامي اليوم متخلّفاً من الناحية الاقتصادية، أو الثقافية أو السياسية، فهذا بسبب أنَّ الخصم ـ أي العالم الغربي ـ متسلّحاً بسلاح العلم، وهم يستخدمونه من أجل الغلبة في ميدان السياسة، والاقتصاد والثقافة.فعلينا أن نحصل على هذا السلاح.يجب علينا أن نتمكّن من التسلّح بالعلم؛ لكي لا يكون التهديد من قِبَل الخصم ـ سواءً كان خصماً أو عدواً، فَهُم على أشكال مختلفة ـ مؤثّراً كما كان مؤثّراً قبل ذلك؛ ولهذا ينبغي لنا تحصيل ذلك؛ لأنَّ ذلك يعتبر هدفاً استراتيجياً رفيعاً جداً للشعب، ومهمّاً جداً وحياتي.إذاً يجب علينا التمكّن من تحصيل العلم.وبالطبع، إننا نعلم أنّ العلم وحده ليس كافياً؛ ولهذا يجب أن يقترن العلم بالأخلاق والإيمان؛ لكي لا نقع في المستنقع الذي وقع به الغرب، فإنَّ العلم بالنسبة لأولئك أصبح أداة للظلم، ووسيلة للانحراف الأخلاقي، ولنشر الثقافات المضلّة والمهلكة، فعلينا أن لا نبتلي بذلك، وهذا الأمر محفوظ في محلّه أيضاً، إلا أنَّ المسألة الأساسية هي أنَّ العلم هو أمر حياتي بالنسبة لنا.بناءً على ذلك، فإنَّ لدينا الرغبة في هذا الاجتماع من تكريم العلم، والتعليم والأشخاص الذين أظهروا مكانة مرموقة في هذا الميدان، فإنَّ هذا الاجتماع هو مظهر لتكريم هذه الخصوصيات التي ذكرناها.إنني عندما أقرأ لبعض الوقت عن مصير وتاريخ الشعوب ـ ليس الأمر مختص في الزمان الماضي، بل في زماننا كذلك أيضاً ـ أجد أنّ أهم عنصرين من العناصر المؤثّرة في التقدّم الوطني للبلدان، هي: أولاً: وثانياً: ، ولديّ الرغبة في هذا اليوم أن أوصيكم بهاتين الخصوصيتين.إنَّ المسألة التي تخالف مواجهة الخطر، هو الخوف، الخوف من ماذا؟ الخوف من عدم النجاح، كأن نقوم بترك الميدان خوفاً من عدم النجاح، أو نتوقف عن التحرّك خوفاً من عدم الوصول، أو لا نقدم على شيء خوفاً من الرفض، أو من مواجهة بعض المشاكل.فإنَّ جميع هذه المسائل تتناقض مع مواجهة الخطر.إنَّ أحدى الخصوصيات التي يمتاز بها الغربيون ـ نجعل الخصوصيات السّيئة والحسنة بعضها مع البعض الآخر، وننظر لها على حدّ سواء، دون إنكار أي منها ـ مواجهة الخطر، فإنَّ الغربيين والأمريكيون بتبعهم ـ الذين أمسكوا بزمام الثقافة الأوربية لأول وهلة ـ يتحلون بخصوصية مواجهة الخطر التي تعتبر من الخواص الإيجابية.إنَّ مواجهة الخطر يمكن أن يكون عاملاً في نجاح المجتمع.فعليكم ـ أيَّها الشباب ـ أن تستعدّوا، فإنَّ الخوف من عدم إمكانية تحقق العمل الفلاني يعتبر أمر سيّئ، فأحياناً تراود الإنسان بعض التصوّرات تجعله ينظر الى المستقبل نظرة تشاؤمية تماماً، وهذا أحد موارد الإشكال على ما أعتقد. فلو أننا أردنا الآن دخول الجامعة، وكنّا قد درسنا، وقمنا بالبحث الفلاني، ودخلنا فرعاً من فروع التحقيق والبحث، فهل سننجح؟ وهل سوف يوثّقون أيدينا في مكان ما؟ أو لا يفعلون ذلك؟ فيجب علينا الدخول!ولله درّ الشاعر العربي حيث يقول: ، فإنَّ أشدّ من البلاء، الخوف من وقوعه.إنَّهم يقولون ـ لئلا يكون ـ، حسناً، يجب أن لا تعتنوا بـ ـ لئلا ـ، بل عليكم دخول الميدان وسوف ترون نتيجة ذلك، فإنَّ الجرأة وعدم الخوف من احتمال عدم النجاح في جميع الميادين المادية والمعنوية التي يحصل الإنسان من خلالها على النجاح، تعتبر من العوامل المهمّة جداً؛ للمضي بنا نحو الأمام. المسألة الأخرى هي: الذي تعتبر من المسائل التي تناقض الكسل.ينبغي لكم أن لا تتركوا الكسل والدّعة وحبّ الدنيا الخالية من المشاكل، يُدخل الوساوس الى قلوبكم، فلو سيطرت عليكم حالة الكسل، سوف لن تتحقق أي من الاكتشافات العلمية المهمّة.أنظروا الى الوضع الذي عاشه المكتشفون والمخترعون الكبار، وكيف كانوا يحرّمون النوم على أنفسهم، وكيف ذلّلوا لها الصعوبات، وكيف جُبلوا على المشاكل وتحرّكوا من أجل الوصول الى هدفهم الأساسي.طبعاً، لقد كانت عاقبة هذه النجاحات في الكثير من الموارد ـ يمكن القول في أغلب الموارد ـ هو حصول الفائدة، فقد كان لها فائدة مادية ودنيوية كالحصول على الشهرة والمال، وغير ذلك، مع أنَّ هدفهم لم يكن هذه الأمور، بل كانوا يرغبون في الدخول الى عمق المسائل؛ للحصول على انجاز معيّن وبلوغ الهدف.هذه هي إحدى الوصايا التي أودّ أن أذكرها بشكل قاطع.من المسائل الأخرى التي أرغب بذكرها إليكم هي: اقتران العلم بالدين والأخلاق ـ المسألة التي تمَّ الإشارة إليها قبل قليل ـ الذي يعتبر أمراً نافعاً للبشرية.عليكم أن تعلموا علماً قطعياً، أنَّه كلّما تطوّر العلم، دون أن يقترن بالأخلاق والدين، فسوف لا يكون نافعاً للبشرية، فعلى الذين يقولون: إنَّنا نطلب العلم من أجل تقدّم الإنسانية، عليهم أن يلتفتوا الى هذه الحقيقة أيضاً.لقد سمعتم عن ذلك الكثير من الأمثلة الواضحة، ولا أريد أن أكررها لكم، فمثلاً بعض الأشخاص الذين تقدَّموا في علم الكيمياء، والذين وصلوا إلى القدرة على تصنيع القنابل الكيمائية وأسلحة الدمار الشامل، والذين تقدّموا في العلوم النووية، والذين تمكّنوا من صناعة القنبلة الذريّة والأسلحة الفتّاكة والمفجعة، فهذه أمثلة واضحة.أنظروا الى الأمم، ولتأخذوا بنظر الاعتبار إحدى الأمم المتقدّمة من الناحية العلمية، والتي أصبحت في القمَّة من هذه الناحية في العالم، لتروا، هل أنّ الشعب في ذلك البلد قد وصل حقَّاً الى السعادة؟ وهل تحققت العدالة فيه؟ وهل قُضي فيه على الفقر والتمييز والظلم؟ وهل كما يدّعون من أنَّ شعبهم يعيش بطمأنينة وبعيداً عن العنف والتجاوز والتعدّي في الحياة؟ هل توجد هذه الحقائق أيضاً، مع وجود العلم هناك!؟ وهل إنَّ الشعور بالثقة والأمان هو الغالب على الحياة العائلية؟ وهل يتمتّع الأطفال بالتربية الحسنة في أحضان آبائهم وأمهاتهم؟ وهل أنَّ تلك البلدان خالية الى القتل والإرهاب والجريمة؟ فإنّكم تشاهدون العكس من ذلك تماماً، فإنَّ أكثر البلدان التي تعاني من فقدان الأمن اليوم هي التي وصلت الى أعلى المراتب من الناحية العلمية؛ أي أمريكا، فلا يوجد بلد ـ ليس في أوربا وحسب، بل في آسيا أيضاً ـ يعاني من فقدان الأمن كما تعاني منه أمريكا، فإنَّ أكثر البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار النفسي هي أمريكا، وإنَّ أكثر جرائم القتل والإرهاب التي تحدث بين السكان تجدها هناك، وأكثر موارد التمييز والفروقات الطبقية تجدها هناك، وتجد هناك أيضاً الثروات الطائلة التي تضاهي جبال الهملايا، والفقر المدقع الذي لا يمكن وصفه ـ أي الموت نتيجة الجوع بمعناه الحقيقي ـ وهذه هي الهوّة التي بين العلم والأخلاق.هذه هي أهم الأهداف البشرية من بداية التاريخ وحتى يومنا هذا، فهي لم تتغيّر على مرّ العصور.إنَّ أهم أهداف الإنسانية هي: و ، و ـ ليس في الجنَّة عسرٌ ـ و ، والشعور بطمأنينة النفس، والراحة في الجو العائلي، والتمتّع بالحياة الزوجية ورؤية الأطفال، والوجود بين أحضان الوالدين، فإنَّ هذه الأمور هي أهم الاحتياجات الإنسانية، وما أخذ يتطلّع إليه البشر من بداية الخليقة وحتى اليوم، وهو ما كان يرغب به في الماضي، وما يسعى لتحقيقه في المستقبل أيضاً. إنَّ هذه الحقائق لا توجد مطلقاً في تلك المجتمعات، التي تعتبر أكثر تقدّماً من الناحية العلمية.أنظروا، لو أنَّ العلم والإيمان والأخلاق لا يقترنان، ولا يمضيان جنباً الى جنب، فسوف نصل الى هذه النتيجة.فلو كان العالِم متديّناً، فإنَّ المجتمع سينتفع انتفاعاً حقيقياً بعلمه؛ لأنَّ الدين لا يقف حائلاً أمام التقدّم العلمي، بل يقوم بدعمه، إلا أنَّه يقف حائلاً بين تجاوز العلم وتعدّيه حدود الإنسانية، التي من الممكن أن يبتلي بها العلم. ولهذا فإنَّ وصيّتي لكم ـ أيَّها الشباب ـ هي: عليكم أن تعملوا من أجل روحيّتكم ومعنويّتكم، بالقدر الذي تعملون فيه للعلم، فإنَّ الميدان المعنوي مفتوح أمامكم، وليس هناك أي تعارض بين العلم والمعنوية، أو بين العمل في مختبر علمي أو تعليمي، أو مركزاً للبحوث، أو درس أو جامعة من الجامعات، وأداء الإنسان لصلاته في أول وقتها، مع التوجّه والشعور بالحضور أمام الباري عزَّ وجلَّ.فإنَّ أداء هذا الأمر يقوم بتطهير قلوبكم، فأنتم شباب وقلوبكم نيّرة، وحتّى الأشخاص الذين لم ينشغلوا بالمسائل الدينية كثيراً، فإنَّ قلوبهم نيَّرة وطاهرة؛ لكونهم شباباً؛ أي أنَّ الحالة القلبية التي تتمتعون بها هي أفضل وأكثر استعداداً من قلوب الأشخاص الذين هم في سنّي. فهي كالمرآة الناصعة، التي تجذب أنوار اللطف والعناية الإلهية بسرعة وتقوم بعكسها كذلك؛ أي أنَّكم عندما تكونوا صالحين من الناحية الدينية، وطاهرين وعفيفين من الناحية الروحية، وذاكرين لله، وتشعرون شعوراً حقيقياً بوجودكم في محضر الله تعالى، فسوف يكون وجودكم ـ في أي مجال كنتم؛ سواء في الجامعة، أو مكان العمل، أو البيت، أو العائلة والأقرباء ـ له تأثير نوراني؛ أي أنَّكم عندما تكونوا صالحين ونيّرين، فسوف تهبون النور للآخرين أيضاً.فعليكم أن تعرفوا أهمية ذلك وأن لا تفرطوا به.إنَّ هذا الخطاب ليس أنتم ـ ثلّة الأشخاص المتواجدين هنا ـ المعنيين به وحسب، بل يُعنى به جميع الشباب، خصوصاً الشباب المنشغلون الآن بالعمل في المجال العلمي، وهم اليوم ـ لحسن الحظ ـ يشكّلون النسبة الكبيرة من الشباب أيضاً.لقد قال أحد منكم أيَّها الأخوة: إنَّ الجيل الصاعد في بلدنا وشعبنا في الوقت الراهن، لا يقل مكانة عن الجيل الأول للثورة، وهذا ما أقوله أنا أيضاً، فإنني أعتقد بذلك أيضاً، وقد قلت ذلك مراراً أيضاً، وهذا هو رأيي.فقد أظهرتم ـ أيَّها الشباب ـ أنَّكم قد تقدّمتم خطوة الى الأمام في المجالات المختلفة؛ أي أنَّ جيل الشباب في بلدنا تحرَّك خطوة الى الأمام، إلا أنّ وطيس الحرب المفروضة والدفاع المقدس، وتلك الحالة المدهشة، كان لها تأثيرات فطرية.فلو عاد ذلك الوضع اليوم أيضاً، فسوف يُعلم الى أيّ مدى يتقدَّم شبابنا على الصعيد المعنوي، وهذا ما أخذنا نشاهده اليوم، سواء كان ذلك في الجامعات أو خارج الجامعات.بناءً على ذلك، يجب أن نجعل الدين والأخلاق توأمان للعلم، هذا هو خطابي لكم بالذات. عليكم بالاستفادة من الفرصة المتاحة لكم في شهر رمضان، أتمّوا الصيام على أحسن وجه، وهذا ما ينبغي على الشباب ـ أداء الصيام بصورة جيدة ـ وإنَّ معنى الصيام بصورة جيدة هو: أنَّه في الوقت الذي تمتنع فيه أفواهكم عن الطعام والشراب، عليكم أن تحافظوا على قلوبكم من الأهواء، وجنّبوا عيونكم وبقية أعضائكم وجوارحكم عن ما تبتلي به من الأهواء.وعليكم أن تشعروا في هذا الشهر ـ أي شهر رمضان، ومن خلال حالة الصيام التي تتمتعون بها ـ بأنّكم أكثر قرباً من الله تعالى، وأنَّ قلوبكم أصبحت أكثر نورانية.لقد دوّنت مطالباً أخرى لم يسمح الوقت للتحدّث فيها؛ ولأنكم أنتم ـ أيَّها الشباب ـ ذكرتم إحدى هذه المسائل، وقد كنتُ دوّنتها أيضاً، فسوف أقوم بذكرها فقط، وهي: عليكم ـ أيَّها الشباب ـ أن تشعروا بأنَّ لكم دوراً خلاّقاً، لا تنتظروا ما يحدث من إنجازات في بعض الأماكن الأخرى.نعم، إنَّ المؤسسات الحكومية عليها واجبات تجاهكم، فإنَّ مؤسسة النخب عليها أن تتصدّى الى بعض الواجبات، وتقوم بإنجازها ـ وإن شاء الله ـ سوف تقوم بذلك، بل وترتقي للأفضل شيئاً فشيئاً، إلا أنَّ محور المسؤولية يجب أن يقع على عاتقكم، بحيث تشعروا أنَّكم مسؤولون، ولكم دور مهم.وعليكم أن تجتنبوا ما يراود أذهانكم كالسؤال: هل أننا سوف نعطى دوراً في المستقبل أم لا؟ وتستعدوا للدور الذي يقع على عاتقكم في هذا الوقت ـ كونكم طلبة جامعيين، وتمرّون في فترة طلب العلم وبلوغ الكمال ـ وتؤدّوا دوركم على أحسن وجه، ويتمثّل ذلك: بالدراسة الجيدة، والعمل الجيد، والجدّية في الحركة، وعدم تقليل سرعة هذه الحركة مطلقاً، والتمسّك بالدين والتحلّي بالتقوى وتزكية النفس، الى جانب طلب العلم.أسأل الله تعالى أن يوفقكم ويؤيدّكم جميعاً، وأن تفتح أمامكم أبوب السعادة يوماً بعد آخر ـ إن شاء الله تعالى ـوالسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته‏‏  

100 يوم من الطوفان