بسم الله الرحمن الرحيم

أهلاً و مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء. أولاً أشكر الله تعالى لتوفيقه الذي منَّ به عليكم لإدارة مدينة طهران في المجلس الإسلامي البلدي و البلدية. أي لطف أو توفيق يمنّ الله تعالى به عليكم يجب علينا جميعاً أن نشكره. كما أشكر الله تعالى و أحمده لأن محور العمل في البلدية هو خدمة الجماهير و لأن الإنسان يشعر بحركة تقديم الخدمة في البلدية.
من أهم الأشياء التي تُشعِر الناس بالحلاوة هو أن يروا و يشعروا و يجدوا أن المسؤولين يتحرّون خدمتهم الصادقة الدؤوبة العالِمة. هذا بحد ذاته يبعث الفرحة في نفوس الجماهير. يقال أحياناً إنه ينبغي إبهاج الناس و إخراج المكتئبين من اكتئابهم، و هذا كلام صحيح. إذا كان البعض ينشدون هذا الأمر بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهذا هو السبيل إليه. ليثبتوا للناس أنهم يتوخون العمل الصادق الدؤوب العلمي. هذا ما سيبث الفرح و السرور في الأجواء أكثر من أي شيء. و قد عملتم أنتم بشكل جيد. إنني أشكر من الصميم المجلس الإسلامي البلدي في طهران للأعمال التي قاموا بها، و الجدّ الذي أبدوه، و العمدة الصالح الذي انتخبوه، و اهتمامهم للأعمال و متابعتهم لها، و هو مضمون التقرير الذي قدمه المهندس السيد جمران و كنت قد اطلعت علی ذلك و سمعته في السابق. كما أشكر الدكتور السيد أحمدي نجاد و زملاءه للجهود المخلصة التي يبذلونها.
لا تزال أمامكم الكثير من الأعمال. ما تم القيام به قيّم جداً، لكنه قليل بالقياس إلى ما ينبغي القيام به. و المقدار الذي أنجزتموه جدير بالثناء حقاً من قبل الجماهير و المسؤولين المنصفين. تم إنجاز أعمال جيدة و اتخاذ خطوات مفيدة. إن الإنسان ليشمّ رائحة الخدمة الطيبة، و يرى أن ثمة خدمات للناس و الإخلاص لله. هذا شيء قيم جداً، خصوصاً في البلدية التي فيها كثير من التعامل مع الناس. المؤسسات ذات التعاطي الأوفر مع الناس يجب أن تتحلى بروح الخدمة و الإخلاص أكثر من المؤسسات الأخرى.
النقطة الأولى التي أودّ أن أوصيكم بها جميعاً هي أن تكون أقدامكم ثابتة في هذا السبيل و أن تواصلوه. البدء و الانطلاق حالة مباركة لكنها غير كافيةٍ.. » إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة «. إذا استقمتم و أصررتم على الطريق و واصلتموه فستكون قيمة ذلك مضاعفة. لا تكتفوا بالبدء الجيد، قرِّروا مواصلة الطريق و بدقة و ملاحظة و مراعاة كافة الشروط الضرورية لمواصلة هذا الطريق، إذن، واصلوا طريق تقديم الخدمة و الاهتمام بها.
توصيتي الأخرى - و التي ذكرتموها أنتم أيضاً - هي أن لا تخافوا أي شيء و توكلوا على الله. اعلموا أنكم إذا عملتم لله فإن الله سيعينكم: » من كان لله كان الله له «، و أن قوانين الطبيعة و نواميسها سوف تعمل لخدمته و تثمِّر أعماله و جهوده. من اختار طريق الصلاح قربةً إلى الله فإن الله تعالى سيمهد له بقية هذا الطريق طالما أبدى الهمّة و الإرادة. أي إن كل خطوة تقطعونها ستفتح أمامكم الخطوة التالية، و حينما تتقدمون إلى الأمام يفتح الله تعالى لكم المغاليق باستمرار. توكلوا على الله، و لا تخافوا أي شيء، و لا تأبهوا للتهديدات و الانزعاجات. هذا طبعاً لا يعني الغفلة عن العداوات، كلا، لا تغفلوا. الحق أن تنّين الفساد المالي ذي الرؤوس السبعة ليس بالشيء الذي يمكن القضاء عليه بسهولة. لا تظنوا أن الذين أصابوا ثروات طائلة من مصادرة الأراضي الوطنية و عبر مخالفة القوانين، و وجّهوا حركة الأموال نحو جيوبهم عبر استثماراتهم و احتكاراتهم سوف يجلسون الآن بعد أن توليتم المسؤولية هادئين و لا يرتكبون أية مخالفة، كلا، بل سوف ينسجون المؤامرات، و ينتهزون نقاط الضعف، و سيختلقون نقاط ضعف ليستغلوها. عليكم الحذر من هؤلاء.
إذن، توكلوا على الله من جهة، و راقبوا من جهة ثانية المتضررين من صواب ممارساتكم. أي مسؤول يعمل بشكل صحيح فسيكون هناك بالتأكيد عدد من الجشعين المفسدين الفاسدين يتضررون من منهجه. و هؤلاء ليسوا ضعفاء و لديهم عادةً إمكانيات معينة، فاحذروا من ضرباتهم. الساحة بالطبع ساحة صراع و كفاح كما قلت. في ساحة الكفاح يتوقع الإنسان أن يوجّه له العدو الضربات و يهاجمه، لكنه يتوكل على الله، و يوظف كل قدراته، و علومه، و ذكائه، و عقله و يتقدم إلى الأمام. » فإذا دخلتموه فإنكم الغالبون «. قال النبي موسى لبني إسرائيل: ادخلوا، و بمجرد أن تدخلوا و لا تهربوا من الساحة فإنكم سوف تنتصرون. إذن، المهم أن لا تولوا الساحة الأدبار، بل تبقوا فيها و تواصلوا العمل، و سوف يعينكم الله تعالى.
وصيتي الأخرى هي أن تحافظوا بكل قوة على التعاون القائم حالياً و الحمد لله بين أعضاء المجلس البلدي، و أيضاً بين المجلس البلدي و العمدة. ليلاحظ العمدة أن المجلس البلدي هو جذره و أساسه. و على المجلس البلدي أيضاً دعم و تقوية المدير الذي انتخبه بكل قوة. كونوا معاً، ليقوِّ المجلس البلدي العمدة لأنه الجندي الذي بعثه هو إلى وسط الساحة، و إذن، ينبغي عليه تعزيز جبهته الخلفية بنحو كامل. و على ذلك الجندي بدوره أن لا يرى نفسه منقطعاً عن جذره و أصله و قاعدته، بل يعتبر نفسه متصلاً به و منبعثاً منه. إنها منظومة واحدة لإدارة المدينة. طبعاً، لم يتم تعيين قيّم على المجلس البلدي في التنظيم الإداري للجمهورية الإسلامية، لأنه مجلس منتخب من قبل الشعب و هو الذي يختار العمدة، و يخمِّن الأعمال و يبرمج لها بهذه الأساليب الصحيحة و المناهج السليمة ثم ينفّذها.
أشار كلّ من المهندس جمران، والسيد أحمدي نجاد إلى أن المنهج العلمي هو المعتمد في العمل، و هذا شيء جد ضروري و لازم، و أنا أيضاً أشدد عليه. انتفعوا من العلم و الفكر و الخطط و الشخصيات العلمية. أضيفوا عقول أصحاب العقول إلى عقولكم ما استطعتم و عزِّزوا رصيدكم العقلاني لتستطيعوا النهوض بالأعمال.
لطهران قضايا و مشكلات عديدة سوف تعالج على المدى البعيد، و لكن عليكم معرفة هذه المشكلات. أحياء الضواحي حول طهران، و قضاياها الداخلية، و العمارة غير المتجانسة فيها، و التباين الكبير بين أحيائها.. هذه قضايا مهمة جداً عليكم معرفتها. حددوا المشكلات التي قد تنبثق عنها نقاط ضعف. قدِّروا الأخطار و خطِّطوا لمواجهتها. كونوا مستعدين و متجهّزين.
الجانب الآخر يتعلق بالشؤون الثقافية و الاجتماعية لطهران. ليست مهمة البلدية البناء فقط. و لحسن الحظ فقد ذكرتم في تقريركم بعض الأمور بخصوص القضايا الثقافية أيضاً. القضايا الثقافية و الاجتماعية للمدينة على جانب كبير جداً من الأهمية. حاولوا نشر وتسرية روح التدين و الأخلاق الإسلامية في أجواء مدينة طهران. هذه عملية ممكنة وحلّالة لكثير من المشكلات. الكثير من مشكلاتنا ناجمة عن الابتعاد عن الفضائل الأخلاقية. كلما ابتعدنا عن الفضائل الأخلاقية كلما تعقدت و زادت عقد الحياة أكثر. علينا التقرّب للأخلاق والملكات الإسلامية الفاضلة، و هذا متاح تماماً في الأجواء الثقافية للبلدية. إنه متاح في نوعية إدارة متنـزهات المدينة التي ليس لها ظاهر ثقافي بل هي أماكن يقصدها الناس للانتفاع منها، و هو متاح كذلك في المراكز الثقافية و طبيعة الأعمال التي تقوم بها البلدية في طهران كنصب اللوحات، و الإعلانات، و المرور، و الزحام، و جميع الأمور الأخرى من هذا القبيل. بمقدوركم استخدام كل هذه الوسائل لنشر الأخلاق الفاضلة بين الجماهير. اجعلوا هذه نيتكم و الأساس في تخطيطكم و برمجتكم، و الله تعالى سيمنُّ بعونه و إلهامه كي تجدوا الطرق الصحيحة لهذا و تسيروا فيها.
لا تتماشوا مع الفساد داخل تنظيمات البلدية، سواء الفساد الخاص بخارج البلدية و الذي يريد استخدام أدوات البلدية، أو الفساد المتغلغل لا سمح الله داخل خلية من خلايا البلدية و يريد الانتشار من هناك و إيجاد مناخ آمن له. أية مماشاة للفساد و إفساح المجال أمامه يضعضع الأرضية تحت أقدامكم و يجعل من العسير مواصلتكم أعمالكم و مهامكم. لا تسمحوا بتغلغل الفساد لأي زاوية من زوايا البلدية. هذه طبعاً مهمة صعبة. البلدية مكان يواجه فيه الإنسان المال، و الناس، و المراجعين، و أشخاصاً مستعدين لبذل الكثير من أجل بلوغ بعض مقاصدهم. ينبغي الحذر كثيراً في مثل هذه المؤسسات. هنا تنفع التقوى الإلهية. التقوى درع إذا ارتداه الإنسان فلن تضرّه شيئاً سهام الفساد و المعاصي المسمومة و لن تسقطه أرضاً. التقوى حصن الإنسان المنيع. لهذا أوصونا بالتقوى كل تلك التوصيات. الكثير من الأخطاء و الانحرافات التي تلاحظونها ليست لها جذور فكرية، لا تظنوا أنها إيديولوجيا معينة تحضّ الإنسان على هذا اللون من الممارسات، لا، جذور الكثير من هذه الممارسات هي أهواء الإنسان النفسية. تنـزلق قدم الإنسان في موضع ما و لا يتماسك، فيستمر هذا الانزلاق ويتخذ الإنسان موقف التسويغ فيصطنع لنفسه الإيديولوجيا. أحياناً ينحت الإنسان أسساً فكرية ليصلح أخطاءه. لنسد جميع الطرق و من كل مكان على أخطائنا و زلّاتنا، و الأفضل من كل مكان هو بداية المشوار، والأفضل من بداية المشوار هو الوقاية. هذا ما يعزّز فينا روح التقوى.
نتمنى أن يعينكم الله تعالى، و من واجبنا أن ندعو لكم و نحن ندعو لكم. التوصية التي طرحتموها سوف أذكرها للمسؤولين. نتمنى أن تستطيعوا بعملكم و جهودكم الصادقة المخلصة أن ترضوا الشعب أكثر فأكثر. أن تفتحوا الأبواب للناس كي يأتوا و يلتقوكم فهذه خطوة جد إيجابية و جيدة و قيمة. فحافظوا على هذا. هذه العملية فيها بالطبع جهود و متاعب، و لكن تقبّلوا هذه المؤونة و هذه الجهود كي تتمتعوا إن شاء الله بآثارها الطيبة. من أعظم الأجور التي يمنحها الله تعالى للإنسان عاجلاً هو رضا الجماهير - و الأجور الأكبر اللاحقة محفوظة طبعاً في مواطنها - و أن يشعر الناس بالفرحة والسرور و يشكروكم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.