الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.. نحمده و نستعينه و نؤمن به و نستغفره و نتوكل عليه. و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه و حافظ سره و مبلغ رسالاته، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين، و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.
أوصي جميع الإخوة و الأخوات المصلين، و نفسي خصوصاً، بتقوى الله، و الورع، و توخي رضا الله، و مراعاة التكاليف التي فرضها الله تعالى علينا لسعادتنا و إصلاح ديننا و دنيانا. إذا انتهج القائل تقوى الله هداه الله تعالى في قوله، و إذا عمل المستمع و العامل بتقوى الله عرّف الله تعالى قلبه على الحق و الحقيقة و هدى قدراته و طاقاته نحو تحقيق الحق و العدل. التقوى رصيد الهداية، و الفرج، و الاقتدار، و العزيمة، و الإرادة الإنسانية. لنغتنم هذا التجمع من أجل الاهتمام بالتقوى. ليست التقوى سوى مراقبة الذات في أقوالها، و أفعالها، و علاقاتها، و قراراتها. لنحذر من تدخل الإرادة الشيطانية في قراراتنا، و أعمالنا، و أفكارنا، و كلامنا. هذه هي التقوى. كل من كانت له هذه المراقبة أعانه الله و سدده. لا أنه لن يخطئ أو سيكون معصوماً من المعاصي و الأخطاء، لكن الله تعالى سيعينه و يأخذه بيده. هذا هو سر ضرورة الاهتمام بالتقوى و التوصية بالتقوى في كل صلاة جمعة. إمام الجمعة نفسه بحاجة لهذه التوصية. كلنا بحاجة لأن يوصونا بالتقوى و ينبهوا قلوبنا و يذكروها بهذا العمود الإسلامي المتين.
في بداية حديثي في هذه الخطبة أرى من الضروري أن أشكر شعبنا العزيز على مسيرته الهائلة و العظيمة جداً التي أقامها يوم الثاني و العشرين من بهمن في كل أنحاء البلاد. فقد أثبت الشعب خلافاً لإرادة أعدائه و أعداء هذا البلد و النظام أنه متواجد في الساحة و محبٌّ لمصالحه و يشارك أبناؤه في الموضع الذي يكون لهم فيه دور فيمارسون دورهم. أثبت الشعب الإيراني هذا الشيء في الثاني و العشرين من بهمن لهذا العام كما في كل عام. أقول لكم إن مظاهرات الثاني و العشرين من بهمن ظاهرة منقطعة النظير في العالم. ما من بلد يشهد أو يتذكر مثل هذا التجمع في مدنه الكبرى و الصغرى في أية مراسم. هذا شيء يختص بكم. الشعارات واحدة، و المحفزات واحدة، و الوعي و الفهم للحقائق فيما يخص هذه الممارسة الهائلة واحد في كل أنحاء البلاد. هذه ظاهرة على جانب كبير من الأهمية؛ لها مضمونها و رسالتها و تدل أولاً على أن الشعب يقظ و واعٍ و متنبّه لمصالحه. و تدل ثانياً على أنه يحب مصير بلاده و نظامه و ثورته و معلم الثورة الكبير الإمام الخميني. إنهم يتداولون و ينقلون هذه المعارف السامية جيلاً بعد جيل. في هذه التجمعات الهائلة هناك شباب لم يكونوا قد ولدوا في الثاني و العشرين من بهمن سنة 57(1)، يشاركون بنفس حماس و اندفاع الذين امتلأت أذهانهم بخواطر تلك الأيام العظيمة. هذه حالة مهمة للشعب و تمنحه المناعة و القوة. أنا بوصفي خادم و أحد أبناء شعب إيران أشكر من الصميم كل واحد من أفراد شعبنا العزيز على تحركهم الشعبي العظيم هذا. علينا نحن المسؤولين معرفة قدر هذه الظاهرة العظيمة و الاستجابة بنحو مناسب و الشعور بالمسؤولية الذي يبديه الشعب. هذا الشعور بالمسؤولية يجعل واجباتنا ثقيلة.
سأتحدث في هذه الخطبة عن الثورة بعض الشيء. أولاً ما هي ثورتنا و ما الدور الذي ألقي على عاتقها و مارسته؟ ثانياً ما هي دوافع معاداة هذه الظاهرة و التي استمرت لحد الآن رغم أن الأعداء قد يتغيّرون أحياناً؟ ثالثاً ما هي أساليب المكر التي يستخدمها أعداء هذه الثورة و هذه النظام؟ رابعاً ما هو سبيل العلاج؟ هذه هي رؤوس نقاط ما سأقوله في الخطبة الأولى و أحاول أن أوجز إن شاء الله.
كانت هذه الثورة بداية عهد جديد في تاريخنا. كنا نحن الشعب الإيراني نعاني الاستبداد لأحقاب طويلة في الماضي. الملوك المستبدون المتجبرون كانوا يمسكون بكل صلاحيات هذا البلد. كانوا يعتبرون البلاد ملكهم و الشعب رعاياهم. و أضيف في العهود الأخيرة - أي في أواخر العهد القاجاري و طوال العهد البهلوي - داء و وجع آخر لهذه الظاهرة ألا و هو التبعية. إذا كان الملوك القدماء مستبدين فإنهم لم يكونوا تابعين مطيعين للقوى الأجنبية. أما منذ نهايات العهد القاجاري و خلال كل فترة الحكم البهلوي فقد كان الملوك مستبدين و تابعين في الوقت نفسه! فكان هذا داءً مضاعفاً أصاب النظام السياسي الحاكم في إيران خلال الفترة الماضية. كان لهذا الاستبداد و التبعية آثار و تبعات عديدة على بلادنا و شعبنا. هذه الدكتاتورية و التبعية هي التي أبقت بلادنا متخلفة، و أهدت مصادرنا و ثرواتنا الطبيعية للأعداء و حالت دون نمو شعبنا فكرياً و علمياً، و صرنا نحن الذين كنّا ذات يوم حملة رايات العلم في العالم شحاذي العلم - بل و شحاذي مخلفات علوم الآخرين و نتاجاتهم الضعيفة قليلة الأهمية - و مددنا يد الحاجة نحو الآخرين! فكانوا يضعون في أيدينا شيئاً قليلاً متى ما شاءوا، و يمنعوننا متى ما شاءوا، و غالباً ما كان يحدث الشيء الثاني. إذن، تحول شعبنا إلى شعب متخلف ضعيف بسبب شؤم تلك الدكتاتوريات و التبعيات. و قد تم نهب نفطنا و سائر مصادرنا. و قد وضعوا للمستقبل خططاً أخطر بكثير من الماضي. حينما ينظر المرء في وثائق الفترة الأخيرة من الحكم البهلوي المشؤوم يرى بوضوح أنه كان لهم خطط لمستقبل هذا البلد و هذا الشعب خطيرة جداً لو تم تنفيذها لتأخرنا مائة عام أخرى. لكن الثورة جاءت و أوقفت هذا السياق و بدأ عهد جديد في تاريخ شعبنا. السمات الأربع الرئيسية للثورة و هي الاستقلال، و الحرية، و الثقة بالذات، و التقدم، أركان متينة ركزتها الثورة في هذا البلد رغم كل المعارضات و العداوات.
الاستقلال يعني أن الشعب و الحكومة الإيرانية لم يعودا مضطرين لقبول ما تفرضه القوى الأجنبية، و أن يحصل كل يرغب فيه الأجانب و يريدونه. فلا تنبس الحكومة ببنت شفة إذا نحروا مصالح البلاد. ولا يتفوه أحد بشيء إذا جرى التطاول و الاعتداء على مصادر البلاد الوطنية، و إذا عارض الشعب ذلك هبّت الحكومة و طرقت على رأسه! هذا واقع لمسناه في العهد البهلوي بجلدنا و لحمنا و أجسامنا و أرواحنا. جاءت الثورة و جعلت الشعب و البلاد و الحكومة مستقلة. ما من قوة في العالم اليوم تستطيع التنفّذ في قضايا بلادنا و فرض شيء علينا. مسؤولو البلاد ينظرون و يفعلون ما يرونه المصلحة. و الشعب يرى أداء المسؤولين و يحكم فيه، إذا استساغه وقف سنداً للمسؤولين، و إذا لم يستسغه استبدلهم .. الخيار بيد الشعب.
الحرية تعني أن شعبنا ينتخب مسؤولي البلاد ضمن إطار قانونه و ليس القانون المفروض من قبل الآخرين. إذا كان راضٍ عن أدائهم فسوف يستمر هذا الانتخاب. و إن لم يكن راضٍ استبعدهم و انتخب غيرهم. هذا هو أهم فرع من فروع الحرية في بلادنا. حرية الفكر و حرية التعبير عن الرأي متوفرة في بلادنا راهناً بنحوها التام. وإذا قالت الإذاعات الأجنبية خلافاً لهذا فالشعب نفسه يرى. ثمة أشخاص يرفضون النظام و الحكومة و القيادة لكنهم يتحدثون و يطرحون آراءهم و ليس لأحد شأن بهم. ما من شخص يحاسب حالياً من قبل أجهزة الحكم لأنه يطرح عقيدته. طبعاً هؤلاء يبقون ساخطين غير راضين و السبب في سخطهم هو أن الشعب لا يصغي لكلامهم. هذا ليس ذنب أحد. الناس لا يحبونهم و لا يحملون ذكريات طيبةً عنهم. شاهد الشعب أشباههم و نظائرهم في الماضي القريب منذ بادية الثورة و لحد الآن، لذلك فهو لا يثق بهم. هذا ليس ذنب أحد. إذن، الحرية متوفرة.
ثالثاً الثقة بالذات. تحققت لهذا الشعب ثقته بذاته نتيجة الثورة الإسلامية و النظام الإسلامي، أي إنه آمن أنه قادر. هذا هو الدرس الذي أعطاناه الإمام و أهداه لنا المناخُ العام للنظام الإسلامي. شبابنا، و طلبتنا الجامعيون، و أساتذتنا، و باحثونا، و أرباب الصناعة في بلادنا يؤمنون اليوم بأنهم قادرون. هذه الثقة بالذات ساعدتنا في المضمار العلمي. حققنا راهناً تقدماً كبيراً على الصعيد العلمي، لكننا لا نزال متأخرين. لا يظنّن أحد لأننا تقدمنا في ميدان العلم فقد بلغنا الغاية و هذا يكفي، لا، لقد أبقونا متأخرين كثيراً، لكننا تقدمنا للأمام كثيراً طوال هذه الأعوام الخمسة و العشرين. طبقاً للإحصاءات، فإن تقدمنا العلمي خلال فترة الثورة أكبر و أعلى من التقدم العلمي في العالم كله. قبل أيام جاء حشد من الشباب النخبة و ذكرت لهم هذه النقطة. الثقة بالذات ساعدتنا في ميادين العلم، و السياسة، و الدفاع عن البلد. لولا ثقتنا بالذات في فترة حرب الثمان سنوات لذاق هذا الشعب الأمرّين و لسُحق هذا البلد. كان للشاب ذي الخمسة و عشرين ربيعاً من الثقة بالذات و الإيمان و التوكل بحيث يسلّمونه قيادة لواء كامل، فيذهب، و يعمل، و يخطط، و يستعد، و يتحرك، و يبادر، و يعمل الأعمال الكبرى. هذه الثقة بالذات موجودة حالياً. جامعاتنا اليوم تعمل في المشاريع العلمية، و شبابنا يتقدمون علمياً و قد أقلقوا العالم في مجالات التقدم العلمي. كل هذا بفضل الثورة. لا يريدون لشعب و بلد إيران أن يتقدم علمياً. و قد قالوا هذا صراحةً. ما لم يتطور البلد علمياً و اقتصادياً فسوف يفرض عليه الجبابرة ما يريدونه بالقوة. اليابان الذي كان تحت الهيمنة و الاحتلال لملم وضعه و تقدم علمياً. الغربيون الذين لا يرغبون إطلاقاً في النظر لمنطقة الشرق أو الاهتمام لعرق غير عرقهم الأوربي، مضطرون لأخذه مأخذ الجد بسبب تطوره العلمي. قيل في بعض المراكز السياسية أو السياسية - العلمية في أمريكا إننا لا نريد ظهور يابان إسلامية! اليابان الإسلامية هي أنتم. قالوا لا نريد أن نسمح لشعب إيران أن يبدي تقدماً علمياً. إنهم يرون حركة الشعب الإيراني، و يشاهدون هذه الثقة بالذات؛ و هذا أيضاً من بركة الثورة و النظام الإسلامي.
رابعاً: التقدم. لقد تقدمنا اليوم بالرغم مما أراده أعداؤنا و أشاعوه. ليس معنى هذا التقدم و التطور أننا بلغنا أهدافنا. قلت مراراً و أقول الآن أيضاً: إنني كطالب حوزة ثوري مؤمن بالإسلام و الثورة اعتقد أننا لا نزال في منتصف الطريق بخصوص الكثير من أهدافنا. كنا نروم العدالة الاجتماعية و استئصال الفقر و بناء البلد بنحو شامل. لكننا لم نبلغ هذه الأهداف لحد الآن و لا نزال في منتصف الطريق. لكننا في الوقت ذاته سرنا و تقدمنا للأمام و قطعنا من الطريق مسافة ملحوظة. هذه إنجازات حققتها الثورة و النظام الإسلامي.
هذه الأركان الأساسية الأربعة للثورة أتّت ببركة الإسلام و تحت رايته. لولا الإسلام لما تحقق الاستقلال، و الحرية، و الثقة بالذات، و التقدم. هذه أشياء منحها لنا الإسلام.. إنها موهبة الإسلام. البعض يعارضون اسم الإسلام، و البعض يعارضون أحكامه، و البعض يعارضون روحه. هؤلاء لا يدركون أية ضربة يوجهونها لبلادهم و لمستقبل بلادهم.. إنهم ينشرون بالمنشار الغصن الذي يجلسون عليه. يريدون قطع جذور حركة الشعب الإيراني. طبعاً قوة هذه الشجرة الطيبة و ثباتها أكبر من هذا لحسن الحظ . على كل حال البعض يجرح، لكنهم مخطئون.
ما هي العداوات؟ ثمة من يخال أن مسؤولي الثورة أو الإمام الخميني رضوان الله عليه يختلقون الأعداء، كلا، ليست هذه هي المسألة. إذا كان لكم بيت اغتصبه شقي ظالم لسنوات طويلة ثم راجعتم المؤسسات القانونية بوثائقكم و مستنداتكم و صبرتم كي تستعيدوا البيت فمن الطبيعي أن يعاديكم ذلك الظالم. لا يمكن توجيه اللوم لكم بأنكم جعلتموه عدوكم. لقد أردتم أخذ حقكم، وهذا ليس اختلاق أعداء. كانت هناك مائدة ممدودة أمام الأجانب و فعلو كل ما أرادوا بهذه المائدة المابحة.. لملمت الثورة هذه المائدة، و من البيّن أنهم سوف يعادونها و يحقدون عليها و يسخطون. لقد أحيت هذه الثورة الآمال في العالم الإسلامي و العالم العربي. حينما انتصرت ثورتنا كان العالم العربي و العالم الإسلامي يغطّ على العموم في حالة ركود و صمت و قنوط. فرض الصهاينة أنفسهم و مشاريعهم و أفزعوا الجميع و لم يكن أي شعب يتصور أن كوّة أمل سوف تُفتح له. و فجأة تفتّحت بوابة الفرج العظيمة و استعادت الشعوب آمالها. تصوّر الصهاينة أنهم ابتلعوا فلسطين و انتهى الأمر. لاحظوا اليوم أن شعب فلسطين نزل إلى الساحة بكل وجوده و بكل قدراته و لا يزال صامداً رغم الضغط الشديد الذي يوجهونه ضده. هذه ليست هزيمة إسرائيل و حسب، بل هي هزيمة أمريكا .. إنها هزيمة كل القدرات الصهيونية المتسلّطة على العالم. شعب أعزل محاصر في الأراضي الفلسطينية أعجزهم و أذلهم جميعاً. إنها روح الأمل التي أيقظت شعب لبنان. في أيام ثورتنا كانت الأوضاع صاخبةً في لبنان. كان الصهاينة يفعلون ما يشاءون بلبنان: يهجمون، و يقتلون ، و يعتدون، و تحلّق طائراتهم في سماء لبنان و تعود و كأنها سماء بلادهم! و مقابل ذلك اشتبكت الفئات اللبنانية فيما بينها. قبيل انتصار الثورة جاءوا بشريط للمرحوم الدكتور جمران مدته ساعتان سمعته و أنا في مشهد. كان هو في لبنان و شرح تفاصيل الويلات التي يلاقيها أهالي ذلك البلد. أما الآن فبلغ الأمر بشعب لبنان أن يوجّه لإسرائيل ضربة لم يوجه مثلها أي بلد عربي للصهاينة منذ بداية تواجدهم في المنطقة. قبل سنتين فرضوا عليهم الانسحاب، و قبل أسابيع حرروا عدة مئات من سجنائهم و احتلفوا بكل اقتدار على الرغم من الصهاينة. لولا الأمل في قلب الشعب لما حصلت هذه الأمور، و أنتم الذين منحتم هذا الأمل. إفشاء الأمل هذا ملحوظ حالياً في كل العالم الإسلامي و العالم العربي، و لا مجال لعرض تفاصيل النماذج الآن. الثورة الإسلامية بثت الأمل في العالم الإسلامي و أحيته. و واضح أن الثورة حينما تنـزل إلى الساحة بهذه الخصائص فسوف يعاديها الذين استفادوا من خمول العالم الإسلامي و ضعفه. و الكائن الحي الذي نمثله نحن يدافع عن نفسه طبعاً. إذا كان الشعب حياً و تعرض للعداء فمن الطبيعي أن يبدي ردود فعل. لا يمكن أن نقعد مكتوفي الأيدي و يعادوننا سياسياً و اقتصادياً فنقول إننا سنسكت و لا ندافع عن أنفسنا لأننا لا نريد اختلاق أعداء لنا! هذا ليس منطقاً عقلانياً. هذه هي مسألة العداوات.
بأية أساليب و خدع تتم ممارسة هذه العداوات؟ لا يقولون صراحةً إننا أعداء. يعادوننا، و لكن بطريقة منافقة. أعداؤنا العالميون و الدوليون في أمريكا و بعض مناطق العالم الأخرى ممن يحرِّشون الحكومات كان هذا مكرهم منذ بداية الثورة و إلى اليوم. أولاً يحاولون الاستهانة بالمتاع القيم الذي حققه الشعب الإيراني و استصغاره. ما حققه الشعب الإيراني يعلنه بشموخ و فخر. لقد عرضنا تجربة جديدة في العالم. استطعنا تكريس الديمقراطية في بلادنا لا بشكل منفصل و غريب عن المعنوية و الدين، بل بنحو نابع من الدين و المعنوية تماماً. البلدان التي تتحدث حكوماتها و بعض نواب مجالسها اليوم عن الديمقراطية و حرية الانتخابات كانت ديمقراطيتهم غريبة عن المعنوية، لذلك زيّفوا تلك الديمقراطيات خلافاً لأصوات الشعب حيثما لزمهم ذلك. رئيس جمهورية أمريكا الحالي يحكم في أمريكا بأقل من خمسة وعشرين بالمائة من أصوات شعبه، و بحكم المحكمة! هذه هي الديمقراطية التي لا تصاحبها المعنوية. ثم إنهم رغم ادعائهم الديمقراطية يمدون يد الصداقة و الأخوة و الصحبة لأفضع دكتاتوريات العالم استبداداً! لاحظوا دكتاتوريات العالم و الانقلابات العسكرية! كل هؤلاء أصدقاء مقربون لهذه الديمقراطيات في العالم و أنصار الديمقراطية و حكومة الشعب. حينما لا ترافق الديمقراطيةَ المعنويةُ و الحقيقةُ و الدينُ فستكون هذه هي النتيجة. لقد طرحنا تجربة جديدة. استلهمنا الديمقراطية من الدين.. ديمقراطيتنا ترافقها المعنوية و الدين. لذلك كانت ديمقراطية دينية، و كانت جمهورية إسلامية. الشعب يغتبط بهذا الانجاز و يدافع عنه و يفخر به. يحاول العدو في إعلامه دوماً الاستهانة بهذا المكسب و بخسه قيمته و تصغيره. يقول الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام لتلميذه إذا كانت في يدك جوهرة ثمينة و قال الناس كلهم إنها حجر و كنت تعلم أنها جوهرة ثمينة فلن تصدق كلام الناس كلهم. و إذا كان في يدك حجر و قال الناس كلهم إنها جوهرة ثمينة فلن تصدق كلامهم أيضاً لأنك تراه حجراً. حينما تكون هناك جوهرة ثمينة لو قال العالم كله إن ما في يدك لا قيمة له ستبقى تراه متاعاً قيماً. لقد أدرك شعبنا ذلك و علمه، و لذا نراه صامداً ثابتاً.
من أحابيلهم قضية حقوق الإنسان، و من أحابيلهم قضية الديمقراطية. في بريطانيا دافع أحد نواب المجلس بكلمة واحدة عن تلك الفتاة الفلسطينية فطردوه من الحزب و من المجلس، ثم يتشدقون بالديمقراطية و الحرية! في سنوات الثورة الأولى ذكرت في منبر صلاة الجمعة هذا المناضلين الإيرلنديين و شخصاً اخر يدعى » بابي ساندز « الذي سمّي شارع في طهران باسمه. مات بابي ساندز في السجن بعد خمسين يوماً من إضرابه عن الطعام. و مات شخص ثانٍ بعد إضرابه عن الطعام و أظن أن شخصاً ثالثاً و رابعاً أيضاً أضرابا عن الطعام، لكن هؤلاء البريطانيين أنفسهم أنصار حقوق الإنسان و داعمي الإضرابات و الاعتصامات في المناطق الأخرى، بقوا متفرجين! هذه هي مزاعم السادة في الدفاع عن حقوق الإنسان. لاحظوا ما الذي يجري في فلسطين راهناً، يهدمون البيوت، يقتلون النساء و الأطفال أمام أنظار الجميع، و هؤلاء السادة أنصار حقوق الإنسان لا يبدون أدنى ردود فعل. ثم يقولون إننا نطالب بحقوق الإنسان في إيران! ألا يحق لشعب إيران اعتبارهم كذّابين مخادعين؟ أنصار حقوق الإنسان؟!
ما هو سبيل الحل و العلاج؟ شعب إيران لديه سبيل علاج سار عليه لحد اليوم ألا و هو الصمود و الاعتصام بمبادئه و أصوله و المشاركة في الساحة. قلتُ يومها لشعبنا العزيز، و أقولها الآن أيضاً: أيها الشعب الإيراني العظيم، اعلموا أنه لولا صمودكم و تواجدكم في الساحة لما أمكن نظام الجمهورية الإسلامية و لا أيّ من مسؤوليها أن يستمروا حتى لسنة واحدة. عززوا إرادتكم و حافظوا على تواجدكم و وحدتكم. نرى و نعلم أن شعب إيران عمل بهذا لحد اليوم، و سيكون الأمر كذلك بعد الآن أيضاً. شعبنا شعب ممتاز. و إلى جانب هذا على المسؤولين أن يبذلوا جهوداً علمية مخلصة كفوءة ذكية و يعالجوا المشكلات واحدةً تلو الأخرى، و ينهوا هذا الطريق الذي نحن الآن في نصفه. يجب أن يضاعف هذا الشعب من قوته و تطوره باستمرار سواء من الناحية العلمية، أو الناحية السياسية، أو الناحية الاقتصادية. هذا هو سبيل الحل أمام الشعب الإيراني. جانب من هذه العملية يعود للشعب، و قد عمل الشعب و سيعمل بعد الآن أيضاً بفضل الله و حوله و قوته. و جانب منه يقع على عاتق المسؤولين حيث ينبغي أن يعرفوا واجباتهم جيداً و يعملوا بها. في هذه الحالة لن يعود للعداوات من أثر. طبعاً يضغط الأجانب اقتصادياً و سياسياً و لكن لا فائدة من ذلك. قد تكون هناك ضغوط اقتصادية ضد الشعب الإيراني على المدى القصير، لكنهم يعلمون بدورهم أن هذا سيعود بالفائدة على الشعب الإيراني و بالضرر عليهم في المدى البعيد. هذه الضغوط هي التي دفعت شعب إيران و علماءه و شبابه الموهوبين للسير في سبل العلم و اكتشاف الطرق العلمية المعقدة صعبة المنال. إذن، الضغوط الاقتصادية لا تأثير لها. و طالما كنتم في الساحة لن يكون للضغوط السياسية أيضاً تأثيرها.
أبدى هذا الشعب مساعٍ هائلة و جهاداً عظيماً، و قد وفّاه الله تعالى أجوره طبقاً لوعوده: الاستقلال و النظام الإسلامي. كتب الله لكم عاقبة طيبة و سوف تبلغون هذه العاقبة إن شاء الله.
ربنا، أنزل رحمتك و فضلك على هذا الشعب و زد منه يوماً بعد يوم. ربنا، ألّف بين قلوبنا يوماً بعد يوم. اللهم بمحمد و آل محمد لا تحجب نظرة لطفك عن هذا الشعب. أرضِ القلب المقدس للإمام المهدي ( أرواحنا فداه ) عن هذا الشعب و مسؤوليه. ربنا، قُرُّ عيوننا بجمال ذلك المحبوب الكبير.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر.

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين، سيما علي أمير المؤمنين و الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سبطي الرحمة و إمامي الهدى، و عليّ بن الحسين سيد الساجدين، و محمد بن علي باقر علم النبيين، و جعفر بن محمد الصادق، و موسى بن جعفر الكاظم، و علي بن موسى الرضا، و محمد بن علي الجواد، و علي بن محمد الهادي، و الحسن بن علي الزكي العسكري، و الحجة بن الحسن القائم المهدي. اللهم صل عليهم و صلِّ على أرواحهم و أجسادهم و أحشرنا معهم و اجعلنا من شيعتهم. و صلِّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.
أوصيكم مرةً أخرى إخوتي و أخواتي الأعزاء و نفسي بالتقوى. حديث التقوى يبقى هو الأطيب و الأهم و الأكثر تأثيراً. حيثما كان فينا روح التقوى و الشعور بها و نزلنا به إلى الساحة كنّا موفقين ناجحين. و حيثما فشلنا و زلّت أقدامنا و تراجعنا، إذا دققنا في أدائنا وجدنا أن ذلك ناجم عن عدم تقوانا. إذا كانت التقوى لن يُحرم الفرد أو الجماعة أو الشعب أبداً من هداية الله و فرجه.
ثمة موضوعان أو ثلاثة على جانب من الأهمية و أهمها هو موضوع الانتخابات. الانتخابات مهمة لشعبنا ، و لأصدقائنا في العالم. و هي مهمة أيضاً بالنسبة لأعدائنا. هذه الانتخابات و كما كانت سابقاتها موضع اهتمام و تدقيق من قبل أصدقائنا و من قبل أعدائنا. و هي مهمة جداً بالنسبة لشعبنا أيضاً.
تعود أهمية انتخابات المجلس لسببين. أولاً لأن تواجدكم عند صناديق الاقتراع يعد أبرز مظاهر المشاركة الجماهيرية و هذه هي دعامة الثورة و البلاد. الذين يتابعون الأخبار يرون أن المراكز السياسية في العالم ترفع رؤوسها هنا و هناك و تقول إننا قلقون من الانتخابات الإيرانية و نتابع شؤونها. هذا يعود للسبب المذكور. ينظرون ليروا هل ستتواجد الجماهير في الساحة أم لا. فإذا كانوا متواجدين معنى ذلك أن من المتعذر إيذاء هذا النظام، أما أذا ضعف تواجد الجماهير عندئذ يستنتجون وجود مسافات فاصلة بين الشعب و النظام و أن الأرضية ممهدة للتدخل و الهيمنة و الاستحواذ ثانية على هذا البلد. لذلك يهتمون للانتخابات. إذن الأهمية الأولى للانتخابات تعود إلى أنها خندق البلاد. تواجد الشعب عند صناديق الاقتراع يصون مصير الشعب و يصدّ العدو عن مزيد من التطاول، و التعدي، و الوقاحة. طوال الأعوام الخمسة و العشرين الماضية جرّب أعداء إيران سبلاً متنوعة للسيطرة على هذا البلد و فشلوا في جميعها. و بقيت أعينهم مسمّرةً على هذا السبيل. كل الجهود و الإعلام الذي يصدر عنهم و كل الكلام الزائد الذي يطلقونه يعود لهذا السبب. يريدون فصل الجماهير عن النظام. الانتخابات تصفع العدو على فمه و تبث في نفسه اليأس و تشعِره أن الجماهير تقف بقوة و ثبات في ساحة الدفاع عن البلاد و حدودها و مصالحها و نظامها.
السبب الثاني لأهمية انتخابات المجلس هو أنكم بانتخابكم نواب المجلس تقررون في الحقيقة مصير البلاد للسنوات الأربع القادمة. انتخابات المجلس مظهر تدخل الشعب في مصيره و شؤون بلاده، فالمجلس مركز التشريع و التقنين، و القانون معناه الطريق الذي يُفتح كي يسير عليه المسؤولون التنفيذيون و يصلحون و يعمرون بجهودهم أنحاء البلاد ومناطقها المختلفة. افتتاح الطرق يقع على عاتق القانون، و القانون يسنّه نوابكم في المجلس. إذن، المجلس على جانب كبير من الأهمية. أضف إلى ذلك أن المجلس حسب الدستور يشرف على الحكومة. إذا عملت الحكومة في موضع من المواضع بطريقة خاطئة أو السيئة، أو سلكت طريقاً غير صائب، أو حصل استغلال و فساد لا سمح الله فالمركز الذي يستطيع الحؤول دون الفساد و الانحراف هو المجلس. لاحظوا كم هو مهم! يتشكل هذا المجلس بأصوات الجماهير. كلما كانت الأصوات أكثر كلما كان المجلس أقوى. حينما تعرفون عن شخص أنه صالح و جدير و تبتعثونه للمجلس فقد استطعتم استخدام جزء من قدراتكم في بناء المستقبل و تطويره. من هنا تنبع أهمية المجلس. لذا يتحتم على الشعب و من أجل مصالحه و مصالح البلاد و النظام أن لا يسمح بضمور عظمة الانتخابات و حماسها. للأسف بعض الذين يمتلكون المنابر - الأقلام أو الخطابة - و بوسعهم أن يتحدثوا لا يتفطنون لعظمة الانتخابات و المجلس. يعملون و يقولون ما من شأنه تثبيط الناس عن المشاركة في ساحة الانتخابات و الاقتراع. هذا نتيجة الغفلة و عدم التنبه. و إلا فكل إيراني غيور و محب لعزة إيران و عمران البلاد و مصير الشعب يجب أن يسعى لتشكيل مجلس قوي شامخ. طبعاً للمجلس السابع سمة إضافية و هي أنه يجب أن يقطع الخطوة الدورية الأولى باتجاه أفق العشرين عاماً. تمت المصادقة على أفق العشرين عاماً و أبلغ للمؤسسات و الأجهزة المختصة و هو في الحقيقة طريق جد قويم و متين نحو مستقبل مشرق يفتتح أمام الشعب و المسؤولين. الدورة الأولى ذات الأربع سنوات نحو هذا الأفق يجب أن تقطع من قبل هذا المجلس، و الخطوة الأولى يجب أن يضعها هؤلاء النواب، و هي خطوة مهمة. في العالم أناس حريصون على مصالح الجمهورية الإسلامية. هؤلاء هم من الشعوب و من الحكومات. هناك من بين الحكومات من يحرص على مصالح الجمهورية الإسلامية لأسباب عديدة. و الكثير من الشعوب لا سيما الشعوب المسلمة تحرص أيضاً على هذه المصالح. أنظار هؤلاء جميعاً مسمّرة على الانتخابات. تطمح قلوبهم لأن تكون هذه الانتخابات قوية، حماسية، و تبرهن على عزيمة الشعب الإيراني الراسخة. و ثمة أناس في العالم يريدون السوء لشعب إيران. هؤلاء يريدون إما أن لا تقام الانتخابات أساساً كي تغيب هذه الدعامة الجماهيرية، أو إذا أقيمت تقام بنحو بارد جداً و خالٍ من الروح. قبل يومين ظهر عدد من نواب الكونغرس الأمريكي أمام عدد من أنصارهم و وجّهوا أوامر للشعب الإيراني تقضي بعدم الحضور عند صناديق الاقتراع! أي دليل أوضح من هذا على صحة الفكرة التي طرحتها قبل أسبوع على الشعب الإيراني و قلت إن الاستراتيجية العامة للعدو هي عدم إقامة انتخابات في البلاد؟ و السبب واضح. فلو لا الانتخابات لبقي البلد و النظام دون سند. إنهم يعلمون هذا. لذلك يريدون عدم إقامة الانتخابات.
بعض البرلمانات الأوربية أوصلت تدخلها في هذه المسألة حد الوقاحة. كلامهم ليس له أهمية طبعاً، ليقولوا ما يريدون. نحن أيضاً لدينا الكثير من الكلام حول ممارساتهم و نقول كلامنا. نحن نقول كلامنا و لا نداريهم، كلا، مسؤولو البلاد يطرحون نقاط الضعف في أعمالهم بصوت عالٍ على الدوام. لذلك لا نعتب عليهم أبداً لما يقولونه، ولا نتوقّع منهم غير هذا، و لكن على الجميع أن يعلموا - سواء حكوماتهم أو برلماناتهم - طلما بقيت القضية ضمن حدود الكلام و الأقوال فلن نهتم لذلك، و لكن إذا أرادوا التمادي للوصول إلى التدخل في شؤون بلادنا فإن الشعب الإيراني سيوجه صفعة قوية لأفواههم جميعاً. الشعب و المسؤولون سيعملون بفضل من الله و طبقاً لواجبهم الثوري و الديني بما تمليه عليهم مصالحهم و بكل وعي و بصيرة. طبعاً، يلاحظ المرء أحياناً بعض الأمور من قبيل أن تعتب بعض الأجهزة على بعضها، و قد تضخّم العتاب أحياناً. أنا لا أؤمن بأن يبادر المسؤولون في مثل هذه الظروف الحساسة للشكاة و العتاب على بعضهم. ينبغي النظر لمصلحة البلاد و الشعب. حصلت خلال الشهر أو الشهرين الأخيرين ممارسات أفرحت الأعداء. طبعاً كان شعبنا يقظاً واعياً و لا يزال. أدرك ما الذي يجب عليه أن يفعله و ما الذي يجب عليه أن لا يفعله. عمل بالشيء الصحيح؛ أحسنتم أيها الشعب. لكن الإنسان يأسف حين يرى البعض يحبّون أن يفعلوا ما يصفّق له أعداء هذا الشعب خارج الحدود! هذا عار، إذا رأيتم العدو يصفِّق لكم فانظروا أين هو الإشكال في أدائكم. قال الإمام: الويل لنا يوم يمدحنا العدو! متى يمدح العدو الإنسان؟ كانت و لا تزال هناك الكثير من النقاط المثيرة للإعجاب في شعبنا و بلادنا و إمامنا يعترف بها الأعداء في قرارة قلوبهم لكنهم لا يريدون الاعتراف بها بألسنتهم. حينما يصفق العدو لأحد و يهتف لصالحه و يشجعه فعليه أن يدرك أنه على خطأ. البعض يقرعون على طبول تعطيل الانتخابات - و هم بفضل من الله ليسوا من كتلة الشعب بل هم معزولون - و الآن أيضاً يظهر هنا و هناك أشخاص يقولون للناس لا تشاركوا في الانتخابات، أو إننا لن نشارك. هذا خطأ. هذا ليس طريقاً صحيحاً. على الشعب القيام بما يضمن مصلحته بوحدة كلمة. و لا أوافق أيضاً قول البعض إذا لم يكن كذا زال الإسلام و انهدم. و البعض يقولون إن لم يكن كذا سحقت الجمهورية و زالت، كلا، ليس الأمر كذلك. الإسلام و الجمهورية متلازمان في هذا البلد و في هذا النظام. جمهوريتنا مستمدة من الإسلام، و إسلامنا لا يسمح بعدم قيام ديمقراطية في هذا البلد. لم نشأ أن نتعلم الجمهورية من أحد. الإسلام هو الذي علمنا هذا الشيء و أملاه علينا. الشعب معتصم بالإسلام و مؤمن بالجمهورية. الله و الشعب يقعان في ذهنية هذا الشعب و في هذا النظام على طول بعضهما، و قد وفّق الله هذا الشعب للسير في هذا الطريق. يأتي البعض و يقولون إذا لم نكن نحن أو إذا لم يكن كذا و كذا، فسيمحى الإسلام. و يأتي البعض ليقولوا إذا لم نكن نحن أو إذا لم يكن كيت و كيت، زالت الجمهورية و الديمقراطية.. لا .. ليس الأمر على هذه الشاكلة. استطاع هذا الشعب، و هذا النظام، و هذا الإطار، و هذا الدستور أن يضمن الإسلام و الجمهورية على السواء. طبعاً حين قلنا ممارسات تفرح الأعداء لا ينصرف الذهن نحو المسؤولين، لا، مسؤولو البلاد و العديد من نواب الشعب في مجلس الشورى الإسلامي و المواقع الأخرى محبون مخلصون. ثمة جماعات صغيرة، و هم موجودون في كل مكان بالتالي، قد يكونوا ممن يرتدون زيّنا، و قد يكونوا من العاملين في مراكز التشريع أو غيرها، هم الذين تصدر عنهم ممارسات تفرح الأعداء و عددهم قليل. إذن، ينبغي أن لا تتشوش الأذهان بخصوص الجماعة الواسعة من مسؤولي البلاد، سواء في المجلس، أو في الأجهزة التنفيذية، أو في المؤسسات الأخرى.
على الناس ملاحظة المعايير في انتخابهم للنائب. حينما أنظر أجد و الحمد لله أن هناك بين المرشحين للانتخابات عدداً كبيراً جداً من الشخصيات صاحبة الشهادات، و الصالحة، و الكفوءة، و المطّلعة، و المتدينة، و المخلصة. ابحثوا و شخصوا الأصلح من بين هؤلاء أو استشيروا من تأمنونه و تطمأنون له، و ابتعثوا هؤلاء للمجلس من أجل ممارسة العملية التشريعية. اعتقد أن أهم شروط النائب هو أن يكون متديناً، كفوءاً، مخلصاً، شجاعاً. إذا اجتمعت هذه الشروط الأربعة في نائب فسيفعل الشيء الذي تطمحون و تتطلعون إليه. النائب يجب أن يكون متديناً. عدم التدين و اللاتقوى حالة سيئة تجعل الإنسان عرضة للآفات و الأضرار أينما كان. و إذا كان في موقع حساس كانت هشاشته خطيرة و ذات عواقب جد وخيمة. النائب يجب أن يكون كفوءاً. البعض متدينون لكنهم لا يستطيعون فعل شيء. ينبغي أن يكونوا بحيث يستطيعون النهوض بالواجبات الملقاة على عاتقهم.
ثالثاً يجب أن يكونوا مخلصين للشعب، و خصوصاً الطبقات الفقيرة، و يعملوا لهم و يفكروا بهم. في انتخابات الدورة السابقة قلت - و ربما كان ذلك في صلاة الجمعة - إن مرشحي الانتخابات يجب أن يحذروا من اعتبار أنفسهم مدينين للأثرياء و المقتدرين و ما إلى ذلك. إذا كان الشخص مديناً للأجهزة و المؤسسات و الأشخاص و المال و السلطة فلن يعود قادراً على الإخلاص للشعب. إذن، الإخلاص أيضاً شرط كبير.
الشرط الرابع هو أن يكون النائب شجاعاً. هذا الشعب شعب شجاع حرّ. شعب لا تفرض عليه تهديدات القوى العالمية المتكبرة التراجع. إذن، نائبه أيضاً يجب أن يكون شجاعاً غير هيّاب. الشجاعة قبال الأعداء، و الشجاعة حيال الباطل، و الشجاعة في قبول كلام الحق. إذا استطعتم بأنفسكم تشخيص أفراد يتوفرون على هذه الخصوصيات فصوّتوا لهم. أما إذا كنتم لا تعرفونهم بأنفسكم فاسألوا الأمناء الذين تطمئنون إليهم أينما كنتم من هذه البلاد، و سوف يعرّفونهم لكم، ليتشكل إن شاء الله مجلس قوي، شعبي، معتمد على أصوات الجماهير، و قادر على النهوض بالمهام الكبرى الملقاة على كاهله، و سيرضي الشعب و يفرحه إن شاء الله بما يليق بهذا الشعب الحر الكبير، و هذا ما يستتبع رضا الله أيضاً.
من الضرروي أن أشير أيضاً إلى أن مختلف المسؤولين في شتى الأجهزة و الأقسام قاموا بأعمال جيدة كبيرة في المراحل السابقة للانتخابات. قبل أيام قليلة ذكرت أسماء المسؤولين و الآن أشكرهم جميعاً جزيل الشكر. و هناك مراحل لاحقة أهمها إقامة الانتخابات و صيانة أصوات الشعب. الحفاظ على أصوات الشعب و صيانتها قضية مهمة للغاية. ليبذل المسؤولون كل سعيهم لتتم صيانة أصوات الجماهير إن شاء الله، و تقام انتخابات نزيهة و لا تُوفّر الذرائع في هذه القضية لهذا و ذاك.
أرجو من المرشحين للانتخابات أن يطرحوا في إعلامهم كلاماً واقعياً، و يقولوا للناس ما يستطيعون القيام به حقاً و ما يؤمنون به فعلاً. و يتركوا الناس أحراراً لينتخبوا من يشاءون. و لا يُعمل بالإسراف و التبذير في الإعلام. إنني أخال أن من يجتنب الإسراف و الممارسات غير اللائقة في الإعلام في سبيل الله، فإن الله تعالى سيعينه و يوفّقه فيما يقصد إليه.
اللهم بمحمد و آل محمد زد من فضلك على هذا الشعب يوماً بعد يوم. أرضِ عنا القلب المقدس للإمام المهدي، و أرضِ عنا أرواح الشهداء الطاهرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله و الفتح، و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبّح بحمد ربك و استغفره إنه كان تواباً.
والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - 11 شباط 1979 م ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران.