بسم الله الرّحمن الرّحيم

أبارك للأمَّة الإسلامية جمعاء، وللشعب الإيراني العزيز، ولكم ـ أيَّها الحضور الكرام ـ كما أبارك للضيوف الأعزّاء سفراء البلدان الإسلامية الحاضرين في هذا الاجتماع، مناسبة حلول عيد الفطر المبارك.
إنَّ الله تعالى خصَّ يوم عيد الفطر بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعله ذخراً وشرفاً وكرامةً، وباعثاً على زيادة النور والهيبة المعنوية له ولدينه الحنيف، كما نكرر ذلك في دعاء قنوت صلاة عيد الفطر المبارك: (ذخراً و شرفاً وكرامةً ومزيداً).
إنَّ يوم عيد الفطر المبارك، يوم عظيم، وهو مختصّ بالأمَّة الإسلامية.
إنَّ الأمَّة الإسلامية في الوقت الراهن بحاجة أكثر من ذي قبل لبواعث الاشتراك والوحدة والشعور بالعزّة والعظمة.
لقد امتهنت الأمَّة الإسلامية على مدى الأعوام المتمادية، واستهين بالتأريخ الثقافي العريق، والعزَّة والكرامة والهوية الأصيلة التي تمتلكها هذه الأمَّة، وقد كان هدف الأعداء من ذلك، هو إبعاد الشعوب الإسلامية من ميدان العمل السياسي والجهادي؛ من أجل الهيمنة على البلدان الإسلامية، وتجريدهم من مصادر ثرواتهم.
كانت هذه سياسة القوى الاستعمارية والاستكبارية في العالم، لعقود من الزمن، وقد نجحوا في ذلك لفترة معيّنة.
ولو أنَّ الأمَّة الإسلامية، تمسَّكت بهويّتها الإسلامية، لما وجدت معضلة باسم إسرائيل في المنطقة، إلّا أنَّ الأعداء تمكّنوا من عزل الأمَّة الإسلامية عن ساحة التحوّلات التي تجري في المنطقة ـ أي موطنها ـ فنتج عن ذلك الغياب أن شرع الأعداء باتخاذ قرارات جائرة ضد البلدان الإسلامية.
يمكن لنا القول بلا تردد: إنَّ الأمَّة الإسلامية، وعلى طول الأعوام المتمادية، لم تكن تؤدّي الوظائف الملقاة على عاتقها؛ ولهذا علينا أن نشخّص ونتعرَّف على أخطائنا، من أجل إصلاحها.
فلولا وجود حالة التقاعس والتهاون قبال العدو، لما استطاع العدو أن يسيطر علينا.
لقد تراجعنا، وهذا هو أحد أخطائنا، إلّا أنَّ الوضع قد تغيَّر الآن، فالعالم الإسلامي اليوم يتمسَّك بهويّته.
ينبغي لهذه الأمَّة استغلال كافّة عناصر العزَّة ـ الموجودة في تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والقرآن الكريم ـ وعلى رأس ذلك التوجَّه الى الله والتمسّك بالدستور الإلهي، والتوكل على الله والثقة به تعالى.
إنَّ الله تعالى يلقي اللوم على الذين يظنّون به ظنَّ السوء فيقول: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ ، فإنَّ الذين ينكرون نصرة الله لهم في الميدان، ينبغي لهم أن يلوموا أنفسهم؛ لأننا حينما ننزل الى الميدان، فإنَّ الله تعالى سوف يُعيننا؛ وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم، والوعد الإلهي المؤكَّد، وما نشاهده من خلال التجارب الحياتية التي نمرّ بها.
إنَّ التاريخ الإسلامي ثرٌّ بالتجارب التي تبيِّن للمسلمين، أنَّهم كلّما شحذوا الهمم، ونزلوا الى الميدان، مستعينين بالقدرة الإلهية، فسوف يحصلوا على العون والإمداد الغيبي.
إنَّ النصر الإلهي يتحقق لا محالة، إلا أنَّه يُشترط فيه نُصرة الله، والتواجد في الميدان: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ﴾ ، وأمَّا مع وجود التقاعس، والسعي وراء الأوهام، والتلاعب بمقدّرات الأمَّة الإسلامية، وترجيح هوى النفس على مصالح الأمَّة، فلا يمكن أن يتحقق ذلك.
لقد استيقظ العالم الإسلامي في يومنا هذا، وعلينا الاهتمام بهذه الصحوَّة، وتوجيهها الوجهة الصحيحة، وعلينا أن نثق بالله، مكان الثقة بالقوى الاستكبارية، وحيثما تحقق هذا الأمر، فسوف يكون النصر حليفنا لا محالة.
إنَّ ما يقع على عاتقكم ـ أيَّها الإخوة والأخوات الأعزاء ـ باعتباركم مسؤولي هذا البلد الإسلامي، هو أن تعتقدوا بأهمية هذا الشعب، فشعبنا عظيم، وشجاع، ومؤمن وحيويّ ومخلص، فعليكم أن تعترفوا بهذه المكانة والمنجزات التي حققها، وتعتقدوا بأهمية العمل من أجله، وتحمّل المسؤوليات التي تصبُّ في خدمته وقضاء حوائج أفراده، التي تعتبر فخراً عظيماً.
إنَّ هذا الشعب العظيم، والمؤمن، الذي استطاع؛ من خلال مجاهدته وصبره ومعرفته ووعيه وروحيته العالية، أن يبعث الحياة في بدن العالم الإسلامي.
أنتم أيضاً تُعدّون من ضمن أفراد هذا الشعب، وتشاركونه في نهضته العالمية الخيَّرة.
إلّا أنَّكم مسؤولون الآن أيضاً؛ لأنَّكم تحمَّلتم المسؤولية التي لابدّ لكم من الوفاء بها، فعليكم أن تجعلوا الإخلاص، والجد والاجتهاد، والتحمّل، والقناعة، وترجيح المصالح العامة على المصالح الخاصة، مصابيح هداية لإنارة طريقكم.
هذا هو تكليفكم، وعبادتكم، وهو من أكبر العبادات، وبالطبع، لو رغبتم في بقاء هذه الروحية، فعليكم أن تجعلوا قلوبكم متعلّقة بالله تعالى.
إنَّ شهر رمضان يعتبر من الفرص الكبيرة، كما أنَّ عيد الفطر المبارك يُعدّ من الفرص الكبيرة أيضاً، بل إنَّ جميع أيام السنة وساعات العمر هي فرص للارتباط بالله تعالى.
إنَّ تلاوة القرآن، والاهتمام بالمعارف والمعاني القرآنية، والشعور بالمسؤولية التي توجب علينا أن نشكر الله تعالى، والخضوع له، وخشوع القلب في حضرته، والتواضع لأفراد الشعب؛ تعتبر من المعايير والملاكات لعملنا، وعلينا الاهتمام بها.
وهذا يعني وجوب تواجدنا في الميدان، والعمل لله تعالى، وعدم جعل ذلك مشفوعاً بالأهواء النفسية، وعدم الشعور بالتعب عند القيام بذلك ـ وبالطبع، فإنَّ العمل إذا كان مقروناً بالنيّة لله تعالى، فسوف لا ينتاب الإنسان الشعور بالتعب ـ قال تعالى ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ ، فمع الخشوع، يزول التعب والملل، ومع التوجَّه لله تعالى، تذهب المتاعب والآلام، وهذا من النعم التي خصَّنا الله بها.
إنَّ الشعب متواجد في الساحة أيضاً، وكذلك الشباب، فإنَّ هذا الشعب يسعى للنزول بكل حماس وشوق الى جميع الميادين التي يشعر أنَّها موضع لحاجة البلد، فلقد خاض ميدان الجهاد في فترة الدفاع المقدَّس، والميدان العلمي والسياسي، وأظهر تواجده المستمر في المظاهرات والانتخابات.
هذه هي طبيعة شعبنا وأمتنا العظيمة، فعليكم أن تعتقدوا بأهمية خدمة هذا الشعب، وتشكروا الله عليها، الذي جعلنا خَدَمة لهذا الشعب، ووفّقنا للعمل بهذا التكليف.
وكذلك في العالم الإسلامي، فإنَّ من أولويات المسائل العالمية المتعلّقة بالأمَّة الإسلامية في الوقت الراهن؛ هي القضية الفلسطينية.
طبعاً، إنَّ القضية العراقية، واللبنانية، والأفغانية، تعتبر ـ أيضاً ـ من المسائل المتعلَّقة بالأمَّة الإسلامية، وهي من القضايا المهمَّة أيضاً، وعند النظر الى مجموع هذه القضايا، سوف نرى من خلالها يد الاستكبار العالمي والأمريكي والصهيوني الآثمة والملوثة بالذنوب.
إنَّ تكليفنا واضح أيضاً، وهو عودة الشعوب والحكومات الإسلامية الى التفكير باستعادة هويتها، والحصول على القدرة التي تمنع المستكبرين من التسلّط عليها.
إنَّ أهم المصالح بالنسبة لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، هو الحفاظ على المصالح الصهيونية والإسرائيلية، علماً أنّ البعض من الحكومات العربية والمسلمة لها علاقة جيدة ووطيدة مع أمريكا، إلّا أنَّ مصالحها لا تشكَّل أهمية رئيسية لدى الإدارة الأمريكية.
إنَّ مصالح هذه الحكومات لم تكن لها أهميَّة مقابل مصالح إسرائيل بالنسبة لأمريكا، فعلى الجميع إدراك ذلك والانتباه له.
إنَّ الأعداء قد بذلوا مساعي حثيثة؛ من أجل تأجيج الصراع بين أفراد الشعب الفلسطيني في فلسطين نفسها، إلّا أنَّ المسؤولين الفلسطينيين ـ ولحسن الحظ ـ توخّوا الحذر، ووقفوا للحيلولة دون وقوع التنازع والحرب وسفك الدماء فيما بينهم، لكن العدو لا يزال يقوم بمشاريعه التآمرية.
إنَّ حكومة حماس، حكومة شعبية، والمواقف التي اتّخذتها ـ أي عدم الاعتراف بإسرائيل، وعدم إجراء المحادثات معها ـ هو ما كان يرغب به الشعب الفلسطيني.
فليعلم الذين يدَّعون أنَّ رغبتهم هي إرادة الشعب الفلسطيني، أنَّ الشعب الفلسطيني يرغب في نفس الشعارات التي أطلقتها الحكومة الحالية ـ التي جاءت عن طريق الانتخابات الفلسطينية ـ فينبغي لمسؤولي الحكومة الفلسطينية المستقلّة التسليم مقابل إرادة الشعب الفلسطيني، وعلى الجميع أن يلمُّوا شملهم، ويعترفوا بحكومة حماس الشعبية والمواقف التي تقوم باتخاذها.
إنَّ القضية اللبنانية بهذا الشكل أيضاً، فإنَّ اللبنانيين وحزب الله البطل أظهروا بأنَّهم قادرون على التصدّي لإسرائيل وإلحاق الهزيمة بها؛ من خلال الثبات والعزم الراسخ، وهو مما كان لا يخطر على مخيَّلة بعض ساسة البلدان الإسلامية، إلّا أنَّه حدث فعلاً، وتحققت هزيمة إسرائيل؛ نتيجة للتصدَّي والمقاومة، والتوكّل على الله تعالى، واستخدام جميع الإمكانات والوسائل من قِبَل حزب الله والشعب اللبناني.
إنَّ هذه إحدى الصور الشاملة والمتعلّقة بالعالم الإسلامي بأسره، دون فرق بين بلد وبلد، وإنَّ شرط تحقق ذلك هو تخلّينا ـ كمسؤولين للبلدان الإسلامية ـ عن منافعنا ورغباتنا وأهوائنا الشخصية، وترجيح مصلحة الشعب والأمَّة على ذلك، فلو حافظنا على هذه الشروط، فسوف تكون النتيجة لصالحنا بالتأكيد.
وكذلك الأمر في العراق، فهو بهذا الشكل أيضاً، فإنَّ الحكومة الآن هي حكومة شعبية، على خلاف رغبة المحتلّين ورغبتهم، وعلى خلاف الصورة والنموذج الذي رسموه للعراق في مخيّلتهم، وهذا هو الذي حدث بالفعل؛ ولهذا فإنَّكم تجدونهم يظهرون رؤوس الفتنة، ويقومون بتأجيجها، وهذا هو عمل الذين لا يرغبون في أن تكون هناك حكومة شعبية حقيقية في العراق، كما هو عليه اليوم؛ فهم يخلقون الذرائع من أجل إشغال هذه الحكومة بالمشاكل.
وهذا ما تدلّ عليه جميع القرائن والشواهد.
إننا نأمل أن يعلم المسؤولون البارزون، من مثقّفين، ورجال دين، وسياسيين، وعلماء اجتماع، وعشائر، والمنظمات الشعبية في العراق، أنَّ العلاج الوحيد لمشاكلهم هو وحدة الكلمة، فعليهم أن لا يقعوا في شباك العدو، ويضعفوا أنفسهم ويقوّوا العدو؛ نتيجة لذرائع مذهبية وطائفية وسياسية وحزبية .. وأمثال ذلك؛ مما يؤدّي الى تسلّط العدو عليهم.
أسأل الله تعالى أن يبارك لكافة المسلمين في هذا العيد، ويجعله باعثاً على خير وبركة جميع البلدان الإسلامية، ويجعل العالم الإسلامي أكثر عزَّة وفخراً يوماً بعد آخر ـ إن شاء الله تعالى ـ
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*****