الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض و جعل الظلمات و النور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. الحمد لله خالق الخلق، باسط الرزق، فالق الإصباح، ديّان الدين، ربّ العالمين. استغفره و أتوب إليه و أتوكل عليه و أستعين منه و أصلي و أسلم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين الهداة المهديين سيما بقية الله في الأرضين.
أبارك عيد الفطر السعيد لكافة الإخوة و الأخوات المسلمين المصلين و لجميع المسلمين في كل أنحاء العالم، و أوصي الإخوة و الأخوات المصلين بمراعاة تقوى الله و الحفاظ على الذخر القيم الذي أصابوه في شهر رمضان المبارك بصيامهم و قيامهم و عبادتهم و ذكرهم و خشوعهم.
نشكر الله لأنه أهدى لشعبنا شهر رمضان تسود بلادنا و شعبنا خلاله أجواء الذكر و التوجه و العبادة. هذه من الفرص الإلهية الكبرى. قضيتم أيها الشعب العزيز المؤمن شهر رمضان بالصيام و تلاوة القرآن و العبادة و الإحياء، و جاءكم يوم العيد و الحمد لله.
اليوم عيد الفطر؛ يوم استلام هدية العيد من الله تعالى. اليوم الذي طلبت فيه ملايين القلوب الخاشعة المتذكرة من الله تعالى في قنوت صلاة عيد الفطر أن يمنَّ عليها بالخيرات التي منَّ بها على خيرة عباده، و أن ينأى بها عن الشرور التي أبعد عنها أفضل و أعظم أناس في التاريخ. تلك الخيرات هي بالدرجة الأولى العروج إلى مقام التوجّه لله، و عبوديته، و التعرف على الله و الارتباط به، و الاستلهام من حضرته في كل الأقوال و الأفعال و اللحظات الحياتية. و أسوء الشرور هي الشرك بالله، و الخضوع أمام القوى غير الإلهية و المعادية لله، و الرضا بالعبودية للآخرين. نتمنى على الله بفضله و رحمته أن يستجيب أدعية ملايين المسلمين التي جرت من قلوبهم على ألسنتهم، و أن يتقبلهم في وادي أمن عبوديته و مقام عباده الصالحين.
لقد عيّد شعبنا العزيز اليوم. و الكثير من الإخوة و الأخوات المسلمين في البلدان الإسلامية اعتبروا أمس يوم عيدهم. و في داخل بلادنا ثبت للبعض في مدن معينة أن يوم العيد كان بالأمس. وثبت لبعض مراجع التقليد العظام أن أمس كان يوم عيد الفطر و عملوا وفقاً لما أحرز عندهم. و لم يثبت هذا للبعض، و طبقاً للحكم الشرعي يعد اليوم بالنسبة لهم يوم العيد لذلك عيّدوا اليوم. كلا الفئتين عملت بواجبها. و قبل ذلك كان تخمين المتخصصين و خبراء النجوم في بلادنا و المراكز العلمية في العالم أن شهر رمضان هذه السنة سيكون ثلاثين يوماً، و لكن إذا ثبت لشخص بعد التاسع و العشرين من شهر رمضان - ليلة الثلاثين أو يوم الثلاثين - أن شهر شوال قد بدأ فسيكون واجبه طبقاً للتكليف الشرعي أن يعتبر ذلك اليوم بداية شهر شوال. هذه الأمور ليست سبباً للاختلاف في الشريعة الإسلامية. الذين اعتبروا يوم أمس الأول من شوال عملوا على أساس تكليفهم و طبقاً لجزمهم و هم مثابون عند الله تعالى. و باقي الناس الذين اتبعوا عدداً من المراجع العظام في قم و النجف و لم يثبت لديهم أن يوم أمس الأول من شوال - و هو ما لم يثبت و لم يُحرز لدينا أيضاً - مأجورون عند الله تعالى أيضاً. كان هذا هو واجبنا، و كان ذاك واجبهم. المهم هو العمل بالتكليف و عدم خسران ذخائر شهر رمضان.
يقول الإمام أمير المؤمنين في خطبة من نهج البلاغة: » ألا و إنّ اليوم المضمار و غداً السباق «. هذه الدنيا دار الاستعداد و التمرين. في هذا المعسكر الكبير الخاص للاستعداد لدخول ساحة اللقاء الإلهي - و هي القيامة - أعدوا أنفسكم لمواجهة الحساب و المؤاخذة الإلهية. اليوم يوم التمرين و الاستعداد و بناء الذات، و غد - أي يوم القيامة - يوم العجلة و السباق نحو المصير الذي رسمناه لأنفسنا في هذه الدار. » و السبقة الجنة، و الغاية النار «.. الشيء الذي يفوز به الفائزون يوم القيامة هو الجنة، و الشيء الذي يُمنى به الخاسرون يوم القيامة هو دار جهنم.. » أفلا تائب من خطيئته قبل منيّته «. فهل من تائب أو عائد عن خطاياه قبل موته؟ يدعو أمير المؤمنين الناس بإصلاح ما بدر منهم من أخطاء، و العودة إلى طريق الهداية و السير في سبيل الصلاح و السداد. » ألا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه «. هل من عامل يعمل لنفسه و يجمع الزاد لنفسه قبل حلول يوم تعاسته و بؤسه؟ حياتنا ساحة جمع الزاد و الذخيرة. تجارتنا، و دراستنا، و أعمالنا العلمية، و السياسية، و بيوتنا و كل ميادين حياتنا إنما هي مواطن للعمل في سبيل الله والسعي و الجهاد من أجل الغد.
أيها الإخوة والأخوات؛ أيها المؤمنون؛ أيها الشعب الإيراني العزيز! لنعمل من أجل غدنا. إنه عمل من أجل بناء الدنيا، و بناء الروح و الجسم. هذا العمل عبارة عن سعي للاعتلاء المادي و المعنوي لأنفسنا ولإخوتنا و أخواتنا المسلمين، و لبلادنا و شعبنا.
اللهم وفّق شعبنا العزيز في هذا السبيل. اللهم منَّ على شعبنا بالصلاح و السداد. ربنا انصر شعبنا على أعدائه في كل الميادين.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر، إنّ الإنسان لفي خُسر، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على عليّ أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، و سبطي الرحمة الحسن و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسى بن جعفر، و علي بن موسى، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الخلف الهادي المهدي، حججك على عبادك و أمنائك في بلادك. و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين. أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
ما يلزم أن أقوله أولاً في الخطبة الثانية هو أن شعبنا عرض على العالم عظمة الإيمان في يوم القدس مرةً أخرى. يوم القدس ليس خاصاً بإيران؛ إنه يوم العالم الإسلامي، لذلك أبدى المسلمون مشاركتهم للدفاع عن الإخوة الفلسطينيين في كل العالم الإسلامي. عرض المسلمون في هذا اليوم إرادتهم العامة لمواجهة حيل أميركا و إسرائيل في فلسطين المظلومة الدامية. لكن شعبنا كان رائداً في هذه الساحة و قد عرض هذه الريادة و عظمة الإرادة الوطنية في إيران بنحو واضح هذا العام.
جعل شعبنا في يوم القدس من هذا العام جميع شعاراته في الدفاع عن شعب فلسطين المجاهد المظلوم و إبداء الاستياء و البغض لأمريكا و إسرائيل و الصهاينة جعلها شعاراً واحداً. أمريكا و إسرائيل رغم كل ادعاءاتهم الكاذبة حول حقوق الإنسان و الديمقراطية، يرتكبون أفجع أنواع الجور ضد شعب مظلوم. إنني كخادم صغير للشعب أشكر من أعماق قلبي جميع أبناء شعبنا الأعزاء لأنهم رفعوا رأس الجمهورية الإسلامية عالياً في العالم. حيثما كانت هناك ساحة لمشاركة الشعب سجّل الشعب مشاركته فيها بكل قوة و اقتدار و بكل إرادة و وعي.
قضية فلسطين لا تزال في الصدارة من قضايا العالم الإسلامي. لنلق نظرةً على شعب فلسطين و نظرة على محتلي فلسطين الجائرين الأشرار.
الشعب الفلسطيني يعيش العسرة؛ إنهم يهدمون بيوت الناس، و يتلفون مزارعهم و بساتينهم، ويسلبون الشباب فرص العمل، و يلقون رجالهم الكفوئين في السجون، و يرتكبون المذابح الجماعية ضدهم، بل ويقتلون بظلمهم حتى أطفالهم. تُرتكب اليوم ضد الشعب الفلسطيني على أرضه أعمال نادرة في تاريخ الشعوب.
الشعب الفلسطيني المظلوم الوحيد المحاصر يدافع عن نفسه بكل قوته و ببركة اسم الإسلام ورايته المرفوعة، و يقف بوجه الجائرين و المحتلين. إننا و من صلاة عيد الفطر العظيمة في طهران، و نيابة عن كل الشعب الإيراني نحيّي شعب فلسطين بشبابه، و أحداثه، و نسائه، و أمهاته، و قلوبه الشجاعة المؤمنة و نهديهم السلام. إنهم يقفون بأرواحهم و أحبائهم و كل وجودهم في الصفّ الأول للعالم الإسلامي مقابل الأعداء و المتطاولين في هذه المنطقة.
أما النظرة للمحتلين و الصهاينة الغاصبين و حماتهم أي الحكومة الأمريكية المعتدية، فلو تعمَّق الإنسان في قضايا فلسطين و راجعها أكثر سيتضح له أكثر فأكثر أن الحكومة الأمريكية والصهاينة وصلوا في فلسطين لطريق مسدود تماماً. ليس أمامهم طريق للتقدم إلى الأمام، و لا طريق للرجوع إلى الوراء. إنهم محكومون بالهزيمة. لقد استيقظ الجيل الفلطسيني الصاعد و أدرك أن سبيل الخلاص من العدو المحتل ليس سوى الكفاح. لقد وعى أن المشاركة في الاجتماعات العالمية و التحدث بحسب ما يهوى المحتلون و حماتهم ليس طريق إنقاذ فلسطين. لقد أدرك أنه يجب أن يقف و يطلب و يبدي همّته و تضحياته حتى يصل لأهدافه. لقد وعى الشعب الفلسطيني هذا و فهمه من الأعماق، لذلك فهو يقاوم. حينما يصدر هذا الشعور عن ينبوع ديني و اعتقاد بالتوحيد - وهذا هو الحال في فلسطين اليوم و الحمد لله - فإنه لن يجف أبداً. نتمنى أن يقرِّب الله تعالى يوم انتصار الفلسطينيين.
قضية العالم الإسلامي الثانية هي قضية العراق. دخل الأمريكان العراق باسم الديمقراطية، و حقوق الإنسان، و مكافحة التسلّح الذري، و أسلحة الدمار الشامل، و السلاح الكيمياوي، و الميكروبي، و قالوا إننا نريد منح الشعب العراقي حريته! لكنهم يضيّقون اليوم على الشعب العراقي إلى درجة أن الشعب العراقي يضطر لغرس مخالبه في وجوههم. تواجدهم كان مدعاة مهانة و ذلة للشعب العراقي إلی حد أن هذا الشعب لم يعد يطيقهم. ليعلم الشعب الأمريكي أن حكومته أوقعتهم في العراق في الوحل، و كلما مكثوا هناك أكثر غاصوا في الوحل أكثر. انظروا أين وصل الأمر بأمريكا في العراق بحيث تستهدف بغداد التي تحتلها بصواريخ سفنها الحربية المتواجدة في البحار. هذا دليل عجز أمريكا في إدارة العراق، العجز الذي سيتفاقم أكثر كلما بقيت في العراق أكثر. هذه المنطقة لا تطيق الاحتلال. يقولون إننا نريد جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة ديمقراطية! هذه كذبة مخجلة. إنهم أعداء الديمقراطية و يعلمون أنهم لو رجعوا في العراق الآن لأصوات الشعب فإن الأغلبية الساحقة من الشعب ستنتخب أشخاصاً لا يسمحون ببقاء الأمريكيين في العراق حتى ليوم واحد. حيثما أقيمت اليوم انتخابات شعبية في العالم الإسلامي كانت النتيجة ما يخافه الأمريكان، ألا و هو وقوع السلطة بيد من يعادون أمريكا من الأعماق. ليعلم الأمريكان الذين يريدون فعل شيء يلغي الانتخابات الشعبية في العراق أن الدستور المفروض و أية قوانين أو منظومات مفروضة ستستتبع مقاومة الشعب العراقي. لو رصد رئيس جمهورية أمريكا بدل أربعمائة مليار دولار أربعة آلاف مليار دولار كميزانية لما استطاع إيقاع شعوب منطقة الشرق الأوسط و الشعوب المسلمة في أسره.
الحكومة الأمريكية التي ارتكبت كل هذه الجرائم في العالم ضد الحكومات الشعبية و الديمقراطية رغم ادعائها الديمقراطية؛ النظام الذي أسسته في 28 مرداد في إيران؛ و توجيهها انقلاب شيلي ضد الحكومة القانونية في ذلك البلد؛ و عشرات الانقلابات في أمريكا اللاتينية، و أفريقيا و المناطق الأخرى ضد الحكومات الوطنية، و دعمها على مدى سنوات طويلة للأنظمة الدكتاتورية كنظام » محمد رضا بهلوي « في إيران، و لا زال أي نظام دكتاتوري لا يكون أقبح منها ويستسلم لها مقبولاً عندها، هذه حكومة لا يصدِّق أحد إدعاءها الديمقراطية و حقوق الإنسان. يلهج رئيس جمهورية أمريكا هذه الأيام بالآمال القديمة للمستكبرين الأمريكيين الذين كتموها في تصريحاتهم، و يقول إنه يريد احتلال الشعوب و التضحية بمصالحهم من أجل المصالح الأمريكية غير المشروعة. لتعلم أمريكا أن الشعوب لن تخضع لهذا، و الشعب الإيراني الكبير المجاهد المكافح المقاوم الأصيل يقف نموذجاً للشعوب.
أيها الشعب العزيز، إخوتي و أخواتي في كل البلاد، لقد أثبتّم أنكم شعب مقاوم مؤمن كبير. و قد سبّبتم الفشل لأعدائكم دوماً طوال أعوام ما بعد الثورة و تركتموهم خلف الأبواب. الشيء الأهم الذي أعانكم هو إيمانكم بالله و وحدة كلمتكم. إيمانكم بالله و وحدة كلمتكم يعظِّم مشاركتكم في الميادين، و هذا ما يخيف العدو من أعماق روحه.
نحن مقبلون على الانتخابات، و الانتخابات من مجالات المشاركة الوطنية لجماهيرنا. أنا أجد أن من لا يريدون في مراكز القوى العالمية لشعب إيران أن يثبت مشاركته و صموده في انتخابات حماسية عظيمة أخرى، شرعوا من الآن في إطلاق إعلام جد عدواني ضد الانتخابات التي ستقام إن شاء الله بعد نحو ثلاثة أو أربعة أشهر. كونوا يقظين. ثمة الكثير مما يجب أن يقال حول الانتخابات و لا زال الوقت طويلاً حتى الانتخابات، وسنقول ما يجب لشعبنا إذا امتد بنا العمر. ما أريد أن أقوله الآن هو أن ينظر الجميع للانتخابات كحدث وطني كبير يمكنه تقوية شعبنا و تسليحه و إعداده أكثر في طريق بناء البلد. إذا أقيمت الانتخابات بنحو جيد و عظيم و سجل الشعب مشاركته المؤمنة الصادقة فيها - و سوف يسجلها بفضل الله - فسوف يقضي على العدو بحول الله و قوته، وعندئذ سيدرك العدو أنه لا يستطيع اتخاذ قرار بشأن مستقبل مصالح هذا البلد. يريد العدو و كما كان في عهد الاستبداد و الطاغوت والتبعية أن ينتزع زمام القرار من يد الشعب، و يتخذ هو القرارات لبلادنا و شعبنا من خلف حدوده و في البيت الأسود بواشنطن.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء مرة أخرى بالعودة للإرادة والطاعة الإلهية و مساعدة بعضهم و المساعدة في تقدم البلاد، و أسأل الله تعالى السعادة و النصر لشعبنا على أعدائه و تقدمه في كافة شؤونه المادية و المعنوية.
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر فصلّ لربك و انحر، إن شانئك هو الأبتر.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.