بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك عيد ولادة منقذ الإنسانية و الهدية الإلهية لتاريخ البشرية نبي الإسلام المكرم سيدنا محمد بن عبد الله صلّی الله عليه و آله و سلّم، و كذلك ولادة الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام لكل الأمة الإسلامية الكبری و للشعب الإيراني العزيز و لكم أيها الحضور الكرام، خصوصاً الضيوف الكرام الذين حضروا هنا من مختلف البلدان الإسلامية و سفراء البلدان الإسلامية الذين تفضلوا بالمجيء إلی هذا المكان.
كانت هذه الولادة طليعة الرحمة الإلهية في تاريخ الإنسانية. ذُكر الرسول في القرآن بوصفه (( رحمة للعالمين ))، و ليست لهذه الرحمة حدود تنتهي عندها، فهي تكتنف تربية البشر، و تزكيتهم، و تعليمهم، و هدايتهم إلی الصراط المستقيم، و كذلك التقدم بهم في حياتهم المادية و المعنوية. و هذا أمر لا يختص بأهل ذلك الزمان إنما يصدق علی التاريخ كله: (( و آخرين منهم لمّا يلحقوا بهم )). سبيل الوصول إلی ذلك الهدف هو العمل بمعارف الإسلام و قوانينه المرسومة للإنسانية.
تعرضت الأمة الإسلامية الكبری علی امتداد القرون لتحديات و انحرافات عديدة. لقد أبعدنا أنفسنا عن الإسلام و شغلناها بأمور حذرنا منها الإسلام. شغلنا علی مدی هذا التاريخ الطويل بحروب داخلية و بحكومات طاغوتية، و كانت النتيجة أن عجزت الأمة الإسلامية الكبری علی مدی القرون و الأعصار التي أعقبت قرون الإسلام الأولی عن بلوغ الغاية التي رسمها لها رسول الإسلام و الدين الإسلامي العزيز. مع أن الله تعالی‌ أودع في البلدان الإسلامية ثروات مادية هائلة كان يمكن أن تستخدم كوسيلة لتقدمنا، لكننا عدنا بلداناً متأخرة في العلوم و الصناعة و في كثير من معايير التقدم. لم يكن هذا شيئاً أراده لنا الإسلام، لكنه شيء جره علينا عملنا السيئ و سلوكنا و غفلتنا نحن المسلمين: (( ما أصابك من سيئة فمن نفسك )). نحن الذين ورطنا أنفسنا في مثل هذا الواقع بسبب غفلتنا علی امتداد الزمن.
لقد اختلفت الأوضاع في العالم الإسلامي اليوم. الصحوة الإسلامية محسوسة في العالم الإسلامي من أقصاه إلی أقصاه. تلاحظ حركة و نهضة عظمی في كل العالم الإسلامي و علی شتی الصعد، و هناك ميل للعودة إلی أصول الإسلام و مبانيه الباعثة علی العزة و التقدم و الرقي. علی مستنيري العالم الإسلامي و علمائه و شخصياته السياسية تقوية هذا التحرك. من الخطأ أن يتصور البعض في العالم الإسلامي أن حركة الصحوة الإسلامية بين الشباب تعود بالضرر علی الحكومات الإسلامية، لا، تستطيع الحكومات الإسلامية ببركة الصحوة الإسلامية استعادة العزة التي سلبتها منها القوی المستكبرة. من مصاديق ذلك بلدنا و ثورتنا و إمامنا. بعد أن عشنا الاستبداد قروناً متمادية و جربنا هيمنة الأجانب لقرنين من الزمان صحونا علی أنفسنا و استطاع إمامنا العظيم إعادة العزة لشعبنا. حكم الإنجليز و الروس و الأمريكيون علی التوالي حكومة حقيقية في هذا البلد حتی لو لم يكونوا علی رأس الحكم في الظاهر، فقد كانت الأمور بأيديهم و كل شيء في البلاد تحت تصرفهم. و كان شعبنا محروماً من حقوقه و مصادره الطبيعية و عزته و الطعم الحقيقي لدينه.
استطاع إمامنا الجليل تبديد هيمنة الاستبداد و الاستعمار الطويلة عن بلادنا بالعودة إلی الاسلام و الاعتصام به، و تمكن من تحقيق العزة للشعب و منحه الشعور بالهوية الإسلامية حتی يشعر أنه قادر علی الوقوف علی قدميه و اتخاذ قراراته بنفسه و اختيار ما يريد، و أن يقول « لا » أو « نعم » في قضاياه المصيرية. لم يتذوق شعبنا طعم هذا الشيء منذ قرون، فمنحه له الإسلام. و سيحصل تجديد الهوية و العزة هذا في أي بلد تتعزز فيه حركة الصحوة الإسلامية و ترسخ و يشعر الجماهير و الشباب في ذلك البلد أنهم يقتربون من الإسلام.
أعداء الإسلام لا يريدون هذا طبعاً. يقول عزوجل:(( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ))، و علی رأس أعداء الإسلام تقف أمريكا التي تمثل الشر و الشيطان المتجسد. العدو الأول للعالم الإسلامي اليوم هو الاستكبار العالمي و علی رأسه أمريكا. هذه من المعارف المشهورة لثورتنا و نظامنا، و الثورة الإسلامية تنادي بها منذ أربع و عشرين سنة، بيد أن الشعوب في العالم و المجتمعات الإسلامية تشعر بهذا اليوم و تلمسه. قضايا فلسطين و الفجائع التي تحدث فيها ليل نهار و تعلق وصمتها في جبين أمريكا، أمر يراه الناس أمامهم. كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تغض طرفها و لا تری هذه الفجائع ؟ ما يجري في العراق يجري أمام أنظار العالم، و هذا المختبر التاريخي و السياسي ماثل أمام أعين الناس في العالم و خصوصاً الأمة الإسلامية. يهجم الأمريكيون باسم الديمقراطية و الحرية علی نظام صدام، لكنهم لا يسمحون للشعب العراقي اليوم أن يمسك بزمام مصيره و يقولون : نحن يجب أن نتولی الأمور!
يحرمون شعباً و بلداً إسلامياً من كافة حقوقه المعروفة و الشائعة و المقبولة عالمياً بذريعة أنكم غير قادرين و أننا يجب أن نمسك بزمام الأمور. علينا نحن أن نمنحكم الديمقراطية ! أية ديمقراطية هذه؟! هل هذه هي الديمقراطية و حكومة الشعب و حقوق الجماهير؟ خصوصاً بعد المذبحة العظيمة التي تعرض لها الشعب العراقي؟!
قالوا إننا جئنا نبحث عن أسلحة الدمار الشامل، فتساءلت الأمة الإسلامية: و من الذي زود صداماً بالأسلحة الكيمياوية و أسلحة الدمار الشامل و أدوات الجريمة ؟ هل منحها غيرهم لصدام؟! هم الذين جهزوا صداماً لتوجيه ضربته للإسلام و الثورة. جهزوه بكل ما استطاعوا إلی حين كانوا يتأملون منه التعاون و المساعدة. و بعد أن انتهی مفعوله و رأوا أنه عاجز عن فعل شيء لمواجهة الثورة الإسلامية و حركة الصحوة الإسلامية، بدأوا تمثيل هذه المسرحية‌!
الأمة الإسلامية تری هذه الأمور و تری هذا المختبر فكيف تستطيع غض الطرف عنه؟ إن هذا تجربة، و ليس أمام العالم الإسلامي اليوم من أجل استعادة عزته و وجوده و هويته سوی سبيل واحد هو العودة إلی الإسلام. و نقصد به الإسلام الحقيقي طبعاً، لا الإسلام المتحجر الممتزج بالخرافات مما يروج له أعداء الإسلام ثم يقولون هذا هو الإسلام - فمثل هذا الإسلام غير كفوء - و لا الإسلام المنحوت علی أساس الركائز الأمريكية و الذي يريده الغربيون فهذا أيضاً ليس بإسلام. كلا هذين إسلام أمريكي، و قد وضع إمامنا العظيم تقابلاً ثنائياً فقال: « الإسلام الأمريكي » و « الإسلام المحمدي الأصيل ». الإسلام الأصيل الخالص هو إسلام التوحيد و الوحدة بين الأمة الإسلامية، إسلام (( و لن يجعل الله للكافرين علی المؤمنين سبيلاً ))، إسلام « الإسلام يعلو و لا يعلی عليه »، الإسلام الذي يقول: (( و لو أن أهل القری آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض )). العودة إلی الإسلام هو العلاج و الوصفة الوحيدة للأمة الإسلامية و هي وصفة متاحة و ممكنة. التحرك نحو هذا الإسلام يعم العالم الإسلامي اليوم من شرقه إلی غربه، و هذا هو ما أربك أعداء الإسلام.
لا تنظروا للضجيج الإعلامي الذي يختلقه الاستكبار و استعراض عضلاته. لقد خافوا الإسلام و أربكتهم الحركة الإسلامية العظيمة، لذلك اضطروا لاستخدام القوة و القهر، و لن تنفعهم هذه القوة و لن تعالج مشكلاتهم. القوة بإمكانها القضاء علی الدول و الحكومات لكنها لا تستطيع القضاء علی التحرك الإسلامي و الجماهيري العظيم. الأمة الإسلامية في حال صخوة و نهضة، و قد أدركوا هم هذه الحقيقة. مستقبل الأمة الإسلامية مستقبل يرسمه الإسلام. من واجبنا نحن كمثقفين و علماء دين و مدراء حكوميين و مسؤولين سياسيين أن نرسم هذا المستقبل و أن نعمل علی تسريع هذا التقدم و تسهيله. نتمنی أن يكون هذا العيد الشريف بركة علی الأمة الإسلامية إن شاءالله، و أداةً لصحوتنا جميعاً، و نسأل الله تعالی أن ينزل علينا توفيقاته و يشملنا بنظرات سيدنا بقيةالله أرواحنا فداه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

-النساء / 79
- الأنبياء / 107.
- الجمعة / 3.