بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بكنَّ أيتها الممرضات العزيزات و أنتن بحق ملائكة الرحمة لكل المرضى و ذويهم فـي المجتمع ، و أبارك يوم الممرضة الموافق ليوم ولادة سيدة التاريخ الإسلامي المضحية زينب الكبرى . لقد تولّت تلك العظيمة مثلكن أصعب الأعمال فـي ساحة عاشوراء ، ألا و هي رعاية الأطفال و البائسين و النساء و المشردين .
فـي هذا الاجتماع الذي وفقتُ فيه و الحمد لله أن ألتقيكن أيتها العزيزات ، سوف يتركز حديثي فقط حول مهنة التمريض و واجبات الجميع قبال الذين يزاولون هذه المهنة الصعبة جداً ، سواء من الجماهير أو المسؤولين .
أقول شيئاً واضحاً بالنسبة لكن أنتن الممرضات ، و الكثير من الناس يعلمون ذلك ، بيد أن الفهم العام لمجتمعنا و ثقافة الناس العامة يجب ان تعي هذه الفكرة بشكل صحيح و هي أن أهمية التمريض تحتل المستوى الأول فـي الحفاظ على سلامة المجتمع . أي حتى لو قام أفضل الأطباء و الجراحين بواجباتهم مع المريض على أحسن وجه ، لكنه لم يُمرَّض و يُراعَ فإن عمل ذلك الطبيب أو الجراح الحاذق سيبقى بلا فائدة . دور التمريض و رعاية المرضى يحتل الدرجة الأولى فـي حفظ سلامة المريض و عودة العافية إليه . إنه دور يعادل دور الطبيب الماهر . الكثير لا يتفطنون إلى هذه النقطة ، لذلك تغيب عن أذهانهم تلك المكانة و القيمة التـي يجب أن تخصص للممرضة ، و لا يراعونها .
نقطة أخرى تعرفنها أيضاً أفضل من سواكن ، لكن الناس و المسؤولين عندنا يجب أن يعرفوها و يتنبهوا إليها أيضاً و هي أن التمريض من أصعب الأعمال من حيث الضغط الروحي و الجسمي على الممرضة . الجلوس بجانب المريض ، و المعاشرة الدائمة للمريض ، و الاستماع لشكاته ، و التعامل معه بعطف ، و الابتسام له ، و تحريره من معاناته الكبيرة خلال فترة المرض عبر التصرفات و السلوك و الاستقبال ، أمر يستدعي صبراً فولاذياً . هذا هو الواقع الذي تواجهه الممرضة . المريض الذي يتألم ، المريض الذي يضعف لديه الأمل بالحياة ، المريض المنقطع عن كل الناس و كل مكان ، خصوصاً الأطفال المرضي ، أو المصابون بأمراض عضال ، أو الخاضعون للعناية الفائقة ، لاحظوا كم يسبب تمريضُ هؤلاء الأشخاص من الضغوط على الروح و الجسم و الأعصاب . أي رصيد هائل من الحلم و الصبر و التجاوز و المداراة و الأخلاق الطيبة يلزم الممرضة حتى تستطيع مواصلة المشوار مع هذا المريض . بيد أن طبع المريض مع الممرضة ، و على الضد من طبع الممرضة ، لا يتسم بالعطف ، بل بالحدة أحياناً . إضافة إلى المريض فإن ذوي المريض أيضاً و الذين يحيطون به ، إذا تأخرت الخدمة قليلاً ، تكتسي توقعاتهم من الممرضة لون الاعتراض ، و يحقدون أحياناً و قد يتصرفون بطريقة عدوانية . الصبر على هؤلاء صعب جداً . صعوبة عمل الممرضة ليست صعوبة جسمية ، ليس عملها ضرباً بالمعاول أو فـي أجواء صعبة كأجواء المناجم مثلاً ، إلاّ أنه أصعب من تلك الأعمال من حيث الضغط النفسي و العصبـي . كل الذين يصنِّفون تراتبية صعوبة المهن ، عليهم أخذ هذه النقطة بنظر الاعتبار . أضف إلى ذلك أن الممرضة تبتعد عن بيتها ، و زوجها ، و أبنائها ، ليلاً و نهاراً ، و فـي منتصف الليل ، و فـي أيام العيد ، و أيام الجمعة ، و أيام العطل حيث يذهب الناس للترفيه و قضاء أيام العطلة . لا تستطيع الممرضة ترك المريض و المستشفى . ينبغي التنبه إلى هذه الأمور. صعوبة العمل ،و عدم انتظام أوقاته ، و الحضور المستمر ، و الانفصال عن مناخ الحياة ، يضاعف صعوبات هذه المهنة . أعتقد أن على كل جماهيرنا و جميع المهتمين لمصير المرضى و سلامة البلاد أن يهتموا لشريحة الممرضات و يعطفوا عليها، سواء المسؤولون أو كل واحد من أفراد المجتمع . ثقافة المجتمع يجب أن تكون معرفة أهمية عمل الممرضة و صعوباته . هذه هي المسألة التـي كنتُ أود أن يراعيها كل أفراد المجتمع و المسؤولون أيضاً ضمن حدود إمكانيات الحكومة ـ سواء بالنسبة لتوظيف ممرضات جديدات ، أو فيما يتصل بمتابعة شؤونهن المعاشية ، أو جميع الأمور المتوقعة ـ و أن ينظروا للموضوع من هذه الزاوية .
أما الذي أريد أن أقوله لكنَّ أيتها الممرضات فهو أن العمل كما ذكرتُ و كما شعرتن و لمستن قبل ذلك بكثير ، عمل صعب دون شك . بيد أن كفّتـي الصعوبة و الأجر متساويتان دوماً فـي الميزان الإلهي . مستحيل أن يكون ثمة عمل أصعب لكن أجره يساوي أو يقل عن أجر عملٍ أقل منه صعوبةً . كل شىء محسوب و دقيق فـي الميزان الإلهي . قرأتم فـي القرآن « مثقال ذرة » ، أي حتى فـي وزن ذرة واحدة . الذرة بمعنى هذه الذرات و الأغبرة التـي لا ترونها بالعين إلاّ إذا سطع نور إلى داخل الغرفة من النافذة ، عندئذ تستطيعون رؤية هذه الذرات العائمة فـي الفضاء . الذرة هي الواحدة من حبات هذه الأغبرة . كم هو وزنها ؟ الميزان الإلهي يحسب حتى وزن هذه الذرة . و عليه إذا قمتم بعمل صالح حسن فسوف يسجله ميزان الحساب الإلهي ، و حين تقومون به بنية خالصة و فـي سبيل الله و بحافز معنوي و إلهي ، ستتحول هذه الذرة عند الله تعالى إلى جبل من الثواب تدريجياً . أنظروا إلى عملكم بهذا المنظار . الممرضة كما أشرت ملاك الرحمة للمريض . حين ينقطع المريض عن كل مكان و فـي الساعات التـي لا يكون إلى جواره حتى زوجته و أبناؤه و أبوه و أمه ، فإن أمله سينعقد بعد الله على الممرضة ، و الممرضة هي التـي تداوي كملائكة السماء و الرحمة أوجاعه و مشكلاته و حاجاته الجسمية و العاطفية . هذه أمور مهمة جداً ، و لن تُنسى فـي حضرة الله تعالى . طبعاً قد لا ترى أي عين جهودكنّ هذه . الكثير من المشقّات التـي تعانينها و الأتعاب التـي تتحملنها لا يراها أحد . أحياناً ابتسامة واحدة منكن لمريض كئيب تبث فيه روحاً جديداً . من الذي يرى هذه الابتسامة ؟ من الذي يحسب لها حسابها ؟ من الذي يخصص أجراً و مكافأةً مالية لهذه البسمة ؟ لا أحد . لكن الكرام الكاتبين يرونها ، و المسؤولين عن حسابات الميزان الإلهي يرون ابتسامتكن هذه . و إذا عبستن بدل الابتسامة فسوف يرون أيضاً عبوسكن . ما من حسنة ولا سيئة تخفي عن الأنظار الثاقبة لمحاسبـي الديوان و الميزان الإلهي . إعرفن قدر هذه المهنة و هذه الخدمة القيمة . إذا لم يعرف الآخرون قدرها أحياناً ، اعرفن أنتن قدر هذا العمل . إنه عمل على جانب كبير جداً من الأهمية . فـي الرواية أن من يقف على سرير المريض كالذي يغرق فـي الرحمة الإلهية . قد يستغرب البعض و يتساءل و ما هي ميزة الوقوف على سرير المريض ؟ أنتن العارفات بحاجة المريض و تأثير عملكن تفهمن لماذا قُرِّر مثل هذا الثواب العظيم للممرض ، لأن تأثيره تأثير لا يمكن حسبانه ، فهو فوق مرتبة الحسابات العادية . رفع معنويات المريض قد يكون أحياناً أكثر فاعلية و تأثيراً بدرجة كبيرة من إعطائه الدواء . أنتن من يرفع هذه المعنويات . نقرأ فـي الأدعية : « اللهم إنـي أسألك موجبات رحمتك » . الرحمة الإلهية لا تمنح لأحد دون حساب و بلا مبرر . ينبغي التضرّع لله حتى يمنحنا موجبات رحمته ، فنؤدي الأعمال التـي توجب الرحمة ، فيبعث الله رحمته كنتيجة لذلك . هذه المهنة من أرقى موجبات الرحمة ، و هي مغتنمة و قيمة جداً. هذه هي النقطة التـي كُنتُ أود أن تلتفتن إليها و تعلمن أي مهنة قيمة تمارسنها.
أما النقطة التـي أريد ذكرها للمسؤولين ـ و قد ذكرها لـي الآن الدكتور السيد پزشكيان و هي صحيحة ـ فهي أن المسؤولين المعنيين بالقضايا الإدارية فـي البلاد يجب أن يفتحوا باباً مستقلاً و جديداً لهذه المهنة . قضية التوظيف ، قضية إعادة التأهيل ، تخصيص فترات استراحة للممرضات ، هذه موضوعات تترك تأثيرها فـي طبيعة عمل التمريض . إذا كان دور الممرضة مهم إلى هذه الدرجة ـ و هو كذلك ـ إذن الممرضة المتعبة ، الممرضة التـي تتراكم المهمات على عاتقها ، الممرضة التـي تعمل بقرف و ضجر و تعب و لا تكون راضية عن عملها ، لن تعود قادرة على النهوض بهذا الدور . يجب أن تكون الممرضة نشيطة ، متوثبة ، مستعدة ، و متشوِّقة للخدمة ، و عارفة بالمعلومات التـي تساعدها على الخدمة ، و إمكانات هذه الأمور و مقدماتها مما يتعين على المسؤولين توفيره . طبعاً لا مراء أن ثمة نواقص تقيد المسؤولين بحيث لا يمكن لكنَّ ولا لـي أنا و لا لأي شخص آخر أن يتوقع من الحكومة إنجاز شىء خارج حدود إمكاناتها و قيودها . مسألة الحكومة مسألة تحمل المسؤولية تجاه كل البلاد و كل طبقات المجتمع ، ولكن ضمن إطار هذه الإمكانات يجب علي المسؤولين بذل كل الجهود و النهوض بكل أعمالهم ليستطيعوا إخراج هذه الوظيفة الكبرى و هذه الخدمة القيمة بشكلها الحقيقي .
ينبغي أن نستمد من الله تعالى العون و التوفيق للخدمة . إذا منَّ الله تعالى علينا فـي كافة المراتب بتوفيق الخدمة لكان ذلك أكبر سعادة و أكبر فرحة بالنسبة لنا . لنطلب من الله أن يستطيع كل واحد منا فـي أي مكان كان أن نعمل بواجباتنا إن شاء الله ، و أدعوا أن تكون جهودكن و خدمات شريحة الممرضات العزيزات مما تشمله الألطاف و الرحمة الإلهية و العناية الخاصة لسيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) .
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته .