بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء و أشكرهم لأنهم تجشموا عناء السفر في هذا الطريق الطويل خلال هذه الأيام الزاهرة و نوّروا و عطروا هذه الحسينية و أجواء عملنا. هذا التحرك من أهالي تبريز الأعزاء الواعين - إحياء اسم و ذكرى التاسع و العشرين من بهمن - هو للحق و الإنصاف تحرك واعٍ ناجم عن اليقظة و التبصّر. سياسات الهيمنة العالمية ركزت جميع جهودها على إخفاء و إنساء ذكريات الثورة و دلائل الغيرة الدينية و الوطنية للشعب تحت أنقاض ضجيجهم الأعلامي. لكن القلوب اليقظة و النفوس الواعية الصاحية تعمل بالاتجاه المعاكس تماماً لتلك السياسات الشيطانية، أي إنها ترفع كل ما يمثّل رايات العزة و الفخر لهذا الشعب. و التاسع و العشرون من بهمن من هذا القبيل، و أنتم بخطوتكم هذه - طيّ هذا الطريق الطويل و الاجتماع في هذا المكان - إنما تحيون هذه الذكرى. هذه يقظة حقاً. و هي يقظة لها قيمة كبيرة جداً، و هي نفسها اليقظة التي صنعت حادثة التاسع و العشرين من بهمن في سنة 1356. أهالي تبريز الشجعان و المجاهدون الحقيقيون أحيوا أربعين شهداء قم بشكل دفع عجلة الثورة إلى الإمام. هذه الخطوة كان لا بد لها من يقظة و وعي. نظام الطاغوت كان يتصور أن القضية قد انتهت بقمع نهضة أهالي قم في التاسع عشر من دي من نفس تلك السنة. إلا أن أهالي تبريز لم يسمحوا بذلك و أحيوا أربعينية شهداء قم و أطلقوا تلك الحركة الهائلة و ذلك الطوفان الصاخب في التاسع و العشرين من بهمن على مستوى البلاد. إنها يقظة و غيرة دينية و وطنية، و هي إلى ذلك تضحية و فداء. مجموعة هذه الصفات و الخصال جعلت أهالي تبريز و آذربيجان مميزين. و قد كان الحال كذلك قبل الثورة أيضاً في أحداث الثورة الدستورية و ما قبل الثورة الدستورية. لقد كانت تبريز و المرحوم الحاج »ميرزا جواد مجتهد« العالم التبريزي الكبير أحد محاور الكفاح في قضية تحريم التنباك و النضال ضد الشركة الإنجليزية و الهيمنة الاقتصادية الإنجليزية على إيران. فهل يمكن نسيان هذه السوابق؟!
و بعد الثورة حينما ابتدأت الفتن و أطلقوا الفتن في كل ناحية من أنحاء البلاد، عقدوا آمالاً كبيرة على تبريز و آذربيجان عسى أن تؤتي إثارتهم للفتن ثمارها هناك. لكن أهالي تبريز و آذربيجان أنفسهم ردوا على هذه الفتن. و دليل عظمة الثورة و تدين الجماهير في آذربيجان هم شهداء هذه المحافظة الأبرار، و شخصياتها العلمية و السياسية البارزة، و رجال الدين الأجلاء فيها، و شهيدا المحراب هناك. لدينا شهداء محراب في المدن الأخرى، لكن لنا في تبريز شهيدي محراب أثنين. المرحوم الشهيد »قاضي«، و المرحوم الشهيد »مدني« أعلى الله مقامهما. هذا هو المحرك الرئيسي في حركة الشعب.
من أجل أن يتخلص الشعب من الفقر، و الذلة، و الخضوع للهيمنة، و الأميّة، و من جميع الآثار الكارثية لسلطة الطواغيت فهو بحاجة لهذه الأمور. مثل هذا الشعب يجب أن يكون واعياً يقظاً يتحلى بالقدرة على التحليل، و يفهم كل شيء في الوقت المناسب، و يبادر في الوقت المناسب، و يكون الدين - و هو رصيد قوة الإنسان في جميع ميادين الحياة - متجذراً عميقاً فيه، و تكون الغيرة و هي عامل صيانة هويته الدينية و الوطنية حيّة متفاعلة فيه، و لا يكون كسولاً متقاعساً. هذه الصفات موجودة فيكم و قد كانت موجودة في الماضي، و لا تزال اليوم أيضاً، و ستبقى في المستقبل بفضل من الله. بهذه الخصائص انتصر الشعب الإيراني، و أعداء الشعب يريدون اليوم مقارعة هذه الخصوصيات. عمل الاستكبار اليوم موجّه ضد هذه الأمور التي تعد داينمو حركة الشعب: مكافحة وعي الجماهير، و مكافحة الغيرة الدينية و الوطنية للجماهير، و وحدة الجماهير، و إيثارهم و مقاومتهم. عمل الأعداء اليوم عمل إعلامي و أبواقهم الدعائية تملأ كافة الأجواء المتاحة ضد شعب إيران. لكن الشعب الإيراني لم و لن يتخلى عن قيمه الأصيلة. هل شاهدتم الثاني و العشرين من بهمن لهذا العام؟! لتتكتّم وكالات الأنباء علی الحقائق و تنكرها. ليس بوسعها كتمانها عن الشعب الإيراني نفسه! في هذه السنة، و في الوقت الذي كان قادة الاستكبار العالمي و نزلاء البيت الأسود يتوقعون أن ينسى الشعب ذكرى الثورة و لا يكترثوا لها، حضر الشعب إلى الساحة في كافة مدن البلاد بكل قوة و اقتدار و نشاط واهتمام، و أثبتوا أنهم يقظون، واعون، و مؤمنون بطريقهم و محبون لاستقلالهم و عزتهم و مفاخرهم.
كل السبب في خلاف الثورة مع مراكز القوة العالمية يعود لهذه الكلمة الواحدة. هم يقولون دعونا نتسلط على بلادكم لنؤمِّن مصالحنا، و لينـزل بكم ما ينـزل، حتى لو تخلفتم في العلم وحلَّ بكم البؤس، و المسكنة، و الذل، و الهوان، و حتى لو سحق عرضكم، و شرفكم، و سمعتكم الوطنية، و ماضيكم، و تاريخكم. هذه أمور غير مهمة، المهم هو أن تحقق مراكز القوى الأمريكية و الصهيونية مصالحها. هذا هو كلامهم. و مقابل ذلك فإن ما يقوله الشعب الإيراني هو أننا لا نسمح لكم أنتم قطاع الطرق و الوحوش اللابسين أزياء التحضّر أن تبلغوا آمالكم في بلادنا. لقد قال الشعب الإيراني بوضوح و من أعماق كيانه لمراكز القوى العالمية و الطامعين في العالم و ذلك عبر تواجده في الساحة طوال هذه الأعوام الأربعة و العشرين و أثبت لهم أنه لن يتراجع حتى خطوة واحدة.
بديهي أن العدو لا يرغب في شرح أهدافه و مقاصده الخيانية الإجرامية للشعوب، لذلك نراه يرفع شعارات الإنسانية، و حقوق الإنسان، و الديمقراطية و ما إلى ذلك. بيد أن هذه الأكاذيب و الخدع لا يمكن أن تستمر طويلاً. طلاب السلطة و الهيمنة و مستكبرو العالم يفضحون أنفسهم على مستوى العمل. لاحظوا ما يحصل في قضية العراق الآن. يقول الأمريكان صراحةً إننا نريد الدخول للعراق و تعيين حاكم أمريكي لمدة سنتين على الأقل. هذا إفشاء لما في ضمير الأمريكيين. هذا ما يريدونه في مكنون قلوبهم و لا يرضون بأقل منه. حتى لو عينوا حاكماً عراقياً عميلاً لهم فإنه لن يرضيهم و لن يشبع مطامحهم. يريدون إلقاء شعب بأكمله، وبلد، ومنظومة مصادر بشرية ومالية و مادية دفعةً واحدةً في فم الشركات الصهيونية الجشعة ومراكز القوة العالمية، و لا يرضون بأدنى من هذا. هذه هي إرادتهم.
طبعاً، هذه الإرادة ليست ممكنة اليوم. نعم، ذات يوم، قبل مائة عام، أو مائة و خمسين عاماً، أو سبعين عاماً استغل المستعمرون في العالم يومذاك الجهل و التخلف و عدم الوعي لدى الشعوب في أفريقيا و آسيا، ففعلوا مثل هذا و استطاعوا فعله. فعلوا ذلك في الهند، و الجزائر، و أمريكا اللاتينية. كان ذلك ممكناً يومذاك، أما اليوم فهم مخطئون. القادة الأمريكان مخطئون فلم تعد الحالة اليوم تتسع لمثل هذا. ليتأكد الجميع أنه حتى لو تسلطت أمريكا على العراق من حيث الفتح الظاهري، فإنها في النهاية ستتلقى من الشعب العراقي صفعة تسقطها عن عرش السلطة. لم يعد ممكناً أن يفعلوا بالشعوب كل ما يحلو لهم. يقولون نريد تغيير خارطة الشرق الأوسط أو نروم الهيمنة على الشرق الأوسط كله. بأي حق؟! و هل الشعوب ماتت؟! لقد وقف الشعب الإيراني بوجه مثل هذه الأطماع و التكبر و الغرور. دافع الشعب الإيراني عن حقه و يدافع اليوم أيضاً عن حقه. لقد تركوا هذا الشعب متخلفاً في كل شيء على يد عملائهم المستكبرين أي العائلة البهلوية و الحكام الطواغيت. لقد أبعدوا هذا الشعب عن العلم و الحياة و المعيشة، و عن الدنيا و الآخرة. لكن هذا الشعب وعى على نفسه في النهاية و استيقظ على اسم الله و القرآن و الإسلام، و جاهد و قدم أرواحه العزيزة في هذا السبيل حتى استطاع الوقوف على أقدامه. إن هذا الشعب اليوم مستقل و يريد- أن يبقى مستقلاً. كل الضجيج الاستكباري من أجل سلبه هذا الاستقلال الذي حازه بهذا الثمن الغالي. و لكن هل يمكن؟! و هل سيسمح الشعب بذلك؟!
يستند هذا الشعب إلى الدين و يعتمد على الإيمان الراسخ و علی ثقافته التاريخية العميقة العريقة. إنه شعب حي. شباب هذا الشعب نموذجيون بين شباب العالم. في حين يغرق الشباب في العالم في المفاسد و القضية الأولى بالنسبة لهم هي قضية الشهوات و الملذات الجنسية و الجسمية يربي الشعب الإيراني شباباً ورعين، مؤمنين، شجعاناً، مستعدين للعمل، و مرفوعي الرأس في الميادين الصعبة. لا يمكن مقارنة هؤلاء الشباب بغيرهم من الشباب على مستوى العالم. و هل سينسى هذا الشعب ماضيه و تاريخه و تضحياته و أيامه المتألقة للغاية خلال فترة الثورة؟! و هل سينسى الشعب أيام الثاني و العشرين من بهمن، و التاسع و العشرين من بهمن، و التاسع عشر من دي، و السابع عشر من شهريور؟! أقول لكم أيها الشباب، يا أعزائي، هذا البلد بلدكم و الدور دوركم. يجب أن تكونوا مستعدين جاهزين دوماً من الناحية العلمية و الأخلاقية، و من حيث المعنويات. أعلموا أن رفعة و شموخ البلد يحتاج إلى جهاد و مساعي أجيال متعاقبة. جيل سعى و أوجد هذه الثورة. و جماعة كبيرة جاهدت لحفظ هذا البلد إزاء الضغوط التي تعرض لها نتيجة الثورة في الحرب و في الحصار الاقتصادي و في سائر المواطن. و ها هي فترة أخرى الآن و أنا واثق من الجيل الشاب في بلادنا. أعتقد من أعماقي أن جيل الشباب اليوم سيستطيع ممارسة دوره التاريخي في كل الاختبارات التاريخية.إنه يحب شعبه، و إسلامه، و ثورته، و نظامه حينما تبرز مشكلات اقتصادية أو اجتماعية - على مستوى المجتمع يحاول العدو ربطها بالثورة، و الشعب الإيراني يعلم بوعيه و يقظته أن التقصيرات و التهاون الذي قد يصدر عن بعض المسؤولين في أي قطاع من القطاعات لا علاقة له بالثورة. الثورة راية عزة هذا الشعب، و الشعب سيرفع هذه الراية بقوة في يده القوية، و يسلمها بفضل من الله تعالى للإمام صاحب العصر و الزمان أرواحنا فداه و عجل الله فرجه.
أتمنى أن يحفظكم الله و يبارك عليكم جميعاً عيد الغدير السعيد و عيد ولادة الإمام الهادي (عليه الصلاة و السلام). و يحشر شهداءكم الأعزاء و جميع شهدائنا الأعزاء مع الرسول، و يحشر الروح الطاهرة لإمامنا الراحل مع أوليائه المقربين.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.