بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الطيبين الطاهرين و صحبه المنتجبين سيّما بقية الله في الأرضين.
أنا مسرور جداً و أشكر الله تعالى على عنايته و توفيقه لحضوري مرة أخرى - و إن كانت هذه المرة بعيدة الزمن عن المرة السابقة - في هذه المحافظة الشامخة و بينكم أيها الأهالي الأعزاء الأوفياء. كردستان أرض التضحيات الكبرى، أرض الفن و الثقافة؛ أرض الإخلاص و الوفاء؛ أرض الناس الأوفياء الذين أحبطوا برجولتهم و شجاعتهم مؤامرات كبرى في أكثر سنوات هذا النظام و البلد حساسيةً. إنها أرض الناس الشجعان ذوي الوعي و النضج العقلي الذين شخّصوا مؤامرة العدو في اللحظات الحساسة و أخمدوا بتضحيتهم فتنة كبرى قبل أن تستطيع بلوغ أهدافها المشؤومة. هذا شيء لن ينساه الشعب الإيراني. تحمل كردستان في تاريخ الثورة الإسلامية وسام فخر قلما يمكن مشاهد نظير له في المحافظات الأخرى.
أعزائي، إخوتي و أخواتي، في فجر انتصار الثورة الإسلامية أراد البعض إشعال حرب داخلية و إفشاء الاقتتال بين الإخوة في البلاد. الظالمون العالميون خافوا و اضطربوا من ظهور قوة مستقلة تعتمد على الدين و الإيمان الديني في هذه المنطقة، لذلك عبّأوا طاقاتهم و قدراتهم الصلدة و الرقيقة عسى أن يستطيعوا القضاء على هذا الوليد الظاهر إلى الوجود توّاً و هو في الخطوات الأولی من حياته. و قد خرج الأهالي الكرد في هذه المحافظة من الامتحان و من هذه المواجهة الكبرى مرفوعي الرأس. لقد شهدت كردستان عن كثب و شاهدت بعيني عظمة صمود هؤلاء الأهالي في أيام المحنة و الشدة. الكثير مما أقوله عن كردستان مصدره معلوماتي و معرفتي الشخصية التي أحرزتها بمشاهداتي القريبة. طبعاً ذاعت سمعة مقاومة الأهالي في محافظتكم - في العهود المختلفة: سواء في مطلع الثورة أو في فترة الحرب المفروضة - بين كل أبناء الشعب الإيراني.
أعزائي ، ثمة سياسة خبيثة حاولت منذ بداية الثورة أن تفصل القوميات الإيرانية عن بعضها و تمزّق الجسد العظيم للشعب الإيراني بشتى الذرائع. كانوا يلقّنون كل قومية من القوميات الإيرانية المتنوعة - الفرس، و الترك، و الكرد، و العرب، و البلوش، و التركمن، و اللر - على حدة تلقينات شيطانية كي ينفروا القلوب و يكدروها ضد بعض. يقولون للطهراني و الإصفهاني شيئاً، و يقولون للبلوشي - و قد قضيت مع البلوش مدة من الزمن قبل الثورة - شيئاً، و يتحدثون في كردستان بأشياء أخرى. كان لا بد من درجة عالية من الوعي كي يستطيع الشعب الإيراني النهوض لأداء رسالته الكبرى التي ألقيت على عاتقه ببركة رفعه راية الإسلام. خاض الشعب الإيراني جهاداً طويلاً في مختلف أرجاء هذا البلد الكبير، و قد أديتم أنتم أهالي كردستان نصيبكم من هذا الجهاد العام الكبير على أحسن وجه. هذه من الأمور التي ستبقى في ذاكرة التاريخ الإيراني.
محافظة كردستان محافظة ثقافية. انظروا للطبيعة الخلابة الخضراء في هذه المحافظة، و للروح العطوفة المخلصة لأهالي هذه المحافظة، و لتاريخها الحافل بالعلماء و الشعراء، و المثقفين و الفنانين و هم كثر في تاريخها القريب؛ كل هذه الحقائق تنمُّ عن أن هذه المحافظة محافظة ثقافية.
حاول معارضو إيران و أعداء الإسلام أن يجعلوا هذه المحافظة في بداية الثورة محافظة أمنية. لم تكن معالجة هذه المشكلة الكبرى بالأمر اليسير، بيد أن النظام الإسلامي المقتدر و بتعاونكم أيها الأهالي تغلب على هذه المشكلة. لقد سعوا لفصل أجزاء الشعب الإيراني عند بعضها، و التفريق بين الأهالي الكرد و الفرس و الترك، لكنهم لم ينجحوا. ( و ما يمكرون إلّا بأنفسهم و ما يشعرون ).. عاد مكرهم و كيدهم إلى نحورهم. اعلموا أيها الإخوة و الأخوات الكرد أن كل من جاء في تلك السنوات الأولى إلى هنا - من أولئك الشباب الذين جاءوا هنا للجهاد من أقصى أنحاء البلد - و بقي لفترة من الزمن بقي قلبه عالقاً بأهالي محافظة كردستان. الشباب المتحمس المتوثب الذين حضروا من خراسان، و إصفهان، و فارس، و طهران، و باقي محافظات البلاد، و مكثوا مدة قصيرة في سنندج ، و سقّز، و مريوان، و سائر مدن هذه المحافظة، حملوا عندما عادوا رسالة المحبة فقد طفحت قلوبهم بمحبة أهالي الكرد. حين نقول إن هذه محافظة ثقافية فذلك لانعكاس السلوك العطوف للأهالي الكرد. و عكس القضية صادق أيضاً إذ لا تزال ذكرى الشباب المتحمس الذي جاء من الأنحاء الأخرى و ضحّى هنا حاضرة متفاعلة في القلوب و الأذهان. أنا على علم بأن ذكريات الشهيد كاوه، و الشهيد صياد، و متوسليان، و ناصر كاظمي، و أحمد كاظمي، و الشهيد بروجردي - الشباب الذين قضوا عمرهم هنا و قدموا أرواحهم - حيّة حاضرة في قلوب أهالي المحافظة. نشكر الله على أن العدو لم يستطع بلوغ مقاصده.
و أقول لكم إن العدو طبعاً لا يقرُّ له قرار أبداً. سادت البلاد سياسة خبيثة منذ عهد الطاغوت هي اعتبار أبناء القوميات المتنوعة أجانب؛ الكرد كانوا أجانب، و البلوش أجانب، و الترك أجانب، و العرب و التركمن أجانب.. كانوا يعتبرون هؤلاء أجانب، و كان هذا المعنى مشهوداً في أدائهم. لاحظوا أنه لم يجر في هذه المحافظة خلال عهد الطاغوت عمل عمراني يذكر، و لا عمل ثقافي مهم. لم يكونوا يهتمون للمحافظة و يعملون لها. الأعمال العمرانية في هذه المحافظة خلال عهد الطاغوت كانت بحدود الصفر؛ و كذلك المشاريع الثقافية. إن كنتم تلاحظون أن في محافظة كردستان اليوم قرابة خمسين ألف طالب جامعي يدرسون في أكثر من عشرين مركزاً للتعليم العالي فقد كان هذا الرقم في عصر الطاغوت 360 طالباً فقط! و نسبة الأمية في هذه المحافظة خلال عهد الطاغوت مفزعة هي الأخرى. كان 29 بالمائة فقط من أهالي المحافظة متعلمين! لم يكن الطاغوت يريد للأهالي الكرد أن يتعلموا و هم على ما هم عليه من الموهبة و الذكاء و القدرة. كان 29 بالمائة منهم فقط يقرأون و يكتبون! كان ذاك عن أدائهم العمراني و هذا عن أدائهم الثقافي! نظرتهم لهذه المحافظة كانت نظرة مشاكسة خاطئة. جاء النظام الإسلامي و صحّح هذه النظرة، لا على مستوى المسؤولين و حسب بل على مستوى كل أبناء الشعب.
أعزائي، ليعلم الجميع أن النظام الإسلامي يرى التنوع القومي في بلادنا الكبيرة الشامخة فرصة مغتنمة. التقاليد المختلفة و الأعراف و العادات و المواهب المتنوعة فرصة تتيح لمكونات الشعب تكميل بعضها عبر التعاطي الصحيح و التعايش و الاتحاد التام. إنه لفخر لشعبنا أن ينظر لتنوعه القومي من هذه الزاوية. و السبب هو أن الإسلام مصدر إلهام هذا النظام، و لا فرق في النظرة الإسلامية بين الأعراق و اللغات المختلفة حتى لو كانت من أمم و شعوب شتى، ناهيك عن القوميات المتنوعة داخل الشعب الواحد. هذه هي نظرة الإسلام و هي أيضاً نظرة النظام الإسلامي. لذا نحن ننظر للمنطقة الكردية - محافظة كردستان - و مناطق القوميات الأخرى نظرة إسلامية مضمونها الأخوة و الاتحاد و التعاطف و الصميمية. و كل من يعارض هذه النظرة و يختار أسلوباً آخر يكون قد سلك مسلكاً معارضاً لسياسة النظام الإسلامي. الجميع أدركوا حقيقة أن النظام الإسلامي يعتبر أهالي هذه المحافظة أهله و الأوفياء للثورة و جنودها. لذلك حينما تحدثت بعض أصابع الأجنبي هنا و في أماكن أخرى باسم الأهالي الكرد و أطلقت بعض الكلام الذي لم يكن الأهالي الكرد على أية صلة به، و يوم فكّرت أيادي الأعداء الشيطانية بالفتنة و اقتتال الإخوة في هذه المحافظة و المحافظات المجاورة، تقدم أهالي المحافظة أنفسهم للخطوط الأمامية فكانت هناك جماعة مجيدة و رشيدة من البيشمرگة الأكراد الإسلاميين لن تفارق ذاكرة الذين شهدوا الجهاد أبداً. نحيّي أرواحهم حيث استشهد من أبناء هذه المحافظة خمسة آلاف و أربعمائة شهيد، كما نحيّي من بقي منهم و عوائلهم. نسأل الله تعالى لهم جميعاً الرحمة و المغفرة.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء؛ أيها الشباب؛ أقول لكم إنكم أيها الشباب يجب أن تطلعوا على تاريخ هذه المنطقة و المناطق الأخرى الزاخر بالعبر. هذه أمور لم يشهدها جيل الشباب و يجب أن يطلع عليها. أراد البعض تنفيذ مخططات الأعداء في هذه المحافظة و الإيقاع بين الأهالي المؤمنين العطوفين الصميميين و الثورة. لقد ألحقوا - نفس أولئك الذين أرادوا التحدث باسم الأهالي الكرد - الضرر بالأهالي الكرد. و نحن اليوم أمام عوائل استشهد أبناؤها في سبيل هذا الجهاد المقدس، و كذلك أمام عوائل أخرى انطلت حيل الأعداء على أبنائها.. هي أيضاً عوائل مفجوعة و هي موضع تعاطفنا. العوائل التي استطاع العدو خداع أبنائها و استخدام دمائهم في سبيل الأغراض الأمريكية و الصهيونية الفاسدة، هي أيضاً عوائل بريئة و قد فجعت بأبنائها، و الكثيرون لا يذكرونهم لكننا نحرص عليهم. و هذه بدورها من الخسائر التي ألحقها أعداء الثورة بهذه المحافظة. و قد سلبوا فرصة العمل العمراني من هذه المحافظة لفترة من الزمن. محافظتكم محافظة موهوبة جداً من جهات مختلفة. كان بالإمكان الاستثمار هنا بشكل جيد. و كان المقرر القيام بأعمال تأسيسية و بنى تحتية كبيرة في الأعوام الأولى. وصل أول وفد عمراني إلى كردستان من قبل شورى الثورة و قبل تشكيل جهاد البناء. يومها كان المرحوم الشهيد بهشتي ( رضوان الله عليه ) رئيساً لشورى الثورة و قد بعث وفداً لعمران منطقة كردستان، و لم يكن جهاد البناء قد تشكل بعد. النظام كان يعلم ما الذي فعله نظام الطاغوت بالمحافظات النائية و المختلفة في لغاتها و لهجاتها و قومياتها، لذلك أراد تعويض ذلك، لكن أعداء الثورة للأسف سلبوا نظام الجمهورية الإسلامية هذه الفرصة بضع سنوات. إنني على اطلاع و أدري أنه تم طول هذه الأعوام و الحمد لله تقديم خدمات جد كثيرة و كبيرة في هذه المحافظة، و هي خدمات لم تكن تخطر ببال أحد في تلك الأيام. أنجزت في هذه المحافظة و على امتداد هذه الأعوام مشاريع عمرانية تشكل لائحة طويلة: الطرق، و السدود، و عمليات توزيع الطاقة، و عمليات توزيع المياه، و الاتصالات و سائر مؤشرات التنمية على اختلافها و تنوعها. يجري حالياً بناء نحو 19 سداً في هذه المحافظة. لم يكن حتى ليخطر ببال أحد في تلك الأيام أن مثل هذه المشاريع ستنجز، لكنها أنجزت. و لكن مع ذلك ما كان يمكن أن يتم و ما يجب أن يتم أكثر من هذا بكثير.
الكثير من الأعمال لم تنجز في هذه المحافظة و ينبغي أن تنصب همم المسؤولين على هذه الجوانب.
للمحافظة مشكلاتها. و حسب ما أشعر به و قد درسته و بحثته فإن المشكلة الأولى في المحافظة هي مشكلة العمالة و عدم توفر فرص عمل، و المشكلة الثانية هي قضية الاستثمار. العمالة قضية مهمة. نسبة البطالة في هذه المحافظة عالية حالياً و فيها شباب مستعدون للعمل. أنجزت أعمال كثيرة و جيدة جداً و لكن يجب إنجاز أعمال أخرى و أكثر. نشكر الله على أن أعضاء الحكومات اليوم و خلافاً لعهد الطاغوت يزورون الجماهير و يقصدونهم. ذات يوم كان على الناس تحمل المشاق و بذل المساعي للوصول إلى الحكومات، و اليوم و ببركة الإسلام تتوجه الحكومات بنفسها و تزور المحافظات المختلفة و المدن المختلفة و أبعد مناطق البلاد، يقصدها رئيس الجمهورية، و الوزراء و مختلف المسؤولين. يقول الناس في بعض المناطق التي يزورها رئيس الجمهورية إننا لم نشاهد هنا حتى مديراً عاماً في العهد السابق. و هم على حق. هذه من بركات الإسلام. يفرض الإسلام على الحكومات الخوض في أصعب الأعمال قبل الخوض في الأعمال السهلة و خدمة أكثر الناس حرماناً و فقراً. و هذا ما يحصل اليوم لحسن الحظ. نشكر الله.

و أقول في خاتمة هذا الجانب من كلامي: ليعلم الشباب الأعزاء أن مؤامرات الاستكبار قد أحبطت لكنها لم تنته. يقظة الجماهير المؤمنة و استعداد مسؤولي البلاد أحبطت إلى اليوم مؤامرات الأعداء في هذه المحافظة و فيما يخص الأحداث المشابهة لها، و لكن ينبغي أن لا نتصور أن العدو قد كفّ و قعد ساكتاً و أقلع عن متابعة أهدافه المشؤومة، كلا، ينبغي مواصلة اليقظة و الحذر. اعلموا أن أعداء إيران الإسلامية لا يريدون لإيران أن تبقى موحدة و أن يحكمها الإسلام. الجبابرة المستكبرون الذين استطاعوا إخضاع غالبية البلدان و الحكومات في العالم لنفوذ سياساتهم لم يستطيعوا إلى اليوم إخضاع و تركيع نظام الجمهورية الإسلامية المعتمد على الجماهير الشجاعة المؤمنة، لذلك فهم غاضبون. يغيرون الأساليب إلا أن الأهداف نفس الأهداف الدنيئة التي كانت لهم. ليكن الشباب واعين، و لتكن العوائل واعية، و ليكن المسؤولون واعين. إننا ندافع عن كيان بلادنا و وحدتها.. إننا ندافع بكل قدراتنا عن الإسلام العزيز. لم نرهب لحد الآن الرعود و البروق الاستكبارية الجوفاء و لم نتراجع، و لن نخافهم بعد اليوم أيضاً و لن نتراجع.
و أذكر بهذه المناسبة نقطة أساسية عامة. أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، رسم الإسلام من أجل بناء مجتمع شامخ متوثّب خصوصيات معينة و عرض سبيل الوصول إليها للمسليمن و الأمة الإسلامية على مرّ التاريخ. من هذه الخصوصيات و ال مؤشرات العزة الوطنية.. العزة.. كما أن الفرد لا يريد أن يكون ذليلاً بل عزيزاً فإن من الآمال الكبری لأي شعب أن يكون عزيزاً و لا يكون ذليلاً. ما هي العزة الوطنية؟ العزة الوطنية هي أن لا يشعر الشعب بالمهانة في نفسه و من نفسه. النقطة المقابلة للشعور بالعزة هي الشعور بالمهانة و الدونية. حينما ينظر الشعب لذاته - لأرصدته، و تاريخه، و تراثه التاريخي، و كنوزه البشرية و الفكرية - يشعر بالعزة و الكبرياء و لا تنتابه المهانة و الذلة. هذه من الأمور الضرورية للشعب. و قد أشار القرآن في مواطن عديدة لهذا المعنى: » يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين و لكن المنافقين لا يعلمون «.(2) كان المنافقون يتحدثون فيما بينهم و يقولون إننا أعزاء و سوف نخرج المسلمين - و هم الأذلة - من المدينة! أوحى الله للرسول أنهم يقولون ذلك لكنهم لا يفقهون و لا يعلمون.. فالأعزة هم المؤمنون، و العزة لله و لرسول الله و للمؤمنين بالله. هذه لوحة مشرقة يجب أن تنتصب دوماً أمام أعين الأمة الإسلامية؛ » العزة الوطنية «. إذا لم يشعر الشعب بالعزة، أي إذا نظر لما عنده من تقاليد و أعراف و لغة و أبجدية و تاريخ و مفاخر و شخصيات كبرى بعين الصغار و الاحتقار و اعتبرها صغيرة و شعر أنه لا يمتلك شيئاً فسيقع في قبضة هيمنة الأجانب بسهولة.
منذ أن دخل المستعمرون بلدان الشرق - و منها البلدان الإسلامية - في القرنين السادس عشر و السابع عشر، و لأجل أن يستطيعوا تكبيل أيدي هذه الشعوب و أرجلها بقوة و جعلها أسيرة لهم راحوا يبثون فيهم اليأس و سوء الظن تجاه ماضيهم و ما لديهم و دينهم و أعرافهم و أزيائهم. هذه أمور فيها عبر. و وصل الأمر في بداية ثورة الدستور في إيران إلى أن يقول أحد المستنيرين: يجب على الإيراني أن يصبح أجنبياً من قمة رأسه إلى أخمص قدميه! أي أن ينبذ دينه، و أخلاقه، و أزياءه، و خطه، و ماضيه، و مفاخره و ينساها، و يتبنّى مكانها الثقافة الغربية، و الأعراف الغربية، و التقاليد الغربية، و التفكير الغربي، و المناهج و الأساليب الغربيةّ.. هكذا أعلنوا. هذا الهتاف المذل رفعه في بلادنا الذين أداروا ظهورهم للدين، و واضح أن البلاد إذا فقدت كل ما تملك و تم تفريغها من الداخل سيستطيع الاستعمار الانجليزي السيطرة على كل ما لديه من نفط، و جيش، و ممتلكات، و أجهزة سياسية. بلغت الأمور في العهد البهلوي إلى درجة أن الشاه الخائن و لأجل أن يعيّن فلاناً رئيساً للوزراء كان مضطراً لمناقشة الموضوع مع السفير البريطاني، ثم السفير الأمريكي بعد ذلك، و يحصل منه في الواقع على إذن لذلك التعيين. هذا هو تاريخ بلاطنا في الماضي. هذا على النقيض من العزة الوطنية. الحكومات الدكتاتورية التابعة الفاسدة انزلت شعب إيران عن أريكة العزة، لم تنمِّ علمه، و لم تبنِ دنياه، بل و سلبته آخرته وألبسته ثياب الأسر و الاستعباد. قامت الثورة الإسلامية لمواجهة مثل هذا الوضع، و وقفت الثورة الإسلامية و الإمام الجليل مقابل مثل هذه المصيبة الكبرى و أهدى الشعب الإيراني دمه في هذا السبيل و انتصر.
حينما تسود مثل تلك الروح بين أحد الشعوب فإن الجهاز السياسي في ذلك البلد، و شعبه بنحو طبيعي، سيسلك طباع الخدم، و يكون مقابل شعبه كالكلب المفترس و الذئب السفاح لكنه أمام الأعداء كالحمل الوديع المروّض » أسد عليَّ و في الحروب نعامة «. رضا خان الذي تعامل بكل ذلك العنف خصوصاً في النصف الثاني من فترة حكمه - حيث لم يكن الشعب يتجرأ حتى أن يتنفس، و كان الأب لا يثق بأبنه و الأبن لا يثق بأبيه حتى في داخل المنـزل - زال عن السلطة الملكية كالفأرة الميتة برسالة بسيطة من الإنجليز قالوا له فيها » يجب أن تعتزل السلطة «! و كذا الحال بالنسبة لمحمد رضا بهلوي؛ مارس محمد رضا بهلوي في سنوات عقدي الأربعينات و الخمسينات [الستينات و السبعينات للميلاد] أعنف الضغوط على هذا الشعب و على المناضلين و التحرريين - بعنف و بلا ملاحظة أي شيء للشعب - لكنه كان خاضعاً خاشعاً أمام سفير أمريكا و سفير بريطانيا يسمع كلامهم و يطبقه! و كان مستاءً من هذا الوضع لكنه مضطر إليه. هذه حكومة شعب محروم من العزة الوطنية.
من أهم الأمور التي منحتها الثورة الإسلامية لنا نحن الشعب الإيراني هو الشعور بالعزة. إمامنا الجليل كان مظهر العزة. يوم قال الإمام علناً: » أمريكا لا تستطيع ارتكاب أية حماقة « كانت أمريكا في ذروة اقتدارها السياسي و العسكري في العالم. أعاد الإمام الشعور بالعزة لهذا الشعب و أعادت الثورة الشعور بالعزة لشعب إيران. الإيراني اليوم يفخر بإيرانيته و بإسلامه. يعترف أقوياء العالم اليوم أن تهديداتهم و قدراتهم العسكرية و إعلامهم السياسي لا تأثير له إطلاقاً مقابل الشعب الإيراني. الشعب الإيراني سيسير في الطريق الذي اختاره و نحو الهدف الذي اختاره بكل قوة و سيبلغ ذلك الهدف.
المهم هو الحفاظ على هذه العزة الوطنية. إخوتي و أخواتي، أيتها الجماهير العزيزة في كردستان و يا شعب إيران العظيم، علينا جميعاً التنبّه و الحفاظ على هذه العزة الوطنية. لا يمكن صيانة العزة الوطنية بمجرد اللسان و الادعاء و الشعارات. إذا كان الشعب الإيراني اليوم عزيزاً و له نفوذه في السياسات العالمية الكبرى فالسبب يعود لإيمانه و أدائه و إبداعاته و مبادراته الشجاعة و في وحدته و تلاحمه. أية هذه العناصر إذا فقدناها تعرضت عزتنا للخطر. إذا فقدنا وحدتنا، أو إذا فقدنا إيماننا، و إذا خسرنا روح الجد و السعي و العمل - و التي يمكن لمسها اليوم و الحمد لله لدى الشعب الإيراني الكبير و لا سيما جيله الشاب - فسوف نخسر عزتنا. هذه نقطة أساسية لتحليل الأحداث السياسية، خصوصاً بالنسبة للشباب.
انظروا و لاحظوا من هم الذين يريدون إفساد وحدة الشعب الإيراني؟ اعلموا أنهم عملاء الأعداء. إما إنهم من الأعداء و يتحدثون حديثهم، أو إنهم من أصابع العدو. لا شك في ذلك. الذي يرفع نداء التفرقة بين الشيعة و السنة و يريد إرباك الوحدة الوطنية بذريعة الطائفية، إنما هو مرتزق للعدو سواء كان شيعياً أو سنياً، و سواء علم بذلك أم لم يعلم. البعض أحياناً مرتزقة للعدو و هم لا يعلمون. الكثير من هؤلاء الناس المساكين الجهلة السلفيين و الوهابيين الذين تغذيهم دولارت النفط كي يذهبوا و يمارسوا العمليات الإرهابية هنا و هناك - في العراق بشكل، و في أفغانستان بشكل، و في باكستان بشكل، و في الأنحاء الأخرى بأشكال أخرى - لا يعلمون أنهم مرتزقة. و الشخص الشيعي الذي يهين مقدسات أهل السنة و يسبّها هو أيضاً من مرتزقة الأعداء و إن لم يشعر. هؤلاء هم العملاء الأصليون للأعداء. البعض من هؤلاء الأصابع - سواء بين أهل السنة أو بين الشيعة - غافلون و لا يعلمون و لا يفهمون ما الذي يفعلونه، لا يدرون أنهم يعملون للأعداء.
قبل سنوات تحدث عالم متنوّر من المنطقة الكردية في صلاة الجمعة. أتخطّر أنه أقسم - هكذا أظن لأن الأمر مضت عليه سنوات - و قال: و الله إن الذين يأتون للشيعة و يزرعون في قلوبهم الضغينة و البغضاء على أهل السنة، و يقصدون السنة و يزرعون الأحقاد و الإحن في أفئدتهم ضد الشيعة، هؤلاء لا هم شيعة و لا هم سنة، لا يحبون الشيعة و لا السنة. إنما يعادون الإسلام. طبعاً لا يعلمون.. الكثيرون منهم لا يفمهمون و هذا يدعو للأسف أنهم لا يفهمون. الجماعة الوهابية و السلفية اليوم تعتبر الشيعة كفرة، و تعتبر السني المحب لأهل البيت كافراً أيضاً، و تعتبر السني من أتباع الطرق العرفانية و القادرية كافراً أيضاً! من أين ينبع هذاالفكر الخاطئ؟ كل الناس الشيعة في كل العالم، و الناس السنة الشافعية في شمال أفريقيا، أو المالكية في بلدان أفريقيا المركزية - و هم محبون لأهل البيت، فالطرق العرفانية تنتهي لأهل البيت - كفّار؛ لماذا؟ لأنهم يحترمون مرقد الحسين بن علي في القاهرة و يقدسون مسجد رأس الحسين، لذلك فهم كفّار! الشيعة كفّار، و السنة في سقّز و سنندج و مريوان إذا كانوا على اتصال بالطريقة القادرية أو النقشبندية كفّار أيضاً! أي فكر هذا؟ لماذ يبثون الخلاف بين الإخوة المسلمين بهذا الفكر الخاطئ المشؤوم. و أقول للشيعي الذي يهين مقدسات السنة عن جهل و غفلة أو عن غرض في نفسه أحياناً - و نحن نعرف مثل هؤلاء، فهناك بين الشيعة من لا يدفعهم الجهل و حسب إنما هم مكلفون ببث الخلافات - أقول له: إن سلوك كلا الفريقين حرام شرعاً و بخلاف القانون.
أعزائي، يا كل الشعب الإيراني، اعرفوا قدر وحدتكم. هذا الاتحاد عظيم و مبارك جداً لهذا البلد. اعرفوا قدر الاتحاد، و اعرفوا قدر التعاطف، و اعرفوا قدر التعاون، و اعرفوا قدر التناغم بين الحكومة و الشعب، و اعرفوا قدر حبِّ الحكومة للجماهير. و على الحكومة بدورها أن تعرف قدر إيمان الشعب و حماسه، و تشوق و توثب الشباب و روح الابتكار و النشاط و العمل لدى الأجيال الصاعدة في البلاد، و عليها الانتفاع من هذه الطاقات، و هذا ما سيحصل إن شاء الله.
و أذكر بعض الأمور حول قضية الانتخابات. أعزائي، الانتخابات على الأبواب. بقي شهر على موعد الانتخابات. الانتخابات من الاختبارات الكبرى للشعب الإيراني أمام أنظار العدو، لذلك فهو حساس منها. منذ نحو سنة من الزمن بدأت الأجهزة الإعلامية لأعداء الشعب الإيراني كلامها و عملها و اصطناعها المواد الإعلامية ضد هذه الانتخابات بوتيرة هادئة. و بدأت الأجهزة الأمنية أيضاً عملها في تصيّد الأخبار و التحري و طرح الاقتراحات. إنهم حساسون تجاه هذه الانتخابات. و حين تنظرون اليوم لأخبار وسائل الإعلام الأجنبية على اختلافها - و الكثير منها مملوءةً حقداً و عداءً للشعب الإيراني - سترون أنها ليست عديمة الاكتراث تجاه انتخاباتنا، و تحاول العمل لأغراضها و أهدافها. ما هي هذه الأغراض؟ هدفهم بالدرجة الأولى تعطيل الانتخابات و إلغاؤها. في إحدى الدورات حاولوا إلغاء انتخابات مجلس الشورى الإسلامي بمختلف الحيل. لكن الله تعالى لم يشأ ذلك و إرادة المؤمنين لم تسمح به، فلم ينجح الأعداء. إنهم يائسون من تعطيل الانتخابات جذرياً. و هدفهم بالدرجة الثانية أن تكون الانتخابات باهتة و باردة و لا يكون للشعب الإيراني مشاركة فاعلة فيها.
أيها الشعب الإيراني العزيز، أقول لكم: علينا جميعاً و على العكس تماماً من إرادة الأعداء أن تكون لنا مشاركة فاعلة في الانتخابات. الانتخابات سمعتنا الوطنية.. الانتخابات من مؤشرات نموّنا الوطني.. الانتخابات وسيلة للعزة الوطنية. حينما يرون الشعب الإيراني يحضر بحماس و شعور و إدراك تام و وعي عند صناديق الاقتراع، فما معنى ذلك؟ معناه أن الشعب يرى لنفسه حق و قدرة اتخاذ القرار. يريد أن يؤثر في مستقبل البلد و يختار مسؤولي البلاد و مدراءها الكبار. انتخاب رئيس الجمهورية يعني انتخاب رئيس السلطة التنفيذية و الشخص الذي تقع غالبية إمكانيات البلد تحت تصرفه. و ترون أنه لو كان رئيس الجمهورية متحلياً بالحماس و التوثب و الحيوية و التشوق و الإرادة فأية خدمات كبيرة سيقدمها للبلد. هم لا يريدون هذا الشيء. و أقول إنكم جميعاً يجب أن تصروا على المشاركة في الانتخابات. اعتقد أن القضية الأولى في الانتخابات ليست انتخاب هذا الشخص أو ذاك، إنما القضية الأولى هي مشاركتكم. تواجدكم هو الذي يعزز النظام و يقوّي أركانه، و يزيد من ماء وجه الشعب الإيراني و سمعته، و يضاعف استقامة البلد حيال العداء و يصرف الأعداء عن الطمع في البلاد وعن التفكير في توجيه ضربة لها و إفشاء الفساد و الفتن فيها. هذه قضية على جانب كبير من الأهمية. إذن القضية الأولى هي المشاركة في الانتخابات.
القضية الثانية المتعلقة بالانتخابات هي أن يحاول الناس انتخاب من هو الأكثر صلاحاً. الذين يترشحون لرئاسة الجمهورية، و تخضع صلاحيتهم للنظر تحت مجهر مجلس صيانة الدستور الذي يعلن صلاحيتهم بعد ذلك هؤلاء كلهم صالحون. لكن المهم هو أن تبحثوا بين هؤلاء الأفراد الصالحين و تشخصوا الأصلح. هذا ليس مقاماً نستطيع فيه أنا و أنتم الاكتفاء بالحد الأدنى. اطلبوا الحد الأعلى و انتخبوا من هو أفضل.
من هو الأفضل. إنني لا أبدي أي رأي حول الأشخاص و لكن ثمة مؤشرات و سمات. الأفضل هو الذي يفهم آلام البلد و يعلم أوجاع الناس و يكون متحداً و صميمياً مع الناس. و يكون بعيداً عن الفساد و لا يطلب الارستقراطية لنفسه. آفتنا الكبيرة هي الارستقراطية و البذخ. المسؤول الفلاني إذا كان من أهل البذخ و الارستقراطية سيدفع الجماهير صوب الارستقراطية و الإسراف. حين قلنا إن هذا العام هو عام السير نحو إصلاح نموذج الاستهلاك فمعنى ذلك أن هذا العام هو العام الذي يقرر فيه الشعب الإيراني مكافحة الإسراف. لا نقول بنحو قاطع و دفعي و طوال سنة واحدة سوف ينتهي الإسراف، لا، نحن أكثر واقعية من هذا و نعلم أن هذه العملية تتطلب سنوات متعاقبة و ينبغي العمل حتى نصل لهذه الثقافة. يجب البدء بهذه العملية.
من الأعمال المهمة جداً كي نحول دون الإسراف هو أن لا يكون مسؤولو البلاد أنفسهم و المحيطون بهم و أقرباؤهم و المرتبطون بهم، أن لا يكونوا من أهل الإسراف و البذخ. إذا كنا من أهل الإسراف كيف سنستطيع أن نقول للناس لا تسرفوا.. » أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم «.(3) » يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون «.(4) المهمة الأولى هي أن نختار مسؤولي البلاد من بين الأفراد المتبسطين في حياتهم و من يعرفون آلام الناس و يتألمون لألم الناس. هذه أيضاً برأيي علامة مهمة. ابحثوا بوعي و توصلوا إلى النتيجة و بادروا إلى ما توصلتم له و شخصتموه بقصد القربة.. اقصدوا صناديق الاقتراع بقصد القربة و سوف يوفيكم الله أجوركم. هذه أيضاً نقطة.
النقطة الأخيرة حول الانتخابات هي أن يحاول المرشحون المحترمون الذين سجلوا أسماءهم لحد الآن و يعملون إعلامياً و يصرحون - مع أن الوقت القانوني للدعاية لم يحن بعد لكنهم يعملون إعلامياً و لا إشكال في ذلك - ليحاولوا أن يكونوا منصفين. لتكن تأييداتهم و معارضاتهم من منطق الحق و الصدق. يسمع الإنسان أشياءً لا يصدق أنها صدرت عن المرشحين و من يطلبون هذه المسؤوليات عن صدق و إخلاص. أحياناً يسمع المرء كلاماً عجيباً و أموراً غريبة تنسب لهذا و ذاك. هذا الكلام يقلق الناس. و هو كلام لا يجذب قلب أحد لقائله! ليتنبه المرشحون المحترمون و لا يكدروا الرأي العام و الأذهان. كل هذه الأمور غير الصحيحة تُنسب إلى هذا و ذاك تكدر طبعاً ذهنيات الجماهير، و هي أمور غير واقعية و بخلاف الواقع. إنني على علم بشؤون البلاد أكثر من كل هؤلاء السادة، و على اطلاع أوفى، و أدري أن كثيراً من هذه الأمور التي تطرح كنقد لأوضاع البلاد و وضع الاقتصاد و ما إلى ذلك هي خلاف الواقع.. إنهم مخطئون. هم مخطئون و غير متقصدين إن شاء الله. نأمل أن يقدر الله تعالى لهذا الشعب الخير و الصلاح و العمران الكامل.
المسألة الأخيرة التي أطرحها هي: يا أعزائي، اعلموا أننا واقفون و صامدون من أجل سيادة الإسلام في هذا البلد - و سيادة الإسلام فيها عمارة دنيا الناس و آخرتهم و صلاح حياتهم المادية و المعنوية - حتى النهاية و ما من ضغوط و لا أية قوة بوسعها التأثير على إرادتنا المعتمدة على إرادة الشعب.
اللهم، إنزل رحمتك و لطفك على هذا الشعب. اللهم مُنَّ بفضلك على أذهان هذا الشعب العزيز و فكره و قلبه و عمله. إنني أتقدم بالشكر من الصميم لوفائكم و مودتكم أيها الأهالي الأعزاء لاجتماعكم الهائل الذي عقدتموه هنا و استقبالكم الذي قمتم به. أتمنى أن يوفقنا الله تعالى أنا و أنتم لنستطيع لقطع خطوات واسعة على سبيل أداء واجباتنا.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة الأنعام، الآية 123.
2 - سورة المنافقون، الآية 8.
3 - سورة البقرة، الآية 44.
4 سورة الصف، الآية 2 و 3.