بسم الله الرحمن الرحيم
جئنا لمدينة بم من أجل تقديم العزاء لكم أيها الإخوة و الأخوات في هذه المدينة. و في الأيام الأولى لهذا الحادث المرير وفّقت لتقديم العزاء لأهالي مدينة بم الأعزاء المفجوعين عن قرب. لكن الحقيقة مع أني جئت في تلك الأيام و أوصيت بما يلزم، إلا أن نفسي لم تسكن، لأن مصيبة أهالي بم مصيبتنا جميعاً، و الألم و اللوعة التي نزلت بهؤلاء الأهالي نزلت في الحقيقة بجميع من لهم مشاعر إسلامية و إنسانية.
الجانب الآخر للقضية هو واجباتنا. لكلٍّ منا واجبه، و على الناس أيضاً واجبهم. و مسؤولو البلاد أيضاً عليهم واجبهم. مسؤولو المحافظة أيضاً عليهم واجبهم. هذه الواجبات واجبات إلهية، و إنسانية، و وطنية جسيمة، و سوف لن تنتهي بسرعة. لا يزال هناك كثير من العمل لتتحول بم إلى مدينة جديرة بأهالي بم. طبعاً ثمة أشياء يمكن تعويضها، بيد أن هناك أشياء لا يمكن تعويضها ألبتة. أقول لكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من مدينة بم: الأشياء ممكنة التعويض ينبغي أن يسعى المسؤولون و أنتم أيضاً لتعويضها. أما الأشياء غير ممكنة التعويض فاحتسبوها عند الله: » و بشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون «.(1) ليس للإنسان ملاذ أفضل من هذا. لو لا ملاذ التوكّل على الله و التعويل عليه في الأمور لحطّمت أعباء المصائب الثقيلة ظهر الإنسان. لهذه القضية بعد آخر. قلت مراراً للأصدقاء الذين تعرضوا لمصائب معينة و أقول لكم: هذه المصائب هي أحياناً بلاء على الإنسان، و هي أحياناً أخرى نعم للإنسان. إذا لم توقظنا المصائب بل جعلتنا نركن إلى الكسل لكان البلاء مضاعفاً. أما إذا وعّتنا المصائب على أنفسنا و ذكرتنا بضعفنا، و تقاعسنا، و غفلتنا، و بعثت فينا الهمّة لترميم هذه الثغرات لتحوّل هذا البلاء إلى نعمة نتمتع بها.
أعزائي، هذا معيار و ميزان مهم جداً للمسؤولين و لكم أيها الأهالي أصحاب المصيبة. اعملوا ما من شأنه تبديل هذا البلاء و المصيبة و اللوعة و الألم إلى نعمة إلهية بهممكم و مساعيكم و مثابرتكم، خصوصاً أنتم الشباب، و اعلموا أن هذا ممكن تماماً. مرور الزمن يغطّي الأحزان القديمة بطبقات من النسيان. إذا استطعنا التقدم إلى الأمام مع مرور الزمن فسوف ننتفع من هذا التقدم و العمل. و إذا لم نتقدم لا سمح الله و لم نضاعف عن عزمنا و توكلنا و همتنا و رصانتنا و اتحادنا و تضامننا فسيكون ذلك يوم الندم. الحد الفاصل بين الموت و الحياة لحظة واحدة لا تفرق بين الشباب و الشيوخ. أحياناً يرحل الشباب و يبقى الشيوخ. علينا جميعاً اغتنام الفرصة التي تسمى العمر لكي نعمل بواجباتنا الكبيرة الثقيلة في هذه الفرصة بأقسى ما نستطيع. هذه المصائب يجب أن تقربنا إلى الله و تضاعف من عزيمتنا و إرادتنا.
تجولت اليوم في المدينة بعض الشيء و شاهدت مناطقها المختلفة مباشرة. و قبل ذلك كنت قد استلمت تقارير من المسؤولين و ممن طلبنا أن يأتوا إلى هنا و يشاهدوا الوضع عن كثب. لكنني أردت مشاهدة الوضع عن قرب وقد وفقت لهذا اليوم و شاهدت الوضع عن كثب. أنجزت أعمال جيدة جداً. و هناك الكثير من الأعمال الجيدة لم تنجز. اتخذت خطوات مفيدة و لم تتخذ بعض الخطوات التي كان يجب أن تتخذ. في هذه الفترة يتحتم علينا جميعاً بذل كل ما بوسعنا لراحة الأهالي و تأمين احتياجاتهم وفق نظام دقيق صحيح. ما أنجزه المسؤولون لحد الآن قيم جداً. أنجزت أعمال كبيرة. غير أن الحاجة أكثر من هذا و لا تزال النواقص كثيرة. الواجب في هذه المرحلة هو سد هذه النواقص. و في المرحلة التالية كما سبق أن قلنا و قال مسؤولو البلاد و المحافظة يجب أن ترتفع بم من هذه الأنقاض بعزة و فخر و متانة إن شاء الله. هذا منوط بهمّتكم و همة المسؤولين و هو ما سوف يحصل.
طبعاً، أوصيكم أيها الأهالي، و انقلوا عني لمن لم يحضروا هذا الاجتماع أن يتعاونوا و يتعاطفوا مع المسؤولين الذين يريدون خدمتكم بكل ما يستطيعون، كي يتمكن المسؤولون من الإصغاء لكلامكم و يطّلعوا على شؤونكم و تستطيعوا أنتم أيضاً مساعدتهم كي ينهضوا بواجباتهم بنحو جيد. المواكبة و التعاطف و التعاون بين الجماهير و المسؤولين نعمة كبيرة جداً. هذا أمر يتعلق بالمواطن التي يرمي فيها الشعب و مسؤولو البلد لهدف واحد. و هكذا هو الحال في النظام الإسلامي. نتمنى أن يزيد الله من هذا التعاطف و المحبة و الثقة بينكم و بين المسؤولين يوماً بعد يوم. ستكون لي اجتماعاتي مع المسؤولين هنا و سأوصي الأصدقاء بما يلزم. و قد تمت في طهران توصيات كثيرة كما تمت البرمجة لهذه المهمات. نتمنى أن يستطيع الجميع العمل بما على عواتقهم.
لا نريد أن نتعبكم أكثر من هذا أيها الإخوة و الأخوات في يوم الجمعة. وفقكم الله و أيدكم. و نسأله تعالى أن يضاعف من توفيقكم و توفيق مسؤولي هذه المدينة و هذه المحافظة يوماً بعد يوم، كي نشهد مستقبلاً مشرقاً جداً في مدينة بم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.