بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبيّنا أبي القاسم محمّد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين سيّما بقية الله في الأرضين.
قال الله الحكيم في كتابه: ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت و فرعها في السّماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها و يضرب الله الأمثال للناس لعلّهم يتذكّرون ).
إنه اجتماع عظيم. و أعظم من هذا الاجتماع، هو ملايين القلوب التي تنبض في هذه الأيام في كافة أنحاء البلد و في جميع أنحاء العالم لذكرى رحيل إمامنا الجليل. و يدل هذا كله على عظمة تلك الشخصية التي تمكّنت بفضل من الله من منح العظمة لهذا الشعب، بل للأمة الإسلامية جمعاء.
شبّه الله تعالى الكلمة الطيّبة بالشجرة الطيّبة المثمرة؛ جذورها في الأرض و فروعها و أوراقها في السماء و تغدق ثمارها للعاشقين بما يتناسب مع الظروف و التوقعات: ( تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها ). الكلمة الطيبة هي كل فكرة تنبت في قلب إنسان عظيم و إلهي و تكون مصدر خيرات للجماهير؛ و هي أي عمل تقوم به جوارح الإنسان الصالح و يكون ذا بركات لهداية البشرية و ارتقائها. كما أن الكلمة الطيبة هي ذلك الإنسان الذي حقّق هذه الفكرة الصالحة أو هذا العمل الصالح و ظهرت فيه. ثم يقول الله تعالى: ( يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة ). يؤدي ذلك القول الثابت إلى ثبات صاحبه و دوامه. الكلمة الطيبة هي القول و القائل معاً و هي كذلك الفكرة و ما ينتج عنها؛ و هي أيضاً تلك الشخصية الإنسانية المنتخبة التي تظهر بها هذه الفكرة و العمل.
و لذلك تلاحظون کأن إمامنا الجليل يحيی أکثر فأکثر يوماً بعد يوم؛ و يبرز أكثر في أجواء مجتمعنا و في الأجواء الدولية الإسلامية يوماً بعد يوم و تصبح فكرته و يصبح سلوکه مفهوماً و واضحاً أكثر فأكثر. فما هو السبب في هذا الدوام و هذا الاستمرار و هذه الخيرات؟ إنه الإيمان الخالص و العمل الصادق.
كان إمامنا العظيم مصداقاً لهذه الآية الكريمة التي تقول: ( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً ). كان هدفه هدفاً إلهياً و كان سلوكه سلوكاً إيمانياً و كان عمله عملاً صالحاً. و هذا ما يبقى لمثل هذا الإنسان في أذهان المجتمع الإسلامي و لا يموت؛ كسلسلة الأنبياء و الأولياء الإلهيين الذين غابت أجسادهم عن الناس، و ظلت حقيقتهم و هويتهم حيّة.
إنهم يسعون لإحياء القادة الماديين في القلوب مستخدمين مختلف أنواع الحيل، و هذا غير ممکن. حنّطوا جسد لينين - زعيم الاتحاد السوفيتي السابق - حتى يبقى أمام الأنظار، لكنه لم يبق. ذلك الجسد المحنط - و هو جسم بلا قيمة - و تلك الفكرة و المبادئ و ذلك الذكر، قد حکم على جميعها بالزوال؛ سواء في مجتمعه أو على المستوى العالمي.
هذا هو الفرق بين الزعامة المادية و بين القيادة المعنوية و الروحية. و السبب هو العلاقة بالمصدر الرئيسي للقدرة، و العلاقة بالله تعالى، و الاعتراف بأن الأشياء كلها تتعلق به، و بالعمل له. هذا هو سر قدرة الرجال الإلهيين و خلودهم و نفوذهم. سيظل الإمام خالداً بفضل هذه الرؤية و هذا الأساس. ذهب أعداؤه و معارضوه في الدين و السياسة و سيذهبون؛ لكن إمامنا الجليل سيظل خالداً بفضل فكرته و هويته و وجوده الحقيقي في المجتمع الإسلامي و المجتمع الإنساني الكبير، و سيزداد وضوحاًً و قوة و تجسداً يوم بعد يوم. هذا هو سر الاقتدار المعنوي لإمامنا العظيم.
سر هذا النفوذ العجيب و سر نفوذ هذا الرجل العظيم إلى قلوب الجماهير المسلمة الحاشدة في البلاد المختلفة و سر هذا النفوذ العظيم هو: نكران الذات و تجاهل المصلحة الشخصية، و رؤية الله و الاستلهام منه و السعي للعمل في سبيله بکل معنی الکلمة. هذا هو سر عظمة الإمام العظيم و الزعامة المعنوية. و هذا السر هو نفس سر نفوذ الأنبياء و خلودهم و إلّا فإن الجميع قادر علی أن يقوم بمناورات سياسية و أن يطلق الشعارات المزيفة للجماهير؛ و هذا ما يقوم به الآخرون أيضاً. إن هذه الأمور ليست هي التي تجعل للزعيم المعنوي و الروحي نفوذاً في القلوب و هيمنة عليها. و ليست حكومة الإمام حكومة معنوية شكلية؛ بل إنها من نوع حكومة الأنبياء؛ و ليست كحكومة الجبابرة و الظالمين أبداً. لذلك حينما تلاحظون حياة الإمام، ستجدون أن هذه العلاقة بالله و الاتصال به تمنحه سكينة و هدوءاً. لقد كان هادئاً مع أن الآخرين کانت تسودهم حالة الهلع! و كان حازماً حاسماً عند تزلزل الآخرين. و هو يقول في وصيته مودعاً الشعب الإيراني و جميع الشعوب المسلمة أيضاً: أستودعكم الله بروح هادئة و قلب مطمئن، ثم ينتقل إلى رحمته تعالى. إنه يودّع العالم بقلب مطمئن مع أنه على أعتاب الموت.
كان البعض يخطر ببالهم: كيف تمكن الإمام أن يرحل عن هذه الدنيا و يلتحق بالله تعالى بقلب مطمئن و دون أي قلق مع أنه كان يهتم بأحكام الدين و أرواح الناس و أموالهم و مع إننا قدمنا هذا الكم الهائل من الشهداء في الثورة و الحرب المفروضة؛ و كان هؤلاء يتساءلون: من الذي يتحمّل مسؤولية هذه الدماء؟ و کانت إجابة الإمام عن كل هذه التساؤلات هي: إن المسؤول عن هذه الدماء هو من كان مسؤولاً عن الدماء في معرکة صفين و النهروان. و المسؤول عن هذه الصعوبات هو الذي كان مسؤولاً عن الصعوبات و المحن و الآلام التي تحمّلها أمير المؤمنين طيلة حياته. الثورة التي تروم إنقاذ شعب من الشعوب لها كلفتها؛ کما أن الحرب المفروضة التي استمرت ثمانية أعوام للدفاع عن استقلال الشعب لها كلفتها؛ و المقاومة أمام متغطرسي العالم لإثبات الحقانية و إحقاق الحقوق لها كلفتها؛ و الإمام هو الذي دفع هذه الكلفة. الكلفة التي قام الإمام بدفعها تتمثل في ثقة الشعب العامة. و الإمام استخدم هذه الثقة العامة و وظّفها في هذا السبيل، لكن الله تعالى عوّض هذه الكلفة و أعاد للإمام ما دفعه بعدة أضعاف. عدد الجماهير التي احتشدت في تشييع هذا الرجل العظيم كان أكبر من الذين جاءوا لاستقباله. و هذا يعني من كان لله كان الله له . كانت قلوب الجماهير تهوي إليه. و لم يكن الإمام يريد هذا الرصيد لنفسه؛ و كان يعتقد بأنه لله تعالى و يجب عليه إنفاقه في سبيله و قد قام بذلك. و أعاد الله هذا الرصيد له بعدة أضعاف. هذا هو الطريق إلى الله؛ الذي هو بحاجة إلى الجهاد و الكلفة و ينبغي دفع كلفته.
أي شعب يريد العزة و الاستقلال عليه أن يدفع الكلفة حتى و إن لم يكن مؤمناً بالله و الدين و القيامة؛ و إن کان يريد الحفاظ على حقه أمام متغطرسي العالم فعليه أن يدفع ثمن ذلک. لا يمكن تحقيق آمال التقدم و التنمية و العزة و السيادة بالقعود في رکنٍٍ منٍ دون بذل أي جهد في ميادين العمل؛ فهذا مستحيل. لا يجيد البعض شيئاً سوى الشكوى و الحديث عن النواقص؛ و لكن كيف يساهمون في طريق التقدم الذي ينبغي عليهم المساهمة فيه؟ هذا ما لا يتحدثون عنه. بل هم متفرجون فقط في وقت الجد و العمل؛ ثم ينقضون بأحکامهم من غير رحمة و لا عدل؛ هذا غير صحيح. إذا أراد أي شعب أو جماعة أو شخص تحقيق آماله الكبيرة فينبغي عليه الجد. و قد بذل شعبنا هذا الجد و الجهد و تمكّن من تحقيق الانتصار للثورة الإسلامية. بذل هذا السعي علی مدی ثماني سنين في الحرب المفروضة و استطاع أن يخرج منها مرفوع الرأس.
لقد تكاتفت جميع القوى العظمی و سخّروا نظام البعث العراقي أملاً في القضاء على الثورة و إبادة الجمهورية الإسلامية؛ لكن شعبنا وقف صامداً. و كانت نتيجة هذه المقاومة هو أن يدرک العالم، بأن المواطن الإيراني إذا عزم على الدفاع عن حقه و حقوقه فإنه لن يتراجع عن ساحة الأخطار أبداً. و الطريق الوحيد لبلوغ الشعب حقه هو الصمود الناتج عن الوعي و البصيرة. يجب عليهم التحلي بالوعي و المعرفة الصحيحة بالحقوق و الإصرارعليها. و لا يمكن استرداد الحق بالرجاء و التمنى.
كان الإمام يعرف القوى الكبرى جيداًً؛ لا يمكن التحاور مع القوی المهيمنة و المسيطرة بالتمني و المداهنة. فكلما لجأتم إلی الترجّي، و التراجع و المداهنة، فإن من طبيعة المتسلطين أن يشدّوا قبضاتهم أكثر فأكثر و يصعّدوا من تهديداتهم و درجة غضبهم و يشدّدوا تقدمهم. إذن لا بد من استرداد الحق بالصمود. و قد تمكّن الشعب الإيراني من إحقاق حقه، و ضمان عزته و حماية حدوده، و تأسيس حكومة مستقرة في البلاد بفضل هذا الصمود و ببركة هذا الجهاد؛ و شعر بالاقتدار.
أعزائي! أيها الشعب الإيراني الكبير! أيها الشباب الأعزاء! ينبغي عليكم أن تنظروا إلى أنفسكم نظرة جد و عليكم التحلي بالثقة بأنفسكم. لقد تمکّنتم من تحقيق ذلک و ستتمکّنون في المستقبل أيضاً. فما تريده القوى الكبرى للشعب، لا قيمة له. هل يتوسل الشعب الإيراني من أجل حقه في الحصول على الطاقة النووية من القوى الكبرى المتغطرسة ليوافق عليها عظماء العالم المزيفون و يمنحوه الحق في إنتاج الطاقة النووية؟! کلا، ليس هذا هو نهج شعب حر و مستقل. و الحقوق الأخرى کذلک أيضاًً.
النقطة الأخرى هي أن إمامنا العظيم استطاع طرح هوية جديدة في عالم السياسة الزاخر بالاضطرابات في هذه المنطقة و هي هوية الجمهورية الإسلامية و هوية الشعب الإيراني الحي الذي تمكّن من تأسيس هذه الجمهورية الإسلامية و الحفاظ عليها. إنها هوية لا تختص بالشعب الإيراني.. الهوية الإسلامية تتعلق بجميع الشعوب المسلمة. تمكّن إمامنا الجليل من إنشاء هذه الهوية و إحيائها بفضل همّة الشعب الإيراني.
كان الغرب قد فرض هيمنته على هذه المنطقة منذ سنوات طويلة. بعد الحرب العالمية الثانية، كان مشروع الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط على وشك نهايته. كان الاستعمار قد ظهر منذ سنوات طويلة و كان يرى بأن مشروعه قد نجح و انتهى في هذه المرحلة. و كان العراق يخضع للهيمنة بشكل و إيران بشكل آخر، و كان کل واحد من البلدان العربية - کالأردن و سوريا و لبنان و مصر و البلدان الأخرى - كان خاضعاً للهيمنة الشديدة من قبل المستعمرين و المتسلطين الغربيين و الأوربيين و من ثم الأمريكيين، بشکل من الأشکال. و قد أسسوا الكيان الصهيوني الغاصب في هذه المنطقة الحساسة لتعزيز هيمنتهم حتى يطمئنوا أن الغرب له وجوده الملموس و العسكري و السياسي و الفعال بفضل الصهاينة و يتأکدوا من إشرافهم على جميع الأمور.
ظهرت حركات التحرر في عدد من البلدان في أواخر النصف الأول و أوائل النصف الثاني من القرن المنصرم، لكن الغربيين سرعان ما تمكّنوا من السيطرة عليها. في العراق بشكل من الأشكال و في بعض البلدان العربية الأخرى بشكل آخر، و كذلك في مصر بشکل من الأشکال؛ لم يسمحوا أبداً بأن تخرج هذه المنطقة الحساسة الزاخرة بالمصادر الحيوية عن هيمنتهم. و في ظروف کهذه فجأتهم الثورة الإسلامية. لم يصدقوا أن نهضة الحوزيين و قيادة الإمام ستتبدل إلى مثل هذه الحركة الشعبية الواسعة. انطلقت الحشود الغفيرة من الشعب الإيراني إلى الساحةً. و استطاعت همة الشعب الإيراني و القيادة الفريدة لإمامنا العظيم أن تصنع معجزة هذا العصر.
لا يصدق أحد في عالم السياسة أن تظهر حکومة مفاجئة في هذه المنطقة - و خاصة في إيران التي كان الأمريكيون يسيطرون على زعمائها و بلاطها بشکل کامل - تقوم على أساس الدين و مبادئه و ترفع بيدها لواء الإسلام و كلمة لا إله الا الله و محمّد رسول الله. الذين كانوا ينظرون إلى السياسة نظرة دقيقة آنذاك، أدركوا أن طريق هذه المنطقة قد تغيّر. طبعاً حاول المتسلطون بكل ما لديهم أن يطفئوا هذه الشعلة و يقضوا على هذه الحركة؛ و أن يسحقوا هذا الوليد الجديد؛ و لكن أهل البصيرة كانوا يلاحظون و يدرکون بأن يد القدرة الإلهية قد بدأت تظهر. نمى هذا البرعم المثمر، و امتدت جذوره في الأعماق يوماً بعد يوم. إنه برعم الجمهورية الإسلامية؛ و هو الكلمة الطيبة؛ ( أصلها ثابت و فرعها في السّماء ).
و حكومة الجمهورية الإسلامية اليوم هي أكثر الحكومات استقراراً في هذه المنطقة. و الشعب الإيراني اليوم هو أشد شعوب هذه المنطقة توثباً و عزماً و رسوخاً. و خلال هذه المدة تمكّن نظام الجمهورية الإسلامية من قطع خطوات واسعة جداً في كافة المجالات. و قد غيّر الأدبيات السياسية للعالم في ساحة السياسة بعناصر مهمة؛ و على الصعيد العملي تمكّن من التغلّب على الجمود الذي كان يسود هذه المنطقة و هذا البلد. قد تحلى الشباب بالأمل في أنفسهم و الثقة بالذات. إن حركة الشعب و الحكومة العامة نحو المبادئ حركة سريعة جداً. تقدم الحكومات و رجال الحكومة المختلفون إلى الأمام في اتجاه حركة الثورة الإسلامية خلال هذه المدة، و تم تنفيذ الأمور الكبيرة و أصبحت صورة الجمهورية الإسلامية أشد تألقاً في العالم الإسلامي يوماً بعد يوم و صار الشعب الإيراني أكثر مجداً.
و اليوم أينما توجهتم في كافة أنحاء العالم الإسلامي و الأمة الإسلامية و بين الشباب و الأوساط الجامعية و اطلعتم علی آرائهم فإنكم ستجدون أن حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية و إمامنا الجليل و الشعب يتمتعون بشعبية واسعة و يحظون بدعم و تصديق عند غالبيتهم. الشعب في الساحة؛ الحكومة في حالة تقدم؛ البلد في حالة حركة دائبة نحو المبادئ؛ و القلوب الشابة مفعمة بالأمل. و لکن علينا أن نعلم أن استمرار هذه الحركة المباركة، هي مشروط بأن لا ننسى أبداً خطوطها الأساسية؛ و هو ما لم تنسه حتى الآن قاطبة الشعب الإيراني و الأغلبية الكاسحة من نخب هذا البلد، بل تابعوها.
و إذا أردنا أن نضع أصابعنا على عدة نقاط بارزة بين هذه الخطوط الرئيسية و نطرحها، فهي الإسلامية، و الشعبية، و الإبداع.
و للإسلامية مميزات منوّعة. و تفهم من هذا المصطلح أبعاد عديدة يجب أخذها بنظر الاعتبار. نحن نقول: إن حكومتنا حكومة إسلامية؛ أي إنها تتعلق بالإسلام؛ و هي تحظي باهتمام كافة المسلمين و قبولهم؛ و إنها لا تختص بفرقة خاصة من المسلمين. صحيح أن هذه الحكومة نبعت من منهل المعارف الشيعية و تمت قيادتها من جانب مرجع تقليد شيعي، لكن حكومة الجمهورية الإسلامية لم تر لنفسها حتى الآن هوية مذهبية معينة. لهذا السبب نجد أن الشباب من مختلف المذاهب الإسلامية و في كافة أنحاء العالم الإسلامي صاروا من أنصار و محبي هذا النظام و قاموا بتكريم ذكری الإمام و تجليله. تهفو قلوب الشباب في البلاد العربية و العديد من البلاد الإسلامية و غير العربية في شرق العالم الإسلامي و مغربه، تهفو لاسم إمامنا العظيم و الجمهورية الإسلامية منذ ثمانية و عشرين عاماً و إلى يومنا هذا.
و اليوم يطمح الشباب الفلسطينيون من أهل السنة كالشباب المخلصين من أهل الشيعة في لبنان إلى نظام الجمهورية الإسلامية. و تمتلئ قلوبهم بالأمل حين ينظرون إلى الجمهورية الإسلامية. إن استقرار الجمهورية الإسلامية يبشرهم بالأمل. إنهم يستمدون عزتهم من عزة الجمهورية الإسلامية. حين يقوم أي واحد من مسؤولي البلاد الكبار بزيارة أية جامعة في كل البلدان الإسلامية و يتواجد بين الجماهير هناك، فإن الجماهير يحتضنونهم و يحبّونهم. و كلما كانت مواقف المسؤولين أكثر صراحة و وضوحاً في التعبير عن مواقف الجمهورية الإسلامية، كلما ازداد حب العالم الإسلامي و تكريمه لهم. لهذا فإن الإسلام في بلدنا يعني إسلاماً بعيداً عن المذاهب و هوية تتجاوز المذاهب. غالبية أبناء شعبنا الذين هم من الشيعة الإمامية و محبي أهل البيت ( عليهم السلام ) ينظرون للجمهورية الإسلامية بنفس النظرة التي ينظر بها غالبية العالم الإسلامي بمذاهبه المختلفة من أهل السنة و إخواننا من الشيعة في العراق و لبنان و باكستان و البحرين و في الأماكن الأخرى و هم على استعداد للتضحية في سبيل الجمهورية الإسلامية. نحن نعرف العديد من أبناء البلدان الأخرى الذين كانوا على استعداد للتضحية في الدفاع عن حدود الجمهورية الإسلامية خلال الحرب المفروضة. الإسلامية، تعني الانتماء للإسلام و القيام على أساس الشرع الإسلامي المقدس.
البعد الآخر لإسلاميتنا هو أننا نأخذ القيم الأخلاقية و النظم السياسية و الاجتماعية و القواعد العامة للدين من الكتاب و السنة و نعمل بها. نحن نفخر بتمسکنا بالكتاب و السنّة و نعتقد بأن الفهم الصحيح للكتاب و السنّة بإمکانه أن يفتح بنظرة متفتّحة مشرقة المئات من السبل أمام المجتمع الإسلامي للنظر إلى قضايا الحياة المنوعة. يعتقد البعض أن التمسک بالكتاب و السنة، يحدد تجارب الإنسان المنوعة و استمرارها و تجديدها. و هذا نابع من عدم التعرف الصحيح على الكتاب و السنة و الرؤية العادية و السطحية لهما. النظرة الاجتهادية للكتاب و السنّة تستطيع أن تفتح طرقاً منوّعة للإنسان حتی يتمكن من إدارة المجتمع و نفسه و الأنظمة المختلفة و الكشف عن قواعد اللعبة أمامها.
و البعد المهم الآخر لإسلاميتنا هو أن الاجتهاد الإسلامي يتمكّن من تلبية كافة الاحتياجات، و الرصيد العلمي للفقهاء و المتكلمين و الفلاسفة الإسلاميين و علماء العلوم الإسلامية بإمكانه فتح الطرق.
الخط الرئيسي الثاني هو الشعبية. إن الشعبية فرع رئيسي في النظام الجمهوري الإسلامي؛ أعني أن صوت الجماهير و هويتهم و عزتهم و متطلباتهم، تعتبر من العناصر الرئيسية في نظام الجمهورية الإسلامية و هذا الصرح الشامخ. إن صوت الشعب هو عنصر حاسم. و متطلبات الجماهير هي الهدف الأساسي لرجال الدولة و نظام الجمهورية الإسلامية. و هي مادية و معنوية و أخلاقية و روحية.
و كما أن الحالة الاقتصادية للشعب تحظی بأهمية في النظام الجمهوري الإسلامي؛ فإن أمن الناس أيضاًً يحظي بأهمية بالغة؛ و كما أن أمنهم الجسمي يحظي بالأهمية، فإن أخلاقهم تحظي بالأهمية أيضاً؛ و كما أن الحفاظ على مؤسسات البلاد أمر مهم، فإن الحفاظ على النظام العائلي أيضاً مهم. ترى الجمهورية الإسلامية نفسها مسؤولة عن تلبية متطلبات الشعب و يتمتع الجماهير بالإدلاء بأصواتهم و بالاختيار بالمعنی الحقيقي للكلمة و خلافاً للديمقراطية الشائعة في الغرب؛ أعني الليبرالية الديمقراطية الغربية الفاشلة المفضوحة. الحقيقة أن الديمقراطية الغربية ليست انتخاب الجماهير بل هي انتخاب زعماء الأحزاب و قادتها. إنهم هم الذين يقيمون الحكومات و يسقطونها؛ و هم الذين يتخذون القرارات المصيرية. و الجماهير بعيدون عن اتخاذ القرار و صنعه في غالبية هذه القرارات المصيرية؛ و لا يهتم أحد بهم. و يشغلونهم بالعمل لدرجة لا يستطيعون و لا يجدون معها الفرصة للتعبير عن آرائهم.
و اليوم فإن النظام الاستبدادي و الديكتاتوري بشكله الحديث و المتطور للغاية يسود العديد من البلدان الغربية و على رأسها أمريكا. إن الجماهير هناك كبشر ذوي إرادة و اختيار لا دور لهم في نصب الحكومات؛ بل إن المال و قدرة أصحاب رؤوس الأموال و الأغنياء هي التي تحدّد كل شيء و تسوقه إلى حيث يريد و يرغب أولئك.
و نظام الجمهورية الإسلامية يرفض هذا النوع من الديمقراطية القائمة على أساس الأصول الغربية الخاطئة. فالديمقراطية الدينية تعني العزة الحقيقية للإنسان و حركة غالبية الجماهير في إطار الدين الإلهي و ليس في إطار التقاليد الجاهلية و مطالبات الشركات الاقتصادية و المبادئ التي يضعها العسكريون و طلاب الحروب بأنفسهم. الحركة في نظام الجمهورية الإسلامية تختلف عن حركتهم؛ فهي حركة في إطار الدين الإلهي و إرادة الشعب هي العامل الرئيسي في تعيين المصير.
و اليوم تريد الأنظمة الغربية و على رأسها أمريكا فرض هذه الديمقراطية الخاطئة الفاشلة عن طريق الضغط على بعض البلدان. إنهم لا يقبلون بالحكومة الفلسطينية القائمة على أساس أصوات الجماهير؛ يختلقون أنواع المشاكل للحكومة العراقية التي قامت على أساس أصوات الناس بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ يدعمون الانقلابات العسكرية و أصحابها بشكل كامل بشرط أن يكونوا خاضعين لسيطرتهم، مع ذلك يدعون الديمقراطية!
و الميزة الثالثة هي الإبداع. أريد أن أوصي نخبنا السياسية و الثقافية و أصر علی ذلک؛ أريد أن أوصيهم بأن يقوموا بتوضيح الأسس الإسلامية كما تُفهم من الكتاب و السنة و بوضعها أمام الأنظار المتسائلة للجماهير في العالم أو الجماهير داخل بلادنا. و من السيء جداً أن يحاول بعضنا مطابقة الفكر الإسلامي مع النظريات الغربية و ذلک بسبب الشعور بالذل تجاه الغربيين؛ هذا مؤسف جداً. نحن اليوم نملک العلوم و المعرفة؛ و آدابنا السياسية مرغوبة في العالم اليوم. يقدم البعض الأفكار الإسلامية و الأسس الحكومية و القواعد الاجتماعية المنوعة في الإسلام علی أساس الأصول الغربية و ذلک بسبب انبهارهم بالمفاهيم الغربية؛ و لإرضاء الغربيين.
علينا أن نفكر بكيفية تعريف هذا الإبداع الإسلامي الذي أتى أکُـلهُ للعالم حتى الآن بوضوح رغم ما كان لدينا من نواقص على الصعيد العملي. هناك العديد من عشاق المعارف المعنوية الحقيقية و الصحيحة؛ أجل، المعارف المعنوية الصحيحة، لا ما تقدمه بعض المدارس المنحرفة عن المعنويات. الحياة المادية، و ملزماتها، أصابت الكثير من الناس بالإرهاق. و الدين الإسلامي بإمكانه أن يفتح نافذة أمامهم و أن يطلعهم على العالم الجديد. و فيما يتعلق بطرح الحقائق الإسلامية علينا ألّا نقضي على الإبداعات الإسلامية و ألّا نفسد هذه الملامح بتطبيقها مع المبادئ الخاطئة للآخرين. نحن لا نشعر بالعار في التعلم من الآخرين. نتعلم من الآخرين كل ما لا نعرفه. و نقبل الكلام الجيد الذي يطلقه الآخرون؛ هذا ما يأمرنا به الإسلام؛ لكن إذا أردنا أن نتحدث بما يقوله الإسلام، فعلينا أن نتحدث بما يقوله الإسلام الأصيل.
أريد أن أقول بإيجاز: أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! إن هذه الهوية التي جاء بها إمامنا العظيم واجهت دهشة و عدم تصديق العالم برمته. و عندما تمكّنت من الصمود في الحرب المفروضة و تسجيل النصر، أصيب العالم بالدهشة من جديد، و عندما تمكّنت من إثبات قدراتها بفضل تقدمها العلمي في القضية النووية و القضايا العلمية الأخرى، فإنها لفت أنظار ذوى الآراء و أثارت دهشتهم من جديد. أنا أقول، أمامكم طريق طويل و هناك الكثير من احتمالات النجاح أمامكم في هذا الطريق الطويل؟ ما حققه الشعب الإيراني من نجاحات حتى الآن، لا يعتبر شيئاً أمام ما سيناله في المستقبل بفضل صموده و وعيه و استنارته إن شاء الله. سيكون مستقبل الشعب الإيراني أفضل بكثير من ماضيه.
فأجهزة الامبراطورية الإخبارية و وسائل إعلام العدو، تسعى اليوم لتقديم صورة خاطئة و مشوّهة عن الشعب الإيراني و الجمهورية الإسلامية، لكن هذه هي الصورة الحقيقية: حقق الشعب الإيراني النصر إزاء تهديدات و تحديات واجهها خلال السنوات الثماني و العشرين؛ و تمكّن الشعب الإيراني من الحفاظ على مبادئه و مسيرته أمام الضغوط المختلفة التي مارسوها ضده؛ و استطاع الشعب الإيراني بفضل صبره و استقامته أن يتوصل إلى درجات عالية جداً سواءً في المجال العلمي و ما يتعلق بحالات التقدم العلمية و التقنية أو في حقول الإدارة الاجتماعية و السياسية للبلاد أو العزة الدولية، و استطاع الشعب الإيراني بفضل هذا أن يصبح أسوة للشعوب المسلمة في المنطقة. تشعر الشعوب بالعظمة و بالعزة من صمود الشعب الإيراني؛ و تعتبر عزة الشعب الإيراني من عزتها. هذه هي الهوية التي خلقتها الثورة الإسلامية بفضل استقامة هذا الرجل العظيم و همة الشعب الإيراني.
هناك واجبات ثقيلة علينا أداؤها. على رجال الدولة واجبات ثقيلة أيضاًً وعليهم أداؤها. من حق الشعب الإيراني أن تكون أول توقعاته إقامة العدل و مراعاته من جانب المسؤولين. على الجميع أن يبذلوا سعيهم لإقامة العدالة التي هي عسيرة للغاية. قلت في بداية السنة: القضية الاقتصادية قضية مهمة بالنسبة للبلاد. و قضية حرب العدو النفسية من القضايا المهمة الأخرى. و قضية التقدم العلمي هي القضية الثالثة من حيث الأهمية بالنسبة لشعبنا.
على شعبنا العزيز و الناشطين الاقتصاديين أن يبذلوا قصارى جهدهم في المجال الاقتصادي. و على الجميع أن يبذلوا قصارى جهدهم في مجالات الاستثمار، و العمالة، و الإبداعات التقنية و الصناعية، و التنمية الزراعية.
على الجميع أن يتحلّوا بالوعي في الوحدة الوطنية و مواجهة الحرب النفسية للعدو. بإمكان الشعب الإيراني اجتياز الأخطار بفضل الله و إنه ليستطيع اجتياز ما يعتبره العدو تهديداً. يطمح الأعداء لبث نقاط الخلاف بين الشعب الإيراني، سواء تضخيم هذه الخلافات أو خلقها. لدينا الانتخابات في نهاية العام؛ يعتقد الأعداء أنهم يستطيعون بث الفرقة و الخلاف بين الشعب عن طريق التحديات الانتخاباتية. و نحن سنجعل من هذه الانتخابات البرلمانية القادمة وسيلة أخرى لنمو هذا الشعب و عزته بحول الله و قوته.
الأخوّة بين الشعب أمر ضروري لكنها ليست كافية؛ يجب أن تكون الأخوّة بين الأمة الإسلامية و بين البلدان و الشعوب الأخرى أيضاًً إضافة إلى وجودها بين أبناء الشعب. الحرب بين السنّة و الشيعة من المؤامرات الكبرى للأعداء. إنهم يأتون بفرقة متعصبة متحجرة تجهل حقائق العالم و لا تعرف شيئاً عن المعنوية لمواجهة الفرق الإسلامية - في العراق بشكل، و في لبنان بشكل آخر، و في المناطق الأخرى بأشكال مختلفة - و ذلک لبث الاختلاف بينهم .
يعرف الإخوة المسلمون سواء كانوا في إيران أو في العراق، أو في باكستان، أو في لبنان، أو في فلسطين، أو في المناطق الأخرى من العالم و أيّاً كان مذهبهم يعرفون أن رأينا و رأي علماء الإسلام الحقيقيين هو أن تلطيخ الأيدي بدماء الإخوة المسلمين من الذنوب التي لا تغفر. هناك أشخاص يلطّخون أيديهم بدماء إخوانهم المسلمين باسم الالتزام بالدين؟! و باسم الالتزام بالإسلام؟! هذا هو الخروج عن الإسلام. على الجميع أن يعلموا: أخوّة الشعب الإيراني مع الشعوب المسلمة الأخرى هي أخوة حقيقية؛ مع أن هناك اختلافات مذهبية - فالشيعي شيعي و السنّي سنّي - و هناك اختلافات فكرية مذهبية أخرى بين الشيعة و السنة؛ لكن على هؤلاء جميعاً أن يكونوا إخوة تحت لواء لا إله إلا الله و محمّد رسول الله لكي يتمكنوا من المقاومة في مواجهة أعداء الإسلام و أعداء الأمة الإسلامية.
اللهمّ! احشر إمامنا العظيم مع النبيين؛ و اجعلنا من العارفين قدر تراثه المعنوي النفيس و شخصيته الفريدة. اللهمّ انصر الشعب الإيراني؛ و وفّق الشعب الإيراني و تفضّل عليه بالعزة الدائمة يوماً بعد يوم. اللهمّ! اجعل الأمة الإسلامية مرفوعة الرأس بكل ما تفضّلت عليها من نعمك و كرامتك! و زد في اتحاد الأمة الإسلامية يوماً بعد يوم. اللهم! اشمل الإخوة المحبين لنظام الجمهورية الإسلامية و الإمام الراحل المحبوب لدى قلوب هذا الشعب أينما كانوا؛ اشملهم بفضلك؛ و اجعل قلب الإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه ) راضياً عنا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.