الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، نحمد و نستعينه و نتوكل عليه و نستغفره و نصلي و نسلّم على حبيبه و نجيبه و خيرته في خلقه، حافظ سرّه، و مبلّغ رسالاته، بشير رحمته و نذير نقمته، سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في العالمين، و السلام على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.
قال الحكيم في كتابه: »هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، و لله جنود السماوات و الأرض، و كان الله عليماً حكيماً«. (1)
أوصي جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء و أدعوهم لمراعاة تقوى الله و التوجه إليه تعالى و عقد آمال القلوب على الرحمة و الفضل الإلهيين في كل الأحوال. إذا انتهجنا تقوى الله، و إذا وجّهنا قلوبنا نحو الله في كل حال، و لم ننس وجودنا و وقوفنا أمام الذات الربوبية المقدسة - و هذا هو المعنى الحقيقي للتقوى - فلا مراء أن البركات و الرحمة و العون الإلهي سيشملنا. في صلاة الجمعة من كل أسبوع يجب على قلوب المصلين المتجهة نحو الله تعالى مراجعة هذه الحقيقة و هذا المعنى المدهش، و تلقين أنفسها التقوى.
اقترنت هذه الأيام، من ناحية، بذكرى الولادة السعيدة للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، و ارتبطت من ناحية أخرى بأيام شهر رجب المباركة المغتنمة.. أوقات الذكر، و الدعاء، و التوجه. الآية التي تلوتها تبشر المؤمنين و تذكرهم بنـزول السكينة الإلهية. السكينة هي الهدوء حيال العواصف الروحية و الاجتماعية المختلفة. ترتبط هذه الآية بحادثة الحديبية. في حادثة الحديبية تحرّك الرسول الأكرم من المدينة إلى مكة بعدة مئات من أصحابه بقصد العمرة - في السنة السادسة من الهجرة - و وقعت أحداث استدعت لعدة أسباب عواصف و زلازل في قلوب المؤمنين. من جهة حاصرهم الأعداء بقوات ذات عدد وعدة، و قد كانوا بعيدين عن المدينة، فالحديبية بالقرب من مكة، و قوات الأعداء كانت تستند على إمداداتها في مكة فهي قوية و مدججة بالسلاح و عديدها كبير. هذا جانب من القضية يبعث على الاضطراب و القلق في قلوب كثير من المؤمنين. من جانب آخر تنازل النبي في بعض الأمور أمام الكفار الذين جاءوا لمواجهته و ذلك طبقاً للسياسة الإلهية العظيمة المكتومة التي تجلّت بعد ذلك للجميع. قال الكفار يجب حذف كلمة الرحمن و الرحيم و بسم الله من نص المعاهدة فوافق النبي، و وقعت عدة مسائل أخرى من هذا القبيل فشوّشت القلوب و أدت إلى اضطرابها و بثّ الشكوك فيها.
في مثل هذه الحالات حيث ينتاب الاضطراب - سواء من حيث القضايا الشخصية أو من حيث القضايا الاجتماعية - المؤمنين بالإسلام، هنا يجب انتظار السكينة الإلهية؛ يقول عز و جل: »هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين«.. ربط الله على القلوب و منحها السكون و أنقذها من الطوفان الروحي فركن المسلمون إلى الهدوء من الناحية النفسية بفضل هذه السكينة التي أنزلها الله عليهم. حينئذ ستكون نتيجة هذه السكينة الإلهية و الاستقرار الروحي: »ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم«. سوف تتعمق بذور الإيمان في قلوبهم، و يزداد نور الإيمان سطوعاً في أفئدتهم، و يتعمق إيمانهم. من هنا كان مهماً جداً بالنسبة للجماعة المسلمة المؤمنة أن تُحسن الظن بالله و تعلم أن الله يعينها و أنه يسند السائرين في طريق الحق. إذا قويت القلوب ترسّخت الخطوات أيضاً، و حين ترسخ الخطوات سوف يقطع الطريق بسهولة و يقترب السائرون من الهدف.
أراد أعداء الإسلام دوماً تشويش قلوب المسلمين و زعزعتها. وقعت أحداث عديدة طوال تاريخ الإسلام. و قبل الإسلام و في التحركات الجهادية العظيمة للأنبياء الذين سبقوا نبي الإسلام الكريم، استطاع بعض المؤمنين الحفاظ على متانة إيمانهم و سكونهم الروحي فركّز هذا السكونُ الروحي حركتهم باتجاه الإيمان، فلم يتزلزلوا و لم يضطربوا و لم يضيعوا الطريق، فتشخيص الطريق الصواب في حال التشويش و الاضطراب عملية صعبة. الإنسان المتمتع بالسكينة النفسية يفكّر بطريقة صحيحة و يتخذ قراره بنحو صائب، و يتحرك بصورة صحيحة. هذه علامات الرحمة الإلهية.
مجتمعنا الثوري اليوم و شعبنا المؤمن بحاجة إلى أن يوجد في نفسه هذا الهدوء و هذه السكينة و هذه الطمأنينة و الوقار أكثر فأكثر. »ألا بذكر الله تطمئن القلوب«. (2) ذكر الله هو الذي يحفظ القلوب في طرق الدنيا و الحياة العاصفة. اغتنموا ذكر الله. أيام شهر رجب قريبة كما ذكرنا. أدعية شهر رجب بحارٌ من المعرفة. الإنسان حينما يدعو فإنه لا يقرِّب قلبه من الله و حسب. هذا موجود، و هناك أيضاً التعليم. ثمة في الدعاء تعليم، و فيه أيضاً تزكية. الدعاء ينير الذهن - هذه الأدعية المأثورة عن الأئمة عليهم السلام - و يعلمنا حقائق و معارف نحتاج إليها في حياتنا، و يوجّه القلوب أيضاً نحو الله. ينبغي اغتنام ذكر الله إلى أقصى حد. صلاة جمعتكم هذه هي ذكر لله.. »فاسعوا إلى ذكر الله«. (3) ما يجب أن يغلب على قلوبكم و ألسنتكم و حركاتكم هنا هو ذكر الله. القلب يذكر الله، و اللسان يذكر اسم الرب المقدس، و حركات الأيدي و الأرجل و الأجسام تتجه كلها لذكر الرب و طاعته أوامره. هذا ما يحتاجه كل فرد منّا.
أقول لكم إنه منذ بداية الثورة و إلى اليوم - حيث مضت ثلاثون سنة - وقعت لهذا البلد أحداث كثيرة بعضها كان يمكن أن يستأصل شعباً أو نظاماً أو يعرض بلداً لبحار عاصفة لا يدري ماذا يجب أن يفعل أمامها - و هذا ما نراه في بعض بلداننا الجارة - لكن هذه السفينة المتينة المستندة إلى إيمكانكم، و إرادتكم، و قلوبكم المنيرة، و ذكر الله، لم يعترها أدنى اضطراب في هذه العواصف المختلفة. هذا دليل الرحمة الإلهية و مؤشر فضل الله المتواتر عليكم أيها الشعب العزيز.
التمتع بالفضل الإلهي شيء و الحفاظ على الفضل و الرحمة الإلهية شيء آخر. حذار من أن نغترّ بأنفسنا، حذار من أن نقول حين نشاهد يد العون الإلهي: »إننا محظيّون عند الله و الله ينظر إلينا« فنغفل بذلك عن واجباتنا، و عن ذكر الله في قلوبنا. و أقول لكم خصوصاً أيها الشباب الأعزاء في كل أرجاء البلد و أينما كنتم: أيها الشباب، اغتنموا هذه القلوب الطاهرة المنيرة الليّنة و اجعلوها تنتهل و ترتوي من ذكر الله. اجعلوها طافحة بذكر الله و عندئذ سيُديم الله تعالى توجهه و رحمته على هذا الشعب. و اعلموا - أقولها اليوم - حسب ما أرى من هذا الشعب و حسب اطلاعي على تاريخ الماضين منا في هذا البلد و سائر البلدان، فإنني واثق و على يقين من أن هذا الشعب سيبلغ جميع أهدافه العليا بتوفيق من الله و حول منه و قوة.
اعرفوا قدر هذا المناخ المعنوي في المجتمع، و حذارِ أن تغفلنا حالات الهياج السياسي عن الله. حذارِ أن تغفلنا السجالات المتنوعة في البلد - و هي ظاهرة طبيعية لدى الشعب الحر - فلا نعلم إلى أين نريد السير و لا ندري كيف نريد أن نسير. قامت هذه الثورة منذ بدايتها على أساس الإيمان النقي الصادق، و ستكون مواصلة هذا الطريق على نفس هذا الأساس المكين.
رغم وجود كل عوامل الانحراف فإن شعبنا و الحمد لله مؤمن، محبٌّ لله، عارف بدينه، راغب في المعنوية. الشباب اليوم في العالم الذي تحكمه النـزعة المادية غارقون في الحيرة و الاضطراب. بعدهم عن المعنوية جعلهم مشتتين متزلزلين لا يعلمون ماذا يجب أن يفعلوا.. و قد عجز و حار حتى مفكروهم، و قد أدرك بعضهم أن سبيل صلاح أمورهم هو العودة إلى المعنوية. و لكن كيف يريدون استعادة المعنوية المفقودة التي سحقت في البلدان الغربية طوال قرنين بشتى الوسائل. إنها ليست بالعملية السهلة. لكن شعبنا هكذا، فقد سار في درب المعنوية العظيم و استطاع بهذه المعنوية أن ينتصر في ثورة بهذه العظمة. و تمكن بفضل المعنوية تأسيس نظام إسلامي يرتكز إلى المعنوية في هذا العالم المادي، و يعزِّز أركانه و يصونه إزاء الهجمات و العواصف المختلفة. استطاع شعبنا أن يخوض حرباً مفروضة لمدة ثمانية أعوام و يخرج منها شامخاً منتصراً اعتماداً على هذه المعنوية. و معظم شبابنا اليوم أيضاً مؤمنون معنويون. حتى الذين لا تلوح آثار المعنوية على سيماهم ظاهرياً، يلاحظ المرء أن قلوبهم تتجه نحو الله في المواقع الحساسة. قلتُ مراراً إن ليالي القدر و أيام الاعتكاف و مراسم صلاة عيد الفطر يحضرها أفراد و أشخاص لم يكن المرء يتصور حضورهم، يتوجهون بقلوبهم نحو الله.
ربنا نقسم عليك بالقرآن، نقسم عليك بالقرآن و بأئمة الهدى (عليهم السلام) و النبي المكرم (ص) عمِّر قلوبنا بالمعنوية أكثر فاكثر. ربنا لا تقصّر أيدينا عن القرآن و أهل البيت. اللهم أنزل التقوى و الإيمان و السكينة على قلوب هذا الشعب الكبير. اللهم انصر هذا الشعب المقتدر المظلوم أمام أعدائه. ربنا أبقِ قلوبنا متوجهةً إليكَ. ربنا اجعل ما نقوله و ما نفعله لك و في سبيلك، و اقبله منا. ربنا بلّغ سلامنا لوليّكَ و حجتك و عبدك الصالح سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه). و استجب دعاءه في حقنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
و العصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر.(4)

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا أبي القاسم المصطفى محمد و على آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما عليّ أمير المؤمنين، و حبيبته فاطمة الزهراء، و الحسن و الحسين سيدي شباب أهل الجنة، و عليّ بن الحسين، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسن بن علي، و الخلف القائم المهدي، صلواتك عليهم أجمعين، و صلّ على أئمة المسلمين و حماة المستضعفين و هداة المؤمنين.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله.
في هذه الخطبة أيضاً أدعو جميع الإخوة و الأخوات الأعزاء المشاركين في الصلاة للتقوى و الورع.
القضية التي سأطرحها في هذه الخطبة هي قضية الانتخابات و هي حالياً قضية الساعة في بلادنا. أذكر ثلاث نقاط لثلاث فئات. نقطة منها أخاطب بها عموم شعبنا العزيز أينما كانوا من البلاد. و نقطة أخرى أخاطب بها النخب السياسية و مرشحي رئاسة الجمهورية و الناشطين و العاملين في قضايا الانتخابات. و النقطة الثالثة أخاطب بها ساسة الاستكبار و بعض الحكومات الغربية و مدراء وسائل الإعلام التي يديرونها.
بخصوص النقطة الأولى التي أخاطبكم بها أيها الشعب العزيز فهي عالم لا متناهٍ من التكريم و التعظيم و الشكر. إنني لا أحبّ في خطاباتي أن أبالغ حين أتحدث حول من يستمعون إليّ، أو أتملق لهم، لكن في قضية الانتخابات هذه أقول لكم أيها الشعب العزيز إنني كلما بالغت فلن يكون ذلك كثيراً. و لا ضير في ذلك حتى لو كان فيه شيء من التملق. لقد قمتم بعمل كبير. كانت انتخابات الثاني و العشرين من خرداد استعراضاً عظيماً لشعور شعبنا بالمسؤولية تجاه مصير البلاد؛ كانت استعراضاً هائلاً لروح المشاركة في إدارة البلاد؛ كان استعراضاً ضخماً لحبِّ الجماهير لنظامهم. الحق أنني لا أعرف ما يشبه هذه الحركة التي شهدتها البلاد في العالم اليوم و في هذه الديمقراطيات المختلفة سواء الديمقراطيات الظاهرية و الكاذبة أو الديمقراطيات التي ترجع حقيقةً لأصوات الجماهير. و في الجمهورية الإسلامية لم يكن ثمة نظير لهذه الانتخابات التي قمتم بها في الجمعة الماضية باستثناء الاستفتاء الذي حصل في فروردين من سنة 58.. المشاركة بحدود 85 بالمائة و بما يقرب الأربعين مليون نسمة. يرى الإنسان اليد المباركة للإمام المهدي خلف أحداث بهذه العظمة. هذه علامة توجّه الله. أرى من الضروري أن أبدي احترامي و تواضعي الحقيقي من أعماق قلبي لكم أيها الشعب العزيز في كل أنحاء البلاد.
لقد أثبت جيلنا الشاب أنه يتجلى بنفس الحماس السياسي، و الوعي السياسي، و بنفس الالتزام السياسي الذي شهدناه لدى الجيل الأول للثورة، مع فارق أنه في عهد الثورة كان أتون الثورة الملتهب يهيّج القلوب، ثم كان ذلك الهياج بشكل آخر خلال فترة الحرب. لكن هذه الأشياء غير موجودة اليوم و مع ذلك لا يزال ذلك الالتزام و الشعور بالمسؤولية و الحماس و الوعي موجوداً في جيلنا الصاعد. هذا ليس بالشيء القليل. طبعاً ثمة بين الناس اختلاف في الأذواق و الآراء. البعض يوافقون شخصاً و كلاماً، و البعض الآخر يؤيدون شخصاً آخر و كلاماً آخر. هذه أمور موجودة و طبيعية، بيد أن المرء ليشعر بالتزام جماعي بين كافة الأفراد على اختلاف آرائهم.. التزام جماعي لصيانة بلادهم و نظامهم. الجميع شاركوا في المدن، و القرى، و المدن الكبيرة، و المدن الصغيرة، و القوميات المختلفة، و المذاهب المختلفة، و الرجال، و النساء، و الشيوخ، و الشباب، و الجميع خاضوا هذه الساحة و شاركوا كلهم في هذه الحركة العملاقة.
لقد كانت هذه الانتخابات يا أعزائي زلزالاً سياسياً لأعدائكم. و كانت احتفالاً حقيقياً لأصدقائكم في كل ارجاء العالم. كانت احتفالاً تاريخياً. أن يحضر الناس هكذا و في السنة الثلاثين من عمر الثورة و يبدوا كل هذا الوفاء للنظام و الثورة و الإمام الجليل فهذه نهضة شعبية عامة لتجديد العهد مع الإمام و الشهداء، و هي بمثابة الأنفاس الجديدة لنظام الجمهورية الإسلامية، و حركة جديدة و فرصة كبيرة. لقد عرضت هذه الانتخابات الديمقراطية الدينية على أنظار كل سكان العالم. كل الذين يكنّون السوء لنظام الجمهورية الإسلامية شاهدوا ما معنى الديمقرطية الدينية. إنها طريق ثالث مقابل الدكتاتوريات و الأنظمة المستبدة من جهة، و الديمقراطيات البعيدة من المعنوية و الدين من جهة ثانية. هذه هي الديمقراطية الدينية. و هذا هو ما يجتذب إليه أفئدة الناس و يدفعهم للمشاركة في الميدان. هذا شيء تم اختباره بنجاح. هذه نقطة حول الانتخابات.
النقطة الثانية هي أن انتخابات الثاني و العشرين من خرداد أثبتت أن الناس يعيشون في هذا البلد بثقة و أمل و بهجة وطنية. هذا ردّ على كثير من الكلام الذي يطلقه أعداؤكم في إعلامهم المغرض. لو لم يكن الناس متفائلين بالمستقبل في بلادهم لما شاركوا في الانتخابات. لو لم تكن لهم ثقة بنظامهم لما شاركوا في الانتخابات. لو لم يكن لديهم شعور بالحرية لما رحبوا بالانتخابات. لقد تجلت الثقة بنظام الجمهورية الإسلامية في هذه الانتخابات. و سوف أذكر لاحقاً أن الأعداء يستهدفون هذه الثقة الجماهيرية. أعداء الشعب الإيراني يريدون نسف هذه الثقة. هذه الثقة أعظم رصيد للجمهورية الإسلامية، و هم يريدون سلبها من الجمهورية الإسلامية. يرومون بث الشكوك و الريب حول هذه الانتخابات و حول الثقة التي أبداها الناس حتى يضعضعوا هذه الثقة.
أعداء الشعب الإيراني يعلمون أن الثقة إذا انعدمت فسوف تضعف المشاركة، و حينما تضعف المشاركة في الساحة، تتعرض شرعية النظام للتزلزل.. هذا ما يريدونه.. هذا هو هدف العدو. يبغون سلب الثقة ليسلبوا المشاركة، و ليسلبوا بالتالي الصفة الشرعية عن الجمهورية الإسلامية. هذه الخسارة أفدح بكثير من إحراق بنك أو حافلة. إنها خسارة لا يمكن مقارنتها بأية خسارة أخرى. إن يأتي الشعب و يشارك بكل هذا الشوق في مثل هذه الحركة العظيمة، ثم يُقال للشعب لقد أخطأتم حين وثقتم بالنظام، و النظام لا يمكن الثقة به، فهذا ما يريده العدو.
لقد بدأوا هذا الاتجاه قبل الانتخابات.. قبل شهرين أو ثلاثة. لقد قلت في الأول من فروردين في مشهد إنهم يكررون دوماً مقولة إنه سيحصل تزوير في الانتخابات. أرادوا تمهيد الأرضية. و قد نبّهت حينها أصدقاءنا الطيبين في داخل البلاد و قلت لهم لا تكرروا هذا الكلام الذي يريد العدو ترسيخه في أذهان الناس. نظام الجمهورية الإسلامية موضع ثقة الشعب. و لم تحصل هذه الثقة بسهولة، منذ ثلاثين سنة استطاع نظام الجمهورية الإسلامية بمسؤوليه و أدائه و مساعيه الحثيثة ترسيخ هذه الثقة في قلوب الناس. يريد العدو سلب هذه الثقة و زلزلة الناس.
النقطة الثالثة قضية التنافس. كان التنافس حراً تماماً و جاداً و شفافاً بين المرشحين.. و قد شاهد الجميع ذلك. لقد كان هذا التنافس و الحوارات و المناظرات شفافة و صريحة إلى درجة أثارت اعتراض البعض، و قد كان معهم الحق إلى حدّ ما، حدثت توترات و مماحكات لا نزال نشاهد آثارها إلى الآن. أقول لكم إننا افترضنا و لا نزال نفترض أن هذا التنافس القائم بين المرشحين الأربعة للانتخابات إنما هو تنافس بين شخصيات و تيارات تنتمي للنظام الإسلامي. ما يحاول الأعداء في وسائلهم الإعلامية المختلفة - و غالباً ما تكون هذه الوسائل الإعلامية ملكاً للصهاينة الخبثاء الأراذل - الإيحاء به من أن المعركة بين أتباع النظام و معارضيه شيء لا صحة له. إنهم يرتكبون حماقة إذ يقولون هذا. لا صحة لهذا.
الأشخاص الأربعة الذين خاضوا ساحة هذه الانتخابات الجادة كلهم من عناصر النظام و كانوا و لا زالو ينتمون للنظام. أحدهم رئيس الجمهورية في بلادنا. رئيس الجمهورية الخدوم، الدؤوب، الجَهود، الموثوق به. و أحدهم رئيس الوزراء لثمانية أعوام خلال فترة رئاستي للجمهورية. و أحدهم قائد الحرس طوال سنوات متمادية و أحد أبرز القادة في فترة الدفاع المقدس. و أحدهم كان رئيساً للسلطة التشريعية خلال دورتين. كان رئيساً لمجلس الشورى الإسلامي. هؤلاء عناصر النظام و ينتمون جميعاً للنظام. طبعاً يوجد بينهم اختلاف في بعض الآراء و البرامج و التوجهات السياسية، لكنهم جميعاً ينتمون للنظام.. أربعة من شخصيات النظام. إنه تنافس داخل النظام و ليس تنافساً بين داخل النظام و خارجه كما تريد إذاعة الصهاينة و إذاعة أمريكا و إذاعة بريطانيا الخبيثة و الآخرون أن يقولوه و يثيروه. كلا.. لقد كان تنافساً داخل النظام و بين شخصيات مرتبطة بالنظام و منتمية للنظام و لهم جميعاً هذه السوابق. أعرفهم كلهم عن قرب و أعرف أفكارهم و أذواقهم و خصوصياتهم السلوكية، و قد عملت معهم جميعاً عن قرب.
طبعاً لستُ أوافق جميع وجهات نظرهم. بعض آرائهم و أعمالهم جديرة بالنقد من وجهة نظري بلا شك. و أرى بعضهم أنسب من البعض الآخر لخدمة البلاد، لكن الانتخاب على عاتق الشعب و لا يزال. الشعب هو الذي انتخب. إرادتي و تشخيصي لم يذكر للشعب و لم يكن من الضروري للشعب مراعاته. الشعب نفسه شخّص الأمر حسب معاييره و تحرك و عمل، فاتجه الملايين هنا و ذهب الملايين إلى هناك. إذن، فالقضية قضية داخلية ترتبط بالنظام. أن يحاولوا تغيير شكل القضية فهذا أمر مغرض و خبيث مائة بالمائة. ليس المعركة بين النظام و خارج النظام. و لا هي بين الثورة و أعداء الثورة. الاختلاف بين شخصيات داخل إطار النظام.
و الجماهير الذين منحوا أصواتهم لهؤلاء الأشخاص الأربعة هم أيضاً صوّتوا عن إيمانهم بالنظام، و كان تشخيصهم أن هذا أفضل للنظام و التزامه بالنظام أكثر فمنحوه أصواتهم. منحوا أصواتهم للشخص الذي وجدوه أصلح لخدمة النظام. الجماهير أيضاً عملوا داخل إطار النظام.
أما هذا التنافس و المناظرات التي كانت ابتكاراً مهماً و لافتاً فقد كانت صريحة جداً و شفافة جداً و جدية للغاية. لقد صفعت هذه المناظرات الذين كانوا يروجون من الخارج و يقولون إن هذا التنافس استعراضي ظاهري و ليس واقعياً. وجدوا أنه واقعي.. وقف المرشحون بجد أمام بعضهم و تناقشوا و قدموا أدلتهم. لذلك كانت المناظرات و الحوارات إيجابية جداً من هذه الناحية. طبعاً كان لها آثار إيجابية و لها أيضاً عيوبها. و سوف أتطرّقُ للجانبين.
الجانب الإيجابي هو أن الجميع تحدث بكل حرية و وضوح في هذه المناظرات و الحوارات التلفزيونية، و تحدثوا بما في قلوبهم و انطلق سيل من النقود و اضطر الجميع لتقديم الإجابات و تحمل المسؤولية. تم توجيه النقد لهم و قدموا هم الإجابات و دافعوا عن أنفسهم. تجلّت مواقف الأفراد و الفئات أمام أنظار الناس دون غموض، و دون تعقيد، و بشكل ساطع تماماً. تجلى أمام أنظار الشعب ما هي سياساتهم و ما هي برامجهم و ما هي التزاماتهم و ما هي حدودها، و استطاع الشعب إصدار حكمه. شعر الشعب أنه لا يعدُّ غريباً في النظام الإسلامي. و ليس في نظام البلاد جناح داخلي و آخر خارجي. كل شيء واضح أمام الجماهير و كل الآراء مطروحة قبالة الناس، و قد تبيّن أن أصوات الشعب جاءت نتيجة هذه الدقة و التأمل. لم تكن أصوات الشعب للزينة. حق الانتخاب من حقوق الشعب حقاً، فالشعب يروم الانتخاب بوعي و يقظة. هذا ما أثبتته المناظرات. و لا شك أن من أسباب ارتفاع مستوى التصويت بعشرة ملايين صوت مقارنةً إلى آخر نصاب في الدورات السابقة هو إشراك أذهان الناس و أفكارهم و مجيئها إلى الساحة، حيث استطاع الناس التشخيص و خاضوا الميدان. و قد انسحبت هذه المناظرات إلى الشوارع و دخلت إلى البيوت و هذا ما يرفع قدرة الجماهير على الانتخاب. مثل هذه النقاشات و الحوارات تنمّي الأذهان و ترفع القدرة على الانتخاب. هذا شيء إيجابي من وجهة نظر الجمهورية الإسلامية.
طبعاً يجب أن أقول هنا إن هذه الحوارات ينبغي أن لا تصل إلى حدود تتحول معها إلى أحقاد و ضغائن. إذا حصل هذا فستكون النتائج عكسية. إذا بقيت عند الحد الذي كانت عليه يومذاك فهذا شيء جيد. أما إذا أريد لها أن تتمدد و تستمر و تتحول إلى جدل فسوف تصبح تدريجياً أحقاداً. طبعاً من المناسب جداً أن تستمر مثل هذه المناظرات على مستوى المدراء - مع حذف تلك العيوب التي سأشير لها لاحقاً - فيعرض الأفراد و المسؤولون أنفسهم للنقد و يتحملوا المسؤولية و يوضحوا الأمور و يقدموا الإجابات. في كثير من الأحيان عندما يطرح النقد على شخص معين فسيكون ذلك فرصة له يستطيع من خلالها تنوير الأذهان و تبيين الحقيقة. إنه لشيء ايجابي جداً طبعاً مع إقصاء تلك العيوب التي سأذكرها. إذا استمرت مثل هذه المناظرات طوال السنة و طوال السنوات الأربع، فلن تكتسب حالة انفجارية في أيام الانتخابات. سوف تطرح الآراء جميعها على امتداد الزمن، و تُسمع النقود و الإجابات. هذه إيجابيات المناظرات، لكنها انطوت أيضاً على عيوب ينبغي تلافيها.
يلاحظ المرء أحياناً أن الجانب المنطقي في هذه المناظرات كان يضعف، و تكتسب طابعاً عاطفياً و عصبياً، و يغلب عليها التشويه و التسقيط و تشويه الواقع القائم حالياً بشكل متطرف. و لوحظ فيها أيضاً تشويه الدورات السابقة. كلا الفعلين كان سيئاً. طرحت اتهامات لم تثبت في مكان ما، و تم الاعتماد على شائعات و أحكام غير منصفة أحياناً. حصل عدم إنصاف تجاه هذه الحكومة بكل هذا الحجم من الخدمات، و عدم إنصاف تجاه الحكومات السابقة و فترة الثلاثين سنة. إنتابت السادة أحوال عاطفية و قيلت في ثنايا الكلام الجيد كلمات لم تكن جيدة.
أنا كباقي أفراد الشعب جلست أمام التلفاز و شاهدت هذه المناظرات و استمتعت بحرية التعبير عن الرأي. استمعت بأن نظام الجمهورية الإسلامية استطاع السير لمساعدة الشعب كي يستطيع رفع قدرته على الانتخاب. بيد أن الجانب المعيب من القضية بعث على ألمي و عدم ارتياحي. و قد أدت تلك العيوب و التهجمات و التصريحات إلى إثارة أنصار المرشحين و قلقهم، و كان الأمر من قبل الجانبين طبعاً. إنني يجب عليَّ هنا و من على منبر صلاة الجمعة، و في الخطبة التي هي بحكم الصلاة أن أبيّن بعض الحقائق. كلا الطرفين اشترك للأسف في هذا العيب. من جانب وجّهت أصرح الإهانات لرئيس جمهورية البلاد القانوني. و حتى قبل المناظرات بشهرين أو ثلاثة أشهر كانوا يأتونني بهذه الخطابات و الكلمات و كنتُ أرى أو أسمع أحياناً أنهم يوجهون التهم و الكلام لرئيس جمهورية البلاد القانوني المستند إلى أصوات الشعب. نسبوا إليه أموراً غير صحيحة، و اتهموا رئيس جمهورية البلاد المعتمد من قبل الشعب بالكذب! هل هذا حَسِن؟ اصطنعوا ملفات عمل موضوعة للحكومة و نشروها هنا و هناك. و نحن ممن يعرف بمجريات الأمور نرى و نعلم أن هذا بخلاف الواقع؛ أطلقوا الشتائم و وصفوا رئيس الجمهورية بأنه خرافي، و فوّال، و ما إلى ذلك من الأوصاف المخجلة، و سحقوا الأخلاق و القانون و الإنصاف.
هذا عن ذلك الجانب، أما من هذا الجانب فقد حصل المثل، من هذا الجانب أيضاً حصل ما يشبه هذه الأمور بطريقة أخرى. ملف الثورة المتألق طوال ثلاثين سنة جرت الاستهانة به، و ذكرت أسماء بعض الأشخاص هم شخصيات هذا النظام.. هؤلاء أشخاص بذلوا أعمارهم في سبيل هذا النظام. إنني لم انتهج في صلاة الجمعة أبداً أن أذكر أسماء الأشخاص، و لكن حيث أنه قد ذكرت هنا بعض الأسماء فأنا مضطر لذكر الأسماء. يجب أن أذكر على الخصوص أسماء السيد هاشمي رفسنجاني و السيد ناطق نوري. طبعاً لم يتهم أحد هذين السيدين بالفساد المالي. أما بخصوص الأقارب فعلى كل من لديه ادعاء إثباته بالطرق القانونية، و لا يمكن ذكره في وسائل الإعلام قبل إثباته. و إذا لم يتم إثبات شيء فلا فرق بين أفراد المجتمع، و لكن لا يمكن طرح هذه الأمور و ادعاؤها بقطع قبل الإثبات. حينما يطرح مثل هذا الكلام تحصل لدى المجتمع تصورات غير صائبة و يظن الشباب ظنوناً أخرى و يفهمون أشياء أخرى.
الكل يعرف السيد هاشمي. و معرفتي به لا تعود لما بعد الثورة و مسؤوليات ما بعد الثورة. إنني أعرفه عن قرب منذ سنة 1336 [1957 م] أي منذ 52 عاماً. السيد هاشمي كان من أبرز شخصيات النهضة خلال فترة الكفاح و النضال. كان من المناضلين الجادين و الدؤوبين قبل الثورة، و بعد انتصار الثورة كان من أكثر شخصيات الجمهورية الإسلامية تأثيراً إلى جانب الإمام. و بعد رحيل الإمام إلى جانب القيادة إلى هذا اليوم. سار هذا الرجل عدة مرات إلى حافة الاستشهاد. قبل الثورة كان ينفق أمواله للثورة و يعطيها للمجاهدين. من المناسب أن يعرف الشباب هذه الأمور. و بعد الثورة تولى مسؤوليات عديدة: كان رئيساً للجمهورية ثمانية أعوام، و كان رئيس المجلس قبل ذلك. و تولى مسؤوليات أخرى بعد ذلك. طوال هذه المدة لم نجد أية حالة أو نموذج يوفّر فيها لنفسه شيئاً من الثورة. هذه حقائق ينبغي معرفتها. كان في خدمة الثورة و النظام خلال أكثر الفترات حساسية.
لدي طبعاً اختلاف في وجهات النظر مع السيد هاشمي حول أمور عديدة، و هذا طبيعي، بيد أن الناس يجب أن لا يقعوا في الأوهام و يتصوروا أشياء أخرى. طبعاً كان بينه و بين السيد رئيس الجمهورية منذ انتخابات سنة 84 [2005 م] و لحد الآن اختلاف في الآراء، و هذا الاختلاف موجود الآن أيضاً، سواء في القضايا الخارجية، أو على صعيد تطبيق العدالة الاجتماعية، أو بخصوص بعض الشؤون الثقافية. و رأي السيد رئيس الجمهورية أقرب إلى رأيي.
و كذا الحال بالنسبة للسيد ناطق نوري. هو أيضاً من شخصيات الثورة الخدومة و قد قدم خدمات عديدة، و لا شك إطلاقاً في حبه لهذا النظام و الثورة.
المناظرات التلفزيونية المباشرة جيدة، و لكن ينبغي تلافي هذه الآفات. و قد نبّهت حينها - بعد المناظرة - السيد رئيس الجمهورية لأني كنتُ أعلم أنه سوف يستجيب.
و حول مكافحة الفساد المالي فإن موقف النظام موقف واضح. و حول القضايا ذات الصلة بالعدالة الاجتماعية فإن موقف النظام واضح. ينبغي مكافحة الفساد أينما كان. أريد أن أقول: لا ندعي عدم وجود فساد مالي و اقتصادي في نظامنا، بلى، لو لم يكن موجوداً لما كتبت قبل سنوات تلك الرسالة ذات المواد الثماني أخاطب بها رؤساء السلطات الثلاث المحترمين و لما شددت عليها كل هذا التشديد. بلى، يوجد، لكنني أروم القول إن نظام الجمهورية الإسلامية اليوم من أنظف النظم السياسية و الاجتماعية في العالم. أن نتّهم النظام و البلد بالفساد بناءً على تقرير المصدر الصهيوني الفلاني فهذا ليس بصحيح البتة. كما ليس من الصحيح التشكيك اعتباطاً بالأشخاص و المسؤولين بخصوص الفساد. الفساد المالي من القضايا المهمة في النظام الإسلامي و ينبغي مكافحته بجد، سواء في السلطة التنفيذية، أو السلطة القضائية، أو السلطة التشريعية. من واجب الجميع مكافحة هذا الشيء. إذا لم يكافح و لم يجر احتواؤه فسوف ينمو و يتطور. كما أن كثيراً من بلدان العالم - هذه البلدان الغربية التي تتشدق بمكافحة الفساد المالي و غسل الأموال و ما إلى ذلك - غارقة في الفساد إلى هامتها. سمعتم هذه الأيام قضية الحكومة البريطانية و البرلمان البريطاني و علم بها العالم كله. هذا جانب من الأمور، و الحقيقة أكبر من هذا بكثير.
لألخّص هذا الجزء الذي خاطبت به الجماهير.. يا أعزائي، أيها الشعب الإيراني، كان الثاني و العشرون من خرداد ملحمة، و قد غدت هذه الملحمة تاريخية عالمية. مع أن بعض أعدائنا في أنحاء العالم أرادوا التشكيك في هذا الانتصار المطلق الحتمي للنظام. بل و أراد البعض تبديله إلى هزيمة وطنية! أرادوا أن يذيقوكم المرارة و لا يسمحوا بتسجيل أعلى نصاب للمشاركة العالية باسمكم. أرادوا فعل هذا. لكنها تسجلت باسمكم. و لا يمكن التلاعب بها.
لقد انتهى التنافس. كل الذين صوّتوا لهؤلاء الأشخاص الأربعة مأجورون. لهم أجرهم عند الله إن شاء الله. كلهم ينتمون لداخل جبهة الثورة و للنظام. و إذا كانوا قد صوتوا بقصد القربة فقد قاموا إلى ذلك بعمل عبادي. خط الثورة له أربعون مليون صوت، و ليس أربعة و عشرون مليون و نصف المليون صوت التي منحت لرئيس الجمهورية المنتخب. أربعون مليون منحوا أصواتهم لخط الثورة.
الشعب على ثقة، و لكن ليثق بعض أنصار المرشحين أيضاً أن الجمهورية الإسلامية ليست ممن يخون أصوات الشعب. الآليات القانونية للانتخابات في بلادنا لا تسمح بالتلاعب. هذا ما يؤيده كل من يعمل في شؤون الانتخابات و على اطلاع بقضاياها؛ خصوصاً على مستوى فارق مقداره أحد عشر مليون صوت! تارة يكون الفارق بين مرشحين مائة ألف أو خمسمائة ألف أو مليون، قد يمكن للإنسان أن يقول أنه حصل تلاعب أو تغيير بشكل من الأشكال. و لكن كيف يمكن التلاعب بأحد عشر مليون صوت؟! و مع ذلك أنا قلت و مجلس صيانة الدستور يؤيد أيضاً إنه إذا كان لدى البعض شبهات و قدموا وثائق فينبغي متابعة المسألة بالتأكيد، طبعاً بالطرق القانونية. المتابعة بالطرق القانونية فقط. إنني لن أخضع للبدع غير القانونية. إذا انهارت الأطر القانونية فلن تتمتع أية انتخابات بالصيانة في المستقبل. في كل انتخابات يفوز البعض و لا يفوز البعض. لن تكون أية انتخابات أخرى موثوقة و مصونة أبداً. إذن، ينبغي متابعة كل شيء من الأمور الصحيحة و إتمامه طبقاً للقانون. إذا كانت هناك شبهة حقاً فيجب متابعتها بالطرق القانونية. القانون في هذا المجال كامل و لا إشكال فيه أبداً. كما منحو للمرشحين حق الإشراف، منحوهم حق تقديم الشكاوى، و حق دراسة الموضوع. لقد طلبت من مجلس صيانة الدستور المحترم أنهم إذا أرادوا إعادة فرز بعض الصناديق فليفعلوا ذلك بحضور ممثلي المرشحين أنفسهم. ليكونوا هم أنفسهم هناك و يفرزوا و يسجلوا و يوقعوا. إذن، لا توجد من هذه الناحية أية مشكلة. هذا فيما يتعلق بالانتخابات خطاباً لكم أيها الشعب العزيز.
أما خطابي الثاني فهو للسياسيين و المرشحين و قادة الأحزاب و التيارات السياسية. أريد أن أقول لهؤلاء السادة إن هذه اللحظة لحظة تاريخية حساسة للبلاد. انظروا للوضع في العالم، و انظروا للوضع في الشرق الأوسط. انظروا للوضع الاقتصادي في العالم. لاحظوا واقع البلدان الجارة كالعراق، و أفغانستان، و باكستان. نحن في موقع تاريخي حساس. من واجبنا جميعاً أن نتحلى باليقظة في هذا المقطع التاريخي، و نكون دقيقين و لا نخطىء.
في قضية الانتخابات هذه قام الناس للحق و الإنصاف بواجبهم. كان واجبهم أن يحضروا عند صناديق الاقتراع و قد تم إنجاز هذا الواجب على أفضل نحو. لكن علينا و عليكم واجبات أثقل. الذين لهم نوع من المرجعية لدى الرأي العام من رجال السياسة و رؤساء الأحزاب و قادة التيارات السياسية، و هناك من يستمع لكلامهم، عليهم أن يدققوا في تصرفاتهم و أقوالهم إلى أقصى درجة. إذا صدر عنهم بعض التطرف فإن مديات هذا التطرف ستصل في هيكلية الشعب إلى مواطن جد حساسة و خطيرة بحيث لا يستطيعون حتى هم أنفسهم تداركها و تطويقها، و قد شاهدنا نماذج لذلك. حينما يقع التطرف في مجتمع فإن أية خطوة متطرفة ستثير تطرف الجانب الآخر. إذا أراد النخبة السياسيون ضرب القانون عرض الجدار، أو فقأ العيون من أجل تعديل الحاجب فسيكونون شاءوا أم أبوا مسؤولين عن الدماء و العنف و الفوضى. إنني أوصي جميع هؤلاء السادة و الأصدقاء القدامى و الإخوة و أقول: سيطروا على أنفسكم و تحلوا بسعة الصدر، و لاحظوا أيدي الأعداء، فالذئاب الجائعة في كمائنها و هي تخلع اليوم أقنعة الدبلوماسية عن وجوهها شيئاً فشيئاً و تعرض وجهها الحقيقي فشاهدوهم و لا تغفلوا عنهم.
لقد خلع اليوم دبلوماسيون بارزون من بعض البلدان الغربية الأقنعة عن وجوههم بعدما كانوا يتحدثون معنا بالمجاملات الدبلوماسية، و راحوا يعرضون وجوههم الحقيقية. »قد بدت البغضاء من أفواههم و ما تخفي صدورهم أكبر«. (5) بدأوا يعلنون عداءهم للنظام الإسلامي. و أخبثهم الحكومة البريطانية. أقول لهؤلاء الإخوة: فكروا بمسؤوليتكم أمام الله تعالى. إنكم مسؤولون أمام الله و سوف تسألون. تذكروا آخر وصايا الإمام. القانون هو فصل الخطاب، فاعتبروا القانون فصل الخطاب. لماذا الانتخابات أساساً؟ إنها من أجل حل جميع الاختلافات و فصلها عند صناديق الاقتراع. ينبغي معرفة ما يريده الناس و ما لا يريدونه عند صناديق الاقتراع، و ليس في الشوارع. إذا تقرر بعد كل انتخابات أن يعسكر الذين لم يكسبوا الأصوات في الشوارع و يأتوا بأنصارهم إلى الشوارع، ثم يعسكر الذين كسبوا الأصوات رداً عليهم فلماذا أقيمت الانتخابات؟ و ما هو ذنب الناس؟ الناس الذين تمثل الشوارع أماكن كسبهم و عملهم و مرورهم و حياتهم ما هو ذنبهم؟ لأننا نريد استعراض أنصارنا، هذا الجانب بشكل و ذاك الجانب بشكل. الإرهابي المندس الذي يريد توجيه ضربة إرهابية، و قضيته ليست قضية سياسية، أي شيء أفضل بالنسبة له من الاختفاء بين الناس الذين يريدون التظاهر أو التجمع. إذا وفرت هذه التجمعات له الغطاء فمن سيكون المسؤول؟ هذا العدد الذي قتل في هذه الأحداث من الناس العاديين و من التعبئة من الذي سيتحمل مسؤوليتهم؟ ردود الفعل التي ستحصل حيال ذلك - ينتهزون الشغب و الفوضى في الشارع فيغتالون التعبئة و قوات الشرطة - و ستحصل ردود فعل عاطفية بالتالي. من الذي سيحسب لهذه الردود حسابها؟ يتقرّح قلب الإنسان من بعض هذه الأحداث.. يذهبون إلى الحي الجامعي فيهاجمون الشباب و الطلبة الجامعيين - الطلبة الجامعيين المتدينين الملتزمين و ليس أولئك المشاغبين - و يهتفون لصالح القيادة! يتقرّح قلب الإنسان لهذه الأحداث. استعراض العضلات في الشوارع بعد الانتخابات ليس ممارسة صائبة، إنما هو تحد لأصل الانتخابات و أساس الديمقراطية.
أطلب من الجميع إنهاء هذا الأسلوب. إنه ليس أسلوباً صحيحاً. و إذا لم ينهوه فسوف يتحملوا مسؤولية تبعاته و مسؤولية الفوضى.
و من الخطأ أن يتصور البعض أنهم يوفرون بحركات الشارع عامل ضغط على النظام و يرغموا مسؤولي النظام على الخضوع لما يفرضونه تحت عنوان المصلحة.. كلا، هذا أيضاً خطأ. أولاً الخضوع للمطالب غير القانونية بفعل الضغط بداية الدكتاتورية. هذا خطأ في الحسابات. إنها حسابات خاطئة. و إذا كان لها عواقب فإن عواقبها ستطال مباشرة القادة خلف الكواليس. و إذا اقتضت الضرورة فستعرفهم الجماهير في الوقت المناسب.
إنني أطلب من جميع هؤلاء الأصدقاء و الإخوة أن يعملوا على أساس الإخوة و التفاهم و يراعوا القانون. طريق القانون مفتوح. طريق المحبة و الصفاء مفتوح فاسلكوه. و اتمنى أن يوفق الله الجميع للسير في هذا الطريق. الجميع ينشدون تقدم البلاد. ليكرِّم هؤلاء الإخوة احتفال انتصار الأربعين مليوناً و لا يسمحوا للعدو بنسف هذا الاحتفال، و الأعداء يريدون نسفه. طبعاً إذا أراد البعض سلوك طريق آخر عندها سآتي مرةً أخرى و أتحدث مع الناس بصراحة أكبر.
أما خطابي الثالث فهو لقادة الاستكبار و زعماء وسائل الإعلام الاستكبارية. لقد تابعت خلال هذين الأسبوعين أو الثلاثة سلوك و تصريحات الساسة الأمريكان و ساسة بعض البلدان الأوربية طوال الأسابيع القريبة من الانتخابات و يوم الانتخابات و ليلة ما بعد الانتخابات ثم اليومين أو الثلاثة التي أعقبت الانتخابات. كان الوضع متغيراً و مختلفاً. قبل بدء الانتخابات كان منحی ساستهم و وسائل إعلامهم التشكيك في أصل الانتخابات عسى أن تنخفض مشاركة الجماهير. طبعاً هم أنفسهم - الأوربيون و الأمريكان - كانوا يخمّنون هذه النتائج و يحتملونها لكنهم لم يكونوا يتوقعون حركة الجماهير الضخمة هذه، و هذه المشاركة التي بلغت 85 بالمائة، و أربعين مليون. و بعد أن بدت هذه المشاركة الهائلة صدموا و أدركوا أي حدث كبير وقع في إيران، و أدركوا أن عليهم التكيّف مع هذه الظروف الجديدة، سواء في الشؤون الدولية أو في شؤون الشرق الأوسط و العالم الإسلامي، أو فيما يخص القضية النووية. صدموا للشأن الإيراني، و أدركوا أن فصلاً جديداً قد بدأ فيما يتعلق بشؤون الجمهورية الإسلامية و هم مضطرون لقبوله. هذا يرتبط بالحين الذي شوهدت فيه حركة الجماهير العظيمة و نقلت المعلومات لهم من هنا باستمرار عن طريق عملائهم و أبدوا كلهم دهشتهم. بدأت هذه التصريحات منذ صباح الجمعة، و لوحظت هناك بعض انعكاسات هذه التصريحات.
حينما شاهدوا اعتراض بعض المرشحين، شعروا فجأة، أن هناك فرصةً أمامهم، فاغتنموا هذه الفرصة كي يركبوا الموجة. تغيّرت لهجتهم منذ يوم السبت و الأحد، و حينما لاحظوا تدريجياً بعض التجمعات الشعبية في الشوارع بدعوة من المرشحين خامرهم الأمل و راحوا يخلعون أقنعتهم و قرروا إظهار حقيقتهم. تحدث بعض وزراء الخارجية و بعض رؤساء الحكومات في عدة بلدان أوربية و في أمريكا بكلام يفضح بواطنهم. نقل عن رئيس جمهورية أمريكا قوله إننا كنا بانتظار مثل هذا اليوم حيث ينـزل الناس للشوارع. من جانب يبعثون الرسائل و يبدون رغبتهم في إقامة علاقات و يعربون عن احترامهم للجمهورية الإسلامية و من جانب آخر يطلقون مثل هذه التصريحات، أيّهما نصدق؟
و قد تحرك عملاء هؤلاء الأجانب في الداخل و بدأ خط التسقيط في الشوارع، خط التخريب و الإحراق و إشعال الأموال العامة و زعزعة الأمن في حرم مشاغل الناس و تكسير زجاج دكاكينهم و نهب ممتلكات بعض المحلات، و سلب الناس أمنهم في أرواحهم و ممتلكاتهم. تعرض أمن الناس لتطاول هؤلاء. لا علاقة لهذا بالناس و أنصار المرشحين، إنما هو من فعل المسيئين و المرتزقة و عملاء أجهزة التجسس الغربية و الصهيونية. هذا الفعل الساذج الذي صدر عن البعض في الداخل أطمعهم فتصوروا أن إيران أيضاً جورجيا (!) ثمة رأسمالي صهيوني أمريكي ادعى قبل سنوات و نقلت وسائل الإعلام ادعاءه و قوله: إنني أنفقت عشرة ملايين دولار و أطلقت في جورجيا ثورة مخملية فأسقطتُ حكومة و جئتُ بحكومة. الحمقى توهموا أن الجمهورية الإسلامية، و إيران، و هذا الشعب العظيم حاله كالحال هناك. بأي مكان يقارنون إيران؟! مشكلة أعدائنا أنهم لم يفهموا الشعب الإيراني لحد الآن.
و الأسوء و الأقبح من كل شيء في هذه الغمرة هو الكلام الذي صدر عن هؤلاء الساسة الأمريكان كحرص على حقوق الإنسان و ضد التشدد مع الناس فقالوا: نحن نعارض أن يكون التعامل مع الناس بهذه الطريقة و قلقون لذلك! أنتم قلقون على الناس؟! و هل تعترفون بشيء اسمه حقوق الإنسان؟! من الذي أغرق أفغانستان بالدماء و لا يزال؟ من الذي أهان العراق تحت أحذية جنوده؟ من الذي قدم كل تلك المساعدات السياسية و المادية للحكومة الصهيونية الظالمة في فلسطين؟ أمريكا نفسها - و الإنسان ليعجب حقاً - في زمن حكومة هذا الحزب الديمقراطي، و في عهد رئاسة جمهورية زوج هذه السيدة التي تصرح حالياً، أحرقوا ثمانين و نيّف من أتباع فرقة الداوديين و هم أحياء. هذا مما لا سبيل لإنكاره. هؤلاء السادة الديمقراطيون هم الذين فعلوا ذلك. فرقة الداوديين و على حد تعبيرهم الديفيديين، أصبحوا موضع غضب الحكومة الأمريكية لسبب من الأسباب و لجأوا إلى منـزل و اعتصموا هناك. و لم يخرجوا من هناك رغم كل المحاولات. فجاء هؤلاء و أحرقوا المنـزل فاحترق ثمانون رجلاً و امرأة و طفلاً في ذلك البيت و هم أحياء. و هل تفهمون أنتم شيئاً اسمه حقوق الإنسان؟! اعتقد أن على هؤلاء المسؤولين و الساسة الأوربيين و الأمريكيين أن يعتبروا الخجل و الحياء من واجباتهم قليلاً. الجمهورية الإسلامية حاملة لواء حقوق الإنسان. دفاعنا عن الإنسان المظلوم في فلسطين، و لبنان، و العراق، و أفغانستان، و في أي مكان يظلم فيه الإنسان دليل على ذلك. دليل على أن راية حقوق الإنسان مرفوعة في هذا البلد بفضل الإيمان بالإسلام. لسنا بحاجة لأن ينصحنا أحد بخصوص حقوق الإنسان. حسناً، كان هذا كلامنا حول الانتخابات.
و لدي خطاب أخير أقوله لمولانا و سيدنا الإمام بقية الله (أرواحنا فداه): يا سيدنا و مولانا! إننا نفعل ما يجب أن نفعله، و قد قلنا ما يجب أن نقوله و سنقوله. لدي روح مزجاة.. و لدي جسم عليل.. لدي القليل من السمعة أنت الذي وفرتها لنا. أضع كل هذا على راحتيّ و أضحي به في سبيل هذه الثورة و في سبيل الإسلام. ليكن هذا أيضاً فداءً لك. سيدنا و مولانا ادعُ لنا الله. أنت صاحبنا و سيدنا، أنت مالك هذا البلد و هذه الثورة، و أنت سندنا و عوننا. سوف نواصل هذا الطريق، و سوف نواصله باقتدار، فكن سندنا في هذا الدرب بدعائك و حمايتك و توجّهك.

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله و الفتح، و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبّح بحمد ربك و استغفره إنه كان تواباً.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1- سورة الفتح، الآية 4.
2- سورة الرعد، الآية 28.
3- سورة الجمعة، الآية 9.
4- سورة العصر، الآية 1 - 3.
5- سورة آل عمران، الآية 118.