بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. الحمدلله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين عليهم السلام. و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا و حبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، الأئمة الهداة المهديين، سيما بقية الله في الأرضين. قال الله الحكيم في كتابه: ( اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ). (1)
أبارك عيد الغدير السعيد - الذي تم العبیرعنه في روایاتنا ( بعيد الله الأكبر) (2)-أبارکه لجميع الشيعة في العالم و الشعب الإيراني العظيم، و لكم أيها الحضور المحترمون و للذين يعرفون منزلة المعارف الإلهية العريقة.
هذه هي الأيام الأولى من السنة و أيام فرحة عامة الجماهير: أعني عيد النيروز، و من قبله عيد الأضحى و اليوم عيد الغدير. إن أول ما أريد أن أقوله في اجتماعكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، في هذه الأجواء السعيدة و أمام المرقد الطاهر للإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام يتعلق بقضية الغدير.
إن الغدير قضية إسلامية؛ و ليست قضية شيعية فحسب. ذات يوم قام النبي الأعظم بعمل و أطلق كلمة، و لهذا العمل و لهذه الكلمة دروس و معان من النواحي المختلفة. هذا غير صحيح أن نقول إن أهل الشيعة هم الذين يمكنهم الاستفادة من الغدير و أحاديثه؛ و لا يستفيد سائر المسلمين من المعاني الغنية للغاية لهذا الحديث النبوي الشريف الذي لا تختص بفترة معينة. إن سبب حب الشيعة لهذا اليوم و هذا الحديث هو أن تنصيب أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام بالولاية جاء في قضية الغدير؛ لكن مضمون حديث الغدير ليس مجرد قضية إعلان خلافة الإمام علي عليه السلام؛ بل له مضامين أخرى يمكن لجميع المسلمين الاستفادة منها.
بالنسبة لقضية الغدير، ينبغي على جميع هؤلاء الذين يحبون الأحداث التاريخية الإسلامية أن يعلموا بأن قضية الغدير هي أمر بديهي لا ریب فیه؛ ليس الشيعة هم الذين رووها فحسب؛ بل إن المحدثين من أهل السنة أيضاً رووا هذا الحدث - سواء في الماضي أو في الفترة الوسطی أو الفترات اللاحقة - أعني هذا الحدث الذي حدث للنبي الأعظم في حجة الوداع و في غدير خم. البعض من قافلة المسلمين الكبيرة الذين رافقوا النبي (ص) في الحج، كانوا قد تقدموا إلى الأمام. أرسل النبي إلیهم الرسل ليعودوا و قد وقف بنفسه ینتظر من تخلف، و عقد اجتماعاًً عظيماًً هناك. فهناك من يقول إن عدد الحاضرین كان تسعين ألفاً و ثمة من يقول إن عددهم کان مائة ألف و قال البعض الآخر إنهم كانوا مائة و عشرين ألفاً حضروا ذلك الاجتماع. في ذلك الجو الحار، لم يكن باستطاعة سكان جزيرة العرب - الذين كان الكثير منهم من البادية و القرى و كان الحر عندهم شيء طبیعي - أن يضعوا أقدامهم على الأرض. لذلك كانوا يجعلون عباءاتهم تحت أقدامهم لكي يساعدهم هذا على أن یقاوموا حرارة الأرض و یتمکنوا من الوقوف عليها. هذه هي النقطة التي وردت في أحاديث أهل السنة. في مثل هذه الظروف قام النبي الأعظم من مكانه، و رفع أمير المؤمنين من الأرض و جعله أمام أعين الناس و قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه (3) و لهذه الکلمة ما قبلها و ما بعدها طبعاً؛ لكن الجزء الأهم منها هو أن يطرح النبي هنا قضية الولاية - أعني الحكومة الإسلامية - بشكل رسمي و صريح و يعين أمير المؤمنين كشخص. و كما سبق أن أشرت إليه و لا بد أنكم قد سمعتم، فإن الإخوة من أهل السنة رووا هذا الحديث في الكتب المعتبرة و لیس فی كتاب أو كتابين فحسب، بل في العشرات من الكتب المعتبرة، و قد جمعها المرحوم العلامه الأميني، و صنف الكثيرون غيره الكتب الكثيرة في هذا المجال. لذلك، فإن هذا اليوم هو يوم الولايه أولاً؛ و يوم ولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام ثانياً.
فما هو معنى الولاية في هذه الجملة التي ذكرها الرسول؟ إن معناها باختصار هو أن الإسلام لا ينحصر في الصلاة و الصيام و الزكوة و الأعمال الفردية و العبادات فحسب، بل يتمتع أیضاًً بنظام سياسي و فيه نظام حكم قائم على القوانين الإسلامية. فالحكومة هي الولاية في العرف و الاصطلاح الإسلامي. فما هي كيفية حكومة الولاية؟ إن الولاية هي الحكومة التي يرتبط فيها الحاكم مع الجماهير بأواصر الحب و العاطفة و الفكر و العقيدة. إن الحكومة التي تقوم على أساس العسف و فرض الهيمنة و التي تأتي عن طريق الانقلاب و التي لا يؤمن فيها الحاكم باعتقادات شعبه و لا يهتم بأفكارهم و شعورهم؛ و التي يحظى فيها الحاكم بإمكانيات خاصة و مزايا معينة حتى في عرف الجماهير - كحكومات العالم اليوم - و يكون له منطقة خاصة للذاته الدنيوية، فمثل هذه الحكومات لا تمثل الولاية لأن الولاية تعني تلك الحكومة التي تکون علاقة الحاكم مع الجماهير فيها علاقة فكرية و عقائدية و عاطفية و إنسانية و قلبية؛ و تتصل به الجماهير و يحبونه، وأن یَعتَبـِرَ النظام و واجباته عملاً إلهياً و يعتبر نفسه عبداً لله. فلا استكبار في الولاية. فشعبیة الحکومة فی الإسلام أکبر من جميع الديمقراطيات المعروفة في العالم؛ و تتعلق بقلوب الجماهير و أفكارهم و احساساتهم و اعتقاداتهم و متطلباتهم الفكرية؛ و هذه هي الحكومة التي تكون في خدمة الشعب.
و من الناحية المادية، يجب أن لا تعتبر الحكومة مطمعاً مادياً للحاكم أو للوالي أو للتنظيمات الحكومية؛ و إلا، فإنها لا تعتبر ولاية. و الشخص الذي يترأس الحكومة الإسلامية، إذا جعل منصبه وسيلة لتحقيق أهدافه المادية و الوصول إلى مسند الحكم و السیطرة، فإنه ليس بوال؛ و لا یمکن تسمیة تلك الحكومة بالولاية. إن الشخص الذي يكون ولياً للأمر في الحكومة الإسلامية - أعني ذلك الشخص الذي يوكل إليه أمر إدارة النظام الإسلامي يكون متساوياً مع الآخرين على الصعيد القانوني. إنه يمتلك حق تنفيذ الأعمال الكبيرة للناس و للبلاد و الإسلام و المسلمين؛ لكنه هو نفسه يكون خاضعا للقانون.
لقد حرّفوا معنى الولاية منذ اليوم الأول و إلى يومنا هذا - خصوصاً بعد تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية - فقد أتوا بتعريف كاذب و مغاير للولاية. قالوا: إن الولاية تعني أن عقول الجماهير محجورة و هم بحاجة إلى راعٍ و والٍ و قد أقر بذلك شخصيات معروفة و بارزة في كتبهم و صحفهم! و ليس هذا إلا كذباً محضاً و اتهاماً للإسلام و الولاية!
لقد طرح الرسول قضية الولاية بصورة رسمية في الغدير و عين أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام كمصداق لها؛ و كما تعرفون فإن هناك تفاصيل كثيرة لهذه القضية. و إذا كان هناك أشخاص لم يطلعوا على هذه القضية - خاصة الشباب - فينبغي عليهم متابعتها في المؤلفات و الكتب الاستدلالية و العلمية. و قد تم تصنيف الكثير من الكتب في هذا المجال، و هي مفيدة.
لقد أطلقت في بداية العام الجاري، شعار الاتحاد الوطني و الأمن القومي . و اليوم أحب أن أتحدث لكم أيها الأعزاء الحاضرون في هذا المكان و لجميع الشعب الإيراني باختصار حول هذين الشعارين. إن قضية الغدير بوسعها أن تكون عاملاً للوحدة و قد كتب المرحوم آية الله الشهيد مطهري مقالاً حول ذلك بعنوان الغدير و الوحدة الإسلامية. إنه یعتبر كتاب الغدير - الذي يتعلق بقضايا الغدير -محوراً من محاور الوحدة الإسلامية و هذا صحيح. و ربما يبدو هذا الأمر عجيباً، و لكن هذه هي الحقيقة. كما طرح أصل قضية الغدير، و بغض النظر عن الجانب العقیدي لدى الشيعة - أعني أن قضية تنصيب أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام كولي و حاكم، هي واضحة في حديث الغدير - طرح أيضاً أصل قضية الولاية. و لا يختلف في ذلك شيعي و سني. و لو رفع مسلمو العالم و شعوب البلدان الإسلامية اليوم شعار الولاية الإسلامية، لانفتحت الكثير من السبل الجديدة و لتفتحت الأبواب المغلقة و لاقتربت مشاكل البلدان الإسلامية من الحل.
إن قضية الحكومة و النظام السياسي و السيادة السياسية تعتبر من أصعب قضايا البلدان. إن بعض البلاد تعاني من الاستبداد و الدكتاتورية؛ و بعضها يعاني من الحكومات الضعيفة و الحكومات العميلة. لو أطلقت الحكومة الإسلامية - أعني الولاية - كشعار حقيقي للمسلمين فإنها ستكون حلاً للضعف و الاقتصاد و العمالة و كذلك الدكتاتورية. لذلك، فإن راية الولاية هي الراية الإسلامية.
إنني أدعو كافة الإخوة في بلدنا من الشيعة و السنة - أقصد مستوى حدود بلادنا في الوقت الراهن - لأن ينظروا إلى قضية الغدير بهذه الرؤية و أن يأخذوا هذا الجزء من حديث الغدير بنظر الاعتبار. ينبغي على إخوتنا من أهل السنة أن يحتفلوا بعيد الغدير كما نحتفل نحن؛ أقصد عيد الولاية. لأن أساس ولادة الولاية أمر مهم للغاية؛ - كأهمية ولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام - و هذا من القواسم المشتركة بيننا و بين إخوتنا من أهل السنة.
و إنني كنت و لا أزال اعتقد، سواء قبل انتصار الثورة الإسلامية أو بعدها، أن على الشيعة و السنة أن يكفوا اليوم عن اختلافاتهم القديمة في معاملاتهم اليومية. كما عليهم اجتناب الحرب و النزاعات و أن يجتمعوا حول قواسمهم المشتركة؛ التي يمكن للولاية أن تكون واحدة منها. و هذا هو رأيي اليوم أيضاً.
ثمة محاولات حثيثة في العالم اليوم لبث الخلاف بين الشيعة و السنة. و ذوي الأفكار و التحليلات یعلمون طبعاً ما يجني الاستكبار من الفوائد و المصالح من هذا العمل. إن هدفهم هو أن يبعدوا إيران عن أسرة البلدان الإسلامية؛ و أن يحصروا الثورة الإسلامية داخل الحدود الإيرانية؛ و أن يمهّدوا الأرضيات أمام الدول الإسلامية لممارسة الضغوط على إيران و یصدّوا الشعوب الأخری من استلهام التعالیم من الشعب الإيراني. علينا أن نتحرك في الاتجاه المعاكس لعملهم. و علی کل واحد - سواء في الأوساط السنية أو الأوساط الشيعية - أن یسعی إلی إقامة علاقات الودّ و الصداقة بين الشيعة و السنة، فإن عمله هذا يصب في صالح أهداف الثورة الإسلامية و الأمة الإسلامية. و من يعمل لبث الفرقة، فسيكون في الاتجاه المعاكس لهذه النقطة.
إنني على علم أكيد بأنهم ينفقون في بعض البلدان الإسلامية - التي لا أرغب أن أذكر أسماءها - ينفقون من الصناديق المخصصة لخدمة أهداف الأجانب و ميولهم؛ أموالاً لتأليف الكتب ضد الشيعة و اعتقاداتهم و تاريخهم، و نشرها في العالم الإسلامي! فهل هم يحبون السنة؟ كلّا؛ إنهم يريدون أن لا يكون هناک شيعة أو سنة. و لا يحبون الشيعة و لا السنة؛ لكنهم حينما يلاحظون اليوم أن هناك مجموعة شيعية رفعت بيدها راية الإسلام و الحكومة الإسلامية و يلاحظون التزام جميع أبناء الشعب الإيراني بالتشيع، فإنهم يصبّون ما في قلوبهم من عداوة على رؤوس الشيعة! إنهم يحاربون الشيعة لیصدوا انتشار السيادة الإسلامية و اهتزاز لواء الفخر و العزة في الأماکن الأخرى و استقطاب شباب سائر البلدان إلیها. ينبغي على الجميع عدم مساعدة الأعداء في ممارساتهم الخيانية. على الجميع سواء في بلدنا أو في المحافل الإسلامية أو في التجمعات الشيعية أو إخوتنا من أهل السنة في بلدنا أن لا يعملوا على دعم طموحات الاستكبار التي هي بث التخاصم و العداوة.
طبعاً نحن لا نقصد بذلك أن يتحول الشيعة إلى سنة و لا أن يتحول السنة إلى شيعة و لا نريد أن ندفع الشيعة و السنة إلى عدم البحث العلمي لترسيخ عقائدهم و عدم استخدام إمكانياتهم و طاقاتهم لبلوغ ذلك. بل إن النشاط العلمي أمر ممدوح و غیر مذموم. عليهم تأليف الكتب العلمية في الأوساط العلمية، لا في الأوساط غير العلمية و بشكل خاطيء ومسيء. علینا أن لا نمنع من یعمل علی تثبیت دعائم الاستقرار فی مکان ما. و لكن من يريد أن یتخذ من کلامه و فعله و طریقته و من الأسالیب الأخری وسیلة لبث الفرقة، فهو في رأینا یعمل لصالح الأعداء. فعلى الشيعة و السنة أن یکونوا حذرین. و هذا أيضاً مما تشتمل عليه الوحدة الوطنية التي ذكرناها.
و أری من الواجب علي طبعاًً أن أقول إن هناك من يعتبر شعار الوحدة الوطنية شعاراًً سياسياًً و غير ديني و ذلك للمساس به. و لقد وصينا هؤلاء و لا نزال نوصيهم اليوم أيضاً بأن لا يسمحوا بالمساس بوحدة هذا الشعب الكبير و تمزیقه. فتمزيق نسيج هذا الشعب الكبير هو خدمة تصب في صالح أعدائه. لو حافظ هذا الشعب الكبير و العظيم على الوحدة الوطنية في هذا البلد، فإن هذه الوحدة ستمهّد الأرضيات لوحدة سائر الشعوب. إن الأمة الإسلامية التي فيها مليار و نصف مليار مسلم، لو اتحدت في قضاياها الأساسية، لرأيتم أية قوة عظيمة ستظهر. إذا ما وقع المساس بالوحدة الوطنية، فسيكون الحديث عن وحدة العالم الإسلامي حديثاً أسطورياً و يستهزئ به الجميع. وهذا ما يريد البعض تحقيقه.
كيف يكمن توفير الوحدة الوطنية؟ من العوامل التي توفر الوحدة الوطنية أن لا يعمل من يكون له تأثير في الناس من المسؤولین أو الشخصیات الدینیة أو السیاسیة، علیه ألا يعمل بشكل يؤدي إلى تكدير قلوب جماعة أو تيار شعبي من آخر. و علیه أن لا يثير الفتن. و إثارة الفتن و بث العداوة والبغضاء بین أبناء الشعب، تعتبر إحدی مشاريع الأعداء ضد هذا الشعب. من الممكن القول بأن نصف ما تبثه هذه الإذاعات الأجنبية و وكالات الأنباء قد أعد سلفاً لبث الفتنة و البغضاء بین الناس. فإنهم بانتظار تحقق هذه الأهداف. فعلى رواد الإعلام و حملة الأقلام أن يراقبوا في الدرجة الأولى من أن تسي ء أقوالهم الظنون. على الناس أن لا يسيئوا الظن ببعضهم أو بالمسؤولين؛ هذه من أنواع إشعال الفتن و هی من الذنوب. إن البعض لا هم لهم إلا ترويج الإشاعات و تزييف الأخبار و تحريفها - و لربما كان أصل الخبر صحيحاً، لكنهم يحاولون تدوينه بشكل يوحي بالكذب و الأمور غير الحقيقية في أذهان المخاطبين - بغية إساءة ظن الجماهير و الشباب و المستمعين بمسؤولي الحكومة و طمعاً في إلقاء الشك في نفوسهم. فما الفائدة من هذا العمل؟ لا فائدة له إلّا إبطاء حركة تقدم الشعب و البلد. لا فائدة له إلّا إیحاء الشك في أذهان المسؤولين بالنسبة للعمل، و إطفاء شعلة الأمل بالمستقبل في النفوس و سلب طاقات الجماهير العظيمة. يحاول البعض أن يسيئوا ظن الجماهير بالنظام برمته أو البعض من المسؤولين؛ و الحال أنه إذا كان هناك حديث حق فإن هذا الحديث يمكن أن يصل إلى آذان المسؤولين على اختلاف درجاتهم و يمكن أن تكون النتائج أفضل. لو وقعت حادثة أو حدث اغتيال أو ارتكبت جريمة في مكان ما؛ لوجدنا أن الذين لا يشعرون بأدنى قدر من المسؤولية يطلقون الكثير من الأحاديث الكاذبة و الواهمة و المحيرة للمخاطب! إن الذين على علم بحقائق القضايا، يلاحظون مدى بعد هؤلاء عن القضايا أو تجاهلهم للحقيقة عن عمد. هذه من القضايا التي تشوش الوحدة الوطنية. لذلك، فإن الوحدة الوطنية هي من متطلبات الشعب الرئيسية. أي شعب يدخل الساحة الاقتصادية متحلياً بوحدة الكلمة فإنه يتقدم. من الممكن أن نصون کیان الشعب بالوحدة الوطنية. يمكن للشعب بلوغ مبادئه العظيمة في ظل الوحدة الوطنية. أما الخلافات و تفرق الكلمة و تشتت القلوب عن بعضها البعض، و بث الخلاف في التيارات و الجماعات و الأشخاص و الشخصيات، فلا جدوی فیه. لذلك فالوحدة الوطنية مبدأ نأمل من الجميع مراعاتها. و هذا ما نطلبه من المسؤولين الذين يتعاملون مع الرأي العام للشعب.
القضية الثانية هي موضوع الأمن القومي. الأمن القومي قضية مهمة للغاية. طبعاً الأمن القومي يشتمل على الأمن الداخلي و الأمن الخارجي. الأمن الخارجي يعني تلك المنطقة التي يمكن تهديدها بوسيلة القوى الأجنبية خارج حدود البلد؛ أو هجوم القوات العسكرية - كسائر الحروب التي تحدث - على حدود أحد البلدان؛ أو شن الهجوم السياسي أو الإعلامي على بلد ما؛ و الذي يؤدي بين الحين و الآخر إلى تهديد الأمن و الاضطرابات؛ و هو ما یلاحظ كثيراً في البلدان و یخلق مشاكل كثيرة. الأمن القومي هو عبارة عن حركة واسعة من الجهود التي لو بذل جميع المعنيين قصارى جهدهم فيها، فإنهم سوف يحققون هذا الطموح العظيم. لذلك فأن الأمن القومي ليس بالأمر اليسير.
كما قلت في بداية السنة، إذا لم يكن هناك أمن، فإن النشاط الاقتصادي سيتوقف. و لو لم يكن الأمن لفقدت العدالة الاجتماعية. و لو لم يكن الأمن، لما تحقق العلم و التقدم العلمي. و لو لم يكن الأمن، لتمزقت كافة أجزاء البلد تدريجياً. لهذا فإن الأمن، هو القاعدة و الأساس.
طبعاً هناك أمثلة للإمن تختلف من حيث الأهمية. نموذج تهديد الأمن الذي يمكن أن يعاني منه الناس في حياتهم اليومية، أو يسمعونه من الآخرين، من الأمور التي لا تعتبر کمصدر کبیر للتهدید بالرغم من خطورتها - كالسرقات - التي يجب على الأجهزة أن تعمل علی صدها، فإن السرقة من التهديدات التي يجب على الأجهزة الأمنية الوقوف بوجهها بكل جد. إن البعض يهددون أمن العوائل من أجل بلوغ أهدافهم القذرة و الوضيعة. هذا هو مثال واحد لتهديد الأمن؛ لكنه ليس نموذجاً من الدرجة الأولى. كما أن المساس بالأمن من قبل الأشرار و الأراذل الذين يهددون أمن العوائل. هو أيضاً من نماذج تهديد الأمن. لدينا تقارير من كل حدب و صوب و ربما سمعها أو شاهدها البعض منكم هنا و هناک؛ فهناك من لا يلتزم بأي قانون و نظام؛ أعني الأشرار الذين يتعرضون لأمن و أعراض الشعب في الأزقة و الأحياء. مواجهة هؤلاء الأشرار و العاملين على تهديد أمن بيئة حياة الناس و عملهم تقع على عاتق أجهزة الأمن و السلطة القضائية، حتی لا يظن أولئك المسلحون بأن لهم الحق في ارتكاب ما يحلو لهم من حماقات و أخطاء. عليهم أن يعرفوا بأن جزاء عملهم لن يكون مجرد النوم في السجن الفلاني. لقد وضع الإسلام أقسى العقوبات لأولئك المثيرين للمخاوف و الباعثين على الرعب في أجواء المجتمع. فلو طبق الحكم الإلهي على مثل هؤلاء و سواهم من السارقين - خاصة الذين اختاروا هذه الممارسات مهنةً لهم - لكان لذلك تأثير كبير بالطبع. فعليهم أن لا يهتموا ببعض المجاملات الدولية و الموجات الدعائية؛ عليهم أن يعرفوا ما هو الحكم الإلهي. لقد وضع الحكم الإلهي كل الأشياء في مكانها و بالميزان الصحيح.
تهديد الأمن الاقتصادي جزء آخر من الانفلات. أعني الذين يسببون انعدام الأمن في الأوساط الاقتصادية؛ أو يعملون للقضاء على رؤوس الأموال و إمكانيات الجماهير القليلة و مصادرتها لصالحهم. أسوأ من هؤلاء، هم الذين يصادرون الإمكانيات الحكومية و العامة لصالحهم و ذلك بواسطة أعمال الاحتيال أو خرق القوانين و التهرّب منها، و هم لا يتورعون عن الاستغلال الشخصي؛ هؤلاء هم الذين يقفون وراء تهديد الأمن الاقتصادي. إنكم تلاحظون أن التهرّب من القانون هو أحد السبل حيث يستغله البعض بغية الحصول على الأموال و مصادرة إمكانيات الشعب و الحكومة لصالحهم.
أخطر من هذا، ههو انعدام الامن الاجتماعي و انعدام الأمن القومي يراد به غالباً هذا الجانب. أي إنهم يهددون أمن أجواء العمل و الأوساط العلمية و الأوساط الجامعية. كما سبق أن أشرت فإن أحد المسؤولين الأمريكان صرح منذ شهر، بأن حالة الاضطراب ستعم أجواء إيران، هذا هو تهديد الأمن. لديهم برامج. ينبغي على الشعب و على الذين يتعرضون أكثر لمؤامراتهم أن يتنبهوا. لقد حاول الأعداء مراراً منذ بداية الثورة الإسلامية إلى يومنا هذا أن يأزّموا أجواء العمل و یشعلوا الاضرابات بغية منع القوى العاملة في البلد عن أداء دورها البناء. إنهم لم یفلحوا بعد؛ و لكنهم يخططون.
كما يثيرون الاضطرابات في الجامعات. جرّبوا هذا العمل مرة أو مرتين، لكن لم يسمح لهم الطلبة الجامعيون و وجهوا إليهم الضربات؛ و ربما يكون العدو قد نجح في بعض الأحيان. إنهم يبذلون جهودهم تحت اسم الشعارات و المظاهرات و سواها لتأزيم أجواء الأوساط الجامعية و الجامعات و للحد من أنشطة الصفوف الدراسية و جعل الأساتذة و الطلبة الجامعيين عاطلين عن العمل. يلاحظ الجميع أن طلبتنا اليوم يكشفون عن مواهبهم المتألقة. نحن نجد في النشاطات الطلابية، أموراً تبعث الأمل و تبشّر بمستقبل مشرق جيد. فإذن إحدى خطط الأعداء في الأوساط الجامعيية هي إثارة الاضطرابات؛ أعني إنهم يعملون بشكل يجعل من الدراسة و التواجد في الصفوف الدراسية و التدريس و الامتحانات أموراً صعبة و غير ممكنة. أو يثيرون الاضطرابات المدنية؛ كما فعلوها في طهران في يومي الحادي و العشرين و الثاني و العشرين من شهر تير سنة 78؛ لماذا يهددون حياة الأشخاص و الشباب و الأطفال و النساء و المارة و من جلس خلف شباك غرفته ؟ لأن البعض فضلوا أن ينزلوا إلى الشوارع في حركة عنيفة و يقوموا بأعمال الشغب؛ و يحرقوا السيارات أو يكسروا زجاج المباني؛ و سينحتون الذرائع لأفعالهم هذه على كل حال! أي ذريعة تسمح لجماعة أن تبث الشغب و الاضطراب في البلد و في بيتهم - فهنا ليس بيت الأجانب - فمن الواضح حينما تحدث مثل هذه الحالة، أن لا تسكت قوات الأمن و قوات الشرطة و قوات التعبئة و لا تجلس عاطلة عن العمل. فمن الذي يجب عليه التحلي باليقظة إزاء هذه الاضطرابات؟ هؤلاء هم الناس و الشباب و العمال و الطلبة الجامعيون أنفسهم و الأوساط التي تتعرض لهذه المؤمرات و النوايا السيئة. عليهم أن ينتبهوا و متی ما لاحظوا أن هناک من يسارع في التحريض و إثارة الأجواء هذا فعليهم إيقافه عند حده؛ و ليعلموا إنه لسان العدو و صوت العدو يخرج من حنجرة هذا الشخص. و قد وجدوا مثل هذه المؤشرات حيثما حققوا و تابعوا الموضوع. بعد توخي الشعب الحذر فإن مسؤولية اقرار الأمن تقع على الأجهزة المعنية؛ كوزارة الأمن، و وزارة الداخلية، و قوات الشرطة، و الأجهزة القضائية و غيرها. هذه هي أهم ما يريده الشعب من الحكومة كما أن هذا هو أهم ما أريده من الأجهزة المعنية. فعلى الجميع أن ينتبهوا و يتوخوا الحذر. فعليهم التعامل بوعي مع الأحداث. علينا أن لا نسمح للعدو أن يفعل ما يحلو له.
في بعض الأحيان قد یتسلل الخلل من الأمن الداخلي إلى الأمن الخارجي؛ كممارسة الإثارات على أيدي الأعداء. لاحظوا؛ منذ بضعة أيام ألقى أحد الوزراء الأمريكان كلمة. اعترف الأمريكان اليوم بعد مضي نحو نصف قرن، إنهم دبّروا انقلاب الثامن و العشرين من شهر مرداد! اعترفوا أنهم دعموا الحكومة البهلوية الديكتاتورية المقموعة الفاسدة! فالآن و بعد مضي سبع و اربعين عاماً على انقلاب الثامن و العشرين من شهر مرداد، يعترفون أنهم دبروا ذلك الانقلاب و دعموا حكومة الشاه الديكتاتورية الفاسدة و اعترفوا أيضاً إنهم ساندوا صدام حسين في الحرب على إيران! برأيكم ما الذي يشعر به الشعب الإيراني إزاء هذه المواقف و الاعترافات؟ فرض علينا النظام العراقي الحرب لمدة ثماني سنوات؛ فقُصفت المدن، و قضى على مصادرنا الحيوية؛ و استُشهد الشباب؛ و بدّد آلاف المليارات من ثرواتنا الوطنية؛ أضاع الكثير من الفرص علينا؛ و عموماً حدثت جريمة تاريخية عظيمة. لقد كنا نكرر دوماً في تلك الأيام إن الأمريكان يدعمون صدام حسين. لقد كررت ذلك في أيام الحرب؛ لكنهم كانوا ينكرون و كانوا يقولون بأنهم على الحياد! فالآن و بعد مضي اثني عشر عاماً على نهاية الحرب، جاء هذا الوزير الأمريكي ليعترف بصراحة و بصورة رسمية في إحدى المراكز أننا دعمنا صدام حسين! و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما جدوى اعترافاتكم هذه لنا؟ فبعد أن فرضتم محمد رضا البهلوي الظالم و الفاسد و عدو الشعب الإيراني على هذا الشعب لمدة خمسة و عشرين عاماً، تعترفون الآن أنكم قمتم بهذا العمل! فما هي جدوى كلامكم هذا اليوم؟! يأتي شخص و يقتل ولد إنسان آخر ثم يقول: عفواً! إنهم لا يقولون حتى: عفواً! لا يقولون اليوم إننا نعتذر. إنهم يعترفون فقط! لقد دبرتم بأنفسکم انقلاب الثامن و العشرين من شهر مرداد؛ ثم جعلتم هذا البلد عرضة للنهب والظلم و الفساد على مدی سنوات متمادية؛ و الآن تقولون إنكم فعلتم ذلك! فاعترافكم هذا بما فعلتموه تلك الأيام لا جدوی فیه لهذه الأيام؟! و أقول الآن إن من الممكن أن يأتي وزير أمريكي آخر بعد عشرين أو بعد خمسة و عشرين عاماً و يعترف و يقول: نعم، نحن دبرنا هذه المؤامرة في الفترة الفلانية - أعني هذه السنوات التي نعيش فيها الآن - ضد إيران؛ و نحن قمنا بهذه الحركة و ارتكبنا هذه الجريمة؛ و دعمنا أعداءكم بهذا الشكل؛ و نظمنا في داخل البلد صفوف المعارضين بهذه الصورة و... و ماذا ستجدي هذا الاعترافات للشعب الإيراني بعد مضي أعوام من ارتكابكم تلك الجرائم و التي ما زلتم ترتكبونها حتى الآن؟! إنكم تقولون في تصريحاتكم إن إيران لديها شعب عظيم و حضارة عریقة؛ فهل هذا يكفي لكي ينسى الشعب كل تلك الممارسات الخيانية العدائية؟! أتظنون أنكم تخدعون طفلاً؟! إن هذا الشعب شعب عريق. إن هذا الشعب يعلم أكثر منكم بأنه شعب عريق و يتمتع بتراث حضاري عظيم. نحن نعلم قبلكم إن موقعنا الجغرافي، موقع مهم و استراتيجي جداً؛ لكنكم الآن أتعبتم أنفسكم و فهمتم للتو؟! إنه الموقف الذي لا يريد أن يتعامل مع الشعوب إلا من موقع الاستكبار و القدرة و السيادة.
إن عيب أمريكا الكبير - التي هي البلاء الكبير للبشرية في هذا العصر - هو أنها تريد معاملة شعوب العالم و الناس من موقع التعالي و الغطرسة و السيادة و التملك! تتعامل مع أوبك و الشعوب و السياسة الخارجية للبلد الفلاني من موضع العنجهية! لماذا كل هذه العنجهية؟ هل هي من أجل تحقيق مبادئ ما؟ كلا؛ إن هذه العنجهية تصب في صالحهم! إنهم يتبخترون من أجل تأمين مصالحهم. من الممكن أن يخضع بلد أو شعب لمثل هذه العنجهية لأسباب مختلفة، لكن الشعب الإيراني لا يخضع مسؤولوه لإرادتكم؛ و لا يقعون تحت سكّينكم؛ ليس لهم نقطة ضعف عندكم؛ و ما ارتكبوا شيئاً يخافون من أن تفضحوه. و هناك ما یربطهم بالشعب؛ إن الشعب الإيراني شعب قد جرّب العزة و الإسلام و الصمود على العقيدة و الحياة بالإيمان الراسخ و الاستقلال. فإذا لم يرد مثل هذا الشعب الخضوع لعنجهيتكم، هل يعني ذلك إنه ارتكب ذنباً؟ و إذا رفض شعب ما غطرستكم و قال: نحن نرفض عسفكم و عنجهيتكم؛ و وقف صامداً في مثل هذا الموقف الصريح؛ فما هي حيلتكم للقضاء على هذا الشعب؟ كيف تستطيعون ذلك؟
إن القوى الكبرى تصر على التظاهر بأنها تستطيع فعل ما يحلو لها. و هذا ما يحدث في بعض الأمكنة؛ فما هو السبب؟ لأن حكام تلك البلدان عملاء و ضعفاء. إن القوى الكبرى تزعم كاذبة أنه یمکنها أن تفعل ما تشاء. لقد أثبتت الحكومة الإسلامية و الشعب الإيراني، علی مدی عشرين عاماًً صموده و تقدمه - رغم معارضة أمريكا لهذا الشعب و أهدافه - لقد أثبت بأن أمريكا أو أية قوة كبرى و کذلک جميع القوى العظمى غیر قادرة علی إرتکاب أي خطأ ضد هذا الشعب الواعي و الشجاع الذی يعرف حقه و يدافع عنه! إننا نقول بأن الإدارة الأمريكية التي تعترف اليوم بأنها دعمت الدكتاتورية على مدى خمسة و عشرين عاماً، ما زالت تدعم الدكتاتورية؛ و لكن هذه المساندة مساندة إعلامية و إزعاجية! أولئك غير موجودين اليوم و قد ذهبوا إلى الجحيم؛ إلا أن أذنابهم و أذيالهم يعيشون تحت مظلة حماية الحكومة الأمريكية و هم يتمتعون بدعم الإدارة الأمريكية أینما حلّوا، حتى لو كانوا هنا و هناك في بلدنا. و اليوم هذه الوزيرة الأمريكية (4) تطري و تشيد كاذبة بنظام الشاه في أحاديثها. إنها تقول: إن نظام الشاه كان نظاماً دكتاتورياً و سيئاً لكنه جعل اقتصاد إيران مزدهراً! هذه أكبر كذبة مثیرة للسخریة نسمعها من وزيرة خارجية في الظروف الراهنة! هل جعلوا اقتصاد إيران مزدهراً؟! فليعلم الشباب خاصة - الذين كانوا في ذلك الزمن لمسوا الحقائق عن قرب - إن النظام البهلوي ارتكب أكبر الخيانات لا بحق الاقتصاد الإيراني فحسب بل في حق الدعائم الاقتصادية أيضاً، و هو ما ظل أثره باقياً على مدى السنوات الآتية! لقد حوّلوا إيران إلى مخزن للسلع الاستيرادية التافهة و عديمة الفائدة؛ و اشتروا بضائع وفيرة و أشياء كثيرة و غير الضرورية بأموال هائلة! قضوا على الثروة الزراعية لهذه البلاد التي قد بلغت الاكتفاء الذاتي تماماً، و رغم مرور أعوام متمادية لم تعد زراعتنا بعد إلى ما كانت عليه، لأن تيار الهجرة الذي تدفّق على المدن بتشجيع منهم لم يمكن إيقافه بسهولة. إنهم جعلوا الشعب يعتمد على الأجنبي في زراعته. كان يشترون قمح إيران من أمريكا في تلك الأيام؛ و كان الاتحاد السوفيتي يقوم ببناء مخازن الغلال! يعني أنهم كانوا یعتمدون علی الأجانب سواء في شراء القمح أو من حيث تخزينه. لقد خربوا القرى في ذلك العهد، و أوقفوا صناعة البلاد في الوقت الذي كان قد حان أوان تطويرها. أي لم يحصل ذلك التقدم الذي كان يجب تحقيقه في الصناعة بحيث يتمكن من الحد من الاستيراد. قضوا على الصناعة الناشطة في البلاد و روجت الصناعة التي كانت تابعة للخارج بقدر تبعية المنتوجات المستوردة أو أكثر من ذلك. أوقفوا عجلة العلم. فمع كل تلك الدعايات التي أثاروها حول الجامعات و الطلبة الجامعيين، لكن كانت النشاطات العلمية لجامعات البلد على الصعيد العملي نشاطات ضعيفة! و من كان مفكّراً و له مواهب مشرقة، إذا كان يريد أن يعمل، كانوا يقمعونه في داخل البلد و يضطر إلى العمل في خارج البلد، فهنا لا يمكن له العمل. سلطوا الشركات الأجنبية على أغلب المصادر الاقتصادية للبلد و خسروا أغلب الاحتياطات النفطية دون مقابل. طبعاً سعر النفط رخيص اليوم. و ربما يمكن أن يقال إن ما تحصل عليه الدول المصدرة للنفط من المال، هو عشر ما ينبغي الحصول عليه. علي أن أقول لكم، إن ما تحصل عليه الدول المستوردة للنفط من الضرائب، هو أكثر مما تحصل عليه الدول المصدرة للنفط من أرباح. و هذه هي الحالة اليوم؛ لكن لا يمكن مقارنة ذلك اليوم مع يومنا هذا. إن قيمة برميل النفط كان أقل من دولار واحد في بداية الخمسينيات لأعوام متمادية. ثم من أجل أن يستطيع الأوروبيون بيع سلعهم للبلدان النفطية بأسعار غالية فإنهم عمدوا إلى رفع أسعار النفط و وصلت قيمة النفط إلى نحو ثمانية أو تسعة دولارات؛ لكي تحصل هذه الدول على أموال لشراء بضائع المصانع الغربية. و هذا ما حدث. لقد كانت الأموال الطائلة تودع في الصناديق المتعلقة بالأمريكان في إيران خلال عهد نظام الشاه، حتى تستورد بها قطع غيار الطائرات و المتطلبات الأخرى، و لم یتطرق أحد هناک للحدیث عن الصناعة. إن اقتصاد إيران في ذلك الزمان أسوأ اقتصاد بالنسبة للشعب الإيراني. و كان اقتصاداً رائعاً للناهبين و الأمريكان طبعاًً. ثم تأتي تلك الوزيرة اليوم بعد مضي أعوام متمادية يعرفها جميع علماء الاقتصاد و المحللين - و كانوا يعرفون في ذلك اليوم أيضاَ و ما كان الأمر بعيداً عن أنظارهم - يعلمون كم من الويلات جرها نظام الشاه على اقتصاد البلد، و تقول إن ذلك النظام جعل الاقتصاد الإيراني اقتصاداً مزدهراً! لماذا تصرح بذلك؟ حتی تجعل الشاب الذي يعيش في هذا البلد و يعاني في بعض الأحيان من الظروف الاقتصادية الراهنة، يتصور بأن الظروف الاقتصادية في عهد النظام السابق كانت جيدة! فسيادة تلك الوزيرة تطلق هذا التصريح الشيطاني هكذا بكل بساطة لتوحي إلى الأذهان بأن الاقتصاد الإيراني في العهد السابق كان مزدهراً! إن تلك المراحل كانت من أسوأ المراحل للطبقات المحرومة، و كانت أقسى فترة من حيث سلب و نهب المصادر الطبيعية على أيدي الأجانب - خاصة أمريكا - في هذا البلد؛ لكنها تقول اليوم إن الاقتصاد الإيراني كان منتعشاً.
إن هدف الأعداء الأجانب هو تهديد الأمن و بث الخلاف و الشكوك و التزلزل. فحين ينظر الشعب الإيراني إلى أمريكا بعين العداء، فهذا هو السبب. قالوا لنا تعالوا لندمر جدار عدم الثقة. هذا ما قالته تلك المسؤولة هناك، و كان تحديداً ما تطمح إليه بعض الأقلام هنا! هؤلاء الذين من الممكن أن يكون بعضهم على علاقة مع تلك المراكز و يدعمون من قبلها؛ و قاموا فوراً بمتابعة القضية! ليست القضية مجرد قضية الثقة و انعدام الثقة؛ القضية هي أن الشعب الإيراني حينما ينظر إلى ماضيه، يلاحظ العداوة من قبل أمريكا حتى بداية الثورة. و هكذا هو الحال بعد انتصار الثورة حتى الآن، حيث يلاحظ الشعب الإيراني العداء من جانب الإدارة الأمريكية ضده و ضد مصالحه الوطنية و حكومته التي يحبها. إنهم طبعا لا یزالون يتجاهلون بعض هذه العداوات؛ و لكنهم يعترفون بالبعض الآخر. اعترفوا بدعم الصدام من قبلهم و سيعترفون في المستقبل القريب بالتأكيد بالطريقة التي وضعوا بها القنابل الكيميائية في متناول يد الحكومة العراقية! و بسبب هذه الأحداث نعانی الیوم من کل هذا العدد الهائل من جرحى الحرب الكيميائية و من المعوقين؛ و لحقت بنا كل هذه الأضرار. كلما نظر الشعب الإيراني وجد أشياء و أموراً من هذا القبيل. و الآن أيضا فإن وسائلهم الإعلامية هي ضد إيران؛ كما أنهم وظفوا طاقاتهم السياسية ضد إيران؛ و خصصوا بشكل رسمي أموالاً للعداء الأمني ضد إيران؛ و يبذلون مساعيهم الخارجية ضد إيران دائماً. فحيثما نظر الشعب الإيراني وجد عدواً يترصده هناك. و لهذا لا ينظر الشعب الإيراني إلى الحكومة الأمريكية من زاوية أنه لا يثق بها، بل ينظر إليها كعدو. حينما يقولون نحن نرغب في المحادثات مع إيران، فهذه لیست إلا أموراً تمهيدية، حتی يزيدوا من عداوتهم. هذه ليست سوى خدعة. و لا ينبغي للبعض أن يقولوا فلنذهب و نتحدث مع أمريكا. كلّا فالعداء الأمريكي لا يزول بالحوار. إن أمريكا تبحث عن مصالحها في إيران. و لو كانت هنا حكومة عميلة كحكومة الشاه، لوجهوا لإيران الأضرار و الضربات كما فعلوا في ذلك العهد. و إذا كانت الحكومة هنا حكومة مستقلة، فإنهم يمارسون عداوتهم بهذا الشكل. لو قمنا بالمقارنة لوجدنا أن الضرر الذي يلحق بنا من جانب أمريكا و نحن مستقلون أقل بكثير من الضرر الذي نلاقیه في حالة استسلامنا للغطرسة الأمريكية. إذن الشعب الإيراني بفضل شجاعته و تضحيته يعتمد على طاقاته الذاتية و عقله و عقل مسؤولي البلاد و صموده في مواجهة المؤامرات و الخدع و العداء و يثق بأنه سيکون قادراً دوماً على أن يجعل جميع أعدائه خاصة الحكومة الأمريكية نادمين على عدائهم له؛ كما كان هناك في الماضي بعض الأعداء الذين عملوا اليوم علی تطبیع علاقاتهم مع الشعب الإيراني.
أللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن تنزل فضلك على الشعب الإيراني دوماً. اللهم وفق هذا الشعب في بلوغ أهدافه التي رسمها لنفسه. اللهم أهلك أعداء هذا الشعب. اللهم نسألك بحق محمد و آل محمد أن تنزل بلاءك على كل من يتأمر ضد هذا الشعب. اللهم! و اجعل دفاع هذا الشعب المستميت عن كرامته و استقلاله و دينه و هويته و دينه جهاداً يقربه إليك. اللهم و احفظ شبابنا و عرّف قلوبهم المضيئة بنورك. اللهم! و عجّل بإزالة المحن عن هذا الشعب. و أعن القائمین علی خدمة هذا الشعب؛ و اقهر بغضبك الخائنين لهذا الشعب. و اجعل القلب المقدس للإمام المهدي المنتظر راضياً عنا. اجعل الروح المطهرة لإمامنا راضية و مسرورة عنا. و اجعل الأرواح الطاهرة للشهداء راضية و مسرورة عنا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1- سورة المائدة، الآية3.
2- بحار الأنوار، ج 98، ص3.3.
3- كتاب سليم بن قيس، ص644.
4- مادليت أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية في الولاية الرئاسية لبيل كلينتون 1996- 2000م.