بسم الله الرحمن الرحيم
يعدّ هذا الاجتماع الكريم جداً و أنتم أيها الشباب الأعزاء واحدة من أحلی نعم الله بالنسبة لي. يعتبر اجتماع الطلبة التعبويين، و الطاقات الحية النشطة اليقظة و في الحقيقة الجنود المستعدين للعمل من أجل الإسلام و الثورة، لكل مسؤول - بل لكل واحد من أبناء البلد الذين يهتمون بمصير بلدهم - يعتبر من دواعي الحمد و الفخر.
تطرق الإخوة و الأخوات إلی عدة مواضيع. إذا کان الوقت يسعفنا و کان ذلک متيسراً لي و للاجتماع فإني كنت أفضل الإصغاء إلی أحاديثکم و آرائکم في هذه الساعة الأخيرة أيضاً؛ و مع ذلک فإني مقتنع جداً بهذا المقدار من وجهات نظرکم التي طرحتموها أنتم أيها الأعزاء. ما كنت أتمناه دوماً، و ما کنت أسأله الله و أسعى من أجله، لمسته اليوم في أحاديثكم أيها الشباب الأعزاء التعبويين، و هو وجود ذهنية نقية نيّرة، و استيعابکم المتعالي لقضايا البلاد و العالم و أهمية التعبئة و تواجد الشباب في الوسط العلمي و السياسي. و آراؤکم التي كنت أسعى دوماً أن أجعل مجتمعنا الشاب المؤمن الثوري حريصاً عليها، و أن يتقدم فيها هي ما شاهدته عيانا في أحاديث هؤلاء الأعزاء الذين تكلّموا. أعتقد من الأعماق بأنه لو تحدث عدد أكبر من الذين تحدثوا لازداد هذا اليقين و الإحساس.
في البداية ألمح إلى بعض المواضيع التي ذكرها الإخوة و الأخوات هنا؛ ثم أتحدث في الختام بعض الشيء عن قضايا التعبئة و التعبئة الجامعية و قضايا البلاد العامة .
النقطة الأولى هي أن يأتي الشباب التعبوي و يتحدثون عن ضرورة اهتمام الحكومة بحل مشاكل الطلبة الجامعيين النقابية التي يمكن حلها بسهولة، أو أن يشتكوا من عدم الدعم اللازم للنشاط العلمي بين التعبئة .. هذا ما يسرّني؛ و هذا ما نتوقعه من التعبئة. التعبئة تعني ذلك العنصر المخلص الذي يرى بلده جزءاًً لا يتجزأ من کيانه و يرى المستقبل تابعاً لسعيه؛ و هو کثير القلق، لأنه صاحب الدار. حينما ينكسر شباك في البيت، يمكن أن لا يهتم به الضيوف و المتفرجون اهتماماً كثيراً. لكن صاحب الدار سيقلق دون أن يفرّق بين زجاج غرفة و غرفة. إنه صاحب الدار طبعاً. أنا أقدر هذا القلق فيكم كمنظومة تعبوية شابة.
جرى الحديث حول قضية الدخول في السياسة. أذكر الآن نقاطاً و أتمنى أن يتضح هذا المعنى. برأئي يجب عدم التساؤل: هل يمكن لمنظومة تعبوية - أعني تعبئة الثورة و طلبة الثورة الجامعيين - أن لا تهتم بقضايا البلاد السياسية أو لا تكون لها آراء و مواقف؟! هل يمكن هذا؟! أنا أوصيكم أيها الطلبة التعبويون أن لا تكونوا متحفظين و ابقوا الطلبة الجامعيين التعبويين دوماً بالمعنى الايحابي المتوثّب النشيط. طبعاً يلي قولنا لا تكونوا متحفظين قولنا لكن عليكم الحفاظ على اليقظة. عليكم التحلي بالوعي الكامل. تطلقون شعارات تقول: الطلبة الجامعيون يقظون! أجل، هذا هو المتوقع؛ أريد أن أقول لكم: عليكم التحلي باليقظة. يقظة الطلبة الجامعيين ليست التبري من أمريكا فحسب. و ما هي أمريكا؟ هل تطرح أمريكا بصفتها منطقة جغرافية أو شعباً واحداً؟ أم لا، تطرح بصفتها حجماً و هوية سياسية أمنية تنظيمية ثقافية لا يمكن للعين رؤيتها؟ و هي منظومة لها رصيدها المالي الضخم و تجاربها الكثيرة في الدعايات و الحرب النفسية. التبري من هذه، بحاجة إلى يقظة مضاعفة. هذه اليقظة تختلف عن اليقظة في ساحة الحرب العسكرية حيث تكونوا مستيقظين في الحصن و بمجرد أن يتحرّك العدو تستهدفونه. أما في الحرب الثقافية و السياسية و الأمنية، فلا يمكن رؤية حركة العدو بشكل واضح. في بعض الأوقات يعمل العدو بطريقة تجعل أحد الأشخاص يطلق كلام حق! العدو باطل و ليس على الحق فلماذا يريد أن يطلق لسان ذلك الشخص كلام حق؟ لأنه يريد إكمال بازله . هذا البازل متكون عن مائة قطعة، إحدى قطعه هي كلام حق يجب على شخص ما إطلاقه حتى يكتمل هذا البازل! هنا يجب عدم إطلاق كلام الحق. يجب عدم إكمال بازل العدو. ثمة حاجة إلى هذا القدر من الوعي! أجل، ينبغي عليكم الدخول في السياسة و التفكير بطريقة سياسية و لكن بکل يقظة و حذر. يجب أن لا يتمكن العدو من الاستفادة من أية خطوة من خطواتکم و تصريحاتكم و مواقفكم. هذا هو المبدأ الأول و الخط الأحمر.
كيف يمكن أن نتعرف على العدو؟ كيف يمكن أن نكتشف ميوله؟ كيف يمكننا أن نفهم أن هذا العمل هو لصالح العدو أم عليه؟ هذه هي النقطة الرئيسية. هذا هو الموضع الذي يحتاج إلى الاهتمام الكامل، و عدم التهاون على الإطلاق و الوعي و اليقظة الكاملة. و إذا لم يكن الأمر واضحاً للإنسان في موضع ما، فعليه أن لا يتحرك. إذا وجدتم موضع الأقدام صلباًً فتحركوا و إذا وجدتموه هشاً مشكوكاً فيه فلا تتحركوا. لهذا يجب عليكم أن لا تكونوا متحفظين، بل عليكم التحلي باليقظة؛ هذا هو المنهج السياسي. طبعاً هو صعب و ليس سهلاً؛ لكنكم رجال العمل الصعب؛ و أنتم بصفتكم تعبويين عليكم تولي هذا العمل الصعب.
من الممكن أن لا يكون لدى التنظيم الجامعي الفلاني الآخر هذه الدرجة من الاستيعاب حتى للإصغاء لهذا الكلام؛ لكنكم كتعبويين، عليكم التحلي بهذا الاستيعاب من أجل القيام بهذا العمل؛ هذا هو الفرق بينکم و بين الآخرين. طالبنا العزيز من مدينة تبريز تحدث بشكل جيد جداً و باختصار. هذه الذهنيات - التدقيق و رؤية الأمور بعيداً عن الاتجاهات السياسية و النعرات الفئوية - هي ما أتوقعه من الطالب الجامعي التعبوي.
المخيمات الطلابية الجهادية عمل جيد جداًً و تعتبر أحد فروع دعم الحكومة؛ و سأشير إليها لاحقاً. من الأسئلة التي تثير دهشتي هو التساؤل عن إمکانية دخول التعبئة في ساحة العلم! لماذا لا تدخل؟! على التعبئة أن تدخل في ميدان العلم في مقدمة الجميع. عليكم التحرك و فتح الصعد العلمية و التقنية و الإبداعات العلمية و آفاق العلم المجهولة. طبعاً لا يمكن هذا الأمر دون دراسة و عمل؛ هذا أيضاً له طرق سوف أشير إليها لاحقاً.
علي أن أوضح بعض الشيء الموضوع الذي أشار إليه البعض من أعزائي حول التعبئة. التعبئة منظمة ذات بعدين: تتصل بالوسط العلمي من جانب و تتصل بالحرس الثوري من جانب آخر. ما هو الحرس الثوري؟ هل هي منظمة عسكرية؟ لا، الحرس الثوري هي رمز المقاومة الثورية الباسلة؛ عليكم ألا تنسوا ذلک أبداً. لا تظنوا أن الحرس الثوري هي منظمة عسكرية و حسب؛ و عندها يأتي البعض و يقولون: الحرس الثوري منظمة عسكرية، و نحن لسنا عسكريين! لا، الحرس الثوري منظمة فوق العسكرية.
الحرس الثوري هو منظومة للمقاومة، و الجهاد، و الأهداف التي تدرسون اليوم من أجلها في الجامعات، إنها منظومة نشأت علی أرض الثورة الإسلامية الخصبة. و أين ؟ في ساحة الجهاد! هذا هو معنى الحرس الثوري. طبعاً لم يكن أحد يتصور؛ لكنها ترعرعت بشكل عال لم يسبق له مثيل. العديد من العناصر الرئيسية للحرس الثوري، كانوا شباباً مثلكم و في أعمارکم و ربما کان البعض أصغر منكم سناً. ذات يوم وصلهم الخبر بأن العدو قد هجم؛ تركوا الدراسة و الامتحان و الصف و الأستاذ و البيت و راحة العيش و انطلقوا إلى ساحة القتال؛ ( فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ): و منهم من استشهد، أو أصيب بجروح أو رجع؛ هذا هو الحرس الثوري. أنا لا أقول طبعاً إن أي شخص ذهب إلى ساحة القتال و لبس زي الحرس الثوري قد صار ملكاً؛ لا، فقد تبدّل العديد من هؤلاء الملائكة إلى شياطين! و ميزة الإنسان هي أنه إذا لم يراقب نفسه - حتى في اللحظة التي يكون قد بلغ مکانة الملائكة - يمكن أن يسقط. و هناک من سقط؛ و لكن هؤلاء لا يشكلون هوية الثورة؛ فهوية الحرس الثوري هي التي أشرت إليها، و درجات الأفراد في هذه الهوية مختلفة.
إذن، أنتم تتصلون بالجامعة و الوسط العلمي و الدرس و العلم و البحث العلمي من جانب و بمنظومة الحرس الثوري من جانب آخر؛ هذه ميزة خاصة. و الآن بالنظر لهذين البعدين هل أنتم من حرس الثورة أم من الطلبة الجامعيين و التنظيم الطلابي؟! هذا سؤال مهم. الجواب هو لا، لستم عسكريين؛ بل أنتم طلبة جامعيون و تنظيم طلابي؛ لكن هذا التنظيم يستند علی موضع مطمئن - و هو مظهر المقاومة - و هذا الاستناد لا يحدد حرکته طبعاً، و لا يحدد عمله و نشاطه العلمي و لا يبدّل هويته إلى هوية عسكرية، لكنه يمنحه زاداً من التجربة الجهادية و النظام الناتج عن هذه التجربة؛ هذا لصالح التنظيم الطلابي: تستفيدون من خيراته، و في نفس الوقت لا تتحولون إلى عسكريين.
و يجب أن أقول على الفور إن الحالة العسكرية ليست نقطة ضعف على الإطلاق؛ بل إنها تدعو إلی الفخر؛ لكنكم لا تتمتعون بهذا الفخر في الوسط الجامعي؛ بل لكم مفاخر أخرى. و ذلك الفخر إنما هو للبيئة العسكرية. أجل، من الممكن أن طالباً تعبوياً يشارك في المناورات کعضو ناشط في التعبئة أو التعبئة الخاصة أو يؤدي غير ذلك من الأعمال و يحصل على شرف عسكري؛ فلا بأس بهذا؛ لكن هيكلية التعبئة الجامعية ليست عسكرية؛ بل هي تنظيم طلابي له ميزاته. لهذا أوصيکم أن تبقوا طلبة جامعيين و تتباهوا بعلاقتکم مع الحرس الثوري. لستم عسكريين
- الحالة العسكرية تعتبر من المفاخر؛ خاصة إذا كان هذا العسكري عضواً في المنظمة العسكرية للحرس الثوري - لكن إذا أصبح أحد عسكرياً، فليعتبر هذا فخراً له؛ و من لا يرغب في ذلک ليس هناک ما يرغمه عليه.
ما الفرق بين هذا التنظيم و التنظيمات الأخرى؟ فهناك تنظيمات مؤمنة ثورية متوثبة بين التنظيمات الأخرى. الفرق بين هذا التنظيم و التنظيمات الأخرى هو أن التعبئة تعني أي شخص أو منظومة مستعدة لتلبية حاجيات الثورة في كل الأزمنة باختلاف أنواعها؛ هذا هو معنى التعبئة. تم تشكيل تنظيم بهذا العنوان و أنتم من أعضائه. إذا كان هناك شخص آخر في منظمة أخرى يتمتع بشعوركم فهو تعبوي، لكنه ليس من أعضاء منظمتكم بشكل رسمي. و من يكون في ورشة و لديه هذا الإحساس فهو تعبوي. و من يكون طالب علوم دينية في الحوزات العلمية و يحظي بهذا الشعور فهو تعبوي. و من يكون في السوق و الإدارة و القرية و يتمتع بهذا الإحساس فهو تعبوي؛ الإحساس بأنه على استعداد للحضور في جميع المجالات و في أي زمان و علی أي صعيد تكون فيه حاجة إليه.
لقد قلت: من مفاخري هو أن أكون تعبوياً؛ و حاولت أن أعمل بهذا الشكل. في السنة الأخيرة من فترة رئاستي للجمهورية - في الشهرين أو الثلاثة شهور الأخيرة من رئاستي للجمهورية - كنت أتحدث في إحدى الجامعات في اجتماع للطلبة الجامعيين و كنت أجيب عن الأسئلة؛ سألوني ماذا تريد أن تفعل بعد انتهاء فترة رئاستك للجمهورية؟ و أي شغل تختار؟ قلت: لو طلب مني الإمام الذهاب لتولي رئاسة المكتب العقيدي - السياسي في المخفر الفلاني لقوات الدرك في أقصی جنوب شرق البلاد، سأفتخر بالذهاب و الخدمة هناك! إذا كنت قادراً على القيام بهذا العمل و أرادو مني هذا الشيء، فأنا مستعد للذهاب إلى هناك؛ تحلّيت بتوطين النفس. أقول لكم هذا الشيء لأنكم أولادي. هذا حديث بين الأب و الابن؛ لا أريد أن أتحدث عن نفسي. عليكم أن تكونوا مستعدين في كل مكان و في كل لحظة تكون فيها حاجة إليكم. هکذا يكون التعبوي؛ هذا هو معنى التعبوي. طبعاً البعض تعبويون مائة بالمائة، و البعض الآخر ليسوا تعبويين مائة بالمائة: تسعين بالمائة، ثمانين بالمائة. يحتاج بلدنا و نظامنا إلى هذا الشيء و هو لحسن الحظ يتمتع بما يحتاج إليه. هذا هو سر صمودنا؛ و كذلك سر أملنا في المستقبل. ليست ثمة نقطة معتمة في آفاقنا. لماذا؟ لهذا السبب.
نحن اليوم نُعتبر حكومة قامت علی الإبداع في عالم السياسة و الاقتصاد المعقّد الزاخر بالمشاكل؛ و لا يسمحون لهذه الحقيقة أن تظهر بشكلها الواضح. قدم الشعب الإيراني و الجمهورية الإسلامية إبداعاً و شيئاً جديداً أثار ضجة كبيرة. قلت مراراً، عالم السياسة تبدّل - بعد التحديات و التقلبات الكثيرة - إلى عالم هيمنة؛ أعني انقسام العالم إلى مهيمن و خاضع للهيمنة. هناك عدد من البلدان المهيمنة و سواها خاضعة للهيمنة؛ و البلدان المهيمنة بدورها جميع أبنائها يخضعون للهيمنة و هناك جماعة قليلة منهم هي المهيمنة. أعني أن هرم العالم يصل فجأة و بحركة سريعة من قاعدته الواسعة إلى رأسه الصغير الذي يسود جميع العالم؛ هذا هو عالم الهيمنة. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ضاق عالم الهيمنة أكثر من هذا؛ أعني أن هذا الرأس صار متعلقاً بحكومة و بقدرة واحدة هي أمريكا. و لم تقتنع أمريکا حتى بهذا؛ و مع أن روسيا تنازلت أمامها فإن أمريكا لم تقنع بهذا و تتقدم إلى الأمام بهذا الشكل؛ لاحظوا الآن استقرار أنظمة الصواريخ الأمريكية في منطقة نفوذ حلف الناتو - في أوروبا - هذه إحدى تلك الأعمال؛ أو لاحظوا تواجد أمريكا في القوقاز التي كانت ذات يوم منتجع الروس! و هكذا تقوم أمريكا بمحاصرة روسيا أيضاً.
و الآن في عالم الهيمنة هذا - الذي لا تتجرأ حتى البلدان الأوروبية التي هي نفسها من ضمن القوى الكبرى، على أن تثرثر كثيراً أمام القوة الأمريكية و إنما تتذمر فقط في بعض الأحيان؛ ناهيك عن الحكومات المتوسطة و الضعيفة - ظهر شعب وضع علامة سؤال أمام جميع مسلمات هذه القدرة المستکبرة؛ و وضعُ علامة سؤال لا يعتبر شيئاً بحد ذاته؛ لكن مشكلته لأمريكا هي أن هذا السجال السياسي له العديد من المشاهدين. و من هم المشاهدون؟ الشعوب التي تنظر و تلاحظ. تأثير هذا الأمر في روح الشعوب أشد مرارة من أي سم لقدرة أمريكا الاستكبارية. و اليوم في نفس هذه البلدان التي تهيمن أمريكا على حكوماتها - في آسيا و إفريقيا و الشرق الأوسط و أمريكا اللاتينية - تعتبر أمريكا من أشد حكومات العالم مكروهية. هذا لم يحدث عن طريق المصادفة و بشكل تلقائي.
إعرفوا قدر شهداء جبهاتكم، و اعرفوا قدر تلك المقاومة المظلومة، و قدر صمود الإمام الراحل الذي كان أشد من الفولاذ صلابةً؛ هذا ما أثّر على الشعب الفلسطيني بشكل و على الشعب اللبناني بشكل، و على شعوب أمريكا اللاتينية بشكل، و على شعوب الشرق الأوسط بشكل، و على العديد من شعوب البلدان العربية - التابعة حكوماتها لأمريكا - بشكل. و الأمر المهم هو أن يعلم الشاب الإيراني ما هي مكانة إيران من ساحة القتال هذه. فهناك تحد كبير و حرب عظيمة في العالم؛ ليست هذه الحرب حرب المدافع و السلاح، لكنها حرب العزائم و الهمم و السياسات و الإجراءات. و أين تقع إيران في هذه الحرب؟ تقع إيران في جبهة من هذه الحرب في مركز القيادة و تشكل الشعوب أفراد تلك الجبهة. علينا أن لا نمر مرور الكرام بحقيقة أن رئيس جمهورية إيران حينما يسافر إلى أندونيسيا، يطلق له شعارات في صلاة الجمعة، و في الجامعة، و في اجتماع الأساتذة و لو سمح له بالتجول في الأحياء و الأسواق لرددت الجماهير أيضاً الشعارات له. و هذا من الأشياء البالغة الأهمية.
أنا ذهبت إلى باكسان في فترة رئاستي للجمهورية فقامت مسيرات منعت ريغن رئيس جمهورية أمريكا من السفر حيث كان من المقرر أن يسافر بعد سفري ليزور باكستان! و قد أدرکوا أن هذا سيريق ماء وجهه؛ حيث أن حالة استقبال الجماهير لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتكرر له. الآن حينما يريد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يسافر إلى أي بلد من بلدان المنطقة الشرقية - سواء البلدان الإسلامية أو حتى غير الإسلامية - فإن ردود أفعال الجماهير هناك حينما يعلمون بالخبر أنهم يتشوقون و يبدون حبهم و تأييدهم؛ و إذا قيل لكل واحد منهم إن رئيس جمهورية أمريكا يريد أن يأتي، يحرقون صوره و يمزقون علم أمريكا! هذا هو الواقع. و اليوم الجبهة السياسية و حرب الإرادات و العزائم و الهمم و الإجراءات في العالم بهذا الشكل؛ هذا هو الاصطفاف في هذه الجبهة.
مركز قيادة هذا الجانب و هذه الجبهة هي إيران: إيران تعني الحزب الإلهي الزاخر بالعزم و الهمة، لكنها عزلاء اليد؛ لأن السلاطين البهلويين و القاجاريين منذ مائة سنة وجّهوا إليها ضربات مؤثرة بكل ما لديهم من طاقات، نهبوا و أضروا؛ و الآن بدأت من نقطة البداية. و الطرف المقابل بدأ ببناء ذاته منذ مائتي سنة - سواء من عند نفسه أو مما نهبه من العالم - و يداه مملوئتان علمياً و اقتصادياً. أيدي هذا الطرف عزلاء من حيث العدة الظاهرية و الدعم الظاهري؛ أعني المال و السلاح و غير ذلك من الإمكانيات؛ و في الوقت ذاته حينما ينظر العالم، يرى هاتين الكفتين متساويتين، و في بعض الأمكنة يرى كفة هذه القوة الحزب اللهية أرجح.
لماذا يراها أرجح؟ و ما نتمتع به؟ إنه الشعور بالتواجد! التواجد! نحن نتمتع بشعب ممتزج بالثورة. بين هذا الشعب الذي توجد فيه مستويات منوّعة، كثيرون يلبسون قلوبهم على الدروع أينما و في أي وقت تقتضي الضرورة و ينطلقون إلى وسط الساحة. هذه هي نقطة قوتنا. كيف تحقق هذا؟ بداينمو الإيمان، و الروح الثورية، و النزعة الدينية؛ هذه حقيقة لم يدرکها أهل الدنيا! لم يدرکوا أية قوة يمنحها الدين للشعب و الحكومة. استقرت الجمهورية الإسلامية بشکل طبيعي في هذه الطريق و في هذه الحالة؛ أعني الإيمان. و الآن أين تتموضعون أنتم - التعبئة الجامعية - في مركز القيادة هذا؟ أنتم حددوا ذلك و فكروا به؛ طبعاً عليكم أن تأخذوا هذه الحسابات بنظر الاعتبار. جماعة الطلبة الجامعيين - خاصة حينما تسودها النزعة التعبوية و روحها - هي ذلك العنصر المنقطع النظير. أي لا يمكن تثمينه بثمن في تقدم هذه الحركة العظيمة.
قلت في بداية السنة في مدينة مشهد؛ إن العدو يتابع ثلاثة أهداف علی أساس خططه. الهدف الأول هو فرض التخلف الاقتصادي على البلاد؛ ليبين أن الحكومة - التي هي حكومة دينية و وفية للقيم الإسلامية - حکومة غير كفوءة و لا تتمتع بالخبرة؛ و لهذا يجب أن يکون الوضع الاقتصادي متأخراً وفق مخططات العدو. الهدف الثاني هو التأخر العلمي؛ لأن مستقبل البلد لا يتقدم و لا يترقي إلا بواسطة سلّم العلم. لا بد للشعب الإيراني أن يقوي أساسه علمياً و يتقدم في ساحة العلم؛ و قد منحه الله الموهبة العلمية. الهدف الثالث: إفساد الاتحاد و الانسجام في صفوف الشعب الإيراني أو بين الشعب الإيراني و الشعوب المسلمة؛ حيث أطلقنا في ذلك الوقت شعار الاتحاد الوطني و الانسجام الإسلامي.
و على صعيد المساعدة في كفاءة الحكومة يمكنكم أن تكونوا نشطاء في هذه الأقسام الثلاثة. ليس من الضروري أن أذكر معادلة ذلك - حيث ذكر بعض الأصدقاء إنها معادلة أحادية الجانب أم ثنائية - عليكم أن تجدوا المعادلة. أنتم تعبئة؛ إذا تمتع تنظيمكم بالكفاءة اللازمة - التي يجب أن يتمتع بها - و إذا تعاون وزراء الحكومة معكم - و هم يتعاونون حقيقة لأن السيد زاهدي و السيد لنكراني أيضاً من التعبئة - فعليكم أن تجدوا الطريق. لاحظوا كيف يمكنكم الاستفادة من الحكومة و البلد و هذا الحشد العظيم من الشباب المؤمن المتواجد المتمتع بالمواهب لتقدم البلاد؛ سواء في حالات التقدم أو التحركات العلمية أو الأعمال الجهادية أو الأعمال الاقتصادية.
طبعاً على الشباب أن ينتبهوا، أنا لا أنصح أبداً أن تكونوا أعضاء رفيعي الدرجة في دائرة فلانية و أنتم لا تزالون في مستهل دراستکم - مستشار الوزير أو غير ذلك - لا، أنا لا أوافق هذه الأشياء على الإطلاق؛ لا فائدة في الاسم و العنوان الذي يرفع شأن الإنسان اعتباراً، و لكن ليس له شيء من الحقيقة. كونوا جزءاً و لو صغيراً في تلافيف التنظيمات العظيمة لأنشطة الحكومة - سواء الأنشطة الاقتصادية أو الأنشطة الإدارية - و في كل الأمكنة.
في هذا المصنع العظيم إذا كان أي واحد من البراغي غير محكم، فسوف يفسد الإنتاج. رأيتم خط الإنتاج؛ حيث يقف العاملون صفاً و كل واحد منهم يعمل في تشديد هذه الأدوات أو القيام بأعمال أخرى. كل واحد من هذه الأعمال سوف يؤثر في إنتاج هذا الجهاز كله. هذا ما يجب تأمينه.
التعبئة الجامعية تحتاج إلى أشياء؛ الأشياء الرئيسية و الضرورية و الحيوية: حاجتها الأولى هو الفكر و التحليل و الاستنارة. الفكر، و التفكير، - أو حسب قولكم العمل النظري - في مجال قضايا الإسلام، و الثورة و القضايا العالمية و الجارية؛ بحيث يتمتع الطالب التعبوي بذهنية نيرة، و لسان بليغ، و إبداع كثير. كما ذكرت و أشرت فإن عليكم ملاحظة الحقائق بعيداً عن النعرات الفئوية السياسية؛ انظروا من فوق و لاحظوا الجبهة. هناك وحدات منوّعة في الجبهة الواسعة التي يمكن أن تكون مساحتها مائة كيلومتر؛ كل شخص في الوحدة، يرى نفسه فحسب. لكن من يرتقي إلی الأعلى بالطائرة المروحية، يمكنه رؤية الترتيب الحربي لجميع هذه الوحدات. عليكم ملاحظة ظروف البلاد من الأعلی؛ في ذلك الحين ستجدون و بشكل صحيح مكانكم الذي عليكم أن تكونوا فيه و ما يجب عليكم أن تفعلوه، و باتجاه أي شيء يجب أن تبدوا مشاعرکم أو لا تبدوها. كما قلت: يجب أن لا يطلق كلام الحق في بعض الأوقات؛ لأن إطلاق هذا الكلام، يكمّل بازل العدو. إحذروا في جميع المراحل أن تكونوا من يكمل بازل العدو!
الحاجة الأخرى هو الجهاد العلمي. أنتم تحتاجون إلى الجهاد العلمي. و عليكم الدخول في ميادين العلم؛ و على الوزارات أيضاً تقديم مساعداتها؛ و المعاونيات البحثية أيضاًً يجب عليها تقديم مساعداتها؛ و کذلک المعاونيات الإدارية و المالية للجامعات و الوزارات يجب عليها تقديم الدعم المالي؛ کما يجب على منظمة التعبئة أيضاً المساعدة و الدعم في مجالاتٍ معينة.
إحدى حاجياتكم الضرورية هي قضية الأخلاق و المعنويات. أنتم شباب صالحون؛ و هذا ما أقوله بعيداً عن المجاملة؛ شبابنا التعبويون صالحون حقيقة. و لكن لهذا الصلاح درجات. عليكم عدم وضع حد للحسن و التحسن أبداً؛ كونوا في حالة الرقي و التطور دائماً. حاولوا أن لا تقترفوا ذنباً. أدوا الفرائض بکل رغبة و شوق. لا تغفلوا عن ذكر الله. و استئنسوا بالقرآن. و في الأماكن المختلفة التي تكونون فيها مع بعضكم ليحاول کل منکم مساعدة الآخر لرفع مستوى معنوياته و تدينه. إذا انحرف صديق عن الطريق في مكان ما، فخذوا بيده بکل إخلاص. أعزائي! ينبغي عليكم بناء الذات أخلاقياً. يمكن للإنسان أن يعوّد نفسه علی جميع الأعمال و الأخلاقيات عن طريق الممارسة؛ خاصة في مرحلة الشباب التي أنتم فيها. هذا الأمر في مرحلتنا - أعني مرحلة الشيخوخة - ليس مستحيلاً، لكنه صعب جداً. أما في مرحلتكم فلا، إنه سهل جداً. إن لم يکن لديكم نظم في أمورکم و تريدون التحلي به فإنه سهل. إن کنتم بعيدين عن الکرم و ترغبون في التحلي بالسخاء فإنه سهل. إن کانت أخلاقکم سيّئة و کنتم عبوسين و متذرعين و ترغبون في التحلي بحسن الأخلاق، فإنه سهل. و إن کنتم ممن يغتاب الآخرين و يتهجم على هذا و ذاك و تريدون أن تراقبوا أنفسكم، فإنه سهل. بالممارسة! بفضل الممارسة تستطيعون أن تسيروا نحو الرقي؛ أنتم تحتاجون إلى هذا. هؤلاء الشباب الذين يدخلون الجامعة يتمتعون في البداية بقلوب طاهرة و يرغبون أيضاً في أن يجدوا محور المعنوية و يلتحقوا به؛ إنهم يرغبون في التعبئة و يتوقعون منها. أنتم شبيهون بنا طلبة العلوم الدينية من ناحية معينة. توقعات الجماهير من طلبة العلوم الدينية كثيرة؛ و توقعاتهم من التعبئة أيضاً كثيرة. إذن، الأخلاق و المعنوية من احتياجاتكم الرئيسية! ينبغي عليكم إشاعة الدروس الأخلاقية بينكم. يجب عليكم الاستعانة بأساتذة الأخلاق و الوعاظ. طبعاً احذروا من أن لا تسقطوا في فخ العناكب العاشقة للدنيا و أصحاب الدكاكين؛ هناك العديد من هذه الأمور في هذه الأيام: أصحاب الدكاكين الذين يدعون باسم المعنوية إننا رأينا الإمام ...! هذه الأمور غير واقعية بتاتاً. إحذروا أن لا تقعوا في أسر هؤلاء.
و من جملة حاجياتكم أيضاً هي منظومة مفکّرة. أنا أرغب في أن نقلل من الاقتباس من المفردات الأجنبية. مع الأسف أدی تقاعسنا إلی الاقتباس. غرفة التفكير مترجمة حرفية عن الإنجليزية. أنا لا أرغب في استخدام كلمة غرفة التفكير ، و لكن لا مندوحة من ذلك. عليكم إنشاء جماعة فكر - أعني نفس غرفة التفكير في المراكز - تجتمع و تأتي بالأفكار السامية. ينبغي عليكم الاستفادة من الأفراد الموثوقين و ذوي النفوس المطمئنة، و أصحاب الأفكار الحسنة. دوريات التعبئة الجامعية يجب أن تكون من أغنى الدوريات و أثراها بحيث عندما يلاحظها أي طالب أو أستاذ أو من هو خارج الوسط الجامعي، يمكن له الاستفادة منها. هذه هي حاجياتكم.
و إحدى الاحتياجات هي اختيار الأفراد الصالحين في القطاعات المختلفة لهذه التنظيمات الكبيرة. الإمام ( رضوان الله تعالى عليه ) كان يوصي الجميع دوماً - خاصة الطلبة الجامعيين - باجتناب من المندسين؛ و هذا هو واقع الأمر. في البداية كان أعضاء حزب توده من المنظمات الماهرة في الاندساس، حيث كانوا يدخلون بالتملق و التظاهر و الرياء. ثم تعلّم البعض الآخر منهم و دخلوا التنظيمات المنوعة و قطاعات الحكومة المختلفة حيث وصل بهم الأمر إلى حد أنهم كانوا يدعون الحکومة المزدوجة. أنتم تتذكرون؛ يرجع الأمر إلى أربعة أو خمسة أعوام ماضية. السيادة المزدوجة، الانشقاق في الرأس! هذا أمر جد عجيب! وصل بهم الأمر إلى هنا أيضاً. انتبهوا؛ الانشقاق و التفرقة أمر خطير؛ حيث ينشق شخص بسبب فكرة من منظومة معينة، و كذلك ينشق شخص آخر من تنظيم آخر لفكرة معينة؛ و قد تكون هذه الأفكار صحيحة، لكنها ليست مهمة إلى درجة تستحق أن يفسد الإنسان هذا التلاحم و الوحدة من أجلها. أنا قلت الاتحاد الوطني، أجل، يبدأ الاتحاد الوطني بالنسبة لكم أيها الطلبة الجامعيون التعبويون من التعبئة نفسها: أعني الاتحاد التنظيمي. لا تسمحوا بأن يمزقوكم و يقطّعوكم إرباً إربا.
و ثمة توصية تحتاجون إليها حقيقة - مع أنكم تعبويون و نشاطکم كثير - هي أن تحذروا من أن تفقدوا تحرّككم و أن يجتنبوا الکسل؛ هذا أمر مهم. عدم التقاعس أمر مهم.
أعتقد أن التعبئة الجامعية بالتوصيات التي طرحتها، و بتلك النقاط و الاستنارة التي توجد في أنفسكم - و أنا سمعت نموذجها منكم - سوف تكون بركاتها لمستقبل البلاد أكثر من الماضي إن شاء الله. أنا أشعر بأن التعبئة خاصة التعبئة الجامعية، سوف تحقق على خيرات أكبر و أكثر في المستقبل إن شاء الله.
حسناً، نحن نرغب في الحديث معکم أكثر، و أنتم أيضاً لديكم الکثير من الکلام الذي تريدون طرحه علينا؛ و لكن ما نفعل و الوقت قليل مع الأسف و علينا أن نستودعكم الله. اللهم! نوّر هذه القلوب الشابة بنور معرفتك و فضلك.
اللهم نوّرنا أيضاً بفضل رقة هؤلاء الشباب و نورهم. اللهم! وفقنا في ساحة الجهاد في سبيل الله الصعبة أكثر فأكثر و يوماً بعد يوم؛ و ثبّت عزمنا و نيتنا. اللهمّ! أهلك أعداء الشعب الإيراني و الثورة الإسلامية! بلّغ الشعب الإيراني أمنياته الكبيرة؛ اللهم أحشر روح إمامنا الجليل و أرواح شهدائنا الأجلاء مع أرواح الأئمة الهداة ( عليهم السلام ) و شهداء صدر الإسلام؛ و اجعل قلب صاحب العصر و الزمان ( أرواحنا فداه ) راضياً عنا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.