بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله على أن وفقنا هذا العام أيضاً لأن نشهد بينكم أيها الطلبة الجامعيون الأعزاء، و الضباط الشباب، و المسؤولون المثابرون في هذه الجامعة و في القوة البرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن نشهد ثمرة مساعيكم و نجاحاتكم. أبارك للشباب الأعزاء خريجي هذه الجامعة، و كذلك كلية الفارابي، و الشباب الذين ارتدوا رسمياً من اليوم الزي العسكري بحصولهم على رتبهم و التحقوا بصفوف الخدمة. طبعاً، جميع الذين يطلبون العلم لهم قيمتهم، و كل واحد من شبابنا في أي فرع يجعل العلم حُلية وجوده و أنشطته في الحياة فهو ذخر و كنـز للبلاد. لكن بعض الطلبة الجامعيين و بعض المراكز الدراسية لها قيمتها و ميزتها الخاصة من نواح معينة، و أنتم من هذا القبيل. ثمة فرق بين شخص يطلب العلم و ينتفع منه لتأمين حياته - و هذا بدوره عمل قيم - و شخص يطلب العلم لينتفع منه لأجل البلاد و لخدمة أمن الشعب. و من بين الذين يستخدمون العلم لمصلحة البلاد و أمن الشعب، يُجزل الثناء أكثر على من يختارون الخطوط الأخطر. هذا هو سبب حبي و مودّتي للضباط الشباب و طلبة الجامعات في الفروع العسكرية. درس العزة و الشموخ من الحسين بن علي عليه السلام درس ثمين بالنسبة للشعب. و ثمة ميادين متنوعة للتعبير عن العزة و الشموخ الوطني، بيد أن أبطال القوات المسلحة الذين يحرسون بلادهم و شعبهم كالأسوار الحصينة، يعرضون صوراً أجمل للعزة و الشموخ الوطني. اعرفوا أيها الشباب الأعزاء قدر هذه الفرصة. و جميع الذين يبذلون أجسادهم و أرواحهم و طاقاتهم و مواهبهم لرفعة البلاد و الإسلام و النظام الإسلامي ليعرفوا قدر هذه الفرصة السامية.
النقطة الأخرى هي أن القيادة العسكرية ليست كإدارة الشؤون غير العسكرية. هناك فارق بين قائد عسكري و مدير مؤسسة أو معمل أو دائرة. ثمة في الآمرية العسكرية قيادة. جوهر الآمرية العسكرية هو القيادة. الآمر العسكري لا يقوم بإبلاغ التعميمات و الأوامر فقط، إنما يقود المجموعة التي تحت إمرته. أي إنه يهدي أفكارهم و أرواحهم و قلوبهم كما يهدي أجسامهم. أعدوا أنفسكم لهذا الشيء. مجموعة الأجسام و القلوب التي تحت إمرتكم يجب أن تنهض بمهمة الدفاع عن العزة و الفخر الكبيرة، و هي بحاجة لعلومكم و عقولكم و صفاتكم الإنسانية السامية. ورعكم، و تقواكم، و حلمكم، و صبركم، و ثباتكم، و استقامتكم حيال الصعاب، و الانتصار على عقبات الطريق، و توكلكم على الله العظيم و ثقتكم بحمايته و عونه، و سائر الخصال الإنسانية السامية، أحوال تحتاجونها لقيادة المجاميع التي تحت إمرتكم.
أيها الشباب الأعزاء، فترة الشباب أفضل الفترات للتعلّم. و بعبارة أفضل فإن الشباب أفضل زمان و ظرف لصيرورة الإنسان الحقيقية. هذا التعلّم ليس تعلم عقولكم فقط، بل هو تعلم قلوبكم و أرواحكم أيضاً. الكثير من السمات الإنسانية الرفيعة لا يمكن اكتسابها إلا في فترة الشباب. ما يمكنه أن يمثل رصيدكم في كل فترة خدمتكم و طوال سنوات حياتكم هو شرفكم الإنساني و الإسلامي المعتمد على الإيمان الراسخ و الخصال المعنوية و الملكوتية. أوجدوا هذه الخصال في أنفسكم. هذه الفترة مغتنمة جداً بالنسبة لكم.. هذه حاجة اليوم.. ليست حاجة الجيش أو القوات المسلحة فقط، و لا هي حاجة المنظومات العسكرية فقط، إنما هي حاجة شعبكم و بلادكم. أريد أن أقول لكم: إن هذه هي حاجة البشرية اليوم. عانت البشرية طوال التاريخ من استكبار العتاة و الأثرياء و الجبابرة و هيمنتهم. كلما نظرتم وجدتم معاناة البشرية على مر الزمان و بؤسها و تعاستها ناجمة عن الطبع الفرعوني و المنحى الاستكباري للسلطويين و أرباب الثروة و العتاة الذين لا حد لشهيتهم التي لا تشبع. و كذا الحال اليوم أيضاً. تلاحظون أن القوة الاستكبارية تتحدث مع العالم اليوم بوجه عسكري و بمنطق القوة؛ و حتى الطلاء الإعلامي السميك الخادع لوسائل الإعلام الغربية لم يعد قادراً على إخفاء الوجه القبيح للتجبّر و طلب الهيمنة. يتحدثون بمنطق القوة. و لا يُحجمون عن أي فعل مناقض للشرف من أجل تكريس هذه القوة.. يحرفون المفاهيم الإنسانية.. و يقلبون معاني المفردات الإنسانية الشريفة.. يكذبون على الشعوب علانيةً و صراحةً و يتحدثون عن سجايا هم منسلخون عنها بالمرة. أي شعب يستسلم لهذه الغطرسة و يرضى بالذلة فلن يمدحه التاريخ و لا أصحاب الضمائر الحية. ما من أحد امتدح شعباً أو كبار شعب و قادته بسبب استسلامهم مقابل العدو و ارتدائهم لباس الذل. الكل مدحوا الشعب و القادة و الجنود والمسؤولين الذين صمدوا أمام منطق القوة حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم. الاستكبار اليوم فارغ طبعاً من القوة المعنوية التي تخوّله تحقيق إرادته على مستوى العالم و هذه المنطقة رغم ضجيجه العالي. هناك أسلحة حديثة، لكنها ليست العامل النهائي للحسم. للحق والحقيقة أيضاً قوتها التي تعجز أمامها الكثير من الأسلحة الحديثة و فوق الحديثة. للشعوب أيضاً أسلحتها. الشرفاء و الشامخون أيضاً لديهم قواهم الكبرى غير المعروفة. واجب الشعوب، و شعبنا، و مسؤولينا هو أن يعدوا أنفسهم للدفاع الشريف عن مبادئهم و حدودهم. قضيتنا ليست مجرد الدفاع عن الحدود. ربما أدرك العدو - و هو في ذلك على حق - أن الهجوم على حدود الجمهورية الإسلامية لن يعود عليه بأية فائدة، لكن الهجوم على حدود المبادئ و العقائد - و هي حدود هويتنا الأصلية و الوطنية - موجود ضمن جدول أعمال العدو. على الجميع أن يكونوا مستعدين. العسكريون و غير العسكريين تقع عليهم واجباتهم في هذا السياق.
أيها الشباب الأعزاء، توكلوا و اعتمدوا على الله. استندوا على القوة الذاتية التي أودعها الله في داخلكم. فعّلوا مواهبكم و أظهروها إلى النور. اجعلوا من أنفسكم أشخاصاً سامين شرفاء تفخر بهم القوات المسلحة و هذا الشعب. عززوا عنصر القيادة في كيانكم داخل أجواء حياتكم و خدمتكم. ارشدوا المجاميع المجاورة لكم و المؤتمرة بأوامركم، و أصدقائكم، و معارفكم نحو الصراط الإلهي المستقيم بأعمالكم و ألسنتكم، و سيكون الله معكم.
أتمنى أن يشمل الله تعالى شهداء هذه الجامعة الأبرار، و شهداء القوة البرية و سائر قوى جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و شهداء حرس الثورة الإسلامية الكرام، و شهداء التعبئة الأعزاء، و كافة شهداء طريق الحق برحمته و مغفرته، و أن يحشر الإمام الراحل الجليل مع الأولياء و الأنبياء الشامخين.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.