بسم الله الرحمن الرحيم
هذا اللقاء محبّب و طيّب جداً بالنسبة لي. طبعاً أريد لهذا اللقاء أن يكون رمزياً. أي إن اجتماعنا في أحد أيام شهر رمضان من كل سنة خلال الأعوام القليلة الماضية بعدد من الشباب و الشابات من الطلبة الجامعيين و الإفطار معهم هو خطوة رمزية بحد ذاته. أودّ عبر هذه الخطوة التعبير للرأي العام عن أهمية شريحة الطلبة الجامعيين و الدور البالغ الأهمية لهذه الشريحة في حاضر البلاد و مستقبلها. كما أرغب أن يظهر النظام الإسلامي بمظهر المرحب بنمو التيار الطلابي الجامعي و كافة الخصائص و السمات التي يتميز بها هذا التيار. هذه الخصائص هي الأمور التي ذكرتموها أنتم و تعلمونها: تدفّق الشوق و الموهبة، و المحفزات الشابة، و المطاليب المبدئية، و حب المبادئ التي قد تبدو أحياناً مستحيلة المنال بالنسبة لغير الشباب، لكن الشاب لا يفكر هكذا إطلاقاً، بل يجد و يسعى في سبيل هذه المبادئ، و هذه المساعي هي التي تنقذ الشعوب و البلدان من الركود. هذا هو الهدف الرئيس من اللقاء.
و أن تتحدثوا أنتم ففي هذا أيضاً فائدة ثانية خاصة لي أهتم بها. طبعاً قال بعض الأحبة لتطرح بعض الأسئلة و معنى هذا أن أجيب أنا. هذه الجلسة ليست لهذا الشيء لأنني لو أردت إقامة جلسة أسئلة و أجوبة لما انتهت في النصف ساعة بل الربع ساعة المتبقية حتى الأذان. جلسة الأسئلة و الأجوبة تستغرق وقتاً أطول من هذا. كان لي في الماضي جلسات أسئلة و أجوبة و سيكون لي في المستقبل إن شاء الله. هذه الجلسة من أجل أن أستمع إليكم. أرغب أن تتحدثوا و أستمع. و هو ما كان الآن رغم ضيق الوقت. تحدث عدد منكم و استمعت و سجلت بعض الملاحظات. و قد تم تسجيل الكلمات التي ألقاها الإخوة و كذلك أختنا المحترمة، و سأطلب المتابعة.
أذكر نقطتين أو ثلاثاً فقط. النقطة الأولى هي أنني متفائل فيما يتصل بأجواء الجامعات و حركة الطلبة الجامعيين، و ذلك خلافاً لآراء بعض الطلبة الجامعيين الخالية من هذا التفاؤل. و هذا التفاؤل ليس وليد البساطة و التسطيح. لقد أمضينا أعمارنا في هذه الشؤون على كل حال. في هذه السنين و بالوضع الذي أنا عليه ليست البساطة محتملة بنسبة كبيرة. و أنا استلم معلومات مفصلة عن وضع الجامعات العلمي، و الثقافي، و الأخلاقي، و المعنوي، و محصلة كل هذه المعلومات هو ما قلته: إنني متفائل.
في المجال العلمي توجد هذه النواقص التي ذكرتموها: مشكلة الأساتذة، و مشكلة الإدارة، و مشكلة البرمجة، و مشكلة شحة الاعتمادات و الميزانية و... الخ. أعلم هذه الأمور، و أنا أطرحها و أتابعها باستمرار منذ عشرة أعوام في لقاءاتي بالجامعيين من أساتذة و طلبة و مدراء. طبعاً تم تحسين جانب كبير من هذا الواقع. و لكن رغم كل هذه المشكلات لا يزال التوثب و الشوق العلمي و ازدهار المواهب محسوساً في جامعاتنا. ليس بوسعنا تجاهل هذا و العزف على أوتار اليأس فقط. و قد قال عزيزنا الأخير: » أريد أن أبشّر، و قد أنذر الآخرون... « لكن تلك البشارة الواحدة ضاعت وسط إنذاراته! رغم أنها بشارة حقيقية.
البشارة التي أتحدث عنها حقيقية. النهضة العلمية و ازدهار المواهب في جامعاتنا في تحسن و تطور. لاحظوا أن المتطوعين للمشاركة في الأولمبيادات الداخلية و الخارجية لشتى الفروع العلمية آخذ عددهم في الزيادة. وافوني بتقرير يقول إن عدد المتطوعين للمشاركة في أولمبياد الرياضيات كان مائة ألف طالب إن لم أكن مخطئاً. هذا رقم كبير. و قد قال أصحاب الخبرة و الاطلاع أن ما لا يقل عن أربعين ألفاً من هؤلاء المائة ألف طالب يتمتعون بوضع دراسي مثالي. أو في العلوم الأساسية نحتل في الأولمبيادات العالمية دوماً مرتبةً ضمن البلدان الأولى في العالم. و حتى في فرع الحاسوب - و هو فرع مستورد مائة بالمائة، أي إننا لا نمتلك أية سوابق فيه - استطعنا إحراز مراتب عالية في الأولمبيادات العالمية. للموهبة الإيرانية دورها في هذه النتائج، و قد كانوا ينكرون هذه الموهبة. إنني أصرخ دوماً منذ سنوات: » الموهبة الإيرانية «.. و اليوم تحول هذا الشيء إلى ثقافة بعد كل هذه السنين. يؤمن الجميع اليوم أن الإيراني صاحب موهبة. وإلا فقد كانوا في الماضي ينكرون حتى هذا المقدار ويقولون: » لا يستطيع الإيراني فعل شيء، و ينبغي اليأس منه «. هكذا كانوا يوحون للأذهان. للموهبة دورها لكنها لا تكفي. و قد بذلت المساعي سواء من قبل فاعل الفعل - الطالب الجامعي - أو من قبل الإدارة و الأساتذة و ... الخ. هذا سياق إيجابي. فلماذا نتناسى كل هذا و نقرع طبول اليأس فقط؟ هذا ما يتعلق بالجانب العلمي من القضية.
قال أحد الأعزاء إنني قلت في صلاة الجمعة إن توقعي من المجتمع العلمي في البلاد هو أن نصدّر العلم للعالم بعد خمسين سنة وهذا ليس بالمستحيل. راجعوا أنفسكم الآن وإذا وجدتم هذا الكلام مستحيلاً في رأيكم اعلموا أن تلك الثقافة المفروضة لا تزال في أذهانكم.. الثقافة القائلة: أنتم لا تستطيعون.. أنتم غير كفوئين. علينا محو هذه الثقافة المفروضة. إنه ممكن تماماً. كنا نعاني من ساسة فاسدين، و حكومات مستبدة، و أنظمة تابعة للغرب و أمريكا. كلما أردنا تفجير مواهبنا طوال المائة و خمسين أو المائتي عام الأخير - و هي فترة انبثاق العلوم و تطورها - قمعوها و كبتوها. إذا أردنا إنتاج هذه الصناعات الصغيرة التي تستورد من الغرب - الزجاج، و الأقمشة، و أفلام التصوير، و ... - كانوا يتآمرون، و الشركات العالمية التي تريد أن يكون لها مستهلكوها في العالم لم تكن ترضى بمثل هذا الشيء لذلك كانت تحول دونه. و حكوماتنا السابقة كانت حكومات تابعة، و فاسدة، و غير صالحة، أو عديمة الكفاءة و الجدارة. تحطمت هذه السدود بعد الثورة. و طبعاً لولا الحرب المفروضة و بعض القضايا الأخرى لأتيح للإدارة الثورية أن تعمل أفضل مما كان بكثير. ستحصل هذه الإنجازات في المستقبل إن شاء الله و بفضله و ببركة النظام الإسلامي و الثورة. هذا هو المصير المحتوم لبلادنا.
و هكذا هو الحال على الصعيد الأخلاقي. البعض يبالغون كثيراً بخصوص القضايا و المشكلات الأخلاقية في الجامعة. و أنا لا أريد إطلاقاً التفوّه بكلمة قد يتشجّع بها الشخص الذي يعاني مشكلات أخلاقية فيتصور أن مشكلته شيئاً سهلاً صغيراً. لكني أريد القول إن جيل شبابنا الجامعي نادر و رفيع المستوى من النواحي الأخلاقية و المعنويات و المشاعر الإنسانية الرقيقة و بفارق كبير لا فقط بالقياس إلى البلدان الغربية المبتلاة بالمعضلات الأخلاقية، بل حتى بالمقارنة للبلدان الإسلامية. في إحدى الجامعات - ربما يعرفها الكثيرون منكم، و لا شك أن بعضكم من هذه الجامعة - يتفق الطلبة الجامعيون على صيام يوم الأول من شعبان فيجمعون بطاقات طعامهم و ينفقونها على الفقراء. ليست القضية هنا قضية مساعدة فقراء، إنما هي قضية الصيام، و التوجّه إلى الله، و السلوك في طريق العبادة. هذه الحالات ليست لحسن الحظ مهجورة و غريبة و قليلة في جامعاتنا. حتى الاختلافات السياسية و الفئوية و سوء الأخلاق الذي يلاحظ هنا و هناك لا يمكنه إزاحة هيمنة النـزعة المعنوية.
تصوري و توقعي و تطلع النظام الإسلامي من الطلبة الجامعيين هو أن يكون الطالب الجامعي مثقفاً إسلامياً متديناً بالمعنى الكامل للكلمة. ثمة على مستوى العالم تيارات - و لبعضها فروع في إيران - لا ترتضي الطالب الجامعي مستنيراً مثقفاً و لا إسلامياً متديناً. لا ترتضيه مثقفاً لأنها تريده متعصباً متحجراً لحزبه و للخط السياسي الوافد. حينما نقول تحجّر تنصرف أذهاننا فوراً إلى التحجر الديني. نعم، ذلك أيضاً نوع من التحجر. بيد أن التحجر ليس التحجر الديني فقط، إنما الأخطر منه هو التحجر السياسي الناجم عن شكل الانتماءات الحزبية و التنظيمات السياسية التي لا تسمح لأحد بالتفكير إطلاقاً. إذا سقنا له عشرة أدلة مقنعة على أحقية موقف معين فسيقبلها لكنه يتصرف بشكل آخر على المستوى العملي! لماذا؟ لأن هذا هو ما يريده منه الحزب أو التنظيم السياسي المسيطر عليه كعرّاب المافيا. هذا ما يراه الإنسان للأسف هنا و هناك و حتى في المناخ الجامعي. إذن، المنظومة التي تبتلى بمثل هذا التحجر لن تعود مثقفة، إذ أن طلب الحق و فتح العيون و الخضوع للمنطق و البرهان من ضروريات الاستنارة. و لا يريدونه إسلامياً لعلمهم أن الإسلامي خطِر. جل المتاعب التي تواجه معسكر الاستكبار اليوم و بخاصة أمريكا و الصهيونية - و هي متاعب كثيرة جداً - تعود إلى أن المسلمين بلغوا مرتبة من الوعي الذاتي كان للإمام الجليل و شعب إيران و ثورته و نظامه دور كبير فيها. جل متاعبهم ناجم عن هذا الواقع. لذلك يريدون قمعه و محوه. ومن هنا نراهم غير راضين أبداً لإسلامية الطالب الجامعي.
اعتقد أن اتحاد التنظيمات الطلابية الجامعية - الذي أشير إليه - حالة إيجابية، و لكن لا بمعنى اضمحلال كل التنظيمات و انبثاق تنظيم واحد. هذه ليست تجربة صحيحة. فلن تمضي فترة طويلة حتى يبدأ هذا التنظيم نفسه يعاني مشكلات عديدة تعاني منها كثير من التنظيمات. السبيل الصحيح هو اقتراب هذه التنظيمات الطلابية الموجودة من بعضها بتفاهم و نظرة للحق و بما يتحلى به الطالب الجامعي من ميزات، فتضع كلمة الحق فيما بينها و تنطلق التحيزات و المعارضات و الآراء من البراهين و المنطق.
أعزائي، الجامعة مركز للعلم و الوعي. كل ما يضايق العلم و الوعي مكانه ليس في الجامعة. تتلقى الجامعة أخطر الأضرار و الخسائر و الضربات من هذه التدخلات و الأدوار التي يمارسها المتحجرون السياسيون في المناخات الجامعية. يجب أن تكون الجامعة فضاءً للعمل العلمي و البحثي. يجب أن تكون موقعاً ليس فيه خداع، و غش، و مغالطات، أو أن تكون نسبة هذه الممارسات السلبية فيه ضئيلة. يجب أن لا يستطيع المتعيّشون على الغوغائية و الذين يمكنهم العيش في الأجواء الغوغائية أساساً فتصعب عليهم الحياة خارج هذه الأجواء، يجب أن لا يستطيعوا ممارسة دور في الجامعات. هذا هو المتوقع من الجامعات و الشباب الجامعي و الأساتذة و مدراء الجامعات و ما عليهم تطبيقه عملياً. و السبيل إلى ذلك هو أن نعمل اعتماداً على ركيزة الوعي. لنفترض أن هناك نقاشاً سياسياً.. حسناً، الاختلافات السياسية و السجالات السياسية حالة طبيعية و لا عيب فيها، و ليس في المضمار السياسي فقط بل حتى في المجالات الدينية يساعد اختلاف الرؤى و تباين وجهات النظر على التقدم و لا مانع من ذلك أبداً. أنا بصفتي طالب حوزة قضيت عمري في عالم طلاب الحوزة و كنت في الحوزة العلمية شاهدت أن طرح فكرة تخالف الرأي المشهور لا يعد ذنباً في الحوزة العلمية، لكن لذلك شرطه. و الشرط هو أن يكون طرح الفكرة و مناقشتها ممارستين علميتين. لنفترض مسألةً سياسية تطرح في الجامعة و تكون موضع اختلاف في وجهات النظر. ما المانع من ذلك؟ يُطلب من المفكرين و أصحاب الاختصاص مناقشتها في أجواء هادئة، و النظر لها من زاوية علمية. و مثل هذا الشيء ممكن في الصعد الدينية أيضاً. من جهة ترتبط كثير من القضايا موضع اهتمام الطلبة الجامعيين ارتباطاً وثيقاً بالمسائل الدينية و الإسلامية. هذا يحتّم على العلماء، و المفكرين في الحوزة الخوض في هذا الميدان مما يستتبع رقياً فكرياً و تنضيجاً للفكر الإسلامي. يتعين أن نطالب بهذا الشيء و كل ما يخالفه لا يناسب البيئة الجامعية. الغوغائية و رفع القبضات المشدودة لأجل لا شيء و اختلاق الصخب و الضجيج، و على حد تعبير بعض الأعزاء - ممن يتحسرون كثيراً - إهانة المقدسات حالة غير مناسبة. طبعاً أنا لا أتحسر بمقدار ما يتحسر الذين يتحسرون، لأن جزءاً من ذلك يعود لمرحلتكم الشبابية. أنتم شباب و لم تروا هذه الأشياء.. تضطربون بسرعة. أما نحن فقضينا عمراً رأينا فيه الكثير من هذه الأمور، و نعلم أنها ليست بشيء ذي بال.
التوجه الفوضوي يتعارض مع ما يجدر بالجامعات مائة بالمائة. معارضة النظم و مع كل ما يمكن أن يكون - و البعض من هذا القبيل - ليست حالة مناسبة للجامعات. طبعاً، الواجب الأساسي للجميع - طلبة جامعيين و غيرهم - هو بالدرجة الأولى الدفاع عن النظام الإسلامي. و أقول لكم: إنني لا أقول هذا لأني عضو و مسؤول في هذا النظام، كلا، أنا ذلك الطالب الحوزوي الذي كنت. مشاعري و معنوياتي لا تختلف أبداً عن تلك التي كانت لي في سنوات القمع و الكفاح، و لا أزال الآن أيضاً ذلك الإنسان الذي كنته، طبعاً بحيوية أقل و تجربة أكبر. إنما أقول هذا لأن هذا النظام الإسلامي هو اليوم الخندق الوحيد للكفاح ضد الظلم و الاستكبار في العالم، إذ لا يوجد مثل هذا الخندق في أي مكان آخر من العالم. الكثير من الحكومات الحالية تقبّل العتبة الأمريكية بل حتى العتبة الصهيونية على الرغم من إرادة الشعوب، و المثقفين، و مشاعرهم الداخلية القلبية! الكثير من البرلمانات الأوربية قبّلت العتبة الصهيونية و صارت رقيقاً لأموالهم. صارت خادمة لجيوبهم! الموقع و القوة المعروفة في العالم كمؤسسة رسمية سياسية - بما لها من منابر إعلامية تناسبها - و التي تعتمد على شعب من ستين مليون نسمة، و لا تزال تعد خندق الدفاع عن الحرية و العدالة و المبادئ الإنسانية و الدولية، هي إيران الإسلامية راهناً. الدفاع عن هذا النظام واجب الجميع و لا يختص بمن يكون عضواً في هذا النظام أو جزءاً من المنظومة الحكومية. الجميع يجب أن يدافعوا. إذا عمل شخص بخلاف هذا فليس من الضروري أن يأتي أحد بوثائق تدل على ارتباطه بالأجهزة التجسسية العالمية مثلاً. و ليس من الضروري أن يكون تابعاً لهم رسمياً، لكنه يطلق كلامهم و يفعل أفعالهم، فإذا لم يكن يستلم منهم مالاً فسيكون خادماً لهم بالمجان. أهم أهداف الـ C.I.A الأمريكي و الموساد الإسرائيلي اليوم هو إيجاد ثغرة داخل النظام الإسلامي كي يستطيعوا توجيه ضربة و التقليل من القوة و الاقتدار الذي يتجلى به هذا النظام في العالم اليوم كخندق. و يأتي شخص من الداخل فيهتف بهذا بقبضات مشدودة، حتى لو كان من خندق الجامعة، أو من خلف منبر رسمي.. فعله هذا لن يكون إيجابياً يبعث على الفخر. أي فخر في التماشي مع أشقى أشقياء العالم و معارضة أعدل الحكومات و النظم؟! يوم كنا نحارب النظام الطاغوتي كانت كل خطوة يخطوها أي مجاهد مفخرة تدعو للاعتزاز. ذلك الكفاح كان مبعث فخر. و اليوم يقارع البعض الأنظمة الطاغوتية، و التابعة، و الفاسدة في العالم، و في هذا مفخرة أيضاً، أما مواجهة نظام يقف بكل ثقله ضد مراكز القوى الاستكبارية فلا فخر فيها لأحد. أنا اعتقد طبعاً أن هذه الأحوال مفروضة على الجامعة.. إنها أوضاع تعرقل العلم و الوعي في الجامعات. على الجامعات أن تزيح هذه الأوضاع، فطبيعة سلوكهم و ألاعيبهم السياسية أضحت بحيث عقّدت كثيراً من طلبتنا الجامعيين من السياسة و صاروا غير راغبين في العمل السياسي. طبعاً بعض مسؤولي الجامعات أيضاً ليسو عديمي التقصير. النقاط التي ذكرها أحد إخوتنا حول العدالة على شكل أسئلة كانت جيدة جداً. ينبغي الإجابة عن هذه الأسئلة. طبعاً أشرت إلى أن هذه الجلسة ليست موضعاً مناسباً للإجابة عن الأسئلة كما ليس من الضروري أن أكون أنا المجيب. عليكم أنتم أن تفكروا بالإجابات. شخّصوا الإجابات في هذه اللقاءات و الجلسات الجيدة مع الأساتذة و الشخصيات الفكرية و الإسلامية البارزة في المجتمع، بل و ساعدونا في هذه المجالات و اطرحوا تصوراتكم و آراءكم. هذه الآراء تساعدنا كثيراً. طبعاً نهضة مكافحة الفساد من أجل استئصاله، و الحركة من أجل العدالة ستستمر بفضل الله.. إنها مهمة شاقة، لكنها ستستمر في النظام الإسلامي رغم مشقتها. هذا هو معنى النظام و روحه التي يجب أن تتواصل و سوف تتواصل إن شاء الله و بفضله. و سيكون لها أعداء كثيرون. اعرفوا هذا. يقول أمير المؤمنين عليه السلام كما نقل عنه: » العدل أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف «.(1) العدالة جميلة و جذابة جداً في الشعارات و الأقوال، فالجميع يلهج بها و يستأنس لها، و لكن حين يصل الدور للتطبيق العملي و الإنصاف عندئذ تبدو صعبة جداً. الكثير من الذين ترونهم يهتفون لصالح العدالة، حين يأتي دور التطبيق يراوحون و يتلكؤون و ربما يندمون على شعاراتهم.
على كل حال راعوا أنتم العدالة في أجوائكم عندما تقولون شيئاً أو تتخذون قراراً أو تحكمون على شيء معين. و سيشملنا الله تعالى و إياكم بفضله إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - نهج البلاغة، الخطبة 216. (... فالحق أوسع الأشياء في التواصف ...).