بسم الله الرحمن الرحيم
يسعدني أن اشترك للمرة الثانية في هذا الحدث الشيق و الهام الذي نشهد فيه عن كثب تأهيل شبابنا العزيز في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية و توفيقهم للعمل و العلم و المعرفة و الدين و الجهاد.
أسأل الله أن يبارك نجاحكم و ما حققتموه ـ سواء الخريجون من طلبة البكالوريوس و الدبلوم، أو الطلبة الذين التحقوا حديثاً بهذه الجامعة ـ بالتحاقكم بالركب العظيم لجيش الجمهورية الإسلامية، و يوفقكم و يزيد في عزمكم نحو المزيد من التطوّر و النشاط و الازدهار.
و لطالما كان انطباعي عن هذه الجامعة أنّها بالإضافة لكونها تمثّل منظومة للعلم و الجهاد و التكامل الجسمي و الروحي، فإنّها تعد مركزاً للتمرّس على التقوى و الورع و الالتزام. و هذا لم يكن انطباعاً فحسب، إنّما لاحظت ذلك على صعيد الواقع أيضاً.
كما أنّ المناهج الدراسية التي تتلقونها، و التي تهدف إلى تنمية الطالب علمياً و ثقافياً، تعتبر من المناهج الجيدة و الكفوءة.
إنّ التواجد ضمن النخب العسكرية الشابة و الانتفاع من آراء و تجارب الذين خاضوا في ميادين الحرب الحقيقية ـ و ليس على الصعيد النظري فحسب ـ يعد أمراً مفيداً و فاعلاً جداً على صعيد تطوير القدرات و الكفاءات و العلوم العسكرية.
أمّا إدراج التربية الإسلامية ضمن مناهج الجامعة، و وجود قادة و ضبّاط على درجة عالية من الإيمان و التقوى و الالتزام بمبادئ العقيدة الإسلامية، فهو أمر هامّ و حيوي لما يساهم في الإعداد المعنوي و التنشئة الروحية لشبابنا الأعزاء المنتمين لهذه الجامعة.
من هنا كانت جامعة الإمام علي العسكرية عبارة عن منظومة علمية إيمانية جهادية تربوية لا تقتصر على الإعداد الجسدي للطالب فحسب، إنّما تسعى لإعداده و تنشئته معنوياً و روحياً أيضاً.
و هذه الصورة تعكس انطباعي السابق عن هذه الجامعة، و نسأل الله تعالى أن يستمر إنطباعي على هذا النحو، بل و يتعزّز يوماً بعد يوم.
و من الجدير قوله إنّ هناك من يتصور أنّ من غير الطبيعي التوليف بين الجانب العلمي و العسكري من جهة و الجانب الديني و الأخلاقي و تكوين جيش على قدر من التقوى و الورع و الإيمان و الاهتمام بالعلوم و المعارف الدينية، من جهة أخرى.
و لا يخفى أنّ هذا الأمر قد يبدو غير طبيعي بالنسبة للواقع المغلوط السائد في أرجاء العالم ـ سواء على صعيد بلدنا أبان الحقبة الماضية، أو بالنسبة لمعظم دول العالم الحاضر ـ لكن لا شك أنّ من غير الطبيعي أيضاً أن نفكك بين هذه النخب الشابة التي تتلخص مهامها بالجانب العسكري (و التي تنتمي لبلد يتطلّع ليصبح أفضل البلدان نمواً و ازدهاراً، و لنظام يصبو لبسط العدل و تنمية الجانب المعنوي للإنسان) و بين تعزيز بنيتها الروحية و الفكرية و العلمية و المعنوية.
و الذي يبدو لي هو أنّ الأمر غير الطبيعي وغير المنطقي يكمن في هذا التفكيك، و ليس العكس.
إنّ نظام الجمهورية الإسلامية قد شرع للبشرية طريقاً جديداً و رائداً، طريقاً يتضمّن مبادئ طالما كانت البشرية تحلم بها، مبادئ حجبها المستكبرون عن الشعوب و حالوا دون نيلها.
فكم كانت البشرية ترجو أن يسود العدل و الانصاف و المساواة بين الناس، و تنتهي سطوة الظلم و تنقشع سحائبه عن شتى أنماط الحياة، لكنّ ذلك الطموح بقي رهين الآمال و لم يجد فرصة تذكر لينعكس على أرض الواقع.
و لطالما كانت البشرية متعطشة للمبادئ الإنسانية، المبادئ الثابتة التي لا تتغيّر بتغيّر الزمان و المكان.
إنّ العلم يتقدّم، و أساليب الحياة تتطوّر، و العلاقات الاجتماعية تتغيّر، لكن الآمال الكبيرة التي تحملها البشرية و المبادئ العظيمة التي تتطلّع نحوها تبقى ثابتة بالرغم من تغيّر الزمان و الأوضاع و الأحوال.
فالبشرية متعطشة للطهارة و النقاء و الصدق و العدل و الانصاف و الحقيقة و الأخوّة و الاهتمام بالجانب المعنوي، و مرتاعة و منهكة من مظاهر التزوير و الكذب و الظلم و النفاق و استباحة الحقوق.
فكلّما وجدت هذه المبادئ من ينادي بها في هذه البقعة أو تلك من العالم، ظهر تيار من المستكبرين محاولاً خنق تلك الأصوات، أو وضع عقبات في طريق تلك المحاولات.
لكن لا يخفى إنّ هذه المبادئ تعد مبادئ فطرية تتناغم مع جبلة البشر و فطرته و بالتالي فهي باقية ببقاء الإنسان و غير قابلة للزوال، بل إنّ تقدّم البشرية و تطوّر العنصر الإدراكي لها يجعلها أقدر على تقبّل تلك المبادئ و العمل بها.
لقد ظهر اليوم نظام في الحكم يستقي مبادئه من التعاليم القرآنية وعناصر الهداية الإسلامية، و أبرز ما ينوي هذا النظام تحقيقه هو سيادة العدل و القضاء على الظلم.
لقد نشر الإسلام لواءً يتسنّى للبشرية في ظلّه أنْ تحقق سائر المبادئ الإنسانية التي تنشدها، و هذا اللواء يحمله اليوم و يجسد معالمه نظام الجمهورية الإسلامية.
أمّا الذين يناوئون هذا النظام في العصر الحاضر فيمثلون امتداداً للذين ناوءوا دعوات الأنبياء و المصلحين على مرّ العصور، و استخدموا كافة الوسائل و السبل لإجهاضها.
إنّ كل أقطاب النظام الإسلامي و سائر أركانه تستهدف تحقيق تلك المبادئ و القيم، لا سيما قوى الأمن و القوى العسكرية التابعة لهذا النظام.
إنّ شبابنا العسكريين بما يتمتعون به من نعمة الشباب، و ما يتحلون به من لباس العزة و الشوكة العسكرية، و الحب و الاحترام الذي يكنّه الشعب لهم لما قدموه أبان الحرب المفروضة، يعتبرون الورع و التقوى و الطهارة و النقاء و التديّن من جملة المهام المنوطة بهم و الملقاة على عاتقهم. و هذه الميزة مهمّة للغاية، و ذات قيمة عالية جداً.
صحيح إنّ هذا المكان ـ الكلية العسكرية ـ ليس مسجداً أو معبداً، لكنّ افئدتكم المولعة بالذكر كل منّها يشكّل معبداً بحدّ ذاته. إنّ صيامكم و قيامكم و اصطفافكم في صلاة الجماعة ـ و هو ما شاهدته بنفسي عن كثب ـ و محافلكم المعنوية من جهة، و نشاطكم و حيويتكم و اندفاعكم إلى جانب ما تتلقّونه من علم و تدريب، يؤلّف تركيباً رائعاً و مثيراً للإعجاب.
أحبتي! عليكم بمرور الأيام أنْ ترتقوا بمستوى هذا التركيب المتجانس، فليكن العلم مقروناً بالدين و الورع و التقوى، و ليكن جميع هذا مقروناً بما تتلقّونه من تدريب و تمارين في الانضباط العسكري ـ الذي يعتبر أمراً هامّاً لكل مؤسسة عسكرية ـ و اجعلوا من ذلك وحدة واحدة متماسكة تكسبكم المجتمع و تجعله قريب منكم و تعزّز أواصر العلاقة بينكم و بينه.
إنّ مستقبل البلد بين أيديكم، و هذا الجيش متعلّق بكم. فعليكم أن تكونوا بما اكتسبتموه من تعاليم و إرشادات و أنوار معنوية، قبساً ينير كل موضع حللتم فيه.
لقد تزامنت مرحلة الشباب التي تمرون بها مع مقطع زمني جيّد للغاية، فعليكم أنْ تثمّنوا هذه النعمة و تستثمروها.
لقد أضاف الشعب الإيراني للقاموس العالمي مفاهيم جديدة لم يعهدها من قبل. لذلك تجدون المسؤولين في إيران ـ الذين يمثلون نواباً للشعب الايراني ـ لا يخشون في إبداء الحقيقة و اتخاذ الموقف الصريح و العادل و المنطقي و المعقول أي أحد أو جهة مهما كانت، و ذلك في كافة القضايا العالمية المصيرية، و خصوصاً إن كانت القضية تتعلّق بمصير الشعوب المظلومة و المضطهدة.
إنّ هذا الواقع يعد نادراً جداً في عالمنا الحاضر، لكنّه في الوقت ذاته يعتبر غاية في العزّة و الكرامة و المجد.
نسأل الله تعالى أن تتعزّز أسس هذا النظام بما يحمله من قيم و مبادئ و رؤى و مناهج، و تتسع آفاقها و تزداد وضوحاً و لمعاناً يوماً بعد يوم.
كما أسأله سبحانه أنْ يوفقكم و يبارك فيكم.
و لا يسعني هنا إلاّ أنْ أتقدّم بالشكر الجزيل لكل الأحبّة القائمين على هذه المنظومة العلمية و الثقافية و العسكرية.. قادة الجيش و القوات البرية و القائمين على هذه الجامعة.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته