بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بجميع الإخوة و الأخوات الذين تفضّلوا بالمجيء و أهنئ المعلمين الأعزاء بيوم المعلم و أبارك للعمال الأعزاء يوم العامل. كما أحيّّي ذكرى الأستاذ الشهيد العظيم و المعلم الرائد في هذا الوادي - المرحوم آية الله الشهيد مطهري - الذي له حق كبير علی شعبنا و ثورتنا.
لقد قيل الكثير من الأحاديث المناسبة حول هاتین الفئتین المهمتین أعني فئتي المعلمين و العمال. و لا ریب أن هاتين الشريحتين تعدّان من أكثر شرائح المجتمع تأثيراً في حاضر البلد و مستقبله. إن المعلمين هم صناع الإنسان؛ أعني الإنسان السامي و الرائد و الإنسان المتمتع بالتربية و التعليم. و المعلمون في الحقيقة هم الذين يُعدّون العنصرَ الرئيسي و ذو الدرجة الأولى لعالم الخلقة و الذي يعتبر وجوده شرطاً رئيسياً و محورياً لجميع حالات التقدم و الرقي - سواء المادية أو المعنوية - و هم من يجعل هذا العنصر مثمراً و كفوءاً. و إذا كان مجتمع المعلمين في بلد من البلدان معززاً و مكرماً، فإن هذا التكريم لا يختص ببعض الناس، بل هو تكريم للعلم و الرقي و التقدم و الإنسان. إن إكرام المعلمين في البلد ليس مجرد مجاملة و تملق. إن هذه الأحاديث و الأقوال معناها هو أن يعرف عموم الجماهير قدر العلم و التعليم و التربية. تطلق هذه الأحاديث من أجل إكرام قاعات الدرس و المعلم و مبدعي العلم و الدرس. إن الشعب الذي لا يعرف قدر العلم و التربية و المعلم و أهمية الثقافة، سيتعرض للمخاطر مهما حقق من إنجازات. كما سيظل عرضة للسقوط و الهزيمة، مهما أحرز من تطور مادي.
تكريم العمال يعود إلى سببين: الأول هو أن كل ما يحصل عليه أي بلد من النمو المادي و الثراء، يعود إلى سعي العمال. العامل هو الذي ينتج الثروة و يحقق النمو الاقتصادي. إذا لم يكن هناك عامل، فإن مساعي جميع المخططين و المبرمجين و المفكرين الاقتصاديين، ستذهب أدراج الریاح. و العامل الرئیسي في تحقیق كافة الأفكار و الأهداف و برامج و تطورات علم الاقتصاد بصورة عملية هو يد العامل. لذلك للعامل حق كبير في رقاب كل أبناء الشعب؛ لأن نتيجة عمله هي التي تنظم حياة الناس عملياً باطراد.
السبب الثاني الذي نكرم العامل من أجله، هو أن تكريم العامل، تكريم للعمل؛ إن العمل مهم للغاية. کم من الخسائر سببته البطالة؛ سواء أكان سبب هذه البطالة الكسل و عدم سعي الشخص، أو عجز الفرد عن العمل بسبب عدم توفر فرص العمل. إذن العمل يعتبر قيمة و عبادة حقيقية. فالسبب الحقيقي و الواقعي لتقدم البلد هو العمل. لهذا نحن نكرم العامل من أجل تكريم العمل.
إن المعلمين و العمال، هما شريحتان مهمتان للغاية. هذا لا يعني عدم أهمية الشرائح الأخرى؛ أجل، كل مجموعة تتمتع بعناصر خلاقة و إنتاجية و فعالة و لها منزلتها الخاصة؛ لكن الاهتمام بهاتين الشريحتين، يحول دون تجاهل كبير و خسائر فادحة قد تعم البلد و الشعب. و من الذي يجب عليه الاهتمام؟ إنهم المسؤولون في الدرجة الأولى و جميع أبناء الشعب في الدرجة الثانية. عليهم معرفة قدر المعلم و العامل، لأنهما يمثلان قيمة. إن المعلمين و العمال أناس يبذلون أعمارهم في العمل الكريم و العزيز عند الله.
لو ألقينا نظرة على عمر الثورة البالغ واحداً و عشرين عاماً و كذلك الأعوام الأخيرة قبل انتصار الثورة - خاصة السنة الأخيرة منها - فسنلاحظ أن دور هاتين الشريحتين كان دوراً أساسياً في ظهور الثورة و مواصلة طريقها و انتصاراتها. فلو لم يكن المعلمون، لما حضر هذا العدد الهائل من التلاميذ و الشباب في ساحات القتال و عرصات الثورة و فيما يتعلق ببناء البلد؛ إذ إن المعلمين هم الذين قادوهم إلى الحضور. لقد قدم العديد من المعلمين تضحيات حقيقية و صاروا هكذا أسوة لتلاميذهم. كما أن العمال نجحوا في اختباراتهم سواء أكان ذلك قبل انتصار الثورة أو بعد انتصار الثورة أو في فترة الحرب المفروضة أو الساحات المختلفة. هؤلاء حضروا في الساحة راضين بالقليل و لم يسمحوا بإغلاق أبواب المصانع، حتى تمكنوا من مواصلة هذا الطريق الصعب و الوعر على مدى واحد و عشرين عاماً و وصلنا إلى ما نحن علیه الآن. لذا فقد نجحت كلتا الشريحتين في اختبارهما.
إن إحدى الإنجازات المهمة لكلتا الشريحتين، هي مكافحة الذين كانوا يريدون إغلاق أبواب المدارس أو الصفوف أو المصانع و المعامل. و كما يعلم البعض منكم، كانت هناك جهود حثيثة تُبذل لتعم الجمهورية الإسلامية الإضرابات العمالية. فمن الذي وقف صامداً أمامهم؟ إنهم هم العمال. أرادوا أن يغلقوا أبواب المدارس؛ فمن الذي وقف في وجوههم؟ إنهم المعلمون. و لكل هذا أجر جزيل عند الله. و هكذا هو الوضع اليوم. و يسمع المرء اليوم أيضاً همهمات بأن بعض الأفراد أو بعض المراكز يستغلون بعض القضايا و القوانين و الذرائع و يبذلون مساعيهم بصورة منظمة علّهم يستطيعون شل الحركة العمالية في البلاد! هل تعلمون ما الذي سيحل بالبلاد؟ هذا ما يريدونه. إنهم لا يهتمون بحقوق العمال. هم يبذلون مساعيهم لإيقاف هذه الحركة الصعبة التي انتهجتها الحكومة و المسؤولون الذين يتقدمون إلى الأمام بفضل جهودهم المضنية و توكلهم على الله و مواجهتم كل هذه المؤامرات المتراكمة من قبيل العقوبات الاقتصادية و خبث الاستكبار العالمي و المخالفات و زرع العقبات. كيف يتسنى لهم ذلك؟ لا يسمحون للعمل أن يأخذ مجراه في البلد و يفصلون بين العمال و العمل و يصيبون مجتمع العمال بالشلل. إذا لم يكن في المجتمع الانتعاش الاقتصادي، و إذا لم يكن إنتاج العلم و الثروة، فإن أول من سيلحقهم الضرر هم الفئات المستضعفة و المحرومة خاصة شرائح العمال. و هذا ما يريده العدو. إن البعض يحاولون اليوم بكل سذاجة أن يغضوا أبصارهم و لا يروا العدو. لكن العدو لا يكف عن العمل و یسعی منتهى سعیه لإيقاف حركة الجمهورية الإسلامية؛ سواء بالدعايات أو الصخب السياسي، أو التظاهر بدعم هذه الشريحة أو تلك. إنهم يبذلون هممهم لشل حركة العمل في الجمهورية الإسلامية و إيقافه. و اليوم فإن المسؤولين و الحكومة يبذلون جهودهم. إن قضية العمل هي من أهم قضايا بلدنا. ينبغي على المسؤولين أن يوفروا مئات الآلاف من فرص العمل كل عام لكي يتمكنوا من دفع الشباب الذين توفرت لديهم الكفاءة اللازمة على العمل. إن إنتاج العمل ليس بالأمر اليسير؛ يحتاج إلى تخطيط و سعي و إلی فراغ بال. هناك البعض لا یرغبون في تحقیق هذه الأعمال. فمن هم هؤلاء؟ إنهم الأعداء و الذين يحرضهم الأعداء. إن الأعداء يستهدفون الشرائح التي تعاني من المشكلات. و في الحقيقة فإن نوايا الأعداء السيئة لم تنجح حتى اليوم في التغلب على مجتمعنا الثقافي و العمالي و أصيبت نوایاهم بالفشل في استغلال هذين المجتمعين كأداة. و على الأعداء أن يعلموا أن الفشل سيكون حليفهم في المستقبل أیضاً؛ غير أن ذلك بحاجة إلى الوعي. و على الجميع التحلي بالوعي. على الشباب و المعلمين و العمال و التلاميذ و الطلبة الجامعيين أن يتحلوا باليقظة و يدركوا ما الذي يتابعه الأعداء. كما أن على الحكومة و مختلف المسؤولين أيضاً بذل مساعيهم. هناك العديد من البرامج؛ و نسأل الله تعالى أن یتم تنفيذ هذه البرامج و تتقدم إلى الأمام و ستحل المشكلات تدريجياً.
إنني أود أن أقول جملة واحدة للمسؤولين. أن بلدنا يمر بمرحلة اقتصادية صعبة، حتى يستطيع أن يصل إلى مرحلة فيها الانفتاح و الحرية و الرفاهية إن شاء الله و حتى يكون بوسع الجماهير الاستفادة من مصادر هذه الطبيعة العظيمة و مواهبها و عطاياها و هذه الإمكانيات الكثيرة التي توجد في بلدنا. نحن نحتاج إلى المساعي الشاملة؛ إلا أن إحدى الآفات التي تهددنا خلال حركة تقدم البلد و تنميته العامة في هذه المرحلة، هي ازدياد الفوارق بين الطبقات إثر بعض السياسات الخاطئة. عليهم أن يحذروا كثيراً من هذا. هناك البعض يفكرون في مصالحهم فحسب. هؤلاء هم الذين لا يفكرون في الشرائح المظلومة و المستضعفة و لا في الفقراء و لا في مستقبل البلد و لا يفكرون إلا في ملىء جيوبهم و في حياتهم الشخصية و جمع الثروات لأنفسهم مهما أمكن. على الأجهزة المسؤولة أن لا تسمح لهم أن يعملوا دائماً على زيادة الفوارق و الفواصل بين الطبقات. إن العدالة الاجتماعية هي الأساس. إذا كان في البلد ازدهار اقتصادي و لم تكن هناك عدالة اجتماعية، فإن هذا الازدهار الاقتصادي لن يصب في صالح الفقراء و المستضعفين و لن يزول الحرمان؛ و تلاحظون أن هناك في العديد من البلدان فيها ارتفاع الإنتاج و هناك المصانع الكبرى التي تعمل، و الثروة التي تنتج؛ لكن الحرمان لا يزال موجوداً في تلك البلدان؛ خاصة في نفس البلدان الأوربية و الغربية المتقدمة. و ما يبینونه لنا أنا و أنتم على شاشات التلفاز و من خلف آلات التصوير، هو الجانب المشرق من أوضاع هذه البلدان. إنهم لا يعرضون الأحياء الفقيرة و صور المرارة و الجوع و الحرمان و الحسرات فيها؛ بل يكتفون بعرض مشاهد المباني و الشوارع الواسعة و الحدائق الكبرى و غيرها! فلو تحقق التقدم الصناعي و الازدهار الاقتصادي، من غیر أن تتوفر العدالة الاجتماعية، فستكون النتيجة هي حالة تلک البلدان و بلدان أخرى هي أسوء حالاً من الأولى. نحن لا نريد الازدهار الاقتصادي في المجتمع فحسب. بل نريد الازدهار الاقتصادي و العدالة الاجتماعية معاً. طبعاً لا نقول يجب أن تكون هناك عدالة اجتماعية دون الازدهار الاقتصادي؛ لأن العدالة الاجتماعية ليست عاملاً مهماً في المكان الذي ليس فيه الازدهار الاقتصادي؛ حيث إن المجتمع لا يحقق الرفاهية المطلوبة. إذا كانت العدالة الاجتماعية إلى جانب التقدم الاقتصادي، فإن المجتمع سيكون مزدهراً. لا يمكننا عدم مراعاة العدالة الاجتماعية.
إن المسؤولين هم الذين يمكنهم إدارة الأمور. ينبغي عليهم منح الفرصة للبعض حتى يكون لهم النشاط الاقتصادي السليم و القانوني - لإن إنتاج الثروة ليس أمراً مذموماً في الإسلام - لكن يجب الحيلولة دون استخدام الأساليب اللاشرعية، و اجتناب التزييف و الخداع و المكر و استغلال الثروات العامة. فهذا غير جائز. يجب تقليل الفوارق. إن البعض من هذه الرواتب و المكافآت و الإيرادات التي يحصل عليها بعض الأشخاص - و التي هي أيضاً من بيت المال - لا يمكن تبريرها و لا فهمها و لا قبولها. إن الذين يستفيدون من الأموال الحكومية و بيت المال، عليهم أن يأخذوا منها على قدر و قيمة ما يفعلونه من أعمال. لا يمكن للبعض أن يأخذوا كثيراً. الحقيقة أن الثورة الإسلامية حطمت صنم الفوارق و تربية الطواغيت في هذا البلد. فقبل الثورة كانت الفوارق بين الفقير و الغني أمراً لا يمكن تفادیه. لم يكن أحد يتجرأ على أن يقول شيئاً عن هذا. لقد جاءت الثورة الإسلامية و مهّدت طريق العدالة الاجتماعية. لكن علينا أن نعمل. على الذين يسنون القوانين و يتخذون القرارات و يخططون، أن يأخذوا العدالة الاجتماعية بنظر الاعتبار. عرض تلفزيون الجمهورية الإسلامية قبل عدة أيام مشهداً لإحدى المدارس في إحدى القرى في بوشهر جعلني أشعر بالألم في قلبي! فهذا العدد من الشباب في جزء من هذ البلد يذهبون إلى مدارس بهذه الظروف الصعبة؛ بينما تلاحظون على بعد مسافة وسط البحر، ماذا يفعلونه بالثروات غير المشروعة! إن هذا ليس أسلوباً صحيحاً في نظام الجمهورية الإسلامية بل هو أسلوب خاطئ. على المسؤولين أن يراقبوا هذه الأمور. و على الجميع أن يقوم بواجبه بشكل دقيق. على المسؤولين متابعة العدالة و تسهيل أمور العيش للطبقات المستضعفة و المحرومة و الحفاة. أقصد الذين أنقذوا هذا البلد في أیام المحن، و إذا هدد خطر هذا البلد مرة أخرى لا سمح الله، فإن هؤلاء العمال و المعلمين و هذه الشرائح المستضعفة و هؤلاء الموظفين الذين يتمتعون بأقل مستويات الدخل، هم الذين يهبّون للدفاع و يلبسون قلوبهم على الدروع.
على كافة شرائح الشعب المختلفة - سواء العمال أو المعلمون أو موظفو القطاعات المختلفة - أن يحاولوا أداء عملهم على أحسن وجه إن شاء الله مع تحليهم بالوعي و الدقة؛ و على المسؤولين أيضاً أن يشعروا بالمسؤولية.
نسأل الله أن يصل هذا البلد إلى ما يستحقه و إلى ما قدر الله له؛ أعني قمة السعادة إن شاء الله؛ سواء دنيوياً مادياً أو معنوياً أو إلهياً.
نسأل الله تعالى أن يعرّفنا واجباتنا؛ و أن يساعدنا في سبيل أداء الواجبات؛ و أن يأخذ بأيدينا و يمنعنا من العوج و الانحراف. نتمنى أن تشملكم تفضلات الإمام المهدي المنتظر ( أرواحنا فداه ) و نسأل الله أن يشملنا جميعاً بأدعية ذلك الكريم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.