بسم الله الرحمن الرحيم
شكراً جزيلاً للإخوة الأعزاء الذين أقاموا هذه الجلسة، و كذلك الإخوة الذين تلوا القرآن فيها، و الأساتذة و المشرفين المحترفين الأعزاء الذين بذلوا جهودهم لإعداد و تخريج هذا الجيل من المقرئين الشباب.
مسألة تلاوة القرآن الكريم التي نوليها كل هذه الأهمية ليست لمجرد التسلية و الفن، إنما هي وسيلة للتوفر على الأجواء القرآنية في كل المجتمع، و هذه عملية يتمكن منها مقرئونا المجيدون بفضل أصواتهم الجميلة و استخدامهم أساليب التلاوة الفنية و العمل بالتجويد و المقدرة الجيدة على أداء الأحرف، و الكلمات، و الجمل في آيات القرآن الكريم.
أعزائي، اعلموا أن العالم الإسلامي اليوم بحاجة للقرآن الكريم. ثمة في آيات سورة آل عمران، و البقرة، و الأنبياء، و الأحزاب التي تلاها إخوانكم الآن هنا مضامين و أفكار تعد اليوم علاجاً لآلام العالم الإسلامي و نواقصه، و هذا ما يعمق إيمان الإنسان و يرسخه و يجعل معرفته نيرة واعية، و ينـزل طاقات الإنسان الحياتية إلى الساحة و يوظفها. إن مجتمعاً له هذه الخصائص سوف يتقدم إلى الأمام و ترتفع معنوياته. حينما ترتفع معنويات المجتمع فلن يستطيع العدو فرض شيء عليه بالقوة. حينما يريد جبابرة العالم إخضاع فرد، أو جماعة، أو شعب، فإن خطوتهم الأولى هي تحطيم معنويات ذلك الفرد أو المجتمع و القضاء على مشاعر القدرة و الصمود لديه. طالما كان هناك شعور بالاقتدار و ارتفاع في المعنويات لدى الشعب أو الجماعة فلن يستطيع أحد التغلب عليها، لا الأعداء الخارجيين، و لا الأعداء الداخليين.. الكسل و القعود و عدم الغيرة.. جاء في الرواية: » ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه «. و معنى ذلك أن الناس يجب أن لا تقرأ القرآن لتكسب سمعة و عنواناً أو يشغلوا أنفسهم، إنما يجب أن يقرأوا القرآن لأن فيه العلاج الأساسي. لنضع دواء القرآن على أوجاع أرواحنا و وجودنا و باطننا و نشافي هذه الأوجاع بالقرآن الكريم. و هذا ما يستدعي أن تكون الأجواء قرآنية.
لقد أبعدونا عن القرآن لفترات طويلة و بأساليب شتى، و نريد اليوم أن نشيع الأجواء القرآنية. علينا أن نعود إلى القرآن. طبعاً منذ خمسة و عشرين عاماً و مجتمعنا يتحرك صوب القرآن بشكل جاد و بطريقة جماعية عامة. قبل الثورة كانت هناك نشاطات قرآني أيضاً، لكنها كانت أنشطة فردية. و إنما انطلقت الحركة الجماعية للمجتمع بعد سيادة النظام الإسلامي و كانت حركة جيدة لكنها لا تزال تبعد مسافات معينة عن الغاية المنشودة. من نتائج هذه الحركة أنكم تشاهدون اليوم الشيوخ و الشباب و النساء و الرجال يستأنسون بالقرآن إلى حد كبير. تواجد الشبيبة المستأنسة بالقرآن الكريم في كل مفاصل و مواقع المجتمع هو ثمرة ذلك التحرك الذي يجب تعزيزه. تعزيز التحرك المذكور هو أن تستطيعوا أنتم القراء قراءة القرآن بأصوات و أساليب حسنة و جميلة. الاهتمام بهذه الجلسات لأجل إجلاء أهمية تعلم التلاوة في المجتمع، و إلا يمكن للإنسان أن يقرأ من القرآن لوحده أضعاف ما يقرأه هنا.
التلاوة ليست الصوت فقط، إنما لها فنون و أساليب شتى، سواء الأساليب المتعلقة بظاهر الأمر، و هي هذه النغمات و الألحان المستخدمة في التلاوة، أو الأساليب القرآنية العميقة و التي تمثل طوراً أرسخ و أعمق من الطور السابق، ألا و هو التعرف على مفاهيم الآيات و معانيها. غالباً ما قلت لقرائنا الشباب و أؤكد الآن أيضاً أن همتهم الرئيسية ينبغي أن تنصب على فهم الآيات التي يقرأونها بشكل جيد. على الأقل يجب أن يدققوا في ترجمة الآيات التي يريدون تلاوتها و في معانيها، و دقائقها، لكي تخرج المفاهيم حين يقرأون القرآن بمعية الصوت من أعماق أرواحهم. و عندئذ تؤثر التلاوة في مناخ المجتمع و تخشع لها قلوب الجميع. حين تلاحظون أن تلاوة بعض القراء المصريين تؤثر تأثيراً عميقاً فهذا بسبب مراعاة هذه القضية. يقرأون و كأنهم يريدون تصوير مضمون الآية أمامكم. أحياناً أسوق المثال لبعض مقرئينا الشباب من أصدقائنا مداحي أهل البيت و أقول لهم إن هؤلاء الأعزاء حين يريدون قراءة بيت شعر في مجلس يعرف جميع من فيه معناه فقد يقرأونه على نحوين. النحو الأول هو أن هذا المداح الذي يقرأ بصوت جميل كأنما يتكلم معكم كلمة كلمة فيؤثر في أعماق أرواحكم. و النحو الثاني هو أن يقرأ الشيء لنفسه! القرآن أيضاً يمكن تلاوته بشكلين. السبب في أن كثيراً من التلاوات لا تؤثر في القلوب كما ينبغي و لا تزلزل القلوب من الأعماق رغم أن ألحانها و نغماتها ليست مختلفة عن بعضها كثيراً، هو أن المقرئ لا يحدّث المستمع بعبارات القرآن من أعماق قلبه و باطنه. و في أجوائنا هناك الكثيرون لا يجيدون اللغة العربية، و حينما يكونون عارفين باللغة العربية يدرك الإنسان أن القارئ لا يتحدث مع المستمع من باطن روحه. إذا أردتم أن تكون تلاوتكم مؤثرة و مفيدة و ناجحة في بناء أجواء المجتمع و تغيير القلوب و الأرواح، فمن الشروط المهمة و الرئيسية لذلك أن يكون المقرئ عارفاً تماماً بمعنى الآية التي يتلوها، و أن يقرأها و كأنه يروم تصوير و رسم المضمون بصوته الجميل للمستمع.
إنني حين أنظر اليوم لمقرئي القرآن الكريم في بلادنا - و هم شباب في الغالب و الحمد لله، و بعضهم أحداث، مثل هذا الحدث العزيز الذي قرأ بنحو جد جميل - أرى أننا نتقدم و الحمد لله في كل عام عمّا كنا عليه في العام الماضي.. هذا و اقع .. أساتذة القرآن و المقرئون المعروفون المتمكنون في الأعوام الماضية لهم مكانتهم الخاصة.. لكن جيلنا الشبابي الصاعد أيضاً يقترب يوماً بعد يوم من القرآن و التلاوة الحسنة و الإبداعات في القراءة و التجويد.. هذا تحرك جيد حقاً.. خطابي موجه خصوصاً لأساتذة القرآن: اعملوا ما من شأنه أن يتابع هؤلاء الشباب تلاوة القرآن الكريم بالطريقة التي ذكرتها أي التنبه للجوانب الظاهرية من أنغام و ألحان، و التنبه أيضاً للمضامين، و أن يراعوا قوة الصوت و خفضه و الوصل و الوقف و التحرير و ... في ضوء المضمون.
اللهم أحينا بالقرآن و أمتنا بالقرآن و احشرنا في ظلال القرآن. لا تفصل بيننا و بين أهل البيت عليهم السلام و بين القرآن. قرب حياتنا من الحياة القرآنية يوماً بعد يوم.. اجعل أرواح شهدائنا الأعزاء الطيبة و الروح الطاهرة لإمامنا الجليل راضية عن هذه الجلسة.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.