بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للَّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على سيّدنا و نبيّنا أبى‏القاسم محمّد و على آله الأطيبين‏ الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين سيّما بقيّة اللَّه فى الأرضين.
ربّنا عليك توكّلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.
لهذه السنة تبريكان؛ أحدهما لعيد النيروز، والآخر بمناسبة حلول شهر ربيع المولود؛ و فيه ولادة النير الأعظم والنبي الأكرم محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلّم. و عيد النيروز يعد بحد ذاته من الأعياد المباركة عندنا نحن الإيرانيين.
الناس يبدأون العام بذكر الله ويسألونه تعالى أن يحوّل حالهم إلى أحسن الحال. وإضافة إلى هذا كله ثمة في هذا العام كنز معنوي يتمثّل في توسّلات و توجّهات شهري محرم وصفر التي ضاعفت فضائل هذا العيد. وتحظون أيها الحضور الذين تشرّفتم بزيارة المرقد الطاهر لعلي بن موسي الرضا (عليه السلام) ببركات أكثر. وهي فرصة بالنسبة لي أيضاً كي أثير بعض القضايا التي ستنفعنا في بداية العام إن شاء الله.
بداية السنة فرصة جيدة لتقوية العزم الوطني و إضفاء البركة على أعمارنا في هذا العام. وإذا ركّز كل واحد منا نحن الشعب الإيراني عزيمته منذ بداية السنة على أن يكون لنا بفضل سعينا وجدّنا عام مفعم بالخير، فسوف يعيننا الله تعالى يقيناً. طبعاً روح هذا العزم الوطني الكبير، تتمثل في النية الطيّبة والتصميم على تحقيق مرضاة الله، والسير في الصراط المستقيم؛ ومن ثمّ التعرف على مكانتنا و وضعنا في الظروف الراهنة في العالم والتحديات التي تواجه شعبنا و معرفة الخطوط الرئيسية لمجابهة هذه التحدّيات. يكمن سرّ نجاح الشعب الحي في التعرف الصحيح على وضعه ومكانته وظروفه و البرمجة لهذه الظروف والعزم الحاسم لمواجهة كل ما يعترض الإنسان بشكل طبيعي في هذا الطريق. أغتنم هذه الفرصة وأتحدّث بعض الشيء حول هذه الأمور .
القضية الأساسية بالنسبة لنا نحن الإيرانيين - والتي يجب أخذها دائماً بنظر الاعتبار - هي أننا رسمنا لأنفسنا هدفاً كبيراً و تابعناه طوال العقود التي تلت الثورة. وكلّما نظرنا لاحظنا أننا نتوفر على القدرات اللازمة لبلوغ هذا الهدف. وهذا الهدف الكبير هو رفعة إيران الإسلامية و تبديلها إلى نموذج مادي ومعنوي تحتذي به الشعوب المسلمة، و يعني هذا ضرورة أن يرتقي شعبنا على المستويات المادية والمعنوية، و أن يتمتّع بالاستقلال والعزة الوطنيين، والقدرة والإمكانيات الوطنية، و يتمكّن من توظيف جميع إمكانياته، و يسود حياته الرفاه العام والعدالة العامة والاجتماعية. في هذه الحالة يمكن له أن يكون نموذجاً تحتذي به جميع المجتمعات المسلمة وحتى غير المسلمة. يريد الشعب الإيراني أن يكون شعباً حراً يتمتّع بالرفاه، والإيمان، و يكون له بلد متقدم وعامر.
وليس ثمة اختلاف حول هذا الهدف؛ حيث تزول هنا جميع الخلافات الفئوية والنزاعات السياسية؛ هذا هدف يوافقه كلُّ أفراد الشعب الإيراني؛ نريد أن يكون لنا بلد عامر و شعب حر شامخ وأن نتمكن من الاستفادة الجيدة من إمكانياتنا الوطنية، وأن نحمل لواء العدالة و لواء الإيمان الإسلامي في مقدّمة الشعوب المسلمة؛ هذا هو ما يطلبه جميع أفراد الشعب الإيراني ويعشقونه. ونستطيع أن نصل إلى هذا الهدف؛ فمعرفة إمكانياتنا الوطنية تبشّرنا بهذا الأمل و تؤيده التجارب أيضاً.
الشعب الإيراني شعب ذو مواهب وصامد، ويتمتّع بالغيرة الدينية والوطنية، وله إيمان راسخ بالإسلام ويعشق وطنه؛ هذا ما يبثّ فينا الأمل والثقة بأن الشعب الإيراني سيستطيع أن يبلغ هذا الهدف؛ و هذا ليس بالأمر البعيد. والتجربه أيضاً تثبته لنا.
لاحظوا؛ كنا خارج ميادين التنافس العالمي طوال سنوات إثر هيمنة الحكومات الفاسدة والعميلة. الشعب الإيراني الذي كان رائداً على الصعد العلمية والثقافية؛ وصل به الأمر إثر هيمنة الجبابرة والقوى المنقطعة عن الجماهير إلى أن يخرج من ساحة السباق العلمي والسياسي الذي بدأ في العالم منذ قرنين تقريباً. حينما لا يكون شعب ما في ميدان السباق بين الشعوب فستزول قدراته طبيعياً وتقلّ نجاحاته. تصوّروا على سبيل المثال فريقاً رياضياً له القدرة والنشاط والرغبة في العمل، ولا يسمحون له أن يدخل في ساحة المنافسات الرياضية، فإن قدراته تتضاءل وتقل بشكل طبيعي. هذا ما مارسوه ضدّ شعبنا.
في الوقت الذي أوجدت القوى العميلة الفاسدة وغير الكفوءة والملوك الظلمة مثل هذه الظروف لشعبنا طوال أعوام متمادية، بمجرد أن فتحت الثورة الإسلامية أبواب الدخول إلى هذا الطريق ودخل شعبنا إلى ساحة التنافس والسباق العالمي، حقّق إنجازات هائلة. يتمتّع شعبنا اليوم بمكانة لائقة و صورة متألقة على الصعد العلمية والسياسية بين الشعوب. لقد تقدّمنا على الصعد العلمية مقارنة بهذا العصر. طبعاً لا يمكن تعويض هذا التخلف الذي حصل طوال مائتي سنة في عشرين أو ثلاثين سنة؛ لكنّنا تقدّمنا في هذه العشرين ونيّف من السنوات بسرعة أكبر مقارنة بهذه المدّة. تلاحظون اليوم تقدّم شبابنا في مجالات الطاقة النووية، والخلايا الجذرية والإصابات النخاعية إضافة إلى عشرات المجالات الأخرى، التي يبتهج شعبنا إذا اطلع عليها بصورة واضحة. تمكّنت النخب العلمية في بلدنا من التألق في العالم وانتزاع إعجابه.
و الأمر كذلك في مجال التنافس السياسي. تحظى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم بالكثير من مؤيّدي أفكارها في المجالات السياسية، سواءً على المستوى الإقليمي، أو الدولي. و كلمتها مسموعة. يظهر مسؤولو بلدنا بنحو بارز ومميّز سواءً في المحافل الدولية ، أو خلال زياراتهم إلى البلدان الأخرى، أو في مواقفهم. و مثل هذا الواقع يدل على قدرة شعبنا على التقدم والخوض في هذه الساحات.
تمكّن شعبنا من إدخال مفاهيم جديدة في معاجم السياسة الدولية. العالم لم يكن يعرف الديمقراطية الدينية. الديمقراطية الدينية اليوم من العناوين والشعارات المنشودة لدى كافة الشعوب المسلمة. ما كان العالم مطلعاً على تعريف نظام الهيمنة، وشعبنا هو الذي أطلق هذا التعريف و أدخله في قواميس السياسة الدولية. فكرة محورية الدين في السياسة، والقانون، وإدارة البلاد، مفاهيم جديدة استطاع شعبنا أن يطرحها. لذلك بإمكاننا أن ندخل في السباقات العالمية و العلمية والسياسية و الصناعية والاقتصادية والثقافية، و أن نأمل بالنجاح في الأمد القصير، وبالتألق والريادة في الأمد البعيد. هذه هي حالة شعبنا.
لكن الطريق الذي يسير فيه الشعب الإيراني ليس طريقاً سالكاً دون عقبات، بل هناك تحدّيات. أمامنا عدوّان كبيران. وأريد أن أعرّف لكم اليوم هذين العدوين بصورة موجزة لنرى كيف نواجههما أنا وأنتم. ينبغي على الشعب أن يعرف العدو، و مخطّطاته، و يعدّ نفسه لمواجهته. أمامنا عدوان، الأول داخلي والثاني خارجي. والعدو الداخلي أخطر من الخارجي. ما هو العدو الداخلي؟ العدو الداخلي هو الخصال المذمومة التي قد نتصف بها. الكسل، و عدم الحيوية في العمل، والقنوط، والإنانية المفرطة، وسوء الظن بالآخرين، وبالمستقبل، وعدم الثقة بالنفس - عدم ثقة الإنسان بنفسه وبشعبه - هذه أمراض. إذا كان هؤلاء الأعداء الداخليون موجودين فينا فسيكون وضعنا عصيباً.
بذل أعداؤنا الخارجيون مساعيهم دوماً لنشر هذه الجراثيم في المجتمع الإيراني : أنتم لا تستطيعون... لا تقدرون... مستقبلكم مظلم... أفقكم مظلم... لا مفرّ أمامكم... نزلت بكم النوازل... سعوا أن يجعلوا من الشعب الإيراني شعباً قانطاً، كسولاً، لا يثق بنفسه، متطلعاً إلى ما يجود به الأجانب؛ هذه الأمور هي أعداؤنا الداخليون. وكانت هذه الأمور ويلات شعبنا الرئيسية قبل انطلاق الصحوة الإسلامية في بلدنا. وإذا أصيب شعب بهذه الأمراض فلا يمكن له أن يتقدّم؛ لو اتّصف شعب بالكسل، واليأس، وعدم الثقة بالنفس، وعدم تواصل أبنائه ببعضهم، وسوء الظن ببعضهم وبالمستقبل، فإنه لن يتقدم. هذه الأمراض أشبه بأرضة تنقضّ على أركان البناء فتهدّمه، أو كدودة تدخل الفاكهة فتفسده. ينبغي مكافحة هذه الصفات. يجب على شعبنا أن يتصف بالأمل، والثقة بالنفس، وحسن الظن بالمستقبل، والرغبة في التقدم، والإيمان بالمعنويات التي تساعده في هذا الطريق. والحمد لله يتحلّى شعبنا اليوم بمثل هذه الثقة بالنفس ومثل هذا الأمل؛ ويجب إتمام هذه الأمور. لو استطعنا أن نعطّل هذا العدو عن التأثير في أنفسنا وأجسادنا وفي ثقافة شعبنا العامة، فلن يستطيع العدو الخارجي أن يصيبنا بمكروه.
أما العدو الخارجي لهدفنا هذا فهو نظام الهيمنة الدولي؛ وهو ما نسميه الاستكبار العالمي. الاستكبار العالمي ونظام الهيمنة يقسّمان العالم إلى مهيمنين وخاضعين للهيمنة. إذا أراد شعب أن يذود عن مصالحه أمام المهيمنين فإنهم سيناصبونه العداء، ويضغطون عليه ويسعون لتحطيم مقاومته. هذا هو عدو الشعب الذي يريد الاستقلال والعزة والكرامة والتقدّم وعدم الخضوع للمهيمنين، هذا هو العدو الخارجي. مظهر هذا العدو اليوم هو الشبكة الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية. طبعاً ليس هذا العداء وليد اليوم، قد تتغير الأساليب، لكن سياسة العداء تجاه الشعب الإيراني كانت موجودة منذ بداية الثورة وإلى يومنا هذا. لكنها سياسة عبثية. لم تتمكن ضغوطهم من إضعاف الشعب الإيراني أو إجباره على التراجع؛ لم ينفع حصارهم الاقتصادي، ولا تهديداتهم العسكرية، ولا حربهم النفسية. ونحن الآن أقوى بكثير من قبل 15 سنة، وقبل20 سنة، وقبل 27 سنة. و هذا الأمر يشير إلى فشل العدو في عدائه للشعب الإيراني وحكومة الجمهورية الإسلامية؛ لكن هذه العداوة لا زالت قائمة.
هناك مفارقة في العالم اليوم. الشعب الإيراني في نظر الشعوب المسلمة وشعوب المنطقة - شعوب آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية ، والشرق الأوسط - شعب شجاع يدافع عن الحق والعدالة و صامد بوجه التجبّر؛ بهذا يعرفون الشعب الإيراني. إنهم يشيدون بالشعب الإيراني ويبدون إعجابهم به. لكن الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية الذي يتمتّع بكل هذه الحفاوة والإعجاب من قبل الشعوب، تتّهمه القوى المتغطرسة بانتهاك حقوق الإنسان، وتهديد الأمن العالمي، وحماية الإرهاب! هذه مفارقة؛ مفارقة بين نظرة الشعوب وإرادة القوى الكبرى. هذه المفارقة تهدّد نظام الهيمنة العالمية. فهؤلاء يبتعدون عن الشعوب يوماً بعد يوم، وقد خلق هذا شرخاً استنزافياً في صرح الليبرالية الديمقراطية الغربية وسيتضاعف هذا الشرخ يوماً بعد يوم. يمكن لوسائل الإعلام الغربية كتمان الحقائق لمدّة من الزمن ولكن لا يمكنها إخفاء الحقائق إلى الأبد؛ يقظة الشعوب تتزايد يوماً بعد يوم. لاحظوا أن رئيس جمهورية الشعب الإيراني يسافر إلى بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فتطلق الشعوب الشعارات لصالحه و تستقبله بالمسيرات المؤيدة، ويبدون دعمهم له، في حين يسافر الرئيس الأمريكي إلى بلدان أمريكا اللاتينية - أي المنتجع الأمريكي - فتستقبله الشعوب بحرق العلم الأمريكي؛ وهذا يعني زعزعة أسس الليبرالية الديمقراطية التي يدّعي الغرب وفي مقدّمته أمريكا حمل لوائها. تتضاعف المفارقة بين إرادتهم و رغبات الشعوب وتطلعاتهم يوماً بعد يوم. يدّعون الديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن العالمي ومكافحة الإرهاب، لكن واقعهم الشرير يحكي إثارتهم للحروب، وانتهاك حقوق الشعوب؛ ورغبتهم الشديدة وشهيتهم الجشعة في مصادر الطاقة العالمية، وهذا ما تلاحظه الشعوب. سمعة الديمقراطية و سمعة أمريكا التي تقف في مقدمة البلدان التي تدّعي الديمقراطية تتشوّه باطّراد في أنظار العالم والشعوب. وفي المقابل تتحسن سمعة إيران الإسلامية باطّراد. تفهم الشعوب بأن الأمريكان يكذبون في ادعائهم الدفاع عن حقوق الإنسان؛ واحد من نماذج ذلك تعاملهم مع بلدنا. كانت إيران في زمن الطاغوت - عهد النظام البهلوي - في قبضة الولايات المتحدة الأمريكية تماماً. كانت أمريكا مهيمنة على كل إيران؛ كانت تقيم قواعد عسكرية لرصد تحركات البلدان العربية في المنطقة. كانت إيران حليفة إسرائيل؛ وكانت أسوأ الديكتاتوريات مسيطرة على إيران؛ كانوا يعذّبون المجاهدين في السجون؛ في جميع أنحاء إيران - في مدينة مشهد هذه، وفي طهران وجميع المدن - كان الكبت وقسوة الجلاّدين في النظام الطاغوتي هو الذي يحكم الناس، كانوا ينهبون نفطنا؛ وكانوا يبدّدون الثروات الوطنية والأموال العامة لصالح الحكام والأجانب. وكانوا يحولون دون مشاركة الشعب الإيراني في السباقات العلمية والصناعية في العالم؛ وكانوا يذلّون الشعب. و كانت إيران الحليفة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة؛ وكان حكّامها محبوبين لدى أمريكا؛ ولم يوجّه أي اعتراض بسبب انتهاك حقوق الإنسان والديمقراطية لتلك الحكومة الطاغوتية. وتعد إيران اليوم بلداً حراً بهذه الديمقراطية الواضحة -قلّما يوجد نظير لديمقراطيتنا في العالم - وبهذا الارتباط الوثيق بين الشعب والمسؤولين؛ إيران هذه من وجهة نظر الأمريكان والحكومة الأمريكية بلد غير مرغوب فيه. هذا يدلّ على موقف الاستكبار العالمي تجاه الحقائق الموجودة في العالم. طبعاً لم تنتفع أمريكا من هذا العداء ولن تنتفع أبداً. الشعب الإيراني يزداد قوة يوماً بعد يوم و قيم الثورة تتألق وتبرز بصورة متواصلة.
علينا واجبات أمام هذين العدوين. أولاً يجب تشخيص العدو ومن ثم التعرف على مخطّطاته. أعداؤنا الخارجيون لهم مخطّطاتهم للشعب الإيراني. نحن نطرح خططنا الخمسية لتحديد طريقنا؛ عدونا أيضاً يخطّط ضدّنا، وله خطته وسياسته تجاهنا. يجب علينا معرفة سياسته.
ألخص خطط الاستكبار العالمي ضد الشعب الإيراني في ثلاث نقاط : أولاً، الحرب النفسية، ثانياً الحرب الاقتصادية، ثالثاً مواجهة التقدم والتفوّق العلمي. تتلخص عداوة الاستكبار ضد شعبنا في هذه المفردات الرئيسية الثلاث. طبعاً على الأجهزة الإعلامية والشخصيات السياسية أن توضح ذلك للناس بتفصيل أكثر. أنا استعرض لكم بعض رؤوس النقاط وخلاصة لهذه المسائل.
ماذا تعني الحرب النفسية؟ الهدف من الحرب النفسية هو بث الرعب. من الذي يريدون إرعابه؟ الشعب لا يمكن إرعابه؛ حشود الشعب العظيمة لا يمكن إرعابها. من الذي يريدون إرعابه؟ المسؤولين، الشخصيات السياسية، والنخب على حد تعبيرنا الشائع، يريدون إرعاب هؤلاء. يريدون تطميع من يمكن تطميعهم، يرومون تطميع هؤلاء، ويريدون إضعاف الإرادة العامة، ويحاولون تغيير فهم الناس لحقائق مجتمعهم، هذا هو الهدف من الحرب النفسية. والشخص غير المريض إذا قيل له مائة مرّة أنك مريض، فإنه سيشعر بأنه مريض إلى حدّ ما. و على عكس ذلك، الشخص المريض إذا قيل له مائة مرة بأنك بخير وصحة فسيشعر بالصحة. يريدون بالإيحاء قلب حقائق بلدنا في أنظار الشعب. شعبنا شعب ذو مواهب وقابليات واستيعاب وينعم بثروات طبيعية ضخمة؛ ويمكن لمثل هذا الشعب أن يكون رائداً. ليس هناك من مبرر لأن يكون شعبنا قانطاً؛ لكنهم يرومون تغيير الحقائق وبثّ اليأس في نفوس الشعب. يريدون إضعاف ثقة الشعب بالمسؤولين. وأن يثق الشعب بحكومته ومسؤوليه فهذا نعمة كبيرة لأي بلد. يريدون أن يسلبوا هذه النعمة ويبثّوا عدم الثقة في نفوس الشعب، سواء ثقتهم بأنفسهم أو بمسؤوليهم؛ ويريدون تهديد الناس بالشائعات والحصار والعنف، وأن يبدلوا مواضع المدعي والمتهم في إعلامهم. أمريكا اليوم متهمة والشعوب هي المدعية ضدها. ونحن أيضاً ندّعي ضد أمريكا. أمريكا متهمة بالتطاول والاستكبار وإنشاء مستعمرات، وتأجيج الحروب، والاحتلال العسكري وإثارة الفتن. نحن نطالبها وندّعي ضدها. يريدون أن يضعوا أنفسهم موضع المدعي ويضعوا الشعب الإيراني موضع المتهم. وضع حقوق الإنسان في أمريكا نفسها مؤسف جداً، وهناك انعدام الأمن. في سنة واحدة - في 2003 م - اعتقلوا حسب إحصائياتهم ثلاثة عشر مليون مواطن أمريكي! يجيزون التعذيب والتنصّت على المكالمات الهاتفية. وقد قاموا باستجواب عدة ملايين بعد حادثة العشرين من شهريور(1). تسود مثل هذا الأجواء غير الآمنة في داخل أمريكا! وفي خارجها هناك سجن أبو غريب وصنوف التعذيب ومعتقل غوانتانامو والسجون السرية في أوربا والأماكن الأخرى. هم من يجب أن يجيب، فهم المتهمون، وهم من ينتهك حقوق الإنسان، ومع ذلك ينادون بحقوق الإنسان، ويرومون محاسبة الشعب الإيراني أو أي طرف أرادوا على انتهاكه حقوق الإنسان! إنهم يروّجون الإرهاب. وهذه هي الحرب النفسية التي يمارسونها.
بث الخلافات أحد فصول حربهم النفسية. يرومون تأجيج الخلافات القومية و المذهبية - بين الشيعة والسنة - والفئوية، والمهنية في داخل بلدنا. ولهم في الداخل عملاء ينفذون سياساتهم بأشكال مختلفة. يبثون الشائعات، ويتهمون إيران في القضية العراقية. الذين احتلوا العراق واذلّوا شعبه و أهانوا نساءه ورجاله وشبابه بمختلف الأساليب - والقوات الأمريكية والبريطانية لا تزال لحد الآن تتعامل مع الناس في العراق بمنتهى السوء- هؤلاء يتّهمون إيران بالتدخّل في العراق. يوم كانت الحكومة الأمريكية والكثير من الدول الغربية تدعم صدام البعثي البائد فتح الشعب الإيراني ذراعيه لاحتضان أحرار العراق الذين جاءوا إلى هنا وحميناهم من شرور صدام؛ هؤلاء أنفسهم استلموا اليوم الحكومة والسلطة في العراق. الإرهاب في العراق يجري بتحريض الوكالات الاستخبارية الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية. ولم ينتج هذا الاقتتال في العراق من حروب بين الشيعة والسنة، فقد تعايش سنّة العراق وشيعته على مدى قرون طويلة ولم تقع بينهم حروب. بل هناك كثير من العوائل الشيعية والسنية تزاوجت فيما بينها وتعايشت . هؤلاء هم الذين أوجدوا الإرهاب؛ و ينتفعون من انعدام الأمن.
يبثّون الشائعات حول نفوذ الشيعة وترويج التشيع من قبل إيران والهلال الشيعي وما إلى ذلك. يبثون الإشاعات وهذه إحدى شعب الحرب النفسية: أولاً يؤججون الخلافات بين الشعب الإيراني، وثانياً: يحاولون إثارة الخلافات بين الشعب الإيراني والشعوب المسلمة الأخرى. كانت سياسة أمريكا تتجه نحو تخويف جيراننا في الخليج الفارسي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. طبعاً أدرك بعضهم هذه المؤامرة بوعي ويقظة وقد يخطئ البعض ويقعون في فخ هذه المؤامرة الأمريكية. لقد مددنا دوماً يد الصداقة نحو جيراننا في الخليج الفارسي - وهي المنطقة التي توجد فيها أكبر الاحتياطيات النفطية - ولا تزال الصداقة قائمة بيننا وبينهم، والآن أيضاً نمدّ يد الصداقة نحوهم، ونرى من الضروري أن يكون لبلدان الخليج الفارسي معاهدات دفاعية مشتركة وتعاون فيما بينها. يجب أن لا تاتي أمريكا وبريطانيا والأجانب وغيرهم من الطامعين للدفاع عن هذه المنطقة، بل علينا الحفاظ على أمنها بأنفسنا وهذا ما يمكن تحقيقه عبر تعاون دول الخليج الفارسي فيما بينها.
لذلك أوصي السياسيين في داخل البلاد بأن يدققوا في كلامهم ولا يتكلّموا كلاماً أو يتّخذوا مواقف تساعد أهداف الأعداء في هذه الحرب النفسية. وأي شخص يبث اليأس لدى الناس ويسلبهم الثقة بالمسؤولين والمستقبل يكون قد ساعد العدو. وأي شخص يثير الخلافات - أية خلافات - إنما يساعد أعداء الشعب الإيراني. على أصحاب الأقلام والمنابر والمكانة أن يدققوا ولا يسمحوا للعدو أن يستفيد منهم.
والحرب النفسية أهم الفصول في حرب العدو ضد الشعب الإيراني . والحرب الاقتصادية من الفصول الأخرى. يريدون محاصرة الشعب الإيراني اقتصادياً. أنا أقول إن المجال لتحرك الشعب الاقتصادي مفتوح. ومع الإعلان عن سياسات المادة الرابعة والأربعين - والتي تسعى الحكومة بجد لتحقيقها ويجب عليها ذلك - صار المجال مفتوحاً للعمل الاقتصادي ليس للأثرياء فقط بل لكل أفراد الشعب الإيراني. ينبغي أن يكون منهج الحكومة والناشطين في عام 86 وربّما لعامين بعده منهجاً اقتصادياً. بإمكاننا جعل اقتصادنا مزدهراً. يهدّدوننا بالحظر الاقتصادي. لا يمكن للحظر الاقتصادي أن يلحق أي ضربة بنا. ألم يفرضوا علينا الحظر لحد الآن؟ ولقد تمكّنّا من الحصول على الطاقة النووية و الإنجازات العلمية وإعمار البلاد على نطاق واسع في ظروف الحظر الاقتصادي. بل إن الحصار قد ينفعنا في بعض الظروف، لأنه يجبرنا على أن نشحذ هممنا للسعي والنشاط المضاعف. ومنهج البلد في هذه السنة التي تبتدئ اليوم والسنة أو السنتين التي تليها يجب أن يكون اقتصادياً. على الجميع أن يستفيدوا من سياسات المادة الرابعة والأربعين من الدستور. الذين يمكنهم الاستثمار وحتى الذين لا يمكنهم الاستثمار إلا من خلال المشاركة يمكنهم أن يستثمروا في هذا المجال. يمكن لجميع أفراد الشعب الإيراني وشرائحه المختلفة الاستثمار وأن يتشاركوا فيما بينهم. إضافة إلى أسهم العدالة التي تشمل حوالي عشرة ملايين نسمة - العشرين بالمائة الأفقر في المجتمع - يمكن للجميع أن يستفيدوا من هذه السياسات. وعلى مسؤولي الحكومة أن يوضّحوا للشعب طرق مشاركتهم في الأنشطة الاقتصادية. هذه السياسات تعني إنتاج الثروة العامة للمجتمع. إنتاج الثروة لا إشكال فيه حسب الرؤية الإسلامية. و إنتاج الثروة يختلف عن نهب ثروات الآخرين. أحياناً يمد الإنسان يده إلى الأموال العامة أو يحصل على إنجازات مادية غير شرعية بعيداً عن ضوابط القانون. هذا ممنوع؛ لكن إذا كان انتاج الثروة بطرق قانونية فإنه مستحسن ومحبذ في الرؤية الإسلامية وفي رأي الشارع المقدس. يجب إنتاج الثروة ولكن من دون إسراف. يأمرنا الإسلام بإنتاج الثروة ولكن من دون إسراف. والاستهلاك المفرط ليس مقبولاً في الإسلام. ما تُحصلون عليه من خلال إنتاج الثروة وظّفوه في إنتاج الثروة مرة أخرى. فلا تجمّدوا الأموال - وهو ما يسمى في الإسلام الاكتناز- ولا تسرفوا في المال أو تنفقوه لأمور لا ضرورة لها في الحياة؛ ولكن في ضوء هذه الضوابط انتجوا الثروة لأنفسكم. ثروة كل واحد من أفراد الشعب هي ثروة البلد العامة التي يستفيد منها الجميع. هذه هي روح المادة الرابعة والأربعين وسياساتها. يجب أن تتنوع مصادر مداخيل أبناء الشعب؛ خاصة الطبقات الضعيفة منهم، فيستطيع الناس التمتع بالانفراج الاقتصادي؛ هذه خطوة كبيرة في طريق تحقيق الرفاه العام.
فيما يتعلق بمعارضة التقدم العلمي؛ يمكن القول إن أحد نماذجها هو قضية الطاقة النووية. يقال في التصريحات السياسية وغيرها من الأحاديث إن الدول الغربية لا توافق امتلاك إيران الطاقة النووية، طيّب، فلتكن غير موافقة. وهل استأذنّا من أحد لامتلاك الطاقة النووية؟ وهل دخل الشعب الإيراني في هذه الساحة بإذن الآخرين حتى يقولوا نحن لا نوافق؟ فلتكونوا غير موافقين. الشعب الإيراني موافق ويرغب في امتلاك هذه الطاقة. لقد ذكرت في السنة الماضية في اجتماعي معكم هنا في الأول من شهر فروردين بأن امتلاكنا الطاقة النووية أمر ضروري و حاجة ماسّة طويلة الأمد. و اليوم إذا توانى المسؤولون في الحصول على الطاقة النووية ستؤاخذهم الأجيال الآتية. الشعب الإيراني وبلد إيران بحاجة إلى الطاقة النووية من أجل العيش لا من أجل السلاح. هناك من يردّد أقوال العدو ويقول : ما هي الضرورة لذلك؟ ما هي الضرورة لذلك؟ تعريض مستقبل البلاد للخطر وتجاهل حاجاته المستقبلية تجاهلاً تاماً، ألا يوجد إشكال في هذا؟ هل يحق للمسؤولين خيانة الأجيال الآتية؟ نستهلك النفط اليوم وسينفد هذا النفط يوماً. يومئذ سيضطر الشعب الإيراني إلى مدّ يدي الحاجة للبلدان الأخرى بغية الحصول على الكهرباء والطاقة لمصانعه وحرارته وإضاءته وحركته في حياته. هل يجوز هذا لمسؤولي البلاد اليوم ؟ البعض يكرّرون أقاويل الأعداء. الذين يشيدون اليوم بتأميم النفط على يد الدكتور مصدق والمرحوم آية الله كاشاني - وهو عمل صغير مقارنة بهذا العمل - يتكلّمون اليوم عن الطاقة النووية بنفس الكلام الذي كان يردّده معارضو مصدق وكاشاني. هذا ليس مقبولاً. نحن تقدّمنا في هذا الطريق إلى الأمام بابتكارنا. ولم يرتكب مسؤولو البلد أية مخالفة قانونية. كل نشاطاتنا النووية أمام أنظار وكالة الطاقة الذرية، ولا إشكال في ذلك، وليس لدينا أي اعتراض على إشرافهم على تلك النشاطات. إثارة الضجيج و ممارسة الضغط على إيران في هذه القضية واتخاذ مجلس الأمن أداة بيد القوى الكبرى سيكون له عواقب ضارة. وعلي أن أقول إذا أرادوا أن يستغلوا مجلس الأمن استغلالاً ذرائعياً ويتجاهلوا بذلك هذا الحق المسلم فإن ما فعلناه إلى اليوم كان وفقاً للقوانين الدولية، وإن أرادوا تجاهل القانون فبإمكاننا أيضاً أن نتجاوز القانون وسنتجاوزه. إن أرادوا استخدام التهديد والإكراه والعنف فليعلموا أن الشعب الإيراني سيستخدم جميع إمكانياته ضد من يتعرض له من الأعداء.
أريد أن أنهي كلمتي. هذه توصيات خادم الشعب الإيراني للشعب. توصيتي هي: الشعار الذي أطلقناه هذا العام - أي الاتحاد الوطني والانسجام الإسلامي - يجب مراعاته. الاتحاد الوطني يعني تلاحم الشعب الإيراني. و الانسجام الإسلامي يعني وقوف الشعوب المسلمة جنباً إلى جنب. وينبغي على الشعب الإيراني تمتين علاقاته مع الشعوب المسلمة. وإذا أردنا تحقيق الاتحاد الوطني والانسجام الإسلامي فعلينا التركيز على الأصول المشتركة بيننا. يجب أن لا نشغل أنفسنا بالفروع المختلف عليها.
الوصية الأخرى هي: يجب على الشعب الإيراني لا سيما الشباب أن لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم. أيها الشباب الأعزاء، يا شباب إيران الأعزاء، أنتم قادرون، قادرون على إنجاز أعمال كبرى، تستطيعون أن ترفعوا بلادكم إلى ذروة العزة والعظمة. الثقة بالنفس، والثقة بالحكومة ومسؤوليها، أمور لا يريدها العدو لنا. يروم الأعداء أن لا يثق الشعب بالحكومة، وهي المسؤول عن إدارة البلاد. حاولوا أن تحبطوا مؤامرة الأعداء هذه. أنا أدعم الحكومة. وقد دعمت كل الحكومات التي انتخبها الشعب وهكذا سيكون الأمر في المستقبل، وأدعم هذه الحكومة بشكل خاص. وليس هذا الدعم دون سبب وتسويغ وحسابات. أولاً موقع الحكومة في نظام الجمهورية الإسلامية وفي نظام بلادنا السياسي موقع مهم جداً، ثانياً أكثر المسؤوليات تقع على عاتق الحكومة؛ ثم إن هذه الاتجاهات الدينية وهذه النزعة القيمية الثورية والإسلامية حالة قيمة جداً. المثابرة، والسعي الحثيث، والتواصل مع الناس، والزيارات المحافظاتية، ونزعة العدالة الشعبية، هذه عناصر لها قيمة كبيرة وأنا أعرف قدر هذه الأعمال. ومن أجل هذه الأمور أدعم الحكومة. ليس هذا الدعم دون حساب أو كتاب، إنما أتوقع مقابل ذلك بعض التوقعات من الحكومة . توقعي الأول، أقول للمسؤولين أن لا يتعبوا، ولا يفقدوا التوكل على الله، وأن يعتمدوا على الله وعلى هذا الشعب، ويجب عليهم الحفاظ على مظهرهم الشعبي، وأن لا يقعوا في فخ الزخارف التي يقع البعض فيها، يجب أن يراقبوا وينتبهوا ولا يدخلوا في الصراعات الفئوية، ولا يهدروا وقتهم بالنزاعات السياسية؛ وأن يعملوا للشعب بكل ما لديهم من قوة، ويحققوا ويتابعوا كل ما يعدون الناس به.
علينا أن نفتح أعيننا، ونتوسل إلى الله ونذكره. الشعب الإيراني شعب عظيم وقدير، وله أهداف كبرى، وأمامه طريق إلى هذه الأهداف. أتمنى أن ينزل الله تعالى بركاته عليكم باستمرار وأن تطهل عليكم شآبيب لطفه، وأن يكون هذا اليوم إن شاء الله وهو اليوم الأول من عام 86 بداية سنة مفعمة بالبركات على الناس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

1- 11 سبتمبر