بسم الله الرحمن الرحيم
أشعر بالفخر و الشرف لأن أحضر في اجتماع عوائل الشهداء العزيزة و أهالي الذين كانوا أفضل الناس في زمننا و أن أحضر في اجتماع المعاقين الأعزاء الذين هم الشهداء الأحياء في عهدنا.
يمكن مقارنة عوائل الشهداء و المضحين من حيث التأثير و قيم الأخلاق و الحركة بالشهداء فقط؛ لا يمكن مقارنة هذه المنظومة بأية شريحة في الثورة. قيمة أولئك الأمهات و الآباء، و الزوجات و الأبناء و ذوي الشهداء الذين صانوا حرمة دماء شهدائهم و صاروا بفضل صبرهم و تضحياتهم مظهراً آخر من التضحية لأجل تحقيق أهداف الثورة قيمتهم هي أنهم من أهم عناصر البلاد من حيث التأثير و الفاعلية و الدور. لا نريد أن نتجامل أو نرحّب، بل نريد أن تتضح حقيقة الأمر كما هي.
ما هو واجب الشعب صاحب المبادئ السامية و الأهداف المقدسة العالية مقابل جبهة عدائية واسعة مليئة بالأحقاد، لبلوغ هذه الأهداف و المبادئ؟ هل هناك شيء آخر بإمكانه أن يفعله إلّا الهمة و العزم الراسخ و الدخول في ساحة الأخطار و تقبلها و الاستعداد لمواجهة الأحداث؟ و هذا ما فعله شعبنا. تحرك شعبنا و أثبت عزمه الراسخ في الدفاع عن مبادئ الثورة و أهدافها السامية مقابل عالم الكفر و الاستكبار المنكوب و أحقاد القوى المهيمنة في الشرق و الغرب. كان مظهر هذا العزم الراسخ في فترة طويلة هؤلاء الشباب الذين كانوا حسب القول الذي يصف شهداء كربلا ( لبسوا القلوب على الدّروع كأنهم يتهافتون إلى ذهاب الأنفس )، إنهم لبسوا قلوبهم على الدروع استقبالاً للخطر، و دخلوا الساحة شوقاً و بدت نفوسهم الغالية العزيزة صغيرةً في أعينهم، مقابل تلك المبادئ. بمثل هذا العزم و الاقتدار المعنوي و الروحي ساروا و صمدوا في الساحات. تمكن صمودهم من أن يُركِع جبهة الكفر و الاستكبار المتحدة و يخرجها عن الساحة. هذا ما فعله شبابنا.
ما أحرزناه من التقدم في المجالات السياسية و الاقتصادية و إعمار البلاد و عزة الشعب طوال هذه السنوات السبع و العشرين الماضية رهين تضحيات أولئك الذين لبسوا قلوبهم على الدروع في أشد الأيام تأزماً و في أصعب الامتحانات و قاوموا بوعي و صبر مقابل الأخطار و حاربوا. ( فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر). و أفضلهم شأناً هم الذين نالوا الشهادة. شهداؤنا الأحياء؛ أعني أعزاءنا المعاقين هم في الحقيقة شهداء أيضاً، هؤلاء هم الأفضل. هذا ما جعل الشعب الإيراني قوّةً لا تهزم؛ هذا ما جعل العقلاء يقولوا في التحليلات العالمية اليوم عندما يجري الحديث حول الاعتداء على الشعب الإيراني و إهانته: لا تمزحوا مع الشعب الإيراني و لا تعاندوه. هذا الاقتدار المعنوي تحقق لنا على أيدي هؤلاء الشباب فصار هذا زاداً و ذخراً لهذا الشعب. و الحمد لله لم تذهب دماء الشهداء هدراً.
كل قطرة من دماء شهدائنا استطاعت أن تغدو إكسيراً لتبديل عناصر وجودنا الدنيئة الرديئة إلى عناصر سامية شريفة. تحوّل الشهداء أنفسهم و حوّلوا أرواح شبابنا و شعبنا. شباب اليوم لم يروا الإمام الراحل الذي كان مظهر القداسة و الشرف و نموذجاً لأفضل الأولياء بعد المعصومين و لم يجرّبوا فترة الحرب المفروضة و لم يعيشوا صعوبات ما قبل الثورة؛ لكنهم اليوم صامدون بفضل روحهم المستعدة القوية و أذهانهم المشرقة و عزمهم الراسخ. فما هو السبب؟ هذه هي الدماء التي حقنها الشهداء في جسد هذه الثورة؛ لقد أحيانا الشهداء. و هذا زاد ينبغي على الشعب الإيراني الحفاظ عليه.
أريد أن أتحدث حول عوائل الشهداء. ما أقوله هو أن آباء الشهدا و أمهاتهم و زوجاتهم و أولادهم يقفون خلف الشهداء في هذه المفاخر. لو لم تكن عوائل الشهداء متحلّة بهذا الصبر و لو لم تكن مهتمة بتكريم شهدائها الأعزاء بهذا القدر لانهارت مكانة الشهادة في مجتمعنا. الشهداء أنفسهم صاروا لآلئ ثمينة و تألقوا و عرضت عوائل الشهداء هذه اللئالئ أمام أعين الجميع بفضل سلوكهم و إيمانهم و صبرهم.
و من الضروري أن أقدم شكري من الصميم لزوجات المعاقين؛ و عوائلهم الذين اهتموا بهؤلاء الشهداء الأحياء كاهتمامهم بأنفسهم العزيزة و حافظوا عليهم.
ثمة نقاط علي أن أتحدث عنها: النقطة الأولى هي يجب أن لا يفارق ذكر الشهداء الأذهان في مجتمعنا. عليكم إحياء ذكر الشهداء و إكرامه. و هذا المعنى يصدق في كل محافظات البلاد. ثلاثة و عشرون ألف شهيد في محافظة خراسان الكبيرة - التي تشمل المحافظات الثلاث الحالية - من أبرز و أكبر الأرقام الباعثة على الفخر. فلا تسمحوا لغبار النسيان - و يتعمّد البعض بين حين و حين أن ينثر هذا الغبار على هذه الذكريات الكريمة - أن يعتلي هذه الذكريات العزيزة؛ و حافظوا على إحيائها. و على المسؤولين أيضاً القيام بهذا الشيء؛ يقع هذا الواجب على مسؤولي مؤسسة الشهداء و على مسؤولي الأجهزة الحكومية و العمومية الأخرى أيضاً. و على عوائل الشهداء أيضاً أن يقوموا أنفسهم بهذا العمل في مناطق نفوذهم و تأثيرهم. فلا تغفلوا أبداً عن اسم الشهداء و الفخر بهم. تنصب محاولات الأعداء الدعائية على تقليل قيمة الشهداء تدريجياً و تبديلها إلى قيم سلبية أحياناً. هذا ما حدث في بلادنا؛ و هذا سعي تم القيام به لكنه فشل. تجاسر البعض إلى حد أنهم وضعوا علامة سؤال على عنوان الشهداء و معنى الشهادة. فأنظروا إلى أي حد يمكن أن تؤثر مؤامرات الأعداء سياسياً و ثقافياً و كم يجب عليَّ و عليكم أن نتحلّي باليقظة للحيلولة دون هذه المؤامرات. المعيار الإسلامي يخرج الشهيد عن مجموعة الناس العاديين و يجعله في جماعة الأولياء و الصديقين، و هذه نظرة سامية لا يمكن حتى لعقولنا إدراكها بشكل صحيح. و حتى لو نظرنا إلى الشهيد بنظرة مادية عادية فإنه الشخص الذي ضحّى بنفسه لإنقاذ عزة شعبه و استقلاله. هل يمكن لأي ضمير و شرف و قلب واع و سليم أن يتجاهل هذا الأمر؟ في بلدنا، أي في إيراننا الإسلامية حاولوا إنكار هذا الأمر في فترة معينة. ينبغي على أولاد الشهداء أن يفخروا بآبائهم. إنهم رجال وقفوا لا لاعتداء على بلد أجنبي أو مجاور بل صمدوا مقابل اعتداء العدو في سبيل الحفاظ على الوطن و الاستقلال و العزة الوطنية. الذين هاجموا إيران في زمن النظام البعثي الشرير كانوا يريدون أن يكون وضع إيران أو جزء من إيران على الأقل كالعراق، حيث يدخل المحتلون إلى مناطق حياتهم و يعدّون على الشيوخ و الشباب و الرجال و النساء أنفاسهم و يوجهوا لهم الإهانات و يذلونهم و يضعوا أرجلهم على أعناقهم؛ كانوا يريدون فعل هذا بشعبنا. لاحظوا ما الذي يقوم به المحتلون في العراق اليوم؟ يقوم الرجل الأجنبي بتفتيش لزوجة الشاب العربي الغيور و أخته أمام أعينه! ماذا يجري على الرجل الغيور إزاء هذا المشهد الذي يراه؟ يطرحون الشاب العربي الغيور على الأرض أمام أعين زوجته و أولاده و يركلونه على ظهره و رأسه. ما الذي يجري على الأسرة الشريفة العزيزة إزاء مثل هذا الوضع؟ هذا ما أرادوا فعله بالشعب الإيراني. صدام و حزب البعث و حلفاؤهم من الأمريكيين و السوفييت و الأوروبيين كانوا يهدفون للتعامل مع الشعب الإيراني بهذا الشكل لكن شبابنا المجاهد لم يسمح لهم. هل هناك فخر أسمى من هذا؟ سار شبابنا المجاهد و وقف كالجبل في مواجهة اعتداء العدو. أي فخر يمكن مقارنته بهذا الفخر؟ أنت بنت هذا الشاب، و أنت ابن هذا الشاب، و أنتِ كنتِ زوجة هذا الشاب، و أنتما والدا هذا الشاب فافخروا بذلك. هذه نقطة و هي أنه من واجب الجميع أن يجعلوا ذكرى الشهداء و مفاخرهم و عزتهم نصب أعينهم و لا يسمحوا بنسيانها. إذا غفلتم أنتم و غفلت قوى الثورة و القوى المؤمنة فسيدخل عملاء العدو من الباب الآخر و يكون هم الدائنين. ( فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فاحبط الله أعمالهم )؛ حينما جاء يوم الخطر، لاذوا بأوكارهم و لم يسمع لهم حسيس. فإذا ذهب الخطر؛ بعد أن لبس الرجال الذين من استقبلوا الأخطار قلوبهم على الدروع و أزاحوا الخطر، خرج هؤلاء من أوكارهم بألسنتهم الطويلة الحادة و صاروا هم الدائنين! لا تسمحوا لأعداء الثورة و الإمام الراحل و الجهاد و الإيمان بالله أن يكونوا دائنين.
إنني أشكر الذين عقدوا ندوات لإحياء ذكرى الشهداء و تكريمهم بمضامين قوية سامية في كل أنحاء البلاد و أشكر كذلك الذين دوّنوا ذكر الشهداء و ذكرياتهم في الكتب. أنا شخصياً أطالع كل ما أحصل عليه من هذه الكتب و أستفيد منها حقيقة. إن الإنسان ليشعر باللذة و يبتهج روحياً حينما يطالع هذه السير. لا تسمحوا أن يتوقف هذا الخط.
النقطة الثانية هي أن عوائل الشهداء و شبابهم و أولادهم و بناتهم يجب أن يكونوا حراساً حقيقيين لقيم الشهداء. و الحمد لله أن الكثير من أبناء شهدائنا و معاقينا تخرّجوا اليوم من الجامعات بدرجات علمية عالية أو إنهم على وشك إنهائها ؛ فحذار من أن تنسيهم الأمواج المختلفة أصولهم و جذورهم القيّمة. و أصولهم هي الشهادة. ليفخر أبناء المعاقين بآبائهم المعاقين الذين انطلقوا لساحات القتال سالمين صحيحي الأجسام و فقدوا في سبيل الله صحتهم - أعينهم أو آذانهم أو أيديهم أو نخاعهم - على مدى العمر. هذا ما يبعث على الفخر. هذه الحركة العظيمة، تعتبر من أكبر المفاخر. على أولاد هؤلاء الأعزاء و زوجاتهم و عوائلهم أن يفخروا بهم. عليكم أنتم أن تحرسوا هذا الشيء؛ عليكم أن لا تسمحوا للبعض بكسر هذا الروح بدعاياتهم و وساوسهم. أسمع بين حين و حين في لقاءاتي مع عوائل الشهداء العزيزة، إنهم يشتكون من بعض التصريحات التي يطلقها أشخاص هنا و هناك. ينبغي عليكم أن لا تتأثروا بهذه الأحاديث. لا يمكن كتمان الحقيقة؛ و هي: أن أعزاءكم تمكنوا من الحفاظ على بلادهم و استقلالهم و عزتهم و كرامتهم الوطنية. هذه نقطة تختص بعوائل الشهداء و المعاقين.
النقطة الثالثة تتعلق بمؤسسة الشهداء. على مؤسسة الشهداء أن توظف كل ما لديها من طاقات و إمكانيات و نشاط لتوفير الرفاه المادي و المعنوي و الأخلاقي لعوائل الشهداء. هذا مبدأ يجب أخذه بنظر الاعتبار في كل مكان، في مدينة مشهد و محافظة خراسان و كذلك في الأمكنة الأخرى.
و النقطة الأخيرة هي أن رسالتنا ليست رسالة صغيرة في العالم اليوم؛ بل هي رسالة كبيرة. و لا يمكن للإعلام الأجنبي أن يقلِّل من شأن بضاعتنا. نحن نعرف ما نريده و ما لدينا؛ و ندرك قيمته. دعوانا و شعاراتنا حينما تطرح في العالم الإسلامي و في أي واحد من البلدان الإسلامية - سواء في افريقيا أو آسيا - يوافقها غالبية الناس و يرددونها و يبدون حبهم لها. هذه هي رسالتنا؛ و هي مكنون صدور جميع الشعوب المسلمة. لاحظوا استقبال الجماهير في البلدان الإسلامية لرئيس جمهوريتنا الحالي أو رؤساء جمهوريتنا الماضين الذين يعتبرونهم مظهر النظام الإسلامي . هذا الشيء بعيد عن نعرات العرب و العجم و الآسيويين و الأفارقة. حينما يكون شخص مظهر إيران الإسلامية و يزور تلك البلدان تستقبله القلوب بعيداً عن المظاهر و التشريفات و تطلق له الشعارات إذا لم تمنعهم الحكومات و أجهزتها و قواتها الأمنية. هذه هي كلمتنا و لها الكثير من الأتباع في العالم الإسلامي. أتحدث عن العالم الإسلامي لكن الدائرة أوسع من هذا؛ ففي البلدان غير الإسلامية تحمل الجماهير العارفة بما فعلته و تفعله الجمهورية الإسلامية نفس هذه المشاعر لكن معرفتهم هناك أقل. إعلامنا لم يكن يناسب عظمة عملنا؛ كان إعلاماً ضعيفاً. كل من يكون على معرفة بهذه المبادئ فإنه يناصرها. ما هي هذه المبادئ؟ إنها شعار مواجهة نظام الهيمنة. إننا نقول بأن المهيمنين قسموا العالم إلى قسمين: المهيمن و الخاضع للهيمنة. و نحن نرفض ذلك. ليس من حق طلاب الهيمنة أن يتسلطوا على غير بلدانهم. و الحكومات الخاضعة للهيمنة التي تقبل ضغوط المهيمنين و عسفهم ترتكب خطأ فاحشاَ بالاستسلام للمهيمنين رغم إرادة شعوبها؛ هذه هي كلمتنا. نقول: على الشعوب الحفاظ على هويتها و مصالحها و مصادرها الطبيعية و أن لا تخضع لضغوط الآخرين و لا تسمح لهم أن يغتصبوا أراضيها و يمارسوا بالهيمنة الثقافية و السياسية ضدها؛ هذا كلام تقبله جميع الشعوب و الكثير من الحكومات عن الأعماق. هذه هي رسالتنا. هناك الكثير من الشعارات في العالم، و ميزة الشعب الإيراني هي أنه قام بتطبيق هذا الشعار على الصعيد العملي؛ مائتا قول ليست كنصف فعل. لقد تحدث العديد من المثقفين في العالم بهذا الكلام؛ لكنه كان مجرد كلام. أما الشعب الإيراني فقد عمل بما قال، و قاوم و أثمرت هذه المقاومة و أثبتت صدق ادعاء الشعب الإيراني للشعوب الأخرى و لذلك أحبت الشعب الإيراني. و هذه هي رسالتنا. فهل هذه رسالة يمكن لأحد في البلاد تجاهلها و تركها؟! و هل يتجرأ أن يتجاهل الشعب و يتحرك في الاتجاه المعاكس لهذه الرسالة؟! الشعب سوف يصفع تلك الجماعة أو ذلك الحزب أو التنظيم أو التيار الذي يريد العمل في الاتجاه المعاكس.
نسأل الله رحمته و فيضه للأرواح الطيّبة لشهدائنا الأعزاء. و نسأل الله تعالى الصحة و العافية لأعزائنا المعاقين. و نسأل الصبر و التحمل لعوائل الشهداء الكريمة و المعاقين و أولادهم و زوجاتهم و آبائهم و أمهاتهم.
أللهم ثبت أقدامنا على هذا الصراط. و اجعل وليك راضياً عن أعمالنا و أقوالنا و نوايانا؛ واشملنا بأدعيته. اللهم! و أرض عنا روح إمامنا؛ و شهدائنا؛ و لا تجعل موتنا إلّا الشهادة في سبيلك.
و السلام عليكم و رحمة الله.