بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بالإخوة و الأخوات الأعزاء، المدراء المخلصين الناشطين في المستويات المختلفة و القطاعات المتنوّعة للسلطة التنفيذية في البلاد. و أشكر رئيس الجمهورية المحترم الدكتور السيد أحمدي نجاد الذي قام بتشكيل هذا الاجتماع و عقده.
و هذا الاجتماع فريد من نوعه و لم يكن لدينا اجتماع کهذا خلال هذه السنوات حتی الآن حيث يحضره مسؤولو السلطة التنفيذية من قطاعاتها المختلفة. طبعاً كانت لدينا اجتماعات مشتركة مع مسؤولي السلطات الثلاث على نطاق محدود و كذلك اجتماعات مختلفة مع كل من الوزراء المحترمين و مسؤولي القطاعات المختلفة بشكل مستقل؛ لكن لهذا الاجتماع معنى و مذاقاً آخر و اعتقد إنها فرصة مغتنمة و كم سيكون مناسباً أن تتكرر هذه التجربة في المستقبل أيضاً.
ما أريد أن أطرحه على هذه المنظومة المحترمة أولاًً، هو أن هناك فرصة ثمينة في متناول أيديكم. فاستخدموا هذه الفرصة للتقرب إلى الله و العبادة و تكامل الذات و أداء الواجب الذي ستبيضّ به وجوهنا عند الله تعالى و سيكون زاداً لنا في اليوم الذي ينظر الإنسان إلى حياته الدنيوية بعين الحسرة و يبحث عن زاد لذلك اليوم؛ أعني يوم القيامة.
عليكم اغتنام هذه الفرصة بشكل حقيقي من جهتين: الجهة الأولى هي إمكانية الخدمة التي منحت لكم؛ و كلٌ منا مساهم في هذه الناحية. كان بوسعنا أن نكون طلاباً حوزويين عاكفين علی أعمال محدودة في رکن من أرکان الحوزة العلمية؛ و كان بإمكاننا أن نكون معلمين و مدرسين؛ و كان باستطاعتنا أن نكون موظفين في إحدى المجالات الثقافية و غيرها باستعياب و نطاق محدود؛ لكننا اليوم - أي أنا و أنتم - نعمل في منظومة مسؤولة عن تقرير مصير البلاد. هذا يختلف كثيراً عن الشخص الذي يقوم بعمل مفيد لنفسه في ركن ما. هذه المنظومة التي يجلس مدراؤها الآن هنا أو منظومة مسؤولي النظام الإسلامي بيدها اليوم مصير البلد و الشعب بل يمكن أن يقال مصير العالم الإسلامي، نظراً للأهمية التي يحظى بها هذا البلد و الشعب. علينا أن نعرف قدر ذلك أينما كنا. لن تبقى هذه الفرصة في أيدينا دائماً. و نحن عاكفون اليوم على عمل هنا، و ربما لن نكون في هذا الشغل غداً أو قد نرحل عن هذه الدنيا. فهذه فرصة مغتنمة؛ حيث يجري تنفيذ عمل كبير على يد كل واحد من أعضاء السلطة التنفيذية في نظام الجمهورية الإسلامية. لذلك عليكم أن تغتنموا هذه الفرصة.
و الجهة الثانية هو أن هناک لحسن الحظ حالة استثنائية علی مدی عدة أعوام ماضية. و هي استثنائية بسبب الإعلان عن شعارات الثورة المبدئية كمحور للبرامج و الحركات و السياسات. و هذه هي الجهة الثانية التي تجعل من فرصة الخدمة فرصة مغتنمة ذات أهمية.
ربما کان البعض يعتقد منذ السنوات الماضية - و حتى البعض من مخلصي الثورة و المقربين، لا الأجانب و الحاقدين - أنه قد فات أوان شعارات الثورة الرئيسية؛ شعارات كرفعة الإسلام، و قضية العدالة، و مكافحة الاستكبار، و السعي و الجهد لمكافحة الفقر و الحرمان عن المستضعفين! و طبعاً تجرأ البعض و كتبوا و ذكروا هذه الأمور! و كان من الواضح أنهم كانوا على خطأ؛ و نحن كنا نعلم بأنهم مخطئون. لكن وقاحتهم هذه جرحت القلوب. و اليوم و بفضل همة الشعب الإيراني و انتخابهم تولت السلطة حكومة شعاراتها المبدئية الرئيسية هي نفس الشعارات المبدئية للثورة. و خطاب مفاهيم الثورة الإسلامية، هو الخطاب الغالب الشائع اليوم؛ و لهذا جانب كبير من الأهمية. طبعاً أنا كنت أتوقع ذلك. لقد جئت بأدلة - ربما كان قبل حوالي سبعة أعوام أو ثمانية أعوام، في اجتماع مسؤولي النظام الإسلامي الذي عقد في هذه الحسينية - جئت بأدلة على أن أعداء الثورة الذين يتصورون أن باستطاعتهم جعل الثورة في خبر کان و القضاء عليها و سحقها، فهم على خطأ؛ و قلت مخاطباً إياهم: أنتم لا تستطيعون؛ كنا نعلم بأنهم مخطئون. و الحمد لله بذل الشعب الإيراني همته و تحقق ما كنا نرمي إليه. و هذه أيضاً فرصة أخرى. فإذن تبرز مسؤوليتكم الحالية في مثل هذه الحالة التي تعلن عن شعارات الثورة كمبان رئيسية للبرمجة في هذه الحكومة. و هذا أيضاً مهم للغاية. فإذن عليكم أن تغتنموا المسؤوليات.
و أريد أن أقول للسادة الوزراء و المسؤولين - قد ذكرت هذه المواضيع عدة مرات، لكن لقاءاتي بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء کانت قليلة لذا لم تکن هناک فرصة لأتحدث معكم حول هذا الموضوع وجهاً لوجه - عليكم أن تنتبهوا إلى أن الخدمة بموازاة تلك القيم التي ذُكرت باختصار أسمى بكثير من أن يجعلها الإنسان وسيلة لتحقيق أهدافه المادية أو الخاصة. علينا كمسؤولين أن نستخدم کل لحظة من هذه السنوات للتقرب إلى الله سواء کانت أربعة أعوام أو عشرة أعوام أو أقل من ذلك. هناك البعض يستغلون هذه الفرص لملء جيوبهم؛ أو حسب ظنهم لتضمين مستقبلهم و لإعمار حياتهم. و هذا غير صحيح. و هذا ما نهى عنه أمير المؤمنين ( عليه الصّلاة و السّلام ) مالك الأشتر حيث قال: لا تحسبن المسؤولية التي أنيطت بك فريسة؛ هذه ليست فريسة تقفز عليها بفرائصك و مخالبك طمعاً في إشباع بطنك و إعمار حياتك؛ كلّا، هذه فرصة قيمة لكي تعملوا و تخدموا و توفروا زاداً لأنفسكم. هذا هو أساس حديثنا. و الحمد لله هناك رغبة و دوافع شديدة للعمل و دوافعه في حکومتنا و فيها أيضاً العناصر و القوى الماهرة و الخبيرة. و هذا الشرط متوفر.
الجانب الآخر من هذه القضية هو متطلبات البلاد العظيمة. و على كل حال فنحن ورثة هيمنة الطواغيت على هذه البلاد على مدى فترات طويلة. لقد ترکوا آثاراًً على كل شيء. أعني على ثقافتنا، و أذهاننا، و اعتقاداتنا، و مصادرنا، و جغرافيتنا، و مكانتنا الدولية، و نشر الفوارق الطبقية؛ و کان تأثيرهم علينا سلبياً في کل شيء. كان أساس الحكومة في هذا البلد خلال أعوام متمادية، على تربية النبلاء و النخب من أهل الثراء و ذوي الأموال أو النحب العائلية؛ كانوا يعتبرون البلاد جزءاً لا يتجزأ من كيانهم و ملكاً لهم و لم يعيروا للجماهير العامة - أعني أغلبية الناس الكاسحة - اهتماماًً أبداًً؛ هذا هو الحال سواء في العصر القاجاري أو في العهد البهلوي؛ في الحقيقة لم يروا أي حق للجماهير و إن كانوا ينطقون بشيء فإنه للتظاهر و الدعاية؛ لكن نظرتهم للناس كانت واضحة تماماً. إننا ورثة مثل هذا الوضع. و من الطبيعي أن تعاني بلادنا من مشاكل كثيرة و حاجيات لا حد لها. و أنا لا أدعي أنه لم تكن لدينا أية أخطاء في السياسة أو الأداء منذ انتصار الثورة حتى الآن؛ نعم، لقد کانت هناک أخطاء. و لو لم تكن هذه الأداءات و السياسات الخاطئة، لکنا قد حققنا اليوم المزيد من التقدم؛ و کانت هذه الاخطاء سبباًً في ازدياد النواقص و المطالبات اليوم. و النتيجة هي أن بلدنا و شعبنا اليوم بحاجة إلى السعي المستمر إلى جانب التدبير الشامل المبرمج من أجل التقدم الحقيقي.
و هناك العديد من مواهب التقدم في هذه البلاد أيضاً. مواهبنا الطبيعية و البشرية في أعلى المستويات و نحن بحاجة إلى الإبداع و توظيف طاقات العمل على صعيد اتخاذ القرارات و العمل و السعي و إلى استخدام الطاقات المخلصة ذات الخبرات و المهارات و إلى وضع البلد في طريق التقدم الصحيح؛ التقدم المادي و المعنوي - كليهما - إن شاء الله.
نحن بحاجة إلى الإجراءات الباسلة. أحد الأشياء المتوفرة في هذه الحكومة و أشكر الله عليها، هي شجاعة المبادرة. لا يمكن تحقيق الأعمال الكبيرة بالشك و الخوف و التردد؛ فيجب الخوض بشجاعة. طبعاً الشجاعة لا تعني المبادرة بلا تفكير. فلا بد من الدراسة و التفكير الصحيح، و عندما نخلص إلى النتيجة فعلينا بالمبادرة من غير شک و لا تردد.
( و شاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكّل على الله )؛ و عليكم بالاستشارة و الدراسة، و أخذ الجوانب بنظر الاعتبار بصورة جيدة، و حينما تصلون للنتيجة، فتوكلوا على الله و ادخلوا الساحة. هذه الشجاعة ضرورية. طبعاً الدخول في بعض الساحات يخلق مشاكل؛ و لا شك في ذلك؛ لكن هذه المشاكل تشبه مشاكل حفر بئر عميق لاستخراج النفط؛ لا يتحقق هذا من دون تعب. و هذا كتلك المشاكل. فيتحمّل الجميع هذه المشاكل من أجل استخراج النفط؛ أو الحصول علی الماء. إنهم يحفرون المناجم حتی يعثروا علی الأحجار المعدنية القيمة. و هذه المشكلات هي من هذا النوع. و الآن فإن قضية تقنين الوقود من ضمن هذه الأعمال. كانت هذه مبادرة شجاعة؛ و كان تنفيذها صائباً. عليهم دراسة جوانب القضية بشكل صحيح و من ثم التقدم بها إلى الأمام. أتذكر أنني قرأت في التقارير بأننا ندفع نحو أربعين ألف مليار تومان لتقديم الدعم للطاقة! إذا تمكنّا من تقليل هذا المبلغ الباهض الكبير شيئاً فشيئاً، فعلى أي شي سينفق؟ إنه بدلاً من انفاقه على إهدار السلع التي نستوردها من الخارج سينفق في بناء المدارس، و الطرق، و معيشة الناس و الأعمال، و الاستثمارات المتنوّعة.
سيحتج البعض. و هذه الاحتجاجات موجودة دائماً. و الحقيقة أن بعض هذه الاحتجاجات نابعة عن الإخلاص؛ و ليست جميعها مغرضة. يجب إيضاح ذلک للناس. النقد الذي أوجهه لهذه الحكومة، هو عدم قيامها بالإيضاح الکافي للناس. على القائمين بأمر العلاقات العامة في القطاعات المختلفة أن يكونوا نشطاء. فإن أقسام العلاقات العامة هي التي تتمكن من الاستفادة الصحيحة من وسائل الإعلام الوطنية أو الصحافة؛ على مسؤولي العلاقات العامة أن يعلموا طرق الإيضاح و الإعلام. أحياناً يقوم الإنسان بالتوضيح و التبيين؛ لكن بلا جدوى! لأن أسلوب الإيضاح لا يكون مؤثراً أو مقنعاً؛ و لا تتضح الحقيقية كما هي. تعتبر هذه من إحدى النواقص التي يجب عليكم تعويضها. و ستطمئن بهذا التوضيح قلوب الذين ينتقدون بدافع الإخلاص. أما الآخرين فلا، إذا فعلتم بعض الأعمال، فإنهم يقولون لماذا فعلتم هذا، فهذا خطأ لهذه الأسباب؛ و إذا لم تفعلوا نفس هذا الشيء، فسيقولون لماذا لم تفعلوا، و هذا غير صحيح لهذه الأسباب! إنهم يسوقون الأسباب؛ و باب التحليل واسع؛ إنهم يقولون كل ما يحلو لهم! هذا غير مهم. و ستظهر الحقيقة. لكن هناك بعض الانتقادات و أسباب القلق لدى البعض النابعة من الإخلاص؛ فيجب توضيح و تبيين الأمور لأصحاب هذه النقود.
فيما يتعلق بقضية السياسة الخارجية - و كما وضحها السيد رئيس الجمهورية - فإن موقف الجمهورية الإسلامية كان هجومياً منذ البداية. و تبديل الموقف الهجومي بموقف دفاعي خطأ. و هذا ما حدث في بعض الأحيان! لماذا نقول: الموقف الهجومي؟ هل إنه يعني أننا نخوض حرباً مع العالم؟ كلاّ، ليس هذا معناه؛ فإننا أصحاب حق. إننا أصحاب حق في قضية السياسات الاستعمارية التي مارسها العالم الاستعماري؛ و قضية التعامل مع المرأة في العالم؛ و قضية إشعال نار الحروب الداخلية و التسليحات المتنوّعة؛ و قضية نشر الأسلحة الذرية و الكيمياوية و الميكروبية؛ و تشويه القيم الأخلاقية لدى الناس و تنمية ثقافة الابتذال و اللامبالاة و إثارة الشهوات الجنسية؛ هذه هي متطلبات شعب حي يتمتع بالمبادئ من عالم الهيمنة الذي يقوم بهذه الأعمال الخاطئة.
كنت أتحدث يوماً في مكان ما - كانوا يطرحون هناك أسئلة - فسألني شخص کيف تدافعون عن حقکم في القضية الفلانية؟ فقلت نحن ليس لدينا دفاع، بل عندنا هجوم. ليس لدينا دفاع في العديد من القضايا، بل عندنا هجوم و نحن نسأل العالم و نطالبه. و لكن الآن طبيعة العالم الاستكباري هو التطاول و المطالبة في حالات ليس له الحق فيها. أنظروا أنتم الآن و لاحظوا خطابات رؤساء بعض البلدان كرئيس جمهورية أمريكا و قادتها، إلى أي حد هي وقحة و غير مدروسة و خاطئة. كأنهم لا يفهمون المواضيع حقيقة، أو إنهم يسعون لتغييرها أو يظهرونها على غير ما هي عليه.
أمريكا اليوم مکروهة جداً في العالم الإسلامي؛ و هذا شيء لا يمكن إنكاره. هذه الكراهية لها أسباب؛ إذ لا يمكن أن تشعر الشعوب بمثل هذه الكراهية حيال حكومة و نظام دون سبب. إنها مکروهة عند الفلسطينيين، و السبب واضح؛ و هي مکروهة لدى اللبنانيين، و السبب واضح؛ و هي مکروهة لدى العراقيين، و السبب واضح؛ و هي ممقوتة لدى الشعوب المسلمة الأخرى، و السبب واضح؛ لأن الأمريكيين يوجهون الإهانات للإسلام و المسلمين و القيم الإسلامية دائماً؛ و يدعمون كل من يوجه الإهانات للإسلام، و يسحقون حقوق الشعوب المسلمة. أجل، ما هي نتيجة هذه الكراهية؟ نتيجتها هي أن تهزم أمريكا في العراق بكل ما لديها من عدة عسكرية كاملة و ضجيج و تتخبّط في مستنقع العراق. لسنا اليوم من يقول بأن أمريكا منيت بالفشل في العراق؛ بل الجميع يحكم بذلك؛ و هذا ما يحكم به الأمريكيون أنفسهم و النخبة السياسية في أمريكا أيضاً. أجل، لماذا تهزم؟ لأنها مكروهة لدى الناس و لأنها مبغوضة عند الناس. إن كراهية الشعوب لأمريكا هي المانع دون التعاون معها و هي السبب في توجيه الضربات لها متی ما أمكن ذلك. يأتي الأمريكيون لكي يقلبوا الحقائق و يقولوا، إن إيران تواجه أمريكا في العراق. نعم، إن إيران تکرهکم و هذا مما لا شك فيه؛ تكرهكم حكومة إيران و شعبها؛ و هذا واضح؛ لكن قضية العراق هي قضية الشعب العراقي.
إنهم يمنون بالفشل في فلسطين، و تمنى خططهم بخيبة الأمل، و يهزم أنصارهم، و ينتصر أنصار الحق الفلسطيني، و يصبحون أصحاب قوة و هم يغضبون و يقولون: توغلت إيران هنا! أي جاءت إيران إلى غزة و قامت بمحاصرة إسرائيل! لماذا تتجاهلون الحقيقة أيها البائسون ؟! و لماذا توجهون الإهانة للشعب الفلسطيني؟ و نحن لو تمكنّا من توجية ضربة سياسية إلى أمريكا و إسرائيل لقمنا بها من غير تردّد. لكن قضية غزة و فلسطين تتعلق بالشعب الفلسطيني. إن الفلسطينيين يكرهون أمريكا؛ و يظهرون عداوتهم تجاه إسرائيل من أعماقهم. و هم علی حق، لأن الإسرائيليين غصبوا ملکهم. هل من الصحيح أن يتجاهل المرء هذه الحقيقة و يتخبّط هنا و هناك. هذه هي الحالة في لبنان؛ و في أفغانستان؛ و في باكستان بأشكال مختلفة. لاحظوا أن هذا التجاهل و التخبّط و الخرافة من قبل المسؤولين الكبار في قوة سياسية عسكرية كبيرة في العالم و عدم التعرف على القضية، يدل على أنهم متخلفون في فهمهم و اتجاهاتهم؛ و هم المغلوبون الحقيقيون؛ لأن هناك ساحة أخرى في الحرب غير ساحة الحرب السياسية و العسكرية و هي ساحة الإيمان و الاعتقادات. إنهم مغلوبون في اعتقاداتهم. و الحق مع من يقف بوجههم، لأنه يرى الحق و يتمتع بالاعتقادات الجلية؛ لكنهم لا يتمتعون بهذه الاعتقادات الواضحة و لا بد لهم من خلط الأوراق؛ و ربط المواضيع ببعضها.
الشجاعة أمام القضايا العالمية، مبدأ كما هي في القضايا الداخلية. و يلاحظ المرء أن هناك هذا المعنى و الحمد لله. طبعاً أؤكّد و أكرر أن هذه الشجاعة لا تعني المبادرة دون تفكير و يجب أن لا تكون هكذا؛ و علينا الاهتمام بمبادراتنا، و علينا القيام بحسابات دقيقة و من ثم نمضي في خطوات ثابتة؛ فنتوكّل على الله. لقد ساعدنا الله لحد الآن، و سيکون بعوننا انشاءالله دائماًً .
و القضية الأخرى التي تثير الانتباه و التي من المناسب أن أبدي رأيي فيها أمام الأصدقاء، هي قضية الزيارات المحافظاتية. كانت هذه الزيارات مبادرة جيدة واضحة ضرورية و أنا في الحقيقة استغرب من هؤلاء الذين يتجاهلون هذه المبادرة الجيدة الواضحة و يضعون أمامها علامات استفهام. هذا العمل يتطلب جهداً كبيراً من قبل الوزراء و رئيس الجمهورية و العوامل التنفيذية و الحكومة؛ و إنه عمل مجهد جداً. لكن نتيجته هي اتضاح البون بين رؤية حقائق البلاد من بعيد و بين رؤيتها من قريب؛ هذا يختلف جداً. إنني على معرفة بالأمور التنفيذية إذ كنت أقوم بها على مدى سنوات طويلة. ينظر المرء إلى القضايا بنظرتين: النظرة الأولى هي التقارير الجيدة التي تذكر للمرء؛ أعني التقارير الدقيقة على الظاهر و ليس فيها أية مشكلة و هي صحيحة - يقرأ الإنسان هذه التقارير و يناقشها - لكن هناك بون واسع بين ما ينتج عن هذه التقارير و ما ينتج عن النظرة عن قرب. إن رؤية الحقيقة و الذهاب إلى المناطق التي لم يحلم الناس فيها بأن يزورهم المسؤولون الكبار يعتبر عمل جد عظيم و له قيمته. بعض المدن التي زارها مسؤولو البلاد - أعني رئيس الجمهورية و الوزراء - لم يحدث من قبل بأن زارها و تفقدها و سأل عنها حتی مدير عام على مدى هذه السنوات. و لكنهم يرون فجأة أن رئيس الجمهورية أمامهم! هذا عمل جد مهمً. عليكم عدم إفساد هذا العمل المهم أبداً. ما تم القيام به، كان بداية لحركة مباركة؛ لكنها يجب أن تستمر حتى النهاية، لتثمر خيراتها بصورة كاملة. من هنا يبدأ دور المسؤولين التنفيذيين. و يجب تنفيذ قرارات هذه الزيارات بصورة دقيقة أولاً و عدم التقاعس؛ لكن إذا لم يمكن تنفيذها في موضع - أحياناً يمكن أن تتم دراسة للقيام بعمل خاص في المحافظة الفلانية أو القضاء الفلاني، لكن حساباتها الخبروية لم تكتمل بعد - فعليهم أن يصرحوا بذلك للناس. قولوا نحن قررنا القيام بهذا العمل، لكننا نلاحظ الآن أنه لا يمكن تنفيذه لهذه الأسباب. لا تؤخروا أعمالكم؛ لا تسمحوا أن يفقد الشعب أمله بإخلاص الحكومة و عزمها و قدراتها.
على المحافظين و رؤساء المراكز، و مدراء القطاعات المختلفة و المدراء العامين و مسؤولي الإدارات - و أغلبهم حاضرون هنا - متابعة الأعمال الواحد تلو الآخر. و قد أخبروني بأنهم بدأوا متابعة هذه الأعمال خلال فترة زمنية معينة؛ أجل، هذا عمل جيد جداً و يجب القيام به. طبعاً أثمرت هذه الزيارات العديد من بركات ثانوية أخرى.
و النقطة الأخرى هي أن على مسؤولي المناطق و المحافظات أنفسهم القيام بمثل هذه الأعمال أيضاً؛ و أن يقوموا بهذه الزيارات أيضاً. على المحافظين الحفاظ على علاقتهم و اتصالهم بالقضاءات و بمسؤولي القطاعات المختلفة و بالجماهير و مواصلتها.
النقطة الأخرى التي أرى لزاماً علي ذكرها، هو أن على مختلف المسؤولين في الدولة، و خاصة الکبار منهم، أن لا يهدروا وقتهم بالجدل في القضايا الجارية على الأصعدة السياسية و الفئوية، و هذه إحدى الآفات. هذا لا يعني أن لا يوضحوا الأمور؛ كلّا، بل نحن نؤكد على رد أية شبهة من قبل المسؤولين الحكوميين و إيضاحها و تبيينها أينما وجدت؛ و لكن عليهم الحذر من السقوط في فخ المنازعات السياسية و التحركات الفئوية المختلفة. هذه الأمور تصدهم عن العمل؛ نحن نعتقد أن اجتناب عن هذا الأمر ضروري جداً. النقطة الأخرى هي قضية احتياجات الجماهير المادية و المعنوية، حيث يجب النظر إليهما معاً؛ أعني أن الحكومة الإسلامية لا تكتفي بإشباع الجماهير و تأمين سكنهم و طمأنينتهم و هدوئهم الظاهري فحسب، بل تهتم بأخلاقهم و دينهم و الصراط المستقيم الذي ينبغي على شبابهم السير فيه، و شؤونهم التربوية و نموهم العلمي و الديني و تقواهم. ليس الأمر بحيث نقول إن هذا العمل لا يختص بالحكومة؛ كلاّ، على الحكومة تمهيد الأرضيات المناسبة لنشر الفكر الصحيح و الأخلاق الفاضلة في المجتمع. مع أن هذا العمل نشاط ثقافي فإنه نشاط سياسي في الوقت ذاته.
إن إحدى السياسيات الشائعة و الجارية اليوم التي تنهجها الشبكات الصهيونية الخطرة في العالم و عناصرها الحكومية في مختلف البلدان هي منع الشباب من النظرة الجادة للحياة، خاصة في البلدان الإسلامية و البلدان التي يمكن أن تشکل منافساً علمياً أو سياسياً أمامها و تجعل مصالحها معرضة للخطر. إنهم يريدون تضييع هؤلاء الشباب؛ و قد برمجوا لذلك. مواجهة هذا التخطيط حركة سياسية باسلة إضافة إلى أنها تمثل واجباً؛ لهذا تعتبر القطاعات المعنية بالأمور الدينية و وزارة الثقافة، و النشاطات العلمية، و قطاعات وزارة التربية و التعليم و وزارة التعليم العالي و التعليم الطبي، تعتبر جميعها من القطاعات الحساسة جداً في برمجات الحكومة الواسعة و على عاتقها واجبات كبيرة. فقضية الأمن الأخلاقي التي تتابعها اليوم الشرطة و وزارة الداخلية، قضية مهمة جداً. أجل، إنهم يثيرون الضوضاء - كقضية تقنين الوقود و العديد من القضايا الأخرى - لكن على المسؤولين ألا يبالوا بهذا الصخب؛ ينبغي عليهم أن يروا ما هو الواجب، و من ثم أداء هذا الواجب.
تعتبر مكافحة الفساد الاقتصادي من ضمن هذه الأعمال. أهمية مكافحة الفساد الاقتصادي في داخل التنظيمات الحكومية أكبر من نفس هذا العمل في السلطة القضائية. معاقبة المفسد مهمة تقع على عاتق السلطة القضائية، و السلطة التنفيذية هي المسؤولة عن الحيلولة دون حدوث هذا الفساد؛ هذا هو الأهم؛ و هذه هي الوقاية. يجب الوقاية من جراثيم الفساد في منعطفات الدهاليز التنفيذية المختلفة و التواءاتها - سواء في مرحلة التخطيط أو مرحلة التنفيذ - حيث تنشأ و تكبر و تتكاثر هناك. طبعاً مكافحة الفساد بحاجة إلى الإصلاح؛ علينا أولاً أن نكون صالحين؛ و ألّا نكون من المفسدين حتى نتمكن من مكافحة الفساد حقيقة. إذا كان لدينا نقطة ضعف يمكن أن ينفذ الفساد إلينا من خلالها، فلن يكون لدينا في ذلك الحين الاستعداد اللازم لدخول الساحة. لذلك علينا أن نراقب أنفسنا.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء! راقبوا أنفسكم. الأشخاص المفسدون الذين سمعتم أسماءهم أو أوصافهم لم يكونوا مفسدين في البداية؛ بل أطعمهم شخص ما بلقمة هنيئة عابرة - على علم أو بغير علم - و بدت لهم هذه اللقمة لذيذة، ثم أخذوا لقمة بعد أخرى و أصبحوا مفسدين. عليكم أن تراقبوا كثيراً. راقبوا أنفسكم جيداً خلال هذه السنوات التي تتولون فيها المسؤولية طالت أم قصرت؛ عشر سنين، خمس عشرة سنة، أربعة أعوام، خمسة أعوام. هذه هي التقوى و المراقبة.
و النقطة الأخرى التي أريد أن أذكرها هي أخذ وثيقة أفق العسرين عاماً بنظر الاعتبار في جميع البرامج و على جميع المستويات. الثبات في البرامج هو سر النجاح. إذا لم يكن هناك ثبات في البرامج و مواصلتها في الاتجاه الصحيح - و طبعاً هذه الحركة سوف يتم تصحيحها على طول الطريق، لكن الاتجاه واحد و سيستمر - فلن يصل إعمار البلاد و تقدمها إلى النتيجة. خذوا عشرين عاماً بنظر الاعتبار. لدينا برنامج كل سنة - أعني الخطة السنوية التي تعطى للمجلس مع الميزانية - و إذا لم يكن الاتجاه منظماً، فيمكن أن يحصل تناقض في هذه البرامج، و إحباط الأمور التي يجري تنفيذها. و لدينا أيضاً الخطة الخمسية - و هذا هو المتداول في جميع أنحاء العالم - لكن إذا ما تعارضت الخطة الخمسية الحالية مع الخطة الخمسية السابقة أو اللاحقة، فستحبط هذه الأعمال بعضها البعض و النتيجة هي تضييع رؤوس الأموال الوطنية. نحن أعددنا الخطة البعيدة الأمد العامة كوثيقة أفق للحيلولة دون حدوث هذا الشيء. هذه هي الخطة العشرينية العامة. فيجب تخطيط هذه البرامج في ضوء ذلك؛ و ينبغي أن تتحرك الخطط الخمسية في هذا الاتجاه. على جميع الحكومات التي تتولى السلطة الحفاظ على هذا الاتجاه، و عندها ستكمّل الخطط بعضها البعض. طبعاً ليس جميع الحكومات على شكل واحد؛ فالبعض منها يعمل ببطء، و الآخر يعمل بسرعة، و يوظف البعض منها جميع طاقاته في الساحة، و لا يكون البعض الآخر بهذا الشكل، و من الممكن أن يخطأ البعض، و لا يخطأ بعضها الآخر؛ و كل هذه الأمور يمكن إصلاحها؛ لكن يجب أن يكون الاتجاه واحداً. لذلك عليكم أخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار في جميع الخطط.
و لحسن الحظ البلاد في حالة تقدم. و هذا ما يعرفه أصدقاؤنا و أعداؤنا على السواء. و الحمد لله نحن في حالة تقدم في كافة المجالات؛ سواء في مجال إعمار البلاد، أو في مجال إعمار الروح. إن الطموح و التحرك و حب الشباب للعمل من الأمور الملموسة جداً. و الحق و الإنصاف إن شبابنا في الساحة و لديهم الدوافع و الاستعداد للعمل؛ و هم متعطشون للعمل. علينا أن نتعرف علی الطاقات المستعدة و الموهوبة، و أن نکتشفها و نمنحها عملها المناسب. إذا قمنا بالإدارة الصحيحة، فهناك العديد من الإمكانيات و المواهب للتقدم. في كل مکان إذا تم العمل بشكل جيد و دقيق مع مراعاة أولوية العمل و الشجاعة، يلاحظ الإنسان أن الأعمال تنمو و تتقدم بشكل جيد. و هذه هي الحالة على صعيد السياسة الخارجية. فيما يتعلق بقضية الطاقة النووية و القضايا الأخرى نحن نقول أيضاً القول الحق و الصحيح وفقاً لفهم أهل الإنصاف في جميع أنحاء العالم، هذا ما نريده و نتابعه بکل شجاعة. و لن تؤثر الضوضاء علينا مهما كان مصدرها؛ و لن تجعلنا نعجل و لن تجعلنا بطيء. نحن نفعل بما نراه صحيحاً بأدلته عندنا و عند الله. سنفعل ما نشعره واجباً علينا. و أثبت الشعب الإيراني إنه متمتع بالاستقامة و الاقتدار و الوفاء و الصدق و هم في الساحة. نحن إذا تحركنا بشكل صحيح فستكون الجماهير معنا.
نسأل الله تعالى أن يهدينا؛ و يمد يد العون لنا؛ و أن يتفضل على جميعكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء بالتوفيق؛ و يشمل بتفضله و هدايته رئيس الجمهورية المحترم، أعضاء هيأت الحكومة و المسؤولين الكبار للأجهزة التنفيذية المتنوعة و أن يشمل بتوفيقه و فضله كل واحد من مدراء الحكومة التنفيذيين - أعني الإخوة و الأخوات و مسؤولي القطاعات المختلفة و أن يشملكم جميعاً بأدعية سيدنا الإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه ) إن شاء الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.