بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بكم أيها الأعزاء أجمل ترحيب، و أنا مسرور لرؤية وجوهكم الشابة المتوثبة الأعضاء الغالين في القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لا شك أننا يجب أن نكون جميعاً - أنا و أنتم - شاكرين للذين صنعوا يوم التاسع عشر من بهمن بموقفهم العملي - و ليس بألسنتهم و لا بمعاهداتهم - صنعوه و خلّدوه بمواقفهم و مبادرتهم و عزمهم. حينما تتخذ الخطوة بإخلاص و صواب و انطلاقاً من فكرة صحيحة مفعمة بالإخلاص فسوف تتسم بالبقاء و الخلود. قد نفعل الكثير من الأعمال الاستعراضية، و قد نمارس بعض الأعمال المملاة علينا و التي قد لا تتسم بالإخلاص الكافي، فيمحوها مرور الزمن و يقضي عليها، إلا أن حدث التاسع عشر من بهمن لم يكن من هذا القبيل، إنما كان عملاً نبع من صميم الإيمان والإخلاص و العزيمة الراسخة. في تلك الظروف، صحيح أنه لم يكن قد تبقى على الانتصار الحاسم للثورة سوى بضعة أيام، و لكن لم يكن بوسع أي شخص التكهن أن التاسع عشر من بهمن سيعقبه الثاني و العشرون من بهمن. لم يكن بالمقدور التخمين على نحو القطع. كانت خطوة خطرة. العزيمة الراسخة لأولئك الشباب - و قد كانوا شباباً يشبهونكم - تجلّت في أنهم أبدوا عملياً إيمانهم، و عزمهم، و التحامهم بشعبهم، و إدراكهم و تشخيصهم الصائب لعمق الحدث الذي كان يقع آنذاك. طبعاً كانت تلك خطوةً خطيرة، لكنهم بادروا إليها و خلدوا يومُ التاسع عشر من بهمن.
لم يكن هذا الحدث حدثاً فجائياً دفعياً. لقد عرضت القوة الجوية بفعلها هذا جوهراً من جواهرها. و قد تجلى هذا الجوهر في الحرب أيضاً. سواء في الجانب الهجومي أو في الجانب الدفاعي. في الدفاع الذي استمر ثمانية أعوام حينما شعر الشعب الإيراني بعدم وجود أسوار أمنية تحيط به، و كان الأعداء يأتون دون أي خوف أو قلق و يقصفون و يهاجمون، أبرزت القوة الجوية جوهرها ذاك. فكانت الأعمال الأفضل، و الأولى، و الأكثر تألقاً و حسنَ صيتٍ في جيش الجمهورية الإسلامية في بداية الحرب المفروضة هي ما قامت به القوة الجوية.. لقد كان هذا استمراراً لذلك الجوهر. و الحال الآن كذلك أيضاً.
المهم أن يكون للإنسان أو الجماعة من الناس تقييماً و فهماً صحيحاً للتحولات و التطورات التي تتفاعل حوله. بعض الأحداث التي لا تسترعي كثيراً من الأنظار يفهمها ذوو البصائر و يدركون ماذا تعني و ماذا سيحدث إثرها. هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. التحول الذي وقع في إطار الثورة الإسلامية كان من هذا القبيل. البعض لم يفمهوه و لم يشخصوه. و فريق خلطوا بينه و بين أي تحرك أعمی كثيراً ما يحدث في مناطق مختلفة من العالم. هكذا تصرفوا معه و هكذا كان موقفهم منه. و البعض أعدوا أكياس أطماعهم كي يستغلوا هذا الحدث لصالحهم شخصياً. هذا كله وليد قصر النظر. كانت الثورة بالدرجة الأولى تحولاً في المجتمع الإيراني، و بالدرجة الثانية في مجمل الأمة الإسلامية، و من ثم في عموم المعادلات السياسية العالمية، إذ غيّرت جغرافيا القوة في العالم، خصوصاً في بعض مناطق العالم.. كانت الثورة مثل هذا الحدث العظيم. و اليوم راحت هذه العظمة تبرز مؤشرات و دلائلها. التطور الذي حصل في إيران هو تغيير نظام مغلق استبدادي ظالم تعسفي يترأسه ساسة متعطشون للدنيا، و للشهوات، و لا يفكرون إلا بأنفسهم؛ ساسة غافلون عن الإنسان و الإنسانية، و تابعون من ناحية للأجنبي، و أسرى بيد سياسات الآخرين و مطيعون للقوى المهيمنة. هذا كان التحول الأساسي.. و من ثم تحويل ذلك الوضع إلى مجتمع رشيد، واعٍ، ذي عزيمة راسخة، بشعب له القدرة على الانتخاب، و له حق الانتخاب؛ شعب شامخ عزيز بين المجتمعات البشرية و مؤثر على سائر المجتمعات. كان هذا هو التحول الرئيس الذي وقع.
أنتم اليوم ترون و تسمعون و تقرأون بخصوص شتى القضايا ذات الصلة، بمنطقتنا أن كافة القوى العالمية تعتقد أن تواجد إيران و وجودها و رأيها و موقفها مؤثر. هذا ما يقوله حتى ألدّ أعدائنا و يعرفون أنه لحل قضايا الشرق الأوسط أو قضايا بلدان هذه المنطقة لا يمكن اتخاذ أي قرار أو العمل به من دون المشاركة الإيرانية. أين هذا من ذلك الوضع السابق حيث كان بلد كبير كإيران بما له من تاريخ و تراث و شعب عظيم مجرد بيدق بيد المهيمنين و المستعمرين يحركونه كيف ما شاءوا، و يستغلونه و ينتفعون منه، دون أي اكتراث لشعبه.
و من الناحية الاقتصادية كانت مصادر البلد بأيديهم.. نفط البلاد، و ثرواتها المعدنية المتنوعة، و ثرواتها البشرية المتنوعة، و واقعها العسكري و الاستراتيجي.. كلها كانت بيد الآخرين يوظفونها كيف ما أرادوا. هذا هو التحول الهائل الذي حصل.
طبعاً، لهذا التحول معانٍ أخرى. الشعب الذي يتحلى بمثل هذه الإرادة وبمثل هذه القدرة في شؤون الاقتصادية، و في تعميق و نشر ثقافته، و في طريق أخلاقه الإنسانية، و في طريق تطبيق معتقداته القلبية. هذا هو التحول العظيم الذي لم يفهمه البعض و لا يزال البعض لا يفهمه لحد الآن. القوى الكبرى - التي لا تهدف لسوى قهر الشعوب و الهيمنة عليها - غير مستعدة لفهم أن الشعب إذا استيقظ و أدرك قيمة عزيمته و إرادته.. حينما يعي الشعب أنه إذا أراد و قرّر و عمل فلن يكون بوسع أية قوة الوقوف بوجهه، و لن يمكن ملاواة مثل هذا الشعب. قد يفرضون بعض التكاليف و الفواتير على هذا الشعب، بيد أن السيطرة عليه لن تعود ممكنة. و لن يعود بالمستطاع استعباد هذا الشعب، و فرض معتقداتهم و إراداتهم عليه. هذا ما لم تستطع القوى الكبرى فهمه لحد الآن. مضت ثلاثون سنة على هذا التحول الهائل و استخدم أعداء الشعب الإيراني و أعداء نظام الجمهورية الإسلامية شتى الأساليب و الحيل عسى أن يستطيعوا إخضاع هذا الشعب ثانية، و إعادة تلك الهيمنة الجهنمية التي فرضوها على إيران العزيزة لعشرات الأعوام و لم يكونوا على استعداد للتخلي عنها. التحدي الراهن بين نظام الجمهورية الإسلامية و أعدائها المقتدرين العالميين يتمحور حول هذه النقطة. قضية الطاقة النووية و صناعة الصواريخ و ما إلى ذلك مجرد ذرائع. القضية قضية أخرى. القضية هي أن شعباً استطاع بقوته و غلبته و عزمه و إرادته أن يحرر نفسه من الهيمنة القسرية للآخرين. لكنهم يحاولون إعادة هذه الهيمنة. لم يستطيعوا ذلك طبعاً و لن يستطيعوا في المستقبل أيضاً.
من أعماق صنوف الحظر التي فرضوها لسنوات طويلة على بلادنا خرج فجأة القمر الصناعي » أميد « و أطلق إلى الفضاء. و من أعماق كل الضغوط التي مارسوها، ظهرت فجأة القدرة على تخصيب اليورانيوم - و هي عملية محصورة و مقتصرة على القوى الكبرى و تعد ملكاً مطلقاً لهم يجب أن لا تخرج إلى أي مكان دون إذنهم - و تطورت و تفاعلت و أعربت عن نفسها. هذا دليل أن العدو لم يستطع فعل شيء و أن حظره و تهديداته لم يكن لها أثر. لماذا؟ لأن هذا الشعب حافظ على عزيمته الراسخة المستندة إلى إيمانه العميق، و هو الآن يسير و يتقدم إلى الأمام، و هم عاجزون عنه.
في حين تعمل أجهزة هذه القوى الإعلامية المتطورة و فوق الحديثة ليل نهار ضد النظام الإسلامي و الحركة الإسلامية و الجمهورية الإسلامية صنع انتشارُ هذا الفكر واقعة غزة فوقفت جماعة صغيرة في أرض محدودة المساحة أمام حكومة تعتبر نفسها إحدى القوى العسكرية الأولى في العالم. استخدم ذلك العدو كل إمكاناته ليستطيع قهر هذا الشعب فلم يستطع. هل هذا حدث صغير؟! هل هذا بالشيء القليل؟! و قبل هذا كانت هناك أحداث لبنان قبل سنتين حيث استخدموا أيضاً كل إمكاناتهم و قدراتهم، بل و ساعد الأمريكان الكيان الصهيوني تسليحياً. و مع أن الكيان الصهيوني يصنع القنابل الذرية و يصدِّر المعدات العسكرية إلا أن الأمريكيين أمدوه بالمعدات لينتصر على مجموعة من الشباب المؤمن المتحفز المدافع، فلم يستطيعوا ذلك في حرب الثلاثة و ثلاثين يوماً. هل هذه أمور صغيرة؟!
هذه هي النقاط التي غيّرت جغرافيا القوة في العالم. غيرت شكل النظام العالمي غير العادل الذي يوزّع العالم إلى مهيمنين و خاضعين للهيمنة. اعتاد العالم بعد القرن السابع عشر و الثامن عشر للميلاد - حيث ظهرت الحالة الاستعمارية - على أن تمسك بضع دول بيدها مصير البلدان في العالم - حكومات و شعوباً - اعتماداً على قدراتها العسكرية و ليس على قدراتها الأخلاقية. أحياناً يتهيّأ لدولة من الدول نفوذ بين بعض الشعوب أو الحكومات بشكل طبيعي بسبب متانة أفكارها و إشعاعها الأخلاقي، إلا أن نفوذ الاستعمار لم يكن من هذا القبيل. نفوذه كان قسرياً و بفضل قدراته العسكرية و أسلحته و عسفه. اعتاد العالم على أن يمتلك البعض هذه الأسلحة القاهرة و أن تستسلم أكثرية الحكومات و الشعوب في العالم حيالهم. ثم يكون لبعض هؤلاء المستسلمين - بحسب شطارتهم - وضع مادي أفضل من سواهم. أشبه بغلمان و عبيد سيد قد يكون لبعضهم زاد و حياة أفضل دون البعض الآخر الذي تجتمع له العبودية و الجوع.
و قد غاب هذا التعويد عن العالم بفضل الثورة الإسلامية، و اتضح أن مواقف القوى المهيمنة في العالم ليست المواقف الأخيرة، إنما الشعوب هي التي تتخذ المواقف الأخيرة.. عزم الشعوب و إيمانها هو الذي يقول الكلمة الأخيرة. هذا ما علّمه الشعب الإيراني للآخرين. طبعاً كانت هناك ثورات في العالم قبل الثورة الإسلامية، إلا أن أية ثورة - لاحظوا كل تاريخ الثورات، منذ الثورة الفرنسية الكبرى و ما قبلها و إلى ما بعدها - لم تستطع الحفاظ على مبادئها طوال سنوات متمادية كما فعلت الثورة الإسلامية في إيران حيث سارت في خطها المستقيم و لم تستسلم لهذا و ذاك، بل واصلت طريقها المستقيم إلى الأمام.
هذه هي وصفة المستقبل. الشعب الإيراني كله يعلم هذا، و يجب أن يعلمه، و عليكم أن تعلموه و أنتم تعلمونه. السبيل لانتصار الشعب الإيراني انتصاراً نهائياً كاملاً هو أن لا يتخلى عن هذا الخط المستقيم، خط الإيمان، الإيمان بالله، و الإيمان بذاته، و الإيمان بالقدرات الوطنية، و الثقة بالذات الوطنية، و عدم تركه طريق الإيمان و الحركة و الجهاد بكل أشكاله؛ الجهاد العلمي، و الجهاد العملي، و إذا اقتضت الضرورة الجهاد العسكري.
حينما يسير شعبنا في الثاني و العشرين من بهمن من كل سنة بهياج و الحماس و عزم راسخ في الشوارع و يشارك في هذه التظاهرات الحاشدة و يعبّر عن نفسه فإنما يقوم بحركة رمزية تعبّر عن صموده و صبره على هذه المبادئ. الشعب يقول إننا موجودون. لذلك تلاحظون أن مراسم الثاني و العشرين من بهمن أقيمت طوال هذه الأعوام الثلاثين تحت الثلوج و في البرد القارس و على الأراضي المتصلبة بالثلوج، و تحت الشمس المحرقة - في المناطق الحارة - و جاء الناس إلى ساحة المظاهرات و حافظوا على حضورهم و تواجدهم و لم يسمحوا بأن يفقد الثاني و العشرون من بهمن ألقه و بريقه. و هذا ما سيحدث هذه السنة أيضاً بتوفيق من الله. سيحضر الشعب الإيراني تارة أخرى و يعبّر عن نفسه في الساحة، و هذا ما يبث في العدو الشعور بالخسران بالمعنى الحقيقي للكلمة. هكذا هو التواجد في المظاهرات، و كذلك التواجد في الميادين المختلفة - الانتخابات المختلفة، و مشاركة الناس و تواجدهم، و هذه الاستعراضات العلمية و التقنية العظيمة التي يعرضها شعبنا الواحد تلو الآخر لحسن الحظ - جهود شبابنا تظهر دوماً و يجب أن تزداد يوماً بعد يوم.
إن لكم أنتم أيضاً في القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية واجبات محددة و معروفة، سواء في القسم الرئيس من القوة الجوية، أو في قسم المضادات الجوية. الواجب الأهم هو أن يشعر الإنسان أن عليه سد الفراغات و الثغرات. سدوا الفراغات في المعدات و التنظيم و الإدارة أينما كنتم. حينما تتحلى المنظومة بالعزيمة على التقدم فلن تنتظر أن تنتقل من مكان إلى آخر أو أن يقول لها أحد شيئاً، إنما تشخص الاحتياجات ضمن المساحة التي تعمل فيها و تحاول رفع هذه الاحتياجات و النهوض بواجباتها بنحو كامل. و هذا ما حصل لحد الآن في القوة الجوية في الجيش بفضل و توفيق من الله، و سيحصل بعد الآن أيضاً. هذا ما أشعر به حينما تقع عيني على الوجوه الشابة المؤمنة ذات العزيمة و الإرادة في القوة الجوية. و يمكن أن يفهم الإنسان هذا أيضاً من التقارير و المعلومات التي تصله؟
نحيّي ذكرى جميع الشهداء الأعزاء في القوة الجوية و جيش الجمهورية الإسلامية و كذلك الشهداء الأبرار في المنظومات المختلفة الذين جاهدوا في هذا السبيل و استشهدوا و ضحّوا بأنفسهم و سقوا هذه الشجرة الفارعة، و نحيّي كذلك ذكرى إمامنا العزيز الجليل الذي قاد هذه الحركة العظيمة، و نشكر المسؤولين المحترمين في القوة الجوية و الناشطين في القطاعات المختلفة و المبدعين و الذين أسسوا لهذه الإبداعات في القوة الجوية، و نتمنى أن يمنَّ الله تعالى عليكم بمزيد من التوفيق و العزيمة الراسخة كل يوم كي تستطيعوا إن شاء الله أن تبلغوا بالجيش و بمنظومة القوات المسلحة إلى حيث يشعر الشعب الإيراني بفضل وجودكم بأنه غير مهدّد بأي خطر من قبل الأعداء.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته