بسم الله الرحمن الرحيم
لستُ مصرِّاً أبداً على أن أقول شيئاً في هذا الاجتماع. أنتم تعرفون كلامي و آرائي في الغالب. الآراء التي أذكرها في الجلسات العامة و تبث. و هي نفسها التي أطرحها على المسؤولين أو حين أتحدث لعموم الشعب. إذن، أنتم تعرفون آرائي. و لكن أريدَ لهذا الاجتماع أن تتحدثوا أنتم بمقدار معين و أتحدث أنا بمقدار معين. نتمنى أن يرضى الله عن كلامكم و كلامنا و يتقبله منا و منكم.
أنا طبعاً راض عموماً عن المحافظين في حدود ما شاهدته عن البعض عن قرب أو سمعته عن البعض الآخر. اعتقد أن هذه المنظومة منظومة صالحة. و في المحافظات التي زرناها لاحظنا عن كثب أن المحافظين و عوائلهم أناس مؤمنون مثابرون حقاً، و بعضهم حسنوا الأفكار و متوثبون و يعملون. حينما أشاهد بعض هذه المساعي في المحافظات التي أزورها أشكر الله. و لهم في الغالب علاقات جيدة و منطقية و صميمية مع ممثلينا - أي ممثلي الولي الفقيه في مراكز المحافظات - تتسم بالتفاهم. هذا شيء جيد. و التقارير التي يرفعونها لنا بخصوص المؤشرات المذكورة إيجابية في الغالب. حين ينظر الإنسان لبعض المحافظات يرى أن جميع المؤشرات إيجابية. بالطبع، التقارير التي تصلني ليست تقارير المحافظ. إنني استلم التقرير قبل زيارتي. و معلوماتي حول شؤون المحافظة التي أزورها جيدة نسبياً. و بعد ذلك حينما أشاهد الأمور عن قرب أرى أنها جيدة و العمل جيد. إنني أعدُّ هذا فضلاً و لطفاً من الباري، و أرغب في أن يستمر و يتابع.
قبل الخوض في القضايا موضع أهتمام بعض السادة، أرى أن هناك أموراً أهم من قضية الانتخابات. الانتخابات لأنها قضية الساعة فهي مثيرة و تلفت إليها الاهتمام رغم كونها قضية عابرة. و ليس مما يعارض توقعاتي أن تهتموا كمحافظين أو كمسؤولين في هذه المنظومة بقضية الانتخابات. و لكن ينبغي الحذر من أن تترك القضايا الرئيسية مكانها للقضايا الموسمية. اعتقد أن قضيتنا الرئيسية في المحافظات حالياً هي: الخطة الرابعة - التي ستتغير على الأغلب تغييرات بسيطة في المجلس - و الأفق الذي تعتمد عليه هذه الخطة و التي وضعت هذه الخطة في سياق الوصول إليه يستدعي أن تشعر كل واحدة من المحافظات بمسؤولية جادة و فورية و دؤوبة من أجل تحقيق هذه الخطة. طبعاً يمكن القول باللسان: نعم، صحيح، لكن الأمر على المستوى العملي صعب جداً و يتطلب الكثير من الجهد. و حين نقول صعب لا نعني أنه مستحيل، لكنه يتطلب بالتالي الحركة و الهمة و غض الطرف عن كثير من الأمور كي يستطيع الإنسان أن يتحرك و يحقق هذا الأمر. أتخطر أنني قلت في خطاب لي بقزوين إن ما فُهم عند تنظيم أفق العشرين عاماً وفقاً للحسابات هو أن هذا الأفق ممكن التحقيق شريطة أن نتحرك و نسعى و تسير المنظومة إلى الأمام.
ليس الأشخاص هم المعيار، لا أنا معيار، و لا أنتم شخصياً معيار، و لا الوزير الفلاني أو النائب الفلاني، أو رئيس الجمهورية الفلاني. المهم هو أن تكون حركتنا مؤسساتية. و الذي ينبغي أن يترك آثار أعماله حتى النهاية هو أنا و أنتم الموجودون الآن. وفقاً لهذه القواعد و الأركان سوف تتنظّم و تتقوم مهمات اللاحقين. لا يكون الأمر بحيث نمضي أنا و أنتم بعد عام لحالنا ثم يأتي آخرون و يقولون كان عليهم أن يفعلوا كذا و كذا أولاً لكنهم لم يفعلوا و ليس بوسعنا الآن النهوض بهذا الواجب، و يكونوا صادقين في كلامهم هذا لا سمح الله. اعتقد أن هذه الأمور تحتاج إلى همم.
الكلام الذي يقوله المسؤولون في المركز لا أنه غير مهم - بلى، جميع الأعمال في العالم تنطلق من أفكار و كلام، إذن فالكلام مهم جداً - بيد أن هذه الأهمية ترتبط بالطرف الآخر من القضية ألا و هو العمل.. و العمل في أيديكم أنتم المتواجدين في المحافظات. إنني أكرر الآن ذلك الكلام الدائم، فقد قلت ذات مرة إن لدينا بلداً و لدينا وزير داخلية، و كل واحد من المحافظين يعمل في محافظته كما يعمل رئيس الوزراء. و الآن أيضاً أعتقد أن المحافظ يمارس في المحافظة دور رئيس الوزراء. مهمة رئيس الوزراء ليست التنسيق و حسب، مهمتكم الرئيسة الحفاظ على المحافظة و تطويرها و وضعها على رقعة حركة البلاد و تنميتها و عمرانها. يجب أن تستقر محافظتكم في موضعها كي تكتمل هذه الخارطة. إذن تواجدكم و نشاطكم و جهودكم الجادة في المحافظة فوق كل الأمواج السياسية و غير السياسية العابرة. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية وأريد التشديد عليها.
ينبغي أن تلتفتوا للخطة و تتابعوها بدقة. أنتم في كثير من الأحيان كطفل يرضع اللبن من ثدي أمه. هذا ليس تجاوزاً عليكم أن تُشبَّهوا بالطفل، و لا تجاوزاً على الحكومة حين تُشبَّه بالأم. يمكنكم سحب الإمكانيات الموجودة لقطاعكم و اجتذابها إليه. و طبعاً أضيف هنا نقطة أخرى هي أنني لا أوصي اطلاقاً بالتفكير المحافظاتي الذي ينظر للمحافظة كجزيرة مستقلة. نعم، اعتقد أن مسؤول أي قطاع و رئيسه سيحمد حينما يتصدى بقوة و يدافع عن قطاعه. قبل سنوات وقع لأحد الأصدقاء و كان مسؤول أحد القطاعات الرياضية في البلاد وقع له خلاف مع القوات المسلحة و جاء إليَّ لمعالجة الخلاف. دافع دفاعاً شديداً عن قطاعه. قلت له إنني أغتبط لدفاعك هذا عن قطاعك و متابعتك المشوقة الدؤوبة للعمل. سوف لن أوافق كلامك بالتأكيد لأنني لا أعطيك الحق، لكنني أغتبط و أفرح لطريقتك هذه.
الحق أنني أفرح لدفاع المحافظ عن محافظته بكل جد و شوق و حميّة. و لكن لا نخال أن هذه المحافظة جزيرة مستقلة، لا، المحافظات ينبغي بتعبير ما أن تتكاثر، أي أن تحافظ على بعضها و تساعد بعضها. كل محافظة جزء من منظومة البلاد؛ هذا ما أوصي به بكل جد. سيروا ضمن هذا الإطار. من الخطأ أن توزّع الدولة إلى عشرين و نيّف من المحافظات، أو نقسّمها قومياً، أو عقيدياً. تجزئة الدولة خطوة مضادة للدولة مهما كان عنوانها و تسميتها. إنها خطوة لشلّ الدولة. ينبغي أن تكون الدولة متلاحمة كي تستطيع القيام بمهماتها.
الكثير منكم كان في أحداث الثورة و تعلمون أن أهم عمل سياسي كان يجري في الداخل في بواكير الثورة هو تجزئة الدولة. لا أقول إن هذه العملية كانت من فعل الأمريكيين منذ البداية، لا، كنا نحن نفعلها بدايةً، نزعاتنا الداخلية كانت تفعلها للأسف. لكنني لا أشك في الوقت نفسه أن أجهزة التجسس و السياسة العالمية في العالم و الساسة الدوليين ليسوا عمياناً، و إذن، لِمَ لا يوظفوا مثل هذه الفرصة الجيدة؟ إذا استطاعوا وظفوها، وإذا استطاعوا زادوا من لهيبها و نيرانها. كونوا يقظين حذرين من الوقوع في شراك تجزئة الدولة. التفرقة و التقسيم و تبضيع الدولة من الأعمال المضادة للدولة.
قلت مراراً مع إن الطريق وعر و غير سالك لكنني أراه واضحاً و مستقيما و يمكن السير فيه. و الأمور التي رواها بعضكم أيها الأعزاء عن محافظاتكم تؤيد جميعها هذا الرأي. ليس هناك أي نقص أو شحة في محفزات حركتنا و قوتها. إذن، لا يوجد سبب يجعلنا عاجزين عن التحرك في هذا الطريق الصعب الوعر، و أحياناً الملتوي، فلا نصل إلى القمة.
الأفق مشرق جداً أمامنا. طبعاً أسمع أحياناً و للأسف أن بعض مسؤولي البلاد يتحدثون هنا و هناك بكلام ينمّ عن اليأس. اعتقد أن من يفكر بهذه الطريقة قصير النظر جداً، كلا، أركان النظام متينة، و مواهبه الداخلية و إمكاناته عالية جداً. و القوة المتوفرة في أركان النظام و لدى دعامة هذه الأركان - و هي جماهير الشعب - عالية جداً. أنتم ترون تجمّعات الشعب و حركة الشباب. في الزيارات التي أقوم بها لمحافظاتكم تشاهدون هذه الحالة عن كثب. أنتم لا تعيشون شبهة أنه ربما حملوا جماعة من الناس من المكان الفلاني و جاءوا بهم إلى هنا فأنتم حاضرون هنا و ترون ما الحقيقة.. ترون أن الجماهير تعبِّر عن مشاعرها تجاه الثورة. أنا شخصياً غير مهم أبداً. أشكر الله على أن هذا الموضوع في رأيي أنا نفسي أقل أهمية مما قد يبدو لمن ينظرون إليه من الخارج. القضية هي أن هؤلاء يؤمنون بالنظام، و يرونه في إطار منظومة معينة أو في إطارنا أنا و أنتم فيحترموننا. القضية قضية الاعتقاد بالدين. النقطة التي ذكرها السيد محافظ كرمانشاه صحيحة تماماً. الأمر كذلك في كل مكان. أي إن هذا هو اعتقاد الشعب بالمستقبل و بالوضع الحاضر، و بالتحديات التي تواجهها البلاد. الناس تؤمن بالإسلام و الجمهورية الإسلامية. لماذا نستهين بهذا؟ هذه حالة على جانب كبير من الأهمية. حاولوا أن لا تقعوا في شراك أرباب الإعلام ممن يريدون حجب هذه الحقيقة عنّا.
الحق أن السلطة بأيدينا أنا و أنتم ليست لنا شخصياً، و لا لحزب أو فئة معينة، و لا لتيار بحد ذاته، إنما هي للنظام. و القدرات و الصلاحيات التي لدينا أنا و أنتم تعني مسؤولياتنا و واجباتنا. ليست لدينا أية صلاحيات خارج نطاق المسؤولية و الواجب، و إذا عملنا خلافاً لهذا سنكون - سواء أنا، أو أنتم، أو الوزراء، أو النواب - مسؤولين أمام الله و سنسقط عن التأهيل تلقائياً. ما سمعتموه من أن القيادة إذا خالفت فستسقط عن القيادة من تلقاء نفسها سواء عزلها أحد أم لم يعزلها - أي كل كلام أو تصرف أو فعل أو ترك فعل تمارسه خلافاً للشرع - يصدق عليكم جميعاً و على كافة مسؤولي النظام. إذا خالفنا لا سمح الله المسؤوليات التي قررها لنا الإسلام و الإيمان و الشريعة فسوف نسقط عن الاستيعاب و التمكُّن اللازم، كالماء الذي يخرج عن حالة الكُر، وعندئذ لن يكون جديراً بالاعتصام.
ما الذي ينبغي فعله في ضوء هذه النقاط؟ جميع محافظات البلاد جزء من إيران، و إيران خصوصاً في الوقت الراهن بلد مظلوم حقاً. إننا نتعرض للهجمات بجريرة إننا نريد أن نكون مستقلين و نقف على أقدامنا و نعتمد على شعبنا. هذا هو أساس العداء الذي يحاك ضدنا. الذين ينسجون الذرائع يعتقدون أن هذه الذرائع ليست حقيقية بل واهية. ينبغي أن لا نسقط في هذا الشراك و نكون حذرين.
الآراء التي ذكرتموها أيها السادة جيدة و ملفتة للنظر. طبعاً بعض أنماط المنطق التي طرحت كانت ضعيفة. أي منطق أن يقال مثلاً إنهم رفضوا مدّع عاماً؟ و هل هذه حجة؟ قيل بماذا سنجيب الناس؟ قولوا للناس إن هذا أمر جيد جداً. جهاز الإشراف جهاز صالح جداً و من الخير أن يقول بائع اللبن عن لبنه إنه حامض. كل باعة اللبن في العالم لا يقولون عن لبنهم إنه حامض أما باعة اللبن هنا فيقولون عن لبنهم إنه حامض. أو قيل إنهم رفضوا فلاناً و هو مراسل في العراق. هذا ليس منطقاً يمكننا التفكير على أساسه، لكن كلامكم لافت للنظر. طبعاً إذا حضر السادة من هيئة الإشراف إلى هنا و عقدوا اجتماعاً معي فسوف يتحدثون بأمور ضدكم على الأغلب. أنا لست محامٍ عنهم - لتتضح هذه النقطة - أنا محامٍ عن القانون، و عن دستور البلاد بالدرجة الأولى.
الذي أؤمن به هو أنه يجب العمل بالقانون سواء كان ذلك لصالحنا أو ضدنا. الكثير من القوانين التي يصادق عليها في المجلس قد لا تكون مما توافقونه و ترضونه، و الكثير من قرارات الحكومة قد لا تكون مما تستسيغونه أنتم أو أنا. لكننا يجب أن نعمل حتى بالشيء الذي لا نوافقه، و لهذا منطقه. منطقه هو أن القانون السيئ خير من اللاقانون أو خرق القانون. ليس من المنطق أن نقبل القانون حين يخرج حسب رغباتنا و لا نقبله حينما يُسنُّ خلافاً لميولنا و رغباتنا. اعتقد أن القانون هو الذي يجب أن يكون المِلاك. أما من الذي عمل بالقانون و من الذي خرقه في هذه القضية المتنازع عليها فهذا محل اختلاف بينكم و بينهم. كنت أتحدث مع السيد موسوي لاري قبل فترة و أتخطر أنني ذكرت هذه النقطة. أنتم تقولون أشياء و هم يقولون أشياء، و لكن هل يمكن القبول بادعاء أحد الجانبين هكذا من دون بيّنة؟ كلا.
إذا وصلت المسألة لمناطق حساسة و احتاجت إلى قرار، و إذا تجاوزت أطوارها القانونية و وصلت للقيادة، فلا شك أنني بأخوض في المسألة و أعمل بما أراه واجبي. و قد حدث هذا لحد الآن. و حدث بشأن الانتخابات و سيكون الحال كذلك في المستقبل أيضاً. لكن هذا لا يعني أنكم إذا وافقتم على صلاحية شخص و رفضها الآخر، أو رفضتموها أنتم و وافقها الآخر، فلا بد أن تتدخل القيادة لتحكم بينكم و بينهم، لا، ثمة قنوات و أساليب قانونية للمسألة. أو مثلاً إذا وافقتم على صلاحية شخص و لم يكن صالحاً و لكن أفلت الأمر منكم و لم تتنبهوا له، فقد أكون أنا ممن يعرفونه و لا يرضون بهذا الشي، و لكن ليس من واجبي أبداً أن أتقدم إلى الأمام و أقبض على هذا الشخص؛ العملية تأخذ مجراها القانوني. أنتم وزارة الداخلية و تقومون بمهماتكم. و مجلس صيانة الدستور و هيئة الإشراف مسؤولون و يقومون بمهماتهم. و طبقاً للقانون من واجبكم أنتم و إياهم أن تنهضوا بمسؤولياتكم. و أيٌّ منكم يعمل خلافاً للقانون، فهناك سبيل قانوني لمنعه. لا أن نقول إننا نرفض عملكم لأننا نعتبره بخلاف القانون، و يقول شخص آخر إننا نرفض عملكم لأننا نراه خلافاً للقانون. القانون واضح و بيّن و لغته جلية و ينبغي العمل وفقاً له.
قال بعض السادة طالما وصلت القضية الآن لمجلس صيانة الدستور تعالت الأصوات بضرورة اجتناب التوتر. ربما تقصدون أن مؤسسة الإذاعة و التلفزيون فعلت هذا، و قد تكون المؤاخذة على الإذاعة و التلفزيون واردة. لكنني لست محامٍ حتى عن الإذاعة و التلفزيون. ليعلم الكل هذا و الكثيرون يعلمونه. و لكن لا تنسوا أن البعض يهدد منذ فترة بالتوتر. نعم، حينما تُطلق تهديدات بالتوتر، أقول أنا أيضاً لكم إن التوتر مرفوض تماماً. واجبكم الأول في المحافظة هو الحافظ على الهدوء و الأمن كي تستطيعوا إقامة الانتخابات بصورة جيدة و سليمة و محكمة حقاً. الكثيرون ينتظرون الذرائع كي يثيروا الضجيج و التوتر. و لا شك في أنكم يجب أن تواجهوا هذه المسألة.
ليعينكم الله و يوفقكم و يؤيدكم و يشملكم بألطافه و هديه إن شاء الله. كما أننا نتوقع من السادة المحافظين الذين زرنا محافظاتهم في غضون السنة أو السنتين الماضيتين أن يطرحوا علينا ما قد يكتنف عملنا من بطء، أو تلكؤ، أو عراقيل بخصوص الوعود التي قُطعت خلال زيارتنا كي نساعد في معالجتها إذا اقتضت الضرورة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.