الخطابات

خطبتا صلاة الجمعة بطهران

الخطبة الأولىبسم ‏اللَّه الرّحمن الرّحيم‏«والحمد للَّه ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونتوجّه إليه ونستغفره، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه، حافظ سرّه ومبلّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته، سيّدنا و نبيّنا وحبيب قلوبنا أبي ‏القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المعصومين، وصحبه المنتجبين، اللّهم صلّ على وليّك وحجّتك صاحب الزّمان، ومظهر الإيمان، ومعلن أحكام القرآن، وصلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين».إنَّنا في رحاب اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، أحد الأيام التابعة لليالي القدر، ويوم ضربة مولى المتّقين وقائد الغرّ الميامين، أمير المؤمنين (عليه الصّلاة والسّلام).في بداية حديثي، أوصيكم جميعاً ـ أيَّها الإخوة والأخوات ـ ونفسي بذكر الله، والتمسّك بتقواه وإتّباع أمره.إنَّ الصيام، والعبادة، والقيام بأعمال ليالي القدر وتلاوة القرآن، تعتبر من أهم الآثار لشهر رمضان المبارك؛ لأنَّها تجنّب قلوبنا المعاصي وتجعلها طافحة بالتقوى. سوف أتعرَّض في الخطبة الأولى الى جملة مختصرة في باب الدعاء ـ لأنَّه فضلاً عن كون شهر رمضان، هو شهر الدعاء، فإنَّ ليالي وأيام القدر، مختصّة بالدعاء أيضاً، وعلينا استغلال هذه الفرصة ـ وبعد ذلك أتحدَّث قليلاً عن أمير المؤمنين (ع).إن ملخّص حديثي في باب الدعاء، هو: أنَّ الدعاء يعتبر مظهر العبودية لله تعالى، والهدف منه تقوية صفة العبودية عند الإنسان، وإنَّ الاتّصاف بهذه الصفة، والإحساس بها مقابل الله تعالى، كان هدف جميع أنبياء الله ـ بدءاً بأوَّلهم وانتهاءً بآخرهم ـ ويظهر ذلك من خلال تعاليمهم ومساعيهم.إذاً، فإنَّ هدف الأنبياء هو إحياء صفة العبودية عند الإنسان.إنَّ المنبع الرئيسي لجميع الفضائل الإنسانية، والأفعال الحسنة ـ التي يتمكّن الإنسان من القيام بها، ـ سواء كان ذلك على المستوى الشخصي، أو الاجتماعي ـ هو الإحساس بالعبودية مقابل الله تعالى، وإنَّ النقيض من ذلك، الشعور بالتكبّر والأنانية والعجب؛ لأنَّ الأنانية هي منشأ جميع الآفات الأخلاقية التي تصيب الإنسان، وما يترتب عليها من آثار ونتائج على مستوى السلوك العملي.إنَّ منشأ جميع الحروب والمذابح التي تحدث في العالم، والظلم الذي يقع، والفجائع التي حدثت على مرّ التاريخ ـ التي قرأتم عنها أو سمعتموها أو تشاهدونها في هذه الأيام ـ هو الشعور بالأنانية والتكبّر والعجب، الذي يعتبر المنبع الأساسي للفساد والتدهور الموجود في حياة بعض المجتمعات البشرية.إنَّ العبودية تقع على طرفي النقيض من الأنانية والتكبّر والعجب.ولو جُعلت هذه الأنانية والتكبّر في مقابل الله تعالى، أي يجعل الإنسان نفسه مقابل الباري تعالى، فسيؤدي ذلك الى ظهور حالة الطغيان؛ مما يجعله أن يكون طاغوتاً، وهذا لا يختصّ بالملوك وحسب، بل إنَّ أيَّ شخص منّا ـ بني الإنسان ـ يمكن له أن يجعل من نفسه ـ لا سمح الله ـ طاغوتاً وصنماً، ويقوم بتنشأته وتربيته.إنَّ التمرّد والتكبّر على الله تعالى، يؤدي الى تنمية حالة الطغيان عند الإنسان، فإن كان ـ هذا التكبّر ـ على النَّاس، فسيؤدّي الى الاعتداء على حقوق الآخرين، والتجاوز والتطاول على حقوق هذا وذاك، وإذا كان على الطبيعة، فسوف يؤدّي الى التفريط بالبيئة الطبيعية؛ أي أنَّ ما نراه اليوم من اهتمام بمسألة البيئة في العالم، يجعلنا نعتبر عدم الاهتمام بالمناخ الطبيعي للبيئة التي يعيش فيها الإنسان، من مصاديق الطغيان والتكبّر والأنانية التي نقوم بها إزاء الطبيعة، والدعاء مخالف لكل ذلك.إننا عندما ندعوا ـ ففي الحقيقة ـ إننا نقوم بإيجاد حالة الخشوع في أنفسنا، وتحطيم روح التكبّر والأنانية فيها، الذي سيؤدي بدوره الى حفظ عالم الوجود وبيئة الإنسان الحياتية؛ نتيجة لفقدان حالة الطغيان والتجاوز من قِبَل المتكبّرين على حقوق الإنسان والطبيعة؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف: «الدّعاء مخُ العبادة» .إنَّ الهدف من العبادة هو: تقوية صفة التسليم عند الإنسان لله تعالى وخشوع القلب مقابل عظمته، وإنَّ هذه الطاعة والخشوع مقابل الله تعالى ليست من قبيل تواضع وخضوع الناس بعضهم للبعض، بل بمعنى التواضع والخضوع مقابل الخير، والجمال، والحسن، والفضل المطلق؛ ولهذا فإنَّ الدعاء، والفرصة التي نحصل عليها للقيام بالدعاء تعتبر من النِعَم، ففي وصية أمير المؤمنين (عليه ‏الصلاة والسلام) الى الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ورد هذا المعنى: «اعلم أنَّ الذي بيده خزائن ملكوت الدّنيا والآخرة قد أذن لدعائك وتكفّل لإجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك » إنَّ العلاقة والارتباط مع الله ـ التي تحصل من نتاج الطلب منه تعالى للحصول على عطاياه ـ هي الباعث على تسامي روح الإنسان، وتقويتها، «و هو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه» .فإنَّ الله تعالى يسمع صوتك ويقضي حاجتك، في أي وقت تدعوه وتعرض حاجتك عليه، فإنَّك تستطيع أن تخاطب الله تعالى، وتتحدث إليه وتأنس به وتطلب منه في أي وقت، وهذه نعمة كبيرة بالنسبة للإنسان.إنَّ أهم خواص الدعاء ـ التي تحدّثنا عنها مقداراً في ما سبق ـ هو الارتباط بالله والإحساس بالعبودية في حضرته، وإنَّ ذلك يعتبر من أكبر النعم الإلهية؛ وكذلك تظهر خواص الدعاء حينما ندعو الله فيستجيب دعوتنا. إنَّ الاستجابة الإلهية من قِبَل الباري عزَّ وجلَّ، تتحقق بدون قيد أو شرط، إلا أننا نمنع الإجابة؛ نتيجة لِمَا نرتكب من معاصي، فنكون السبب الباعث لحجب ما ندعو به، وهذا بحدّ ذاته يعتبر من المعارف التي نتعلّمها من الدعاء، وهو أحد الخصوصيات التي يمتاز بها الدعاء أيضاً.إنَّ إحدى البركات التي نحصل عليها من خلال الأدعية المأثورة التي وصلتنا عن طريق الأئمة (عليهم السلام) هو: أنَّ هذه الأدعية مليئة بالمعارف الإلهية، فإنَّ أدعية الصحيفة السجّادية، ودعاء كميل، والمناجات الشعبانية، ودعاء أبو حمزة الثمالي ـ وبقية الأدعية الواردة الأخرى ـ كلَّها معارف إلهية، بحيث لو قرأها الشخص وفهمها، فإنَّه يحصل على مجموعة كبيرة من المعارف، فضلاً عما يصحبه من تعلّق قلبي وارتباط مع الذات الإلهية المقدّسة.إنَّني أأكد في وصيّتي للشباب، على الاهتمام بقراءة ـ ترجمة ـ هذه الأدعية، فإنَّ دعاء عرفة وأبي حمزة الثمالي، طافحة بالمعارف، وكذلك دعاء كميل الذي نقرأ فيه: «اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تحبس الدّعاء؛ اللّهم اغفر لي الذّنوب التي تُنزل البلاء» أو «تُنزل النقم»، فإنَّ كلّ ذلك يعتبر من المعارف الإلهية؛ ومعنى ذلك هو أننا ـ بني الإنسان ـ نرتكب أحياناً أخطاءً وذنوباً، تؤدَّي الى منع الاستجابة لأدعيتنا، وأحيناً تصدر منَّا بعض الذنوب تجلب لنا البلاء.وفي بعض الأحيان تقع بلايا عامة وشاملة؛ نتيجة لبعض الذنوب، وبالطبع، لا يُنبأ عن السبب الذي أدّى الى وقوع هذا البلاء، إلا أنَّه عندما يفكَّر العارفون ويتدبّروا في ذلك؛ يدركون السبب الذي أدّى الى وقوع البلاء على هذه الأمَّة.إنَّ بعض آثار الأعمال سريعة، وبعضها تحتاج الى بعض الوقت، وهذا ما يخبرنا به الدعاء أيضاً.أو عندما نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: «معرفتي يا مولاي دليلي عليك وحبّي لك شفيعي إليك؛ وأنا واثق من دليل بدلالتك و ساكن من شفيعي إلاّ شفاعتك » لاحظوا إنَّ هذه الكلمات تفتح بصيرة الإنسان، وتزيد في معارفه، فهي من أنوار الله وفيوضاته، وتوفيقاته وعناياته الربّانية؛ وهذا هو ما نستطيع الحصول عليه في الدعاء، وبناءً على ذلك، ينبغي لكم إعطاء أهمية للدعاء.إنَّ الدعاء، هو الطلب من الله تعالى، ويمكنكم أن تدعو باللغة الفارسية، أو أي لغة أخرى، وتطلبوا كل ما تحتاجونه منه، وهذا هو معنى الدعاء.في بعض الأحيان لا توجد لدى الإنسان حاجة ـ رغم تعدد واختلاف حوائجه ـ بل يريد الاستئناس بالقرب من الله ، وأحياناً يحتاج الى رضى الله أو مغفرته، وهذا يعتبر نوع من أنواع الحوائج أيضاً، وأحياناً يطلب الإنسان أمراً مادياً، فلا ضير في ذلك كلّه.إنَّ الطلب من الله ـ أي شيء وبأي لغة ـ أمر مرغوب، ويحتوي على الخصائص التي تطرّقت إليها أيضاً؛ أي الارتباط بالله والشعور بالعبودية.طبعاً، إنَّ أفضل المضامين ذات الألفاظ الجميلة، والمليئة بالمعارف الإلهية، تجدونها في الأدعية المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام)، وعليكم معرفة أهميتها، والاستعانة بها.والآن أتحدَّث قليلاً عن حياة أمير المؤمنين (ع).إنَّ حياة أمير المؤمنين (ع)، تمثّل حياة مسلم كامل، وإنسان من الطراز العالي، فهو المثل الأعلى، الذي قضى مراحل حياته ـ طفولته وصباه ـ في كنف النبي (ص) وتحت رعايته، بل ترعرع في أحضان النبي، وتربَّى بتربيته.فقد كان (ع) متّبعاً الرسول (ص) في عهد صباه وشبابه، من حين ما بدأت البعثة وما رافقتها من حوادث جسيمة جرت على الرسول (ص)، حيث شهد (ع) جميع تلك الحوادث، بما فيها من مواجهات ومخاطر شهدتها فترة بداية البعثة النبوية ـ منذ اليوم الأول للبعثة وحتى اليوم الذي أعلنت فيه الرسالة ـ إنَّ أمير المؤمنين هو الذي يقول: «لقد كنت أتّبعه إتّباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً و يأمرني بالاقتداء به » لقد كان الرسول (ص) يربّي هذه الشخصية المرموقة والملكوتيّة ويُعدّها، حيث يقول (ع): «ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول‏ اللَّه (صلّى ‏اللَّه عليه وآله) و خديجة و أنا ثالثهما، أرى نور الوحي و الرّسالة وأشمّ ريحَ النّبوة »حينذاك بدأت البعثة، وما تلتها من حوادث ومواجهات؛ وذلك عندما اُخرج رسول الله (ص) والمسلمون من مكّة، واُجبروا على اللجوء الى شعب أبي طالب ـ الوادي الذي كان تابعاً لأبي طالب (ع)، وهو مكان ليس فيه ماء وكلأ ـ وقد كان عمر أمير المؤمنين (ع) حينها سبعة عشر عاماً، فقد دخل الى شعب أبي طالب وعمره الشريف سبعة عشر عاماً، وقد أصبح له من العمر عشرون سنة، حينما خرج منه بتلك الطريقة الإعجازية.وعندما ذهب الرسول (ص) الى الطائف، علّه يحصل على موطئ قدم فيها ـ حيث بقي عشرة أيام هناك ـ كان أمير المؤمنين (ع) في رفقته، وعندما علم سادة وكبار الطائف أنّ الرسول الأكرم (ص) قد قدم للطائف، قاموا بحثّ الغلمان والعبيد والسَوَقة من الناس لرمي الرسول (ص) بالحجارة، وعندما فعلوا ذلك، أخذ أمير المؤمنين (ع) يدافع عن الرسول (ص) ويذب الأذى عنه.وفي تلك الليلة التي جاء فيها ـ لأول مرَّة ـ مجموعة من كبار ووجهاء أهل المدينة الى منزل عبد المطلب القديم بخفية؛ من أجل البيعة، وجلسوا الى جنب النبي (ص)، وما أن علم بذلك كفار قريش إلا وجاءوا الى البيت وقاموا بمحاصرته واستعدوا للهجوم عليه؛ لم يأتِ للدفاع عن الرسول (ص) إلا أمير المؤمنين، والحمزة بن عبد المطلب (عليهما السلام).إنَّ هذا الشاب ـ المؤمن الحقيقي، المتّقي، الطاهر، الكامل، والنوراني المتصل بمنبع الوحي ـ نذر شبابه خلال الثلاثة عشر عاماً التي رافق بها الرسول (ص)، وكل وجوده للرسالة والرسول (ص)، وقد أخذ على عاتقه ـ أيضاً ـ أصعب الوظائف أثناء هجرة الرسول (ص)؛ أي حمل النساء (الفواطم) وأرجع الأمانات التي كانت مودعة عند رسول الله (ص)، ثمَّ التحق بقبا والمدينة.إنَّ أمير المؤمنين (ع) كان في المدينة قائداً ومؤمناً، وتلميذاً للرسول (ص)، وعابداً من الطراز الأول، من بين المسلمين كافة.إنَّ العيون معلَّقةٌ به، في ساحة الحرب، كما أنَّ أنوار وجوده المبارك في المسجد، وفي حالة العبادة، تسيطر على جميع القلوب، و هو الأكثر قبولاً، وعلماً، وسؤالاً دون سواه عند منبر رسول الله (ص)، فقد جاء في إحدى الروايات، أنَّه سُئل (ع): لماذا تروي كثيراً عن رسول الله (ص)؟ قال: إنَّني أسأل الرسول (ص)، فيجيبني، وعندما لا أسأله يبادرني بالسؤال.بناءً على ذلك، فإنَّ أمير المؤمنين (ع) يعتبر أفضل تلامذة رسول (ص)، ولقد أمضى مع الرسول (ص) عشرة أعوام ـ أيضاً ـ بكلّ محنها وصعوباتها، وحلوها ومرّها.وبعد وفاة الرسول (ص)، بدأت حوادث السقيفة ومسألة الخلافة.حسناً، من المعلوم أنَّ الحقّ كان مع أمير المؤمنين (ع)، وهو يعلم أنَّ الحقّ معه، إلا أنَّه لم يصدر منه شيء يعيق البيعة، بل قبلها عندما تمَّت، وإن كان اُجبر على ذلك؛ لأنَّه لم يرغب أن يكون حائلاً بين الناس وبين البيعة، الأمر الذي يودّي الى حدوث فتنة فيما بينهم؛ لذلك فإنَّه اجتنب هذه الأمور، وأوّل عمل قام به، أنَّه اعتزل الناس؛ أي أنَّه لم يُسبب أيّ متاعب للأشخاص الذين استلموا السلطة.ثمَّ أنَّه شعر بعد فترة قصيرة أنّ المجتمع الإسلامي بحاجة إليه، حيث كان يقول: «حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يريدون محو دين محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله)» ، عندها دخل الميدان، وأخذ بتقديم العون والمشاركة، ومساعدة الأشخاص الذين تولّوا إدارة المجتمع، فكان يهديهم ويرشدهم في المواضع التي يخطأون، أو ينحرفون فيها، سواء كان ذلك في المجال العلمي أو السياسي، بل في جميع المجالات، وهذا ما يعترف به الجميع، وليس نحن الشيعة فقط. فإنَّ كتب الروايات والتاريخ الإسلامي التابعة للشيعة والسنّة مليئة بالأخبار التي تتحدث عن الإرشادات والتوجيهات التي كان يقدَّمها أمير المؤمنين (ع) لهؤلاء، ومنها ما جاء في الحديث: «لولا علي لهلك عمر»، الذي رواه السنّة في مواطن مختلفة من كتبهم، بالإضافة الى أنَّه روي من طرق الشيعة أيضاً، وكذلك ما قدّمه ذلك الرجل العظيم من إرشادات ومساعدات في مجال إعداد الجيوش، وإقامة الحدود، والأمور السياسية وغير ذلك، فقد كان أمير المؤمنين (ع) هو المرشد الكامل، ومركز الإشعاع في المجتمع الإسلامي. فإنَّ الخمسة والعشرين عاماً التي عاشها معتزلاً، قد مرَّت بنفس الانطباع الذي تحملونه عنه أيضاً.وعندما جاء وقت الخلافة، أظهر حينذاك أمير المؤمنين (ع) معجزته في الإدارة والحكومة على مرِّ التاريخ، فإنَّ الأربعة أعوام والتسعة، أو العشرة أشهر التي حَكَم فيها أمير المؤمنين (ع)، تعتبر معجزة في الحكومة، ولم يكن لها نظير، فقد كانت حكومة‎‎‎ العدل‎ المطلقة و الشجاعة المطلقة‎‎‎‎ المشفوعة بالمظلوميّة المطلقة، على أنّ مثل هذا الوضع لم يحدث في زمان الرسول (ص)؛ لأنَّ الخطوط والحدود كانت واضحة ومعلومة في زمان الرسول (ص)، أمَّا في زمان أمير المؤمنين (ع) فقد كانت المشاكل معقدّة ومتشعّبة أكثر، فضلاً عمَّا حصل من توسّع في العالم الإسلامي، بعد أن كان الأمر مقتصراً على المدينة ومكّة وبعض المدن الأخرى.لقد أصبح العالم الإسلامي في زمان أمير المؤمنين (ع)، بلاداً واسعة وعريضة، حيث أخذ النَّاس في الدخول الى الإسلام جديداً، بالإضافة الى أنَّ تخوم البلاد أخذت تشوبها الفوضى العقائدية، ومشاكل كثيرة من هذا القبيل، فإنَّ أمير المؤمنين (ع) تصدّى لمثل هذه الحكومة، التي تعتبر موضع افتخار جميع الحكومات المنصفة في العالم، التي تحاول أن تحصل ولو ببعض الشبه من حكومته، وهو ما لم ولن يتمكن منه أحد.إنَّ أمير المؤمنين (ع) هو مظهر العدالة، والقداسة، والإنصاف، والرحمة، والتدبير، والشجاعة، ورعاية حقوق الإنسان، والعبودية للباري تعالى، وهذا هو ملخّص حياة أمير المؤمنين (ع).لقد ذُكرت هذه العبارة في أدعية وأذكار الليلة الماضية: >اللّهم العن قتلة أمير المؤمنينأيَّها السنَّة! لماذا تجلسون مكتوفي الأيدي، إحذروا فإنَّ الشيعة أخذوا بالتسلّط عليكم!ومن جهة أخرى ـ أيضاً ـ يُظهرون بعض الأمور التي تؤدّي الى إبعاد الجمهورية الإسلامية عن دول الجوار، كطرحهم لمسألة الجزر الثلاث، ومسائل مختلفة أخرى؛ من أجل أن تشعر إيران أنَّها أصبحت مورداً للتهديد.إنَّهم يحرّكون السنَّة بطريقة ما على الشيعة، ويحرّكون الشيعة على السنَّة بطريقة أخرى، وهذا هو مخطط الأعداء.ولو أننا أردنا أن نحصل على ثمرة الانتصارات التي تحققت في الأعوام الأخيرة ـ من خلال التوكّل على الله تعالى ـ على السياسات الاستكبارية في هذه المنطقة، فعلينا توخّي الحيطة والحذر.وعلينا أن نكرّس جميع جهودنا على بناء الذهنية السياسية على مستوى العالم، فضلاً عن بناء البلد من الداخل بكل ما أوتينا من قوَّة، ولا نترك بعض الثغرات التي يمكن أن يتسلّل منها العدو.إنَّ يوم القدس قد أقبل علينا، وهو يوم هتاف الأمَّة الإسلامية ضد الظلم والتجاوز من قِبَل أعدائها على امتداد خمسين عاماً. فعلى جميع أفراد الأمَّة الإسلامية الاعتزاز بهذا اليوم، وعليك ـ أيَّها الشعب الإيراني العزيز ـ أن تعتزّ أيضاً ـ كالأعوام السابقة ـ بهذا اليوم الأغر.بسم ‏اللَّه الرّحمن الرّحيم‏وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته

100 يوم من الطوفان