بسم الله الرحمن الرحيم

أرحب بالإخوة و الأخوات المحترمين و نواب مجلس الشوری الإسلامي . الاجتماع هذا اجتماع حميم و طيب. مع أن وجود الكاميرات و التغطية الخبرية تفرض علي و عليكم بعض الضرورات، إلّا أن الجلسة و الحمدلله حميمة و تتسم بالتعاطف و التواد. أحيي جميع الإخوة و الأخوات للجهود التي يبذلونها في مجلس الشوری الإسلامي حسب ما تمليه عليهم مسؤولياتهم النيابية، و قد ذكر حضرة الشيخ كروبي جانباً منها في كلمته. نشكر من الصميم حضرة الشيخ كروبي شخصياً لجهوده الصعبة التي يبذلها في إدارة المجلس و المتاعب التي تفرضها عليه هذه الإدارة و نسأل الله أن يكون في عونه.
خطر ببالي أن أبدأ كلمتي بالآية الكريمة التي يقول فيها عزوجل: (( بسم الله الرحمن الرحيم. هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم و لله جنود السماوات و الأرض و كان الله عليماً حكيماً )).
حيث أن جهود التيارات السياسية المعادية للجمهورية الإسلامية و للحركة الإسلامية العظيمة التي يبديها الشعب الإيراني و شعوب المنطقة - هذه التيارات الدعائية الهائلة التي يطلقونها اليوم - تصب باتجاه خلق الاضطرابات و التوتر، سواء التوتر الاجتماعي أو التوتر النفسي، و زعزعة القلوب و بث القلق و الخوف - و هذه هي السياسة العامة للامبراطورية الخبرية في العالم اليوم، و هي ليست بالسياسة الجديدة تجاهنا نحن خلال هذه العشرين سنة و نيف أو تجاه تيار الحق علی امتداد تاريخ الإسلام منذ بداياته و إلی اليوم - لذا فإن إحدی القضايا السلبية التي شدد عليها القرآن هي قضية « المرجفين » الذين يحاولون زعزعة القلوب و إقلاقها و بث الرعب و التوتر فيها. قبل أيام قرأت للأعزاء الحاضرين هذه الآية الكريمة: (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم )). كان البعض يثيرون الأجواء في مدينة النبي و يقولون: «‌لقد تجمع الأعداء و يريدون الفتك بكم،‌ الويل لكم، قضي عليكم و انتهي الأمر ». فنزلت آية قرآنية تقول: حين يخلق المهذارون و المرجفون و الضعفاء مثل هذه الأجواء و ينشرون ميكروبات و فايروسات الخوف الخطيرة في الهواء، سيكون المؤمنون هم الذين (( فزادهم إيماناً‌ )) أي من يتضاعف إيمانهم بفعل هذا الإرجاف، (( و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل )). كلمة (( حسبنا الله و نعم الوكيل )) تختص بهذا الموضع،‌ أي إنهم يعيشون السكينة و الاطمئنان في مواجهة الاضطراب الذي يحاول الأعداء خلقه بواسطة أمواجهم الدعائية و النفسية. إنها « السكينة » التي وردت في الآية (( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين )) بث الله تعالی ‌السكينة و الطمأنينة في قلوب المؤمنين،‌ (( ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم )) لكي يتعمق إيمانهم و يتعزز أكثر فأكثر. هذه هي حقيقة الأمر.
في ظروف الخوف و الهلع و الاضطراب و التضعضع ينسی الإنسان حتی معتقداته الجزمية. هكذا هو الإنسان الخائف. الجبن يعطل العقل و العزيمة. الإنسان الفزِع الجبان لا يستطيع التفكير بصوره صحيحة و لا يستطيع استخدام عزمه و إرادته بشكل صائب. يقطع خطوة إلی الأمام و يعود خطوةً إلی الوراء. لهذا قال الرسول الأكرم في وصيته المعروف لأمير المؤمنين:‌ « و لا تشاورن جباناً لأنه يضيّق عليك المخرج ». لا تستشر الإنسان الجبان المرتعب في أي أمر من الأمور لأنه يغلق عليك نوافذ الخلاص و الفرج. حين لا يكون الإنسان مرعوباً فسيستطيع التفكير بطريقة صحيحة و يتخذ قراره بصورة قويمة فيتخطی العقبات، لكنه حين يفزع و يصاب بالهلع « يضيّق عليك المخرج » و يعتريه الشك و التردد ويسلّم نفسه مكتوف اليدين. لذلك كانت « السكينة » مهمة جداً.
وردت كلمة « السكينة » في سورة « الفتح » المباركة (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً )) بشكل عجيب حقاً و قد تكررت عبارة إنزال السكينة علی قلوب المؤمنين ثلاث مرات في هذه السورة. من الاختبارات الصعبة و المرة التي تعرض لها المسلمون هو هذه القضية المرتبطة بقوله عزوجل (( إنا فتحنا )) حيث قرر الرسول الأكرم من منطلقات إلهية و سياسية صائبة أن يتوجه إلی مكة. مكة التي حاصرت المدينة قبل ذلك بعامين و أراد المشركون الفتك بالمسلمين و وقعت معركة الأحزاب بظروفها العصيبة حيث كان المشركون متعطشين لدماء الرسول و أصحابه. قال الرسول إننا نريد العمرة، و أمر المسلمين ليخرجوا معه. فخاف البعض و قالوا لن يعود الرسول للمدينة فقد هلك و قضي عليه. و هنا جاءت حادثة « إنزال السكينة » حيث هدّأ الله تعالی قلوب المؤمنين بحيث صاروا قادرين علی المسير لمواجهة العدو و العودة بالنصر التام، و تحقق الشيء الذي أراده النبي.
« السكينة » وليدة الثقة و حسن الظن بالله. حين تختارون هدفاً صائباً و تبذلون مساعيكم لأجله، يعدكم الله تعالی بالنصر دون أي شك أو ريبة. أحياناً قد تختارون هدفاً خاطئاً، و أحياناً تختارون هدفاً صحيحاً لكنكم لا تتحركون باتجاهه و لا تبذلون مساعيكم و جهودكم من أجله. هنا لا معني لتوقع العون الإلهي. أُهين المسلمون قروناً طويلة بسبب أنهم لم يتحركوا في سبيل أهدافهم و مبادئهم الإيجابية. و الآن أيضاً، أينما ترون المسلمين يعانون الذل و المهانة فالسبب هو تركهم العمل و الجهاد. و إلّا حين يكون الهدف صالحاً و يكون ثمة سعي و جهاد فسوف تتوفر النصرة الإلهية بلاشك. و النصر الإلهي لا يعني عدم وجود امتحانات صعبة (( و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات )). هذه معاناة تحف طريق الكفاح، و لكن (( و بشر الصابرين )). الصبر هو الصمود و مواصلة الطريق. هذا هو موضع البشارة الإلهية أي إن النصر سيأتي في هذه الحالة.
الكثير منكم كان في الساحة خلال فترة الكفاح. الجميع كانوا يقولون إن القوتين غير متكافئتين، فلماذا تناضلون و تكافحون دون طائل. لا فائدة من هذا الجهاد. و الحق أن الأجهزة البوليسية لنظام الطاغوت لم تكن أجهزة يمكن الكفاح ضدها بسهولة. الكثير من الأدعياء و أصحاب التحليلات الماركسية و التنويرية و ما إلی ذلك، حينما شهدوا السجون،‌ بل إن الكثير منهم لم يشهدوا ما فيها من تعذيب و إنما سمعوا به فقط، عادوا أدراجهم من منصف الطريق و سلموا أنفسهم. لكن الكثيرين غيرهم استمروا و تحركوا و عملوا. كانت البركة الأولی التي ترتبت علی تحركهم هي أن الله تعالي كشف للناس صدقهم و بيّن سلامة طريقهم فواكبتهم الجماهير. و حين تتواجد الجماهير في الساحة ستنعقد كل الأمور علی أحسن وجه. المهم هو أن تثبت تلك الفئة المناضلة المصممة صدقها في السير علی النهج و تبين أنها تروم بلوغ الغاية بصدق،‌ و عندها سيرسل الله تعالی‌ نصره. في نهج البلاغة: « فلما رأی الله صدقنا » حين رأی‌ الله صدقنا و أننا لا نلهث وراء‌ الدنيا و المال و الأهواء، « أنزل علينا النصر و أنزل بعدونا كبت »،‌ عندها نصرنا الله و قمع أعداءنا. حدث مثل هذا في كفاحنا أيضاً و بعد ذلك خلال هذه الأعوام الأربعة و العشرين، فلم تكن ثمة فترة خلت من الضغوط علی البلاد و الدولة.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، أنتم نواب المجلس وشخصيات سياسية. أنتم في قلب الساحة. قد يكون هذا من قبيل إيضاح الواضحات بالنسبة للكثير منكم، لكن حقيقة القضية هي أن ماتريده أمريكا - و هي رأس الحربة في الهجوم ضد الثورة و الحركة الإسلامية - من الشعب الإيراني اليوم ليس أسلحة الدمار الشامل أو حقوق الإنسان أو الحكم الديمقراطي أو ما شاكل. ما يريدونه من الشعب و مسؤولي البلاد هو الاستسلام حيال إدارة أمريكا بوصفها قوة عظمی. ليس الأمر سوی هذا. و إلّا هل فيهم يا تری ميل للديمقراطية؟ ما هي البلدان الديمقراطية التي ترتضيها أمريكا و تعترف بها ؟ الحكومات القانونية المنبثقة من انتخابات جماهيرية إذا تجاوزت خطوةً‌ واحدةً ما يريده و يؤمن به العسكر في بعض البلدان، انقض هؤلاء العسكر كالنسر علی رؤوسها و افترسوها كما يفترس الحجل و استبعدوها. أليس هذا هو الواقع؟‌ أنظروا حواليكم، متی كانوا مؤمنين بالديمقراطية؟! إنهم يرفعون الديمقراطية شعاراً فقط، و هم يعلمون أن الناس في العالم تعرف ذلك، بيد أن السياسة الدعائية في العالم مبتنية علی القول و التكرار و التكرار مرة أخری. هذه هي السياسة الدعائية و الإعلامية في العالم. يجب أن يقولوا و يكرروا و يكرروا حتی تؤثر أقوالهم في بعض الناس. أو لا أقل من أن يتعود الناس علی السماع. و إلّا فهم لا يبالون لحكومة الشعب. الكثير من الأنظمة التي تربطهم بها علاقات صداقة لا تفهم معنی أصوات الشعب أصلاً و الجماهير هناك لا تعرف أبداً معنی الاقتراع و انتخاب مسؤولي البلاد! و لا يعترضون عليهم إطلاقاً. حينما يتهمون الجمهورية الإسلامية بكل ما فيها من انتخابات و مشاركة جماهيرية في مختلف الميادين، و بكل ما فيها من علامات الديمقراطية و مؤشراتها، و التي قلما توفرت في بلد في العالم، كارتباط المسؤولين بالجماهير و تعاطفهم معهم، و دعم الشعب و عواطفه و حبه و مودته الوافرة للمسؤولين، حينما يتهمون هذه الجمهورية الإسلامية باللاديمقراطية و الاستبداد و الدكتاتورية، فمن الواضح ما الذي يبغونه. ليست الديمقراطية و أسلحة الدمار الشامل هي قضيتهم،‌ فقد ملأوا المنطقة بالسلاح. لاحظوا الكيان الصهيوني الذي يعد المظهر التام للتسلح. و كذا الحال في بلدان أخری. هم الذين ساعدوا حكومة صدام و صنعوا له صواريخ مداها ألف كيلومتر و ألف و خمسمائة كيلومتر و صنعوا له الأسلحة الكيمياوية أو ساعدوه علی صناعتها، و الحال أنهم يرون و يعلمون أي استبداد حاسم يسود العراق. قضية أمريكا هي قولها: أيها الشعب الإيراني، اتركوا دولتكم و سيادتكم الوطنية التي تتبنونها و تحترمونها و تخلوا عنها ! إذا استبعدت هذه القيم و السيادة الوطنية المرتكزة إلی الدستور و الأداء الجيد للجمهورية الإسلامية خلال هذه الأعوام المنيفة علی العشرين، فمعني ذلك أن يستطيع الأمريكيون استعادة الهيمنة التي كانت لهم في عهد الطاغوت علی هذا البلد، و هم لا يقنعون بأقل من هذا علی الإطلاق. هم طبعاً يختارون السيئ من بين السيئ و الأسوء حسب ما يبدو لهم. قد يفضلون أحياناً شخصاً علی‌ شخص، و تيارأ علی تيار، و كلاماً علی كلام، و قد اتضح اليوم كل شيء. لكن بمجرد أن يصدر شيء مضاد لرأيهم من أي مصدر كان، تراهم يعلنون مواقفهم. اليوم إذ يطلق الأمريكيون الكثير من كلامهم بغرور - و أعتقد أنه غرور غبي، و الحق أن ما يعاني منه الأمريكيون و ستعود عليهم تبعاته هو الغرور الغبي - نراهم بعد البيان الذي أصدره رئيس جمهوريتنا السيد خاتمي - و الذي بيّن فيه مواقفه المبدئية التي لم تكن شيئاً جديداً بالنسبة لنا طبعاً،‌ فنحن نعرفه و كنا نعرف مواقفه دائماً - و عبر فيه عن التزامه بالمبادئ الإسلامية و نفوره و شكاته العميقة من السلوك الأمريكي المتكبر - و قد سمعه الجميع - نراهم و كافة المؤسسات الإعلامية العالمية يتخذون المواقف ضد هذا البيان، و الحال أنهم نفس أولئك الذين دعموه و أيدوه في الحالات التي وجدوا فيها ضرورةً لذلك! ليست قضيتهم قضية هذا الشخص أو ذاك و هذا التيار أو ذاك، إنما قضيتهم أن دولة منبثقة عن الشعب تحكم هنا علی الرغم منهم، و تعتمد علی قيم الشعب نفسه لا قيمهم التي يريدونها، تلك القيم الغربية المفروضة المستوردة.
لا أريد الادعاء أن الحكومة و المجلس و المسؤولين الآخرين نهضوا بجميع وظائفهم طوال هذه الأعوام و حالفهم النجاح في كل المواطن، لا، بيد أن المسيرة العامة للسلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية و لمسؤولي البلاد كانت باتجاه ترسيخ هذه الأسس. هذا ما لا شك فيه. هذا ما لا يرتاحون له و لا يريدونه. سلطة و دولة قامت علی أصوات الجماهير في هذا البلد و لم تطردهم من هذه النقطة من العالم و تعطل مصالحهم فيها و حسب، بل راح هذا التيار يهددهم في كل العالم الإسلامي. هذه مسألة واضحة جداً.
بعد زيارة السيد خاتمي للبنان قلت له: إذا زرت أي بلد إسلامي سيحصل ذات الاستقبال الذي حظيت به في لبنان، لو سمحوا بذلك. هذا هو الواقع. أي رئيس جمهورية من أي بلد يزور بلداً أجنبياً و تبدي الجماهير هناك كل هذا الشوق و الوجد تجاهه ؟ هذا شيء تفردت به الجمهورية الإسلامية في كل العصور. زيارتي خلال رئاستي للجمهورية إلی باكستان أذهلت العالم. و زيارة السيد هاشمي رفسنجاني خلال رئاسته للجمهورية إلی السودان أذهلت العالم أيضاً. هذه حالات غير مألوفة في العرف الدولي. ليس ثمة مثل هذا الشيء. أذكروا لنا حالة مماثلة. ليس هناك حالة مماثلة واحدة يزور فيها رئيس بلد بلداً‌ أجنبياً و تهب جماهير ذلك البلد مفتحة الأذرع يقبلون السيارة و يحيطون الموكب و يطلقون الشعارات و يحيون بالأيدي و يرفعون الصور. هذه أمور استثنائية تدل علی إمتداد وجودكم في العالم.
البعض يعدون أنفسهم تافهين و البعض لا ينظرون لقوتهم، و البعض يستهينون بالموهبة و الحركة و الطاقة الهائلة المودعة في هذا الشعب و مؤسساته الإدارية - مجموعة السلطات- و هذا جزء من دعايات الأعداء. هذا هو كل ما ترمي إليه دعايات الأعداء: أنتم بائسون !‌ أنتم مساكين ! قضي عليكم ! إنتهي الأمر ! هذه دعايات لا تختص بالوقت الراهن، فهم يكررون هذه الأفكار و يروجون لها منذ سنين - و تخطرني الآن مصاديق عديدة لا أريد إشغال الوقت بذكرها - و ليس هدفهم سوی إرغامكم علی التراجع عن مواقفكم. ليس هذا الموقف مسألة غريبة. إنه موقف منطقي و صحيح. أنتم شعب و جماعة و هيئة حاكمة شكلت سلطة تقوم علی إرادة الشعب، تطلقون آراءكم و كلامكم، و تسيرون في طريقكم، و تنشرون أهدافكم، و من البديهي أن لا ينتفع من هذا من تقوم حياتهم و بقاؤهم و زيادة حجمهم على امتصاص الشعوب، بل يتضررون منه ، لذلك يعارضون هذا المسار و الحركة. هذا أمر بديهي و ضروري و بيّن، و لهذا يريدون إرغام خصمهم علی‌ التراجع.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزة ! ثمة فرق رئيس بين مجلس الشوری الإسلامي و كل البرلمانات في العالم ألا و هو إسلامية هذا المجلس، و هو ليس بالأمر اليسير. منذ مائة و خمسين عاماً‌ و أبرز شخصياتنا السياسية و الدينية و أنقاها ترفع لواء سيادة الإسلام و تعمل في ظله و قد بذل الكثيرون أرواحهم في هذا السبيل كأمثال مدرس و الآخوند الخراساني و السيد جمال الدين. هذا هو الواقع. القضية لا تتعلق بيومنا هذا فنقول: الدين غير منفصل عن السياسة، و يقول البعض مثل هذا، و يقول البعض عكس ذلك، و إنهما ليسا متطابقين تماماً. هذا ليس كلام اليوم و الحاضر القريب، إنه كلام يرجع بجذوره إلی مائة و خمسين عاماً. ذاق خيرة النخبة في هذا البلاد الويلات في طريق الكفاح من أجل هذه الفكرة، و استشهدت آلاف الأرواح الطاهرة في هذا السبيل. وقف مدرس بكل عظمة و شجاعة للدفاع عن هذه القضية. بل إن ثورة الدستور ( المشروطة ) في إيران وقعت لأجل هذا رغم أنهم حرفوها بعد ذلك. و تصرف البعض بطريقة خاطئة و صبيانية،‌و احتال البعض بالاعتماد علی القوي الأجنبية و انتزعوا الثورة من أيدي الشعب. و بعد ذلك حينما جاء إمامنا الكبير جعل هذه الفكرة أساس تحركه منذ البداية و أرادها الشعب الإيراني و لا يزال. أقول لكم: حتی أكثر الحكومات علمانية في البلدان المحيطة بنا ترنو شعوبها لذلك - و لا حاجة لذكر أسماء تلك البلدان الآن، تستطيعون تخمينها في أذهانكم - فلو توفرت الظروف في تلك البلدان، و ظهر شخص كالإمام و أرضية كتلك الأرضية و رفعت الراية، لاجتمعت تحتها هذه الشعوب التي ترون حكوماتها تنادي بالعلمانية و تقمع كل من يعمل أو يتفوه بأقل شيء ضد الفكر العلماني. هذا هو الإسلام و هو الصواب و الصلاح للشعوب، و الشعوب تعرف ذلك. إذا طبقت أحكام الإسلام اليوم في هذا البلد، بمعني أننا - أنا أنتم- إذا نهضنا لتطبيق الأحكام الإسلامية، فسوف تحل كل هذه العقد و المشكلات. تأخرنا كله بسبب تقصيرنا في هذه المجالات أو أن بعض الأمور لم تكن ممكنة. منذ مائة و خمسين عاماً و هذا النداء يدوي بين المسلمين. فهل يمكن التراجع عنه ؟! ما هو اليوم مظهر هذه الجهود التي استمرت لمائة و خمسين عاماً و ما هي ثمرة دماء آلاف الأرواح الطاهرة ؟ الذين استشهدوا لم يكونوا أشخاصاً عاديين حتی ينالوا الشهادة‌، كانوا أشخاصاً مجاهدين، مضحين،‌ شامخين، باسلين، و شجعاناً دخلوا سوح الجهاد و قدموا أرواحهم. مجلس الشوری الإسلامي، و حكومات الجمهورية الإسلامية، و النظام الإسلامي عموماً هو حصيلة كل تلك الجهود . هذا هو فرق مجلس الشوری الإسلامي عن غيره من برلمانات العالم. و هذا هو معنی‌ أن الأحكام و القوانين يجب أن تطابق الإسلام .
شرعية هذا النظام منوطة بالفكر الإسلامي و الثبات علی قواعد الإسلام. و علی هذا الأساس أيضاً تقوم الصفة الشرعية للمجلس و القيادة. قال الإمام ذات مرة: حتی أنا إذا أعرضت عن الإسلام فسوف يستبعدني الناس. و قد كان علی حق. عرف الناس الإمام بالإسلام، و تحركوا خلفه لتضحياته و عظمته في سبيل الإسلام. و نحن جميعاً - أنا و أنتم - علی نفس هذه الحال. إذا أعرضنا أو انحرفنا عن هذا السبيل سوف نخسر نحن و تبقی المسيرة جارية لا تتوقف. الحق أن النظام الإسلامي غير متوقف علی أمثالي و أمثالكم. قال الإمام ذات مرة إن النظام الإسلامي غير متوقف علي. و قد استغربنا حقاً لأن الإمام كان صانع هذه الثورة و مؤسس هذا النظام و كان من الصعب علينا فعلاً الفرز بين بقاء الإمام و بقاء النظام. لكن الإمام كان يقول بكل ثقة و تأكيد: كلا، النظام الإسلامي لا يتوقف عَليَّ. و حين يكون وجود الإمام بكل ما له من عظمة غير ملازم لوجود النظام، و الجماهير هي التي تتكفل بصيانة الثورة و الإسلام في حال غيابه، فماذا يقول أمثالي و أنّی لهم أن يزعموا أن الإسلام و النظام منوطان بي؟! كلا، المئات من أمثالنا يجب أن يذهبوا قرابين للإسلام. نعطي أرواحنا، و أموالنا، و ماء وجوهنا ليبقي النظام الإسلامي و تترسخ دعائمه. هذا هو ما يستهدفه الأعداء. ينبغي الالتفات إلی هذه القضية. الأعداء سياسيون لهم عقول سياسية مخططة، و هم يفكرون فيما يجب أن يفعلوه، و من خططهم أن لا يقولوا آخر الكلام في أوله. يطرحون مطاليبهم بشكل تدريجي هادئ و يفرضون التراجع علی الجانب الآخر. بمجرد أن تتراجعوا يطرحون طلباً آخر. قد يقول البعض لنعط شيئاً و نأخذ شيئاً! نعم سوف نعطي لكننا لن نأخذ، لأن العدو لن يعطي شيئاً . سينحتون لنا شعارات معينة و ها قد جعلوا إيران ضمن محور الشر. يجب أن نفعل كذا و كذا حتی يحذفوا اسمنا من محور الشر، هل هذا كلام صحيح؟‌! تباً لهم حين جعلونا في هذا المحور حتی‌ يريدون الآن تبرئتنا. سيضعوننا في محور الشر ثانية متی ما لزمهم ذلك. إذا قدِّر لقوة معينة أن تتمكن من توزيع النظرات شزراً و تقول أنا قوية أضرب و آخذ و آسِر، يجب أن تتفطنوا إلی أن التراجع و الاستسلام أمامها لن يكون له أية حدود. إذا تراجعتم عن هذا الخندق سيثيرون مطلباً آخر في المستقبل. اعترفوا بتلك الدولة غير القانونية ! و تعود ذات الضغوط و التهديدات إلی سابق عهدها. و بمجرد أن تعترفوا بتلك الدولة يطرحون عليكم مطالبة جديدة. إحذفوا اسم الإسلام من الدستور ! و عليكم التراجع إلی الوراء خطوة خطوة، ولن يكون لهذا السياق حدود يتوقف عندها. ذكرت هذا الأمر مراراً للمسؤولين الذين راودتهم بعض الوساوس و المخاوف و سألتهم: ما هي حدود الضغط الأمريكي، حدِّدوها لكي نعلم أننا إذا وصلنا إلی هذا الحد فلن تعود هناك أية ضغوط تمارس ضدنا. أنا أقول لكم الآن ما هو ذلك الحد ؟ حينما تعلنون - وهذا ليس من حقكم و لا من حقي - نيابة عن الشعب الإيراني أنكم لا تريدون الإسلام و الجمهورية الإسلامية و حكومة الشعب، و ليحكم البلد كل من تری أمريكا أنه صالح للحكم! هذا هو حد الضغوط . إنه بداية وقوع البلد في الأسر. فهل نستطيع ذلك؟ هل أستطيع أنا و أنتم تسليم البلد للأعداء؟ هل يحق لنا ذلك؟ لم ينتخبنا الشعب لنفعل مثل هذا.
أعتقد أن هناك مبالغة في إمكانات الأعداء و قدراتهم. لا إنني لست علی اطلاع، لا، أنا أكثر علماً من غالبيتكم بشأن ما لديهم من إمكانات و ما يصنعونه من أدوات و معدات، فهنا مجمع سيول المعلومات المختلفة من مصادر شتی، و نحن نعلم ماذا يجري في العالم. الأسلحة و المعدات و أدوات التجسس و الاستخبارات و ... الخ لا تكفي لسيطرة قوة معينة علی شعب يريد الصمود. لذلك ترونهم يقولون اليوم في كلماتهم إنه يجب مواجهة إيران من الداخل. ينبغي زعزعة إرادة الصمود. إذا لم تضعف إرادة الشعب - المتجسدة في إرادة مسؤوليه - فلن يستطيعوا فعل شيء.
حين يضغط الأعداء ستكون هناك صعوبات طبعاً، و من الضروري الصبر علی هذه الصعوبات من أجل الاستقلال وصيانة هوية الشعب و اجتناب الخزي و الهوان أمام التاريخ. تصوروا لو أن الشاه سلطان حسين الصفوي بدل أن فتح بوابات إصفهان بوجه المهاجمين ثم وضع تاج الملوكية بيديه علی رؤوسهم ، لو كان قد قال لنفسه: إن كنت أفكر بنفسي فلست سوی ‌نفس واحدة وقد عشت عمري فكم سأعيش بعد اليوم ؟ و إن كنت أفكر بالناس فسوف يحل بهم من البلاء في حال تسليم إصفهان ما لا يقل عن بلواهم لو حاربوا المهاجمين، لو كان قد فكّر بهذه الطريقة لما سلّم المدينة أبداً. لاحظوا تاريخ إصفهان و انظروا ما الذي حل بالناس من بلاء بعد أن دخل المهاجمون إصفهان، و كاشان، و المناطق الوسطی من ايران، و فارس، و غيرها من المدن، و أية مذابح ارتكبوا بعد استسلام الناس ! لم يقل المهاجمون لأنكم استسلمتم بأنفسكم ستكون مكافأتكم أن تعيشوا في أمن و سلام. و كذا الحال اليوم أيضاً. أنظروا ماذا يفعلون بالناس في العراق. هذا هو فعلهم أينما سيطروا. لو فكّر الشاه سلطان حسين أن نفساً واحدة لا قيمة لها، بل إن الإنسان ليضحي بألف نفس لأجل سيادة الإسلام و رضا الله و عزة الشعب، و أن البلاء الذي سينزل بالناس في حال الاستسلام لهو أصعب و يتسم بالذلة، بينما البلاء الذي يحل في حال الصمود لن يتسم بالذلة علی الأقل، لو فكّر هكذا لنزل إلی ساحة الحرب و قاتل. في ضوء إرادة الصمود لدي الناس، أرجّح أن إصفهان ما كانت ستسقط بيد المهاجمين. طبعاً كان العديد من قادة الجيش و المسؤولين خونة و ضعفاء، لكن الناس كانوا علی أتم الاستعداد. كان عليه أن يلتحم بالناس و يقاوم. هذه هي قضية التاريخ و مسؤولية المدراء الحكوميين سواء في السلطة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية ممن ينضوون جميعاً في هذه المنظومة و يتحملون هذه المسؤولية الثقيلة علی عواتقهم.
مسؤوليتنا أنا و أنتم اليوم خطيرة جداً. علينا السير في الطريق بعقل و تدبير و شجاعة و توكل علی الله، لا بالجبن و الهلع. المهمة الأولی هي المتانة الداخلية. يجب أن لا تسمحوا لهذه الحوارات و السجالات أن تتحول إلی مواجهة و مجابهة و خصومة. هذه وصيتي الوحيدة لكم. لا إشكال في التحاور و الاعتراض. الذين يسوؤهم الاعتراض إما متكبرون أو لا يتمتعون برصيد شعبي. لذلك يخافون و ترتعد قلوبهم. إذا لم يكن الإنسان متكبراً - و نشكر الله تعالی أنه لم يبتلنا بهذا الداء - و كان معتمداً علی حماية الشعب و دعمه فلن تسوؤه هذه الحوارات و الأحاديث و الإصغاء أبداً. ولكن احذروا أن ينتزع العدو من هذه الحوارات مايريده. من أبرز أساليب الأعداء اليوم قولهم بوجود ثنائية داخل نظام الجمهورية الإسلامية، و أن طرفي هذه الثنائية يخاصمان بعضهما. لا يقولون هناك صوتان أو عدة أصوات كما تقولون أنتم و أؤمن أنا أيضاً. ليست القضية قضية تعدد أصوات، فتعدد الأصوات موجود في كل مكان، لكنهم يقولون: هناك خصومة و عداء. أي إنهم يفترضون أن فئة تريد القضاء علی فئة أخری. هكذا يصورون الأمور. فلا تسمحوا لهذه الصور التي تسر الأعداء أن تتحقق. إحذروا من هذا كل الحذر. مارسوا البحث و الجدل و النقاش و الحوار علی طريقة طلبة العلوم الدينية. و هذا ما كان يقوله لنا الإمام دائماً. و الواقع أن طالبي العلم في البيئة الحوزوية قد يتشاجران و يغضبان أحياناً، ولكن حين تنتهي المباحثة يتغديان سوية و يشربان الشاي و « كأن لم يكن شيئاَ مذكوراً »! يطرحون كلامهم من دون أن يتطرق العداء و القطيعة إلی نفوسهم. يجب أن يسود المنطق و الدليل النقاشات التي لابد أن تتقيد بإطار القانون. و القانون بالدرجة الأولی هو الدستور. راعوا هذا الإطار. قلت للشباب من الطلبة الجامعيين في مناسبة سابقة إن القانون جاء ليحل محل العنجهية و من يريد أن يفرض رأيه بالعنجهية في أي موضع كان ! لا تتصوروا أن الاستبداد و الدكتاتورية و العنجهية و الطمع أمور تختص بمن هم علی رأس النظام. لا، في هيكل النظام أيضاً توجد مثل هذه الأمور و هي سيئة أينما كانت. طباع الملوكية و الاستبداد سيئة و قبيحة أينما كانت، و كيفما كانت. و القانون جاء ليحول دون هذه الحالات. ينبغي التحدث و العمل طبقاً للقانون و في إطاره، و يجب أن يفصل في الأمور بواسطة القانون. هذا هو أفضل معايير الوحدة، فدعوا الدوافع الأخری جانباً. لو عدلنا اليوم عن واجب تعزيز و تمتين البنية الداخلية و تجاوزناه لما غفر لنا الله تعالی ذلك، و لا الناس، و لا التاريخ. لا يمكن غض الطرف عن هذا الواجب في الوقت الراهن، بل ينبغي التيقظ و الحذر. يجب عدم المبالغة في قوة العدو كما يجب عدم تجاهل عداوته و كيده. يجب التفطن بدقة. قال أمير المؤمنين: « و الله لا أكون كالضبع تنام علی طول اللبد ». من المعروف بين العرب أنهم إذا أرادوا اصطياد الضبع غنّوا لها أغنية تنيمها. « طول اللبد » اللحن الذي ينيمون به الطفل تدريجياً. تضع الأم يدها شيئاً فشيئاً علی أذنه. هذا هو« اللبد » . ينيمون الضبع في وكرها بالغناء فإذا نامت تقدموا إليها و اصطادوها. يقول الإمام أميرالمؤمنين: « و الله لا أكون كالضبع » لست تلك الضبع التي ينيمونها بالغناء و الألحان ثم يفعلون ما يشاءون.
نتمنی لكم التوفيق و التأييد إن شاء الله. و نرجو أن يكون الله تعالی راضياً عنا و عنكم، و حالفكم التوفيق جميعاً خلال هذا العام الذي قال حضرة الشيخ كروبي إنه آخر لقاءاتنا، و هو آخر لقاء لنا بالمجلس السادس، لكنه لن يكون آخر لقاء لنا بكم إن شاء الله. إعرفوا قدر هذا العام. يمكن فعل الكثير خلال هذا العام. و المسألة التي من المناسب أن أشير إليها مرة ثانية في إطار قضايا الشعب و بمناسبة تقديم الخدمات للشعب، هي مسألة الغلاء. لابد أن نعرف مسؤولياتنا علی كل حال، و لأنكم تحددون ميزانية البلاد البالغة عدة آلاف من المليارات، و التي سوف تنفقها الحكومة، و تقع علی عاتقكم أيضاً مهمة الإشراف علی الحكومة، لذا عليكم الدقة في العمل، و لابد أن تجدوا في هذه اللجان التي أشار إليها حضرة الشيخ كروبي سبيلاً عسی أن يتحقق للناس بعض الإنفراج في هذا الميدان.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

- تنام علی طول اللدم. نهج البلاغة.