بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً أرحب بكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء، طلبة الجامعات و المدارس، و أبناء الشعب الإيراني الأعزاء. و هذه هي رسالتي القلبية و تحيتي الدائمية لكل شبابنا الأعزاء في كل أنحاء البلاد.
أقيمت هذه الجلسة بمناسبة الثالث عشر من آبان الذي نحن على اعتابه. و الثالث عشر من آبان يوم مهم جداً. إنه يوم طلبة المدارس بمعنى من المعاني، و يوم طلبة الجامعات بمعنى من المعاني، و يوم ثبات الشعب الإيراني مقابل مكر الاستبكار بمعنى من المعاني. أذكر بهذه المناسبة نقطتين أو ثلاثاً لكم أيها الأعزاء.
النقطة الأولى هي أنكم بوصفكم ممن يعشقون شموخ إيران الإسلامية و تعدون أنفسكم جنود الإسلام بحق، تتحملون على عاتقكم مسؤولية كبيرة لصناعة المستقبل. هذه هي خصوصية المدرسة الصادقة و المنهج الحق و الواقعي. الكل مسؤولون. و الشاب أيضاً و هو في عنفوان ازدهار مواهبه من المسؤولين. المسؤولية لا تقع فقط على الشيوخ و الكهول، إنما يتسنى القول بنظرة معينة أن الشاب يتحمل مسؤولية أكبر. لماذا؟ لأن قدرات الشاب، و تفتّحه، و قواه أكبر من الآخرين. على الشاب أن يشعر في داخله و في قلبه و وجدانه أنه يتحمل مسؤولية حيال مستقبل هذا البلد، و مستقبل هذا الشعب، و مستقبل هذا التاريخ. الشعور بالمسؤولية هو الذي جعل معظم الشباب الملتزم يتوجّه لسوح الدفاع خلال فترة الدفاع المقدس. كان بوسع الشباب أن يبقوا في بيوتهم تحت ظلال آبائهم و أمهاتهم ورعايتهم و تدليلهم، فلا يرابطون أثناء الشتاء في جبال الغرب الشاهقة المغطاة بالثلوج، و لا يتواجدون صيفاً في صحاري خوزستان اللاهبة. لكن الشعور بالمسؤولية لم يدعهم ينشدون الراحة بل زحفوا إلى الميدان وحققوا هذه النتيجة المعجزة.
أرغب أن يتعرف شبابنا على قصة الحرب المفروضة طوال ثمانية أعوام. قلنا هذا مراراً، و قاله غيرنا و تم شرحه و إيضاحه. لكن نظرة شاملة لهذه الأعوام الثمانية في ضوء التفاصيل والملابسات مهمة جداً للبرمجة لمستقبل شبابنا في الوقت الحاضر. و قد دوّنت كتب جيدة لحسن الحظ. مع أني لا وقت لدي كثيراً حينما أنظر في العديد من الكتب التي ظهرت حول قضايا الدفاع المقدس أجدها مفيدة بالنسبة لي. اقرأوا هذه الكتب، و اعلموا، و انظروا. تعرفوا على سير هؤلاء الشباب البارزين. البعض من هؤلاء الشباب البارزين في ساحة الحرب هم نفسهم الذين صنعوا في يوم الثالث عشر من آبان تلك الملحمة العظيمة، و التحقوا بعد ذلك بساحة الحرب. و الكثير منهم من الوجوه الخالدة الحقيقية في تاريخنا. هذا هو الشعور بالمسؤولية.
في حرب الثماني سنوات حينما تحالفت جميع القوى المهيمنة في العالم يومذاك - سواء الاتحاد السوفيتي يومها، أو أمريكا، أو فرنسا، أو الكتلة الشرقية الأوربية يومذاك، أو بلدان المنطقة الرجعية - و أغدقوا المال و القوة و المعلومات و السلاح على النظام البعثي، و وقفوا بوجه بلد و شعب لم يكن له سوى الإرادة و الإيمان؛ لم يكن له سلاح، ولا عتاد، ولا معلومات كافية و وافية؛ لكن الإيمان جعلهم صلبين كالفولاذ و الصخور. حصلت المواجهة بين هذين الجانبين و انتصر هذا الجانب على ذاك. أي إن قوة الإيمان لدى الشعب الإيراني انتصرت على تلك القوة الهائلة الكبيرة التي تمتعت بالمال و المعلومات و السلاح و المعدات و كل شيء. هذا هو الشعور بالمسؤولية.
وقبل قضية الحرب المفروضة، أي في أحداث الثورة أيضاً صنعت إرادة الشباب و شعورهم بالمسؤولية هذه المعجزة التاريخية الكبرى، حيث اسقطت الأيدي الصامدة المؤمنة الخندق و الحصن الحصين للاستكبار في المنطقة وأعني به النظام الملكي في إيران، وأقامت مكانه نظاماً شعبياً إسلامياً. هذا هو الشعور بالمسؤولية.
غد هذا البلد، وغد هذا الشعب بحاجة لشعوركم بالمسؤولية اليوم. لماذا يجب أن تشعروا بالمسؤولية؟ من أجل بناء أنفسكم، من أجل بناء أنفسكم علمياً، و إيمانياً، و من حيث التقوى. ضاعفوا من بصيرتكم، وزيدوا من وعيكم بالحاضر و الماضي و المستقبل. بعد عشر سنين أو اثنتي عشرة سنة ستكونون أنتم المجتمعين هنا كلكم و نظائركم في كافة أرجاء البلاد شباباً متخرجين دخلتم ساحة حياة الشعب الإيراني و سيكون الكثير منكم قد ألقيت بعض المسؤوليات على عاتقه. رؤساء الجمهورية في المستقبل، و وزراء المستقبل، و مدراء المستقبل، و الشخصيات البارزة في شتی القطاعات مستقبلاً - الشخصيات التي تُخطِّط، و تبرمج، و تفكر، و تنظِّر لإدارة البلد - ستظهر منكم. أولئك المدراء و المبرمجون يجب أن يكونوا علماء، و يجب أن يكونوا متدينين و نزيهين و ذوي بصائر بالمعنى الحقيقي للكلمة. و هذا لا يتاح إلا إذا أعددتم أنفسكم له من الآن. هذه النقطة الأولى.
أنتم أبنائي، و الإنسان يتمنّى لأبنائه أفضل الأشياء. وهذا هو الأفضل. يجب أن تعدوا أنفسكم. هذا طريق سلكه هذا الشعب. ليس طريقاً ينتهي اليوم أو غداً أو في المستقبل القريب. إنه طريق رفعة شعب. طريق تلافي التخلّف طوال القرن أو القرنين الماضيين. وسأذكر في النقطة اللاحقة أنه من المهم جداً أن تعدوا أنفسكم اليوم للمستقبل.
النقطة الثانية هي أن نظام الجمهورية الإسلامية يتميز بمعارضته و اختلافاته مع عالم الاستكبار و مع أمريكا و الحكومات الأخرى من الكتلة الاستكبارية. لماذا هذا الاختلاف؟ هذه نقطة مهمة. ما هو سبب هذا الشجار بحيث أن المحللين اليوم حين يحللون يقولون إن أمريكا حين تدخل في مختلف قضايا العالم اليوم، لا بد أن تنظر بطرف عينها إلى الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني؛ لماذا؟ ما هو السبب؟ نحن أيضاً حينما ننظر لقضايانا الداخلية نرى أن الكثير من مشكلات شعبنا و بلادنا ترجع بشكل أو بآخر إلى الضغوط الأمريكية؛ لماذا؟ ما هو السبب؟ ينبغي النظر لهذه النقطة و البحث فيها بدقة.
ليس الخلاف حول بضع قضايا سياسية. بلدان اثنان قد يختلفان حول بعض القضايا فيجتمعان و يحلّان هذا الخلاف بالتفاوض و ينهيان المسألة. قضية الجمهورية الإسلامية و الحكومة الأمريكية المستكبرة ليست من هذا القبيل. القضية هنا قضية مختلفة ذات جذور أعمق. القضية هي أن نظام الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ادعت أنها القوة العظمى المطلقة في العالم. طبعاً كان الاتحاد السوفيتي يومذاك يقف بوجهها، بيد أن التنافس بين أمريكا و الاتحاد السوفيتي يومذاك لم يكن مجرد تنافس بين قوتين عظميين. أرادت أمريكا وضع يدها على جميع المصادر الحيوية في العالم. و قد كانت المنطقة العظيمة و الحساسة التي تسمى الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و الخليج الفارسي - منطقة النفط - في قبضة القوة الأمريكية عملياً. النفط هو الدم الحيوي لحركة العالم المعاصر. و لا ندري ماذا سيحدث غداً، لكن اليوم و في هذا العالم فإن النفط رصيد الإنتاج و رصيد الحرارة، و سبب النور و الإضاءة، و هو في الواقع سبب الحياة لكثير من البلدان. لولا النفط لما كانت المعامل و الإنتاج و التجارة. النفط يعني الدم؛ يعني الحياة. و الجزء الأكبر من هذا النفط موجود في المنطقة؛ المنطقة التي تسمى الشرق الأوسط. و الهيمنة على هذه المنطقة مهم و قد كانت أمريكا مهيمنة.
إيران تقع في وسط الشرق الأوسط، و قد كانت الحصن الرئيسي للاستكبار. و كان حول إيران بلدان عدة سيطرت أمريكا على كل واحد منها بنحو من الأنحاء. و كان للاتحاد السوفيتي في تلك الفترة تطاولاته و أياديه، لكن الغلبة كانت لأمريكا و كان لا بد لهذا السياق أن يستمر. طبعاً، الطمع لم يكن مقتصراً على هذه المنطقة و على النفط، فقد انهمك الأمريكان في تكريس هيمنتهم على أمريكا اللاتينية، أفريقيا، و شرق آسيا، و الأماكن الأخرى - و لا مجال لتحليل ذلك الآن، بل سأطرح هذا الموضوع عليكم أيها الشباب في مناسبة قادمة - و كانوا يحققون تقدماً في هذا الجانب و يعززون هيمنتهم يوماً بعد يوم، و يفرضون التراجع على منافسيهم باستمرار.
في ذروة هذا الطمع و الاستزادة في الاقتدار الاستكباري في أكثر المناطق حساسية اندلعت الثورة الإسلامية في إيران و كان أبرز شعاراتها مواجهة الظلم والاستكبار و الدفاع عن حقوق الشعوب. أخرجت الثورة الإسلامية هذه النقطة الرئيسية أي إيران من تحت السيطرة الأمريكية. ذات يوم، كان للأمريكيين عملاؤهم في بلدكم هذا، و في طهران هذه، و في مناطق البلاد المختلفة، و في جميع نقاطها الحساسة. عناصرهم و عملاؤهم كانوا الكل بالكل في القوات المسلحة، و في القطاعات المالية و الاقتصادية، و في القطاعات السياسية الحساسة، و في الأجهزة الأمنية. الشاه نفسه الذي كان رئيس جميع أجهزة البلاد و يتدخل في جميع الأمور كان ينظر لما يقوله سفير أمريكا و سفير بريطانيا. إذا أرادوا شيئاً وأصرّوا عليه فكان يجب عليه أن يطيعهم فيه شاء ذلك أم أبى. و لم يكن يريد ذلك أحياناً، لكنه كان مضطراً للطاعة فكان يطيعهم. طُرد الأمريكان من مثل هذا البلد، وقد كان هذا طبعاً حدثاً مهماً جداً. لم يكن جرحاً بسيطاً.
عادةً ما ترتبط الدول المستكبرة بالبلدان و تبث سمومها هناك و توفر فرص التجسس و إمكاناته عن طريق سفاراتها في تلك البلدان - و هذا ما يفعلونه الآن أيضاً و هو حالة دارجة في العالم حيث يرتكبون مفاسد شتى عن طريق السفارات - فراحوا يعملون و ينشطون عن هذا الطريق. لكن الشباب من الطلبة الجامعيين و تحت عنوان » الطلبة الجامعيين المسلمين السائرين على خط الإمام « أحبطوا هذا المكر أيضاً. ساروا و استولوا على السفارة و استخرجوا الوثائق منها. طبع لحد الآن نحو مائة مجلد من الكتب هي في الحقيقة وثائق. لا أدري هل قرأتم أيها الشباب كتب وثائق وكر التجسس، و هل تقرأونها أم لا؟ إنها جديرة بالقراءة حقاً. لاحظوا ما الذي كانت سفارة أمريكا تفعله يومذاك في إيران، و من الذين كانت ترتبط بهم، و ما الدور الذي مارسته طوال أعوام ما قبل الثورة.
نهض طلبتنا الجامعيون بهذا التحرك الكبير. و الأمريكان لا يكتمون لحد الآن غيضهم من هذه الخطوة. و للأسف فإن بعض العناصر النادمة، و المتعبة، و المتقلبين - الذين يفعلون ما يفعلون انطلاقاً من أهوائهم و نزواتهم، ثم ينشدون الراحة في حياتهم فتتغيّر أهواؤهم و نزواتهم - من بين أَولئك الشباب الذين كانوا يومذاك، حكموا و لا زالوا بخطأ هذه الخطوة، و لكن اعلموا أنها كانت خطوة كبيرة جداً. و كما قال الإمام الخميني فإنها أكبر حتى من الثورة الأولى لأنها انطوت على انهيار الهيمنة الأمريكية و الاستكبار الأمريكي في إيران و العالم.
وقعت مثل هذه الحادثة الكبيرة و لم تكن جرحاً صغيراً. و لم تنته القضية بهذا الحد، فاستمرار النظام الإسلامي الثوري و تقدمه إلى الإمام و فتوحاته على الصعد المختلفة، في المجال العسكري كالدفاع المقدس، و في شتی الصعد الاجتماعية و السياسية و تأثيراته المتصاعدة علی‌ الشعوب الأخری، إذ حينما شاهدت الشعوب - شعوب هذه المنطقة و الشعوب المسلمة الموتورة و التي لم يكن لها قائد - وقوع مثل هذا الحدث في إيران فكأنه عبّر عمّا في قلوبها. لذلك عشقت الشعوب النظام الإسلامي و القيادة الإسلامية، و قيادة الإمام ( رضوان الله تعالى عليه ) و نظام الجمهورية الإسلامية، و لا يزال الحال كذلك اليوم أيضاً. لا تزال الشعوب في العالم الإسلامي - من غرب العالم الإسلامي إلى شرقه، و في كل مكان - اليوم أيضاً تنظر بعين الإعجاب و الاستحسان و الغبطة لشعب إيران و لهذه الحركة. و هذا ما كان يعمِّق الجرح الأمريكي و يزيد محفزات أمريكا لمعارضة الجمهورية الإسلامية.
تريد أمريكا أن يرفع نظام الجمهورية الإسلامية يديه إلى الأعلى و يعلن عن تعبه، و يندم على فعلته، و ينخرط ضمن مجموعة عملاء النظام الطاغوتي و مرتزقته و أتباعه. هذا ما يريده النظام الاستكباري. ما تريده أمريكا من الشعب الإيراني هو أن يقبل التبعية، و يخسر استقلاله الذي حازه، و يستسلم بنفسه للقوة الأمريكية مرةً أخرى. هذا ما يتوقعونه من الشعب الإيراني لذلك يوجّهون ضده هذه الضغوط. يضغطون من أجل إتعاب حكومة الجمهورية الإسلامية و إتعاب الشعب؛ لكي يقول الشعب وهو في وسط الطريق: يكفي، لقد تعبنا؛ و لكي تتراجع الحكومات أيضاً وتتمكن أمريكا من استئناف ذات الأسلوب الذي كان لها سابقاً مع هذا البلد، و الذي تمارسه اليوم مع بعض البلدان الأخرى. إنهم يريدون التبعية.
و القضية على نفس الدرجة من العمق من جانب نظام الجمهورية الإسلامية و الشعب الإيراني أيضاً. ليست مشكلة الشعب الإيراني مع أمريكا مشكلة الممارسات و الأفعال الحالية، إنما هي مشكلة خمسين و نيف سنة من الأعمال الإيذائية و الخبث الذي مارسه ذلك النظام ضد شعب إيران. منذ عام 1332 و إلى اليوم. منذ أعوام طويلة قبل الثورة، خصوصاً حينما انطلقت نهضة الإمام ( رضوان الله عليه ) و نهضة رجال الدين و إلى انتصار الثورة تآمروا بكل ما أرادوا ضد شعب إيران، و وجّهوا له الضربات، و الخيانات، و الضغوط، و استعملوا معه مختلف الأساليب الاستكبارية. و بعد انتصار الثورة - وقد مضت عليها ثلاثون سنة - لم يمض يوم كان لأمريكا فيه نيّة حسنة تجاه الشعب الإيراني، فتعتذر عن أعمالها السابقة، و تتخلى بصدق عن الاستكبار و الطمع في تعاملها مع شعب إيران. قضيتنا مع أمريكا ليست أننا نختلف معهم في وجهات النظر حول بضع قضايا عالمية، أو دولية، أو إقليمية، فنذهب و نعالجها بالمفاوضات. القضية كقضية الحياة والموت، والوجود واللاوجود. هذه هي النقطة الثانية التي يجب أن تعلموها أيها الشباب و هي أننا لسنا أهل نزاع و صراع، بل أهل حفاظ على هويتنا، و استقلالنا، و عزتنا. و كل من يريد سحق عزة الشعب الإيراني و إهانته، و مدّ يد الهيمنة عليه، فإن الشعب الإيراني بغيرته و إيمانه سيقطع تلك اليد.
النقطة الثالثة و الأخيرة هي ماذا ستكون نهاية هذه المواجهة؟ إنها نقطة مهمة؟ كافة الأجهزة الإعلامية الغربية و خصوصاً الأمريكية - الأجهزة الفنية، و الصحفية، و الأجهزة الإعلامية المختلفة، و الأجهزة البحثية السياسية أو العلمية في ظاهرها - تحاول الإيحاء بأن نهاية هذا الدرب بالنسبة لشعب إيران طريق مسدود و أن أمريكا سوف تتقدم و تنجح! هذا محض كذب، فالقضية على العكس من ذلك. نهاية هذا الدرب طريق مسدود لنظام الطاغوت و النظام الأمريكي المستكبر. والدليل الواضح على ذلك هو أنه لو تقرّر أن يستطيعوا دحر الشعب الإيراني لاستطاعوا ذلك يوم لم يكن لهذا الشعب كل هؤلاء الشباب، و كل هذا التقدم، و كل هذه التجارب، و لم يكن قد انتصر في معركة كبيرة كالدفاع المقدس، و لم يكن قد عرض قدراته في الميادين السياسية المختلفة. لو كان بوسعهم هزيمة الشعب الإيراني لأمكنهم ذلك في تلك الآونة و لهزموه في ذلك الحين، و ليس اليوم حيث تجربة الشعب الإيراني أكبر، و يده أقوى، و إمكاناته العلمية أكثر تطوراً بكثير من ذلك الماضي، و قدراته العسكرية أضعاف أضعاف ما كانت عليه في تلك الأيام، ولسانه أمضى و أنفذ بين الشعوب من السابق، و له شباب أكثر مما كان له. الشباب يومذاك كانوا أقلية بين شعب إيران الذي بلغ عدد سكانه أربعين مليوناً و خمسة و أربعين مليوناً، ثم خمسين مليوناً تدريجياً. و اليوم الشباب أكثرية بين شعب إيران البالغ سبعين أو سبعين و نيّف مليون نسمة. سمعة أمريكا في تلك الآونة كانت أوفر بكثير مما هي عليه حالياً. فأمريكا فقدت اليوم سمعتها و ماء وجهها في العالم. ليس الشعوب المسلمة وحسب، بل حتى الكثير من الشعوب الغربية أعرضت اليوم عن أمريكا. العديد من الخبراء في داخل أمريكا و الكثير من أبناء الشعب الأمريكي يعارضون النظام الحاكم هناك.
لقد فَضحت اليوم الشعارات الأساسية الأمريكية التي جزّوا بها رؤوس الشعوب و ذبحوها و أسقطوا الحكومات الوطنية، و منها شعار حقوق الإنسان، و الديمقراطية.
لقد عرضوا إيمانهم بحقوق الإنسان في سجون أبي غريب، و غوانتانامو، و العديد من السجون الأخرى. و يعرضون إيمانهم بحقوق الإنسان في المذابح المختلفة في أفغانستان، و في باكستان اليوم. و يعرضون ديمقراطيتهم في فلسطين المحتلة. هناك حكومة شعبية تتولى الأمور - حكومة حماس التي استلمت زمام الأمور بانتخابات الشعب - و يريدون بشتى صنوف اللعنات و الخبث أن يضغطوا عليها. و هم يعرضون ذلك في العراق حيث يريدون فرض المعاهدة الأمنية بالقوة. لقد خنقوا الجميع من شدة ضغوطهم. و اليوم حيث رفع الشعب العراقي و المسؤولون العراقيون رؤوسهم وأعلنوا رفضهم، راحوا يضغطون ويهددون، و الحال أن الحكومة الحالية في العراق تولت السلطة بأصوات الشعب. ما معنى الديمقراطية؟ أليس سوى هذا؟ اعترف خبراؤهم كراراً طوال هذه السنوات وكتبوا في تقاريرهم أن الجمهورية الإسلامية هي أكثر البلدان ديمقراطية في الشرق الأوسط. فيها انتخابات و رئيس الجمهورية، و نواب المجلس، و القيادة نفسها، و نواب مجلس خبراء القيادة ينتخبون بأصوات الجماهير. هم يعترفون بذلك. و مع ذلك يتعاملون مع الجمهورية الإسلامية بهذه الطريقة! لقد بليت شعارات الجمهورية، و الديمقراطية، و حقوق الإنسان هذه. حتى أبناء الشعوب العاديين لم يعودوا يصدِّقون هذا الكلام ناهيك عن الخبراء و النخبة.
أي بلد من بلدان العالم يزوره رئيس الجمهورية الأمريكي اليوم، تتجمع جماهير ذلك البلد و يخاطبونه: عد إلى بيتك، يانكي، عد إلى بيتك. فهل فوق هذا إراقة ماء وجه؟ هذه هي سمعة أمريكا اليوم. لو كان بإمكان أمريكا صدّ الشعب الإيراني و إيصاله إلى طريق مسدود لفعلت ذلك في تلك الآونة حيث لم تكن سمعتها على هذه الحال. أما اليوم فلا يمكنها.
أقول لكم أيها الشباب الأعزاء! المستقبل لكم. المستقبل لشعب إيران. مستقبل الشعب الإيراني هو الوصول لقمم العلم، و الاقتدار، و الرفاه، و الشرف السامقة. هذا هو مستقبلكم المحتوم، و هو الوعد الإلهي. وعدنا القرآن و الإسلام أن الشعوب إذا تحركت و أبدت الإيمان و الغيرة و لم تتعب و صبرت و استقامت، فسوف تبلغ أهدافها لا محالة. لقد اختبرنا ذلك لحد الآن و صمدنا و وصلنا أهدافنا الوسيطة. و لدينا بعض المشاكل في بعض المواطن لأننا لم نصمد، و الذنب هنا ذنبنا. لستُ ممن يجهل مشاكل البلد. كلا، أعلمها. حيثما كانت لدينا مشاكل - انعدام العدالة أو الفقر - فالسبب هو أننا المسؤولين و أبناء الشعب لم نصمد من أجل تحقيق هذه الأهداف. و لو صمدنا لصلُحت تلك الأمور أيضاً. الذنب ذنبنا. يجب أن نقف و نصمد.
و أنتم أيها الشباب الأعزاء - تنظيمات طلاب الجامعات، وطلاب المدارس، والشباب خارج التنظيمات - اعلموا أن وحدة الشعب الإيراني، و وحدة الشعب و الحكومة، و الاتحاد بين مسؤولي البلاد هو سرّ الانتصار، و هذا ما يريدون إفساده. أنا أؤمن بشعارات الشباب و الشبيبة، و لكن احذروا من أن تزرع هذه الشعارات الخلاف و تضمن إرادة الأعداء. لا تلعبوا في الساحة المُعدَّة من قبل الأعداء. احذروا من هذا. ليحذر الجميع. ليحذر رجال السياسة أيضاً، و الصحفيون كذلك، و الشباب، و المسؤولون أنفسهم.
العدو يُخطط، فلا تلعبوا في الساحة التي يُعِدُّها، لأنه سينتفع من ذلك سواء فزتم في اللعبة أم خسرتم. خطة العدو هو إيجاد الخلافات و بث اليأس و إشعال الشجارات بين الناشطين السياسيين، و عزل الخط الأصيل و القيم الإسلامية. هذه الأعمال من مخططات الأعداء؛ إلهاء الشباب بالأهواء و اللغو و إغفالهم عن المسار العام للشعب الإيراني، و تعطيل المدارس، و تعطيل صفوف الطلبة الجامعيين. هذه مخططات الأعداء، و ينبغي الحذر منها. يجب الوقوف بوجه أية ممارسات تُفضي إلى هذه المخططات. ينبغي الحفاظ على الوحدة، و الأمل، و مضاعفة السعي باستمرار، و يجب انتهاج الصدق مع البعض و تقريب القلوب، و العمل بجد و حماس في الواجبات الاجتماعية المختلفة.
البعض بدأ بالأنشطة الانتخابية من الآن و استعجل الأمر رغم أن هناك الكثير من الوقت. القضايا الانتخابية هذه مهمة جداً و أهميتها تكمن قرب الانتخابات و لأجل المشاركة فيها، لكن أهميتها اليوم تأتي من ناحية إشغال الأفراد ببعضهم، و إشعال الشجارات بينهم، و الإساءة لبعضهم، و صرف الأذهان عن القضايا الرئيسية، فكونوا يقظين.
وأنا أعلم أن الشعب الإيراني و بتوفيق الله و فضله سيجتاز هذه المنعطفات المتتالية و المتنوعة بكل اقتدار، و سيبلغ القمم إن شاء الله.
اللهم اجعل اللقب المقدس للإمام المهدي المنتظر عطوفاً علينا؛ اشملنا بأدعيته؛ احشر إمامنا العزيز و شهداءنا الأبرار مع أوليائهم؛ وفقنا جميعاً للسير في السبيل القويم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.